تفسير سفر اللاويين 12
التطهُّر بعد الإنجاب
أولًا. النجاسة الطقسية بعد الإنجاب
أ ) الآيات (1-4): عندما يولد طفل ذكر.
1وَكَلَّمَ ٱلرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا: 2″كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَائِلًا: إِذَا حَبِلَتِ ٱمْرَأَةٌ وَوَلَدَتْ ذَكَرًا، تَكُونُ نَجِسَةً سَبْعَةَ أَيَّامٍ. كَمَا فِي أَيَّامِ طَمْثِ عِلَّتِهَا تَكُونُ نَجِسَةً. 3وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّامِنِ يُخْتَنُ لَحْمُ غُرْلَتِهِ. 4ثُمَّ تُقِيمُ ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ يَوْمًا فِي دَمِ تَطْهِيرِهَا. كُلَّ شَيْءٍ مُقَدَّسٍ لَا تَمَسَّ، وَإِلَى ٱلْمَقْدِسِ لَا تَجِئْ حَتَّى تَكْمُلَ أَيَّامُ تَطْهِيرِهَا.”
1. إِذَا حَبِلَتِ ٱمْرَأَةٌ وَوَلَدَتْ ذَكَرًا، تَكُونُ نَجِسَةً سَبْعَةَ أَيَّامٍ: بعد أنت تنجب أم ولدًا، كانت تُعَد نجسة طقسيًّا لمدة سبعة أيام. وكان الولد يُختنن في اليوم الثامن.
· جلبت أم يسوع إياه إلى الهيكل في اليوم الثامن بعد ولادته (لوقا 2: 21). وقد أطاع يسوع الشريعة في كل جانب من جوانبها، بما في ذلك الاختتان فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّامِنِ.
2. وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّامِنِ يُخْتَنُ لَحْمُ غُرْلَتِهِ: أمر الله إبراهيم بأن يُختَتن كل ذكر من نسله (من خلال إسحاق ويعقوب) في اليوم الثامن من ولادتهم (تكوين 17: 12). فكان هذا علامة على العهد الذي قطعه الله مع إبراهيم ونسل العهد (تكوين 17: 11). وهذا مأمور به الآن كجانب من جوانب شريعة موسى.
· لم يكن الاختتان غير معروف في العالم القديم. إذ كانت ممارسة طقسية بين شعوب متنوعة. لكن بالنسبة للإسرائيلي، “كان الختان لكل إنسان علامة واضحة للعهد الذي دخل فيه مع الله والالتزامات الأخلاقية التي وُضِع تحتها بموجب هذا العهد.” كلارك (Clarke)
· لا شك أنه كانت هنالك أسباب صحية للختّان. وكان هذا أمرًا منطقيًّا على نحو خاص في العالم القديم. ولاحظ أس. آي. ماكميلين (S.I. McMillen) في كتابه ’ولا واحد من تلك الأمراض‘ دراسات جرت في 1949 و1954 بيّنت معدلًا متدنّيًا من سرطان الرحم بين النساء اليهوديات، لأن أزواجهن كانوا في الغالب مختونين.
· لكن ما هو أهم من هذا هو أن الختّان قطْع للجسد، وأنه علامة ملائمة للعهد للذين لا ينبغي أن يتّكلوا على الجسد. وفضلًا عن ذلك، لأن الختّان يتعامل مع عضو الإنجاب، فإن هذا تذكير بنسل إبراهيم الخاص الذي سيأتي من خلاله المسيّا.
· ربط الرسول بولس في كولوسي 2: 11-12 فكرتي الختّان والمعمودية. فكانت فكرته أننا في يسوع مختونون روحيًّا، وأننا دُفنّا مع يسوع في المعمودية أيضًا. ولم يقل بولس إن المعمودية علامة على العهد الجديد يتلقّاه المسيحي ويحيا تحته. وحتى لو كان مثل هذا الربط موجودًا، فإنه أمر مهم أن نلاحظ أن المرء يولد وراثيًا في العهد المذكور في تكوين 17. ولا يوجد المرء وراثيًّا في العهد الجديد. فالمرء يولد في العهد الجديد بنعمة الله من خلال الإيمان. وإنه لخطأ وضار أن نجري هذا التمثيل القياسي بينهما: ’خُتِن أطفالهم، ولهذا ينبغي أن يعمَّد أطفالنا.‘
3. ثُمَّ تُقِيمُ ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ يَوْمًا فِي دَمِ تَطْهِيرِهَا: عندما كان يولد ولد، كانت نجاستها الطقسية تدوم 33 يومًا أخرى. فكانت تصل إلى أربعين يومًا. وكان لهذا أسباب عدة أهمها هو إعطاء الأم الإسرائيلية إجازة الأمومة الحديثة. إذ كانت نجاستها الطقسية تعفيها من التزامات اجتماعية كثيرة. فكانت الأمهات يرحبن بأيام الراحة والعزلة، مع الترابط مع المولود الجديد.
· كان للدم ارتباطات مقدسة في شريعة إسرائيل القديمة. إذ كان يُفهم أن حياة الإنسان موجودة في دمه (تكوين 9: 4؛ لاويين 17: 11). ويمكن أن يعني فقدان الدم فقدان الحياة. وقد جعل دم الطمث المرأة غير طاهرة (لاويين 15: 19-24). وحتى الحيوانات، كان لا بد من جعْلها تنزف بطريقة معيّنة للذبح. وبما أن الإنجاب مرتبط دائمًا بالدم، فإنه أمر منطقي أن يكون هنالك طقس تطهيري خاص بعد الولادة. “لأن الحياة هي في الدم (لاويين 17: 11)، وتطلَّب فقدان الدم بعض التطهير للإقرار بقداسة الحياة.” روكر (Rooker)
· أتمّت مريم، أم يسوع، أيام تطهيرها هذه (لوقا 2: 22-24). وفي هذه المناسبة، التقى سمعان (لوقا 2: 25-35)، وحنة (لوقا 2: 36-38) يسوع وعائلته، ونطقا بكلمات بركات وشكر عليهم.
· عندما أنجبت مريم، لم تكن مسؤولة عن إنجاب خاطئ إلى العالم. غير أن يسوع توحّد مع البشرية الآثمة حتى عندما كان رضيعًا.
4. كُلَّ شَيْءٍ مُقَدَّسٍ لَا تَمَسَّ: لا ينبغي أن يُنظَر إلى وقت النجاسة الطقسية بشكل سلبي تجاه الولادة من جانب الله. فالله يأمر بالإنجاب، حيث إنه واضح في أمره للبشر بأن يثمروا ويكثروا (تكوين 1: 28)، وفي حقيقة أن الأطفال كانوا يُعَدَّون هبة وبركة من الله (مزمور 127: 3)، وفي حقيقة النظر إلى المرأة كثيرة الأطفال مبارَكة (مزمور 128: 3).
· يكمن مفتاح هذا الطقس في فهم فكرة الخطية الأصلية. فبِقَدر روعة المولود الجديد، أراد ألله أن نتذكر مع كل ولادة جديدة أن خاطئًا آخر جاء إلى هذا العالم. وفي هذه الصورة الرمزية، لم تكن الأم مسؤولة عن جلب خاطئ جديد إلى العالم.
· تَكُونُ نَجِسَةً: “الأمومة من أقدس الأشياء وأجملها في عالم الخبرة البشرية كله. ولا يحتاج هذا إلى جدال. لكن هذه الأمومة تمارَس في جنس بشري مدنّس. فعندما قال مرنم إسرائيل الحلو في مزمور توبته: “هَأَنَذَا بِٱلْإِثْمِ صُوِّرْتُ، وَبِٱلْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي” (مزمور 51: 5)، لم يكن يشير إلى أمه، بل ذكر حقيقة متعلقة بالجنس البشري كله، وهي حقيقة لا يستطيع أحد أن يهرب منها.” مورجان (Morgan)
ب) الآية (5): عند ولادة أنثى.
5وَإِنْ وَلَدَتْ أُنْثَى، تَكُونُ نَجِسَةً أُسْبُوعَيْنِ كَمَا فِي طَمْثِهَا. ثُمَّ تُقِيمُ سِتَّةً وَسِتِّينَ يَوْمًا فِي دَمِ تَطْهِيرِهَا.
1. وَإِنْ وَلَدَتْ أُنْثَى، تَكُونُ نَجِسَةً أُسْبُوعَيْنِ: امتدت الفترة إلى ضعفي الفترة عند ولادة طفل ذكر. فكانت الأم نجسة طقسيًّا مدة 14 يومًا متبوعة بستة وستين يومًا. وهكذا تحصل مُنجِبة الأنثى على ضعفي المكافئ القديم لإجازة الأمومة.
· “من ناحية جسدية بحتة، سيجمل هذا اعتبارًا وثيقًا وتوقيريًّا، ما يوفر راحة كاملة للأم الجديدة.” مورجان (Morgan)
2. ثُمَّ تُقِيمُ سِتَّةً وَسِتِّينَ يَوْمًا فِي دَمِ تَطْهِيرِهَا: لا ينبغي أن تُفهم النجاسة الطقسية لولادة ابنة على أنها عقاب، بل هي مرتبطة بالفكرة المذكورة في الآيات السابقة، وهي من أجل النجاسة للمسؤولية الرمزية لجلب خطاة آخرين إلى العالم. فعندما تلد امرأة طفلة، فإنها تجلب إلى العالم شخصًا سيجلب خطاة آخرين إلى العالم.
· طرح بعضهم فكرة أن الفترة الأطول في ما يتعلق بولادة بنت ترجع إلى أن البنات عادة ما يكنّ أصغر عند الولادة. ومن شأن هذا أن يعطي الأم مزيدًا من الوقت لتقديم عناية ورعاية مركزتين للمولودة. وفضلًا عن ذلك، بما أن الأولاد كانوا أكثر قيمة ومكانة، فستجبر الفترة الأطول الأم التي أنجبت بنتًا على الترابط بعمق أكبر على مدى فترة زمنية طويلة مع مولودتها الجديدة.
ثانيًا. طقس التطهير بعد الولادة
أ ) الآيات (6-7): القربان المطلوب.
6وَمَتَى كَمُلَتْ أَيَّامُ تَطْهِيرِهَا لِأَجْلِ ٱبْنٍ أَوِ ٱبْنَةٍ، تَأْتِي بِخَرُوفٍ حَوْلِيٍّ مُحْرَقَةً، وَفَرْخِ حَمَامَةٍ أَوْ يَمَامَةٍ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ إِلَى بَابِ خَيْمَةِ ٱلِٱجْتِمَاعِ، إِلَى ٱلْكَاهِنِ، 7فَيُقَدِّمُهُمَا أَمَامَ ٱلرَّبِّ وَيُكَفِّرُ عَنْهَا، فَتَطْهُرُ مِنْ يَنْبُوعِ دَمِهَا. هَذِهِ شَرِيعَةُ ٱلَّتِي تَلِدُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى.
1. فَيُقَدِّمُهُمَا أَمَامَ ٱلرَّبِّ وَيُكَفِّرُ عَنْهَا: كانت هذه ذبيحة قياسية إلى حد كبير للكفارة، محمِّلة المرأة مسؤولية رمزية عن جلب خاطئ آخر إلى العالم. فكان على الأم أن تجلب حَمَلًا حوْليًّا ليكون كمحرقة، علامة على تكريس الطفل لله. وكان على الأم أن تجلب أيضًا حمامة صغيرة أو يمامة كقربان خطية للتكفير.
2. هَذِهِ شَرِيعَةُ ٱلَّتِي تَلِدُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى: كان قربان الأم المطلوب هو نفسه، سواءً أولدتْ ولدًا أم بنتًا.
ب) الآية (8): ترخيص للفقراء.
8وَإِنْ لَمْ تَنَلْ يَدُهَا كِفَايَةً لِشَاةٍ تَأْخُذُ يَمَامَتَيْنِ أَوْ فَرْخَيْ حَمَامٍ، ٱلْوَاحِدَ مُحْرَقَةً، وَٱلْآخَرَ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ، فَيُكَفِّرُ عَنْهَا ٱلْكَاهِنُ فَتَطْهُرُ.
1. وَإِنْ لَمْ تَنَلْ يَدُهَا كِفَايَةً لِشَاةٍ: عرف الله أنها لم تكن تستطيع كل عائلة في إسرائيل أن تجلب شاة (حمَلًا) كقربان عند ولادة طفل. ولهذا سمح بقرابين أقل، يمامتين أو فرخي حمام.
· قدّمت عائلة يسوع يمامتين (لوقا 2: 22-24) في ولادته. ويبيّن هذا أن يسوع لم يولد في عائلة غنية. ويبيّن هذا أن الرجال الحكماء (المجوس) الذين قدّموا هدايا نفيسة ليسوع (متى 2: 11) لم يكونوا قد زاروا عائلة يسوع بعد.
· “يا لها من لمحة عن حالة سيدنا المتواضعة. كانت له القطعان على ألف جبل، غير أنه أخلى نفسه لدرجة أن أبويه اضطرا إلى تقديم أفقر قربان سمحت به الشريعة. انحنى لكي نرتفع، وأخلى نفسه لكي نمتلئ، وافتقر لنستغني، وصار إنسانًا لنكون إلهيين.” ماير (Meyer)
2. فَيُكَفِّرُ عَنْهَا ٱلْكَاهِنُ فَتَطْهُرُ: مثّل هذا القربان نهاية طقوس النجاسة، حيث كانت الأم تُعَد طاهرة (فَتَطْهُرُ) بعد ذلك.
· “إن كان البشر وُلِدوا في الخطية، فإن هنالك طريقة من خلال الكفارة والتكريس لاسترداد الشركة مع الله. وهكذا، في بداية كل حياة إنسان، تُستَحضَر الحاجة المروّعة والتدبير الإلهي الكريم من جديد.” مورجان (Morgan)