رسالة كورنثوس الأولى – الإصحاح ٦
الدَّعَاوَى القضائية والحياة غير المنضبطة
أولاً. تعليمات تختص الدَّعَاوَى القضائية بين المؤمنين
أ ) الآية (١): يستنكر بولس لجوء المؤمنين إلى محاكم الأمم للنظر في خلافاتهم.
١أَيَتَجَاسَرُ مِنْكُمْ أَحَدٌ لَهُ دَعْوَى عَلَى آخَرَ أَنْ يُحَاكَمَ عِنْدَ الظَّالِمِينَ، وَلَيْسَ عِنْدَ الْقِدِّيسِينَ؟
- أَيَتَجَاسَرُ مِنْكُمْ أَحَدٌ: يا لها من كلمات قوية يعبر بها بولس عن عدم استطاعته تصديق ما يفعله مؤمنو كورنثوس.
- لَهُ دَعْوَى عَلَى آخَرَ: يبدو أن أحد المؤمنين اعتقد أن مؤمن آخر أخطأ في حقه، فسعى إلى تطبيق العدالة من خلال المحاكم المحلية (يُحَاكَمَ عِنْدَ الظَّالِمِينَ).
- كان القاضي المحلي يحكم في القضايا المدنية وهو جالس وسط السوق على ما كان يعرف باسم مقعد ’بيما‘ (bema). ولأن الثقافة اليونانية كانت تجد التسلية في المعارك القانونية، سرعان ما أصبحت دعوى أي شخص معروفة للعامة.
- كلمة الظَّالِمِينَ تعني حرفيًا غير عادل، بمعنى أنه “غير مبرر أمام الله، غير مُخلَّص.” لماذا يسعى مؤمنو كورنثوس إلى إيجاد العدل لدى مَن هم غير مُبررين أمام الله؟
- يستخدم بولس مصطلح ’الظَّالِمِينَ‘ بالمعنى الديني وليس بالمعنى الأخلاقي؛ ليس الأمر أن قضاة كورنثوس كانوا قضاة سيئين، لكنهم لم يكونوا مؤمنين.
ب) الآيات (٢-٦): لماذا يمكن للمؤمنين الحكم في أمورهم الخاصة، ومن الخطأ الذهاب إلى محاكم الأمم للفصل في نزاعاتهم.
٢أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الْقِدِّيسِينَ سَيَدِينُونَ الْعَالَمَ؟ فَإِنْ كَانَ الْعَالَمُ يُدَانُ بِكُمْ، أَفَأَنْتُمْ غَيْرُ مُسْتَأْهِلِينَ لِلْمَحَاكِمِ الصُّغْرَى؟ ٣أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّنَا سَنَدِينُ مَلاَئِكَةً؟ فَبِالأَوْلَى أُمُورَ هذِهِ الْحَيَاةِ! ٤فَإِنْ كَانَ لَكُمْ مَحَاكِمُ فِي أُمُورِ هذِهِ الْحَيَاةِ، فَأَجْلِسُوا الْمُحْتَقَرِينَ فِي الْكَنِيسَةِ قُضَاةً! ٥لِتَخْجِيلِكُمْ أَقُولُ. أَهكَذَا لَيْسَ بَيْنَكُمْ حَكِيمٌ، وَلاَ وَاحِدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَقْضِيَ بَيْنَ إِخْوَتِهِ؟ ٦لكِنَّ الأَخَ يُحَاكِمُ الأَخَ، وَذلِكَ عِنْدَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ!
- أَنَّ الْقِدِّيسِينَ سَيَدِينُونَ الْعَالَمَ… أَنَّنَا سَنَدِينُ مَلاَئِكَةً: يجب أن يكون المؤمنون قادرين تمامًا على الحكم في أمورهم بسبب مصيرهم. فعندما نحكم مع يسوع المسيح، سوف نُدين العالم بل وأيضًا الملائكة (بطريقة ما).
- فكرة أن المؤمنين سوف يدينون الملائكة هي فكرة مُدهشة. وهي لا تعني أننا سوف نجلس لنُدين الملائكة الأمناء كما لو كنا نستطيع أن نعاقبهم لأنهم خذلونا أو أنهم لم يكونوا حاضرين لمساعدتنا، لكن سيكون لنا دور في دينونة الملائكة الأشرار.
- يا لعظمة المصير الذي أعده الله للرجال والنساء المفديين! “هل هناك أي عبارة في الكتابات الرسولية لها مثل هذه الدلالة الأكيدة والواضحة لاتحاد القديسين مع ربهم؟” مورغان (Morgan)
- إن مصير الرجال والنساء المفديين – بأن يصبحوا في يوم من الأيام أعلى من الملائكة وأن يجلسوا أيضًا لدينونتهم – لا بُد أنه يُزعج جدًا ملاكًا بعينه كان له مقام رفيع في السماء. فهو لا يريد أن يخدم مخلوق أدنى منه ولا يريده أن يأخذ مقام أعلى منه. لذا، عصى الله وعقد العزم على منع أكبر عدد من الناس من الجلوس لدينونته. ويمكننا أن نتصور السعادة التي يشعر بها الشيطان مع كل روح تذهب إلى الجحيم: “هم لن يجلسوا لدينونتي!”
- أَفَأَنْتُمْ غَيْرُ مُسْتَأْهِلِينَ لِلْمَحَاكِمِ الصُّغْرَى؟ (لِلحُكمِ فِي مَسَائِلَ بَسِيطَةٍ؟): إن كان يجري حالياً إعداد المؤمنون لمثل هذا المصير المجيد، لماذا يسمح مؤمنو كورنثوس للْمُحْتَقَرِينَ (أي قضاة العالم) بأن يقضوا في النزاعات بين المؤمنين؟
- أَهكَذَا لَيْسَ بَيْنَكُمْ حَكِيمٌ: كان مؤمنو كورنثوس فخورين بما اعتقدوا أنها “حِكمتهم” (كورنثوس الأولى ١٨:١-٣١)، لكن أفعالهم أظهرت أن لَيْسَ بَيْنَهُمْ حَكِيم.
- الأَخَ يُحَاكِمُ الأَخَ: أظهر بولس من خلال أفعاله أنه لم يكن ضد كافة الإجراءات القانونية. ففي أعمال الرسل ٢٥:٢٢ و ١٠:٢٥-١١، رفع بولس شكواه إلى المحاكم الرومانية في سبيل نيل حقوقه. ومع ذلك، عرف بولس أنه من الخطأ أن الأَخَ يُحَاكِمُ الأَخَ.
- من المهم بالنسبة للمؤمنين أن يقوموا بتسوية النزاعات فيما بينهم وفقًا للمبادئ الكتابية. ويمكنهم القيام بذلك إما من خلال الكنيسة أو من خلال تحكيم المؤمنين. ولكن اليوم، كما في أيام بولس، لا يوجد سبب يدعو المؤمنين إلى مقاضاة بعضهم البعض.
- هل هذا يعني أنه يجوز للمؤمنين مقاضاة غير المؤمنين الذين أخطأوا في حقهم؟ هذا السؤال مهم في عصرنا حيث أن الناس على استعداد لمقاضاة أي شخص بخصوص أي شيء. ولكن بولس لا يطرح هذه القضية بالتحديد، ولا يقول إن الأمور بين المؤمنين يجب أن تظل بلا حل – لكنه قال أنه ينبغي حلها في المجال المناسب.
- لا يقول بولس أنه يجب أن يكون للمؤمنين نظام قضائي خاص بهم. فهو يذكر في رومية ٣:١٣-٤، إنه من المناسب للدولة أن تتعامل مع القضايا الجنائية، لكن يجب أن يكون المؤمنون قادرين على التعامل مع القضايا المدنية (القضايا اليومية) فيما بينهم. “أولئك الذين ينتمون إلى جماعة المؤمنين ولكنهم لا يخضعوا للتحكيم المناسب الذي يدلي به المؤمنين الذين يعيشون بينهم، يجب طردهم من كنيسة الله.” كلارك (Clarke)
ج ) الآية (٧): يوبخ بولس الشخص الذي ظُلِم: لماذا لا تقبل الظُلم؟
٧فَالآنَ فِيكُمْ عَيْبٌ مُطْلَقًا، لأَنَّ عِنْدَكُمْ مُحَاكَمَاتٍ بَعْضِكُمْ مَعَ بَعْضٍ. لِمَاذَا لاَ تُظْلَمُونَ بِالْحَرِيِّ؟ لِمَاذَا لاَ تُسْلَبُونَ بِالْحَرِيِّ؟
- فِيكُمْ عَيْبٌ مُطْلَقًا، لأَنَّ عِنْدَكُمْ مُحَاكَمَاتٍ بَعْضِكُمْ مَعَ بَعْضٍ: كان أهل كورنثوس مُدمنين “لحقوقهم” تمامًا مثل الكثيرين هذه الأيام. وقد أظهروا بالفعل “عَيْبٌ مُطْلَقًا” في تمسكهم العنيف بحقوقهم. فمجرد ذهابك إلى المحكمة ضد أخيك يجعلك أنت الخاسر فعلاً.
- لِمَاذَا لاَ تُظْلَمُونَ بِالْحَرِيِّ: من الأفضل أن تُظلم وأن تُسلب من أن تدافع عن “حقوقك” على حساب مجد الله وصالح ملكوته.
- دعا بولس هذا الرجل إلى القيام بشيء صعب: أن يتخلى عن حقه من أجل الله وملكوته. فلم يدعو بولس الرجل الذي أسيء إليه أن يقبل بالخسارة، لأنه لا أحد يُظلم من أجل مجد الله ويكون خاسرًا.
- كان الحل الأمثل هو أن تقوم الكنيسة بحسم النزاع، ولكن إن فشلت في القيام بذلك، فعلى الرجل أن يثق في الله وليس في قضاة العالم والدعاوى القضائية والمحاكم.
- لم يقل بولس: “لماذا لا تُظلم بدلاً من مواجهة المشكلة؟” لكنه قال: “لماذا لا تُظلم بدلاً من رفع نزاعك أمام غير المؤمنين؟”
د ) الآيات (٨-١١): يوبخ بولس الرجل الذي ظَلَم: هل تدرك مدى خطورة خطيتك؟
٨لكِنْ أَنْتُمْ تَظْلِمُونَ وَتَسْلُبُونَ، وَذلِكَ لِلإِخْوَةِ! ٩أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الظَّالِمِينَ لاَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ؟ لاَ تَضِلُّوا: لاَ زُنَاةٌ وَلاَ عَبَدَةُ أَوْثَانٍ وَلاَ فَاسِقُونَ وَلاَ مَأْبُونُونَ وَلاَ مُضَاجِعُو ذُكُورٍ، ١٠وَلاَ سَارِقُونَ وَلاَ طَمَّاعُونَ وَلاَ سِكِّيرُونَ وَلاَ شَتَّامُونَ وَلاَ خَاطِفُونَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ. ١١وَهكَذَا كَانَ أُنَاسٌ مِنْكُمْ. لكِنِ اغْتَسَلْتُمْ، بَلْ تَقَدَّسْتُمْ، بَلْ تَبَرَّرْتُمْ بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ وَبِرُوحِ إِلهِنَا.
- أَنْتُمْ تَظْلِمُونَ وَتَسْلُبُونَ: إن كان غير مقبول للمؤمنين التعامل بغش مع أحد، فهل مقبول لهم التعامل مع بعضهم البعض بغش! لقد رفض الكثيرون أمور الله وشركة القديسين بسبب الخداع والغش بين المؤمنين.
- أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الظَّالِمِينَ لاَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ؟ يتحدث بولس بقوة إلى الأخ الذي ظَلَم. “ألا تدرك مدى خطورة خطيتك؟ الشيء الوحيد الذي قد ’تكسبه‘ من ظلم وخداع أخيك هو الأبدية مع الظَّالِمِينَ!”
- لم يكن بولس يُنكر بشكل قاطع خلاص ذلك الرجل (يقول بولس إنه من الإخوة)؛ ولكن، لن يسمح بولس “بالإيمان” الذي لا يتوافق مع أفعالنا. فإن قام شخص مؤمن بخداع اخوته وظُلمهم بلا ضمير، فقد يكون من العدل أن نسأل ما إذا كان مؤمنًا على الإطلاق.
- الظَّالِمِينَ: يضع هذا الرجل الذي ظلم أخيه نفسه ضمن مجموعة فاسدة: الزُنَاةٌ وَعَبَدَةُ أَوْثَانٍ والفَاسِقُونَ وَالمَأْبُونُونَ ومُضَاجِعُو الذُكُورٍ وَالسَارِقُونَ والطَمَّاعُونَ والسِكِّيرُونَ وَالشَتَّامُونَ وَالخَاطِفُونَ. ولن يَرِث أي من هؤلاء مَلَكُوتَ اللهِ.
- مما لا شك فيه أن الرجل لم يكُن يُدرك قدر سوء فعلته، وهذا ما أراد بولس أن يبينه له.
- لا ينبغي لنا أن نعتقد أن المؤمن الذي ارتكب الزنا أو ضاجع الذكور (أو أي من الخطايا المذكورة في القائمة) هو مستبعد تلقائيًا من مَلَكُوتَ اللهِ. لكن بما أن بولس يصف هؤلاء الناس بخطاياهم، فهو يعني أولئك الذين تسيطر هذه الخطايا على حياتهم، بل وتصفهم أيضًا. إذاً، هل الزنا أو الشذوذ الجنسي بين الحين والآخر، ليس بالأمر الكبير بالنسبة لله؟ بالطبع هي مسألة هامة لأنها تتعارض مع كل ما أُعطي لنا في يسوع، ولأن نمط الحياة الخاطئة يبدأ بخطايا مفردة.
- إذا كانت خطية الرجل الذي سلب أخيه تسيطر على حياته وتميزها، فعليه أن يكون قلقًا بشأن خلاصه، تمامًا مثل هؤلاء الأشخاص الذين وصفهم بولس.
- وَلا المَأْبُونُونَ: نظرًا لأن هذه إدانة واضحة للمثلية الجنسية، فإن أولئك الذين يرغبون في تبرير هذه الممارسة يقولون إن بولس يتحدث عن الدعارة الجنسية المثلية وليس عن ’علاقة حب واهتمام لمثلي الجنس.‘ ولكن لا شك في أن الله في هذا السياق يتحدث عن جميع أفعال وأنواع المثلية الجنسية بالكلمتين’المَأْبُونُونَ‘ (malakoi) التي تشير حرفيًا إلى دعارة الذكور، و ’مُضَاجِعُو الذُكُور‘ (arsenokoitai) وهو مصطلح جنسي يشير إلى جميع الممارسات الجنسية المثلية.
- لم يكتب بولس من ثقافة تخاف من المثلية. فقد كان الشذوذ الجنسي متفشيًا في العالم القديم؛ كان ١٤ من أول ١٥ إمبراطورًا رومانيًا إما مخنث أو مثلي الجنس. وفي الوقت الذي كتب فيه بولس هذه الرسالة، قام نيرون الإمبراطور بإخصاء صبي يدعى سبوروس (Sporus) ثم تزوجه (بمراسم كاملة) وأحضره إلى القصر في موكب عظيم وجعل الصبي ’زوجته.‘ لاحقًا، عاش الإمبراطور مع رجل آخر أُعلن أن نيرون كان ’زوجته.‘
- وضع بولس الشذوذ الجنسي في نفس قائمة الخطايا الأخرى، ولم يضعه في قائمة منفصلة خاصة. فالذين يدينون بشدة المثلية الجنسية هم مذنبون بتلك الخطايا الأخرى المذكورة في القائمة. فهل يحق للزُنَاةٌ أو الفَاسِقُونَ أو الطَمَّاعُونَ أو السِكِّيرُونَ أن يدينوا الشاذين جنسياً؟ بالطبع لا.
- يخطئ المؤمنون عندما يتساهلون مع المثلية الجنسية وينكرون أنها خطية، لكنهم يخطئون أيضًا بنفس القدر عندما يفرزون هذه الخطية كخطية تُغضب الله بشكل استثنائي.
- وَهكَذَا كَانَ أُنَاسٌ مِنْكُمْ: يعبر بولس عن وجهة نظر هامة هنا. فعلى الرغم من أن هذه الخطايا تصف أولئك الذين لن يرثوا ملكوت الله، إلا أن المؤمنين لا يجب أن يكونوا غير محبين لهم أو غير مهتمين بهم، لأنهم الآن في نفس المكان الذي كنا فيه نحن قبلًا.
- لا يجب على المؤمنين أن يقولوا إن الله لا يبالي بالأشخاص الغارقين بمثل هذه الخطايا، لأنه فعلاً يهتم. فعلى المؤمنين توصيل رسالة الخلاص في يسوع المسيح: لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ (متى ٢١:١).
- إن الفكرة واضحة بالنسبة لمؤمني كورنثوس ولنا أيضًا: وَهكَذَا كَانَ أُنَاسٌ مِنْكُمْ. فيضع بولس الفعل في زمن الماضي. فلا ينبغي لهذه الأشياء أبدًا أن تُميّز حياة مؤمن، وإن حدث هذا، فلا بد من التوبة الفورية والتخلي عنها.
- “بالتأكيد يوجد أمان في المسيح، لكن لن يكون هناك أمان يبرر الشخص الذي لم يأخذ الكلمات ’هكذا كان أناس منكم‘ على محمل الجد.” فيي (Fee)
- لكِنِ اغْتَسَلْتُمْ.. تَقَدَّسْتُم.. تَبَرَّرْتُمْ: وُصِفَ عمل الله العظيم لنا في يسوع المسيح في ثلاثة مصطلحات.
- اغْتَسَلْتُمْ: قد اغتسلنا من الخطية برحمة الله ( تيطس ٥:٣). ويمكننا أن نغتسل من خطايانا عندما ندعو باسم الرب (أعمال الرسل ١٦:٢٢). لقد غُسِلنا بعمل يسوع على الصليب من أجلنا ( رؤيا يوحنا ٥:١) وبكلمة الله (أفسس ٢٦:٥).
- تَقَدَّسْتُم: لقد انفصلنا عن العالم واقتربنا إلى الله بعمل يسوع على الصليب ( عبرانيين ١٠:١٠)، وبكلمة الله ( يوحنا ١٩:١٧)، وبالإيمان بيسوع (أعمال ١٨:٢٦)، وبالروح القدس ( رومية ١٦:١٥).
- تَبَرَّرْتُمْ: لقد تم إعلاننا ’أبرار‘ أمام محكمة الله، ليس فقط ’غير مذنبين‘ بل ’أبرار‘ أمامه. لقد تبررنا بنعمة الله من خلال عمل يسوع على الصليب ( رومية ٢٤:٣)، بالإيمان وليس بالأعمال (رومية ٢٨:٣).
- يستطيع الله أن يأخذ الأشخاص الذين وصفوا في كورنثوس الأولى ٩:٦-١٠ ويجعلهم من الأشخاص الذين وُصفوا في كورنثوس الأولى ١١:٦. كم هو عظيم عمل الله!
- بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ وَبِرُوحِ إِلهِنَا: مع أن بولس لم يحاول تقديم عقيدة الثالوث، إلا أنه فعل ذلك بتلقائية تامة (لأنه كان يعلم أن هذا يصف الله تماماً) حينما ذكر الأقانيم الثلاثة وعملهم العظيم معاً في حياة المؤمن.
ثانياً. تعليمات بشأن الطهارة الجنسية
أ ) الآية (١٢): مبدأ الطهارة الجنسية بين المؤمنين: المسموح به ليس هو دليلنا الوحيد للسلوك.
١٢«كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي»، لكِنْ لَيْسَ كُلُّ الأَشْيَاءِ تُوافِقُ. «كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي»، لكِنْ لاَ يَتَسَلَّطُ عَلَيَّ شَيْءٌ.
- «كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي»: عندما تكلم بولس عن موضوع الزنا في الأصحاح ٥ وسرد أمامهم قائمة الخطاة في الأصحاح ٦ أثار هذا قضية السلوك الجنسي في حياة المؤمن. والآن، سوف يتناول بعض الأسئلة والمشاكل التي تتعلق بالجنس التي كانت تشغل المؤمنين في كورنثوس.
- «كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي»: ربما كانت هذه عبارة استخدمها بولس لتعليم مؤمني كورنثوس عن الحرية المسيحية. ويمكننا أن نسمع بولس وهو يخبر أهل كورنثوس ما أخبر به أهل كولوسي في ١٦:٢-١٧: ’عندما يتعلق الأمر بما نأكل أو نشرب أو أي يوم نعبد فيه الرب، كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي. أنا حُر، ويجب ألا أسمح لأي شخص بأن يضعني تحت العبودية، كما كان يفعل الناموسي.”
- لكِنْ لَيْسَ كُلُّ الأَشْيَاءِ تُوافِقُ: لقد أخذ مؤمنو كورنثوس فكرة أن لَيْسَ كُلُّ الأَشْيَاءِ تُوافِقُ وقاموا بتطبيقها على مناطق لم يقصدها أبدًا بولس أو الرب. لقد استخدموا ’حريتهم‘ كرُخصة لفعل الخطية.
- لأن بولس أشار إلى الزانية في كورنثوس الأولى ١٥:٦، يبدو أن مؤمني كورنثوس اعتقدوا أن لديهم الحرية لكي استئجار العاهرات. فهذا كان مقبولًا في ثقافة مدينة كورنثوس وفي المجتمع الديني الذي لم يرى أي خطأ في أن يستأجر الشخص ’المتدين‘ العاهرات.
- لاَ يَتَسَلَّطُ عَلَيَّ شَيْءٌ: استخدم بولس هنا فعل استخدمه مرة واحدة فقط في كورنثوس الأولى ٤:٧ حينما تكلم عن ’سلطة‘ الزوج والزوجة على جسد الآخر. فربما كان يريد أن يقول: لن اسمح أحد أو شيء أن يَتَسَلَّطُ عَلَيَّ (كجسد العاهرة مثلاً).
ب) الآيات (١٣-١٤): مبدأ الطهارة الجنسية بين المؤمنين: شهوة الطعام تختلف عن شهوة الجنس.
١٣الأَطْعِمَةُ لِلْجَوْفِ وَالْجَوْفُ لِلأَطْعِمَةِ، وَاللهُ سَيُبِيدُ هذَا وَتِلْكَ. وَلكِنَّ الْجَسَدَ لَيْسَ لِلزِّنَا بَلْ لِلرَّبِّ، وَالرَّبُّ لِلْجَسَدِ. ١٤وَاللهُ قَدْ أَقَامَ الرَّبَّ، وَسَيُقِيمُنَا نَحْنُ أَيْضًا بِقُوَّتِهِ.
- الأَطْعِمَةُ لِلْجَوْفِ وَالْجَوْفُ لِلأَطْعِمَةِ: ربما استخدم مؤمنو كورنثوس هذا الشعار لتبرير إعطاء أجسادهم ما تشتهيه. “جسدي يريد طعام، لذا أنا آكل. جسدي يريد ممارسة الجنس، لذا اقوم باستئجار عاهرة. أين المشكلة؟”
- الْجَسَدَ لَيْسَ لِلزِّنَا بَلْ لِلرَّبِّ، وَالرَّبُّ لِلْجَسَدِ: لكن بولس لن يدعهم يأخذون هذا الشعار الذي يتكلم عن الطعام ويطبقونه على الزنا.
- لأننا نملك الشهوات الجسدية، ربما خلقنا الله بأجساد مخصصة للزنا. ولكن الله لم يخلقنا هكذا؛ آدم فعل عند سقوطه. فنحن نرى حكمة في تصميم الله للجسد وللطهارة الجنسية خاصة عندما ننظر إلى مشاكل الحمل غير المخطط له وإلى الأمراض التي تنتقل جنسياً. فهذا هو الثمن الذي يدفعه المرء لاستخدامه الجسد بطريقة لم يقصدها الرب أبدًا – الْجَسَدَ لَيْسَ لِلزِّنَا.
- اللهُ سَيُبِيدُ هذَا وَتِلْكَ: في يوم ما ستزول شهوات بطوننا بمعنى أن اعتمادنا على الطعام وتأثرنا بالجوع سينتهي (رغم أنه سيكون هناك طعام في السماء). لكن أجسادنا – بصبغتها الأخلاقية ذات الصلة بسلوكنا الجنسي – سيقيمها الرب من الأموات. فما نفعله بأجسادنا فيما يتعلق بالطعام لا يؤثر علينا بنفس تأثير ما نفعله بأجسادنا جنسياً.
ج ) الآيات (١٥-١٧): مبدأ الطهارة الجنسية بين المؤمنين: أجسادنا هي جزء من جسد المسيح، وبالتالي لا ينبغي أبدًا أن تلتصق بعاهرات.
١٥أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ أَجْسَادَكُمْ هِيَ أَعْضَاءُ الْمَسِيحِ؟ أَفَآخُذُ أَعْضَاءَ الْمَسِيحِ وَأَجْعَلُهَا أَعْضَاءَ زَانِيَةٍ؟ حَاشَا! ١٦أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ مَنِ الْتَصَقَ بِزَانِيَةٍ هُوَ جَسَدٌ وَاحِدٌ؟ لأَنَّهُ يَقُولُ: «يَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا». ١٧وَأَمَّا مَنِ الْتَصَقَ بِالرَّبِّ فَهُوَ رُوحٌ وَاحِدٌ.
- لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ: من الواضح أن العديد من مؤمني كورنثوس لم يعلموا هذا، واعتقدوا أن سلوكهم الجنسي مع الزانيات لا علاقه له بعلاقتهم بيسوع.
- أَجْسَادَكُمْ هِيَ أَعْضَاءُ الْمَسِيحِ: عندما يزني المؤمن، يجلب الخزي والعار لجسد المسيح بأكمله ويربط جسد المسيح بالزنا.
- مَنِ الْتَصَقَ بِزَانِيَةٍ هُوَ جَسَدٌ وَاحِدٌ… جسد واحد: العلاقة الجنسية في الزواج تجعل الزوج والزوجة ’جسداً واحدًا‘ بمباركة الله، أما عند ممارسة الجنس خارج إطار الزواج، يصبح الشريكان ’جسدًا واحدًا‘ تحت لعنة من الله.
- قد لا يرغب الشخص الذي يسعى إلى علاقة جنسية عابرة في أن يصبح جسدًا واحدًا مع الشريك الآخر، لكنهما هكذا يصبحان بالمعنى الروحي. فجزء من الذات يُعطى لذلك الشخص، وهذا يعني أن قدر أقل سيُعطى لله وللشريك الذي رتبه الله له. وفي ظل هذا المفهوم الكتابي للجنس، لا يوجد ما يُسمى ’بعلاقة جنسية عابرة.‘
- بما أننا ننتمي إلى يسوع – جسدًا ونفسًا وروحًا – فلا يحق لنا أن نتخلى عن أي جزء منا لشخص تربطنا به علاقة ’غير شرعية.‘ “عندما يجتمع المؤمن بزانية في فعل جنسي (porneia) فهو يجعل من شخص آخر بعيدًا المسيح سيدًا شرعيًا على جسده.” فيي (Fee)
- “إن الجنس خارج إطار الزواج يشبه رجلًا يسرق أحد البنوك؛ فيحصل على شيء ما ليس ملكه وسيدفع الثمن يومًا ما. أما الجنس في الزواج فيشبه شخصًا يضع المال في أحد البنوك، حيث الأمان والأمن وجمع الأرباح.” ويرزبي (Wiersbe)
- مَنِ الْتَصَقَ بِالرَّبِّ: في ذروة الشهوة، قد تبدو الأمور الروحية بعيدة جدًا. فما وراء الشهوة تكمن الحاجة إلى الحب والقبول والمغامرة، ولكن كل هذه الرغبات يتم إشباعها بشكل أفضل بكثير في إطار علاقة روح واحد مع الرب بدلًا من الزنا.
د ) الآية (١٨): وصية الطهارة الجنسية بين المؤمنين: اُهْرُبُوا مِنَ الزِّنَا.
١٨اُهْرُبُوا مِنَ الزِّنَا. كُلُّ خَطِيَّةٍ يَفْعَلُهَا الإِنْسَانُ هِيَ خَارِجَةٌ عَنِ الْجَسَدِ، لكِنَّ الَّذِي يَزْنِي يُخْطِئُ إِلَى جَسَدِهِ.
- اُهْرُبُوا: لا يطلب بولس منا أن نتحلى بالشجاعة ونقاوم الشهوة، بل أن نهرب من محضرها. فالكثيرون يسقطون لأنهم يستخفون بقوة الشهوة أو لأنهم يعتقدون أنهم يختبرون قوة احتمالهم.
- يجب أن نتبع مثال يوسف الذي هرب من الزنا حتى عندما كان هذا مُكلفًا (سفر التكوين ٧:٣٩-٢١).
- “هناك بعض الخطايا أو بعض الشهوات التي يمكنك أن تناقشها بالعقل والمنطق؛ أما الخطايا المذكورة أعلاه فإنك إن تباحث فيها لا يمكنك التراجع. لا تناقشها، بل اهرب منها! ” كلارك (Clarke)
- اُهْرُبُوا مِنَ الزِّنَا: لا يقول بولس أنه يجب على المؤمنين أن يهربوا من الجنس، بل فقط مِنَ الزِّنَا. فقد وهب الله الجنس للبشرية كهدية ثمينة، وهو يستخدمه بقوة ليربط يبن الزوج والزوجة في علاقة جسد واحد حقيقية. لذا كما تقول الرسالة إلى العبرانيين ٤:١٣، أن يكون المضجع في الزواج غير دنس – أي أن العلاقة الجنسية بين الزوج والزوجة ينبغي أن تكون نقية ومقدسة وصالحة أمام الله.
- لكن الزِّنَا يعمل ضد قصد الله الصالح من الجنس وضد العلاقة النقية للجسد الواحد. فقد يكون الجنس خارج إطار الزواج مثيرًا ، لكنه لا يمكن أن يكون مثريًا.
- الزِّنَا: يستخدم بولس الكلمة اليونانية (porneia بورنيا) التي تشير إلى مجموعة واسعة من الخطايا الجنسية، لذا فإن الهروب من الزِّنَا يعني أكثر من مجرد عدم ممارسة الجنس مع شخص خارج إطار الزواج.
- إنه يعني الهروب من المتعة الجنسية الناتجة عن ممارسة الجنس مع شخص خارج إطار الزواج.
- إنه يعني الهروب من المتعة الجنسية أو الإثارة التي قد يجدها المرء في الأفلام أو المجلات أو الكتب أو المواقع الإباحية.
- يُخْطِئُ إِلَى جَسَدِهِ: لا يقول بولس أن الزنا أسوأ من أي خطية أخرى، لكنه يُعلم أن الخطية الجنسية لها تأثير مميز على الجسد. وهذا التأثير ليس تأثير جسدي أو مادي فقط، لكن تأثير معنوي وروحي أيضًا.
هـ) الآيات (١٩-٢٠): مبدأ ووصية الطهارة الجنسية بين المؤمنين: فَمَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ
١٩أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ، الَّذِي لَكُمْ مِنَ اللهِ، وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟ ٢٠لأَنَّكُمْ قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ. فَمَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ الَّتِي هِيِللهِ.
- جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ: الهيكل هو مكان سكنى الله وينبغي أن يكون مقدساً وخالياً من الزنا. فإن كنا فعلاً ممتلئين بالروح، ينبغي أن تؤثر هذه الحقيقة على سلوكنا الجنسي. وإن ارتكبنا الزنا كمؤمنين، فنحن نلوث هيكل الله.
- في مقطع سابق من كورنثوس الأولى ١٦:٣، كتب بولس أن الكنيسة ككل: هَيْكَلُ اللهِ وَرُوحُ اللهِ. الآن يقول أن الشيء نفسه ينطبق أيضًا على أرواحنا كمؤمنين.
- الرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ: لأن جسدنا هو هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ، فإن أجسادنا تنتمي إلى الله وليس لأنفسنا: وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ… لأَنَّكُمْ قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ.
- الشخص الأمين والصادق يهتم أكثر بالأشياء التي لا تخصه. ولأن أجسادنا مِلك لله لأنه اشتراها، نحن لا نملك الحق في تلويث ملكية الله أو إساءة استخدامها!
- ينطبق هذا المبدأ على أكثر من مجرد سلوكنا الجنسي. فإن كانت أجسادنا مِلك ليسوع، فليس لنا الحق في أن نكون خاملين أو مهدرين بما هو مُلكه. فعلينا أن نستخدم أجسادنا لمجد الله (مَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ). “إذا كان جسدك حصانًا متهيئاً عندما كان في خدمة الشيطان، فلا تدعه يصبح عربة بطيئة تجر مَركبة المسيح.” سبيرجن (Spurgeon)
- الرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ: لأن جسدنا هو هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ، فإن الله نفسه يعيش بداخلنا. وهذا يعني أننا نملك القوة والسُلطان على خطايا الجسد الذي يعيش فينا. ويعني أيضاً أننا ينبغي أن نتوقع الطهارة الجنسية من المؤمنين أكثر من غير المؤمنين، لأن الله لا يعيش بداخلهم مثلما يعيش فينا.
- الرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ: يعتقد بعض المؤمنين أن الشيطان لا يستطيع أن يمتلك روح أو نفس المؤمن، لكن جسده يمكن أن يمتليء بالشياطين وعندها سوف يحتاج إلى شخص آخر لطرد تلك الشياطين. ولكن بولس يوضح أن أجسادنا هي مِلك ليسوع مثلها مثل أرواحنا. وبما أن يسوع يملك جسدي فهو لن يسمح بأي سُكنى للشياطين فيه.
- اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ الَّتِي هِيِ للهِ: تُنهي العديد من المخطوطات القديمة هذا الأصحاح بعبارة: مَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ. ربما تمت إضافة عبارة ’وفي أرواحكم‘ بواسطة كاتب اعتقد أن إنهاء الأصحاح بالحديث عن تمجيد أجسادنا لله ليس ’روحيًا‘ بالقدر الكافي.
- كان هاري إيرونسايد (Harry Ironside) مُحقًا عندما كتب: “اهتم أنت بتمجيد الله في جسدك واترك الجانب الروحي يهتم بنفسه.”