رسالة يوحنا الأولى – الإصحاح ٢
عوائق أمام الشركة مع الله
أولًا. الشركة ومشكلة الخطية
أ ) الآية (١أ): قصد يوحنا من وراء كتابته لهذه الرسالة: لِكَيْ لَا تُخْطِئُوا
١يَا أَوْلَادِي، أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هَذَا لِكَيْ لَا تُخْطِئُوا…
- أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هَذَا لِكَيْ لَا تُخْطِئُوا: أوضحت الآية في يوحنا الأولى ٨:١ أن الخطية حقيقة (أو على الأقل حقيقة عابرة) في حياة المؤمن بالمسيح. وتوضح الآية في يوحنا الأولى ٩:١ أنه يوجد دائمًا غفران للخطايا المعترف بها. غير أن يوحنا يوضح أيضًا أنه ينبغي للمؤمن أن يقلق حول قضية الخطية. فمن بين أسباب كتابة رسالته هو “لِكَيْ لَا تُخْطِئُوا.”
- سبق أن شجب يوحنا فكرة أنه يمكننا أن نصبح كاملين بلا خطية (يوحنا الأولى ٨:١). ويريد أن يوضح في الوقت نفسه أننا لسنا مضطرين إلى أن نخطئ. فالله لا يجبر المؤمن على أن يخطئ.
- لِكَيْ لَا تُخْطِئُوا: هذه هي رغبة الله للمؤمن. فإن كانت الخطية أمرًا محتومًا بالنسبة لنا، فليس السبب هو أن الله قضى أنه يتوجب علينا أن نخطئ. وكل موارد النصرة الروحية هي لنا في يسوع المسيح. ولا تنضب موارده.
- يتناول يوحنا هذه المسألة بسبب قضية العلاقة بالله (يوحنا الأولى ٣:١) وحقيقة أن الخطية يمكن أن تكسر علاقتنا بالله (يوحنا الأولى ٦:١). وهو يريد أن يوضح أن الله لم يصنع نظامًا يتوجب علينا بموجبه أن نكسر الشركة معه من خلال الخطية.
- قد يأتي الضعف إلى جسدنا، وهو غير مستعد دائمًا للاعتماد على يسوع من أجل الانتصار على الخطية. ويَعِد الله بأن الجسدَ يومًا ما سيكمَّل من خلال القيامة.
ب) الآيات (١ب-٢): عون للخاطئ واسترداد الشركة
١… وَإِنْ أَخْطَأَ أَحَدٌ فَلَنَا شَفِيعٌ عِنْدَ الآبِ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ الْبَارُّ. ٢وَهُوَ كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا. لَيْسَ لِخَطَايَانَا فَقَطْ، بَلْ لِخَطَايَا كُلِّ الْعَالَمِ أَيْضًا.
- فَلَنَا شَفِيعٌ: لا يريدنا الله أن نخطئ، ولكن إن أخطأنا، فَلَنَا شَفِيعٌ، أو محامي دفاع يقف بجانبنا. وهذا الشفيع هو يسوع المسيح نفسه.
- يعلّق لينسكي (Lenski) على كلمة شَفِيع قائلًا: “يستخدم ديموثينيس هذه الكلمة للإشارة إلى أصدقاء المتهم الذين يتدخلون طوعًا وشخصيًا لكي يحثّوا القاضي على أن يتخذ قرارًا لصالحه.”
- فَلَنَا شَفِيعٌ: يسوع هو المدافع عنّا، حتى عندما نخطئ الآن. ولا يُصدَم الله بسلوكنا البشريِّ. فقد رأى هذا كله مسبقًا. وهو لم يغفر لنا في وقت ما ليقول لاحقًا: “انظر ما فعلوه الآن! لو كان لي أن أعرف أنهم سيفعلون ذلك لما كنتُ قد غفرتُ لهم.” إن غفرانه متاح لنا الآن.
- كأنّنا نقف كمتَّهمين في المحكمة السماوية أمام قاضينا (ديّاننا) البار، الله الآب. ويقوم شفيعنا للرد على التهم: “إنه مذنب تمامًا، يا حضرة القاضي. بل إنه فعل أمورًا أسوأ بكثير من التهم الموجهة إليه. وهو يضع أمامك اعترافًا كاملًا وشاملًا.” وتُدَق المطرقة، ويسأل القاضي: “ماذا ينبغي أن يكون الحكم؟” ويجيب شفيعنا: “سيكون الحكم هو الموت. فهو يستحق كل غضب هذه المحكمة البارّة.” وكان إبليس، متّهِمنا، طوال الوقت يستمتع بهذا كله. فكلنا مذنبون! ونحن نعترف بذنبنا! ونحن نرى عقابنا! لكن عندئذٍ، يطلب شفيعنا أن يقترب من منصة القاضي. ويدنو من القاضي ويقول ببساطة: “يا أبي، هذا الشخص لي. فقد دفعتُ ثمنه. لقد أخذتُ كل الغضب والعقاب المستحَقَّين من هذه المحكمة.” وتدوّي المطرقة مرة أخرى، ويصرخ القاضي قائلًا: “إنه مذنب وفق التهمة الموجهة إليه. وقد تمّ استيفاء الجزاء.” وعندئذٍ، يجن جنون متّهِمنا إبليسَ قائلًا: “لا! ألن تضعه حتى تحت المراقبة؟” ويصرّح القاضي: “لا! فقد دفع ابني الجزاء كله. ولا يوجد سبب لأضعه تحت المراقبة.” ثم يلتفت القاضي إلى الشفيع ويقول: “يا بني، قلت إن هذا الشخص لك. ولهذا أطلقه ليكون تحت رعايتك. رُفِعتِ الجلسةُ!”
- فَلَنَا شَفِيعٌ عِنْدَ ٱلْآبِ، يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ ٱلْبَارُّ: ربما نعتقد أن خطيتنا تؤلِّب الله ضدنا. لكن محبة الله عظيمة جدًا، ومن خلالها دبّر لنا أن نتمكن من الوقوف في وجه برّه المقدس. فمن خلال يسوع، يمكن أن يصبح الله لنا (إلى جانبنا) حتى عندما نكون خطاة مذنبين.
- يلجأ أي محامٍ بشريٌّ للدفاع إلى الادعاء أن موكّله بريء. ولكن شفيعنا، يسوع المسيح، يعترف بمذنوبيتنا، ثم يلتمس لصالحنا بصفته ذاك الذي قدّم ذبيحة كفارية من أجل ذنبنا نحن الآثمين.
- يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ ٱلْبَارّ: يعني هذ أن يسوع مؤهل تمامًا ليعمل كشفيع لنا، لأنه كامل بلا خطية. فقد نجح في امتحان السماء ليعيَّن شفيعًا، وهو مؤهل ليمثّل موكليه في محكمة السماء.
- نحن نحتاج إلى يسوع كشفيع لنا لأن إبليس يتهمنا أمام الله (رؤيا يوحنا ١٠:١٢). وينبغي أن نميز بين اتهامات إبليس المُدينة لنا وبين التبكيت المُحبِ للروح القدس.
- وَهُوَ كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا: يعني هذا أن يسوع هو ذاك الذي يكفّر عن الخطايا وينزعها، وليس خطايانا نحن فقط، بَلْ لِخَطَايَا كُلِّ الْعَالَمِ أَيْضًا.
- كفّارة: تحمل الكفارة هنا فكرة تقديم تقدمة للآلهة لاسترضائها وتحويل غضبها عنا. وقد فكّر اليونانيون في هذا بمعنى أن الإنسان يرشو الآلهة لكي ترضى عنه. ولكن في الفكر المسيحي حول الكفارة، فإن الله نفسه يقدم نفسه (في يسوع المسيح)، وهنا يحوّل غضبه البار ضد خطيتنا.
- آلفورد (Alford) معلّقًا على كلمة ’كَفَّارَةٌ‘: “تتضمن هذه الفكرة أن المسيح، بصفته ذبيحة خطية لنا، قام بمصالحة الله معنا بموته الطوعي كذبيحة، وبهذا حوّل غضب الله البار علينا بعيدًا عنا.”
- لَيْسَ لِخَطَايَانَا فَقَطْ، بَلْ لِخَطَايَا كُلِّ ٱلْعَالَمِ أَيْضًا: رغم أن يسوع قدّم كفارته لكل العالم، إلا أن العالم كله ليس مخلَّصًا وليس في شركة مع الله. ويعود هذا إلى أن الكفارة لا تعادل الغفران. ويبيّن يوم الكفارة في العهد القديم (لاويين ٣٤:١٦) هذه الحقيقة. فعندما تمّ التكفير عن خطية كل إسرائيل كل سنة في يوم الكفارة، لم تخلُص إسرائيل كلها.
- تعلن كلمات “بَلْ لِخَطَايَا كُلِّ ٱلْعَالَمِ أَيْضًا” للبشر كلهم أن الله عالج مشكلة الخطية بكفارة يسوع المسيح. ولا يلزم أن تكون الخطية عائقًا بين الله والإنسان إذا قبِل الإنسان الكفارة التي قدّمها الله في يسوع.
- “إن سبب إدراج هذا التفصيل هنا أمر يقدمه لوثر (Luther) بشكل جيد: ’إنه إعلان براءةٍ لك لأنك جزء من كل العالم، لئلا يخدعك قلبك فتفكر: مات الرب من أجل بطرس وبولس، لا من أجلي.‘” آلفورد (Alford)
ج) الآيات (٣-٦): ثمر الشركة.
٣وَبِهذَا نَعْرِفُ أَنَّنَا قَدْ عَرَفْنَاهُ: إِنْ حَفِظْنَا وَصَايَاهُ. ٤مَنْ قَالَ: «قَدْ عَرَفْتُهُ» وَهُوَ لاَ يَحْفَظُ وَصَايَاهُ، فَهُوَ كَاذِبٌ وَلَيْسَ الْحَقُّ فِيهِ. ٥وَأَمَّا مَنْ حَفِظَ كَلِمَتَهُ، فَحَقًّا فِي هذَا قَدْ تَكَمَّلَتْ مَحَبَّةُ اللهِ. بِهذَا نَعْرِفُ أَنَّنَا فِيهِ: ٦مَنْ قَالَ: إِنَّهُ ثَابِتٌ فِيهِ يَنْبَغِي أَنَّهُ كَمَا سَلَكَ ذَاكَ هكَذَا يَسْلُكُ هُوَ أَيْضًا.
- وَبِهَذَا نَعْرِفُ أَنَّنَا قَدْ عَرَفْنَاهُ: إن الدليل على أن شخصًا ما يعرف الله وأن له شركة معه هو أنه يحفظ وصاياه. فالطاعة البسيطة المُحِبة هي النتيجة الطبيعية للشركة مع الله.
- لدينا شفيع مُنْعِم رقيق في السماء. ولدينا دعوة مفتوحة إلى الاسترداد من خلاله. غير أن هذه الأمور لا تجعل الشخص المجدَّد مهمِلًا حول وصايا الله. فالله يغيّر القلب عند التجديد ويكتب ناموسه على قلوبنا.
- “إن الذين يعتقدون أن نعمة الله، عندما يُكرز بها بشكل وافٍ ومنصف وواضح، ستؤدي بالبشر إلى الخطية، هم لا يعرفون ما يقولونه ولا ما يقررونه… فهل أُبغض الله لأنه لطيف معي؟ هل ألعنه لأنه يباركني؟ أنا أجرؤ على الادعاء أن أشخاصًا قليلين جدًّا يمكن أن يفكروا هكذا.” سبيرجن (Spurgeon)
- فَهُوَ كَاذِبٌ وَلَيْسَ ٱلْحَقُّ فِيهِ: هذه الحقيقة مؤكدة جدًا. فمن لا يحيا حياة متسمة بالطاعة، فإنه يمكن لنا أن نتحدى بإنصاف ادعاءه بأن له شركة مع الله (معرفة اختبارية).
- قَدْ عَرَفْتُهُ: “لكن ميّز بين معرفة المسيح والمعرفة عنه. إذ يمكننا أن نعرف الكثير عن أشخاص عِظام كثيرين، مع أننا لا نعرفهم. ولن تخلص نفس بمعرفتها عن المسيح. فالمعرفة المخلِّصةُ الوحيدة هي أن تعرفه، نفس ذاته، وأن تثق به، ذاك المخلّص الحي الجالس الآن عن يمين الآب.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَأَمَّا مَنْ حَفِظَ كَلِمَتَهُ، فَحَقًّا فِي هَذَا قَدْ تَكَمَّلَتْ مَحَبَّةُ ٱللهِ: يربط يوحنا أيضًا طاعتنا ومحبتنا لله. فالمحبة المكمَّلة (أي الناضجة) لله تُظهر نفسها في الطاعة. ويعطينا وجود هذه الطاعة توكيدًا أننا في يسوع (بِهَذَا نَعْرِفُ أَنَّنَا فِيهِ).
- عندما يؤمن شخص بالمسيح نلاحظ أن علاقته بالخطية تغيرت. فالخطية لا تتلاشى في المؤمن إلا عندما يأتي إلى المجد، لكن علاقته بالخطية تتغير عندما يصبح مؤمنًا بالمسيح حقًّا.
- لا يعود المؤمن يحب الخطية كما أحبها في الماضي.
- لا يعود المؤمن يتفاخر بخطيته كما كان يفعل في الماضي.
- لا يعود المؤمن يخطط للخطية كما كان يفعل في الماضي.
- لا يعود المؤمن يتذكر خطاياه بشغف كما كان يفعل في الماضي.
- لا يعود المؤمن يتمتع بخطاياه كما كان يفعل في الماضي.
- لا يعود المؤمن مرتاحًا إلى خطاياه كما كان في الماضي.
- “لا يعود المؤمن يحب الخطية. بل تصبح موضوع رُعبه الأشدّ. ولا يعود ينظر إليها كمجرد أمر تافه يعبث به أو أمر يتحدث عنه بلا مبالاة. فالخطية تُكبح في قلب المؤمن مع أنها لا تُطرد منه. وقد تدخل الخطية القلب وتقاتل من أجل فرض الهيمنة، لكنها لا تتربع على العرش.” سبيرجن (Spurgeon)
- عندما يؤمن شخص بالمسيح نلاحظ أن علاقته بالخطية تغيرت. فالخطية لا تتلاشى في المؤمن إلا عندما يأتي إلى المجد، لكن علاقته بالخطية تتغير عندما يصبح مؤمنًا بالمسيح حقًّا.
- مَنْ قَالَ: إِنَّهُ ثَابِتٌ فِيهِ يَنْبَغِي أَنَّهُ كَمَا سَلَكَ ذَاكَ هَكَذَا يَسْلُكُ هُوَ أَيْضًا: تصل الفكرة إلى دائرة كاملة. فعندما نثبت (نسكن) في يسوع، فإننا نسلك كَمَا سَلَكَ ذَاكَ، أي أن نحيا حياة طاعة ومحبة. وعندما نريد أن نسلك كَمَا سَلَكَ ذَاكَ، ينبغي أن نبدأ بالثبات (بالسكنى) فيه.
- أَنَّهُ كَمَا سَلَكَ ذَاكَ هكَذَا يَسْلُكُ هُوَ أَيْضًا: نحن غير مدعوين إلى أن نقلد الطريقة التي مشى بها يسوع على الماء، بل أن نقلد سلوكه اليومي مع الله الآب. لقد نبعَ الدليل الروحي القوي في حياة يسوع من حياة شركة وطاعة أمينة ومنتظمة ومنضبطة.
- “الفكرة هنا هي أن من يعرف الله سيحيا حياة بارّة على نحو متزايد، لأن الله بار. ولا يعني أنه سيكون بلا خطية. فقد سبق أن بيّن يوحنا أن من يدعي أنه بلا خطية كاذب. ولكن هذا يعني أنه سيتحرك في اتجاه متسم ببرّ الله. فإذا لم يفعل ذلك، وإذا لم يكن غير راضٍ وغير محزون على نحو متزايد بسبب الخطية، فإنه ليس ابنًا لله.” بويس (Boice)
د ) الآيات (٧-١١): الضرورية المطلقة للمحبة
٧أَيُّهَا الإِخْوَةُ، لَسْتُ أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ وَصِيَّةً جَدِيدَةً، بَلْ وَصِيَّةً قَدِيمَةً كَانَتْ عِنْدَكُمْ مِنَ الْبَدْءِ. الْوَصِيَّةُ الْقَدِيمَةُ هِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي سَمِعْتُمُوهَا مِنَ الْبَدْءِ. ٨أَيْضًا وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ، مَا هُوَ حَقٌ فِيهِ وَفِيكُمْ: أَنَّ الظُّلْمَةَ قَدْ مَضَتْ، وَالنُّورَ الْحَقِيقِيَّ الآنَ يُضِيءُ. ٩مَنْ قَالَ: إِنَّهُ فِي النُّورِ وَهُوَ يُبْغِضُ أَخَاهُ، فَهُوَ إِلَى الآنَ فِي الظُّلْمَةِ. ١٠مَنْ يُحِبُّ أَخَاهُ يَثْبُتُ فِي النُّورِ وَلَيْسَ فِيهِ عَثْرَةٌ. ١١وَأَمَّا مَنْ يُبْغِضُ أَخَاهُ فَهُوَ فِي الظُّلْمَةِ، وَفِي الظُّلْمَةِ يَسْلُكُ، وَلاَ يَعْلَمُ أَيْنَ يَمْضِي، لأَنَّ الظُّلْمَةَ أَعْمَتْ عَيْنَيْهِ.
- أَيُّهَا ٱلْإِخْوَةُ، لَسْتُ أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ وَصِيَّةً جَدِيدَةً… وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ: كانت الوصية التي كتب عنها يوحنا في الوقت نفسه قَدِيمَة (بمعنى أنه كُرزَ بها للإخوة طوال حياتهم المسيحية)، وجَدِيدَة (بمعنى أنها دُعيت الوصية الجديدة من قِبل يسوع في يوحنا ٣٤:١٣).
- كانت الوصية الجديدة حول المحبة التي تحدّث يسوع عنها في يوحنا ٣٤:١٣ جديدة حقًا لعدة أسباب. ومن أهم الأسباب أن يسوع أظهر نوعًا من المحبة لم يره أحد من قبل، محبة ينبغي لنا أن نتمثّل بها.
- يؤشر الصليب على أربعة اتجاهات ليبيّن أن محبة يسوع:
- واسعة بما يكفي لتشمل كل كائن بشري.
- طويلة بما يكفي لتدوم على مدى الأبدية.
- عميقة بما يكفي لتصل إلى أكثر الخطاة ذنبًا.
- عالية بما يكفي لتأخذنا إلى السماء.
- هذه محبة جديدة، محبة لم يسبق للعالم أن يراها حقًا قبل عمل يسوع على الصليب.
- أَنَّ ٱلظُّلْمَةَ قَدْ مَضَتْ، وَٱلنُّورَ ٱلْحَقِيقِيَّ ٱلْآنَ يُضِيءُ: الوصية الجديدة حول المحبة ضرورية بسبب الظلمة التي تسَمُ البشرية، ولاسيما الأمم. كان هذا قبل أن جاء ٱلنُّورَ ٱلْحَقِيقِيَّ لينير عمل يسوع المكتمل.
- مَنْ قَالَ: إِنَّهُ فِي ٱلنُّورِ وَهُوَ يُبْغِضُ أَخَاهُ، فَهُوَ إِلَى ٱلْآنَ فِي ٱلظُّلْمَةِ: سبق أن تفَحَّصَنا يوحنا في هذا الإصحاح وفق المعيار الأخلاقي لسلوكنا مع الله. وسيتفحَّصنا لاحقًا وفق العقيدة كمعيار لسلوكنا مع الله. وهو الآن يتفحّصنا وفق محبتنا للمؤمنين الآخرين كمعيار لسلوكنا مع الله.
- كما أن علاقتنا بالخطية وطاعتنا معيار لسلوكنا مع الله، كذلك فإن محبتنا لشعب الله معيار لذلك السلوك. فإن قلنا إننا فِي ٱلنُّورِ بينما نبغض أخانا، عندئذٍ يكون ادعاؤنا أن لدينا شركة مع الله الذي هو نور (يوحنا الأولى ٥:١) ادعاء أجوف. وأما الذي يحب أخاه فإنه يبيّن بهذا أنه يَثْبُتُ فِي النُّورِ وليس فيه عثرة.
- “يبدو واضحًا أن التعبير هنا ليس نفس كلمة “قريبه،” حيث إن القديس يوحنا يكتب إلى مؤمنين بالمسيح ويتعامل معهم في سياق شركة بعضهم مع بعض.” آلفورد (Alford)
- قد يكون سهلًا أحيانًا أن نفكر: “سيكون اتِّباع المسيح سهلًا لولا وجود كل هؤلاء المؤمنين بالمسيح!” فيعيش مؤمنون كثيرون جدًّا كجرحى ومشلولين بسبب الندوب التي تَسبَّبَ فيها مؤمنون آخرون. ولكن هذا المعيار يظل قائمًا. فإن كنا لا نقدر أن يحب بعضنا بعضًا، فمن المستحيل أن ندعي أن لدينا محبة حقيقة لله. إذ يمكن أن تقاس علاقتنا بالله بمحبتنا للمؤمنين الآخرين بالمسيح.
- فمن جهة، فإن الله رحيم في مطالبته بهذا الأمر، لأننا نقاس بكيفية محبتنا للمؤمنين الآخرين، لا لغير المؤمنين. ومن جهة أخرى، يعطينا الله مقياسًا صعبًا جدًّا، لأننا في الغالب نتوقع – وربما يكون هذا بحق – أكثر بكثير من أصدقائنا وزملائنا المؤمنين بالمسيح.
- مَنْ قَالَ: إِنَّهُ فِي ٱلنُّورِ وَهُوَ يُبْغِضُ أَخَاهُ، فَهُوَ إِلَى ٱلْآنَ فِي ٱلظُّلْمَةِ: الفكرة واضحة. إذا فقدنا المحبة، فإننا نفقد كل شيء. فلا يبقى شيء. يمكنك أن تفعل كل الأشياء الصحيحة، وتؤمن بالأشياء الصحيحة، لكن إذا لم تحب المؤمنين الآخرين، فقد خسرت كل شيء. فكل الامتحانات الثلاثة المتعلقة بالأخلاق والعقيدة والمحبة تقوم معًا، مثل كرسي ذي ثلاثة أعمدة.
- من السهل جدًّا أن نضع “الخدمة” أو “كون المرء على صواب” فوق المحبة في جسد المسيح. ويتوجب علينا أن نقوم بالخدمة، ويتوجب أن نكون على صواب، لكن يتوجب علينا أن نفعل ذلك كله في محبة – إن لم يكن في أعمال أو إجراءات كاملة، عندئذٍ في اتِّباع لتوبة ملائمة.
- وَلَا يَعْلَمُ أَيْنَ يَمْضِي، لِأَنَّ ٱلظُّلْمَةَ أَعْمَتْ عَيْنَيْهِ: لأن يوحنا يعرف الأهمية التي وضعها يسوع على محبتنا بعضنا لبعض، فإنه يصل إلى حد القول إنه إذا أبغضنا أخانا، فإننا نسلك في الظلمة، وأننا غير قادرين على الرؤية – فقد أُصِبنا بالعمى.
- تذكَّرْ أن البغض يمكن أن يعبَّر عنه باللامبالاة. وأما المحبة الحقيقية تظهر نفسها في الاهتمام بعضنا ببعض.
- يمكننا أن نتيقن من أن يوحنا نفسه عاش نوع حياة المحبة هذه، لكنه لم يكن كذلك دائمًا في الماضي. فقد تعلّم يوحنا المحبة عند هذه النقطة، لأنه كان معروفًا في الماضي بأنه “ابن الرعد.” وذات يوم أراد أن يستمطر من السماء نارًا على أشخاص رفضوا يسوع (لوقا ٥٤:٩).
ثانيًا. يوحنا يخاطب قرّاءه حسب درجة نضجهم الروحي
أ ) الآية (١٢): أَيُّهَا ٱلْأَوْلَادُ… قَدْ غُفِرَتْ لَكُمُ ٱلْخَطَايَا.
١٢أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، لأَنَّهُ قَدْ غُفِرَتْ لَكُمُ الْخَطَايَا مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ.
- أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا ٱلْأَوْلَادُ: يبدأ كل واحد منا حياته المسيحية كولد، كطفل صغير. وعندما نكون في هذه المرحلة، فإنه يكفي لنا أن نعرف وأن نذهل لغفران خطايانا وما كلّف الله لكي يغفر لنا بالكامل في يسوع المسيح.
- لِأَنَّهُ قَدْ غُفِرَتْ لَكُمُ ٱلْخَطَايَا مِنْ أَجْلِ ٱسْمِهِ: هذا أمر ينبغي أن نبتهج له. فإذا لم نبتهج له، فلا بد أن هنالك مشكلة ما. فعلى الأرجح أننا لا ندرك مدى سوء خطايانا وعظمة غفرانه. وعندما نرى عِظم خطيتنا، والتكلفة الباهظة للحصول على الغفران، يتملّكنا العرفان بالجميل على غفراننا.
- أَيُّهَا ٱلْأَوْلَادُ: هذا الغفران هو الفرح المتميز لأولاد الله، لأن غفران الله لا يأتي على درجات. فحتى أصغر مؤمن مغفور له بشكل تام. ولن يكون في حالة أكبر من الغفران أبدًا. والغفران هبة من الله وليس إنجازًا بشريًّا.
- لاحظ بعناية: غُفِرَتْ لَكُمُ ٱلْخَطَايَا مِنْ أَجْلِ ٱسْمِهِ. فأسباب الغفران ليست فينا، بل في الله.
ب) الآية (١٣أ): ٱلْآبَاءُ الذين اختبروا معرفة يسوع المسيح.
١٣أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا ٱلْآبَاءُ، لِأَنَّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمُ ٱلَّذِي مِنَ ٱلْبَدْءِ.
- أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا ٱلْآبَاءُ: فكما أن من المؤكد أنه يوجد أولاد، فكذلك يوجد آباء. وهؤلاء رجال ونساء لهم مكانة روحية طويلة الأمد، ولديهم نوع من السلوك مع الله لا يأتي بين ليلة وضحاها. فهم مثل أشجار البلوط العظيمة في الرب التي نمت وكبرت وتقوّت عبر السنوات.
- قَدْ عَرَفْتُمُ ٱلَّذِي مِنَ ٱلْبَدْءِ: هذه هي الجذور التي يضرب فيها النضج الروحي. ولا يتعلق هذا الأمر بالمعرفة الذهنية (مع أنها جزء منه)، بل يتعلق أكثر بعمق الشركة والعلاقة بالرب. ولا يوجد بديل للسنوات الطويلة من العلاقة الاختبارية بيسوع.
ج ) الآية (١٣ب): ٱلْأَحْدَاثُ (الشباب) الذين عرفوا الانتصار الروحي.
١٣… أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا ٱلْأَحْدَاثُ، لِأَنَّكُمْ قَدْ غَلَبْتُمُ ٱلشِّرِّيرَ.
- أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا ٱلْأَحْدَاثُ: بقدر ما يوجد أولاد وآباء، فإن هنالك شبابًا (ٱلْأَحْدَاث). فهولاء رجال ونساء ما عادوا أطفالًا، لكنهم لم يصبحوا آباء. إنهم خط الجبهة لعمل الله بين شعبه.
- “إن السمة الملائمة للأحداث هي أن ينفّذوا الأجزاء النشطة للحياة. وهم كجنود ينخرطون في كل خدمة نشطة.” آلفورد (Alford)
- لِأَنَّكُمْ قَدْ غَلَبْتُمُ ٱلشِّرِّيرَ: إنهم منخرطون في المعركة مع الشرير. فنحن لا نرسل أولادًا إلى الحرب. ولا نرسل شيوخًا إلى الخطوط الأمامية. إذ يتوقع من ٱلْأَحْدَاثُ (الشباب) أن يتكفلوا بأعظم جهد وأعظم تكلفة وأعظم قوة.
- ولهذا السبب، سعى كثيرون إلى أن يبقوا في حالة طفولة روحية قدر الإمكان. وهذا خطأ. إنه مثل شخص تَهَرَّب من الخدمة العسكرية الإلزامية أو مثل متشرد متسول. لا نتوقع من الأولاد أن يقاتلوا في الحروب، بل أن يعولهم ويدعمهم الكبار، لكننا نتوقع من الشباب ذلك.
- غَلَبْتُمُ ٱلشِّرِّيرَ: لقد غلب هؤلاء الأحداث الأعداء الروحيين الذين يسعون إلى تدمير حياتهم الروحية. وهم يعرفون ما معنى محاربة إبليس وأجناده كشركاء مع الله.
د ) الآية (١٣ج): ٱلْأَوْلَادُ الذين عرفوا الآب.
١٣… أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا ٱلْأَوْلَادُ، لِأَنَّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمُ ٱلْآبَ.
- لِأَنَّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمُ ٱلْآبَ: في هذه المرحلة الأولى من النمو الروحي، فإننا نغرس جذورنا عميقًا في محبة الآب ورعاية الله واهتمامه. ونحن نعرفه بصفته أبانا المهتم بأمرنا، وننظر إلى أنفسنا كأبنائه المتكلين عليه.
- “ألا تفتخرون به؟ عندما يبدأ الأطفال الصغار بالتكلم والذهاب إلى المدرسة… يا لمدى افتخارهم بأبيهم! فأبوهم هو أعظم إنسان جاء إلى الأرض في نظرهم. فلم يكن له نظير. ويمكنك أن تحدثهم عن رجال دولة عِظام أو محاربين عِظام أو أمراء عِظام، لكن ليس هؤلاء كلهم شيئًا. فأبوهم يملأ أفق كيانهم. ومن المؤكد أن هذا ينطبق على أبينا السماوي أيضًا.” سبيرجن (Spurgeon)
- أَيُّهَا ٱلْأَوْلَادُ: يستخدم يوحنا كلمتين مختلفتين للإشارة إلى ٱلْأَوْلَادُ في الآيتين ١٢ و١٣. حيث يستخدم في الآية ١٢ كلمة تكْنِيا (teknia)، بينما يستخدم في الآية ١٣ كلمة بيديا (paidia)، وتؤكد كلمة ’تكنيا‘ علاقة الطفل في اعتماده على أبيه أو أمه، بينما تؤكد كلمة ’بيديا‘ عدم نضوج الطفل واحتياجه إلى التعليم والإرشاد.
هـ) الآية (١٤أ): ٱلْآبَاءُ، أي الذين لديهم معرفة اختبارية بيسوع المسيح.
١٤كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا ٱلْآبَاءُ، لِأَنَّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمُ ٱلَّذِي مِنَ ٱلْبَدْءِ.
- لِأَنَّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمُ ٱلَّذِي مِنَ ٱلْبَدْءِ: يبيّن تكرار هذه الفكرة من يوحنا ١٣:٢أ أنه ينبغي توكيدها. فالعلاقة بين يسوع المسيح وشعبه في هذه المرحلة من النمو الروحي صحيحة وعميقة في الوقت نفسه.
- كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ: ربما نفكر أحيانًا: “حسنًا، أليس هنالك ما هو أكثر؟ إنه أمر جيد أن يعرف هؤلاء ٱلْآبَاء يسوع. لكن ألا ينبغي أن يتجاوزوا ذلك؟ يذكّرنا هذا التكرار أنه لا يوجدُ حد لتجاوزه.
- كان بمقدور بولس في رسالته إلى مؤمني فيلبي أن يقول إن كل إنجازاته الروحية السابقة كانت نفاية بالمقارنة مع العظمة الفائقة لمعرفة يسوع. وقد عبّر عن هذه الفكرة بقوله “لكي أعرفه” في فيلبي ١٠:٣.
و ) الآية (١٤ب): ٱلْأَحْدَاثُ (الشباب) الأقوياء الذين يعرفون الانتصار الروحي.
١٤… كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا ٱلْأَحْدَاثُ،لِأَنَّكُمْ أَقْوِيَاءُ، وَكَلِمَةُ ٱللهِ ثَابِتَةٌ فِيكُمْ، وَقَدْ غَلَبْتُمُ ٱلشِّرِّيرَ.
- كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا ٱلْأَحْدَاثُ (الشباب): ومرة أخرى، فإن تكرار الفكرة يشير إلى توكيدها. فلم يغلب الشباب الشرير فحسب، لكنهم قاموا بذلك من خلال القوة التي يستمدونها من كَلِمَةُ ٱللهِ. فكلمة الله مصدرنا للقوة الروحية.
- هل تَعُدّ نفسك شابًا روحيًا؟ فهل أنت إذًا قوي؟ هل تستخدم قوتك لفائدة روحية ما؟ هل تستاء عندما يمتحن الله قوتك ويطورها؟
- وَكَلِمَةُ ٱللهِ ثَابِتَةٌ فِيكُمْ: عُرِف هؤلاء ٱلْأَحْدَاث الذين اكتسبوا مقدارًا من النضج الروحي بأن كلمة الله ثبتت فيهم، أي سكنت داخلهم. فاستوطنت كلمة الله نفسها قلوبهم.
ثالثًا. هجوم على علاقتنا بالله: الدنيوية
أ ) الآية (١٥): مشكلة الدنيوية
١٥لَا تُحِبُّوا ٱلْعَالَمَ وَلَا ٱلْأَشْيَاءَ ٱلَّتِي فِي ٱلْعَالَمِ. إِنْ أَحَبَّ أَحَدٌ ٱلْعَالَمَ فَلَيْسَتْ فِيهِ مَحَبَّةُ ٱلْآبِ.
- لَا تُحِبُّوا ٱلْعَالَمَ: أخبرنا يوحنا إذا سلكنا في ظلمة الخطية وزعمْنا أننا في شركة مع الله، فإننا نكذب (يوحنا الأولى ٦:١). والآن، يوضح يوحنا ناحية معينة من الخطية تهدد شركتنا مع الله على نحو خاص، وهي الدنيوية، أن محبة العالم (إِنْ أَحَبَّ أَحَدٌ ٱلْعَالَمَ).
- لَا تُحِبُّوا ٱلْعَالَمَ وَلَا ٱلْأَشْيَاءَ ٱلَّتِي فِي ٱلْعَالَمِ: لا يعني يوحنا بكلمة “ٱلْعَالَمِ” هنا الكرة الأرضية. ولا يعني الكتل البشرية التي يحبها الله (يوحنا ١٦:٣). إنه مجتمع البشرية الآثم والمتّحِد في تمرده على الله.
- يساعدنا أحد الأمثلة لفكرة هذا العالم على أن نفهم هذه النقطة. يتحدث سفر التكوين 11 عن مجتمع بشري متحد ضد الله عند برج بابل. إذ كان عند بابل قائد بشري مُعادٍ لله اسمه نمرود. وكان هنالك تمرد منظم على الله (في عصيان أمر التشتت في الأرض كلها.) وكان هنالك عدم ثقة مباشر بكلمة الله وبوعده، حيث بنوا برجًا (ولعله كان برجًا لمياهٍ آمنة للحماية من طوفان مستقبل من السماء).
- تظهر القصة الكاملة لبرج بابل حقيقة أساسية حول النظام العالمي. ويمكن أن يجعل تقدُّم العالم والتقنية والإدارة الحكومية والتنظيم الإنسان أفضل حالًا (من حيث الظروف)، لكن ليس أفضل. ولأننا نحب أن نكون أفضل حالًا، فإن من السهل أن نقع في حب العالم.
- وأخيرًا، تظهر قصة برج بابل أن النظام العالمي – رغم أنه مثير للإعجاب كما يبدو – لن يفوز على الله. فقد هزم الرب التمرد عند برج بابل بسهولة. فلن يقْوَى العالم أبدًا على الله.
- لَا تُحِبُّوا ٱلْعَالَمَ: أيْ لا ينبغي لنا أن نحب النظام العالمي أو طريقته في عمل الأشياء. فهنالك طريقة دنيوية معادية لله أو متجاهلة له في عمل الأشياء تَسَمُ المجتمع البشري، ومن السهل أن نحب العالم بهذا المعنى.
- لاحظ ما يريده العالم منّا: أن نحبه. ويعبَّر عن هذه المحبة بالوقت والاهتمام والتكلفة. وهو يشجعنا ويحاول أن يقنعنا بأن نعطي وقتنا واهتمامنا ومالنا لأشياء هذا العالم بدلًا من أن نعطيها لله.
- إذا أحببت العالم، فستكون هنالك مكافآت ستربحها. ربما تجد هيبة ومنزلة وشرفًا وراحة. فالنظام العالمي يعرف كيف يكافئ عاشقيه.
- وفي الوقت نفسه، فإن المكافآت التي تأتي من العالم – حتى في أفضل حالاتها – لا تدوم إلا دوامنا على هذه الأرض. وتكمن المشكلة في أنه رغم أننا نربح ما يقدمه العالم من هيبة ومنزلة وشرف وراحة، إلا أننا نخسر الهيبة والمنزلة والشرف والراحة السماوية.
- وَلَا ٱلْأَشْيَاءَ ٱلَّتِي فِي ٱلْعَالَمِ: ليس هذا تحذيرًا من محبة الجمال الطبيعي الذي خلقه الله (رغم أنه يتوجب علينا أن نحب الخالق بدلًا من الخليقة). لكنه تحذير من محبة الأشياء المادية التي تَسَمُ النظام العالمي.
- يشتري العالم محبتنا بالأشياء الرائعة التي يقدمها لنا. إذ يمكن للسيارات والبيوت والأجهزة الألكترونية الذكية والمنزلة التي تأتي معها أن تجعل قلوبنا ترتاح لهذا العالم وتنسجم معه.
- إِنْ أَحَبَّ أَحَدٌ ٱلْعَالَمَ فَلَيْسَتْ فِيهِ مَحَبَّةُ ٱلْآبِ: لا تنسجم محبة العالم مع محبة الآب. ولهذا، إذ ادعى أحد أنه يحب الله بينما هو يحب العالم، فإن هنالك عيبًا في ادعائه أنه يحب الله.
- تعامل المؤمنون بالمسيح عبر القرون مع الجاذبية المغناطيسية للعالم بطرق مختلفة. ففي وقت ما، كان يُعتقد أنه إذا كنت مؤمنًا مكرسًا للمسيح، وإذا أردت فعلًا أن تحب الله بدلًا من العالم، فستترك المجتمع البشري لتحيا كراهب في دير منعزل.
- يتضمن هذا النهج، والمناهج الأخرى التي تسعى إلى إخراجنا من العالم مشكلتين: الأولى هي أننا نجلب العالم إلى الدير. والمشكلة الأخرى هي أن يسوع قصد لنا أن نكون في العالم لا أن نكون من العالم. ونحن نرى هذا الأمر في صلاته من أجلنا في يوحنا ١٤:١٧-١٨.
ب) الآية (١٦): طبيعة هذا العالم
١٦لِأَنَّ كُلَّ مَا فِي ٱلْعَالَمِ: شَهْوَةَ ٱلْجَسَدِ، وَشَهْوَةَ ٱلْعُيُونِ، وَتَعَظُّمَ ٱلْمَعِيشَةِ، لَيْسَ مِنَ ٱلْآبِ بَلْ مِنَ ٱلْعَالَمِ.
- لِأَنَّ كُلَّ مَا فِي ٱلْعَالَمِ: تعبّر طبيعة العالم عن نفسها من خلال شَهْوَةِ ٱلْجَسَدِ، وَشَهْوَةِ ٱلْعُيُونِ، وَتَعَظُّمِ ٱلْمَعِيشَةِ. وتسعى هذه الشهوات إلى جذب جسدنا إلى الخطية والدنيوية.
- الفكرة وراء “تَعَظُّمِ ٱلْمَعِيشَةِ” هي أن شخصًا ما يعيش لإظهار تفوّقه على الآخرين، بشكل رئيسي بإثارة إعجابهم من خلال المظاهر الخارجية، حتى ولو كان ذلك بالخداع.
- لكي تحصل على فكرة حول الطريقة التي يعمل بها العالم، فكِّرْ في الإعلانات التجارية التي تتذكرها عادة أكثر من غيرها. يرجح أنها تتضمن احتكامًا قويًا إلى شَهْوَةِ ٱلْجَسَدِ أو شَهْوَةِ ٱلْعُيُونِ أو تَعَظُّمِ ٱلْمَعِيشَةِ. وتحتكم إعلانات ناجحة كثيرة إلى تلك الأمور الثلاثة.
- شَهْوَةَ ٱلْجَسَدِ، وَشَهْوَةَ ٱلْعُيُونِ، وَتَعَظُّمَ ٱلْمَعِيشَةِ: ربما خطر ببال يوحنا وهو يدرج أوجه العالم هذه أول مسعى إلى الدنيوية من حواء في جنة عدن (تكوين ٦:٣).
- في ما يتعلق بحواء في جنة عدن، يقال إنها أخذت من الثمرة المحرّمة عندما رأت “أن الشجرة جيدة للأكل.” وتخيلت مدى جودة مذاق الثمرة، وكيف أنها ستشبع جسدها. وهكذا انساقت وراء شَهْوَةَ ٱلْجَسَدِ.
- في ما يتعلق بحواء في جنة عدن، يقال إنها أخذت من الثمرة المحرّمة عندما رأت أن الثمرة “بهجةٌ للعيون.” فقد رأت مدى جمالها ومرغوبيّتها، وكيف أنها ستشبع جسدها. وهكذا انساقت وراء شَهْوَةَ ٱلْعُيُونِ.
- في ما يتعلق بحواء في جنة عدن، يقال إنها أخذت من الثمرة المحرّمة عندما اعتقدت أنها مرغوبة لتجعلها حكيمة. وأن الثمرة ستجعلها حكيمة إلى حد بعيد، وأن زوجها سيُعجب بها! وهكذا انساقت وراء شهوة تَعَظُّمِ ٱلْمَعِيشَةِ.
- لَيْسَ مِنَ ٱلْآبِ بَلْ مِنَ ٱلْعَالَمِ: يفسر لنا هذا السبب في أن شَهْوَةَ ٱلْجَسَدِ وَشَهْوَةَ ٱلْعُيُونِ وَتَعَظُّمَ ٱلْمَعِيشَةِ خطية رغم أنها تُشعرنا بالاكتفاء والرضا وتُشبع شيئًا فينا. فالله يعرف أن لدينا طبيعة جسدية واحتياجات جسمية نحس بالرضا عندما تُشبَع. ومع ذلك، فإنه ليس من طبيعة الله أن يؤثر فينا من خلال شَهْوَةِ ٱلْجَسَدِ.
- يعرف الله أن لدينا عيونًا، وأن المظهر مهم كثيرًا لنا. فقد صنع عالمًا جميلًا ليرضينا! لكن الله ينظر دائمًا إلى ما وراء المظهر الخارجي. وليس من طبيعة الله أن يؤثر فينا من خلال شَهْوَةِ ٱلْعُيُونِ.
- يعرف الله أن لدينا احتياجات عاطفية ونفسية إلى أن نكون مرغوبين ومطلوبين من الآخرين وأن ننجز أشياء. فقد خلقنا هكذا. لكن ليس من طبيعة الله أن يؤثر فينا من خلال شهوة تَعَظُّمِ ٱلْمَعِيشَةِ.
- لَيْسَ مِنَ ٱلْآبِ بَلْ مِنَ ٱلْعَالَمِ: في الغالب نادرًا ما نقدِّر مقدار هيمنة العالم على تفكيرنا والمرات الكثيرة التي تكون فيها أفكارنا مِنَ ٱلْعَالَمِ بدلًا مِنَ ٱلْآبِ.
- عادةً ما نعتقد أننا نفكر كتابيًّا أكثر مما نفعل في الواقع. وينبغي لنا أن نقيس بصرامة عاداتنا في التفكير لنرى إن كنا نتبع العالم أكثر مما نتبع أبانا الإلهي.
- فكِّرْ في معيارك للنجاح: هل هو دنيوي أم تقيّ؟ هل تَعُد الرسول بولس فاشلًا أم ناجحًا؟
- فكِّرْ في معيارك لِما يجعل شخصًا من الجنس الآخر جذابًا. هل هو معيار دنيوي أم تقيّ؟
- فكِّرْ في معيارك للروحانية: هل هو معيار دنيوي أم تقيّ؟ فهنالك روحانية دنيوية في العالم يعتنقها كثيرون.
- يبيّن هذا مدى احتياجنا إلى عدم مُشاكَلَتنا لهذا العالم، بل إلى التغيير بتجديد أذهاننا (رومية ٢:١٢).
- عادةً ما نعتقد أننا نفكر كتابيًّا أكثر مما نفعل في الواقع. وينبغي لنا أن نقيس بصرامة عاداتنا في التفكير لنرى إن كنا نتبع العالم أكثر مما نتبع أبانا الإلهي.
ج) الآية (١٧): حماقة الدنيوية
١٧وَٱلْعَالَمُ يَمْضِي وَشَهْوَتُهُ، وَأَمَّا ٱلَّذِي يَصْنَعُ مَشِيئَةَ ٱللهِ فَيَثْبُتُ إِلَى ٱلْأَبَدِ.
- وَٱلْعَالَمُ يَمْضِي: يبيّن هذا حماقة الدنيوية. فما نستثمره في ما لا يدوم لا يمكن أن يدوم لأن العالم زائل (ٱلْعَالَمُ يَمْضِي). فكما رأينا في مثل برج بابل، فإن العالم لا يتغلب على الله، مع أن بعض المظاهر تقول ذلك.
- ٱلْعَالَمُ يَمْضِي: ليست هذه صلاة أو أمنية أو رغبة تبدو روحية. ٱلْعَالَمُ يَمْضِي، ويتوجب علينا أن نحيا حياتنا ونفكر أفكارنا مدركين هذه الحقيقة.
- ٱلْعَالَمُ يَمْضِي: توضح هذا المبدأ بقوة في حياة لوط في سفر التكوين ١٣، ١٤و١٩. فقد ربط لوط نفسه بإنسان روحي حقًّا اسمه إبراهيم. غير أنه كان أنانيًّا واختار لنفسه ما بدا الأكثر خصبًا وربحًا، من دون اعتبار للتضمينات الروحية لِما كان يفعل. نجح ماليًّا، لكنه نصَبَ خيمته في اتجاه مدينة شريرة دنيوية، هي سدوم. وبعد فترة، كان يجلس عند أبواب المدينة كقادتها المدنيين. وكانت لديه مكانة وتأثير وثروة وراحة دنيوية. لكنها أُخذت كلها في لحظة عندما وقعت دينونة الله على سدوم وعمورة. وضع لوط كل بيضاته في السلة الخطأ فاحترقت بحقيقة أن ٱلْعَالَمَ يَمْضِي.
- كان الفراعنة القدامى يُدفنون في الأهرامات مع ثرواتهم من كل نوع، حيث اعتقدوا أنها ستكون ذات فائدة لهم في العالم الآتي. وفي نهاية الأمر، لم تكن ذات فائدة إلا للصوص القبور. فلم يتمكن الفراعنة من أن يوصلوا أيًّا من أشيائهم الدنيوية إلى العالم الآخر. ولا يستطيع أحد أن يعبر بوابات السماء بشاحنة ممتلئة بأشياء من هذا العالم. وإنه لصحيح أن ٱلْعَالَمَ يَمْضِي.
- ٱلَّذِي يَصْنَعُ مَشِيئَةَ ٱللهِ فَيَثْبُتُ إِلَى ٱلْأَبَدِ: يأتي هذا في مقابلة قوية مع العالم الزائل. ولأن بعض الأشياء هي أبدية، فمن الحكمة أن نستثمر حياتنا في شيء لا يمكن أن يهلك، وهو أن نصنع مَشِيئَةَ ٱللهِ.
- نحن في اتصال دائم بثلاثة أشياء أبدية: روح الله القدوس والناس الذين حولك والكلمات الأبدية المسجلة في الكتاب الذي تحمله. والوقت والانتباه والتكلفة التي تستثمرها فيها تعود عليك بمكافآت أبدية.
رابعًا. هجوم على علاقتنا بالله: الدين الزائف
أ ) الآيات (١٨-١٩): خطر الدين الزائف: روح ضد المسيح.
١٨أَيُّهَا الأَوْلاَدُ هِيَ السَّاعَةُ الأَخِيرَةُ. وَكَمَا سَمِعْتُمْ أَنَّ ضِدَّ الْمَسِيحِ يَأْتِي، قَدْ صَارَ الآنَ أَضْدَادٌ لِلْمَسِيحِ كَثِيرُونَ. مِنْ هُنَا نَعْلَمُ أَنَّهَا السَّاعَةُ الأَخِيرَةُ. ١٩مِنَّا خَرَجُوا، لكِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِنَّا، لأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا مِنَّا لَبَقُوا مَعَنَا. لكِنْ لِيُظْهَرُوا أَنَّهُمْ لَيْسُوا جَمِيعُهُمْ مِنَّا.
- أَيُّهَا ٱلْأَوْلَادُ، هِيَ ٱلسَّاعَةُ ٱلْأَخِيرَةُ: عاش يوحنا في توقُّع دائم لعودة المسيح، حيث عدَّ ذلك الوقت ٱلسَّاعَةُ ٱلْأَخِيرَةُ. وهذا تَوَقُّع ينبغي أن يكون لدينا جميعًا، عالمين أن عودة الرب يمكن أن تحدث في أية لحظة.
- في ضوء رؤيتنا لطبيعة أزمنتنا وما يقوله الكتاب المقدس عن الأزمنة الأخيرة، ينبغي أن نَعُد أننا في اللحظات القليلة الأخيرة.
- ضِدَّ ٱلْمَسِيحِ يَأْتِي (آتٍ): يشير يوحنا إلى فرد أسر خيال كثيرين، بما فيهم أولئك الذين لا يعرفون الكتاب المقدس. ويجهل كثيرون عن هذا الشخص الذي يدعى ضِدَّ ٱلْمَسِيحِ، باستثناء ما تعلموه من بعض الأفلام.
- إنه أمر مهم أن نفهم اسم ضِدِّ ٱلْمَسِيحِ. فكلمة ’ضد‘ تعني ’النقيض‘ أو ’بدلًأ من.‘ ضِدِّ ٱلْمَسِيحِ هو نقيض المسيح؛ إنه بديل للمسيح أو مكانه.
- ركّز معظم الناس على فكرة “نقيض (عكس) يسوع.” فأدّى ذلك بهم إلى التفكير أنه سيظهر كشخص شرير للغاية. ويعتقدون أنه بقدر ما كان يسوع يجول فاعلًا الخير حتى مداه، فإن ضد المسيح سيجول فاعلًا الشر حتى مداه. وبقدر ما كانت طبيعة يسوع الأخلاقية وشخصيته جميلتين جذابتين، ستكون طبيعة ضد المسيح وشخصيته بشعتين ومنفّرتين. وبقدر ما كان يسوع لا يقول إلا الحق، فإن ضد المسيح لن يقول إلا الكذب. ويغالي هذا في توكيد فكرة “نقيض يسوع.” ولكن ضد المسيح سيكون “بدلًا من يسوع.” وسيبدو رائعًا وجذابًا وناجحًا. سيكون الرابح المثالي، وسيظهر كملاك نور.
- تساءل بعضهم إن كان ضِدُّ ٱلْمَسِيحِ سيكون فردًا أم نظامًا سياسيًّا. وهذا في واقع الأمر تمييز غير مهم جدًا، لأنه سيكون فردًا ونظامًا سياسيًا في الوقت نفسه. فإلى حد كبير، يمثّل ويشخّص الإنسان إدارة أو نظامًا كاملًا. فعندما نفكر في ألمانيا في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين، فإن صورة هتلر كفرد هي نفس صورة ألمانيا النازية كدولة عمليًّا. وضد المسيح فرد، لكنه سيرتبط أيضًا بإدارة حكومية قوية.
- أَنَّ ضِدَّ ٱلْمَسِيحِ يَأْتِي، قَدْ صَارَ ٱلْآنَ أَضْدَادٌ لِلْمَسِيحِ كَثِيرُونَ: يوجد هنا تمييز بين ضدّ المسيح وأَضْدَادٍ لِلْمَسِيحِ. فهنالك “روح” ضد المسيح، وهذه الروح ستجد تحقيقها النهائي في شخص ضِدِّ ٱلْمَسِيحِ الذي سيقود البشرية إلى تمرد على الله في نهاية الأزمنة.
- وبعبارة أخرى، رغم أن العالم ينتظر الإعلان النهائي لضدّ المسيح، إلا أنه توجد “معاينات” صغيرة لهذا الرجل ومهمته القادمة. فهنالك أشخاص غير محددين يمثلون جوانب من ضِدِّ ٱلْمَسِيحِ وروحه، ولهذا هم أَضْدَادٌ لِلْمَسِيحِ، لكنه سيأتي ضِدُّ ٱلْمَسِيحِ، وهو شخص محدد.
- مِنْ هُنَا نَعْلَمُ أَنَّهَا ٱلسَّاعَةُ ٱلْأَخِيرَةُ: يشير هذا إلى أن يوحنا توقّع أن يأتي أَضْدَادٌ لِلْمَسِيحِ كَثِيرُونَ يقدمون بديلًا زائفًا للمسيح، وهذا دليل على اقتراب الساعة قبل مجيء يسوع. ويكتب يوحنا أن هذا صحَّ في زمنه، ولكن يمكننا أن نقول إنه أكثر صحة في زمننا.
- “لا يرد تعبير ’ضد المسيح‘ في الكتاب المقدس إلا في رسائل يوحنا، ولا يرد إلا خمس مرات في أربع آيات (يوحنا الأولى ١٨:٢، ٢٢، ٣:٤، يوحنا الثانية ٧). ورغم أن هذا التعبير لا يرد كثيرًا، إلا أن فكرة ضد المسيح تتكرر كثيرًا، وهي فكرة مهمة.” بويس (Boice)
- يشار إلى ضد المسيح بألقاب كثيرة:
- إنه القرن الصغير في دانيال ٨:٧.
- إنه الملك ذو الوجه الجافي في دانيال ٢٣:٨.
- إنه الرئيس الآتي في دانيال ٢٦:٩.
- إنه الملك ذو الإرادة القوية في دانيال ٣٦:١١-٤٥.
- إنه ذاك الذي يأتي باسمه في يوحنا ٤٣:٥.
- إنه ابن الهلاك وإنسان الخطية والآثم في تسالونيكي الثانية ٣:٢ و ٨:٢.
- ضِدُّ ٱلْمَسِيحِ بشكل أساسي دكتاتور عالمي يقود البشرية إلى ما يبدو عصرًا ذهبيًّا، إلى أن يري العالم لونه الحقيقي. وستُصَب دينونة الله عليه وعلى مملكته قبيل عودة يسوع مباشرة.
- لنلاحظ أن المسرح العالمي مهيّأ لظهور إنسان خارق من الناحيتين السياسية والاقتصادية. ويُتوقع أن يأتي قائد سياسي واحد لينظم كونفدرالية تهيمن على العالم كله. ويتحدث القادة الوطنيون عن نظام عالمي مع أن أحدًا منهم غير قادر على تعريفه أو تحديده، فما بالك أن يكونوا قادرين على أن يقودوه! غير أن هذا القائد آتٍ.
- سيحاط ضد المسيح هذا بنوع من العبادة الخارجة عن الكتاب المقدس، والتي صرنا مكيَّفين اليوم لقبولها. فنحن لا نمارس عبادة مريضة للمشاهير في أمريكا فحسب، لكن في جميع أنحاء العالم. وقد تمّ حثّ شعوب من مئات الملايين على عبادة شخص، مثل ستالين ولينين وماو. ويبيّن هذا لنا كيف أن عبادة شخص تصبح قوية عندما تدعمها الحكومة. ويفترض في كل هذه التطورات أن تجعلنا نفهم أن ضِدَّ ٱلْمَسِيحِ مستعد ليعلَن في اللحظة الملائمة.
- مِنَّا خَرَجُوا: يبيّن هذا أن كثيرين من أضداد المسيح ربطوا أنفسهم في وقت أو آخر بالمجتمعات المسيحية. ويبيّن خروجهم من جسد المسيح أنهم لم يكونوا جَمِيعُهُمْ مِنَّا أصلًا.
- لم يكن يوحنا يتحدث عن شخص يترك كنيسة لينضم إلى كنيسة أخرى جيدة. بل قصد أنهم تركوا مجتمع شعب الله كليًّا. ويبيّن هذا أنهم لم يكونوا من شعب الله أصلًا.
- يمكننا أن نتخيل المشهد: هنالك خلاف بين الشعب في كنيسة ما، فيستجيب أحدهم قائلًا: “لقد مللت من هذا كله. هذه الكنيسة والكنائس الأخرى كلها منافقة. لا أحتاج إلى أيٍّ من هذا. يمكنني أن أتبع الله حسب طريقتي.” ويغادرون لا كنيسة معينة فحسب، بل يغادرون كل كنيسة من كل نوع. ويمكننا أن نقول بإنصاف أن هذا الشخص لا يبدو مؤمنًا بالمسيح، ويبدو مظهره أنه لم يكن مؤمنًا بالمسيح حقًّا قط. والله هو الوحيد القادر أن يعرف القلب على وجه يقيني. لكن المظاهر تدل على أنهم آمنوا بالكنيسة أو بأنفسهم، ولم يضعوا إيمانهم وثقتهم في يسوع المسيح. ولو كانوا كذلك، لكانت الأرضية المشتركة بينهم وبين مؤمنين آخرين، أي الثقة بيسوع، أعظم من أية صعوبة أخرى يمكن أن يواجهوها معهم.
- يتوجب على المرء أن يتوخّى الحذر مع أشخاص “روحيين” جدًّا حتى إنهم لا يستطيعون أن ينسجموا مع أية كنيسة. ويرى المرء هؤلاء من وقت إلى آخر: أشخاصًا يبدو أنهم موهوبون جدًّا أو نَبَويّون جدًّا أو روحيون جدًّا حتى إنهم يُطردون أو يغادرون بانزعاج شديد من كل كنيسة يذهبون إليها. وأخيرًا، يُتركون لأنفسهم. ويبدو أنهم سعداء بما يكفي بذلك. والشركة مع أنفسهم هي على الأقل شركة مع شخص آخر روحيٍّ على شاكلتهم! وبطبيعة الحال، فإن هنالك مشكلة كبيرة جدًّا في مثل هذه الروحانية المزعومة.
- “لعل معظم أعضاء الكنيسة المرئية هم أعضاء الكنيسة غير المرئية، الجسد السري للمسيح، لكن بعضهم ليسوا كذلك. إنهم معنا لكنهم لا ينتمون إلينا فعلًا. يشاركوننا صحبتنا الأرضية لا ميلادنا السماوي.” ستوت (Stott)
- إن الحقيقة المُصَحِّية هي أن كثيرين من الذين يقدمون يسوع زائفًا أو مقاوِمًا جاءوا من جسد المؤمنين الحقيقي.
- مِنَّا خَرَجُوا… لِيُظْهَرُوا أَنَّهُمْ لَيْسُوا جَمِيعُهُمْ مِنَّا: تستطيع أية كنيسة صحية أن تطهر نفسها من السموم. فالمؤمن المساوم والزائف لن يحس بالراحة عندما يستقر في كنيسة صحية – فإما أن يصحح علاقته بالله أو يغادر.
ب) الآيات (٢٠-٢٣): تمييز روح ضد المسيح.
٢٠وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَكُمْ مَسْحَةٌ مِنَ الْقُدُّوسِ وَتَعْلَمُونَ كُلَّ شَيْءٍ. ٢١لَمْ أَكْتُبْ إِلَيْكُمْ لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ الْحَقَّ، بَلْ لأَنَّكُمْ تَعْلَمُونَهُ، وَأَنَّ كُلَّ كَذِبٍ لَيْسَ مِنَ الْحَقِّ. ٢٢مَنْ هُوَ الْكَذَّابُ، إِلاَّ الَّذِي يُنْكِرُ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ؟ هذَا هُوَ ضِدُّ الْمَسِيحِ، الَّذِي يُنْكِرُ الآبَ وَالابْنَ. ٢٣كُلُّ مَنْ يُنْكِرُ الابْنَ لَيْسَ لَهُ الآبُ أَيْضًا، وَمَنْ يَعْتَرِفُ بِالابْنِ فَلَهُ الآبُ أَيْضًا.
- لَكُمْ مَسْحَةٌ: يتحدث يوحنا عن مسحة مشتركة تخص المؤمنين كلهم. وهذه مسحة تجعل التمييز ممكنًا للذين يطلبون الرب ويعلمون كلَّ شيء (وَتَعْلَمُونَ كُلَّ شَيْءٍ).
- عندما يتحدث العهد الجديد عن المسحة، فإنه يتحدث عن شيء يمتلكه جميع المؤمنين. وهذا أمر صحيح حتى عندما لا يسلك كل المؤمنين في المسحة التي أعطاهم الله إياها. ولا يتحدث العهد الجديد عن مسحة “خاصة” تعطى لأفراد معينين.
- هنالك نهج سحري أو خرافي بين بعض الكنائس اليوم في تناولهم لفكرة المسحة. إذ يعتقدون أن المسحة مثل فيروس أو جرثومة يمكن أن تنتشر بالاتصال العرَضي أو أن تعدي مجموعة كاملة. وعادة ما يعتقد هؤلاء أنه عندما يصاب المرء بعدوى المسحة، فإنك تستطيع أن تميّز ذلك لأنهم يبدؤون بشكل غريب. ولكن ليست هذه هي الفكرة الكتابية للمسحة.
- تتضمن فكرة المسحة الامتلاء بالروح القدس والمبارَكة منه. وهذه ملكية مشتركة لكل المؤمنين. وهذا شيء يمكن وينبغي لنا أن نكون أكثر تجاوبًا معه. “كان الزيت يستخدم بين الأسويين عند تقلُّد مناصب مهمة. وكان معروفًا أن الزيت كان رمزًا لمواهب الروح القدس ونِعَمه، والذي من دونه لا يمكن أن تمارَس واجبات ذلك المنصب. وهكذا كان يرمز للروح القدس نفسه الذي سكن الكنيسة، والذي تتدفق منه كل المواهب والعطايا.” كلارك (Clarke)
- قيل إن فكرة المسحة (وهي حرفيًا المباركة بالزيت) كانت وراء العقاب الذي تعرض يوحنا له في زمن الاضطهاد. وضع الإمبراطور الروماني دومتيان يوحنا في برميل من الزيت المغلي كما لو أنه كان يقول إن “هذه هي المسحة الحقيقية.” وخرج يوحنا من برميل الزيت المغليّ من دون أذى، لأنه كان ممسوحًا بالفعل.
- وَتَعْلَمُونَ كُلَّ شَيْءٍ: بسبب المسحة التي أُعطيتْ لكل المؤمنين، فإنهم يمتلكون الموارد لمعرفة الحق. ولا يعني هذا أن المعلمين غير ضروريين، لأن أحد الموارد لمعرفة الحق هو التذكير المعطى من معلمين مثل يوحنا.
- استخدم يوحنا في الآية 20 كلمة مختلفة بمعنى “يعرف” عن الكلمة التي استخدمها في معظم المرات. فقد استخدمها من قبل بمعنى المعرفة الاختبارية، بينما يستخدمها هنا بمعنى المعرفة حسب الحدس. فنحن نعرف بعض الأشياء عن طريق الحدس بمسحة الروح القدس.
- مَنْ هُوَ ٱلْكَذَّابُ، إِلَّا ٱلَّذِي يُنْكِرُ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ؟ يوضح السياق أن توكيد فكرة أَنَّ يَسُوعَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ مرتبط بما هو أكثر من مجرد القول إنه المسيّا. فهو مرتبط بفهم علاقة يسوع بالله الآب: هَذَا هُوَ ضِدُّ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي يُنْكِرُ ٱلْآبَ وَٱلِٱبْنَ. وبعبارة أخرى، يمكن لأحدهم أن يقول: “أنا أومن بأن يسوع هو المسيح… حسب تعريفي لمفهوم “المسيح.” ولكن يتوجب علينا أن نؤمن أن يسوع هو المسيح، المسيّا، كما يعرّف الكتاب المقدس”ٱلْمَسِيحُ” – الذي هو كامل الألوهة وكامل الناسوت، والذي أعلن الآب لنا.
- هَذَا هُوَ ضِدُّ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي يُنْكِرُ ٱلْآبَ وَٱلِٱبْنَ: يتسم روح ضد المسيح بإنكار يسوع وإنكار الآب، متذكرين أنه يمكن إنكار يسوع والآب حتى من قبل أشخاص يبدو أنهم يمتدحون الاثنين.
- يمكننا أن ننكر يسوع بينما نمدحه بكلامنا. ويمكننا أن ننكره بتقديم يسوع بديل أو بالخدمة بطريقة تنكر المعدن الأخلاقي ليسوع.
- كُلُّ مَنْ يُنْكِرُ ٱلِٱبْنَ لَيْسَ لَهُ ٱلْآبُ أَيْضًا: كرر يوحنا هنا فكرة عبّر عنها يسوع كما هي مدوّنة في الإنجيل حسب يوحنا. قال يسوع: “ٱلَّذِي يُؤْمِنُ بِي، لَيْسَ يُؤْمِنُ بِي بَلْ بِالَّذِي أَرْسَلَنِي. وَٱلَّذِي يَرَانِي يَرَى ٱلَّذِي أَرْسَلَنِي.” (يوحنا ٤٤:١٢-٤٥) وَٱلَّذِي يَقْبَلُنِي يَقْبَلُ ٱلَّذِي أَرْسَلَنِي (يوحنا ٢٠:١٣).
- يقال كثيرًا: “نحن نعبد الله نفسه. لديك اسم له ولديّ اسم آخر له. فنحن نتحدث عن مجرد طرق مختلفة إلى نفس الإله، لأن لدينا الإله نفسه.” وردًّا على هذا، فإن سؤالي هو: “هل أُعلِن إلهك بشكل كامل في يسوع المسيح؟” فإن كان هذا هو واقع الحال، فإن لديك نفس الإله. وإذا لم يُعلن بشكل كامل في يسوع المسيح، فإنه ليس لديك نفس إله الكتاب المقدس.
- هنالك أشخاص كثيرون يبدون روحيين أو متدينين نوعًا ما، مع أنهم يرفضون يسوع المسيح. ومع أن تديّنهم أو روحانيتهم تفيدهم كثيرًا في هذه الحياة – حيث يعطيهم هذا أساسًا للأخلاقيات والسلوك الجيد – إلا أنه لا ينفعهم شيئًا أمام الله، لأنهم يرفضون الله برفضهم ليسوع.
خامسًا. الثبات: المحافظة على علاقتنا
أ ) الآية (٢٤): المحافظة على علاقتنا من تهديد روح ضد المسيح: الثبات في الرسالة المسيحية والثبات في الله.
٢٤أَمّا أَنْتُمْ فَمَا سَمِعْتُمُوهُ مِنَ ٱلْبَدْءِ فَلْيَثْبُتْ إِذًا فِيكُمْ. إِنْ ثَبَتَ فِيكُمْ مَا سَمِعْتُمُوهُ مِنَ ٱلْبَدْءِ، فَأَنْتُمْ أَيْضًا تَثْبُتُونَ فِي ٱلِٱبْنِ وَفِي ٱلْآبِ.
- وأَمّا (ولهذا): في ضوء خطر روح ضد المسيح، نحن نحمي أنفسنا من روح ضد المسيح بالثبات في الرسالة المسيحية الجوهرية الأصلية (مَا سَمِعْتُمُوهُ مِنَ ٱلْبَدْءِ). وعندما نسلك في بساطة تلك الرسالة وقوتها، فلن نضل أبدًا.
- ينجذب البشر بطبيعتهم دائمًا تقريبًا إلى الأشياء لمجرد أنها جديدة. ونحن نعتقد دائمًا تقريبًا أن الجديد أفضل. ولكن عندما يتعلق الأمر بالحق، فإن الجديد ليس أفضل. فَمَا سَمِعْتُمُوهُ مِنَ ٱلْبَدْءِ هو الأفضل.
- أوصل الرسول بولس نفس الرسالة في غلاطية ٦:١-٩، حيث يحذر من السعي وراء إنجيل جديد، ويؤكد أهمية الاستمرار في الإنجيل الأصلي الذي علّمه بولس.
- هذا صعب لأننا نجرب بأن نكون مُضْطَرِبِينَ وَمَحْمُولِينَ بِكُلِّ رِيحِ تَعْلِيمٍ، بِحِيلَةِ ٱلنَّاسِ، بِمَكْرٍ إِلَى مَكِيدَةِ ٱلضَّلَالِ (أفسس ١٤:٤). وعادة ما تحكّنا آذاننا للاستماع إلى ما هو “جديد” و”مثير” حتى لو كان بعيدًا عما سمعناه مِنَ ٱلْبَدْءِ.
- مَا سَمِعْتُمُوهُ مِنَ ٱلْبَدْءِ: لا يصف هذا أي تعليم ربما يتلقاه أي مؤمن عندما يتبع يسوع حديثًا. فكلمة ٱلْبَدْءِ بالنسبة لهؤلاء المؤمنين تصف الوقت الذي كانوا فيه تحت تعليم الرسل المدون الآن في العهد الجديد.
- وببساطة، نحن نثبت في ما هو مِنَ ٱلْبَدْءِ عندما نبقى قريبين من كتبنا المقدسة. فإن كانت هذه هي بيئتك عندما كنت مؤمنًا صغيرًا أو شابًّا، فهذا رائع. وإن لم يكن ذلك هو واقع الحال، فضعْ نفسك في هذه البيئة الآن.
- فَلْيَثْبُتْ إِذًا فِيكُمْ: لا يعني هذا مجرد أن يعرفوا ذلك، بل أن يعيشوا فيه. فعندما نعيش في بساطة حق يسوع المسيح، سنثبت فِي ٱلِٱبْنِ وَفِي ٱلْآبِ.
- عالمنا ممتلئ بأشخاص يبحثون عن الله، بعضهم بإخلاص وبعضهم من دون إخلاص. ولكن إذا أراد أحد أن يثبت (يحيا) في الله، فإن يوحنا يخبرنا بكيفية ذلك: دع رسالة الرسل (مَا سَمِعْتُمُوهُ مِنَ ٱلْبَدْءِ) تثبت فيكم.
- لم يقل يوحنا: “إذا عرفت كلمة الله فستعرف الله،” لأن شخصًا قد يمتلك معرفة ذهنية مجردة لكلمة الله. ولكنه قال: “إن ثبتت كلمة الله فيكم، فإن الله سيثبت فيكم.” ويمكننا أن نأتي إلى علاقة حية نامية بالله من خلال كلمته.
- فَأَنْتُمْ أَيْضًا تَثْبُتُونَ فِي ٱلِٱبْنِ وَفِي ٱلْآبِ: هذا ضروري للغاية للحياة المسيحية. وسيستخدم يوحنا كلمة “يثبت” ست مرات في هذه الآيات القليلة. وتتكرر الفكرة على مدى العهد الجديد.
- ليس الثبات (السكنى، الحياة) في يسوع أمرًا سلبيًا. فيتوجب أن نكرس أنفسنا عقليًّا وروحيًّا معًا للثبات (للحياة) في يسوع. “نحن نثبت فيه، لا بقانون فيزيائي، كما تثبت كتلة من الحديد على الأرض، بل بقانون عقلي وروحي بموجبه تُثَبِّتُنا عظمة المحبة والصلاح الإلهيين بقوة بالرب يسوع.” سبيرجن (Spurgeon)
- غير أننا لسنا مدعوين إلى الثبات فيه فحسب، لكننا نعرف أيضًا أنه يثبت فينا. فهي علاقة ثنائية الاتجاه. “يجب أن تحرص على ثباتك في المسيح قدر الإمكان كما لو أن الأمر يعتمد عليك كليًّا. ومع ذلك، تتطلع إلى وعد العهد وترى أن السبب الحقيقي وراء ثباتك في المسيح يكمن في عملية من محبة ونعمة لا تتغيران.” سبيرجن (Spurgeon)
ب) الآية (٢٥): بركة الثبات في الحق والله: الحياة الأبدية.
٢٥وَهَذَا هُوَ ٱلْوَعْدُ ٱلَّذِي وَعَدَنَا هُوَ بِهِ: ٱلْحَيَاةُ ٱلْأَبَدِيَّةُ.
- وَهَذَا هُوَ ٱلْوَعْدُ: عندما يسكن الحق الإلهي (ما سمعناه من البدء) فينا، فإن الله يسكن فينا. وعندما يسكن الله فينا، فإن لدينا وعدًا منه. ففي هذا النوع من الحياة أو السكنى، فإن وَعْدَ ٱلْحَيَاةِ ٱلْأَبَدِيَّةِ حقيقي.
- ٱلْحَيَاةُ ٱلْأَبَدِيَّةُ: ليس هذا مجرد خلود. فكل البشر مخلوقون على صورة الله وخالدون، بمعنى أن أرواحهم ستحيا إلى الأبد، إما في السماء أو الجحيم. وهكذا، فإن ٱلْحَيَاةُ ٱلْأَبَدِيَّةُ لا تعني مجرد حياة تدوم عبر الأبدية. بل تصف نوع الحياة التي يمتلكها الله، ذاك الأزلي، في نفسه.
- ولهذا، بينما تشير فكرة الحياة الأبدية إلى الحياة الأخرى بعد هذه الحياة الحاضرة، إلا أنها لا تبدأ عندما نموت. فإذا لم نحصل على ٱلْحَيَاةُ ٱلْأَبَدِيَّةُ الآن، فلن نحصل عليها عندما نموت.
- ولهذا من المهم جدًّا أن نحصل على وعد الحياة الأبدية الآن. ولدينا هذا الوعد إن كان الحق الإلهي يثبت فيك، وتثبُت فِي ٱلِٱبْنِ وَفِي ٱلْآبِ.
- وهكذا، فإن الثبات هو أساس ثقتنا بالله. فلدينا وعد الحياة الأبدية بينما نثبت فيه. “يتوجب أن تكون في علاقة حية مُحبة دائمة بابن الله، وإلا لست في حالة خلاص.” سبيرجن (Spurgeon)
ج) الآيات (٢٦-٢٧): حمايتنا من الخداع: ٱلْمَسْحَةُ.
٢٦كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ هذَا عَنِ الَّذِينَ يُضِلُّونَكُمْ. ٢٧وَأَمَّا أَنْتُمْ فَالْمَسْحَةُ الَّتِي أَخَذْتُمُوهَا مِنْهُ ثَابِتَةٌ فِيكُمْ، وَلاَ حَاجَةَ بِكُمْ إِلَى أَنْ يُعَلِّمَكُمْ أَحَدٌ، بَلْ كَمَا تُعَلِّمُكُمْ هذِهِ الْمَسْحَةُ عَيْنُهَا عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَهِيَ حَقٌ وَلَيْسَتْ كَذِبًا. كَمَا عَلَّمَتْكُمْ تَثْبُتُونَ فِيهِ.
- كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ هَذَا: عرف يوحنا أنه كان هنالك خداع بين المؤمنين الأوائل بالمسيح، فكان ذلك مصدر قلق له، إذ كان لديه شغف في أن يبقيهم في انسجام مع رسالة الحق الإلهية.
- ٱلْمَسْحَةُ ٱلَّتِي أَخَذْتُمُوهَا مِنْهُ ثَابِتَةٌ فِيكُمْ: هذا الثبات وهذه المسحة هما ما يمكّنان المؤمنين بالمسيح من الاستمرار في الحق.
- أشار يوحنا إلى ٱلْمَسْحَةِ أولًا في يوحنا الأولى 20:2. وليست هذه ٱلْمَسْحَة مُلكًا خاصًّا لمؤمنين قليلين مميزين أو مُذهِلين. فحضور الروح القدس موجود داخل كل المؤمنين.
- وَلَا حَاجَةَ بِكُمْ إِلَى أَنْ يُعَلِّمَكُمْ أَحَدٌ: كما ذكر يوحنا في يوحنا الأولى 20:2 (وَتَعْلَمُونَ كُلَّ شَيْءٍ)، فإنه يخبرنا مرة أخرى أن المسحة التي نتلقاها من الله ترشدنا إلى الحق. ونحن نقاد إلى الحق على مستوى فردي، حيث يثبّته الله في قلوبنا.
- ومرة أخرى، فإن رسالة يوحنا بسيطة. فبفضل مسحة الروح القدس المعطاة لكل المؤمنين، فإن لديهم الموارد اللازمة لمعرفة الحق. ولا يعني هذا أن المعلمين غير ضروريين، لأن أحد موارد معرفة الحق هو التذكير الذي يقدمه معلمون مثل يوحنا.
- تَثْبُتُونَ فِيهِ: هذه المسحة التي ترشدنا إلى الحق ستقودنا إلى الاقتراب أكثر إلى يسوع.
د ) الآيات (٢٨-٢٩): ما يعنيه أن نثبت (نحيا) في يسوع.
٢٨وَالآنَ أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، اثْبُتُوا فِيهِ، حَتَّى إِذَا أُظْهِرَ يَكُونُ لَنَا ثِقَةٌ، وَلاَ نَخْجَلُ مِنْهُ فِي مَجِيئِهِ. ٢٩إِنْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ بَارٌّ هُوَ، فَاعْلَمُوا أَنَّ كُلَّ مَنْ يَصْنَعُ الْبِرَّ مَوْلُودٌ مِنْهُ.
- ٱثْبُتُوا فِيهِ، حَتَّى إِذَا أُظْهِرَ يَكُونُ لَنَا ثِقَةٌ، وَلَا نَخْجَلُ مِنْهُ: يعني الثبات في يسوع أنه لا داعي لنا أن نخاف أو نخجل عندما يعود يسوع. والسبب في ذلك هو أننا عرفناه بشكل حميم، ولهذا فإنه يمكن أن يَكُونُ لَنَا ثِقَةٌ عند رجوعه.
- يستحضر يوحنا صورة ليتحدانا. فعندما يعود يسوع، سيكون أشخاص خائفين لأنهم لم يعرفوا يسوع قط. ولكن سيكون من بين الذين يعرفونه أشخاص لن يخافوا، لكنهم سيخجلون مِنْهُ فِي مَجِيئِه. إذ سيدركون أنهم كانوا يحيون حياة دنيوية، حياة غير مثمرة. وفي لحظة واحدة، سيسحقهم فهمهم أنه مهما أنجزوا في الحياة، فلم يثبتوا فيه كما كان ينبغي لهم.
- يتحدث الرسول بولس عن الذين “بالكاد يخلصون:” “إِنِ ٱحْتَرَقَ عَمَلُ أَحَدٍ فَسَيَخْسَرُ، وَأَمَّا هُوَ فَسَيَخْلُصُ، وَلَكِنْ كَمَا بِنَارٍ.” (كورنثوس الأولى ١٥:٣). وهنالك أشخاص، ولو للحظة على الأقل، سيكون مجيء يسوع خيبة أمل لهم بدلًا من مجد.
- يتوجب علينا أن نضع هذه الأمور في اعتبارنا، لأنه صعب علينا أن نقيس المسافة بين شخص بالكاد خلص وشخص “كان على وشك الخلاص.” وإنه لأمر صعب أن نتأمل أسئلة مثل: “ما هو أقل شيء يمكنني أن أفعله لأصل إلى السماء؟” أو “إلى أي مدى يمكنني أن أضل عن الراعي وأظل مع ذلك بين الرعية؟” وبدلًا من ذلك، ينبغي أن نعمل بجد لئلا نَخْجَلَ مِنْهُ فِي مَجِيئِهِ.
- “ما هي الطريقة السليمة للاستعداد لعودة يسوع؟ أبدراسة النبوات؟ نعم، إذا كنت تلقيت تعليمًا كافيًا لتتمكن من فهمها. وكما يمكن أن يقول بعض المتحمسين: ’لكي أستعد لمجيء الرب، ألا يَحْسُن بي أن أقضي شهرًا في خلوة، بعيدًا عن هذا العالم الشرير؟‘ يمكنك أن تفعل ذلك إذا أردت، وبشكل خاص ستفعل ذلك إن كنت كسولًا. ولكن الوصفة الكتابية للاستعداد لعودة يسوع هي: ’اثبت فيه.‘ فإن ثبتَّ إيمانك به، متمسكًا بحقه، متّبعًا مثاله وجاعلًا إياه مسكنك، سيأتي الرب في أية ساعة، وأنت سترحب به.” سبيرجن (Spurgeon)
- حَتَّى إِذَا أُظْهِرَ يَكُونُ لَنَا ثِقَةٌ، وَلَا نَخْجَلُ مِنْهُ: لا يمكننا أن نتجاوز حاجتنا إلى الثبات فيه وثقتنا بالثبات في يسوع. ولأن يوحنا يستخدم ضمير المتكلم الجمع، بدلًا من الضمير المخاطب، فإننا نعرف أنه كان محتاجًا إلى هذه الثقة.
- ٱثْبُتُوا فِيهِ: هذه هي الكيفية التي بها نكون واثقين عندما يأتي يسوع. وعندما تثبت فيه، تكون مستعدًا ليسوع عندما يأتي.
- الثبات أو الحياة في يسوع فكرة مهمة في الكتاب المقدس. وقد وعد يسوع في يوحنا ٢٣:١٤ “إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كَلَامِي، وَيُحِبُّهُ أَبِي، وَإِلَيْهِ نَأْتِي، وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلًا.”
- عبّر بولس عن هذه الفكرة في صلاته من أجل مؤمني أفسس في أفسس ١٧:٣ “لِيَحِلَّ ٱلْمَسِيحُ بِٱلْإِيمَانِ فِي قُلُوبِكُمْ.” هنالك كلمتان يونانيتان توصلان فكرة “أن يحيا في” – واحدة منها تحمل فكرة الحياة في مكان كغريب، والثانية تحمل فكرة الاستقرار في مكان كبيت دائم فيه. وتحمل كلمة “يحل” في أفسس ١٧:٣ بيتًا دائمًا، مشيرًا إلى أن يسوع يريد أن يستقر في بيتك، لا أن يزورك كغريب.
- هل أنت تثبت فيه (تسكن فيه)؟ أم أنك تزور يسوع بين الفينة والأخرى؟ يعطينا الثبات في يسوع ثقة لأننا نعرف أننا لن نغير حياتنا بشكل جوهري إذا عرفنا أن يسوع سيعود في الأسبوع القادم. فنحن ثابتين وساكنين فيه بالفعل.
- كُلُّ مَنْ يَصْنَعُ ٱلْبِرَّ مَوْلُودٌ مِنْهُ: يعني الثبات في يسوع أننا سنمارس البر في حياتنا لأننا مولودون منه. إذ غيّرَنا ميلادنا الثاني من الميل إلى الخطية إلى الميل إلى البر.
- هذا هو امتحان للثبات فيه، وهو نفس الامتحان الذي ذكره يوحنا في يوحنا الأولى ٦:١، ٤:٢، ٩:٢. إذ سيكون هنالك خلل إذا ادعى أحد أنه مَوْلُودٌ مِنْهُ بينما لا يَصْنَعُ ٱلْبِرَّ.
- عندما يولد شخص من شخص آخر، فإن هنالك شبهًا عائليًا دائمًا تقريبًا بينهما. فتقول: “انظروا. إن له عيني أمه” أو “له أنف أبيه.” ومن المؤكد أن لأبناء الله شبهًا عائليًا بأبيهم السماوي. فهو بار، ولهذا فإن كُلَّ مَنْ يَصْنَعُ ٱلْبِرَّ مَوْلُودٌ مِنْهُ. “ليس لدى الله أبناء عديمو الشبه بصورته أو لا يشبهونه.” بوله (Poole)
- لن نكمل البر إلى أن نتمجد مع يسوع، لكن يمكننا أن نمارس البر الآن بما أننا مولودون منه.
- هنالك ثلاثة تصريحات ثمينة حول كل مؤمن في هذا الإصحاح: “أنا أعرفه” (الآية ٤) و”أنا أثبت فيه” (الآية ٦) و”أنا في النور” (الآية ٩). فيريدنا يوحنا أن نعرف أن هذه التصريحات الثلاثة صحيحة، وأنها تظهر في حياتنا، ولا سيما في محبتنا لإخوتنا وأخواتنا في يسوع.