نشيد الأنشاد – الإصحاح ٨
على جبال الأطياب
أولًا. كلمات عشق من العروس
أ ) الآيات (١-٢): شغف الفتاة بحبيبها.
١لَيْتَكَ كَأَخٍ لِي الرَّاضِعِ ثَدْيَيْ أُمِّي، فَأَجِدَكَ فِي الْخَارِجِ وَأُقَبِّلَكَ وَلاَ يُخْزُونَنِي. ٢وَأَقُودُكَ وَأَدْخُلُ بِكَ بَيْتَ أُمِّي، وَهِيَ تُعَلِّمُنِي، فَأَسْقِيكَ مِنَ الْخَمْرِ الْمَمْزُوجَةِ مِنْ سُلاَفِ رُمَّانِي
١. لَيْتَكَ كَأَخٍ لِي… فَأَجِدَكَ فِي ٱلْخَارِجِ وَأُقَبِّلَكَ: ترتكز فكرة العروس على قبول الثقافة السائدة لبعض عروض العواطف بين الأخ والأخت. إذ كانت تتمنى أن تكون منفتحة مع حبيبها كما يُسمح لها بالوجود مع أخيها الفعلي.
• “كانت تود الحصول على الحرية العلنية التي يتمتع بها الأخ والأخت في ذلك الوقت. ولهذا تمنّت أن تقبّله أمام الملأ.” كينلو (Kinlaw)
٢. وَأَقُودُكَ وَأَدْخُلُ بِكَ بَيْتَ أُمِّي: أرادت الفتاة أن تتمتع بحميمية الحب الزوجي مع حبيبها في سياق موافقة أُسرتها. فلم يكن هنالك شيء نجس أو سرّي في حبهما.
• وَأَقُودُكَ: يُستخدم هذا الفعل حوالي ٩٠ مرة في العهد القديم بمعنى ’يعلِّم’ أو ’يتعلّم.‘ فالمعلمة هنا هي الأم التي علمت بنتها ’حقائق الحياة،‘ ولهذا أرادت أن تعود إلى ’صفّها المدرسي‘ لكي تبيّن أنها تعلّمت دروسها جيدًا!” كار (Carr)
• في أعمق لحظات الحميمية، عندما لا تكون هنالك حاجة إلى عيون متطفّلة، تفكر الفتاة بأمها وبصديقاتها… ومرة أخرى، يذكّرنا هذا بأننا كائنات اجتماعية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بشبكة من العلاقات البشرية.” كينلو (Kinlaw)
• ٱلْخَمْرِ ٱلْمَمْزُوجَةِ: “هذه خمر قوية ومنشّطة بشكل فريد. لقد شرب كل من العروس والعريس في يوم عرسهما من نفس الكأس ليبيّنا أنهما سيستمتعان بتعزيات الحياة ويتحملان شدائدها على قدم المساواة.” كلارك (Clarke)
ب) الآيات (٣-٤): مناشدة الفتاة لبنات أورشليم.
٣شِمَالُهُ تَحْتَ رَأْسِي، وَيَمِينُهُ تُعَانِقُنِي. ٤أُحَلِّفُكُنَّ يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ أَلاَّ تُيَقِّظْنَ وَلاَ تُنَبِّهْنَ الْحَبِيبَ حَتَّى يَشَاءَ.
١. شِمَالُهُ تَحْتَ رَأْسِي، وَيَمِينُهُ تُعَانِقُنِي: استُخدمت هذه العبارة من قبل في نشيد الأنشاد ٢: ٦ في وصف لرغبة الفتاة في ممارسة الحب. والفكرة هي أن الفتاة متكئة بينما يداعبها حبيبها بيمينه (وَيَمِينُهُ تُعَانِقُنِي)، وربما بشكل حميم.
٢. أُحَلِّفُكُنَّ يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ أَلَّا تُيَقِّظْنَ وَلَا تُنَبِّهْنَ ٱلْحَبِيبَ حَتَّى يَشَاءَ: هذه هي المرة الثالثة التي تُستخدم فيها هذه العبارة (سبق أن استُخدمت في نشيد الأنشاد ٢: ٧ و٣: ٥). وكما في السابق، يمكن أن تُفهم على أنه مناشدة من الفتاة أن يستمر حلمها الرومانسي من دون انقطاع. أو يمكن أن تُفهم في سياقي العلاقة والرغبة معًا.
• يعني هذا من حيث العلاقة: “دعوا حبنا يتطور ويتقدم إلى أن ينضج ويثمر إلى أن تكون العلاقة ممتعة حقًّا. فلا نتعجل في ذلك.” وفي ما يتعلق بالرغبات القوية، “دع جِماعنا يستمر حتى نكتفي كلانا. دعنا لا نبدأ إلى أن نستطيع أن نكمل الشوط كله.”
• “ما هذا التحذير؟ الحب أمر مقدّس لا يتوجب العبث به. وهو لا يُطلَب. بل يحرك ويوقظ من نفسه. ويعني العبث بقدرته هذه تدمير القدرة بالذات.” مورجان (Morgan)
• “بعد أن يرى القارئ صورة الزواج هذه، ربما يجرَّب أكثر من أي وقت مضى أن يفرض مثل تلك العلاقة في نفاد صبر.” جليكمان (Glickman)
ثانيًا. كلمات أخيرة من الزوجين المحبّين، وعائلتيهما، وأصدقائهما
أ ) الآية (٥): أحد الأقارب يكلم الزوجين العاشقين.
٥مَنْ هَذِهِ ٱلطَّالِعَةُ مِنَ ٱلْبَرِّيَّةِ مُسْتَنِدَةً عَلَى حَبِيبِهَا؟ تَحْتَ شَجَرَةِ ٱلتُّفَّاحِ شَوَّقْتُكَ، هُنَاكَ خَطَبَتْ لَكَ أُمُّكَ، هُنَاكَ خَطَبَتْ لَكَ وَالِدَتُكَ.
١. مَنْ هَذِهِ ٱلطَّالِعَةُ مِنَ ٱلْبَرِّيَّةِ مُسْتَنِدَةً عَلَى حَبِيبِهَا؟: كما هي الحال مع عدة نصوص في نشيد الأنشاد، يصعب تحديد هوية قائل هذه الكلمات وهوية المخاطب. وربما يكون أفضل أن ننسبها إلى مراقب – إما من الأقرباء (مثل إخوة الفتاة الذين سيُذكرون لاحقًا)، أو إحدى بنات أورشليم.
٢. مُسْتَنِدَةً عَلَى حَبِيبِهَا: ليست الفكرة أن الفتاة هنا طاعنة في السن أو ضعيفة، بل هي ببساطة ترافق حبيبها وتمشي معه بقرب يميّز الزوج والزوجة.
• استخدم تشارلز سبيرجن (Charles Spurgeon) هذه كصورة لقرب الكنيسة من يسوع المسيح واعتمادها عليه. ويمكن أن يقال الكثير هنا في ما يتعلق بكل من الفتاة والكنيسة.
إنها تستند عليه لأنها ضعيفة ومحتاجة إلى قوة.
إنها تستند عليه لأن الطريق طويل.
إنها تستند عليه لأن الطريق محفوف بالمخاطر.
إنها تستند عليه لأن الطريق يتجه تصاعديًّا – أعلى فأعلى.
إنها تستند عليه لأن تقدمها أبعدها أكثر فأكثر عن الآخرين، وقرّبها أكثر فأكثر إلى جانب حبيبها.
إنها تستند عليه لأنها كانت متأكدة من أن حبيبها قوي بما يكفي ليتحمل وزنها.
إنها تستند عليه لأنها أحبته.
• “أيها الأحباء، لا يوجد أي جزء من مسيرة القديس يستطيع فيها أن يمشي بطريقة أخرى غير الاستناد. فهو يصعد في البداية، ويصعد في النهاية وهو ما زال مستندًا، مستندًا على يسوع المسيح. وكلما كبُر ازداد استنادًا على المسيح.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. تَحْتَ شَجَرَةِ ٱلتُّفَّاحِ شَوَّقْتُكَ (أيقظتك): يذكّر المتكلم الزوجين بشبابهما وجذور عائلتيهما. لقد كبرا الآن، ومتزوجين بسعادة، لكنهما ما زالا مرتبطين بعائلتيهما وأنهما نتاج هاتين العائلتين.
• “أو يمكن أن يُفهم هذا من الظرف التالي: ’وجدها العريس ذات يوم نائمة تحت شجرة التفاح، فأيقظها. وصدف أن هذا كان نفس المكان الذي أنجبتها فيه أمها إلى العالم في مرحلة مبكرة.‘ وهنا يذكّرها العريس بولع وحميمية بهذه المغامرات البسيطة.” كلارك (Clarke)
ب) الآيات (٦-٧): الفتاة تصف حبها القوي.
٦اِجْعَلْنِي كَخَاتِمٍ عَلَى قَلْبِكَ، كَخَاتِمٍ عَلَى سَاعِدِكَ. لأَنَّ الْمَحَبَّةَ قَوِيَّةٌ كَالْمَوْتِ. الْغَيْرَةُ قَاسِيَةٌ كَالْهَاوِيَةِ. لَهِيبُهَا لَهِيبُ نَارِ لَظَى الرَّبِّ. ٧مِيَاهٌ كَثِيرَةٌ لاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْفِئَ الْمَحَبَّةَ، وَالسُّيُولُ لاَ تَغْمُرُهَا. إِنْ أَعْطَى الإِنْسَانُ كُلَّ ثَرْوَةِ بَيْتِهِ بَدَلَ الْمَحَبَّةِ، تُحْتَقَرُ احْتِقَارًا.
١. اِجْعَلْنِي كَخَاتِمٍ عَلَى قَلْبِكَ، كَخَاتِمٍ عَلَى سَاعِدِكَ: استخدمت الفتاة صورة الختم القوية في مناشدة حبيبها أن يدرك ديمومة تكريسهما.
• ينبغي أن يكون الحب الزوجي مثل ختم، حيث يدل الختم على الديمومة والانتماء والأمان. “حبها كلّيّ وقوي لدرجة أنها تريد امتلاكًا متبادلًا بينهما يدوم دوام الحياة. وهذا مطلب شعري يقول: ’إلى أن يفرّقنا الموت.‘” كينلو (Kinlaw)
٢. لِأَنَّ ٱلْمَحَبَّةَ قَوِيَّةٌ كَٱلْمَوْتِ: وضعت الفتاة في اعتبارها أن الحب كَٱلْمَوْتِ في ديمومته وقوّته. فالموت قوي بما يكفي ليخضع له كل إنسان. والحب هو هكذا إلى حد بعيد. وقوة الحب الرومانسي أقوى من رجال أقوياء كثيرين (مثل شمشون).
٣. ٱلْغَيْرَةُ قَاسِيَةٌ كَٱلْهَاوِيَةِ: يصعب علينا أن نعرف إن كان المعنى المقصود هنا إيجابيًّا أم سلبيًّا. فهنالك غيرة جيدة وملائمة في العلاقة الزوجية. وهنالك جانب آخر من الغيرة يعمل على تآكُل العلاقة وتدميرها. وفي هذا السياق، يرجح أن هذا يدل على الرغبة الشديدة في الوحدة المناسبة التي لا يكسرها منافس رومانسي.
• ينبغي أن يكون لدينا غيرة في قلوبنا في ما يتعلق بحبنا ليسوع، فنكره أي شيء يمكن أن يفصل بيننا. ومن المؤكد أن لديه مثل هذه الغيرة تجاهنا.
• “عندما يمتص الحب القلب، فإن الغيرة تحرس موضوع محبتنا. وإذا سمحتَ بحدوث استفزاز، فمن المؤكد أنه سيظهر شيء من الغيرة. وتفتقر محبتك كثيرًا إلى الطابع الأصلي إذا لم تُثِرها الغيرة على الإطلاق بسبب خبث الأعداء وخيانة الأصدقاء الذين سبق أن جاهروا بإيمانهم بالرب. ولدى مؤمنين كثيرين هذه الأيام نوع من الحب المُغرم بالراحة والممتلئ بالمساومة بحيث لا يضرم أية غيرة في صدورهم.” سبيرجن (Spurgeon)
٤. لَهِيبُهَا لَهِيبُ نَارِ لَظَى ٱلرَّبِّ: الفكرة هي أن المحبة مثل نار لها قوة وفائدة عظيمتان – للخير أو حتى للشر. فقد رفعت المحبة بعضهم إلى قمم عظيمة، والتهمت بعضهم وتركتهم رمادًا.
• لَظَى ٱلرَّبِّ: تقول بعض الترجمات “لهيب نار متّقدة.” ويُترجم هذا التعبير Salhebetya على أنه اسم الرب، يهوه. ولهذا يُترجم إلى ’لهيب الرب‘ أو ’لظى الرب‘ (كما في الترجمة العربية). “يمكن أن يكون المعنى هو: ’المحبة لهيب يرجع في أصله إلى الله.‘ وفي حين أن هذا صحيح من ناحية فنية، إلا أن هذا هو الموضع الوحيد في نشيد الأنشاد الذي يبدو فيه الاستخدام المحتمل للاسم الإلهي يتعارض مع هذا الفهم للمقطع الأخير. ويرجح أن هذا مجرد استخدام لمصطلح قياسي لصيغة التفضيل.” كار (Carr)
• “تحمل اللغة الأصلية قوة أكبر في التعبير – ’الجمرات ذاتها هي جمرات الله‘ – وهذا مصطلح عبري يعبّر عن أكثر ألسنة اللهيب توهجًا – ’جمرات الله.‘ فكأنه لم يكن لهبًا أرضيًّا، لكنه شيء متفوق بشكل كبير على أكثر عواطف الحب البشري اتّقادًا.” سبيرجن (Spurgeon)
• “الحب الذي يُبنى عليه الحب الجميل لهيب مثابر مشتعل بسطوع في البداية كما في وقت لاحق.” جليكمان (Glickman)
٥. إِنْ أَعْطَى ٱلْإِنْسَانُ كُلَّ ثَرْوَةِ بَيْتِهِ بَدَلَ ٱلْمَحَبَّةِ، تُحْتَقَرُ ٱحْتِقَارًا: تعكس هذه العبارة الشعور السائد في أغنية قديمة جدًّا تقول: “لا يستطيع المال أن يشتري لي حبًّا.” فللحب اقتصاده الخاص، وغالبًا ما يكون منفصلًا بشكل كبير عن الحسابات المالية العادية.
• إِنْ أَعْطَى ٱلْإِنْسَانُ كُلَّ ثَرْوَةِ بَيْتِهِ، “سيُحتقَر لأنه قلل الحب والشخص الذي يأتي منه الحب إلى شيء. فإذا حددتَ سعر الحب بمليار دولار، فستخفض قيمته بعد ذلك إلى الصفر. والحب بطبيعته أمر لا بد أن يُعطى. يمكن أن يُشترى الجنس، وأمّا الحب، فلا بد أن يُعطى.” جليكمان (Glickman)
• وبشكل إجمالي، تعطي هذه الآيات أربع صور رائعة للمحبة.
المحبة مثل ختم على القلب والذراع. ولهذا، فإن المحبة تخص الذين هم على استعداد للتخلي عن شيء من أنفسهم من أجل شخص آخر مستعد أيضًا للتخلي عن شيء من نفسه.
المحبة هي مثل الموت في أنه مثابر ومستمر في تواصله وامتداده. إنه كلي ولا رجعة عنه. ولهذا ينبغي أن يغذّى رباط الحب، وأن يُنظر إليه على أنه دائم.
المحبة مثل نار متأججة لا يمكن أن تُطفأ. ولهذا يتوجب على المرء أن ينتبه كيف وأين ومع من يشعل شرارة المحبة.
لا تُشترى المحبة أو تُباع. فهي ليست بضاعة. ولهذا، يتوجب تقديرها لقيمتها الكبيرة، ولا ينبغي أن تُعَد أمرًا مفروغًا منه.
ج) الآيات (٨-٩): إخوة الفتاة.
٨لَنَا أُخْتٌ صَغِيرَةٌ لَيْسَ لَهَا ثَدْيَانِ. فَمَاذَا نَصْنَعُ لأُخْتِنَا فِي يَوْمٍ تُخْطَبُ؟ ٩إِنْ تَكُنْ سُورًا فَنَبْنِي عَلَيْهَا بُرْجَ فِضَّةٍ. وَإِنْ تَكُنْ بَابًا فَنَحْصُرُهَا بِأَلْوَاحِ أَرْزٍ.
١. لَنَا أُخْتٌ صَغِيرَةٌ لَيْسَ لَهَا ثَدْيَانِ: الفكرة هي أن نشيد الأنشاد ٨: ٨-٩ تمثل نظرة إلى الوراء إلى جلسة تخطيطية عقدها إخوة الفتاة عندما كانت ما زالت صغيرة إلى حد ما. فقد أدركوا أن لديهم مسؤولية تجاهها، وهي التخطيط المسبق لذلك اليوم الذي تُطلَب فيه للزواج.
• قدّم جون تراب (John Trapp)، المفسر البيوريتاني، تعليقًا تفسيريًّا مثيرًا للاهتمام. “إن أي مجتمع بشري من دون الكرازة بالكلمة مثل أم أولاد بلا ثديين.”
• وكانت لدى ماثيو بوله (Matthew Poole) فكرة ترميزية أخرى: “يدل هذا على الحالة السيئة للأمم، أي الذين لم يترعرعوا في الكنيسة، ويريدون حليب الحياة أو طعامها لهم كما لأعضائها.”
٢. فَمَاذَا نَصْنَعُ لِأُخْتِنَا فِي يَوْمٍ تُخْطَبُ؟: الفكرة هنا هي أن الإخوة يتساءلون عما يمكنهم أن يفعلوا لإعداد أختهم وحمايتها قبل زواجها النهائي (فِي يَوْمٍ تُخْطَبُ).
• قد نعتقد عادة أن هذا الدور الإشرافي من مسؤولية الأب في الأسرة أكثر من الإخوة. ولا يوجد تفسير محدد لعدم ذِكر الأب في هذا السياق. ويمكن أن يرجع هذا إلى عدة أسباب.
• “أخذ إخوة شولميت مسؤوليتهم على محمل الجد. فقبل وقت طويل من بلوغها سن الزواج، قرروا الحفاظ عليها طاهرة لزوجها (نشيد الأنشاد ٨: ٩). لقد عقدوا العزم على تقديم الإرشاد والضغط الإيجابي لمساعدة شولميت على المحافظة على عذريتها.” أستيس (Estes)
٣. إِنْ تَكُنْ سُورًا فَنَبْنِي عَلَيْهَا بُرْجَ فِضَّةٍ. وَإِنْ تَكُنْ بَابًا فَنَحْصُرُهَا بِأَلْوَاحِ أَرْزٍ: قرر الإخوة بحكمة أن يرشدوا أختهم ويساعدوها وفقً طبيعتها الأخلاقية وخياراتها. فإن كانت مثل سور يقف بفاعلية ضد السالبين والمستغلّين، فسيكافئونها، ويشجعونها، ويبنون على ما تفعله. وإما إذا كانت مثل باب يسمح من غير حكمة بإمكان الوصول إليها، فسيقيّدون حريتها من أجل مصلحتها الذاتية (فَنَحْصُرُهَا).
• “إن كانت سورًا مبنيًّا على أساس حقيقي وقوي وثابت، ستزيَّن وتجمَّل بقلائد من الفضة. لكن إن كانت غير مستقرة يمكن أن تتحرك ذهابًا وإيابًا مثل الباب، لن تكون معاملتهم المذكورة سابقًا ملائمة أو ممكنة. إذ ينبغي أن تُحْصَر بألواح من الأرز، وتسيَّج بكوابح من أجل حمايتها.” تيلور (Taylor)
• “إذا كانت تستطيع الفتاة التعامل مع المسؤولية بشكل سليم، فستُعطى لها. وإن لم يكن الأمر كذلك، فسيتم تقييد حريتها.” جليكمان (Glickman)
• يقدِّم هذا مبدأ غالبًا ما يتم تجاهله في العالم الغربي ويتم توكيده بشكل مغالى فيه وخطِر في أجزاء أخرى من العالم، وهو أن الأسرة تتحمل مسؤولية مشتركة عن طهارة الشباب والشابات في العائلة وعلاقاتهم الرومانسية.
د ) الآية (١٠): الفتاة ترد على إخوتها.
١٠أَنَا سُورٌ وَثَدْيَايَ كَبُرْجَيْنِ. حِينَئِذٍ كُنْتُ فِي عَيْنَيْهِ كَوَاجِدَةٍ سَلَامَةً.
١. أَنَا سُورٌ وَثَدْيَايَ كَبُرْجَيْنِ: استجابة لتصريحات إخوتها، تذكّرهم الفتاة في نقلة إلى الماضي – في ضوء نضجها الحالي، وتودُّدها المشرف، وزواجها الناجح المبارك – بالصفات التي وصفوها بها (سور أو باب في نشيد الأنشاد ٨: ٩)، مؤكِّدة أنها كانت وما زالت محميّة بشهادة قوة البرجين.
• لا يُقصَد بعبارةَ ’ثَدْيَايَ كَبُرْجَيْنِ‘ مظهرها الجسدي. بل هي مرتبطة بفكرة السور المذكورة في هذه الآية والسابقة. فهي تؤكد أن شرفها محمي بقوة.
• لقد اختارت الفتاة نفسها أن تكون سورًا. وأخيرًا كبُرت، وصار ثدياها مثل برجين. وكانت الأبراج حصونًا للبلاد. وكانت تلهم تقدير المواطنين واحترام الأعداء الصحّي.” جليكمان (Glickman)
٢. حِينَئِذٍ كُنْتُ فِي عَيْنَيْهِ كَوَاجِدَةٍ سَلَامَةً: وصفت الفتاة حالتها الزوجية. وقد وصفت سعادتها بقولها إنها كانت كَوَاجِدَةٍ سَلَامَةً. إذ كان هنالك سلام وسعادة وأمان في حياتها، وكلها تنبع من صحة زواجها.
• حِينَئِذٍ كُنْتُ فِي عَيْنَيْهِ كَوَاجِدَةٍ سَلَامَةً: “يغيّر هذا بشكل طفيف تعبيرًا مألوفًا من العهد القديم عن إيجاد النعمة في عيني الرب (كما في تكوين ٦: ٨ في إشارة إلى نوح). “وفي كثير من الأحيان، كما في هذه الحالة، يشير هذا إلى فتاة وجدت سلامًا في عيني رجل. وعندما تقول الفتاة، ’كُنْتُ فِي عَيْنَيْهِ كَوَاجِدَةٍ سَلَامَةً،‘ فإنها وجدت رومانسية في عيني سليمان.” جليكمان (Glickman)
• لا نجرؤ على تفويت الصلة بين دفاعها الحكيم والنبيل عن شرفها وعذريتها، والموصوف في هذه الآيات والسابقة، والصحة والسلامة اللتين وجدتهما الآن في الحياة الزوجية. وكانت طبيعتها الأخلاقية الشبيهة بالسور جزءًا من أساس الحياة الزوجية المباركة التي تمتعت بها الآن.
• كان أمرًا مهمًّا أيضًا أن تشجعها عائلتها على هذا الاهتمام بتطوير معدنها الأخلاقي في سن مبكرة. وأحد أسباب أهمية ذلك هو أنه حالما نختبر شيئًا – مثل ممارسة الجنس قبل الزواج – نجرَّب بقوة أكبر بتكرار تلك الخبرة. ولم يتثبّت هذا بالخبرة فحسب، بل أيضًا من خلال علم الأعصاب. فعندما يحدث اندفاع كيمائي/هرموني/بيولوجي من خبرة جسمية ممتعة، فإن هذا يبني دوائر دماغية تبحث عن تكرار نفس هذا الاندفاع. ويقوم الجسد أيضًا بالتعويض عن طريق تقليل إنتاج العوامل الكيمائية/الهرمونية/البيولوجية الطبيعية والصحية ومساهمتها.
• في هذا كله، يتفق البحث العلمي مع الكتاب المقدس: ’الشِّرِّيرُ تَأْخُذُهُ آثَامُهُ وَبِحِبَالِ خَطِيَّتِهِ يُمْسَكُ‘ (أمثال ٥: ٢٢). فإذا فشلنا في أن نكون سورًا ضد خطايا معيّنة، سنَعْلق في حِبال تلك الخطايا، ولن نعرف أبدًا البركة التي وجدتها عروس النشيد – “حِينَئِذٍ كُنْتُ فِي عَيْنَيْهِ كَوَاجِدَةٍ سَلَامَةً.”
هـ) الآيات (١١-١٢): الفتاة تفهم قيمتها.
١١كَانَ لِسُلَيْمَانَ كَرْمٌ فِي بَعْلَ هَامُونَ. دَفَعَ الْكَرْمَ إِلَى نَوَاطِيرَ، كُلُّ وَاحِدٍ يُؤَدِّي عَنْ ثَمَرِهِ أَلْفًا مِنَ الْفِضَّةِ. ١٢كَرْمِي الَّذِي لِي هُوَ أَمَامِي. الأَلْفُ لَكَ يَا سُلَيْمَانُ، وَمِئَتَانِ لِنَوَاطِيرِ الثَّمَرِ.
١. كَانَ لِسُلَيْمَانَ كَرْمٌ … دَفَعَ ٱلْكَرْمَ إِلَى نَوَاطِيرَ: يبدو أن الفكرة في هذه الآيات هي ضرورة تقدير تكلفة شيء وقيمته. فكان لكرم سليمان قيمة، وكان لاستخدامه تكلفة.
٢. كَرْمِي ٱلَّذِي لِي هُوَ أَمَامِي: أدركت الفتاة قيمتها. فبعد أن دافعت عن شرفها وعذريتها في كل من صباها وتودُّدها، استطاعت أن تقدمه بحرية بحق لسليمان (ٱلْأَلْفُ لَكَ يَا سُلَيْمَانُ).
• “يمثّل كرْمها شخصها (نشيد الأنشاد ١: ٦؛ ٢: ١٥). ويؤكد تصريحها ’كَرْمِي ٱلَّذِي لِي هُوَ أَمَامِي‘ أنها تحت توجيهها الحر الخاص للتصرف بنفسها كما تشاء.” جليكمان (Glickman). وقد اختارت أن تعطي نفسها لسليمان حبيبها. وقد أعطته كامل قيمة كرمها (أَلْفًا مِنَ ٱلْفِضَّةِ).
• نظرة الفتاة مختلفة عن نظرة معظم الناس في الثقافة الغربية الحديثة. فقد رأت قيمة حقيقية في عذريتها، وأهم من ذلك في نفسها. ولا ينبغي التفريط بذلك بشكل رخيص وسهل. ولذلك وجدت رجلًا قدّرها حقَّ قدرها، مثمِّنًا إياها بشكل صحيح وعالٍ.
• “كانت حياة شولميت هي كرمها. ولأنها كانت طاهرة، كان بإمكانها أن تعطي نفسها لزوجها بشكل كامل. فلم يكن قلبها منقسمًا، ولم يلوَّث بالجنس قبل الزواج.” إستيس (Estes)
• “هنالك دائمًا احتمال، رغم صعوبة ذلك لنا، أن الإشارة إلى كرم سليمان ينبغي أن يؤخذ بشكل حرفي في حين أن كرْم الفتاة مجازي. وقد فعل يسوع الأمر نفسه عندما قال: ٱنْقُضُوا هَذَا ٱلْهَيْكَلَ، وَفِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أُقِيمُهُ (يوحنا ٢: ١٩).” كينلو (Kinlaw)
• “يبدو أن كثيرين نسوا أن لديهم كرْمًا ينبغي أن يحافظوا عليه، أو إذا تذكّروا ذلك، لا يستطيعون أن يقولوا: كَرْمِي ٱلَّذِي لِي هُوَ أَمَامِي، لأنهم يرعون في كروم الآخرين، بدلًا من إبقاء عيونهم على كرومهم. يقولون: انظروا إلى كرْم فلان الفلاني. لا أعتقد أنه يشذّب كرمه بالإسلوب الجديد.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. وَمِئَتَانِ لِنَوَاطِيرِ ٱلثَّمَرِ: يصعب بعض الشيء أن نفهم بالضبط ما تشير إليه الفتاة هنا. وفي السياق، ربما تكون هذه طريقة لنسب الفضل إلى إخوتها على اهتمامهم بها وعلى جهودهم في حراسة شرفها قبل الزواج.
• “الاحتمال هو أن الإشارات التي كانت سهلة الفهم عند كتابتها صارت صعبة بالنسبة لنا، بسبب المسافة الزمنية الفاصلة، والجهل المصاحب للعادات والأعراف القديمة.” كينلو (Kinlaw)
• وبالقياس التمثيلي، عدَّ تشارلز سبيرجن (Charles Spurgeon) أولئك النواطير رعاة وخدامًا للإنجيل، وأنهم يستحقون المئتين أيضًا. ورأى أن هذا النص يتحدث عن مسؤولية الرعية في دعم الخادم.
• “ربما يكون بيننا اليوم بعض أعضاء كنائس ريفية غير كرماء مع خادمهم. وأنا أتكلم بصراحة حول هذه النقطة لأن رعيتي ربما تكون كريمة إلى حد زائد معي. لكني أقول لأعضاء الكنائس الأخرى: اهتموا بخادمكم. فلن تحصلوا على أية بركة ما لم تكونوا كرماء مع من أقامه الله عليكم. فإذا لم يحصل خادمكم على المئتين، أي أنه لم يحصل على حبكم واحترامكم له، ولم تعطوه ما يكفي لإبقائه فوق احتياجه، لا يمكنكم أن تتوقعوا أن يعمل روح الله معكم. وأعتقد أن هنالك عشرات الكنائس لا يحدث فيها خير لهذا السبب. يقول الله: ’أنتم تجوّعون خادمي، ولهذا سأجوّعكم. إذا وجدتم فيه عيبًا وتخاصمتم معه، فسأجد العيب فيكم أنتم، وسأخاصمكم. ولن تكون عليكم أية بركة. وستكونون مثل جبل جلبوع الذي لا يأتي عليه ندى أو مطر.‘” سبيرجن (Spurgeon)
و ) الآية (١٣): الحبيب يرد على الفتاة.
١٣أَيَّتُهَا ٱلْجَالِسَةُ فِي ٱلْجَنَّاتِ، ٱلْأَصْحَابُ يَسْمَعُونَ صَوْتَكِ، فَأَسْمِعِينِي.
1. أَيَّتُهَا ٱلْجَالِسَةُ (الساكنة) فِي ٱلْجَنَّاتِ: يخاطب الحبيب عروسه بهذا اللقب. إذ يمكن أن تدعى ’ٱلْجَالِسَة (الساكنة) فِي ٱلْجَنَّاتِ،‘ في أماكن البهجة والسرور، في أماكن يُهتم بها جيدًا، في أماكن مرتبطة بحبهما (نشيد الأنشاد ٤: ١٢-١٦؛ ٦: ٢؛ ٦: ١١).
• “نسمع في هاتين الآيتين الأخيرتين سليمان وشولميت وهما يتهامسان بحنان ورقة.” أستيس (Estes)
• لأن زوجها وحبيبها كان يعزها كثيرًا، كانت حياتها بالفعل مبهجة وممتعة كجنة. لاحظ الدكتور جيف شلوس (Jeff Schloss) مدى أهمية أن تحس الزوجة بهذا، موضحًا أن الأزواج والزوجات يصنّفون درجة سعادتهم حسب مدى اعتقادهم بأنهم محبوبون من شريك الحياة. فالزوجات اللواتي يفتقرن إلى الثقة بمحبة أزواجهن لهن يمتن في وقت مبكر، ويمتن قبل النساء غير المتزوجات. وهذه المعطيات صحيحة في كل الثقافات.
2. فَأَسْمِعِينِي: رغم أن آخرين استمتعوا بصحبة الفتاة (ٱلْأَصْحَابُ يَسْمَعُونَ صَوْتَكِ)، إلا أن الحبيب تاق إلى التمتع ببركة الوحدة والرفقة مع عروسه. ولهذا، طلب منها أن تُسمِعه صوتها في مكان يعبق بذكرى حبهما.
• يعتقد بعضهم أن هاتين الآيتين تدلان على انفصال بين الفتاة وحبيبها، حيث فصلتهما مشغولية ما أو ضرورة. وهي آمنة ومباركة في الجنّات. وهنا يتوق الحبيب إلى سماع صوتها. فإن كان الأمر كذلك، تُظهر هاتان الآيتان الختاميتان أن علاقتهما قوية ومباركة حتى عندما يتعذر على الزوجين أن يكونا معًا بشكل دائم.
• “بعبارة أخرى، عندما أكون بعيدًا عنكِ، املئي هذه الجنة باسمي، واجعلي قلبك يتواصل معي.” سبيرجن (Spurgeon)
ز ) الآية (١٤): الفتاة تنادي على حبيبها.
١٤اُهْرُبْ يَا حَبِيبِي، وَكُنْ كَٱلظَّبْيِ أَوْ كَغُفْرِ ٱلْأَيَائِلِ عَلَى جِبَالِ ٱلْأَطْيَابِ.
١. اُهْرُبْ (أَسرِع) يَا حَبِيبِي: إذا أردنا أن نأخذ الاقتراح أن هاتين الآيتين الأخيرتين تدلان على انفصال العروس وحبيبها، فهذه هي استجابتها لرغبته في الاستماع إلى صوتها ثانية (نشيد الأنشاد ٨: ١٣)، حيث تدعوه إلى أن يُسرع لكي يجتمعا معًا من جديد.
• وهكذا نرى أن نشيد الأنشاد يختتم بنفس الرغبة القوية والحدة اللتين بدأ بهما. ويذكّرنا هذا بأنه رغم أن علاقة الزوجين قد تقدمت ونضجت، إلا أنها لم تفقد شغفها ونضارتها وإثارتها.
• “رأينا بكل الطرق زواجًا وهو ينضج – في خبرتهما الجنسية الحميمية، وفي أمان أعظم للزوجة، وفي حريّتها اللعوب بالمبادرة إلى الحب، وأخيرًا في ملء علاقتهما. وقد رسم الشاعر صورة كاشفة للزوجين النموذجيين.” جليكمان (Glickman)
• إذا قمنا بوضع قياسي تمثيلي بين علاقة يسوع بشعبه، يمكننا القول إن كلمة ’اهرب‘ (أَسرِعْ) تتحدث عن رغبتها في عودته قريبًا. “أعتقد أن علاقتنا بمجيء المسيح ثانية يمكن أن تُستخدم كمقياس للحرارة فنعرف درجة حرارتنا الروحية. فإذا كانت لدينا رغبات قوية، وتوق شديد حار لمجيء الرب، يمكننا أن نأمل أن حالتنا الروحية جيدة الآن. لكن إن لم تكن لدينا هذه الرغبات، أعتقد أننا في أحسن الأحوال مهمِلون إلى حد ما. وفي أسوأ الأحوال، فإننا نتراجع في النعمة.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. وَكُنْ كَٱلظَّبْيِ أَوْ كَغُفْرِ ٱلْأَيَائِلِ عَلَى جِبَالِ ٱلْأَطْيَابِ: سبق أن فكّرت الفتاة بحبيبها كظبي على ٱلْجِبَالِ ٱلْمُشَعَّبَةِ (جبال بيثير). وهنا ترتبط الفكرة المماثلة بجمال الأطياب.
• ٱلْأَطْيَابِ: تدل ٱلْأَطْيَاب على الجمال، والروائح الزكية، والقيمة، والثروة، والعذوبة. هذه هي جبال الأطياب! فكان هذا مدى روعة علاقتهما وغلاوتها بالنسبة للفتاة. فلا عجب أنها تاقت إلى عودته سريعًا.
• “الدعوة الأخيرة هي استمرار الاحتفال بالحب والتواصل اللذين يشترك فيهما الزوجان. إن أفراح الاتحاد الجسدي والاستمتاع المتبادل مختوم بموافقة الله، لأن نشيد الأنشاد جزء من كلمته المقدسة.” كار (Carr)
• “يرمز الظبي وجبال الأطياب لآخر مرة إلى الحبيب والحبيبة. لقد ولّت القيود. فهو لها، وهي له. وهما حُرّان في متابعة مسرّات الحب التي تصوّر حبًّا يأتي لكل مؤمن.” كينلو (Kinlaw)