رسالة كورنثوس الأولى – الإصحاح ٧
مبادئ تتعلق بالمتزوجين وغير المتزوجين
أولاً. الرد على سؤال حول العلاقة الجنسية في الزواج.
أ ) الآيات (١-٢): يسهب بولس في الحديث عن مبدأ الطهارة.
١وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الأُمُورِ الَّتِي كَتَبْتُمْ لِي عَنْهَا: فَحَسَنٌ لِلرَّجُلِ أَنْ لاَ يَمَسَّ امْرَأَةً. ٢وَلكِنْ لِسَبَبِ الزِّنَا، لِيَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ امْرَأَتُهُ، وَلْيَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ رَجُلُهَا.
- وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الأُمُورِ الَّتِي كَتَبْتُمْ لِي عَنْهَا: يبدأ بولس الأصحاح السابع من رسالة كورنثوس الأولى بفقرة يتناول فيها أسئلة محددة وجهها إليه المؤمنين في كورنثوس.
- فَحَسَنٌ لِلرَّجُلِ أَنْ لاَ يَمَسَّ امْرَأَةً: تُستخدم كلمة ’يَمَسَّ‘ لتشير إلى وجود علاقة جنسية. وربما كان هذا تعبير ذكره مؤمني كورنثوس وطلبوا من بولس أن يتفق معهم فيه. ورغم أن بولس سيوافق على العبارة، لكنه يوافق مع تحفظ – ’وَلكِنْ‘ في الآية ٢.
- لماذا يقترح مؤمنو كورنثوس عدم الزواج – وهو ما قصدوه بالقول حَسَنٌ لِلرَّجُلِ أَنْ لاَ يَمَسَّ امْرَأَةً؟ ربما اعتقدوا أنه إذا كان الزنا يمثل خطرًا، فيمكن للمرء أن يكون أكثر طهارة بالامتناع عن ممارسة الجنس تمامًا حتى في إطار الزواج.
- “فكرة أن العزوبية أقدس من الزواج، أدت بطبيعة الحال إلى استنتاج مفاده أن على المتزوجين الانفصال، وسرعان ما اعتُبر الانفصال دليلاً على الحالة الروحية السامية.” هودج (Hodge)
- وَلكِنْ لِسَبَبِ الزِّنَا، لِيَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ امْرَأَتُهُ، وَلْيَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ رَجُلُهَا: في ضوء خطر الزنا (الذي كان حاضر بصفة دائمة في ثقافة كورنثوس كما هو في ثقافتنا)، فإنه من المناسب للزوج والزوجة أن يكونا مكرسين لبعضهما البعض تماماً من الناحية الجنسية.
- لا يأمر بولس مؤمني كورنثوس بأن يتزوجوا (القضية التي سيتناولها لاحقًا في هذا الأصحاح)، بل يوصي بأن يعيشوا كشخص متزوج، خاصة من الناحية الجنسية. ويعني بولس أن على الأزواج والزوجات أن يستمروا في ممارسة العلاقات الجنسية.
- “كم تأثر سلام عائلات بسبب تظاهر الزوج أو الزوجة بأنهم أكثر حكمة من الرسول بولس، وأنهم أكثر قداسة وروحانية من أن يحفظوا وصايا الله!” كلارك (Clarke)
- وَلكِنْ لِسَبَبِ الزِّنَا: لا يقول بولس أن الجنس هو السبب الوحيد أو السبب الأكثر أهمية للزواج، لكنه ببساطة يجيب على أسئلتهم المحددة حول الزواج، غير محاولٍ تقديم لاهوت كامل عن الزواج.
- لمعرفة المزيد عن اللاهوت الكامل للزواج، إقرأ أفسس ٢١:٥-٣٣ و وكلوسي ١٨:٣-١٩.
ب) الآيات (٣-٦): مبدأ المسئولية الجنسية المتبادلة في الزواج.
٣لِيُوفِ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ حَقَّهَا الْوَاجِبَ، وَكَذلِكَ الْمَرْأَةُ أَيْضًا الرَّجُلَ. ٤لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ تَسَلُّطٌ عَلَى جَسَدِهَا، بَلْ لِلرَّجُلِ. وَكَذلِكَ الرَّجُلُ أَيْضًا لَيْسَ لَهُ تَسَلُّطٌ عَلَى جَسَدِهِ، بَلْ لِلْمَرْأَةِ. ٥لاَ يَسْلُبْ أَحَدُكُمُ الآخَرَ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى مُوافَقَةٍ، إِلَى حِينٍ، لِكَيْ تَتَفَرَّغُوا لِلصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ، ثُمَّ تَجْتَمِعُوا أَيْضًا مَعًا لِكَيْ لاَ يُجَرِّبَكُمُ الشَّيْطَانُ لِسَبَبِ عَدَمِ نَزَاهَتِكُمْ. ٦وَلكِنْ أَقُولُ هذَا عَلَى سَبِيلِ الإِذْنِ لاَ عَلَى سَبِيلِ الأَمْرِ.
- لِيُوفِ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ حَقَّهَا الْوَاجِبَ: بدلاً من ’حَسَنٌ لِلرَّجُلِ أَنْ لاَ يَمَسَّ امْرَأَةً،‘ على الرجل في الزواج أن يوفي الْمَرْأَةَ حَقَّهَا الْوَاجِبَ. فمن الخطأ أن يحرمها هذا الحق.
- حَقَّهَا الْوَاجِبَ هي عبارة مهمة. وبما أن بولس كان يقصد تطبيق هذا على زواج كل المؤمنين، فهو يشير إلى أن كل زوجة لها حَقَّهَا الْوَاجِبَ. فلا يعتقد بولس أن الزوجات الصغيرات أو الجميلات أو المُطيعات هن فقط اللاتي لهن حَق وَاجِب؛ بل إن كل زوجة لها نفس الحق لأنها زوجة رجل مؤمن.
- يؤكد بولس أيضًا أن المرأة لا تحتاج فقط للعلاقات الجنسية ولكنها تحتاج إلى حَقها الوَاجِب من المودة. فإذا كان الزوج في علاقة جنسية مع زوجته لكن بلا مودة حقيقية، فهو لا يمنحها حَقها الوَاجِب.
- تُذكرنا كلمة حَقها أيضًا بأنه عندما يتعذر على الزوجين – لأسباب جسدية أو لأي سبب آخر – إقامة علاقة جنسية كاملة، فإنه لا يزال بإمكانهما تبادل علاقة مودة وبالتالي يمكنهما تحقيق هدف الله من هذه الوصايا.
- وَكَذلِكَ الْمَرْأَةُ أَيْضًا الرَّجُلَ: يجب على المرأة ألا تحجب نفس الواجب عن زوجها فيما يختص بالعلاقة الجسدية. ويطرح بولس بقوة فكرة المسئولية الجنسية المتبادلة في الزواج، فإن كل من الزوج والزوجة له التزام تجاه الآخر.
- لِيُوفِ الْمَرْأَةَ حَقَّهَا: ينصب التركيز هنا على العطاء، بمعنى أن يقول الشخص ’أنا مدين لك‘ بدلاً من ’أنت مدين لي،‘ لأن الله يضع الجنس في مكانة أعلى بكثير من مجرد كونه امتياز الزوج وواجب الزوجة.
- لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ تَسَلُّطٌ عَلَى جَسَدِهَا: في الواقع، هذه الالتزامات ملموسة للغاية، ويمكن القول بأن جسد الزوجة لا ينتمي لها بل لزوجها. وهكذا، ينطبق نفس المبدأ أيضًا على جسد الزوج فيما يتعلق بزوجته.
- لا يبرر هذا قيام الزوج بإساءة معاملة زوجته أو إكراهها على الجنس أو على أي شيء آخر. فنقطة بولس هنا أننا ملتزمون بخدمة شريكنا عن طريق المودة الجسدية.
- إنه التزام رائع: من بين مليارات البشر على الأرض، اختار الله لكلٍ منا شخصًا واحدًا وليس غيره لتلبية احتياجاتنا الجنسية. ولن يكون هناك شخص آخر.
- لاَ يَسْلُبْ أَحَدُكُمُ الآخَرَ: يرفض بولس فكرتهم بأن الزوج والزوجة يمكن أن يكونا أكثر تقديسًا بامتناعهما عن ممارسة الجنس. بل في الواقع، قد يحدث الأذى عندما يَسْلُبْ أَحَدُهُمُا الآخَر، لأنهما هكذا يفتحان الباب للمُجرِّب (لِكَيْ لاَ يُجَرِّبَكُمُ الشَّيْطَانُ).
- كلمة يَسْلُبْ هي نفسها كلمة تَسْلُبُونَ في كورنثوس الأولى ٨:٦. فعندما أحرم شريكي من المودة الجسدية والحميمية الجنسية، فأنا أخونه.
- لاَ يَسْلُبْ: لا يتعلق الحرمان الجنسي في الزواج بمدى التكرار فحسب بل أيضًا بالرومانسية. ولهذا يقول بولس للأزواج بأن يُوفوا الْمَرْأَةَ حَقَّهَا الْوَاجِبَ، لأن الحرمان في أي من الناحيتين يتيح الفرصة أمام المحروم للبحث عن الشبع في مكان آخر وهذا من شأنه أن يدمر الزواج.
- لِسَبَبِ عَدَمِ نَزَاهَتِكُمْ (عَدَمِ القُدرَةِ عَلَى ضَبطِ النَّفْسِ): قد يكون من السهل أن نعتقد أن ضبط النفس يتحقق بالامتناع عن العلاقات الجنسية في الزواج، ولكن بولس يقول العكس تماماً، فعندما يسلب أَحَدُهُمُ الآخَرَ فهذا قد يجعلهم غير قادرين على ضبط النفس (عَدَمِ النَزَاهَة)، الذي من شأنه أن يجعل الشخص عُرضة لإغواء الشيطان.
- وَلكِنْ أَقُولُ هذَا عَلَى سَبِيلِ الإِذْنِ: سوف يسمح الله (على مضض، عَلَى سَبِيلِ الإِذْنِ) للزوجين بالامتناع عن العلاقة الجنسية لفترة قصيرة، لِلصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ. ولكن هذا الإِذْنِ يكون إِلَى حِينٍ فقط، ثم يجب على الزوج والزوجة أن يَجْتَمِعا أَيْضًا مَعًا بالمعنى الجنسي.
- لاَ عَلَى سَبِيلِ الأَمْرِ: الله لا يأمر أو حتى يوصي بالامتناع عن ممارسة الجنس أثناء الزواج، ولكن يمكن القيام بذلك لفترة وجيزة ولسبب روحي محدد.
- يوضح الله هنا مبدأ هام وهو أنه لا يوجد أي خطأ في ممارسة الجنس في الزواج. فعندما يتعلق الأمر بالجنس، فإن خطة الشيطان الكبرى هي بذل كل ما في وسعه لتشجيع الجنس خارج إطار الزواج وإعاقة ممارسته في إطار الزواج. إنه نصر متساوٍ للشيطان إذا حقق أيًا من الخطتين.
- يتجلى هذا من خلال الطريقة التي اعتقد بها بعض مؤمني كورنثوس أنه لا توجد أي مشكلة في استئجار العاهرات (كما في كورنثوس الأولى ١٢:٦-٢٠)، وفي اعتقادهم بأن الامتناع عن ممارسة الجنس في الزواج يدل على حالة روحية أسمى.
- يجب ألا يقبل الزوج والزوجة المؤمنان بعلاقة جنسية سيئة. فقد لا يكون من السهل التغلب على المشاكل أو حلها بسرعة، لكن الله يريد للزوجين المؤمنين أن يتمتعوا بعلاقة جنسية تكون بركة حقيقية، بدلًا من أن تكون عبء أو لعنة.
ج ) الآيات (٧-٩): يوضح بولس فوائد عدم الزواج وأيضًا فوائد الزواج؛ الكل بحسب ما يهبه الله.
٧لأَنِّي أُرِيدُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ النَّاسِ كَمَا أَنَا. لكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَهُ مَوْهِبَتُهُ الْخَاصَّةُ مِنَ اللهِ. الْوَاحِدُ هكَذَا وَالآخَرُ هكَذَا. ٨وَلكِنْ أَقُولُ لِغَيْرِ الْمُتَزَوِّجِينَ وَلِلأَرَامِلِ، إِنَّهُ حَسَنٌ لَهُمْ إِذَا لَبِثُوا كَمَا أَنَا. ٩وَلكِنْ إِنْ لَمْ يَضْبُطُوا أَنْفُسَهُمْ، فَلْيَتَزَوَّجُوا. لأَنَّ التَّزَوُّجَ أَصْلَحُ مِنَ التَّحَرُّقِ.
- لأَنِّي أُرِيدُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ النَّاسِ كَمَا أَنَا: لم يكن بولس متزوجًا وقت كتابة هذه الرسالة (واضعًا نفسه ضِمن غَيْرِ الْمُتَزَوِّجِينَ وَالأرَامِلِ). ويوضح بولس هنا فوائد عدم الزواج التي سوف يتحدث عنها لاحقًا في الرسالة.
- رغم أن بولس لم يكن متزوجًا عندما كتب هذه الرسالة، إلا أنه ربما كان متزوجاً في وقتٍ ما قبل ذلك. ويمكننا قول هذا لأننا نعرف أن بولس كان يهودياً متشدداً وقدوة بين شعبه ( فيلبي ٤:٣-٦). ففي أيام بولس، اعتبر اليهود الزواج واجبًا، لدرجة أن بلوغ الرجل ٢٠ عامًا دون زواج كان يُعد خطية. وغالبًا ما كان يُعتبر غير المتزوجين من الرجال مستبعدين من السماء، بل ولا يُعدوا رجالًا حقيقيين على الإطلاق.
- وبحسب كلمات بولس، من المُرجَّح أيضًا أنه كان عضوًا في مجمع السنهدرين، حيث نراه يقول في أعمال الرسل ١٠:٢٦ ’أَلْقَيْتُ قُرْعَةً بِذلِكَ‘ متحدثًا عن المؤمنين الأوائل. فالوضع المنطقي الذي يُمكنه من التصويت هو أن يكون عضواً في هذا المجمع اليهودي العظيم. ولم يكن يُسمح للرجل غير المتزوج بأن يكون عضواً في السنهدرين، لذلك ربما كان بولس متزوجًا في وقتٍ ما.
- لكن ماذا حدث لزوجة بولس؟ إن الكتاب المقدس صامت من جهتها. فربما كانت قد فارقته عندما أصبح مؤمناً أو ربما ماتت في وقتٍ ما قبل أو بعد أن أصبح مؤمناً. ولكننا نعرف أنه على الأرجح كان متزوجًا في وقت سابق، ونعرف أنه لم يكن متزوجًا عند كتابة هذه الرسالة، ونعرف أن سفر أعمال الرسل لا يتحدث أبداً عن زوجته. وربما كان بولس مؤهلًا بشكل جيد للتحدث عن مواهب ومسئوليات الزواج وعدم الزواج لأنه اختبر في حياته كلا الوضعين.
- كُلَّ وَاحِدٍ لَهُ مَوْهِبَتُهُ الْخَاصَّةُ مِنَ اللهِ: على الرغم من أن بولس كان يعرف أن عدم الزواج حسنٌ له، فإنه لن يفرضه على أحد. فما يهم هو المَوْهِبة التي ينالها المرء مِنَ اللهِ، إما أن يهبك الله الزواج أو عدم الزواج.
- إلى حدٍ كبيرٍ، يَعتبر بولس كلٍ من الزواج وعدم الزواج مواهب من الله. فيقع الكثيرون في فخ أن “العشب أكثر خضرة في الجهة الأخرى” فيتمنى غير المتزوج أن يكون متزوجًا ويتمنى المتزوج لو كان غير متزوج. لكن كلا الوضعين هما موهبة من الله.
- أن تتزوج أو لا تتزوج كلاهما يحتاج إلى موهبة خاصة من الله. فعندما يكتب بولس مَوْهِبَتُهُ الْخَاصَّةُ، فإنه يستخدم نفس الكلمة التي استخدمها للمواهب الروحية في كورنثوس الأولى ١٢.
- بالنظر إلى الخلفية اليهودية لبولس وللكنيسة الأولى، فإن فهم بولس لكون حالة عدم الزواج موهبة هو أمر يثير الدهشة. فقد كانت تُعد خطية أن يظل الرجل اليهودي بلا زواج. “لم يكن الزواج بين اليهود أمرًا حياديًا، ولم يُترك لهم حرية الاختيار أو الرفض، بل كان أمرًا مُلزِمًا.”تراب (Trapp). ويقتبس كلارك (Clarke) العبارة التالية من كتاب يهودي قديم يُعرف باسم جيمارا (Gemara) ما يلي: “يُمنع الرجل من أن يظل بلا زوجة لأنه مكتوب ليس جيدًا أن يكون آدم وحده. وكل من لا يهب نفسه للتكاثر يُعد قاتلًا، فيكون كما لو أنه تضاءل عن صورة الله.”
- مع أن بولس يرى أن البعض قد وُهِبوا للزواج والبعض لعدم الزواج، إلا أن أحدًا لم ’يوهب‘ للزناّ! لذا يجب أن يعيش المتزوج مع زوجته بأمانة، ويعيش غير المتزوج طاهراً جنسياً.
- إِنْ لَمْ يَضْبُطُوا أَنْفُسَهُمْ، فَلْيَتَزَوَّجُوا: إن توصية بولس بالزواج لا تستند إلى أن الزواج هو حالة أسمى أو أدنى من الروحانية، بل إلى أمور أخرى عملية للغاية تتعلق بصفة خاصة بالوقت الذي كان يعيش فيه (كما هو موضح في كورنثوس الأولى ٢٦:٧، ٢٩، ٣٢). فالعلاقة الجنسية التقية داخل عهد الزواج هي خطة الله لتلبية احتياجاتنا الجنسية.
- رغم أن بولس كان يُفضّل حالة عدم الزواج، إلا أنه لا يريد أن يظن أحد أن الزواج هو درجة أعلى أو أدنى من الروحانية، فكل شيء يعتمد على ما وهبه الله للشخص. وتذكر أن بولس قد أخبر تيموثاوس أن منع الزواج كان من تعاليم الشياطين. ( تيموثاوس الأولى ١:٤-٣).
- “أدرك بولس مدى خداع الطهارة المزيفة للشخص التقي.” كالفن (Calvin)
- التَّزَوُّجَ أَصْلَحُ مِنَ التَّحَرُّقِ: يعترف بولس بأن الزواج هو بمثابة ملجأ شرعي من ضغوط الزنا. فلا ينبغي للمرء أن يشعر بأنه غير ناضج أو غير روحي لأنه يرغب في الزواج حتى لا يتَّحَرَّق فيما بعد.
- لا يتحدث بولس عما قد نعتبره إغراء جنسي ’طبيعي.‘ “التحرُّق شيء والشعور بالحرارة شيء آخر… ما يدعوه بولس تحرُّق هنا ليس مجرد الإحساس البسيط بل هو الاشتعال بعاطفة لا يمكنك السيطرة عليها.” كالفن (Calvin)
- في نفس الوقت، إذا كان شخص ما يعاني من مشكلة الشهوة أو الزنا، لا ينبغي أن يظن أن الزواج في حد ذاته حل لمشاكله. فقد شعر الكثير من المؤمنين بالحزن عندما أدركوا أن شهوتهم تجاه النساء الأخريات لم ’تنته‘ بطريقة سحرية بعد زواجهم.
ثانياً. الرد على الأسئلة حول الطلاق.
أ ) الآيات (١٠-١١): طلاق وانفصال الأزواج المؤمنين.
١٠وَأَمَّا الْمُتَزَوِّجُونَ، فَأُوصِيهِمْ، لاَ أَنَا بَلِ الرَّبُّ، أَنْ لاَ تُفَارِقَ الْمَرْأَةُ رَجُلَهَا، ١١وَإِنْ فَارَقَتْهُ، فَلْتَلْبَثْ غَيْرَ مُتَزَوِّجَةٍ، أَوْ لِتُصَالِحْ رَجُلَهَا. وَلاَ يَتْرُكِ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ.
- وَأَمَّا الْمُتَزَوِّجُونَ: يجيب بولس في هذا الأصحاح على الأسئلة المُرسلة إليه من مؤمني كورنثوس. فقد تناول بالفعل الأسئلة التي تدور حول المزايا النسبية للزواج أو عدم الزواج، وإن كان الامتناع عن ممارسة الجنس في العلاقة الزوجية يدل على قدر عالِ من الروحانية. والآن يتناول موضوع آخر حينما قال: وَأَمَّا… مما يشير إلى أنه ينتقل إلى سؤال آخر يتعلق بالزواج والطلاق.
- الْمُتَزَوِّجُونَ: يتحدث بولس هنا عن زيجات المؤمنَين. وسوف يتناول الحالات الأخرى في الآيات التالية.
- أَنْ لاَ تُفَارِقَ الْمَرْأَةُ رَجُلَهَا: تساءل مؤمنو كورنثوس عما إذا كان البقاء دون زواج يعتبر درجة أعلى من روحانية، وإن كان ينبغي عليهم إنهاء الزيجات القائمة من أجل الوصول إلى قدر أعلى من القداسة. ويجيب بولس (لاَ أَنَا بَلِ الرَّبُّ) على سؤالهم بالقول: بالتأكيد لا!
- وَإِنْ فَارَقَتْهُ، فَلْتَلْبَثْ غَيْرَ مُتَزَوِّجَةٍ، أَوْ لِتُصَالِحْ رَجُلَهَا: يتحدث بولس عن زواج المؤمنين فيقول: لا ينبغي عليهم أبدًا إنهاء الزواج بحثًا عن روحانية أعلى. بل في الواقع، إذا أراد أحدهما أن يُفَارَق شريكه، فيجب عليه إما أن يَلْبَثْ غَيْرَ مُتَزَوِّجً، أَوْ لِيُصَالِحْ الآخر.
- يرتبط هذا برأي الله حول الطلاق، إذ أنه يسمح بالطلاق لسببين فقط: عندما يكون هناك زنا ( متى ٣:١٩-٩)، وعندما يكون الشريك المؤمن مهجورًا من قِبل زوج غير مؤمن (كورنثوس الأولى ١٥:٧). فالله لن يعترف بالطلاق على أي أساس آخر، حتى وإن اعترفت به الدولة. وإن كان الله لا يعترف بالطلاق، فلن يكون للفرد الحرية في الزواج مرة أخرى – يمكنه فقط التصالح مع شريكه السابق.
- قال يسوع أن الذي طلق امرأته لأسباب باطلة وتزوج بأخرى يزني والذي يتزوج بمُطلقة يزني. (متى ٩:١٩). فعندما عرف تلاميذ يسوع مدى إلزام عهد الزواج وكيف أنه لا يمكن كسره (في عيني الله) لأي سبب كان، أجابوه: إذا كان هذا هو حال الرجل مع زوجته، فمن الأفضل ألا يتزوج ( متى ١٩:١٠). لقد فهموا يسوع تمامًا، وهكذا ينبغي أن يفهم الناس اليوم قبل الدخول في عهد الزواج.
- لذلك، إذا قال شخص ما “إن الله لا يريدني أن أظل متزوجًا من هذا الشخص بعد الآن” أو “لقد أحضر الله لي شخصًا أفضل” فهو مخطئ ولا يتحدث بكلام من الله مطلقًا. فالله لا يعترف بالطلاق لمثل هذه الأسباب.
- وَإِنْ فَارَقَتْهُ: قد ينفصل الزوجان المؤمنان في الواقع لأسباب لا تبرر الطلاق الكتابي. وقد يكون ذلك بسبب شعور مضلل بالروحانية، وقد يكون بسبب شعور عام بالتعاسة أو الصراع أو سوء المعاملة أو البؤس أو الإدمان أو الفقر. ويعترف بولس (بدون تشجيع على الإطلاق) بأن الأزواج قد يفارقوا في مثل هذه الظروف، لكنهم لا يستطيعون بذلك اعتبار أنفسهم مطلقين أو أن لديهم الحق في الزواج مرة أخرى، لأن الانفصال لم يحدث لأسباب تبرر الطلاق الكتابي.
- من المُحتمل أن تبرر هذه المشاكل الانفصال (وَإِنْ فَارَقَتْهُ)، ولكن من المتوقع من الأزواج احترام تعهدات زواجهم حتى في انفصالهم، لأنه بالنسبة لله هم ما زالوا متزوجين، حيث أن عهد زواجهم لم يُكسر لأسباب كتابية. وقد يعيش الزوجان في انفصال ولكن دون الزواج بشخص آخر.
- وَلاَ يَتْرُكِ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ: يطبق بولس نفس المبدأ على الأزواج كما هو على الزوجات، ويميز بين الشخص الذي قد يفارق (انفصال مع احترام ميثاق الزواج) وبين الذي قد يُطلّق (يَتْرُك). فباستثناء عِلة الزنا، بحسب وصف يسوع في إنجيل متى ٣:١٩-٩، لا يوجد سبب شرعي آخر لطلاق أي زوجين مؤمنين.
- بنفس القدر من الأهمية، لم يأمر يسوع مطلقًا بالطلاق في حالة الزنا. بل قال بحذر أنه مسموح به، وأن ذلك السماح قد أُعطِي بسبب قساوة قلوبكم (متى ٨:١٩).
ب) الآيات (١٢-١٦): الطلاق والزواج ثانية في حالة أن الطرف المؤمن متزوج من شريك غير مؤمن
١٢وَأَمَّا الْبَاقُونَ، فَأَقُولُ لَهُمْ أَنَا، لاَ الرَّبُّ: إِنْ كَانَ أَخٌ لَهُ امْرَأَةٌ غَيْرُ مُؤْمِنَةٍ، وَهِيَ تَرْتَضِي أَنْ تَسْكُنَ مَعَهُ، فَلاَ يَتْرُكْهَا. ١٣وَالْمَرْأَةُ الَّتِي لَهَا رَجُلٌ غَيْرُ مُؤْمِنٍ، وَهُوَ يَرْتَضِي أَنْ يَسْكُنَ مَعَهَا، فَلاَ تَتْرُكْهُ. ١٤لأَنَّ الرَّجُلَ غَيْرَ الْمُؤْمِنِ مُقَدَّسٌ فِي الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةُ غَيْرُ الْمُؤْمِنَةِ مُقَدَّسَةٌ فِي الرَّجُلِ. وَإِلاَّ فَأَوْلاَدُكُمْ نَجِسُونَ، وَأَمَّا الآنَ فَهُمْ مُقَدَّسُونَ. ١٥وَلكِنْ إِنْ فَارَقَ غَيْرُ الْمُؤْمِنِ، فَلْيُفَارِقْ. لَيْسَ الأَخُ أَوِ الأُخْتُ مُسْتَعْبَدًا فِي مِثْلِ هذِهِ الأَحْوَالِ، وَلكِنَّ اللهَ قَدْ دَعَانَا فِي السَّلاَمِ. ١٦لأَنَّهُ كَيْفَ تَعْلَمِينَ أَيَّتُهَا الْمَرْأَةُ، هَلْ تُخَلِّصِينَ الرَّجُلَ؟ أَوْ كَيْفَ تَعْلَمُ أَيُّهَا الرَّجُلُ، هَلْ تُخَلِّصُ الْمَرْأَةَ؟
- وَأَمَّا الْبَاقُونَ: تشير هذه الكلمات إلى أن بولس يحول التركيز عن المجموعة التي سبق وتناولها، أي الأزواج المؤمنين. فهو الآن يتحدث مع الأَخٌ الذي لَهُ امْرَأَةٌ غَيْرُ مُؤْمِنَةٍ، والْمَرْأَةُ الَّتِي لَهَا رَجُلٌ غَيْرُ مُؤْمِنٍ.
- فَأَقُولُ لَهُمْ أَنَا، لاَ الرَّبُّ: يجب ألا نعتقد أن الوحي بالروح القدس كان بقدر أقل عندما قال بولس أَنَا لاَ الرَّبُّ، فهو يعني ببساطة أنه مع أن يسوع لم يُعلم عن هذا الأمر بالتحديد، كما فعل في الوضع السابق بحسب إنجيل متى ٣:١٩-٩، لكنه طلب من رسوله أن يفعل!
- هذا دليل على إن بولس ربما لم يكن مدركاً تماماً أنه كان يكتب بإرشاد الروح القدس عندما كتب الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس وربما الرسائل الأخرى. كل ما كان يعرفه بولس ببساطة هو أنه بنى ملاحظاته في كورنثوس الأولى ١٠:٧-١١ على ما علمه يسوع في متى ٣:١٩-٩ (لاَ أَنَا بَلِ الرَّبُّ)، وأنه لم يتلقى وصية خاصة من يسوع بخصوص المؤمن المتزوج بشريك غير مؤمن. عرف بولس طبعاً أنه يكتب إلى أهل كورنثوس بسلطان من الله، لكنه ربما لم يكن يعلم أنه كان يتحدث أيضًا بنفس السلطان إلى جميع الكنائس في كل العصور، وأنه كان أداة لكتابة كلمة الله الأبدية. فيبقى السؤال: إذا لم يكن بولس مُدركًا لمدى وحي كلماته، فهل هذا يجعل الكلمات أقل وَحيًا؟
- فَلاَ يَتْرُكْهَا: إن فكر بعض المؤمنين في كنيسة كورنثوس أنهم سيكونون أكثر روحانية إذا طلقوا أزواجهم المؤمنين (كورنثوس ١٠:٧-١١)، فكيف بالحري فكر بعض المؤمنين المتزوجين من غير المؤمنين؟ بالتأكيد اعتقدوا أنهم لا يستطيعون تمجيد الله ما لم يُطلقوا شريكهم غير المؤمن، لكن بولس رفض هذا الأمر قائلًا: فَلاَ يَتْرُكْهَا.
- هذا القلق الروحي كان سبباً وجيهاً ومُلحاً لعدم الزواج من غير المؤمنين (كورنثوس الثانية ١٤:٦)، لكنه ليس سببًا لإنهاء زواج قائم مع غير مؤمن.
- لأَنَّ الرَّجُلَ غَيْرَ الْمُؤْمِنِ مُقَدَّسٌ فِي الْمَرْأَةِ: لماذا يجب على المؤمن أن يحاول الاحتفاظ بزواجه من غير المؤمن؟ لأن الله قد يتمجد في مثل هذا الزواج، وقد يعمل من خلال الزوج المؤمن لجذب الزوج غير المؤمن إلى يسوع المسيح.
- كلمة مُقَدَّسٌ في هذا السياق لا تعني أن الطَرف غير المؤمن يخلُص بمجرد زواجه من شخص مؤمن. فالأمر ببساطة يعني أن الله سيتعامل معهم بشكل خاص من خلال الروح القدس بفضل كونهم قريبين جدًا من شخص مؤمن.
- وَإِلاَّ فَأَوْلاَدُكُمْ نَجِسُونَ، وَأَمَّا الآنَ فَهُمْ مُقَدَّسُونَ: ليس فقط وجود زوج مؤمن مفيد للزوج غير المؤمن، بل إنه مفيد أيضًا للأولاد، لأنهم الآنَ هُمْ مُقَدَّسُونَ.
- “يُعتبر طفل المؤمن مؤمنًا حتى يبلغ من العمر ما يكفي لتحمل مسئولية نفسه. إن ’قداسة‘ الآباء تمتد إلى الأولاد.” موريس (Morris)
- هذا تأكيد رائع على أن أولاد الآباء المؤمنين مُخلَّصون، على الأقل حتى يبلغوا سن المساءلة الشخصية (الذي ربما تختلف من طفل لآخر). ومع ذلك، ليس لدينا أي تأكيد مماثل لأولاد الآباء غير المؤمنين. فالنص وبولس في الواقع لا يدعَما ذلك بتاتاً. فالفائدة التي تعود على الأولاد الذين يعيشون مع آباء مؤمنين لا تنطبق تلقائيًا على أولاد غير المؤمنين. ويضيف بولس: ’وَإِلاَّ فَأَوْلاَدُكُمْ نَجِسُونَ‘- معطيًا بوضوح معنى أن الأولاد بعيدًا عن الآباء المؤمنين ليسوا مُقَدَّسُينَ بل نَجِسُينَ.
- يجب أن نفهم أنه إذا خَلُص أطفال الآباء غير المؤمنين أو ذهب البعض منهم إلى السماء، فهذا ليس بسبب كونهم أبرياء. فجميعنا ورثنا خطية آدم. ولكن إن ذهب بعض هؤلاء الأطفال إلى السماء ليس هذا عن استحقاق بل بسبب رحمة الله الغنية التي امتدت إليهم أيضًا.
- وَلكِنْ إِنْ فَارَقَ غَيْرُ الْمُؤْمِنِ، فَلْيُفَارِقْ: نصح بولس بأن الشريك المؤمن يجب أن يفعل ما في وسعه للحفاظ على الزواج. ولكن إذا كان الطَرَف غير المؤمن يرفض هذا الزواج، فيمكن إنهاء الزواج؛ لكن لا يجب على المؤمن أن يبدأ ذلك أو يسعى إليه.
- إذا غادر الطَرَف غير المؤمن، فالمؤمن لَيْسَ مُسْتَعْبَدًا لعهد الزواج. وهذا يعني أن له الحرية لأن يتزوج مرة أخرى لأن الله قد اعترف بطلاقه كطلاق صحيح.
- كَيْفَ تَعْلَمُ: ينهي بولس هذا الجزء بكلمات تبعث الأمل، فالكثير من المؤمنين المتزوجين من غير المؤمنين يشعرون بالإحباط. وعليهم أن يعلموا أنهم بالإيمان والصبر يمكنهم أن يطلبوا من الله أن يتدخل في ظروفهم الحالية مهما كانت صعوبتها.
- يجب أيضًا على المؤمنين المتزوجين من غير المؤمنين أن يعرفوا ما يقوله بطرس في رسالته الأولى ١:١-٦، أن شريكك غير المؤمن في الزواج ربما لا ينقاد إلى يسوع بكلماتك، لكن بسلوكك التقي المُحب.
- “للأسف أن معظم أعضاء الكنيسة الأولى لم يستجيبوا لكلمة الله بالحفاظ على زواجهم بقدر المستطاع عندما يكون طرف ما غير مؤمن. وواحدة من أعظم شكاوى الوثنيين ضد المؤمنين الأوائل كانت أن المسيحية حطمت العائلات.” باركلي (Barclay)
ثالثاً. مبدأ شامل: عِيشُوا كَمَا كُنْتُمْ يَوْمَ دَعَاكُمُ الله.
الآية (١٧): المبدأ: يمكنك العيش من أجل الله في وضعك الحالي.
٧غَيْرَ أَنَّهُ كَمَا قَسَمَ اللهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ، كَمَا دَعَا الرَّبُّ كُلَّ وَاحِدٍ، هكَذَا لِيَسْلُكْ. وَهكَذَا أَنَا آمُرُ فِي جَمِيعِ الْكَنَائِسِ.
- كَمَا دَعَا الرَّبُّ كُلَّ وَاحِدٍ، هكَذَا لِيَسْلُكْ: أيًا كان وضعك، متزوج، أعزب، مطلق، أرمل، مُتزوج ثانية، يستطيع الله أن يعمل في حياتك. وبدلاً من التفكير في أنك ستسلك من أجل الرب عندما يتغير وضعك، اسلك من أجل الرب وأنت في وضعك الحالي.
- هذا أيضًا تحذير بخصوص محاولة إبطال أو محو الماضي فيما يتعلق بالعلاقات. فيخبرنا الله بأننا يجب أن نتوب عن أي خطية حاضرة ثم نمضي قُدُمًا في حياتنا. فإن كنت متزوجًا من زوجتك الثانية، بعد طلاق زوجتك الأولى دون أساس، وأصبحت الآن مؤمنًا، فلا ينبغي عليك ترك زوجتك الثانية والعودة إلى زوجتك الأولى في محاولة للتراجع عن الماضي. ولكن اسلك في وضعك الحالي بحسب دعوة الرب لك.
- هكَذَا لِيَسْلُكْ هو أيضًا تحذير من خطر الاعتقاد بأن الآخرين يسلكون بشكلٍ أفضل بسبب وضعهم المختلف في الحياة. ولكن لا يهم إذا كنت متزوج أو أعزب أو مطلق أو متزوج ثانية؛ ما يهم أكثر هو السلوك مع يسوع الآن.
ب) الآيات (١٨-٢٠): مثال على هذا المبدأ من ممارسة الختان.
١٨دُعِيَ أَحَدٌ وَهُوَ مَخْتُونٌ، فَلاَ يَصِرْ أَغْلَفَ. دُعِيَ أَحَدٌ فِي الْغُرْلَةِ، فَلاَ يَخْتَتِنْ. ١٩لَيْسَ الْخِتَانُ شَيْئًا، وَلَيْسَتِ الْغُرْلَةُ شَيْئًا، بَلْ حِفْظُ وَصَايَا اللهِ. ٢٠ اَلدَّعْوَةُ الَّتِي دُعِيَ فِيهَا كُلُّ وَاحِدٍ فَلْيَلْبَثْ فِيهَا.
- دُعِيَ أَحَدٌ وَهُوَ مَخْتُونٌ: يقول بولس إن كان بينكم من كان مختوناً عندما آمن، فلا بأس، وإذا لم يكن مختوناً، فلا بأس أيضًا. فكلها أشياء ليست ذات أهمية، لأن ما يهم هو عبادة الرب في وضعنا الحالي الآن.
- كيف يمكن للمرء أن يصبح غير مختون؟ “بعض اليهود، خوفًا من أنطيوخوس، جعلوا أنفسهم غير مختونين، مكابيين الأول ١٦:١. وآخرون فعلوا ذلك بسبب خزيهم بعد أن اكتسبوا معرفة المسيح، كما هو الحال هنا. وكان يتم ذلك عن طريق سحب الجلد الأمامي بأداة جراح.” تراب (Trapp) “من خلال الشَد المتكرر، يمكن للجلد المختون أن يمتد مرة أخرى بحيث يمنع ظهور علامة الختان القديمة.” كلارك (Clarke)
- لَيْسَ الْخِتَانُ شَيْئًا، وَلَيْسَتِ الْغُرْلَةُ شَيْئًا: ما يقصده بولس لا يتعلق حقًا بالختان؛ هذا مجرد مثال. فكونك مختون أو أغلف لا يعني شيئًا عندما يتعلق الأمر بعبادة الله، وكذلك حالتك الزوجية الحالية. لقد استخدم هذا المثال ليقول ببساطة: كونك متزوج أو غير متزوج ليس شيئًا، لأن ما يهم هو حفظك لوصايا الله.
ج ) الآيات (٢١-٢٤): ممارسة الرق كمثال لهذا المبدأ
٢١دُعِيتَ وَأَنْتَ عَبْدٌ فَلاَ يَهُمَّكَ. بَلْ وَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَصِيرَ حُرًّا فَاسْتَعْمِلْهَا بِالْحَرِيِّ. ٢٢لأَنَّ مَنْ دُعِيَ فِي الرَّبِّ وَهُوَ عَبْدٌ، فَهُوَ عَتِيقُ الرَّبِّ. كَذلِكَ أَيْضًا الْحُرُّ الْمَدْعُوُّ هُوَ عَبْدٌ لِلْمَسِيحِ. ٢٣قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ، فَلاَ تَصِيرُوا عَبِيدًا لِلنَّاسِ. ٢٤مَا دُعِيَ كُلُّ وَاحِدٍ فِيهِ أَيُّهَا الإِخْوَةُ فَلْيَلْبَثْ فِي ذلِكَ مَعَ اللهِ.
- دُعِيتَ وَأَنْتَ عَبْدٌ فَلاَ يَهُمَّكَ: يمكن للعبد أن يُرضي الله وهو لا يزال عبدًا. فلا ينبغي له أن يعيش حياته وهو يفكر قائلاً: “لا يمكنني أن أفعل أي شيء من أجل الله الآن، لكنني كنت أستطيع لو كنت رجلاً حراً.” فبإمكان العبد، بل يجب عليه، أن يخدم الله وهو في وضعه الحالي.
- بَلْ وَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَصِيرَ حُرًّا فَاسْتَعْمِلْهَا بِالْحَرِيِّ: عندما قال بولس أن العبد يمكنه إرضاء الله، هو لا يقصد أن الله لا يريد للعبد أن يصبح حرًا. ولكن إن كان بإمكانه أن يتحرر، فلينتهز الفرصة ويفعل.
- فَلاَ تَصِيرُوا عَبِيدًا لِلنَّاسِ: هذا صحيح ليس فقط فيما يتعلق بالعبودية الحرفية، بل الروحية أيضًا. فلا ينبغي علينا أبدًا أن نضع أنفسنا تحت سيطرة أو تأثير غير مناسب من الآخرين.
- “لا تتبع حتى الرجال الصالحين بخنوع. فلا تقل: أنا لبولس وأنا لأبلوس وأنا لكالفن وأنا لويسلي. فهل فداك كالفن؟ هل مات ويسلي من أجلك؟ من هو كالفين ومن هو ويسلي إلا خُدَّام آمنتم بواسطتهم؟ فلا تخضعوا أنفسكم لأي قيادة تُفضّل اتباع الإنسان بدلاً من اتباع السيد. أنا سوف أتبع أي شخص إذا ذهب في طريق المسيح، لكنني لن أتبع أحدًا بنعمة الله، إذا لم يذهب في ذلك الاتجاه.” سبيرجن (Spurgeon)
- مَا دُعِيَ كُلُّ وَاحِدٍ فِيهِ أَيُّهَا الإِخْوَةُ فَلْيَلْبَثْ فِي ذلِكَ مَعَ اللهِ: ينطبق هذا المبدأ على طيف واسع – المتزوج وغير المتزوج، المختتن وغير المختتن، العبد والحر. يمكننا أن نطلب من الله أن يستخدمنا في موضعنا الحالي.
- “قد يكون الزواج مربكاً. وقد يصبح الحزن أو الفرح أو العلاقات أو العالم مربكاً. إذاً علينا أن ندير ظهرنا لكل هذه الأشياء.” مورغان (Morgan)
- مَا دُعِيَ كُلُّ وَاحِدٍ فِيهِ أَيُّهَا الإِخْوَةُ فَلْيَلْبَثْ فِي ذلِكَ مَعَ اللهِ: لا يعني هذا بالطبع أنه ينبغي علينا أن نستمر في طريق أو مهنة خطأ بعد الخلاص.
- “هذا بافتراض أنه كان يسلك بأمانة في الحياة؛ فنقرأ في أعمال الرسل أن السحرة قد أحرقوا كتبهم، وأن من آمن بالمسيح ترك حياته القديمة المليئة بالشرور.” تراب(Trapp)
رابعاً. الرد على الأسئلة حول الزواج بين المؤمنين.
أ ) الآيات (٢٥-٢٨): نصيحة بولس: الزواج ليس سيئاً في نظر الله، ولعدم الزواج مزاياه.
٢٥وَأَمَّا الْعَذَارَى، فَلَيْسَ عِنْدِي أَمْرٌ مِنَ الرَّبِّ فِيهِنَّ، وَلكِنَّنِي أُعْطِي رَأْيًا كَمَنْ رَحِمَهُ الرَّبُّ أَنْ يَكُونَ أَمِينًا. ٢٦فَأَظُنُّ أَنَّ هذَا حَسَنٌ لِسَبَبِ الضِّيقِ الْحَاضِرِ، أَنَّهُ حَسَنٌ لِلإِنْسَانِ أَنْ يَكُونَ هكَذَا: ٢٧أَنْتَ مُرْتَبِطٌ بِامْرَأَةٍ، فَلاَ تَطْلُبِ الانْفِصَالَ. أَنْتَ مُنْفَصِلٌ عَنِ امْرَأَةٍ، فَلاَ تَطْلُبِ امْرَأَةً. ٢٨لكِنَّكَ وَإِنْ تَزَوَّجْتَ لَمْ تُخْطِئْ. وَإِنْ تَزَوَّجَتِ الْعَذْرَاءُ لَمْ تُخْطِئْ. وَلكِنَّ مِثْلَ هؤُلاَءِ يَكُونُ لَهُمْ ضِيقٌ فِي الْجَسَدِ. وَأَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُشْفِقُ عَلَيْكُمْ.
- وَأَمَّا الْعَذَارَى: سيتحدث بولس الآن عن غير المتزوجات، الذين يشير إليهم بكلمة ’الْعَذَارَى‘ على الرغم من أنهن ربما لم يكنَّ جميعًا بالفعل عذارى – رغم أنهن يجب أن يكنَّ كذلك لأنهن من عائلات مؤمنة.
- فَلَيْسَ عِنْدِي أَمْرٌ مِنَ الرَّبِّ فِيهِنَّ، وَلكِنَّنِي أُعْطِي رَأْيًا: مرة أخرى، لا ينبغي لنا أن نظن أن بولس لم يكن تحت تأثير الوحي هنا، ولكن لأنه يتعامل مع مواقف في الحياة تختلف من شخص لآخر، فإنه لا ولن يستطيع أن يعطي أَمْرٌ. ومع ذلك، فهو يقدم مشورة ومبادئ مُوحى بها.
- حَسَنٌ لِلإِنْسَانِ أَنْ يَكُونَ هكَذَا: يوصي بولس الرجل الذي لم يسبق له الزواج أَنْ يَكُونَ (يبقى) هكَذَا – أي أن يظل على حاله؛ إما متزوج أو غير متزوج.
- لماذا؟ لِسَبَبِ الضِّيقِ الْحَاضِرِ. فعلى ما يبدو أنه كان هناك نوع من الاضطهاد المحلي أو المشاكل في مدينة كورنثوس. فبسبب هذا الضِّيقِ، يقول بولس أن هناك مزايا محددة للبقاء دون زواج، وبسبب هذا الضِّيقِ، ينبغي على المتزوج أَنْ يَكُونَ هكَذَا أيضًا.
- ما هي ميزة البقاء دون زواج؟ يمكننا أن نتخيل بسهولة مقدار العبء الذي تُمثله الزوجة أو الأسرة لشخص تعهد أن يخدم الرب مهما كانت الظروف في زمن الاضطهاد أو الأزمات الكبيرة. فقد يقول المؤمن الأعزب: “يمكنكم تعذيبي، لكني لن أتخلى أبداً عن إيماني بيسوع.” ولكن ماذا لو هُدد الزوج المؤمن باغتصاب زوجته أو تعذيب أطفاله؟ قد تبدو هذه الأمور بعيدة عنا، لكنها لم تكن بعيدة عن المؤمنين في القرن الأول.
- ما هي ميزة البقاء متزوجًا؟ إن أسرتك تكون في احتياج إليك وقت الضِّيقِ أكثر من أي وقت مضى. فلا تتخلى عن زوجتك وأولادك الآن!
- “هذه الاضطهادات والضيقات قريبة على الأبواب، والحياة نفسها ستنتهي قريباً. وحتى آنذاك، كان نيرون يخطط لتلك الاضطهادات المُؤلمة التي لم تكن فقط ابتلاء لكنيسة المسيح بل دمرتها أيضاً.” كلارك (Clarke)
- أَنْتَ مُرْتَبِطٌ بِامْرَأَةٍ، فَلاَ تَطْلُبِ الانْفِصَالَ. أَنْتَ مُنْفَصِلٌ عَنِ امْرَأَةٍ، فَلاَ تَطْلُبِ امْرَأَةً: يردد بولس نفس المبدأ المذكور في كورنثوس الأولى ١٧:٧-٢٤. فيمكن للرب أن يستخدمنا في وضعنا الحالي في الحياة، فلا يجب ألا نتسرع في تغييره.
- يستخدم بولس الكلمات مُرْتَبِطٌ ومُنْفَصِلٌ، وهي نفس المفردات التي كان يستخدمها الكتبة اليهود. فعندما كان يهودي يسأل أحد الكتبة عن كيفية تطبيق ناموس الله في أحد المواقف، كان يقول: أنت مقيد أو غير مقيد (مُرْتَبِط أو مُنْفَصِل) فيما يتعلق بوصايا معينة.
- لكِنَّكَ وَإِنْ تَزَوَّجْتَ لَمْ تُخْطِئ: بالتأكيد لن يُحرِّم بولس الزواج؛ لكنه يُخبر أولئك الذين سوف يتزوجون أنه سيَكُونُ لَهُمْ ضِيقٌ فِي الْجَسَدِ. وَأَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُشْفِقُ عَلَيْكُمْ. شعر بولس (خاصةً بالنسبة لنفسه) بأن أعظم الم زايا هي في كونه غير متزوج، لكنه يعرف أيضًا أن كُلَّ وَاحِدٍ لَهُ مَوْهِبَتُهُ الْخَاصَّةُ مِنَ اللهِ (كورنثوس ٧:٧).
- الأهم من ذلك أن بولس لا يعني مطلقًا أن الزواج أو عدم الزواج يجعل الشخص أكثر روحانية. فقد وقع مؤمني كورنثوس في هذا الخطأ الكبير.
ب) الآيات (٢٩-٣١): يحذر بولس من تأصُّل الجذور بعمق في عالم زائل.
٢٩فَأَقُولُ هذَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ: الْوَقْتُ مُنْذُ الآنَ مُقَصَّرٌ، لِكَيْ يَكُونَ الَّذِينَ لَهُمْ نِسَاءٌ كَأَنْ لَيْسَ لَهُمْ، ٣٠وَالَّذِينَ يَبْكُونَ كَأَنَّهُمْ لاَ يَبْكُونَ، وَالَّذِينَ يَفْرَحُونَ كَأَنَّهُمْ لاَ يَفْرَحُونَ، وَالَّذِينَ يَشْتَرُونَ كَأَنَّهُمْ لاَ يَمْلِكُونَ، ٣١وَالَّذِينَ يَسْتَعْمِلُونَ هذَا الْعَالَمَ كَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَعْمِلُونَهُ. لأَنَّ هَيْئَةَ هذَا الْعَالَمِ تَزُولُ.
- الْوَقْتُ مُنْذُ الآنَ مُقَصَّرٌ: ينتقد البعض بولس، بل ويدعونه نبي كاذب لأنه يقول إن الْوَقْتُ مُنْذُ الآنَ مُقَصَّرٌ. ولكن بولس يؤكد على تعاليم يسوع، الذي أوصى كل المؤمنين في كل العصور أن يكونوا مستعدين ومنتظرين لمجيئه.
- أوصانا يسوع جميعًا في إنجيل متى ٤٤:٢٤ قائلًا: ’لِذلِكَ كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا مُسْتَعِدِّينَ، لأَنَّهُ فِي سَاعَةٍ لاَ تَظُنُّونَ يَأْتِي ابْنُ الإِنْسَانِ‘.فعلينا أن نكون مستعدين، وأن نعتبر الْوَقْتُ مُنْذُ الآنَ مُقَصَّرٌ، ليس فقط لأن يسوع سيأتي في أي وقت، لكن أيضًا لأن هذا يُنمي فينا الطاعة والغيرة المقدسة في سيرنا مع يسوع المسيح.
- حتى من دون التفكير في مجيء يسوع الثاني، من المهم للمؤمنين أن يعيشوا الآية: الْوَقْتُ مُنْذُ الآنَ مُقَصَّر. وقد عَبّر داود عن هذا في مزمور ٥:٣٩ حين قال:هُوَذَا جَعَلْتَ أَيَّامِي أَشْبَارًا، وَعُمْرِي كَلاَ شَيْءَ قُدَّامَكَ. إِنَّمَا نَفْخَةً كُلُّ إِنْسَانٍ قَدْ جُعِلَ.
- الكلمة اليونانية القديمة ’الْوَقْتُ‘ هي (sustello) والتي تعني: “طُوِىَ، كما اعتاد البحارة أن يفعلوا بالأشرعة عندما كانت السفينة تقترب من الميناء” تراب (Trapp ). “الوقت مقصَّر؛ أي تم طيه مثل الأشرعة، كما يفعل البحار عندما يقترب من الميناء” بوله (Poole). إن الميناء قريب، وأنزلت الأشرعة! لتكن السفينة مستعدة!
- لِكَيْ يَكُونَ الَّذِينَ لَهُمْ نِسَاءٌ كَأَنْ لَيْسَ لَهُمْ: لا يشجع بولس إهمال الواجبات الأسرية، لكنه يشجع العيش كما لو أن الْوَقْتُ مُنْذُ الآنَ مُقَصَّر. وهذا يعني أننا لن نعيش كما لو أن عائلاتنا الأرضية هي كل ما يهم، ولكن أن نعيش بعين ناظرة إلى الأبدية.
- لأَنَّ هَيْئَةَ هذَا الْعَالَمِ تَزُولُ: إن العيش بفكرة أن الْوَقْتُ مُنْذُ الآنَ مُقَصَّرٌ لن تجعلنا ننغمس في ملذات وأمور هذا العالم. فلا يجب أن يعترض البكاء والفرح وامتلاك الأشياء طريق اتباعنا ليسوع.
- هَيْئَةَ هذَا الْعَالَمِ تَزُولُ: “لا يوجد شيء ثابت ودائم في نظام هذا العالم؛ فإن طبيعته هي الزوال. فمن الحماقة أن يتصرف المؤمنون وكأن قيم هذا العالم سوف تدوم.” موريس (Morris)
ج ) الآيات (٣٢-٣٥): لدى الأعزب الفرصة لخدمة الله وإرضائه دون أن يلهيه شيء عن ذلك.
٣٢فَأُرِيدُ أَنْ تَكُونُوا بِلاَ هَمٍّ. غَيْرُ الْمُتَزَوِّجِ يَهْتَمُّ فِي مَا لِلرَّبِّ كَيْفَ يُرْضِي الرَّبَّ، ٣٣وَأَمَّا الْمُتَزَوِّجُ فَيَهْتَمُّ فِي مَا لِلْعَالَمِ كَيْفَ يُرْضِي امْرَأَتَهُ. ٣٤إِنَّ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَالْعَذْرَاءِ فَرْقًا: غَيْرُ الْمُتَزَوِّجَةِ تَهْتَمُّ فِي مَا لِلرَّبِّ لِتَكُونَ مُقَدَّسَةً جَسَدًا وَرُوحًا. وَأَمَّا الْمُتَزَوِّجَةُ فَتَهْتَمُّ فِي مَا لِلْعَالَمِ كَيْفَ تُرْضِي رَجُلَهَا. ٣٥هذَا أَقُولُهُ لِخَيْرِكُمْ، لَيْسَ لِكَيْ أُلْقِيَ عَلَيْكُمْ وَهَقًا، بَلْ لأَجْلِ اللِّيَاقَةِ وَالْمُثَابَرَةِ لِلرَّبِّ مِنْ دُونِ ارْتِبَاكٍ.
- غَيْرُ الْمُتَزَوِّجِ يَهْتَمُّ فِي مَا لِلرَّبِّ: يعترف بولس هنا ببساطة أن عدم وجود مسؤوليات أسرية يعطي الأعزب ’الحرية‘ في خدمة الرب. وهذا هو السبب الرئيسي الذي جعل بولس يُفضِّل عدم الزواج ثانية.
- وَأَمَّا الْمُتَزَوِّجُ فَيَهْتَمُّ فِي مَا لِلْعَالَمِ كَيْفَ يُرْضِي امْرَأَتَهُ: لا يقصد بولس هنا إدانة الشخص المتزوج؛ بل في الواقع، هو يقصد أن هذا هو ما ينبغي أن يفعله الشخص المتزوج. فالزوج الذي لا يهتم كَيْفَ يُرْضِي امْرَأَتَهُ، يكون مخطئاً، والمرأة التي لا تُرْضِي رَجُلَهَا تكون مخطئة أيضًا.
- لَيْسَ لِكَيْ أُلْقِيَ عَلَيْكُمْ وَهَقًا بَلْ لأَجْلِ اللِّيَاقَةِ: مرة أخرى، إن سبب شرح بولس لهذه الأمور ليس لتحريم الزواج، بل لتناوله من المنظور الإلهي الأبدي. فهو لا يضع قيوداً (وَهَقًا) على أحد؛ بل يشارك فقط من قلبه وبواقع خبرته.
- من الملاحظ بالنسبة لبولس أن أهم شيء في الحياة لم يكن الحب الرومانسي، بل إرضاء الله. فبالنسبة له، هو يستطيع أن يُرضي الله وهو غير متزوج، ولكن قد يُرضى شخص آخر الله بطريقة أفضل وهو متزوج، كلٍ بحسب دعوته.
- رغم إصرار بولس ألا تكون تعاليمه بمثابة حبل حول عنق أي شخص، إلا أن هذا حدث بالفعل في الكنيسة. فيُصِّر الروم الكاثوليك على ألا يتزوج رجال الدين حتى لو لم تكن هذه هي الموهبة التي أعطاها الله لهم. والعديد من الجماعات البروتستانتية لا تقبل برسامة رعاة غير متزوجين أو لا تثق بالأعزب.
- وَالْمُثَابَرَةِ لِلرَّبِّ مِنْ دُونِ ارْتِبَاكٍ: بالنسبة لبولس، البقاء دون زواج يجعل الشخص أقل ارتباكًا في خدمة الرب. ولكن للأسف، يعتبر العديد من المؤمنين المعاصرين أن البقاء دون زواج هو ارْتِبَاكٍ رهيب، بدلاً من أن يعتبروا وضعهم الحالي بدون زواج (سواء كان مؤقتًا أو دائمًا) فرصة خاصة لإرضاء الله.
د ) الآيات (٣٦-٣٨): يجيب بولس على سؤال آخر من أهل كورنثوس: هل يجب أن أًرتّب زواجًا لابنتي؟
٣٦وَلكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَظُنُّ أَنَّهُ يَعْمَلُ بِدُونِ لِيَاقَةٍ نَحْوَ عَذْرَائِهِ إِذَا تَجَاوَزَتِ الْوَقْتَ، وَهكَذَا لَزِمَ أَنْ يَصِيرَ، فَلْيَفْعَلْ مَا يُرِيدُ. إِنَّهُ لاَ يُخْطِئُ. فَلْيَتَزَوَّجَا. ٣٧وَأَمَّا مَنْ أَقَامَ رَاسِخًا فِي قَلْبِهِ، وَلَيْسَ لَهُ اضْطِرَارٌ، بَلْ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى إِرَادَتِهِ، وَقَدْ عَزَمَ عَلَى هذَا فِي قَلْبِهِ أَنْ يَحْفَظَ عَذْرَاءَهُ، فَحَسَنًا يَفْعَلُ. ٣٨إِذًا، مَنْ زَوَّجَ فَحَسَنًا يَفْعَلُ، وَمَنْ لاَ يُزَوِّجُ يَفْعَلُ أَحْسَنَ.
- إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَظُنُّ أَنَّهُ يَعْمَلُ بِدُونِ لِيَاقَةٍ نَحْوَ عَذْرَائِهِ: يقصد بولس بكلمة ’أَحَدٌ‘ والد فتاة أو شاب في سن الزواج (عَذْرَائِهِ). فعبارة ’العَمَل بِدُونِ لِيَاقَةٍ‘ لا علاقة لها بأي نوع من السلوك الأخلاقي غير السليم، ولكنها تتعلق بحرمان الوالد لابنته أو ابنه من الحق في الزواج، استنادًا إلى الطريقة التي يُقدِّر بها بولس عدم الزواج.
- تذكر أنه في هذه الثقافة القديمة، كانت المسئولية الأساسية في ترتيب زواج الشباب تقع على الوالدين. فهل بناء على تعليم بولس، ينبغي على الأب المؤمن أن يوصي ابنه بعدم الزواج؟
- تشمل كلمة عَذْرَائِهِ الشباب من الجنسين.
- لْيَفْعَلْ مَا يُرِيدُ. إِنَّهُ لاَ يُخْطِئُ. فَلْيَتَزَوَّجَا: يقول بولس إنه ليس من الخطأ أن يسمح الأب لابنته الصغيرة بالزواج أو بعدم الزواج في الوقت الحالي.
- وَقَدْ عَزَمَ عَلَى هذَا فِي قَلْبِهِ أَنْ يَحْفَظَ عَذْرَاءَهُ، فَحَسَنًا يَفْعَلُ: بما أن عدم الزواج له فوائده، لذلك يوصي بولس به الأفراد وكذلك الآباء فيما يتعلق بعدم زواج بناتهم.
- مَنْ زَوَّجَ فَحَسَنًا يَفْعَلُ، وَمَنْ لاَ يُزَوِّجُ يَفْعَلُ أَحْسَنَ: بالنسبة لبولس، لم يكن الاختيار بين الزواج وعدم الزواج بمثابة الاختيار بين الخير والشر، ولكن بين الجيد والأفضل. ففي ضوء تلك الظروف، كان يعتبر عدم الزواج هو الأفضل.
هـ) الآيات (٣٩-٤٠): تذكير أخير بخصوص زواج الأرامل.
٣٩الْمَرْأَةُ مُرْتَبِطَةٌ بِالنَّامُوسِ مَا دَامَ رَجُلُهَا حَيًّا. وَلكِنْ إِنْ مَاتَ رَجُلُهَا، فَهِيَ حُرَّةٌ لِكَيْ تَتَزَوَّجَ بِمَنْ تُرِيدُ، فِي الرَّبِّ فَقَطْ. ٤٠وَلكِنَّهَا أَكْثَرُ غِبْطَةً إِنْ لَبِثَتْ هكَذَا، بِحَسَبِ رَأْيِي. وَأَظُنُّ أَنِّي أَنَا أَيْضًا عِنْدِي رُوحُ اللهِ.
- إِنْ مَاتَ رَجُلُهَا، فَهِيَ حُرَّةٌ لِكَيْ تَتَزَوَّجَ: بالطبع يحق للأرملة أن تتزوج مرة أخرى. ولكن الأرملة المؤمنة، شأنها شأن أي مؤمن، لها الحق أن تتزوج فقط من مؤمن آخر (فِي الرَّبِّ فَقَطْ).
- وَلكِنَّهَا أَكْثَرُ غِبْطَةً إِنْ لَبِثَتْ هكَذَا، بِحَسَبِ رَأْيِي: في الوقت نفسه، يعتقد بولس أن هذه الأرملة ستكون أَكْثَرُ غِبْطَةً إِنْ لَبِثَتْ هكَذَا – أي إذا لم تتزوج. فيريد بولس في الأساس ألا تتزوج الأرملة مرة أخرى إلا بعد التفكير ملياً في أن الله ربما يدعوها لعدم الزواج.
- مرة أخرى، يؤيد بولس عدم الزواج، لكن ليس لأن الجنس نفسه شرير (كما اعتقد بعض مؤمني كورنثوس). فقد يكون وضع غير المتزوج أفضل لأنه يتيح للشخص (إذا كانت هذه هي موهبته) فرصة أكبر لخدمة الله.