سفر نشيد الأنشاد – الإصحاح ٣
ليلة أَرِقة، وموكب زفاف مجيد
أولًا. الفتاة تبحث عن حبيبها.
أ ) الآيات (١-٣): الفتاة المضطربة تبحث عن حبيبها.
١فِي اللَّيْلِ عَلَى فِرَاشِي طَلَبْتُ مَنْ تُحِبُّهُ نَفْسِي. طَلَبْتُهُ فَمَا وَجَدْتُهُ. ٢إِنِّي أَقُومُ وَأَطُوفُ فِي الْمَدِينَةِ، فِي الأَسْوَاقِ وَفِي الشَّوَارِعِ، أَطْلُبُ مَنْ تُحِبُّهُ نَفْسِي. طَلَبْتُهُ فَمَا وَجَدْتُهُ. ٣وَجَدَنِي الْحَرَسُ الطَّائِفُ فِي الْمَدِينَةِ، فَقُلْتُ: «أَرَأَيْتُمْ مَنْ تُحِبُّهُ نَفْسِي؟»
١. فِي ٱللَّيْلِ عَلَى فِرَاشِي طَلَبْتُ مَنْ تُحِبُّهُ نَفْسِي: استيقظت الفتاة في منتصف الليل، وشعرت على الفور بالوحدة، مشتاقة إلى حبيبها. طَلَبْتُ مَنْ تُحِبُّهُ نَفْسِي، فلم تستطع أن تجده في أي مكان في البيت.
• يرجح أن هذه اللقطة تدوّن حلمًا أو حلم يقظة آخر من أحلام الفتاة، كما في الإصحاح السابق. وبهذا القسم الذي ينتهي بمخاطبتها لرفيقاتها، لا نتخيل أنهن يطاردن أو يلاحقن الحبيبين خُلسة بحضورهن الفعلي أثناء علاقتهما الحميمة.
• بما أن من المرجح أن هذا مجرد حلم أو حلم يقظة آخر من أحلام الفتاة، فإنه لا يهم كثيرًا إن دوّنته كامرأة متزوجة أو كعذراء تنتظر الزواج. فقد كانت لها أشواق المرأة المتزوجة في أن يشاركها حبيبها بيتها وفراشها، لكنها لم تفعل ذلك إلا بعد أن تزوجت.
• تسجل هذه السطور شوق الفتاة الجنسي. وهذا أمر يشير إليه المصطلح المعيّن المستخدم للسرير. “هذه هي الكلمة الشائعة للسرير أو الفراش. وهي تختلف عن كلمة ’أريكة‘ في ١: ١٦. وفي حزقيال ٢٣: ١٧، فإن الدلالة المقصودة هي ’فراش الحب.‘ وفي تكوين ٤٩: ٤ وعدد ٣١: ١٧ فصاعدًا، تُستخدم الكلمة بمعنى جنسي صريح. وهذا هو استخدامها الوحيد في هذا النشيد.” كار (Carr)
• تذكّرنا دلالة كلمة فراش هنا باستخدامها في عبرانيين ٤:١٣ “لِيَكُنِ ٱلزِّوَاجُ مُكَرَّمًا عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ، وَٱلْمَضْجَعُ غَيْرَ نَجِسٍ. وَأَمَّا ٱلْعَاهِرُونَ وَٱلزُّنَاةُ فَسَيَدِينُهُمُ ٱللهُ.” إذ يدين الكتاب المقدس بشكل ثابت ممارسة الجنس خارج إطار الزواج (وَأَمَّا ٱلْعَاهِرُونَ وَٱلزُّنَاةُ فَسَيَدِينُهُمُ ٱللهُ). لكن كلمة الله تحتفي بالحب الجنسي في إطار الزواج، كما هو موضح في نشيد الأنشاد.
٢. طَلَبْتُهُ فَمَا وَجَدْتُهُ: اشتاقت الفتاة إلى حبيبها، وأرادت أن تكون قريبة منه. لكنها في منتصف الليل، أحست بشوق أكثر حدّة إليه. كانت تحس بالوحدة، وتاقت إلى وجوده، فتخيلت نفسها وهي تسعى باحثة عنه.
• طَلَبْتُهُ: هذه كلمة شائعة جدًّا في العهد القديم. وهي تُستخدم بمعنى حرفي ومجازي معًا. والطلب دائمًا عمل واعٍ، وكثيرًا ما يتطلب قدرًا كبيرًا من الجهد (مثلًا، ١ صموئيل ١٠: ١٤؛ أمثال ٢: ٤) من دون أي ضمان للنجاح.” كار (Carr)
• “هذا أمر طبيعي جدًّا وجميل جدًّا. فالحب يخلق حالة من الخوف الدائم من أن يضيع المحبوب.” مورجان (Morgan) “لا يجلب الحب خبرة فرح أعظم فحسب، بل قدرة أعمق على الإحساس بالألم. فكلما زادت بهجة حضور الملك، تَعَمَّق حزن غيابه.” جليكمان (Glickman)
• سمحت الفتاة لنفسها بأن تشعر بالحاجة، من دون الحاجة إلى الشعور بالعجز. فقد شعرت بأنها محتاجة إلى حبيبها، ولم يكن لديها شعور مصطنع بالاكتفاء الذاتي. فلم ترَ الفتاة أنه أمر سيئ أن تحتاج إلى حبيبها.
• هنالك شيء جيد في طلب الفتاة لحبيبها. غير أن هذا جاء بعد أن ترسخت علاقتهما بشكل جيد. فلم تبدأ العلاقة ولم تؤسَّس على سعيها وراءه أو طلبها له.
• “طلبت التواصل والشركة معه بشكل ثابت. فقد بدأت في جوف الليل، لأنه لم يفت الأوان على السعي وراء تجديد التواصل. فقد واصلت السعي إليه وطلبه. كانت الشوارع خالية، وكانت مكانًا غريبًا أن توجد فيه امرأة في مثل ذلك الوقت الغريب. لكنها كانت جادّة للغاية في طلبه، بحيث لم تسمح لمثل هذه الظروف بأن تحبطها.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. إِنِّي أَقُومُ وَأَطُوفُ فِي ٱلْمَدِينَةِ… أَطْلُبُ مَنْ تُحِبُّهُ نَفْسِي: يؤكد هذا إلحاح سعيها وعمقه. كانت آمنة (تحت إشراف الحراس)، لكنهم لم يستطيعوا أن يساعدوها في العثور على حبيبها، حتى بناء على طلبها.
• “لم تجلس لتقول إلى واحد من الحراس: “أيها الحارس الليلي، تُبهجني رفقتك. الشوارع خالية وموحشة وخطرة. لكن إن كنتَ قريبًا، فسأشعر بأمان تام. وسأكون راضية بالبقاء معك لفترة.” لا. لكنها تركت الحراس، ومضت تسير في الشوارع حتى تجد من تحبه نفسها.” سبيرجن (Spurgeon)
• “من المرجح أنها عندما وصلت إلى هؤلاء الحراس، منّتْ نفسها بالحصول على مشورة وراحة منهم، لكن أملها خاب. ويشاء الله مرات كثيرة أن يتخطى أكثر مشروعاتنا احتمالًا لكي نعتمد عليه وحده.” تراب (Trapp)
ب) الآية (٤): الفتاة تجد حبيبها.
٤فَمَا جَاوَزْتُهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً حَتَّى وَجَدْتُ مَنْ تُحِبُّهُ نَفْسِي، فَأَمْسَكْتُهُ وَلَمْ أَرْخِهِ، حَتَّى أَدْخَلْتُهُ بَيْتَ أُمِّي وَحُجْرَةَ مَنْ حَبِلَتْ بِي.
١. وَجَدْتُ مَنْ تُحِبُّهُ نَفْسِي: حلمت الفتاة بأنّ بحثها الدؤوب كوفئ. فرغم أن الحراس الليليين المذكورين في الآية السابقة لم يستطيعوا أن يساعدوها، إلا أنها عثرت على حبيبها.
• يتكرر هذا التعبير، ’مَنْ تُحِبُّهُ نَفْسِي،‘ أربع مرات في الآيات الأربع الأولى. فهذه هي الطريقة التي فكرت يها الفتاة في رجلها المميّز.
٢. فَأَمْسَكْتُهُ وَلَمْ أَرْخِهِ: من السهل أن نتخيل الفتاة التي تنفسّت الصُّعُداء بعد عثورها على حبيبها، وهي تتشبّث به، في إحساس عميق بالهدوء والأمان في أحضانه.
• وَلَمْ أَرْخِهِ: يبدو أن هذا هو نوع الإمساك أو العناق الذي قامت به مريم المجدلية عندما رأت يسوع المُقام لأول مرة (يوحنا ١٦:٢٠-١٧).
• في تفسير نشيد الأنشاد ١:٣-٤ أو تطبيقها على يسوع وشعبه، لاحظ مفسرون كثيرون أن هذا مثال للكيفية التي ينبغي بها، تحت شعور الانفصال عن يسوع، أن يسعى المرء وراءه.
• “عندما نفقد إحساسنا بحضوره، سواء أكان هذا في حلم أم في الواقع، دعنا نبحث عنه في تكريس جديد. دعنا نمسك به ولا نُرْخِهِ.” مورجان (Morgan)
٣. حَتَّى أَدْخَلْتُهُ بَيْتَ أُمِّي: حلمت الفتاة بجلب حبيبها معها، ليكونا معًا على الدوام، ليتمتعا بحميمية حجرة بيت أمها.
• “كانت، وهي ما زالت متشبّثة به، تقوده بلطف، لكن بقوة، إلى بيت أمها، إلى غرفة نوم الأم.” كار (Carr)
• تبيّن حقيقة حدوث هذا في بيت أمها أنها توقعت أن يكون ذلك بعد زواجهما، لا كموعد جنسي قبل الزواج. “حتى أستضيفه وأعانقه، وأحصل على موافقة أمّي، وبالتالي نمضي في إتمام الزواج.” بوله (Poole)
• “لا تبحث الفتاة عن إتمام غير شرعي لحبهما. إنها تريد هذا الإتمام. لكن حتى في أحلامها، تريد أن يكون هذا الإتمام سليمًا. فأين يجد المرء في الأدب الإنساني نصًّا مثيرًا للغاية، لكن أخلاقيًّا للغاية أيضًا كهذا؟” كينلو (Kinlaw)
• “قد يعكس هذا النص عادات الزواج الإسرائيلية القديمة غير المعروفة لدينا الآن. فربما ينبغي أن نلاحظ أن إسحاق أدخل رفقة إلى خيمة أمه، رغم أنها كانت قد ماتت، وهناك أتمّا زواجهما (تكوين ٦٧:٢٤).” كينلو (Kinlaw)
• عندما طبّق سبيرجن (Spurgeon) هذا النص بشكل رمزي، لاحظ خطوات تقدُّم الفتاة تجاه حبيبها:
أحبّته.
طلبته.
لم تجده.
وجدته.
أمسكته.
جلبته.
• “قدّم سبيرجن (Spurgeon) تطبيقًا رائعًا على حقيقة أن الفتاة أمسكت حبيبها ولم تُرْخِه، أي أنها لم تسمح له بالذهاب. “لاحظ، حسب هذا النص، أن من الواضح أن يسوع مستعد لأن يبتعد إن لم يتم الإمساك به أو التشبّث به. ’فَأَمْسَكْتُهُ وَلَمْ أَرْخِهِ،‘ كما لو أنه كان سيمضي لولا أنها أبقتْه بحزم. فعندما التقى يسوع يعقوب في تلك الليلة في يبوق، قال له: ’أَطْلِقْني.‘ فردَّ يعقوب: ’لا أُطْلِقُكَ حَتّى تُبارِكَنِي.‘ هذه هي طرق المسيح وأخلاقه. إنها خصائص معدنه الأخلاقي. فعندما مشى إلى عمواس مع التلميذين، تَظَاهَرَ كَأَنَّهُ مُنْطَلِقٌ إِلَى مَكَانٍ أَبْعَدَ. كان يمكن أن يعرفاه أنه ليس سوى ملاك العهد بهذه العادة بالذات. وكان يمكن أن ينطلق إلى مكان أبعد، لكنهما ألزماه قائلين: ’ٱمْكُثْ مَعَنَا، لِأَنَّهُ نَحْوُ ٱلْمَسَاءِ وَقَدْ مَالَ ٱلنَّهَارُ.‘ فإن كنت مستعدًّا لفقدان رفقة المسيح، فلن يتطفل عليك أبدًا. بل سيمضي بعيدًا، وسيتركك إلى أن تعرف قيمته، وتبدأ بالاشتياق إليه. سيقول: سأمضي، وسأرجع إلى مكاني إلى أن يُقِرّوا بإساءتهم ويطلبوا وجهي: ’أَذْهَبُ وَأَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي حَتَّى يُجَازَوْا وَيَطْلُبُوا وَجْهِي. فِي ضِيقِهِمْ يُبَكِّرُونَ إِلَيَّ.‘ سيذهب ما لم تمسكه وتتشبّث به.” سبيرجن (Spurgeon)
لا بد من الإمساك بيسوع. إذ سيذهب إن لم تمسكه.
يسوع مستعد لأن يُمسَك، ولن يحاول التهرب منا.
الإمساك بيسوع أمر ممكن. ويمكننا أن نمسكه بالإيمان.
يتوجب الإمساك بيسوع، لا مجرد الإمساك بعقيدة أو تقليد أو طقوس.
ج) الآية (٥): تنبيه لرفيقات الفتاة
٥ أُحَلِّفُكُنَّ يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ بِالظِّبَاءِ وَبِأَيَائِلِ الْحَقْلِ، أَلاَّ تُيَقِّظْنَ وَلاَ تُنَبِّهْنَ الْحَبِيبَ حَتَّى يَشَاءَ.
١. أُحَلِّفُكُنَّ يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ: هذا التحذير لبنات أورشليم تذكير آخر بأنه ينبغي أن يُفهم هذا القسم على أنه حلم أو أحلام يقظة. ولا ينبغي أن نتخيل الزوجين في علاقة حميمة في السطور السابقة بينما تقف بنات أورشليم بالقرب وهن يراقبن المشهد.
٢. بِٱلظِّبَاءِ وَبِأَيَائِلِ ٱلْحَقْلِ: من المؤكد أن هذه العبارة الشعرية (التي وردت لأول مرة في نشيد الأنشاد ٧:٢) بدت أكثر طبيعية وذات معنى للقراء الأوائل لهذا السفر مما تبدو لنا.
٣. أَلَّا تُيَقِّظْنَ وَلَا تُنَبِّهْنَ ٱلْحَبِيبَ حَتَّى يَشَاءَ: يمكن أن تفهم هذه العبارة، كما في الاستخدام السابق لها، كمناشدة ترْك الحلم الرومانسي الجميل من دون مقاطعة. ويمكن أن تُفهم في سياقَي العلاقة والرغبة.
• يعني هذا من حيث العلاقة: “دعوا حبنا يتطور ويتقدم إلى أن ينضج ويثمر إلى أن تكون العلاقة ممتعة حقًّا. فلا نتعجل في ذلك.” وفي ما يتعلق بالرغبات القوية، “دع جِماعنا يستمر حتى نكتفي كلانا. دعنا لا نبدأ إلى أن نستطيع أن نكمل الشوط كله.”
ثانيًا. الوصول المثير لموكب حفل الزفاف
أ ) الآيات (٦-٨): حاشية سليمان تجلب الفتاة إلى الأمان.
٦مَنْ هذِهِ الطَّالِعَةُ مِنَ الْبَرِّيَّةِ كَأَعْمِدَةٍ مِنْ دُخَانٍ، مُعَطَّرَةً بِالْمُرِّ وَاللُّبَانِ وَبِكُلِّ أَذِرَّةِ التَّاجِرِ؟ ٧هُوَذَا تَخْتُ سُلَيْمَانَ حَوْلَهُ سِتُّونَ جَبَّارًا مِنْ جَبَابِرَةِ إِسْرَائِيلَ. ٨كُلُّهُمْ قَابِضُونَ سُيُوفًا وَمُتَعَلِّمُونَ الْحَرْبَ. كُلُّ رَجُل سَيْفُهُ عَلَى فَخْذِهِ مِنْ هَوْلِ اللَّيْلِ.
١. مَنْ هَذِهِ ٱلطَّالِعَةُ مِنَ ٱلْبَرِّيَّةِ: الانطباع الفوري عند قراة هذا النص باللغة الإنجليزية (الذي لا يفرّق بين المذكر والمؤنث في السؤال) هو أن هذا هو الحبيب سليمان وهو يظهر بشكل درامي. ومع ذلك، فإن صيغة السؤال بالعبرية (كما هو الحال في الترجمة العربية) في صيغة المفرد المؤنث، ’ مَنْ هَذِهِ‘ ويجاب على السؤال بشكل ملائم للعرس الموصوف في نهاية الإصحاح.
• يشرح كينلو (Kinlaw) أن كلمة ’هَذِهِ‘ جاءت في صيغة المفرد المؤنث، ويرى أنها تشير إلى العروس نفسها. “من الواضح أن هذا موكب زفاف. وهذه صورتنا للعريس ورجاله يجلبون عروسه من بيتها إلى مدينته من أجل العرس.” كينلو (Kinlaw)
• في المرات الأخرى التي يُطرح فيها هذا السؤال، ’من هذه؟‘ في نشيد الأنشاد، فإن الجواب هو دائمًا ’الفتاة‘ (انظر نشيد الأنشاد ١٠:٦، ٥:٨). “في كلتا الحالتين، لا يمكن أن يكون الجواب ’سليمان‘ (أو الملك) المذكور.” كار (Carr)
• من الجدير بالذكر أنها خرجت مِنَ ٱلْبَرِّيَّةِ، “من حيث لا نتوقع أن نرى عروسًا جميلة مجيدة خارجة منها. فعادة ما تنشأ فتيات كهذه في بلاط الملوك أو المدن العظيمة.” بوله (Poole)
• “لا شك أنه عندما يشاء الله أن يجلب كنيسة قوية، ويجعلها قوية بين البشر، سيُكتشف جهل البشر عندما يسألون في عجب: ’من هذه؟‘” سبيرجن (Spurgeon)
٢. كَأَعْمِدَةٍ مِنْ دُخَانٍ، مُعَطَّرَةً: يضيف هذا إلى فكرة كرامة حاشية سليمان وطبيعتها المثيرة للإعجاب، والتي كُلِّفت بإحضار العروس إلى حفل الزفاف. ويبدو أن العروس تبتهج بهذا، وتصف بسعادة المجموعة عند وصولها مكتملة مع جَبَابِرَةِ إِسْرَائِيلَ.
• وصف سفر المكابيين الأول، وهو سفر أبوكريفي يعود إلى فترة ما بين العهدين، حف زفاف مشابهًا. “ثُمَّ رَفَعُوا أَبْصَارَهُمْ وَنَظَرُوا؛ فَإِذَا بِجَلَبَةٍ وَجَهَازٍ كَثِيرٍ وَالْعَرُوسُ وَأَصْحَابُهُ وَإِخْوَتُهُ خَارِجُونَ لِلِقَائِهِمْ بِالدُّفُوفِ وَآلاَتِ الطَّرَبِ وَأَسْلِحَةٍ كَثِيرَةٍ” (١ مكابيين ٣٩:٩).
• كان هذا الموكب بأكمله مثيرًا جدًّا للإعجاب. بل كان زاخرًا بالدلالات المقدسة والذبيحية (مُعَطَّرَة بِٱلْمُرِّ وَٱللُّبَانِ). “رغم أن هذا الشكل لا يرد إلا هنا، إلاّ أن الكلمة ترد حوالي ١١٥ مرة بمعنى ’يصعد في الدخان‘ أو ’يُصْعِد ذبيحة في الدخان..‘” كار (Carr) والفكرة هنا هي أن رائحة الْمُرِّ وَاللُّبَانِ تأتي من احتراقهما بمعنى ذبيحي كقربان من البخور.
• الكلمة المستخدمة هنا ’تَخْتُ سُلَيْمَانَ‘ وهي مختلفة عن تلك التي وردت في نشيد ١:٣، ’فراش‘ وليست لها دلالة جنسية.
• “ومع ذلك، لا يوجد سبب يمنع أن تُقرأ هذه الكلمة بشكل عادي في إشارة إلى الفتاة. فإذا كان الأمر كذلك، فإن لدينا المشهد الذي أرسل فيه العريس في طلب العروس وهي معطرة بشكل ملائم في مركبة مناسبة بشكل رائع مع مجموعة رائعة من الحاضرين.” كينلو (Kinlaw)
٣. حَوْلَهُ سِتُّونَ جَبَّارًا: يمكننا القول إنه كانت لحفل زفاف سليمان سِتُّونَ وصيفًا. لم يجيئوا ليمنعوا سليمان من التراجع عن الزفاف، بل جاءوا ليبيّنوا أنه رجل قوي يستطيع بحق أن يحمي فتاته.
• “وبطبيعة الحال، وعند السفر عبر البرية، كان أي موكب ملكي معرّضًا دائمًا لخطر الهجوم. فالعرب كانوا يطوفون حول المكان. وكان البدو المتجولون مستعدين دائمًا للانقضاض على القوافل، ولا سيما في حالة موكب زفاف. إذ يتوقع اللصوص أن يحصلوا على جواهر كثيرة، أو فدية كبيرة عن العروس أو العريس من أصحابهما.” سبيرجن (Spurgeon)
• ولهذا، لم يكن هنالك داعٍ لأن تقلق الفتاة بسبب هَوْلِ اللَّيْلِ. إذ كانت متحدة بحبيبها، حيث صار كل ما يخصه لها. ويعبّر هذا عن وحدانية الحياة المشتركة التي ينبغي أن توجد بين الزوجين. لقد توحدت الفتاة مع سليمان في هذه الحالة بحيث صارت هنالك وحدة كاملة بينهما. فما كان له صار لها، وما كان يتمتع به صارت تتمتع به. هذه هي الوحدة.” ني (Nee)
• “الهواء نفسه معطر بدخان البخور المتصاعد كأعمدة إلى الغيوم. وكل ما يحافظ على مكانة العريس ويُظهر كرامته يحافظ أيضًا على العروس المصاحبة له، والمشتركة معه في مجده.” تيلور (Taylor)
• استخدم سبيرجن (Spurgeon) هذا النص ليبيّن أن هذا يرد على مخاوف الناس على كنيسة الله في هذه الأرض. يقولون: “مات كل الرجال الصالحين، ولم يبقَ من يحرس الكنيسة كما من قبل.” لكن التطبيق الرمزي لهذا النص يبيّن لنا ما يلي:
هنالك حراس كافون للكنيسة.
هنالك حراس جبابرة للكنيسة.
هنالك حراس في الأماكن الملائمة يحيطون بالكنيسة من كل جانب.
هنالك حراس صالحون مسلّحون تسليحًا حسنًا، ومدربون تدريبًا حسنًا. وهم جاهزون دائمًا ويقظون.
ب) الآيات (٩-١١): تمليك سليمان وتتويجه.
٩اَلْمَلِكُ سُلَيْمَانُ عَمِلَ لِنَفْسِهِ تَخْتًا مِنْ خَشَبِ لُبْنَانَ. ١٠عَمِلَ أَعْمِدَتَهُ فِضَّةً، وَرَوَافِدَهُ ذَهَبًا، وَمَقْعَدَهُ أُرْجُوانًا، وَوَسَطَهُ مَرْصُوفًا مَحَبَّةً مِنْ بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ. ١١اُخْرُجْنَ يَا بَنَاتِ صِهْيَوْنَ، وَانْظُرْنَ الْمَلِكَ سُلَيْمَانَ بِالتَّاجِ الَّذِي تَوَّجَتْهُ بِهِ أُمُّهُ فِي يَوْمِ عُرْسِهِ، وَفِي يَوْمِ فَرَحِ قَلْبِهِ.
١. اَلْمَلِكُ سُلَيْمَانُ عَمِلَ لِنَفْسِهِ تَخْتًا: رأت الفتاة نفسها( أو تخيلت نفسها) وهي تصل إلى حفل زفافها. فصدفت الحاشية التي أعدها سليمان، والتي يحملها أربعة أو ستة رجال أقوياء على تخت، وهو أريكة مزخرفة لحمل شخص مهم.
٢. عَمِلَ أَعْمِدَتَهُ فِضَّةً، وَرَوَافِدَهُ ذَهَبًا، وَمَقْعَدَهُ أُرْجُوانًا: تأثرت الفتاة، لا بترف هذا التخت فحسب، بل أيضًا وبشكل خاص بحقيقة أنه يشارك كل رموز السلطة والهيبة معها. فشارك سليمان أفضل ما لديه مع فتاته، وكان أفضل ما لديه جيدًا.
• من الواضح أنه كان بمقدور المحبوب (سليمان) أن يفعل الأمرين الأساسيين اللذين يتوجب على الرجل القيام بهما قبل أن يكون مستعدًّا للزواج: يتوجب أن يكون قادرًا على حماية فتاته وتدبير احتياجاتها. وقد ظهرت حماية سليمان في الرجال المسلحين المحيطين بالموكب. وظهر تدبيره في ترف حاشية سليمان. وبطبيعة الحال، لا يستطيع أن يحمي الفتاة أو يدبر احتياجاتها إلى أن يتمكن من أن يحمي نفسه ويدبر احتياجاته الخاصة. وعندئذٍ يمكنهما أن يعيشا حياة مشتركة، وحدانية، بكل ما يخصه الزوج والذي صار يخصها أيضًا.
• هذا هو السبب الذي من أجله يتوجب على الصبي أن ينمو ويصبح رجلًا قبل أن يكون زوجًا صالحًا، والسبب الذي يجعل عملية إعداد الرجل ليكون زوجًا مفيدة لنضوج الرجال. “كثيرًا ما يبرز الحب والزواج أنبل الصفات في الشخص. فقد يتحول الشاب خالي البال والمهمل إلى حد ما مسؤولًا ومجتهدًا. وقد يصبح الطفل الصبياني ثابتًا ورجوليًّا. لماذا؟ لأن الحب أم الفضيلة وأبو النضج. ويفترض أن يُخرج الشخص الذي تحبه أفضل صفاتك ويجعلك شخصًا أفضل.” جليكمان (Glickman)
• يبيّن هذا أن الفتاة احترمت وأكرمت حبيبها. ورأت في سلطته وقوته شيئًا جيدًا، لا تهديدًا، لأن قوته وسلطته صارتا الآن، بمعنى ما، قوّتها وسلطتها، لأنها ستكون واحدة معه.
٣. وَٱنْظُرْنَ ٱلْمَلِكَ سُلَيْمَانَ بِٱلتَّاجِ ٱلَّذِي تَوَّجَتْهُ بِهِ أُمُّهُ: عندما مُسح سليمان ملكًا واعتُرف به كذلك، حتى قبل موت داود أبيه، ترأَّس رئيس الكهنة مراسم التتويج، لا أمه بثشبع (١ ملوك ٣٨:١-٤٠). وقد يعني هذا أنه عندما تَوَّجَتْهُ أُمُّهُ ، فإنما فعلت ذلك من أجل يوم عرسه في زمن براءة نسبية عندما أُسِر سليمان بامرأة واحدة فقط.
• “لم يكن هذا هو التاج الملكي المستخدم في مراسم التتويج، لكنه إكليل مصنوع من الأغصان (مثل تلك المستخدمة في الألعاب الأولمبية)، أو المعادن الثمينة، أو الحجارة الثمينة (مزمور ٣:٢١). وهو رمز كرامة وفرح وسعادة.” كار (Carr) ويرتبط هذا بتقاليد معلمي الشريعة الذين عدّوا العروسين ملكًا وملكة في يوم عرسهما.
• في ضوء انجذاب سليمان إلى نساء كثيرات أبعدن قلبه عن الله، من الصعب أن نرى كيف أن هذه المجموعة من الأناشيد الرائعة من قصائد الحب جاءت من رجل فاسد كهذا. ويلمّح هذا النص إلى تفسير محتمل واحد. “فهل يمكن أن تكون هذه إشارة إلى أنه – إذا كان نشيد الأنشاد من تأليفه – كتبه قبل تتويجه في أكثر فترات حياته براءة؟” كينلو (Kinlaw)
• غير أنّ ذِكر أمه يذكّرنا ببثشبع والفترة التي ساعدته فيها على تولّي عرش إسرائيل (١ ملوك ١: ١١-١٨؛ ١: ٢٨-٣١). ويظهر الارتباط بسفر الملوك الأول علاقة عروس نشيد الأنشاد (التي تُدعى شولميت في ١٣:٦) بأبيشج الشونمية المذكورة في ١ ملوك ٣:١-٤، ١٥:١). ومنذ زمن طويل، أراد كثيرون أن يربطوا أبيشج الجميلة بشولميت. “تقول النظرية إنها، عندما كانت تخدم داود، ارتبطت مع ابنه، سليمان بعلاقة عاطفية، وصارت لاحقًا موضوع قصيدته هذه.” ديلداي (Dilday)، في تفسيره لسفر ملوك الأول
• غير أن هذا مجرد تخمين على أفضل الأحوال. فشونم ليست شولام. “تقع شونم – مدينة سوليم الحديثة على بعد ١١ كم إلى الجنوب الشرقي من الناصرة، و٥ كم إلى الشمال من يزرعيل في منطقة يسّاكر. وقد زارها إيليا (٢ ملوك ٨:٤). ولا توجد حاجة إلى تحديد أبيشج على أنها شولميت، موضوع نشيد الأنشاد ١٣:٦.” وايزمان (Wiseman) في تفسيره لسفر ملوك الأول
٤. فِي يَوْمِ عُرْسِهِ، وَفِي يَوْمِ فَرَحِ قَلْبِهِ: كان عرسًا بهيجًا، لأن حبهما كان حقيقيًّا. كان مشبوبًا بالعاطفة، لكن نقيًّا ومقيَّدًا في القنوات الملائمة. فجعله هذا المبدأ يومًا سعيدًا، لا من أجل الفتاة وحبيبها فحسب، بل للجميع.
• “لم يكن ذلك يوم فرح للملك فقط، بل أيضًا لأولئك الذين اشتركوا في سعادته. لقد أصبح حبهما ينبوعًا يمكن أن يتذوق منه الجميع حلاوة فرحهما.” جليكمان (Wiseman)