رسالة كورنثوس الأولى – الإصحاح ٥
مواجهة الزنا في الكنيسة
أولاً. مواجهة المشكلة
أ ) الآية (١): أخطية المؤمن الذي لم يُذكر اسمه في كورنثوس.
١يُسْمَعُ مُطْلَقًا أَنَّ بَيْنَكُمْ زِنًى! وَزِنًى هَكَذَا لاَ يُسَمَّى بَيْنَ الأُمَمِ، حَتَّى أَنْ تَكُونَ لِلإِنْسَانِ امْرَأَةُ أَبِيهِ.
- يُسْمَعُ مُطْلَقًا أَنَّ بَيْنَكُمْ زِنًى: كلمة ’زِنى‘ هي الكلمة اليونانية القديمة (بورينيا porneia) والتي تشير بوجه عام إلى جميع أنواع النشاط الجنسي خارج نطاق الزواج (بما في ذلك المثلية الجنسية).
- في الأصل، كانت كلمة (porneia) تشير فقط إلى الاختلاط بالعاهرات؛ بينما استخدم المجتمع اليهودي قبل زمن العهد الجديد، هذه الكلمة للإشارة إلى أي نوع من العلاقات الجنسية خارج نطاق الزواج بما في ذلك المثلية الجنسية. وهذا هو أيضًا معناها في العهد الجديد.
- هذا ما قاله المُفسرون عن كلمة (porneia): “يشمل الكتاب المقدس بهذه الكلمة جميع أنواع العلاقات غير الشرعية” بووله (Poole). و”يجب أن تُفهم الكلمة في معناها الأشمل، فهي تحمل في طياتها كل أنواع النجاسات.” كلارك (Clarke)
- تظهر كلمة (porneia) في مقدمة “قوائم الخطايا” المذكورة في العهد الجديد، والسبب وراء هذا ليس لأن المؤمنين الأوائل كان لديهم الكثير من “السقطات” الجنسية، بل لأن موضوع الجنس كان من أكثر القضايا التي اصطدمت بها الثقافة اليونانية مع الإيمان المسيحي. فقد كان الزنا من الممارسات المقبولة في حياة الشخص العادي في الثقافة اليونانية، ولكن لم يكن الأمر كذلك بين أتباع يسوع.
- أَنْ تَكُونَ لِلإِنْسَانِ امْرَأَةُ أَبِيهِ: على ما يبدو، كان هناك شخص ما لديه علاقة جنسية مستمرة (إما بالزواج أو بالعيش معًا) مع زوجة أبيه (امْرَأَةُ أَبِيهِ). ومن الواضح أن المرأة المعنية هنا ليست مؤمنة لأن الكلام غير موجه إليها.
- تشير الأفعال في الآية إلى أن العلاقة الجنسية كانت مستمرة وأنها لم تكن مجرد نزوة عابرة لليلة واحدة.
- وَزِنًى هَكَذَا لاَ يُسَمَّى بَيْنَ الأُمَمِ: كان بولس يفهم أن هذا النوع من سفاح القربى يُعتبر من المُحرَّمات حتى في ثقافة الأمم، لكن يبدو أن مؤمني كورنثوس كانوا يقبلون هذا السلوك.
- قال الكاتب الروماني القديم ورجل الدولة شيشرون (Cicero) إن هذا النوع من الزنا بين الأقارب كان جريمة لا تُصدَّق… بحق كما قال بولس: أنه زِنًى لاَ يُسَمَّى بَيْنَ الأُمَمِ.
- إعلان الكتاب المقدس بأنها خطية كان ينبغي أن يكون كافياً بالنسبة لأهل كورنثوس ( لاويين ٨:١٨، تثنية ٣٠:٢٢ و ٢٠:٢٧). ليس هذا فحسب، ولكن ثقافة العالم حولهم اعتبرتها خطية أيضاً، ومع هذا يبدو أن كنيسة كورنثوس لم تنزعج منها على الإطلاق.
ب) الآية (٢): رد فعل كنيسة كورنثوس تجاه الخطية.
٢ أَفَأَنْتُمْ مُنْتَفِخُونَ، وَبِالْحَرِيِّ لَمْ تَنُوحُوا حَتَّى يُرْفَعَ مِنْ وَسْطِكُمُ الَّذِي فَعَلَ هذَا الْفِعْلَ؟
- أَفَأَنْتُمْ مُنْتَفِخُونَ، وَبِالْحَرِيِّ لَمْ تَنُوحُوا: بالرغم من سوء الخطية ذاتها، إلا أن بولس كان أكثر قلقًا بشأن استخفاف مؤمني كورنثوس بها وعدم اهتمامهم (بِالْحَرِيِّ لَمْ تَنُوحُوا) بهذا السلوك.
- لقد تناول بولس سابقًا في هذه الرسالة المشكلات “الذهنية” التي يعاني منها مؤمني كورنثوس: أفكارهم الخاطئة عن قوة الله وعمله وخُدامه. والآن يبدأ بولس في تناول مشكلاتهم “الأخلاقية.” ولكن الاثنين مرتبطان معًا؛ فقد ظهرت مشكلاتهم الأخلاقية بسبب تفكيرهم الخاطئ عن الله وعالمه.
- حَتَّى يُرْفَعَ مِنْ وَسْطِكُمُ الَّذِي فَعَلَ هذَا الْفِعْلَ: من الواضح أن هذا كان حل بولس للمشكلة – ابعاد هذا الرجل سيء السُمعة غير التائب بعيدًا عن الحماية الناتجة عن الشركة مع شعب الله. ولكن مؤمني كورنثوس لم يفعلوا هذا. لماذا؟ كيف يسمحون بمثل هذا الأمر؟
- تذكر أن كورنثوس كانت مدينة سيئة السُمعة بسبب الفجور الجنسي، ودياناتهم الوثنية لم تقدر النقاوة الجنسية. فلم يكن من الصعب على أي إنسان يعيش في مدينة كورنثوس أن يقبل فكرة أن شخص متدين لا يزال يتصرف كما يشاء من الناحية الجنسية. وفي الواقع، يمكن للثقافة اليونانية أن تقول: “نحن نحتفظ بالعشيقات من أجل المُتعة والجواري من أجل العناية اليومية بالجسم، لكن الزوجات لانجاب أطفال شرعيين.”
- ألم يعرفوا أن هذه كانت خطية في العهد القديم؟ وعلى الرغم من أن سفر اللاويين ٨:١٨ منع بوضوح ممارسة الجنس مع زوجة الأب (عَوْرَةَ أَبِيكَ وَعَوْرَةَ أُمِّكَ لاَ تَكْشِفْ) إلا أن بعض معلمي اليهود أمثال عقيبه (Akibah) سمحوا بهذا النوع من العلاقة للأممي الذي اعتنق الديانة اليهودية، فهو الآن شخص جديد تمامًا، وعائلته القديمة لا تُحسَب على وضعه الجديد.
- على الأغلب سمح مؤمنو كورنثوس بمثل هذا تحت مسمى ’التسامح.‘ وربما كان يشجعون أنفسهم قائلين: “كم نحن مُحبِّون ومنفتحون حتى أننا نقبل هذا الأخ كما هو!” ولكن ينبغي ألا نستخف أبدًا بما يمكن أن يسمح به الناس بإسم ’الانفتاح.‘
- أَفَأَنْتُمْ مُنْتَفِخُونَ، وَبِالْحَرِيِّ لَمْ تَنُوحُوا: إن مؤمني كورنثوس فخورون (أَنْتُمْ مُنْتَفِخُونَ) بقبولهم لهذا الرجل؛ وظنوا أن هذا يعطي انطباع جيد عنهم! ولكن بدلاً من التفاخُر، كان ينبغي عليهم أن يحزنوا، سواء على هذا الرجل أو على ما يجب أن تكون ردة فعلهم تجاهه (يُرْفَعَ مِنْ وَسْطِكُمُ).
ج ) الآيات (٣-٥): علاج بولس للمشكلة.
٣فَإِنِّي أَنَا كَأَنِّي غَائِبٌ بِالْجَسَدِ، وَلكِنْ حَاضِرٌ بِالرُّوحِ، قَدْ حَكَمْتُ كَأَنِّي حَاضِرٌ فِي الَّذِي فَعَلَ هذَا، هكَذَا: ٤بِاسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ إِذْ أَنْتُمْ وَرُوحِي مُجْتَمِعُونَ مَعَ قُوَّةِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ – ٥أَنْ يُسَلَّمَ مِثْلُ هذَا لِلشَّيْطَانِ لِهَلاَكِ الْجَسَدِ، لِكَيْ تَخْلُصَ الرُّوحُ فِي يَوْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ.
- غَائِبٌ بِالْجَسَدِ، وَلكِنْ حَاضِرٌ بِالرُّوحِ: عندما يقول بولس أن روحه حاضرة، فهو لا يتحدث عن ظاهرة خروج الروح من الجسد (الاسقاط النجمي) التي كانت سائدة ذلك العصر. لكنه حاضر معهم حقًا من خلال رسالته التي كانت امتداد روحي فعَّال لسلطته الرسولية.
- بمعنى آخر، لم يكن بولس بحاجة إلى التواجد هناك لممارسة سلطته؛ فالمسافة لم تُقلل من تأثيره عليهم كرسول.
- يمارس بولس هنا سلطانه كرسول (قَدْ حَكَمْتُ) لكن ليس بقوته الشخصية لأنه يدرك أنه يجب القيام بذلك بإسم وقوة الرب يسوع (بِاسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ).
- فَإِنِّي .. قَدْ حَكَمْتُ: هل عصى بولس هنا وصية يسوع في متى ١:٧-٥ حين قال: «لاَ تَدِينُوا لِكَيْ لاَ تُدَانُوا»؟
- لم يحدث أن عصى بولس كلام يسوع ولو بقدر قليل. فما قاله يسوع في متى ١:٧-٥ يمنع الإدانة من باب النّفاق وإدانة الآخرين بمعيار لا نريد نحن لأنفسنا أن نُدان به. كان بولس مستعداً تماماً لأن يُطبِّق على نفسه نفس المعايير التي يُطبقها على مؤمني كورنثوس.
- بعض الإدانة مسموح بها، والبعض الآخر غير مسموح به. “على الرغم من أنه لا ينبغي على المؤمنين أن يدينوا دوافع أو خدمات الآخرين، إلا أننا مطالبون دون شك بأن نكون صادقين فيما يتعلق بسلوك بعضنا البعض.” ويرزبي (Wiersbe)
- أَنْ يُسَلَّمَ مِثْلُ هذَا لِلشَّيْطَانِ لِهَلاَكِ الْجَسَدِ: كيف يمكن ’أَنْ يُسَلَّمَ مِثْلُ هذَا لِلشَّيْطَانِ؟‘ من خلال طرده من الكنيسة وإدخاله في العالم الذي يرأسه الشيطان. فالعقوبة هنا هي إزالة الحماية الروحية والراحة الاجتماعية عنه وليس إلحاق الشر به.
- غالبًا ما يحمينا الله من هجمات الشيطان حتى وإن كنا لا نعرف شيئًا عن تلك الهجمات (أيوب ١٠:١ و لوقا ٣١:٢٢-٣٢).
- حقيقة أن الكثيرين يستطيعون ترك الكنيسة دون أي تردد تُظهر مدى ضعف تلك الكنائس. ألا ينبغي أن تفتقد الكنائس من هم تحت التأديب، أولئك المُستبعدون من الشَرِكة؟ ولكن ألا يلقي هذا الضوء أيضًا على المؤمن الذي يُهمل بمحض إرادته شركة القديسين مُفضلًا الانفصال عنهم؟
- أفادت وصية بولس أيضاً في تحقيق غرض هام: إزالة أي شعور زائف بالأمان قد يتولد لدى الإنسان الخاطئ بسبب وجوده وسط شركة المؤمنين. فقد تجاهلوا خطيته وسمحوا له بتجاهلها، متظاهرين كما لو كانت غير موجودة. فالخاطئ الذي يرفض مواجهة خطيته، على الكنيسة مواجهتها من أجل لمصلحته ومصلحتها.
- لِهَلاَكِ الْجَسَدِ: إن الغرض من وضع هذا الرجل خارج الحماية الروحية والراحة الاجتماعية الكنسية هو تحمل نتائج طبيعته الجسدية المتمردة.
- هذا الإنسان، بالرغم من كونه مؤمنًا، قد أُسلِم لخطايا الجسد. فيقول بولس أن هذا الإنسان، عند إبعاده، سيُسلَّم لعواقب خطية الجسد على رجاء أنها “ستدمر” خطية الزنا في حياته.
- علينا كمؤمنين أن نخوض معركة مستمرة مع الجسد، لأنه على الرغم من أن الإنسان العتيق قد مات بصلبه مع المسيح (رومية ٦:٦)، إلا أن الجسد لا يزال حيًا و”تعلم” الخطية من الإنسان العتيق ومن الشيطان ومن ثقافة العالم من حولنا. والآن، يدعونا الله، بالاشتراك معه، أن نفعل بالجسد ما فعله هو نفسه بإنساننا العتيق: أن نصلب الجسد (غلاطية ٢٤:٥). يأمل بولس في أن وضع هذا الإنسان خارج شركة المؤمنين في كنيسة كورنثوس سوف يقوده إلى صلب الجسد مع أهوائه وشهواته.
- كانت كلمات ’يُسَلَّمَ مِثْلُ هذَا لِلشَّيْطَانِ لِهَلاَكِ الْجَسَدِ‘ تُستخدم عادة لتبرير العذاب الرهيب خلال الاستجواب، لكن هذا ليس ما يقصده بولس هنا على الإطلاق. فلا يتحدث بولس عن تدمير جسد الإنسان المادي بل هو يُخاطب القوة الروحية لجسده الخاطئ.
- لِكَيْ تَخْلُصَ الرُّوحُ فِي يَوْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ: إن هدف التأديب واضح: خلاص روحه وليس تدميرها. وعلى الرغم من أن سلوك هذا الإنسان كان خاطئًا بشكل واضح، وكان بحاجة إلى التأديب، إلا أن بولس لم يُسقطه من حساباته وكأنه قد ضل إلى الأبد. فالتأديب الكنيسة الفعال قد يقوده إلى الخلاص.
- ينبغي أن يتم كل تأديب في الكنيسة بغرض رد النفس وليس الإدانة. وكما كتب بولس: “وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُطِيعُ كَلاَمَنَا بِالرِّسَالَةِ، فَسِمُوا هذَا وَلاَ تُخَالِطُوهُ لِكَيْ يَخْجَلَ، وَلكِنْ لاَ تَحْسِبُوهُ كَعَدُوٍّ، بَلْ أَنْذِرُوهُ كَأَخٍ.” ( تسالونيكي الثانية ١٤:٣-١٥).
- “إن تأديب الكنيسة ليس هو بمثابة قيام مجموعة من “رجال الشرطة الأتقياء” بإلقاء القبض على مجرم. بل هو سعي مجموعة من الإخوة والأخوات، مُنسحقو القلب، لاستعادة فرد من الأسرة ضل طريقه.” ويرزبي (Wiersbe)
- لِكَيْ تَخْلُصَ الرُّوحُ: لا يقول بولس أنه ينبغي على الكنيسة أن تجرد الإنسان الخاطئ من خلاصه. فالكنيسة لا تمنح الخلاص؛ وبالتأكيد لا يمكنها أن تنزعه. ولكن هناك حالات يكون فيها خير للخاطئ وخير للكنيسة أن يُستبعد هذا الشخص من وسط جماعة المؤمنين.
- يطلق البعض على هذا اسم “الحِرمان الكنسي” أو “قطع الشركة” حيث يُترك الشخص خارجًا حتى يتوب. ولكن في ثقافة الكنيسة اليوم، نادراً ما يساعد هذا على توبة الخاطئ، لأنه ببساطة يمكنه أن يذهب إلى كنيسة أخرى ويدَّعي كما لو أن شيئًا لم يحدث في كنيسته السابقة أو قد يلعب دور الضحية ويتصرف كما لو أن كنيسته السابقة قد عاملته بقسوة. ورغم حقيقة أن بعض الكنائس عاملت أعضائها بقسوة وطردت البعض الآخر دون وجه حق، إلا أن هذا لا يعني أن على الكنيسة ألا تطبق أبدًا مبادئ الكتاب المقدس التي يعلم بها بولس هنا. فتطبيقها ضروري من أجل مصلحة الكنيسة ومصلحة الإنسان الخاطئ أيضًا.
- إذاً، “كان ينبغي أن يُعقد اجتماع للكنيسة بإسم المسيح، بحضور بولس روحيًا، وبالسلطان الممنوح له كرسول، تسليم هذا المُذنب إلى قوة الشيطان.” هودج (Hodge)
ثانياً. المنطق وراء نقاء الكنيسة
أ ) الآية (٦): خطية صغيرة تؤثر على المجموعة بأكملها.
٦لَيْسَ افْتِخَارُكُمْ حَسَنًا. أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ خَمِيرَةً صَغِيرَةً تُخَمِّرُ الْعَجِينَ كُلَّهُ؟
- لَيْسَ افْتِخَارُكُمْ حَسَنًا: مرة أخرى، كان مؤمنو كورنثوس فخورين وراضين عن تجاهل خطية هذا الرجل! لقد ظنوا أن ذلك قد أظهر للعالم أجمع مدى “محبتهم” له. ولكنك لا تُظهر “محبة” للجسد بأن تكون لطيفًا مع السرطان!
- يمكننا أن نقول بحق أن بولس كان مُهتمًا بخطية الكنيسة ككل (خاصة القادة) أكثر من خطية الفرد. كلاهما مهم، لكن خطية الكنيسة أسوأ.
- خَمِيرَةً صَغِيرَةً تُخَمِّرُ الْعَجِينَ كُلَّهُ: الخميرة المذكورة هنا ليست مجرد خميرة عادية، بل هي قطعة صغيرة من العجينة السابقة. فهكذا كان يُصنع الخبر قديمًا، يأخذون كمية قليلة من العجين ليصنعوا منه كتلة جديدة كاملة من العجين المُختمر. كانت الخميرة عادة تمثل عمل الخطية والكبرياء؛ فالقليل منها يمكن أن يفسد الكثير.
- في ضوء ذلك، كان أمر عيد الفصح بتطهير الخبز من الخمير هو لغرض صحي. وطريقة التخمير هذه كانت تُستعمل أسبوعًا بعد الآخر، وهي تزيد من خطر الإصابة بالعدوى أو التسمم الغذائي. لذا، كان على اليهود أن يبدئوا من نقطة البداية على الأقل مرة كل عام.
ب) الآيات (٧-٨): يجب أن نعيش في عيد فصح دائم.
٧إِذًا نَقُّوا مِنْكُمُ الْخَمِيرَةَ الْعَتِيقَةَ، لِكَيْ تَكُونُوا عَجِينًا جَدِيدًا كَمَا أَنْتُمْ فَطِيرٌ. لأَنَّ فِصْحَنَا أَيْضًا الْمَسِيحَ قَدْ ذُبحَ لأَجْلِنَا. ٨إِذًا لِنُعَيِّدْ، لَيْسَ بِخَمِيرَةٍ عَتِيقَةٍ، وَلاَ بِخَمِيرَةِ الشَّرِّ وَالْخُبْثِ، بَلْ بِفَطِيرِ الإِخْلاَصِ وَالْحَقِّ.
- نَقُّوا مِنْكُمُ الْخَمِيرَةَ الْعَتِيقَةَ: في عيد الفصح، كان عليهم التخلص من كل الخميرة من المنزل، وكان يمنع منعاً باتاً تناول أي شيء به خميرة لمدة أسبوع كامل. فيقول بولس هنا أنه كما كان اليهود يهتمون بإزالة كل خميرة من وسطهم، هكذا ينبغي على الكنيسة أن تُزيل مثل هؤلاء الخطاة غير التائبين من وسطهم.
- فِصْحَنَا الْمَسِيحَ: إن بولس لا يبالغ بربطه نقاوة الفصح بالحياة المسيحية. فيسوع هو حقًا خروف فصحنا الذي سُفِك دمه حتى تعبر عنا دينونة الله. لذلك، علينا أن نعيش في النقاوة التي يتحدث عنها عيد الفصح.
- يجب أن تتميز حياتنا المسيحية بنفس الأشياء التي ميزت عيد الفصح: الخلاص والتحرير والفرح والوفرة والنقاوة من الخميرة.
- كَمَا أَنْتُمْ فَطِيرٌ: إن نقطة بولس واضحة ولافتة للنظر – عليك أن تحيا بلا خميرة لأنك فَطِيرٌ (أي بلا خميرة). “كن على طبيعتك” هي رسالة العهد الجديد الأساسية للحياة المسيحية.
- “الخلاص ’في‘ الخطية غير ممكن، بل يجب أن يكون الخلاص دائمًا ’من‘ الخطية .” سبيرجن (Spurgeon)
- الإِخْلاَصِ وَالْحَقِّ: هذان هما الحاجزان القويَّان اللذان يحفظانك في طريق الحياة المسيحية.
ثالثاً. مبدأ التأديب الكنسي
أ ) الآية (٩): أخبرهم بولس في رسالة سابقة أن يتجنبوا الزُناة (بورنيا porneia).
٩كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ فِي الرِّسَالَةِ أَنْ لاَ تُخَالِطُوا الزُّنَاةَ.
- كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ فِي الرِّسَالَةِ: أين هي تلك الرسالة من بولس؟ لقد كتب الرُسُل رسائل كثيرة إلى الكنائس لم تعد موجودة لدينا الآن. ومن المؤكد أن تلك الرسائل كان موحى بها للتحدث إلى كنائس محددة في ذلك الوقت، ولكنها لم تكن لكل الكنائس في كل الأزمنة. لذلك، لم يحفظ الروح القدس تلك الرسائل من خلال الكنيسة.
- تعني كلمة ’لاَ تُخَالِطُوا‘ حرفيًا ’لا تُعاشِروا.‘ وفي سياق العلاقات الاجتماعية يعني هذا أن لا تكون لنا شركة معهم إطلاقاً.
ب) الآيات (١٠-١٣): يوضح بولس مبدأ التأديب الكنسي.
١٠وَلَيْسَ مُطْلَقًا زُنَاةَ هذَا الْعَالَمِ، أَوِ الطَّمَّاعِينَ، أَوِ الْخَاطِفِينَ، أَوْ عَبَدَةَ الأَوْثَانِ، وَإِلاَّ فَيَلْزَمُكُمْ أَنْ تَخْرُجُوا مِنَ الْعَالَمِ! ١١وَأَمَّا الآنَ فَكَتَبْتُ إِلَيْكُمْ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ مَدْعُوٌّ أَخًا زَانِيًا أَوْ طَمَّاعًا أَوْ عَابِدَ وَثَنٍ أَوْ شَتَّامًا أَوْ سِكِّيرًا أَوْ خَاطِفًا، أَنْ لاَ تُخَالِطُوا وَلاَ تُؤَاكِلُوا مِثْلَ هذَا. ١٢لأَنَّهُ مَاذَا لِي أَنْ أَدِينَ الَّذِينَ مِنْ خَارِجٍ؟ أَلَسْتُمْ أَنْتُمْ تَدِينُونَ الَّذِينَ مِنْ دَاخِل؟ ١٣أَمَّا الَّذِينَ مِنْ خَارِجٍ فَاللهُ يَدِينُهُمْ. «فَاعْزِلُوا الْخَبِيثَ مِنْ بَيْنِكُمْ».
- وَلَيْسَ مُطْلَقًا زُنَاةَ هذَا الْعَالَمِ: لم يرد بولس من مؤمني كورنثوس أن يتوقعوا من الأشرار أن يسلكوا بالتقوى. فالإنعزال عن خطاة هذا العالم الشرير يعني عدم الشركة معهم (الخروج مِنَ الْعَالَمِ).
- من المثير للدهشة أن هذا هو النهج الذي يتبعه الكثيرين ليحافظوا على قداستهم وحياتهم الروحية – الابتعاد عن العالم قدر الإمكان. وهذه هي الروح الكامنة وراء حركة الرهبنة في الكنيسة الأولى وكنيسة القرون الوسطى.
- زُنَاةَ هذَا الْعَالَمِ: علينا أن نتوقع إثم الخطاة في هذا العالم، لكن ألا نقبل خطيتهم.
- ينبغي ألا يفاجئنا أو يُضايقنا أن الذين لم يعرفوا يسوع بعد هم طماعون. وتعني هذه الكلمة حرفيًا “أولئك الذين لا بد وأن يحصلوا على المزيد”.
- ينبغي ألا يفاجئنا أو يُضايقنا أن الذين لم يعرفوا يسوع بعد هم خاطفون (harpax هارباكس في اليونانية القديمة). وتصف الكلمة أولئك الذين يسرقون مستخدمين العنف.
- ينبغي ألا يفاجئنا أو يُضايقنا أن الذين لم يعرفوا يسوع بعد هم شتّامون، وهي الكلمة التي تصف الشخص الذي يغتال سُمعة الناس.
- إِنْ كَانَ أَحَدٌ مَدْعُوٌّ أَخًا… أن لاَ تُخَالِطُوا وَلاَ تُؤَاكِلُوا مِثْلَ هذَا: كان يتوقع المؤمنين في كورنثوس أن يسلك إخوتهم في الإيمان السلوك المسيحي، لكنهم لم يسلكوا! لهذا يأمرهم بولس بألا يتناولوا حتى الطعام مع مثل هذا الشخص.
- في ثقافة ذلك الوقت (وفي كثير من ثقافات اليوم) يعد تناول الطعام مع شخص ما تعبيرًا عن الصداقة والشراكة. وفي بعض الثقافات، إذا تناول شخص ما من طعام مائدتك، فأنت مُلزم بأن تعتبره صديقًا وشريكًا. ولكن بولس يُحذر مؤمني كورنثوس من أن يكونوا في شركة مع شخص خاطئ يدعو نفسه مؤمنًا.
- مَاذَا لِي أَنْ أَدِينَ الَّذِينَ مِنْ خَارِجٍ؟… الَّذِينَ مِنْ خَارِجٍ اللهُ يَدِينُهُمْ: للأسف، الكثير من المؤمنين مُنشَغلون بإدانة من هم خارج الكنيسة (وهي وظيفة الله فقط) مُتجاهلين النقاوة داخل الكنيسة.
- أَلَسْتُمْ أَنْتُمْ تَدِينُونَ الَّذِينَ مِنْ دَاخِل؟… “فَاعْزِلُوا الْخَبِيثَ مِنْ بَيْنِكُمْ”: أخفق مؤمنو كورنثوس في الحكم على الأمور بطريقة سليمة. فكان ينبغي ألا “يتغاضوا” عن الخاطئ الذي يعيش بينهم، وألا يعتبروا أنفسهم “مُحبين” لقيامهم بذلك.
- يجب ألا ننسى السببين وراء أهمية التعامل مع هذا الزاني في كنيسة كورنثوس: ليس فقط من أجل النقاوة في الكنيسة، لكن أيضًا من أجل خلاص الرجل نفسه ( كورنثوس الأولى ٥:٥).