رسالة بطرس الثانية – الإصحَاح ٣
أن نحيا كمؤمنين وكأنها آخر الأيام
أولاً. يقين مجيء الأيام الأخيرة ووعود الله
أ ) الآيات (١-٢): إشارة أخرى إلى أهمية التذكير.
١هذِهِ أَكْتُبُهَا الآنَ إِلَيْكُمْ رِسَالَةً ثَانِيَةً أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، فِيهِمَا أُنْهِضُ بِالتَّذْكِرَةِ ذِهْنَكُمُ النَّقِيَّ، ٢لِتَذْكُرُوا الأَقْوَالَ الَّتِي قَالَهَا سَابِقًا الأَنْبِيَاءُ الْقِدِّيسُونَ، وَوَصِيَّتَنَا نَحْنُ الرُّسُلَ، وَصِيَّةَ الرَّبِّ وَالْمُخَلِّصِ.
- هذِهِ أَكْتُبُهَا الآنَ إِلَيْكُمْ رِسَالَةً ثَانِيَةً: كان بطرس قد كتب من قبل عن أهمية التَّذْكِرَةِ (بطرس الثانية ١٢:١-١٣)، لكنه أراد هنا التركيز على ما يجب معرفته في ضوء مجيء يسوع والنبوات حول مجيئه.
- “تحتاج أنقى العقول أحياناً إلى التَّذْكِرَةِ، وسيكون من المؤسف أن نفعل ذلك مع عقول غير نقية. فمثل هذا الفعل سيسبب الأذى لهم، ولكن مع العقول النقية يمكنك تنشيطها كما تشاء، وكلما كانت التذكرة أكثر كلما كان هذا أفضل.” سبيرجن (Spurgeon).
- لِتَذْكُرُوا الأَقْوَالَ الَّتِي قَالَهَا سَابِقًا الأَنْبِيَاءُ الْقِدِّيسُونَ: عرف بطرس أهمية تذكير قُرائه بالكلمة المقدسة سواء أقوال العهد القديم (الأَقْوَالَ الَّتِي قَالَهَا سَابِقًا الأَنْبِيَاءُ الْقِدِّيسُونَ) أو الرسائل المعاصرة لعهده (وَوَصِيَّتَنَا نَحْنُ الرُّسُلَ).
- بطرس وبكل وضوح آمن أن أَقْوَالَ الكتاب المقدس مهمة، الأَقْوَالَ ذاتها مهمة وليس فقط معناها.
- “آمن بطرس في أن كل كلمة في الكتاب المقدس هي من الله، فلم يكن واحداً من أولئك “المفكرين” الذين لو استطاعوا لمزقوا جوهر الكتاب ولما تركوا لنا شيئاً يُذكر. ولكنه كتب ’لتذكروا الأقوال، أي الأقوال ذاتها، التي قالها سابقاً الأنبياء القديسون.‘ وربما يسأل أحدهم: لكن الكلمات نفسها لا تعني شيء لكن معناها الداخلي هو ما يهم! وهذا تماماً ما يقوله الجاهل عن قشرة البيض، فيقول أن لا معنى لوجود القشرة، لكن الحياة في الداخل أي الفرخ هو فقط المهم. وهكذا يكسر القشور، وبالتالي يُتلف الحياة… فإذا كان ممكناً أخذ الكلمات منا، فإن المعنى نفسه سيزول.” سبيرجن (Spurgeon).
- الَّتِي قَالَهَا سَابِقًا الأَنْبِيَاءُ الْقِدِّيسُونَ، وَوَصِيَّتَنَا نَحْنُ الرُّسُلَ، وَصِيَّةَ الرَّبِّ وَالْمُخَلِّصِ: بمجرد وضع رسل العهد الجديد على نفس مستوى رسل العهد القديم، أدرك بطرس سلطان العهد الجديد، حتى وهو في بداية تشكيله.
- أدرك بطرس أن يسوع أعطى الرُّسُلَ السلطان لنشر رسالة الله إلى مجتمع العهد الجديد. وقد فهم ذلك من مقاطع مثل متى ١٩:١٦ عندما أعطى الرب يسوع السلطان للرسل ليحلوا ويربطوا، مثل سلطان الكهنة في أيامهم.
- “لا تعني كلمة الرُّسُلَ المبشرين أي الأشخاص الذين يكرزون بالإنجيل. فعندما أراد كُتَّاب العهد الجديد أن يقولوا رسولاً أي مبعوث من الكنيسة، كانوا يقولون ذلك بوضوح أو كان النص يوضحها (فيلبي ٢٥:٢). ولكن يشير بطرس هنا إلى رُسل الرب يسوع المسيح. فهم وحدهم الذين وُضعوا في مرتبة أنبياء العهد القديم.” غرين (Green)
- من الملحوظ والواضح أن بطرس رأى السلطان الذي أُعطي للرُّسُل أجمعين وليس له وحده. وكان سيظن أنه من الغريب أن تُنسب إليه السلطة البابوية المفترضة.
ب) الآيات (٣-٤): رسالة المستهزئين.
٣عَالِمِينَ هذَا أَوَّلاً: أَنَّهُ سَيَأْتِي فِي آخِرِ الأَيَّامِ قَوْمٌ مُسْتَهْزِئُونَ، سَالِكِينَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ أَنْفُسِهِمْ، ٤وَقَائِلِينَ: «أَيْنَ هُوَ مَوْعِدُ مَجِيئِهِ؟ لأَنَّهُ مِنْ حِينَ رَقَدَ الآبَاءُ كُلُّ شَيْءٍ بَاق هكَذَا مِنْ بَدْءِ الْخَلِيقَةِ».
- عَالِمِينَ هذَا أَوَّلاً: لا ينبغي أن يندهش المؤمنون ليجدوا أن هناك من يستهزئ بفكرة مجيء المسيح الثاني. فقد أخبرنا بطرس أنه في آخر الأيام سيأتي قَوْمٌ مُسْتَهْزِئُونَ. وهذا أول شيء علينا معرفته.
- “كل مرة يفتح المجدف فمه لينكر حقيقة الوحي، سيساعد على تأكيد قناعاتنا في الحق الذي ينكره. فقد أخبرنا الروح القدس بقلم بطرس أن هذا ما سيحدث فعلاً، والآن نرى تحقيقاً لما كتبه.” سبيرجن (Spurgeon)
- سَيَأْتِي فِي آخِرِ الأَيَّامِ: نستطيع أن نقول بمعنى أو بآخر أن آخِرِ الأَيَّامِ بدأت في صعود يسوع إلى السماء. ومنذ ذلك الوقت، لم نندفع نحو نهاية الأيام، ولكننا نركض نحوها ونحن مستعدون للذهاب إلى النهاية حسب توقيت الله.
- “بمجيء يسوع فتح الفصل الأخير من التاريخ البشري رغم أنه لم يكتمل بعد.” غرين (Green)
- سَالِكِينَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ أَنْفُسِهِمْ: تذكرنا هذه الكلمات بأن المستهزئين لا يعانون فقط من مشكلة فكرية مع الله وكلمته، بل لديهم أيضاً مشكلة أخلاقية واضحة، ويريدون أن يرفضوا ربوبية يسوع المسيح على حياتهم.
- أَيْنَ هُوَ مَوْعِدُ مَجِيئِهِ؟: هذه هي رسالة المستهزئين. فهم يفكرون بهذه الطريقة: تحدث المؤمنون عن مجيء المسيح الثاني منذ حوالي ٢٠٠٠ عام ولكنه لم يأتِ ثانية حتى الآن.
- كُلُّ شَيْءٍ بَاق هكَذَا مِنْ بَدْءِ الْخَلِيقَةِ: ترتكز رسالة المستهزئين على فكرة أن الأمور كانت دائماً كما هي الآن، وأن الله لم ولن يفعل شيء جديد في خطته نحو الخليقة.
- “حجة المعلمين الكذبة هي في الأساس حجة طبيعية، هي نوع من التوحيدية التي تستبعد التدخل الإلهي في التاريخ.” بلوم (Blum)
ج ) الآيات (٥-٧): خطأ المستهزئين.
٥لأَنَّ هذَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ بِإِرَادَتِهِمْ: أَنَّ السَّمَاوَاتِ كَانَتْ مُنْذُ الْقَدِيمِ، وَالأَرْضَ بِكَلِمَةِ اللهِ قَائِمَةً مِنَ الْمَاءِ وَبِالْمَاءِ، ٦اللَّوَاتِي بِهِنَّ الْعَالَمُ الْكَائِنُ حِينَئِذٍ فَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءُ فَهَلَكَ. ٧وَأَمَّا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ الْكَائِنَةُ الآنَ، فَهِيَ مَخْزُونَةٌ بِتِلْكَ الْكَلِمَةِ عَيْنِهَا، مَحْفُوظَةً لِلنَّارِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَهَلاَكِ النَّاسِ الْفُجَّارِ.
- لأَنَّ هذَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ بِإِرَادَتِهِمْ: أن المستهزئين يعولون على رحمة الله وطول أناته، ومصرون على ذلك لأنهم لم يروا دينونة الله على نطاق واسع، ويقولون أنه لن يكون هنا دينونة أبداً. ولكن يَخْفَى عَلَيْهِمْ بِإِرَادَتِهِمْ خليقة الله والدينونة التي سكبها على الأرض أيام نوح.
- الإيمان الحرفي في الخلق وفي آدم وحواء وفي طوفان نوح ضروريان لفهم حقيقي لعمل الله في ذلك الحين والآن. وإنكار هذه الأشياء يزعزع أسس إيماننا. للأسف العديد من المؤمنين اليوم يَخْفَى عَلَيْهِمْ بِإِرَادَتِهِمْ هذه الأشياء، وبالتالي يضعون أنفسهم في مكان المستهزئين.
- أَنَّ السَّمَاوَاتِ كَانَتْ مُنْذُ الْقَدِيمِ، وَالأَرْضَ بِكَلِمَةِ اللهِ قَائِمَةً: يُعلم الكتاب المقدس وبوضوح أن العامل المحرك في الخليقة كانت كَلِمَةِ الله. تكلم الله فتكونت الخليقة كلها.
- الْعَالَمُ الْكَائِنُ حِينَئِذٍ فَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءُ فَهَلَكَ: فكرة بطرس هي أن الأشياء على الأرض لم تستمر دائماً كما هي الآن. فقد كانت الأرض مختلفة تماماً عندما خلقها الله، ثم اختلفت مرة أخرى بعد الطوفان. ولذلك لا ينبغي لأحد أن يسخر من وعد الله أنه سيجعل الخليقة مختلفة مرة أخرى، وأنه سيدينها لا بالماء بل بالنار. فنفس كَلِمَةِ اللهِ التي خلقت المادة وأدانت العالم في الطوفان، يوماً ما سوف تدين الأرض بالنار.
- “الدرس الذي نتعلمه من الطوفان هو أن الخطية لن تفلت من العقاب مهما طال الزمان. وقد استخدم يسوع الفيضان ليُشير إلى هذا الدرس (متى ٣٧:٢٤-٣٩). لكن هؤلاء الأشخاص اختاروا إهماله.” غرين (Green)
د ) الآيات (٨-١٠): نفس الحقائق التي ينكرها المستهزئين يتشبث بها شعب الله.
٨وَلكِنْ لاَ يَخْفَ عَلَيْكُمْ هذَا الشَّيْءُ الْوَاحِدُ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ: أَنَّ يَوْمًا وَاحِدًا عِنْدَ الرَّبِّ كَأَلْفِ سَنَةٍ، وَأَلْفَ سَنَةٍ كَيَوْمٍ وَاحِدٍ. ٩لاَ يَتَبَاطَأُ الرَّبُّ عَنْ وَعْدِهِ كَمَا يَحْسِبُ قَوْمٌ التَّبَاطُؤَ، لكِنَّهُ يَتَأَنَّى عَلَيْنَا، وَهُوَ لاَ يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ، بَلْ أَنْ يُقْبِلَ الْجَمِيعُ إِلَى التَّوْبَةِ. ١٠وَلكِنْ سَيَأْتِي كَلِصٍّ فِي اللَّيْلِ، يَوْمُ الرَّبِّ، الَّذِي فِيهِ تَزُولُ السَّمَاوَاتُ بِضَجِيجٍ، وَتَنْحَلُّ الْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً، وَتَحْتَرِقُ الأَرْضُ وَالْمَصْنُوعَاتُ الَّتِي فِيهَا.
- أَنَّ يَوْمًا وَاحِدًا عِنْدَ الرَّبِّ كَأَلْفِ سَنَةٍ، وَأَلْفَ سَنَةٍ كَيَوْمٍ وَاحِدٍ: ما يبدو لنا وكأنه للأبد ما هو إلا وقت قصير بالنسبة لله، تماماً كما تبدو الساعة الواحدة وكأنها الأبدية بطولها لطفل، ولكنها كلحظة بالنسبة للشخص البالغ.
- لقد اقتبس بطرس هذه الفكرة من مزمور ٤:٩٠ لأَنَّ أَلْفَ سَنَةٍ فِي عَيْنَيْكَ مِثْلُ يَوْمِ أَمْسِ بَعْدَ مَا عَبَرَ، وَكَهَزِيعٍ مِنَ اللَّيْلِ. “كل الزمن هو كلا شيء قدامه، لأنه في محضر الله الزمن كله أبدي، لذلك لا زمن طويل ولا زمن قصير قدامه، ولا مرور الزمن يؤثر على قصده وهدفه.” كلارك (Clarke)
- “كل الأشياء والزمن متساويين أمامه، مسافة ألف سنة قبل وقوع حدث، ليس أكثر من الفاصل الزمني ليوم واحد. ومع الله في الواقع ليس هناك فصل بين ماضي أو حاضر أو مستقبل. يتخذ اسماً له: أنا هو… أنا هو في الماضي، أنا هو في الحاضر، أنا هو في المستقبل. وكلما نقول عن الله أنه في كل مكان نستطيع أن نقول عنه أنه هو دائماً موجود وفي كل مكان في الكون وهو في كل وقت وزمان.” سبيرجن (Spurgeon)
- لم يعطِ بطرس صيغة نبوية قائلاً أن اليوم النبوي يساوي ألف سنة. بدلاً من ذلك قام بتوصيل فكرة مبدأ عام يتعلق بكيفية رؤيتنا للوقت وكيف يرى الله الوقت. فعندما يستخدم الناس هذه الآية كمفتاح نبوي أساسي سيفتحون باباً كبيراً لتفسير خاطئ.
- “الله ينظر ويرى الوقت بمنظور نحن لا نملكه بل ونفتقر إليه، حتى التأخير لألف سنة قد يبدو وكأنه يوم في أبدية لا نهاية لها.” غرين (Green)
- لاَ يَتَبَاطَأُ الرَّبُّ عَنْ وَعْدِهِ: الحقيقة هي أن الله سوف يفي دائماً بوعده، وبدون تأخير حسب توقيته. وأي تأخير ملحوظ من وجهة نظرنا يرجع إلى طول أناة الله الذي يتأنى إلى أَنْ يُقْبِلَ الْجَمِيعُ إِلَى التَّوْبَةِ.
- كثير من المؤمنين اليوم فرحين ومسرورين أن يسوع لم يأتِ من عشر سنين مضت أو خمس سنين أو سنتين أو سنة أو حتى قبل شهرين. فهذا يدل على قصد الله المليء بالمحبة في توقيته.
- لاَ يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ، بَلْ أَنْ يُقْبِلَ الْجَمِيعُ إِلَى التَّوْبَةِ: يكشف بطرس هنا عن مشاعر قلب الله المجيد. فالسبب في عدم عودة يسوع بسرعة هو أَنْ يُقْبِلَ الْجَمِيعُ إِلَى التَّوْبَةِ، فالله لاَ يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ.
- نحن نعلم أن جملة لاَ يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ لا تعني أنها مرسوم إلهي، وكأن الله يعلن أنه لن يهلك أحد. ولكن تصريح بطرس يعكس قلب الله المليء بالمحبة نحو العالم (يوحنا ١٦:٣)، فهو يحزن عندما يدين وبكل عدل الأشرار.
- إنها نفس الفكرة المذكورة في حزقيال ١١:٣٣ “حَيٌّ أَنَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، إِنِّي لاَ أُسَرُّ بِمَوْتِ الشِّرِّيرِ، بَلْ بِأَنْ يَرْجعَ الشِّرِّيرُ عَنْ طَرِيقِهِ وَيَحْيَا.”
- “محبة الله للبشرية هي محبة رائعة جداً، فهو يريدهم أن يخلصوا جميعاً، وهو على استعداد ليمنح الخطاة هذا الخلاص.” كالفين (Calvin)
- “كما أن الله لا يشاء أن يهلك أناس، بل أن يُقبل الجميع إلى التوبة، هكذا هو لا يريد أن يدين أو يهلك أي إنسان ولم يجعل خلاص أي روح أمراً مستحيلاً.” كلارك (Clarke)
- وَلكِنْ سَيَأْتِي كَلِصٍّ فِي اللَّيْلِ، يَوْمُ الرَّبِّ: بالرغم من أن طول أناة ومحبة الرب للخطاة تبدو وكأنها تعيق قدومه، لكن الحقيقة هي أنه سيأتي لا محالة، وعندما يأتي الرب، سيأتي بوقت يفاجئ به الكثيرين، كَلِصٍّ فِي اللَّيْلِ. والنتيجة العظمى في مجيئه هو التغيير الكلي للعالم الحالي الَّذِي فِيهِ تَزُولُ السَّمَاوَاتُ بِضَجِيجٍ، وَتَنْحَلُّ الْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً.
- يستطيع الله أن يدمر الأرض ثانية تماماً كما فعل في أيام الطوفان. “لا يزال هناك ما يكفي من المياه لإغراق الأرض، وهناك ما يكفي من الإثم ليقوم الله بتدميرها وتدمير كل الساكنين فيها” كلارك (Clarke). ومع ذلك وعد الله بأن يدين العالم هذه المرة بالنار وليس بالطوفان.
ثانياً. العيش في ضوء الأيام الأخيرة ووعود الله
أ ) الآيات (١١-١٣): حياة القداسة والتقوى منتظرين الخليقة الجديدة.
١١فَبِمَا أَنَّ هذِهِ كُلَّهَا تَنْحَلُّ، أَيَّ أُنَاسٍ يَجِبُ أَنْ تَكُونُوا أَنْتُمْ فِي سِيرَةٍ مُقَدَّسَةٍ وَتَقْوَى؟ ١٢مُنْتَظِرِينَ وَطَالِبِينَ سُرْعَةَ مَجِيءِ يَوْمِ الرَّبِّ، الَّذِي بِهِ تَنْحَلُّ السَّمَاوَاتُ مُلْتَهِبَةً، وَالْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً تَذُوبُ. ١٣وَلكِنَّنَا بِحَسَبِ وَعْدِهِ نَنْتَظِرُ سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً، وَأَرْضًا جَدِيدَةً، يَسْكُنُ فِيهَا الْبِرُّ.
- فَبِمَا أَنَّ هذِهِ كُلَّهَا تَنْحَلُّ، أَيَّ أُنَاسٍ يَجِبُ أَنْ تَكُونُوا: في ضوء حقيقة أن هذا النظام العالمي والأشياء المتعلقة به ستنحل وتذوب، يجب علينا أن نعيش حياتنا طالبين ملكوت الله وبره – أي أن نحيا بتقوى وقداسة.
- نميل للاعتقاد بأن العالم المادي سيدوم ويستمر لفترة أطول بعد الإنسان. وهذا غير صحيح، وبطرس يذكرنا بهذا. فالإنسان سيعيش في الأبدية فترة تفوق حياة الأرض.
- تَنْحَلُّ: “سوف يتم فصلهم جميعاً وستنحل عناصرها، لكنها لن تُدمر بالكامل” كلارك (Clarke). “المجموعة الشمسية والمجرات العظيمة، حتى علاقة الزمان بالمكان ستنتهي… وكل العناصر التي يتكون منها العالم المادي محترقة بالنار ستنحل وتذوب. إنها صورة تتطابق بدرجة مدهشة مع ما قد يحدث بالفعل وفقاً للنظريات الحديثة للعالم المادي.” – بو رييك (Bo Reicke) مقتبساً من غرين (Green).
- “هذا العالم، كما نعلم، لن ينتهي من الوجود، بل سيمر في اللهيب للتنقية، وبعد ذلك قد تتسبب النسمة الرقيقة الناعمة من الإله العظيم بتبريده بسرعة، ثم يد الإله القدير ستشكله ليصبح فردوس أكثر جمالاً.” سبيرجن (Spurgeon)
- أَيَّ أُنَاسٍ يَجِبُ أَنْ تَكُونُوا: “الملك آتٍ إلى عرشه ليحكم. أفيعقل أن يذهب إنسان إلى باب الملك وهناك يخونه أو أن يجلس في محضر عرش الملك، المتوقع دخوله في أي لحظة، ويتكلم عليه بكلام قبيح! الملك قادم، وهو على الأبواب، وأنت تقف عند بابه، فأي نوع من الناس ينبغي أن تكون؟ كيف يمكنك أن تفعل الخطية ضد شخص قريب جداً منك؟” سبيرجن (Spurgeon)
- مُنْتَظِرِينَ وَطَالِبِينَ سُرْعَةَ مَجِيءِ يَوْمِ الرَّبِّ: يقول بطرس أنه يمكننا أن نطلب سرعة مجيء يوم الرب. فمن الرائع والمذهل أن نفكر في أننا نستطيع أن نقوم بأشياء قد تؤثر على سرعة مجيء الرب يسوع. ففي السياق المباشر للنص يقول بطرس أننا نطالب بسرعة مجيء الرب، وذلك عندما نحيا سِيرَةٍ مُقَدَّسَةٍ وَتَقْوَى.
- يمكن أيضاً أن نسرّع بمجيء الرب من خلال الكرازة. قال بولس: أَنَّ الْقَسَاوَةَ قَدْ حَصَلَتْ جُزْئِيًّا لإِسْرَائِيلَ إِلَى أَنْ يَدْخُلَ مِلْؤُ الأُمَمِ (رومية ٢٥:١١).
- نستطيع أن نسرّع بمجيء يوم الرب من خلال الصلاة. فحتى دانيال طلب من الرب أن يتمم بسرعة النبوة من جهة سبي إسرائيل (دانيال ٩). ونستطيع نحن أيضاً أن نصلي: “آمين تعال أيها الرب يسوع” (رؤيا يوحنا ٢٠:٢٢).
- الَّذِي بِهِ تَنْحَلُّ السَّمَاوَاتُ مُلْتَهِبَةً: يخبرنا بطرس أن عناصر هذا النظام ستنحل. فالله سيصنع أرضاً جديدة وسماءً جديدة، كما وُعِد في إشعياء: «لأَنِّي هأَنَذَا خَالِقٌ سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً وَأَرْضًا جَدِيدَةً، فَلاَ تُذْكَرُ الأُولَى وَلاَ تَخْطُرُ عَلَى بَال » (إشعياء ١٧:٦٥).
- وَأَرْضًا جَدِيدَةً، يَسْكُنُ فِيهَا الْبِرُّ: أكثر ما يميز هذه السماء والأرض هو أنها المكان الذي يَسْكُنُ فِيهَا الْبِرُّ. ووفقاً لخطة الله الأزلية، سيحدث هذا بعد حكم يسوع الألفي على الأرض.
- إنه إعادة خلق للنظام العالمي كما هو مذكور في رؤيا يوحنا ١:٢١ “ثُمَّ رَأَيْتُ سَمَاءً جَدِيدَةً وَأَرْضًا جَدِيدَةً، لأَنَّ السَّمَاءَ الأُولَى وَالأَرْضَ الأُولَى مَضَتَا.”
ب) الآيات (١٤-١٥أ) كن مثابراً ودؤوباً ولا تستخف بطول أناة الله.
١٤لِذلِكَ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، إِذْ أَنْتُمْ مُنْتَظِرُونَ هذِهِ، اجْتَهِدُوا لِتُوجَدُوا عِنْدَهُ بِلاَ دَنَسٍ وَلاَ عَيْبٍ، فِي سَلاَمٍ. ١٥وَاحْسِبُوا أَنَاةَ رَبِّنَا خَلاَصًا…
- إِذْ أَنْتُمْ مُنْتَظِرُونَ هذِهِ، اجْتَهِدُوا: إذا كانت قلوبنا تتوق للسماء الجديدة والأرض الجديدة، فسوف نتعامل بتقوى نحو إخوتنا وأخواتنا (فِي سَلاَمٍ) ونحو الله (بِلاَ دَنَسٍ وَلاَ عَيْبٍ).
- وَاحْسِبُوا أَنَاةَ رَبِّنَا خَلاَصًا: من السهل على المؤمنين أحياناً أن يستاؤوا من أَنَاةَ رَبِّنَا، إذ نعتقد أنها تؤخر مجيئه. ومع ذلك، طول أناة الرب هي لخلاص الآخرين وخلاصنا.
- “نحتار من طول أناة الرب التي تسبب التأخير الممل. وأحد أسباب حيرتنا هو أننا نحن أنفسنا لا نملك طول أناة في حياتنا، ونعتقد أننا نعمل صلاحاً عندما نغضب ونتمرد، وهكذا نثبت أننا نشبه يونان أكثر من يسوع. فهناك عدد قليل من المؤمنين الذين تعلموا أن يكونوا صبورين وأن يكون لديهم شفقة تجاه الخطاة، ولكن هناك عدد أكبر من المؤمنين الذين يفكرون كيعقوب ويوحنا، ويريدون أن يُصلوا كيما تأتي نار من السماء وتأكل كل الناس الرافضين للمخلص. فنحن دائماً على عجلة من أمرنا.” سبيرجن (Spurgeon)
ج ) الآيات (١٥ب-١٦): ملاحظة حول رسائل الرسول بولس.
كَمَا كَتَبَ إِلَيْكُمْ أَخُونَا الْحَبِيبُ بُولُسُ أَيْضًا بِحَسَبِ الْحِكْمَةِ الْمُعْطَاةِ لَهُ، ١٦كَمَا فِي الرَّسَائِلِ كُلِّهَا أَيْضًا، مُتَكَلِّمًا فِيهَا عَنْ هذِهِ الأُمُورِ، الَّتِي فِيهَا أَشْيَاءُ عَسِرَةُ الْفَهْمِ، يُحَرِّفُهَا غَيْرُ الْعُلَمَاءِ وَغَيْرُ الثَّابِتِينَ، كَبَاقِي الْكُتُبِ أَيْضًا، لِهَلاَكِ أَنْفُسِهِمْ.
- كَمَا كَتَبَ إِلَيْكُمْ أَخُونَا الْحَبِيبُ بُولُسُ أَيْضًا: من المألوف أن يقول بعض النقاد أن الرسول بطرس والرسول بولس ليسوا على اتفاق، وكثيراً ما يقول هؤلاء النقاد أيضاً أن بطرس وبولس كليهما لا يتفقان مع يسوع. ولكن يؤكد بطرس هنا على تعليم بولس ويدعوه أَخُونَا الْحَبِيب وأنه كتب بِحَسَبِ الْحِكْمَةِ الْمُعْطَاةِ لَهُ.
- يا لها من كلمات مدح رائعة صادرة عن بطرس خاصة حينما نتذكر كيف وبخ بولس بطرس علانية لأنه قبل بالحل الوسط (غلاطية ١١:٢-٢١).
- الَّتِي فِيهَا أَشْيَاءُ عَسِرَةُ الْفَهْمِ: على الرغم من أن بطرس مدح وأثنى على خدمة بولس، لكنه أقر بأن في كتابات بولس أَشْيَاءُ عَسِرَةُ الْفَهْمِ، وهذه التعاليم التي يصعب فهمها قد يشوه غَيْرُ الْعُلَمَاءِ وَغَيْرُ الثَّابِتِينَ معناها.
- يُحَرِّفُهَا: يذكرنا بطرس بأنه يمكن تحريف الكتاب المقدس. ولمجرد أن شخصاً ما يقتبس من الكتاب المقدس لا يعني أنه يشرح ويُعلم الحق الكتابي. فمن الممكن أنه يحرِّف الكتاب المقدس أو يشوه معناه. وهذا سبب كافٍ لنكون مثل أهل بيرية “فَاحِصِينَ الْكُتُبَ كُلَّ يَوْمٍ: هَلْ هذِهِ الأُمُورُ هكَذَا؟” (أعمال الرسل ١١:١٧).
- “تجدر الإشارة إلى أن رسائل بولس تُصنف على أنها كَبَاقِي الْكُتُبِ (أي الكتاب المقدس). ومصطلح الْكُتُبِ ينطبق فقط على تلك الكتابات أو الرسائل التي مصدرها إلهي ومسوقة بالروح القدس.” كلارك (Clarke)
- “يمكن أن أُضيف أن الفعل (يحرِّف) الذي يستخدمه الرسول يدل على تشويه المعنى أو التوسع في المعنى بصورة مبالغة (يشبه أداة تعذيب غرضها خلع وتمزيق كل جزء من جسم الضحّية)، وبالتالي فإن الأشخاص المقصودين هنا هم أولئك الذين لا يقدمون شرحاً كتابياً عادلاً للكلمة، لكنهم يفرضون معاني غير طبيعية وتفاسير معقدة عليها.” كلارك (Clarke)
- لِهَلاَكِ أَنْفُسِهِمْ: “بطرس حازم جداً هنا. فتحريف المعلمين الكذبة لكلام بولس لتبرير تفسيراتهم المتطرفة ورفضهم لفكرة مجيء المسيح الثاني هو أمر خطير يحرمهم من الخلاص.” غرين (Green)
د ) الآيات (١٧-١٨): الخاتمة.
١٧فَأَنْتُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، إِذْ قَدْ سَبَقْتُمْ فَعَرَفْتُمُ، احْتَرِسُوا مِنْ أَنْ تَنْقَادُوا بِضَلاَلِ الأَرْدِيَاءِ، فَتَسْقُطُوا مِنْ ثَبَاتِكُمْ. ١٨وَلكِنِ انْمُوا فِي النِّعْمَةِ وَفِي مَعْرِفَةِ رَبِّنَا وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ. لَهُ الْمَجْدُ الآنَ وَإِلَى يَوْمِ الدَّهْرِ. آمِينَ.
- إِذْ قَدْ سَبَقْتُمْ فَعَرَفْتُمُ: علينا نحن الذين نعرف يوم الرب ومنتظرينه ومتوقعينه بشوق أن ننتبه لئلا نتزحزح عن موقفنا وإيماننا الثابت (فَتَسْقُطُوا مِنْ ثَبَاتِكُمْ). وعلينا أن نهتم دائماً أن نبقى في صلة وعلاقة وطيدة مع الرب يسوع.
- “لكي يعرفوا كيف يثبتوا ولا يسقطوا، أعطاهم هذا التوجيه: ’انْمُوا فِي النِّعْمَةِ‘ لأن النمو يعني الثبات ويعني المضي قدماً. فلا يوجد مكان للثبات إلا بالتقدم المستمر.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَلكِنِ انْمُوا فِي النِّعْمَةِ وَفِي مَعْرِفَةِ رَبِّنَا وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ: نستطيع تجنب السقوط من خلال النمو المستمر فِي النِّعْمَةِ وَفِي مَعْرِفَةِ يسوع.
- النِّعْمَةِ ليست مجرد الطريقة التي يستخدمها الله في البداية لتجذبنا وتقربنا إليه، وإنما هي أيضاً الطريقة التي ننمو بها ونثبت. فلا يمكننا أن ننمو بمعزل عن نِّعْمَةِ ومَعْرِفَةِ رَبِّنَا، ولا يمكن أبداً أن ننمو خارج نعمة الله.
- “ستلاحظ أن النص لا يقول أي شيء عن النعمة التي تنمو، فلا يقول أن النعمة تنمو، بل يقول أن علينا نحن أن ’ننمو في النعمة.‘ وهناك فرق كبير بين النعمة التي تنمو ونمونا نحن في النعمة. فنعمة الله لا تنمو أبداً لأنها لا متناهية، لذلك لا يمكن أن تكثر أو تزداد، وهي أزلية وبلا حدود، ولأنها من الله، لا يمكن أن تكون أقل أو تنقص. ولكن يُخبرنا النص أن علينا أن نحن ’ننمو في النعمة.‘ فنحن الآن في بحر نعمة الله، ولا يمكن أن نكون في بحر أعمق من هذا، لذا دعونا ننمو الآن في هذا البحر.” سبيرجن (Spurgeon)
- يجب علينا أن ننمو أيضاً في مَعْرِفَةِ يسوع المسيح. وهذا يعني أن نعرف المزيد عن يسوع، لكن الأهم هو معرفة يسوع لتصبح لنا علاقة شخصية معه.
- لَهُ الْمَجْدُ: عندما نكون مستعدين وثابتين فِي النِّعْمَةِ وَفِي مَعْرِفَةِ رَبِّنَا نعطي المجد لله.
- لاحظَ سبيرجن (Spurgeon) أن رسالة بطرس الثانية تنتهي بـ”صوتي بوق مدويين.” البوق الأول من السماء إلى الأرض: انْمُوا فِي النِّعْمَةِ وَفِي مَعْرِفَةِ رَبِّنَا وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ. والبوق الثاني من الأرض إلى السماء: لَهُ الْمَجْدُ الآنَ وَإِلَى يَوْمِ الدَّهْرِ.
- آمِينَ: هذه الكلمة الأخيرة غير مشمولة أو موجودة في جميع المخطوطات القديمة لرسالة بطرس الثانية، ومع ذلك فهي مناسبة لرسالة تؤكد على الحق في مواجهة خطر الأنبياء الكذبة والمستهزئين. ويمكننا القول أن هناك أربع معاني لكلمة ’آمين‘:
- تعبر عن رغبة قلوبنا.
- تعبر عن تأكيد إيماننا.
- تعبر عن فرحة قلوبنا.
- تعبر عن إعلان إلتزامنا.
- استخدمت كلمة آمِينَ في العهد القديم عند إعلان اللعنات (تثنية ١٤:٢٧-٢٦). وفي العهد الجديد، نقول ’آمين‘ عند إعلان البركة والحمد للرب.
- أضاف آدم كلارك هذه الحاشية في نهاية رسالة بطرس الثانية: “تأملنا حتى الآن في كل كتابات بطرس القانونية، ومن الجدير بالملاحظة أنه لا يوجد مكان في أي من الرسالتين ولا في أقوال الرسول ولا في أي جزء من الكتب المقدسة يحتوي على أي عقيدة خاصة بالكنيسة الكاثوليكية الرومانية: فلا توجد كلمة واحدة عن سمو مكانة الرسول بطرس أو سمو الحبر الأعظم (بابا روما)؛ ولا توجد كلمة واحدة تبين من هم الذين يخلفون بطرس على الأرض، ولا شيء عن عصمة هؤلاء الذين يدعون أنهم خلفاءه؛ ولا شيء عن المطهر أو التكفير أو الحج أو الاعتراف أو قوة المفاتيح (التي يفتح بها السماء) أو الغفران أو سر دهن المرضى أو القداس أو الصلاة على الموتى؛ ولا نجد كلمة واحدة عن أهم عقيدة في الكنيسة الكاثوليكية الرومانية وهي عقيدة الاستحالة.” كلارك (Clarke)