تفسير سفر اللاويين 26
بركات ولعنات
أولًا. بركات على إسرائيل المطيعة
أ ) الآيات (1-2): لا تعبدوا الأوثان.
1لَا تَصْنَعُوا لَكُمْ أَوْثَانًا، وَلَا تُقِيمُوا لَكُمْ تِمْثَالًا مَنْحُوتًا أَوْ نَصَبًا، وَلَا تَجْعَلُوا فِي أَرْضِكُمْ حَجَرًا مُصَوَّرًا لِتَسْجُدُوا لَهُ. لِأَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ إِلَهُكُمْ. 2سُبُوتِي تَحْفَظُونَ وَمَقْدِسِي تَهَابُونَ. أَنَا ٱلرَّبُّ.
1. لَا تَصْنَعُوا لَكُمْ أَوْثَانًا: لاويين 26 إصحاح لافت للنظر يَعِد بركات على إسرائيل المطيعة ولعنات على إسرائيل العاصية. وقبل أن تُعلن البركات واللعنات، ذكّر الله إسرائيل بالشريعة الأساسية، وهي أن يهوه، الرب، إله عهد إسرائيل هو وحده المستحق للعبادة.
2. وَلَا تُقِيمُوا لَكُمْ تِمْثَالًا مَنْحُوتًا أَوْ نَصَبًا: عادة ما تمثّل المنحوتات إلهًا وثنيًّا. وكان النصب مرتبطًا في العادة بالعبادة غير الأخلاقية لآلهة الخصوبة.
· أَوْثَانًا… تِمْثَالًا مَنْحُوتًا … نَصَبًا … حَجَرًا مُصَوَّرًا: “هذا الوصف الرباعي لصتع الأوثان هو الأكثر تركيزًا أو شمولًا في الكتاب المقدس في الإشارة إلى صناعة الأوثان في الكتاب المقدس. وهو بالتالي يستثني أي نوع من أنواع عبادة الأوثان.” روكر (Rooker)
· شرح بيتر كونتيس (Peter-Contesse) كلًّا من هذه التعابير:
ü أوثان: “يعني جذر هذه الكلمة ’تافه‘ أو ’غير كافٍ‘ أو ’لا شيء.‘”
ü منحوتات: “يشير هذا إلى شيء تمّ تشكيله على شكل شيء (جماد)، أو حيوان، أو شخص. وقد يكون مصنوعًا من حجر، أو خزف، أو خشب، أو معدن. وحسب السياق هنا، فإن القصد من صُنع مثل هذا الشبع هو توفير شيء يمكن عبادته.”
ü نصْب: “يرجّح أن هذا يشير إلى حجر طويل تم صنعه لينتصب وحده وليكون بمثابة موضوع للعبادة.”
ü حجر منقوش: “قارن عدد 33: 52. من غير المؤكد ما يشير إليه هذا التعبير. ومعنى جذر الكلمة بمرتبط بالفعل ’ينظر.‘”
3. سُبُوتِي تَحْفَظُونَ وَمَقْدِسِي تَهَابُونَ: من ناحية عملية، كان حفظ السبت وتوقير مَقْدس الله جزءًا من مهمًّا من الطريقة التي كانت بها إسرائيل تكرم الله.
3. سُبُوتِي تَحْفَظُونَ وَمَقْدِسِي تَهَابُونَ: من الناحية العملية، كان جزءًا مهمًا من الطريقة التي كرم بها إسرائيل الله من خلال حفظ يوم السبت والتعبير عن مقدس الله بوقار.
ب) الآيات (3-8): بركات على إسرائيل المطيعة: حصاد وفير، سلام، انتصار في المعركة.
3إِذَا سَلَكْتُمْ فِي فَرَائِضِي وَحَفِظْتُمْ وَصَايَايَ وَعَمِلْتُمْ بِهَا، 4أُعْطِي مَطَرَكُمْ فِي حِينِهِ، وَتُعْطِي ٱلْأَرْضُ غَلَّتَهَا، وَتُعْطِي أَشْجَارُ ٱلْحَقْلِ أَثْمَارَهَا، 5وَيَلْحَقُ دِرَاسُكُمْ بِٱلْقِطَافِ، وَيَلْحَقُ ٱلْقِطَافُ بِٱلزَّرْعِ، فَتَأْكُلُونَ خُبْزَكُمْ لِلشِّبَعِ وَتَسْكُنُونَ فِي أَرْضِكُمْ آمِنِينَ. 6وَأَجْعَلُ سَلَامًا فِي ٱلْأَرْضِ، فَتَنَامُونَ وَلَيْسَ مَنْ يُزْعِجُكُمْ. وَأُبِيدُ ٱلْوُحُوشَ ٱلرَّدِيئَةَ مِنَ ٱلْأَرْضِ، وَلَا يَعْبُرُ سَيْفٌ فِي أَرْضِكُمْ. 7وَتَطْرُدُونَ أَعْدَاءَكُمْ فَيَسْقُطُونَ أَمَامَكُمْ بِٱلسَّيْفِ. 8يَطْرُدُ خَمْسَةٌ مِنْكُمْ مِئَةً، وَمِئَةٌ مِنْكُمْ يَطْرُدُونَ رَبْوَةً، وَيَسْقُطُ أَعْدَاؤُكُمْ أَمَامَكُمْ بِٱلسَّيْفِ.
1. إِذَا سَلَكْتُمْ فِي فَرَائِضِي وَحَفِظْتُمْ وَصَايَايَ وَعَمِلْتُمْ بِهَا، أُعْطِي مَطَرَكُمْ فِي حِينِهِ: كان الله عازمًا على أن يعلن نفسه للعالم من خلال إسرائيل، إمّا بجعلها مباركة جدًّا بحيث يعرف العالم أن الله وحده يمكن أن يباركها هكذا، وإما بأن يلعنها كثيرًا بحيث يعرف العالم أن الله وحده يمكن أن يلعنها هكذا ويُبقيها موجودة رغم ذلك. فكان الخيار متروكًا لإسرائيل.
· “يتناول لاويين 26 موضوع البركات واللعنات، وهذه سمة شائعة في المعاهدات القديمة في الشرق الأدنى.” روكر (Rooker)
2. يَطْرُدُ خَمْسَةٌ مِنْكُمْ مِئَةً، وَمِئَةٌ مِنْكُمْ يَطْرُدُونَ رَبْوَةً: من الواضح أنه يتحدث عن بركة إلهية. إذ تحمل الوعود عنصرًا خارقًا جليًّا.
· المبدأ الكامن وراء هذه البركة لافت للنظر، حيث تتصاعد النسبة بشكل كبير. فخمسة مقابل مئة تمثل واحدً من عشرين، بينما يمثل مئة مقابل عشرة آلاف واحدًا بالمئة.
· هزم جدعون بثلاث مئة من رجاله 135.000 مدياني. وهزم يوناثان وحامل سلاحه جيشًا فلسطيًّا. وفي 2 ملوك 7، أرسل الله صوت جيش قوي إلى معسكر الآراميين الذين كانوا يحاصرون السامرة (2 ملوك 7: 6-7). ومن تلك القصة، يمكنك أن تقول إن الله استخدم أربعة رجال بُرص لهزيمة جيش آرامي قوامه عدة آلاف.
ج) الآيات (9-13): بركات على إسرائيل المطيعة: وفرة، حضور الله، حرية.
9وَأَلْتَفِتُ إِلَيْكُمْ وَأُثْمِرُكُمْ وَأُكَثِّرُكُمْ وَأَفِي مِيثَاقِي مَعَكُمْ، 10فَتَأْكُلُونَ ٱلْعَتِيقَ ٱلْمُعَتَّقَ، وَتُخْرِجُونَ ٱلْعَتِيقَ مِنْ وَجْهِ ٱلْجَدِيدِ. 11وَأَجْعَلُ مَسْكَنِي فِي وَسَطِكُمْ، وَلَا تَرْذُلُكُمْ نَفْسِي. 12وَأَسِيرُ بَيْنَكُمْ وَأَكُونُ لَكُمْ إِلَهًا وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ لِي شَعْبًا. 13أَنَا ٱلرَّبُّ إِلَهُكُمُ ٱلَّذِي أَخْرَجَكُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ كَوْنِكُمْ لَهُمْ عَبِيدًا، وَقَطَّعَ قُيُودَ نِيرِكُمْ وَسَيَّرَكُمْ قِيَامًا.
1. وَأَفِي مِيثَاقِي مَعَكُمْ: يشبه هذا الإصحاح في شكله الأدبي المعاهدات القديمة بين ملك وشعبه. وهنا الله هو الملك الذي يصنع عهدًا مع شعبه، إسرائيل.
· “في الشرق الأدنى القديم، كان معتادًا أن تُختتم المعاهدات القانونية بنصوص تتضمن بركات على الذين يراعون بنودها، ولعنات على الذين لا يراعونها.” هاريسون (Harrrison)
2. وَأَجْعَلُ مَسْكَنِي فِي وَسَطِكُمْ، وَلَا تَرْذُلُكُمْ نَفْسِي. وَأَسِيرُ بَيْنَكُمْ وَأَكُونُ لَكُمْ إِلَهًا وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ لِي شَعْبًا: تُترك أفضل الوعود للآخر. أولًا، ستتمتع إسرائيل بعلاقة خاصة بالله. ولولا ذلك، لكانت البركات المادية المذكورة سابقًا فارغة.
· عندما سارت إسرائيل وراء الرب، كانت هذه البركات حقيقية في حياتها. ومن أمثلة ذلك أنه عندما جاءت ملكة سبأ إلى سليمان ورأت أُمّة عظيمة، أدركت أن هذه لا بد أن تكون يد الرب (1 ملوك 10: 1-13).
· وَأَسِيرُ بَيْنَكُمْ وَأَكُونُ لَكُمْ إِلَهًا وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ لِي شَعْبًا: اقتبس الرسول بولس هذا السطر في 2 كورنثوس 16: 6 لشرح ما يعنيه أن تكون الكنيسة هيكل الله ومكان إقامته.
3. وَقَطَّعَ قُيُودَ نِيرِكُمْ وَسَيَّرَكُمْ قِيَامًا: تتحدث البركة النهائية عن الحرية والكرامة. ويبدو هذا النص وكأنه مثل العهد الجديد. فالله ينادي بحرية شعبه، ثم يدعوهم إلى أن يسيروا في هذه الحرية والكرامة.
· “يقدّم النص صورة لعبد مُنحنٍ تحت حِمْل هائل. وفجأة يرفع العبء عنه، وهو ما يعبَّر عنه إقامة علاقة خاصة بين الله وإسرائيل).” روكر (Rooker)
ثانيًا. لعنات على إسرائيل العاصية
أ ) الآيات (14-17): ستُلعن إسرائيل بالخوف والضعف.
14لَكِنْ إِنْ لَمْ تَسْمَعُوا لِي وَلَمْ تَعْمَلُوا كُلَّ هَذِهِ ٱلْوَصَايَا، 15وَإِنْ رَفَضْتُمْ فَرَائِضِي وَكَرِهَتْ أَنْفُسُكُمْ أَحْكَامِي، فَمَا عَمِلْتُمْ كُلَّ وَصَايَايَ، بَلْ نَكَثْتُمْ مِيثَاقِي، 16فَإِنِّي أَعْمَلُ هَذِهِ بِكُمْ: أُسَلِّطُ عَلَيْكُمْ رُعْبًا وَسِلًّا وَحُمَّى تُفْنِي ٱلْعَيْنَيْنِ وَتُتْلِفُ ٱلنَّفْسَ. وَتَزْرَعُونَ بَاطِلًا زَرْعَكُمْ فَيَأْكُلُهُ أَعْدَاؤُكُمْ. 17وَأَجْعَلُ وَجْهِي ضِدَّكُمْ فَتَنْهَزِمُونَ أَمَامَ أَعْدَائِكُمْ، وَيَتَسَلَّطُ عَلَيْكُمْ مُبْغِضُوكُمْ، وَتَهْرُبُونَ وَلَيْسَ مَنْ يَطْرُدُكُمْ.
1. لَكِنْ إِنْ لَمْ تَسْمَعُوا لِي: يبدأ هنا القسم الذي يلعن فيه الله إسرائيل العاصية. فعدم الاستماع إلى الله ورفض مراعاة وصاياه يعني احتقارًا وبُغضًا لكلمته (فَرَائِضِي… أَحْكَامِي). وبالنسبة لإسرائيل، كان يعني هذا تنصُّلًا من العهد الذي قطعوه مع الرب (خروج 24: 1-8).
· يبلغ طول قسم اللعنات ضعفي قسم البركات. ويخاطب هذا الطبيعة البشرية التي عادة ما تكون مدفوعة بخوف التهديدات أكثر مما تُدفع بوعود البركات.
2. أُسَلِّطُ عَلَيْكُمْ رُعْبًا: وعد الله بأن يجلب إحساسًا بالرعب على إسرائيل العاصية. وستصاب بمرض هزال وحُمّى. ولأن الله سيجعل وجهه ضد إسرائيل، سيُهزَم رجالها في المعارك، وسيكونون مشوّشين وخائفين حتى إنهم يمكن أن يهربوا عندما لا يطاردهم أحد.
ب) الآيات (18-20): ستُلعن إسرائيل بمحاصيل هزيلة.
18وَإِنْ كُنْتُمْ مَعَ ذَلِكَ لَا تَسْمَعُونَ لِي، أَزِيدُ عَلَى تَأْدِيبِكُمْ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ حَسَبَ خَطَايَاكُمْ، 19فَأُحَطِّمُ فَخَارَ عِزِّكُمْ، وَأُصَيِّرُ سَمَاءَكُمْ كَٱلْحَدِيدِ، وَأَرْضَكُمْ كَٱلنُّحَاسِ، 20فَتُفْرَغُ بَاطِلًا قُوَّتُكُمْ، وَأَرْضُكُمْ لَا تُعْطِي غَلَّتَهَا، وَأَشْجَارُ ٱلْأَرْضِ لَا تُعْطِي أَثْمَارَهَا.
1. وَإِنْ كُنْتُمْ مَعَ ذَلِكَ لَا تَسْمَعُونَ لِي: هذا القسم مرتب لإعطاء الإحساس بأن الله سيكثّر اللعنات إذا استمرت إسرائيل في عصيانها العنيد. وسيعاقبها الله سَبْعَةَ أَضْعَافٍ حَسَبَ خَطَايَاهَا.
2. فَأُحَطِّمُ فَخَارَ عِزِّكُمْ: تكمن المشكلة الأشاسية مع العصيان المزمن المستمر في الكبرياء، وفي افتخار المرء بقوّته. ويتوجب أن يُكسر الافتخار والكبرياء.
3. فَتُفْرَغُ بَاطِلًا قُوَّتُكُمْ: لن تعرف إسرائيل العاصية الملعونة فائدة تعبها وثماره. إذ لن تجلب قوتها أية مكافأة لها. قد تفعل كل ما يلزم للزراعة، لكن المحاصيل والثمار ستكون قليلة.
ج) الآيات (21-22): ستُلعن إسرائيل العاصية بوحوش برية.
21وَإِنْ سَلَكْتُمْ مَعِي بِٱلْخِلَافِ، وَلَمْ تَشَاءُوا أَنْ تَسْمَعُوا لِي، أَزِيدُ عَلَيْكُمْ ضَرْبَاتٍ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ حَسَبَ خَطَايَاكُمْ. 22أُطْلِقُ عَلَيْكُمْ وُحُوشَ ٱلْبَرِّيَّةِ فَتُعْدِمُكُمُ ٱلْأَوْلَادَ، وَتَقْرِضُ بَهَائِمَكُمْ، وَتُقَلِّلُكُمْ فَتُوحَشُ طُرُقُكُمْ.
1. أَزِيدُ عَلَيْكُمْ ضَرْبَاتٍ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ حَسَبَ خَطَايَاكُمْ: مع تمادي إسرائيل في عصيانها، سيضاعف الله ضرباتها وأوجاعها بسبب خطاياها المتضاعفة.
· “تشير الكلمة المترجمة إلى ’ضربة‘ إلى ’عقاب.‘” بيتر كونتيس (Peter-Contesse)
2. أُطْلِقُ عَلَيْكُمْ وُحُوشَ ٱلْبَرِّيَّةِ: وعد الله بأن يرسل وحوشًا برية على شعبه المتمرد. وستتسبب هذه في دمار كبير في عائلاتهم ومواشيهم وتجارتهم (فَتُوحَشُ طُرُقُكُمْ). ونحن نجد سجلًّا لهذا الحدث في 2 ملوك 17: 25.
د ) الآيات (23-26): ستُلعن إسرائيل العاصية بالوباء والمجاعة.
23وَإِنْ لَمْ تَتَأَدَّبُوا مِنِّي بِذَلِكَ، بَلْ سَلَكْتُمْ مَعِي بِٱلْخِلَافِ، 24فَإِنِّي أَنَا أَسْلُكُ مَعَكُمْ بِٱلْخِلَافِ، وَأَضْرِبُكُمْ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ حَسَبَ خَطَايَاكُمْ. 25أَجْلِبُ عَلَيْكُمْ سَيْفًا يَنْتَقِمُ نَقْمَةَ ٱلْمِيثَاقِ، فَتَجْتَمِعُونَ إِلَى مُدُنِكُمْ وَأُرْسِلُ فِي وَسَطِكُمُ ٱلْوَبَأَ فَتُدْفَعُونَ بِيَدِ ٱلْعَدُوِّ. 26بِكَسْرِي لَكُمْ عَصَا ٱلْخُبْزِ. تَخْبِزُ عَشَرُ نِسَاءٍ خُبْزَكُمْ فِي تَنُّورٍ وَاحِدٍ، وَيَرْدُدْنَ خُبْزَكُمْ بِٱلْوَزْنِ، فَتَأْكُلُونَ وَلَا تَشْبَعُونَ.
1. وَإِنْ لَمْ تَتَأَدَّبُوا (تُصْلَحوا) مِنِّي بِذَلِكَ: إن استجابت إسرائيل للعنات والكوارث المذكورة بالاتضاع والتوبة، فسيعد الله ذلك تأديبًا وإصلاحًا. وإذا لم تتأدب بهذا كله، يمكنها أن تنتظر مزيدًا من الكوارث.
2. أَجْلِبُ عَلَيْكُمْ سَيْفًا… ٱلْوَبَأَ… عَشَرُ نِسَاءٍ خُبْزَكُمْ فِي تَنُّورٍ وَاحِدٍ: ستتواصل المصائب المرسَلة من الله. إذ سيتعرضون للغزو، وسيصابون بالوباء، وسيختبرون المجاعة. وستكون المجاعة قاسية حتى إن عشر نساء سيخبزن في تنّور واحد لأنه لن يكون هنالك ما يكفي لصنع الخبز. وبالتالي لن يكون هنالك ما يكفي للشبع.
· خُبْزَكُمْ بِٱلْوَزْنِ: “سيكون هنالك القليل جدًّا بحيث يتعيّن عليهن قياس الكميات الصغيرة لكل واحدة منهن. قارن حزقيال 4: 16-17.” بيتر كونتيس (Peter-Contesse)
هـ) الآيات (27-35): ستُلعن إسرائيل العاصية بالموت والخراب والسبي.
27وَإِنْ كُنْتُمْ بِذَلِكَ لَا تَسْمَعُونَ لِي بَلْ سَلَكْتُمْ مَعِي بِٱلْخِلَافِ، 28فَأَنَا أَسْلُكُ مَعَكُمْ بِٱلْخِلَافِ سَاخِطًا، وَأُؤَدِّبُكُمْ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ حَسَبَ خَطَايَاكُمْ، 29فَتَأْكُلُونَ لَحْمَ بَنِيكُمْ، وَلَحْمَ بَنَاتِكُمْ تَأْكُلُونَ. 30وَأُخْرِبُ مُرْتَفَعَاتِكُمْ، وَأَقْطَعُ شَمْسَاتِكُمْ، وَأُلْقِي جُثَثَكُمْ عَلَى جُثَثِ أَصْنَامِكُمْ، وَتَرْذُلُكُمْ نَفْسِي. 31وَأُصَيِّرُ مُدُنَكُمْ خَرِبَةً، وَمَقَادِسَكُمْ مُوحِشَةً، وَلَا أَشْتَمُّ رَائِحَةَ سَرُورِكُمْ. 32وَأُوحِشُ ٱلْأَرْضَ فَيَسْتَوْحِشُ مِنْهَا أَعْدَاؤُكُمُ ٱلسَّاكِنُونَ فِيهَا. 33وَأُذَرِّيكُمْ بَيْنَ ٱلْأُمَمِ، وَأُجَرِّدُ وَرَاءَكُمُ ٱلسَّيْفَ فَتَصِيرُ أَرْضُكُمْ مُوحَشَةً، وَمُدُنُكُمْ تَصِيرُ خَرِبَةً. 34حِينَئِذٍ تَسْتَوْفِي ٱلْأَرْضُ سُبُوتَهَا كُلَّ أَيَّامِ وَحْشَتِهَا وَأَنْتُمْ فِي أَرْضِ أَعْدَائِكُمْ. حِينَئِذٍ تَسْبِتُ ٱلْأَرْضُ وَتَسْتَوْفِي سُبُوتَهَا. 35كُلَّ أَيَّامِ وَحْشَتِهَا تَسْبِتُ مَا لَمْ تَسْبِتْهُ مِنْ سُبُوتِكُمْ فِي سَكَنِكُمْ عَلَيْهَا.
1. وَإِنْ كُنْتُمْ بِذَلِكَ لَا تَسْمَعُونَ لِي بَلْ سَلَكْتُمْ مَعِي بِٱلْخِلَافِ: واصل الله وصفه لشرّ إسرائيل المتضاعف واستجابته بعقابها.
2. وَأُؤَدِّبُكُمْ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ حَسَبَ خَطَايَاكُمْ: إنه لأمر ذو دلالة أن الله لم يقل إنه سيهجر إسرائيل، بل قال إنه سيلعنها. ومن المؤسف أن هذه اللعنات صارت قصة تاريخ إسرائيل المأساوية بين هزائم، وحرمان، وسبي، وخراب، ومرض. إذ ميّزت هذه كلها تاريخ الشعب اليهودي.
· لاحظ روكر التناسق بين البركات واللعنات في هذا الإصحاح:
البركات
العيش في أمان (5) إزالة الوحوش البرية (6) إزالة السيف (6) النتصار على الأعداء (7) رضا الله (9) |
اللعنات
العيش بين أمّة غريبة (33) وجود الوحوش المفترسة (22) انتقام السيف (25) سخط الله (17) |
3. فَتَأْكُلُونَ لَحْمَ بَنِيكُمْ: وعد الله بأن تكون المجاعة ستكون قاسية بينهم حتى إنهم سيلجؤون إلى أكل لحم أبنائهم وبناتهم. وقد تحققت وحشية أكل اللحوم البشرية في 2 ملوك 6: 26-29.
· وصف المؤرخ اليهودي يوسيفوس أكل اللحوم البشرية في أورشليم تحت الحصار الروماني في 70 ب. م. وذكر كيف أن امرأة قتلت رضيعها وأكلته. (حروب 6. 3. 4).
4. وَأُذَرِّيكُمْ بَيْنَ ٱلْأُمَمِ: إذا واصلت إسرلئيل عصيانها، ستُغزى وستُزال من الأرض، وستتشتت بين الأمم. ولأنها لم تطع وصية الله حول السنة السبتية (لاويين 25: 1-7)، سيُفرغ الله الأرض لكي تتمتع بسبوتها.
· “تشير كلمة ’أُذرّي‘ (Zrh) التي تصور صورة زراعية إلى تشتيت إسرائيل بين الأمم أو سبيها. وتستخدم أيضًا في سياق زراعي (راعوث 3: 2؛ إشعياء 30: 24؛ 41: 16).” روكر (Rooker)
و ) الآيات (36-39): حتى في السبت، ستُلعن إسرائيل بالخوف.
36وَٱلْبَاقُونَ مِنْكُمْ أُلْقِي ٱلْجَبَانَةَ فِي قُلُوبِهِمْ فِي أَرَاضِي أَعْدَائِهِمْ، فَيَهْزِمُهُمْ صَوْتُ وَرَقَةٍ مُنْدَفِعَةٍ، فَيَهْرُبُونَ كَٱلْهَرَبِ مِنَ ٱلسَّيْفِ، وَيَسْقُطُونَ وَلَيْسَ طَارِدٌ. 37وَيَعْثُرُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ كَمَا مِنْ أَمَامِ ٱلسَّيْفِ وَلَيْسَ طَارِدٌ، وَلَا يَكُونُ لَكُمْ قِيَامٌ أَمَامَ أَعْدَائِكُمْ، 38فَتَهْلِكُونَ بَيْنَ ٱلشُّعُوبِ وَتَأْكُلُكُمْ أَرْضُ أَعْدَائِكُمْ. 39وَٱلْبَاقُونَ مِنْكُمْ يَفْنَوْنَ بِذُنُوبِهِمْ فِي أَرَاضِي أَعْدَائِكُمْ. وَأَيْضًا بِذُنُوبِ آبَائِهِمْ مَعَهُمْ يَفْنَوْنَ.
1. أُلْقِي ٱلْجَبَانَةَ فِي قُلُوبِهِمْ فِي أَرَاضِي أَعْدَائِهِمْ: مع استمرار بني إسرائيل في عصيانهم، وعد الله بأن يكون ضدهم في أرض شتاتهم. وسيمتلئون بالخوف والجبانة حتى إن صوت ورقة شجر ستبدو لهم كصوت السيف. وسيسقطون حتى عندما لا يلاحقهم أحد.
· “لا يخاف الشجعان من صوت المعركة. لكن الله سيجعل شعبه خائفًا جدًّا حتى إن ورقة شجرة تحركها الريح تجعلهم يفرّون.” بيتر كونتيس (Peter-Contesse)
2. فَتَهْلِكُونَ بَيْنَ ٱلشُّعُوبِ: لا يُقصد هنا أن الشعب اليهودي سيختفي، لكنهم سيصبحون قليلين جدًّا وضعفاء وكأنهم انقرضوا. وسيهزلون تحت لعنة الله.
ثالثًا. الوعد باسترداد إسرائيل التائبة
أ ) الآيات (40-42): استرداد إسرائيل بعد تواضعها وتوبتها.
40لَكِنْ إِنْ أَقَرُّوا بِذُنُوبِهِمْ وَذُنُوبِ آبَائِهِمْ فِي خِيَانَتِهِمِ ٱلَّتِي خَانُونِي بِهَا، وَسُلُوكِهِمْ مَعِيَ ٱلَّذِي سَلَكُوا بِٱلْخِلَافِ، 41وَإِنِّي أَيْضًا سَلَكْتُ مَعَهُمْ بِٱلْخِلَافِ وَأَتَيْتُ بِهِمْ إِلَى أَرْضِ أَعْدَائِهِمْ. إِلَّا أَنْ تَخْضَعَ حِينَئِذٍ قُلُوبُهُمُ ٱلْغُلْفُ، وَيَسْتَوْفُوا حِينَئِذٍ عَنْ ذُنُوبِهِمْ، 42أَذْكُرُ مِيثَاقِي مَعَ يَعْقُوبَ، وَأَذْكُرُ أَيْضًا مِيثَاقِي مَعَ إِسْحَاقَ، وَمِيثَاقِي مَعَ إِبْرَاهِيمَ، وَأَذْكُرُ ٱلْأَرْضَ.
1. لَكِنْ إِنْ أَقَرُّوا بِذُنُوبِهِمْ وَذُنُوبِ آبَائِهِمْ: يبيّن هذا عظمة رحمة الله. فرغم مدى ملعونية إسرائيل، فإن الله سيذكر ويقبل ويباركك إسرائيل التائبة. وسيتضمن هذا إقرارًا بخطيتها، وبتأديب الله لها (وَسُلُوكِهِمْ مَعِيَ ٱلَّذِي سَلَكُوا بِٱلْخِلَافِ)، وفهمًا أنهم سيئون مثل الأمم (قُلُوبُهُمُ ٱلْغُلْفُ)، وسيتعيّن عليهم أن يعترفوا بذنبهم.
· وَسُلُوكِهِمْ مَعِيَ ٱلَّذِي سَلَكُوا بِٱلْخِلَافِ: “يتوجب عليهم أن يدركوا أن عقابهم مستحَق قبل أن يختبروا الاسترداد والغفران.” روكر (Rooker)
2. أَذْكُرُ مِيثَاقِي مَعَ يَعْقُوبَ: وعد الله أن يتذكر وعده مع إبراهيم وإسحق ويعقوب. وعند هذا سيسارع إلى استرداد إسرائيل العاصية ومباركتها. وسيتذكر الله الأرض أيضًا، ويعني هذا أنه سيعيدهم إلى الأرض.
· “من المفيد للغاية أن نلاحظ كيف أن التدهور الأخلاقي للشعب وابتعادهم كان معروفًا لدى الملك (الله) بشكل جلي. ورغم هذا، قطع وعودًا بالاسترداد. وهكذا، في حين أن الله يشدد كثيرًا على المسؤولية الإنسانية، إلا أنه يفعل هذا بطريقة تخلق الاقتناع بأن محبة الله ستثبت في نهاية الأمر أنها تنتصر على الفشل الإنساني.” مورجان (Morgan)
ب) الآيات (43-45): طبيعة عهد الله غير القابلة للكسر مع إسرائيل.
43وَٱلْأَرْضُ تُتْرَكُ مِنْهُمْ وَتَسْتَوْفِي سُبُوتَهَا فِي وَحْشَتِهَا مِنْهُمْ، وَهُمْ يَسْتَوْفُونَ عَنْ ذُنُوبِهِمْ لِأَنَّهُمْ قَدْ أَبَوْا أَحْكَامِي وَكَرِهَتْ أَنْفُسُهُمْ فَرَائِضِي. وَلَكِنْ مَعَ ذَلِكَ أَيْضًا مَتَى كَانُوا فِي أَرْضِ أَعْدَائِهِمْ، مَا أَبَيْتُهُمْ وَلَا كَرِهْتُهُمْ حَتَّى أُبِيدَهُمْ وَأَنْكُثَ مِيثَاقِي مَعَهُمْ، لِأَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ إِلَهُهُمْ. بَلْ أَذْكُرُ لَهُمْ ٱلْمِيثَاقَ مَعَ ٱلْأَوَّلِينَ ٱلَّذِينَ أَخْرَجْتُهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ أَمَامَ أَعْيُنِ ٱلشُّعُوبِ لِأَكُونَ لَهُمْ إِلَهًا. أَنَا ٱلرَّبُّ.
1. وَٱلْأَرْضُ تُتْرَكُ (تُفرَغ) مِنْهُمْ: حتى عندما كانت إسرائيل في السبي، لم ينبذها الله. إذ سيبقى مستعدًّا لاستردادها عندما تعود إليه.
2. وَلَكِنْ مَعَ ذَلِكَ أَيْضًا مَتَى كَانُوا فِي أَرْضِ أَعْدَائِهِمْ، مَا أَبَيْتُهُمْ وَلَا كَرِهْتُهُمْ حَتَّى أُبِيدَهُمْ وَأَنْكُثَ مِيثَاقِي مَعَهُمْ: رحمة الله ولطفه لافتان للنظر. فقد وعد بأنه حتى عندما تكون إسرائيل في أسوأ حالاتها، لن ينقض عهده معها. لقد فدى الله إسرائيل من مصر على مرأى من الأمم، ولن يتخلى عن شعب عهده.
· “في واقع الأمر، حدث هذا الاسترداد عند توبة إسرائيل عندما عادوا إلى الرب في السبي في بابل (دانيال 9: 1-19). وفي حقيقة الأمر، ينبغي أن أن نفهم لاويين 26: 32-45 كعرض مسبق لتاريخ إسرائيل الذي يشمل خبرات الارتداد والسبي والاسترداد.” روكر (Rooker)
· “من هذا الموضع يأخذ اليهود تعزية عظيمة، ويطمئنون أنفسهم على أنهم سيتحررون من عبوديتهم وتعاستهم الحالية هذه. ومن هذا النص وغيره، يخلص الرسول بولس إلى أن الأُمّة الإسرائيلية، رغم أنها رُفضت ودُمّرت في ذلك الوقت، ستُجمع ثانية وتُسترد.” بوله (Poole)
ج) الآية (46): خاتمة للبركات واللعنات على إسرائيل.
46هَذِهِ هِيَ ٱلْفَرَائِضُ وَٱلْأَحْكَامُ وَٱلشَّرَائِعُ ٱلَّتِي وَضَعَهَا ٱلرَّبُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي جَبَلِ سِينَاءَ بِيَدِ مُوسَى.
1. هَذِهِ هِيَ ٱلْفَرَائِضُ وَٱلْأَحْكَامُ وَٱلشَّرَائِعُ: بمعنى ما، تختتم هذ الآية سفر اللاويين. ويبدو أن لاويين 27 ملحق إضافي لهذا السفر.
2. ٱلَّتِي وَضَعَهَا ٱلرَّبُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ: قُطع هذا العهد على وجه التحديد بين الله نفسه وبني إسرائيل (خروج 24: 1-28). وعندما يتعلّق الأمر بوعود البركة هذه، فإنه أمر جيد أن نسأل إن كانت مبادئ البركات واللعنة تنطبق علينا تحت العهد الجديد.
· يرى بعضهم أن غلاطية 6: 7 تبيّن أننا تحت نفس مبادئ البركات واللعنة: “لَا تَضِلُّوا! ٱللهُ لَا يُشْمَخُ عَلَيْهِ. فَإِنَّ ٱلَّذِي يَزْرَعُهُ ٱلْإِنْسَانُ إِيَّاهُ يَحْصُدُ أَيْضًا.” لكن في السياق، لم يكن يروّج بولس لمبدأ الكارما الروحي الذي يَعِد بأننا دائمًا نحصل على خير عندما نفعل خيرًا، أو أننا نحصل دائمًا على شيء سيئ عندما نفعل شيئًا سيئًا. ولو كان هنالك مبدأ مطلق كهذا، فسيديننا جميعًا. وبدلًا من ذلك، تَحَدّث بولس عن إدارة مواردنا (انظر غلاطية 6: 6-10). قال بولس بشكل أساسي إننا نخدع أنفسنا بتوقُّع الكثير عندما نزرع قليلًا. فلا يمكننا أن نستغبي الله. إذ ستكون زراعتنا السيئة واضحة تمامًا.
· توضح غلاطية 3: 13-14 هذا الأمر. لقد قبِل يسوع لعنة على نفسه عندما عُلِّق على الصليب، محققًا الوعد المتضمن في تثنية 21: 23 باللعنة على كل الذين يُعدَمون وتُعرضون أجسادهم للخزي أمام الملأ. حمل يسوع اللعنة لكي نحمل (نحن الأمميين) بركات إبراهيم (بركة البرّ والحياة بالإيمان) – لكن هذه البركات هي من نصيب الذين هم في المسيح يسوع فقط.
· ولهذا، فإننا مبارَكون تحت العهد الجديد، لا بسبب طاعتنا، بل لأننا في المسيح يسوع، ولا توجد لعنة بعد علينا من الله، لأن يسوع حمل كل لعنة.
· لا ينكر هذا يد الله التأديبية. لكن تأديب أب محب أو صالح مرغوب رغم أنه لا يكون مُسِرًّا في وقت التأديب (عبرانيين 12: 7-11). كما أنه لا ينكر طبيعة السبب والنتيجة للخطية في عالمنا. فالخطية تحمل معها لعنتها، وهي تختلف من بعض النواحي عن لعنة الله المباشرة علينا.