رسالة فيلبّي – الإصحاح ٣
تَرْكُ الناموس والمُضِيّ قُدُمًا نحو يسوع
أوّلاً. عدم جدوى العلاقة مع الله على أساس الناموس
أ ) الآيات (١-٢): تحذير من تأثير اليهود الناموس الناموسيّين.
١أَخِيرًا يَا إِخْوَتِي افْرَحُوا فِي الرَّبِّ. كِتَابَةُ هذِهِ الأُمُورِ إِلَيْكُمْ لَيْسَتْ عَلَيَّ ثَقِيلَةً، وَأَمَّا لَكُمْ فَهِيَ مُؤَمِّنَةٌ. ٢اُنْظُرُوا الْكِلاَبَ. انْظُرُوا فَعَلَةَ الشَّرِّ. انْظُرُوا الْقَطْعَ.
- أَخِيرًا: هذا لا يعني أنَّ بولس قد أوشك على الانتهاء، لكنه كتب بولس هنا بالطريقة التي يتحدّث بها وعّاظ كثيرون. ومع ذلك، يجب أن نتوقّع نوعًا من الانتقال في الرسالة عند استعمال كلمة أَخِيرًا.
- “لا يستعمل بولس كلمة ’أخيرًا‘ هنا بنفس طريقة الكتّاب المعاصرين. وهناك ’أخيرًا‘ أخرى استخدمها في فيلبّي ٨:٤. وهو لا يقصد بهذا أنَّه على وشك إنهاء الرسالة. فالكلمات المترجمة بكلمة ’أخيرًا‘ تعني حرفيًا ’أما بالنسبة إلى البقية.‘” ويست (Wuest)
- ٱفْرَحُوا فِي ٱلرَّبِّ: هذا موضوع مناسب للرسالة بأكملها. فقد شارك بولس مع أهل فيلبّي مبدأ القدرة على الفرح فِي ٱلرَّبِّ – لا في الظروف ولا في المواقف، ولكن فِي ٱلرَّبِّ الذي يعمل كل شيء معًا من أجل الخير.
- هذا الفرح الثابت يلائم المؤمن لأنَّه يُظهِر أننا نتّكل حقًّا على إله نؤمن فعلاً بأنَّه مسيطر. فعندما نؤمن بذلك، فليس من المفاجئ أنْ نمتلئ بالفرح.
- ٱفْرَحُوا فِي ٱلرَّبِّ: “قد تكون هذه العبارة هي المقابل المسيحيّ لتسبيح العهد القديم: هللويا.” مارتن (Martin)
- “من واجبنا أن ننمّي هذا الفرح وأن نوقف أي ميل للتذمر والشكوى أو تصيّد الأخطاء في تعاملات الله أو السعي لإثارة التعاطف وأن نقاوم، على قدر المستطاع، إغراء الاكتئاب والكآبة وأي شكل من أشكال الخطية.” ماير (Meyer)
- كِتَابَةُ هَذِهِ ٱلْأُمُورِ إِلَيْكُمْ لَيْسَتْ عَلَيَّ ثَقِيلَةً، وَأَمَّا لَكُمْ فَهِيَ مُؤَمِّنَةٌ: لقد أكّد بولس لأهل فيلبّي أنَّه لا يمانع في تذكيرهم بالأشياء نفسها لأنّها كانت لسلامتهم.
- لم يمانع بولس في تذكيرهم لأنَّه كان قلقًا من قلبه من بعض الأخطار وحتماً سيتكلم بقوّة ضدها. “هذا الهيجان لافت للنظر جدًّا، لأنَّ شدّته تختلف تمامًا عن لهجة باقي الرسالة. فباقي الرسالة هادئ ومُشرِق ومليء بالفرح، لكنّ هذا الجزء عاصف وعاطفي ومليء بالكلمات المؤلمة والقاسية.” ماكلارين (Maclaren)
- اُنْظُرُوا ٱلْكِلَابَ: هذه إشارة قاسية إلى الناموسيّين المثيرين للمشاكل والذين حاولوا خداع أهل فيلبّي. كان ’ٱلْكِلَاب‘ مصطلحًا ازدرائيًّا يستخدمه اليهود ضد الوثنيين. فعندما استخدم بولس هذه الكلمة ضد هؤلاء الناموسيّين المتأثرين باليهودية كان لكلامه مغزى كبير.
- مولر (Muller) نقلا عن لايتفوت (Lightfoot): “إنَّ جماعات الكلاب التي تجول في مدن الشرق بلا مأوى ولا صاحب وتتغذّى على القمامة وقاذورات الشوارع وتتشاجر فيما بينها وتهاجم المارّة، توضّح لنا المعنى المجازيّ لهذا التصوير.”
- “لذلك يأمرنا الرسول بتوخّي الحذر من أصحاب الروح المشاكسة ومثيري النزاع الذين يخبّئون تحت عباءة الدين نجاسات وأدناس، الذين ليسوا أنجاسًا في حدّ ذاتهم فقط، بل ينجّسون غيرهم بتأثيرهم.” ماير (Meyer)
- ٱنْظُرُوا فَعَلَةَ ٱلشَّرِّ: يصف هذا كلا ممّا يفعله هؤلاء الناموسيّون (يفعلون ٱلشَّرّ)، وأيضاً تهاجم تأكيدهم على التبرُّر عند الله بواسطة الأعمال. فبولس يعترف أنهم يهتمّون بالأعمال، لكنّهم أيضاً فَعَلَةَ أشرار.
- فَعَلَةَ ٱلشَّرِّ: “هؤلاء الناس هم «غريبو الأطوار» في كنائسنا؛ وهم أصحاب البدع والهوايات. فهم يبالغون في أهمّيّة التفاهات، ويلاحقون كل نظرية وابتكار جديد، ويتبعونها على حساب الحقّ والمحبّة الأخوية.” ماير (Meyer)
- ٱنْظُرُوا ٱلْقَطْعَ: هذه إشارة أخرى قاسية إلى إصرار هؤلاء الناموسيّين المهوّدين على مطالبة الأمم الذين يريدون اعتناق المسيحيّة بالختان. وقد كان غرضهم كله أنَّ الشخص يجب أن يصبح يهوديًّا أوّلًا قبل أن يصبح مسيحيًّا.
- “إنَّهم لم ينكروا أن يسوع هو المسيح ولا أن إنجيله هو قدرة الله للخلاص، لكنّهم أصرّوا على أن المؤمنين من الأمم لا يمكن أن ينالوا ملء امتياز الإنجيل إِلَّا من خلال ناموس موسى.” ماير (Meyer)
- لكنَّ بولس لم يرَ إصرارهم على الختان جميلاً أو نبيلاً؛ إنّما اعتبره مثالًا قبيحًا على ٱلْقَطْع (أي البتر). فقد تصوّر ماكلارين (Maclaren) بولسَ يتكلّم هكذا: ”لن أسميهم ختانًا، فهم لم يُختَنوا، بل تم تجريحهم وبترهم ليس إِلَّا، ولقد كان ذلك مُجرَّد تشويه جسدي.”
- قال مارتن (Martin) عن ٱلْقَطْع: “عن طريق التلاعب بالكلمات، سخر بولس منهم بتسميته مُجرَّد قَطع (كاتاتومي katatome)، أي تشويه للجسم على غِرار الممارسات الوثنية المُحرَّمة في سفر اللاويين ٥:٢١.”
ب) الآيات (٣-٤): بولس يعرِّف الختان الحقيقيّ.
٣لأَنَّنَا نَحْنُ الْخِتَانَ، الَّذِينَ نَعْبُدُ اللهَ بِالرُّوحِ، وَنَفْتَخِرُ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، وَلاَ نَتَّكِلُ عَلَى الْجَسَدِ. ٤مَعَ أَنَّ لِي أَنْ أَتَّكِلَ عَلَى الْجَسَدِ أَيْضًا. إِنْ ظَنَّ وَاحِدٌ آخَرُ أَنْ يَتَّكِلَ عَلَى الْجَسَدِ فَأَنَا بِالأَوْلَى.
- لِأَنَّنَا نَحْنُ ٱلْخِتَانَ: هؤلاء الناموسيّون اليهود اعتبروا أنفسهم وحدهم المختونين حقًّا والأبرار عند الله. ولكنَّ أعلن بولس أنَّه هو وأتباعه هم ٱلْخِتَان الحقيقيّ.
- ٱلَّذِينَ نَعْبُدُ ٱللهَ بِٱلرُّوحِ: هذا هو تعريف الختان الحقيقيّ: أنّهم يعبدون ٱللهَ بِٱلرُّوحِ، على عكس العبادة الجسديّة والخارجيّة التي أكّد عليها هؤلاء الناموسيّون.
- “كلمة ’نَعْبُدُ‘ هي ترجمة لكلمة يونانيّة تدلّ على خدمة يهوه من قِبَل شعبه الخاصّ أي اليهود. وهي كلمة صادمة لليهوديّ حيث أنّها استُخدِمت في حقّ الأُمّم.” ويست (Wuest)
- وَنَفْتَخِرُ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ: هذا ما يميّز الختان الحقيقيّ أيضًا: افتخارهم لا يقوم على إمكانية تبرير الناموس أو حفظه، إنّما على يسوع وحده الذي هو مصدر افتخارهم.
- وَلَا نَتَّكِلُ عَلَى ٱلْجَسَدِ: هذه هي الخاصيّة الثالثة للختان الحقيقيّ: أنّهم لا يتّكلون على قدرتهم الشخصيّة لتبرير أمام الله من خلال أعمال ٱلْجَسَدِ، ولكنّ اتّكالهم الوحيد هو على يسوع.
- مَعَ أَنَّ لِي أَنْ أَتَّكِلَ عَلَى ٱلْجَسَدِ أَيْضًا … فَأَنَا بِٱلْأَوْلَى: كان بولس يعلم أنَّه مؤهَّل للتبرير بحفظ الناموس أكثر من أي واحد من خصومه الناموسيّين.
- من الغريب أنَّ أولئك الذين يروّجون لفكرة الثقة في الجسد، كانوا هم أنفسهم أقل الناس تأهيلًا للتمتّع بهذه الثقة. وهذا راجع إلى المبدأ الذي يفسّره بولس في كولوسي ٢٣:٢ «ٱلَّتِي لَهَا حِكَايَةُ حِكْمَةٍ (مظهر الحكمة)، بِعِبَادَةٍ نَافِلَةٍ، وَتَوَاضُعٍ، وَقَهْرِ ٱلْجَسَدِ، لَيْسَ بِقِيمَةٍ مَا مِنْ جِهَةِ (أي ضدّ) إِشْبَاعِ ٱلْبَشَرِيَّةِ».
ج) الآيات (٥-٦): الأسباب التي تمكّن بولس من الاتّكال على الجسد.
٥مِنْ جِهَةِ الْخِتَانِ مَخْتُونٌ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ، مِنْ جِنْسِ إِسْرَائِيلَ، مِنْ سِبْطِ بِنْيَامِينَ، عِبْرَانِيٌّ مِنَ الْعِبْرَانِيِّينَ. مِنْ جِهَةِ النَّامُوسِ فَرِّيسِيٌّ. ٦مِنْ جِهَةِ الْغَيْرَةِ مُضْطَهِدُ الْكَنِيسَةِ. مِنْ جِهَةِ الْبِرِّ الَّذِي فِي النَّامُوسِ بِلاَ لَوْمٍ.
- مَخْتُونٌ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّامِنِ: ذكر بولس أوّلًا أربعة أشياء كانت مِلكًا له بالولادة، وكلها مبرّرات لاتّكاله على الجسد.
- مَخْتُونٌ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّامِنِ وفقًا لسفر اللاويين ٣:١٢.
- مِنْ جِنْسِ إِسْرَائِيلَ، أي سليل إبراهيم وإسحاق ويعقوب؛ وبالتالي وريث لعهد الله الذي قطعه معهم.
- مِنْ سِبْطِ بِنْيَامِينَ، وهو سبط متميّز. فقد تميّز بنيامين بأَنَّه أعطى إسرائيل ملكها الأَوَّل شاول (صموئيل الأوَّل ١:٩-٢). وكان هو السبط الذي تحالف مع يهوذا الوفيّ عندما انقسمت إسرائيل إلى دولتين في عهد رحبعام (ملوك الأوَّل ٢١:١٢). وكان أيضًا السبط الذي سكن مدينة أورشليم (القضاة ٢١:١).
- عِبْرَانِيٌّ مِنَ ٱلْعِبْرَانِيِّينَ. وهذا جعله في تعارض مع اليهود الذين اعتنقوا الثقافة اليونانيّة حين انتشرت في حوض البحر المتوسط. ففي ذلك الوقت، خجل العديدون من اليهود من يهوديّتهم وحاولوا أنْ يعيشوا ويتصرّفوا مثل اليونانيّين بقدر استطاعتهم، حتّى أنّهم في بعض الأحيان أزالوا ختانهم أو أخفوه بجراحة تجميليّة حتّى يتمكنوا من الاستمتاع بالحمامات الرومانيّة العامة دون ملاحظة أنّهم يهود. وعلى النقيض من ذلك، تربّى بولس على أيدي والديه تربية عبرانيّة أصيلة (عِبْرَانِيٌّ مِنَ ٱلْعِبْرَانِيِّينَ).
- مِنْ جِهَةِ ٱلنَّامُوسِ: عدّد بولس بعد ذلك ثلاثة أشياء كانت ملكًا له باختياره وقناعته الشخصيّة، وهي جميعًا مبرّرات تجعله يتّكل على الجسد.
- مِنْ جِهَةِ ٱلنَّامُوسِ فَرِّيسِيًّا. ومن هذا نعلم أنَّه ضمن شعب مختار (اليهود) وأنه كان من طائفة مُختارة (الفريسيين) مشهود لها بمراعاتها الدقيقة لشريعة الله. “لم يكن عدد الفريسيين كبيرًا، إذ لم يزيدوا على ستة آلاف، لكنهم كانوا الرياضيّين الروحيّين لليهوديّة. فاسمهم في حدّ ذاته يعني المنفصلين. فالفريسيّون قد انفصلوا عن الحياة العاديّة وعن جميع المهام المألوفة بهدف حفظ أدقّ تفاصيل الناموس.” باركلي (Barclay). وينعكس اهتمام الفريسيّين بمراعاة الناموس في مقاطع مثل إنجيل متى ٢٣:٢٣.
- مِنْ جِهَةِ ٱلْغَيْرَةِ: مُضْطَهِدُ ٱلْكَنِيسَةِ. لم يكن بولس مُجرَّد خصم فكريّ لِمَا اعتبرته اليهوديّة هرطقة جديدة؛ بل كان أيضًا مقاتلًا نشطًا ضدها – حتّى أثناء عماه الروحي. فقول بولس إنَّ اليهود في أيامه «لَهُمْ غَيْرَةً لِلهِ، وَلَكِنْ لَيْسَ حَسَبَ ٱلْمَعْرِفَةِ» (رومية ٢:١٠)، ينطبق على حياته هو أيضًا قبل أن يتقابل مع الله في الطريق إلى دمشق.
- مِنْ جِهَةِ ٱلْبِرِّ ٱلَّذِي فِي ٱلنَّامُوسِ: بِلَا لَوْمٍ. هذا يدلّ على أنَّ بولس حقّق معيار البرّ المقبول بين الناس في أيامه – على الرغم من أنَّ هذا المعيار يقل عن المعيار المُقدَّس المقبول عند الله. وبسبب طريقة تفسير الناموس وتعليمه، انخدع بعض الناس في ذلك الزمن، مثل الغنيّ الشابّ (لوقا ١٨:١٨-٢٣)، واعتقدوا أنّهم بِلَا لَوْمٍ حقًّا.
- باختصار، إذا كان بإمكان أي شخص أن يدّعي إرضاء الله من خلال حفظ الناموس وأعمال الجسد، فبولس هو الأَولى. فقد كان مؤهلًا أكثر بكثير من خصومه الناموسيّين لتقديم مثل هذا الادعاء.
د ) الآية (٧): بولس يرفض الاتّكال على الجسد كلّيّةً.
٧لَكِنْ مَا كَانَ لِي رِبْحًا، فَهَذَا قَدْ حَسِبْتُهُ مِنْ أَجْلِ ٱلْمَسِيحِ خَسَارَةً.
- فَهَذَا قَدْ حَسِبْتُهُ مِنْ أَجْلِ ٱلْمَسِيحِ خَسَارَةً: حتماً سيفتخر أيًّا من المعلمين المُفسِدين، الذين حذّر منهم بولس، بادّعاء نسب مثل نسب بولس. ولكنَّ بولس قالها صريحةً: هذه الأشياء حَسِبْتُها مِنْ أَجْلِ ٱلْمَسِيحِ خَسَارَةً.
- “وردت كلمة ’رِبْح‘بصيغة الجمع في اليونانيّة وتعني ’مكاسب‘… أمَّا ’خَسَارَة‘ فوردت بصيغة المفرد. فكل المكاسب تُحسَب كخسارة واحدة.‘ ويست (Wuest)
- “كان ماهرًا في تقييمه للأمور الروحيّة، وحذرًا جدًا في حساباته. فحسب نفقاته بحذر ولاحظ خسائره ومكاسبه بدقة.” سبيرجن (Spurgeon)
- قَدْ حَسِبْتُهُ … خَسَارَةً: حَسِبَ بولس هذه الأشياء خسارة. وهي لم تكن خسارة من ذاتها، بل اختار هو أنْ يعتبرها خَسَارَةً.
- قد حُسِبَت خَسَارَةً ليس لأنها كانت ضارّة لبولس، لكنْ لأنّ هذه الأشياء كانت طرقًا سعى بها بولس لإرضاء الله بقدرات الجسد. وقبل أن يصبح بولس مسيحيًّا، كان يعتقد أنَّ كل هذه الأشياء تجعله ناجحًا في إرضاء الله بالأعمال.
- يجوز لنا أن نقول إنَّ موقف بولس كان هو نفسه الموقف الذي وصفه يسوع في مثل اللؤلؤة الكثيرة الثمن (متى ٤٥:١٣-٤٦).
ثانيًا: ثقة بولس المطلقة في علاقته الحيّة مع يسوع المسيح
أ ) الآية (٨): ربح بولس في يسوع المسيح.
٨بَلْ إِنِّي أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ أَيْضًا خَسَارَةً مِنْ أَجْلِ فَضْلِ مَعْرِفَةِ ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّي، ٱلَّذِي مِنْ أَجْلِهِ خَسِرْتُ كُلَّ ٱلْأَشْيَاءِ، وَأَنَا أَحْسِبُهَا نُفَايَةً لِكَيْ أَرْبَحَ ٱلْمَسِيحَ.
- بَلْ إِنِّي أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ أَيْضًا خَسَارَةً: لم يحسب بولس نسبه الديني كخسارة فقط، بل كان يحسب كُلَّ شَيْءٍ أَيْضًا خَسَارَةً – لكنّه اعتبرها خسارة في ضوء فَضْلِ (أي تميّز) مَعْرِفَةِ ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ.
- بَلْ إِنِّي: “هي ترجمة لخمس أدوات، ترجمتها الحرفية: «نعم، في الواقع، لذلك، على الأقل، حتّى»، وهي تعبّر عن شدة اقتناع بولس وعاطفته.” ويست (Wuest)
- لم تكن هذه الأشياء عديمة القيمة في حدّ ذاتها، ولكن مقارنةً بعظمة فَضْلِ مَعْرِفَةِ ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ، كانت في الحقيقة كَلَا شيء.
- وضع بولس هنا العلاقة الشخصيّة مع يسوع المسيح في صميم حياة المؤمن. وقبل بفرح خسارة كل الأشياء الأخرى في مقابل عظمة هذه العلاقة الشخصيّة.
- قال بولس في فيلبّي ٧:٣ إنَّه حَسِب، أمَّا في هذه الآية فقال: إِنِّي أَحْسِبُ … أَيْضًا. فالحساب الأَوَّل كان عند اهتدائه، أمَّا الثاني (بعد حوالي ٣٠ سنة) فكان في سجنه في روما. وبعد كل ما خاضه، كان لا يزال يحسب التخلِّي عن كل شيء في سبيل اتّباع يسوع أمرًا يستحقّ العناء.
- “بعد عشرين عامًا أو أكثر من الخبرة، أتيحت لبولس فرصة لمراجعة كشف حسابه، وإعادة النظر في تقديراته، ومعرفة ما إذا كان حسابه صحيحًا أم لا. فماذا كان موضوع آخر مراجعة لحساباته؟ وكيف كان الحال عند آخر تقييم أجراه؟ لا بد أنه أعلن بقوة: «إِنِّي أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ أَيْضًا خَسَارَةً مِنْ أَجْلِ فَضْلِ مَعْرِفَةِ ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّي».” سبيرجن (Spurgeon)
- ٱلَّذِي مِنْ أَجْلِهِ خَسِرْتُ كُلَّ ٱلْأَشْيَاءِ: لم تكن هذه الخسارة مُجرَّد تدريبًا روحيًّا داخليًّا، بل عانى بولس بالفعل من خسارة كل الأشياء كي يربح المسيح.
- يتّضح هذا من المكان والظروف التي كتب بولس فيها هذه الرسالة – سجن روما، حيث كان يستطيع حقًّا أنْ يقول إنَّه خَسِرَ كُلَّ ٱلْأَشْيَاءِ.
- أَحْسِبُهَا نُفَايَةً: استخدم بولس هنا نبرة قويّة. فإن بولس اعتبرها حرفيًّا برازًا أو روثًا، ليس من حيث عدم قيمتها فقط، ولكن من حيث قباحتها أيضاً.
- كانت الكلمة اليونانيّة القديمة للنفاية تحمل معنيين. فهي إمّا أن تصف الفضلات الخارجة من البدن أو بقايا الطعام الذي يفضل من المائدة ولا يصلح إِلَّا لرميه للكلاب. ونحن نظنّ أنَّ بولس كان سيلائمه أيٌّ من المعنيين في هذا السياق.
- “تعني كلمة [نُفَايَة] أدنى أنواع الخَبَث أو الزبالة أو أسوأ الفضلات. وتُبيِّن الكلمة مدى عدم تقدير الرسول لأي شيء، من حيث فائدته للخلاص، إِلَّا إنجيل يسوع.” كلارك (Clark)
ب) الآية (٩): الفوائد الروحيّة لرِبحه في يسوع المسيح.
٩وَأُوجَدَ فِيهِ، وَلَيْسَ لِي بِرِّي ٱلَّذِي مِنَ ٱلنَّامُوسِ، بَلِ ٱلَّذِي بِإِيمَانِ ٱلْمَسِيحِ، ٱلْبِرُّ ٱلَّذِي مِنَ ٱللهِ بِٱلْإِيمَانِ.
- وَأُوجَدَ فِيهِ: لأنَّ بولس كان فِيهِ، أمكنه أن يتخلّى عن بِرِّه ويعيش بـٱلْبِرّ ٱلَّذِي مِنَ [عند] ٱللهِ بِٱلْإِيمَانِ. وكان أساس حياته الروحيّة هو ما فعله يسوع من أجله، لا ما فعله أو كان يفعله أو سيفعله هو من أجل يسوع في المستقبل.
- ٱلْبِرُّ ٱلَّذِي مِنَ [عند] ٱللهِ بِٱلْإِيمَانِ: كشف بولس هنا الفرق الكبير بين العلاقة الناموسيّة التي أكّد عليها خصومه وعلاقته الشخصيّة بيسوع المسيح، أي بين العيش والثقة في برّك الشخصيّ والعيش والثقة في برّ الله الممنوح بواسطة الإيمان بالمسيح: بِإِيمَانِ ٱلْمَسِيحِ.
- “إنَّه يتبرّأ من برّه بالسرعة التي يبرّأ بها غيره من الناس من خطاياهم، ويقدّر البرّ الذي أنشأه المسيح لنا، والذي صار لنا بالإيمان.” سبيرجن (Spurgeon)
ج) الآيات (١٠-١١): اختبار بولس للعلاقة الشخصيّة مع يسوع.
١٠لِأَعْرِفَهُ، وَقُوَّةَ قِيَامَتِهِ، وَشَرِكَةَ آلَامِهِ، مُتَشَبِّهًا بِمَوْتِهِ، ١١لَعَلِّي أَبْلُغُ إِلَى قِيَامَةِ ٱلْأَمْوَاتِ.
- لِأَعْرِفَهُ: كان هذا النداء البسيط المتصاعد من قلب بولس. وهو نداء يجهله الناموسيّ، الذي يجب أن يركّز بالضرورة على أدائه ومكانته لإيجاد نوع من السلام مع الله. ولكنَّ بولس أراد يسوع، وليس الذات.
- معرفة يسوع ليست هي معرفة حياته التاريخيّة، وليست هي معرفة العقائد الصحيحة المتعلّقة به، وليست معرفة مبادئه الأخلاقية، ولا حتى معرفة عمله العظيم من أجلنا.
- يمكننا القول بأنَّنا نعرف شخصًا لأننا قادرون على التعرُّف عليه؛ لأننا قادرون على تمييز ما يفرّقه عن غيره من الأشخاص.
- يمكننا القول بأنَّنا نعرف شخصًا لأننا على دراية بما يفعل؛ فنحن نعرف الخبّاز لأننا نحصل منه على الخبز.
- يمكننا القول بأنَّنا نعرف شخصًا لأننا نتحدث معه بالفعل؛ فنحن في حوار مع هذا الشخص.
- يمكننا القول بأنَّنا نعرف شخصًا لأننا نقضي وقتًا في منزله ومع أسرته.
- يمكننا القول بأنَّنا نعرف شخصًا لأننا تعهّدنا بقضاء حياتنا معه كل يوم، ومشاركة كل الظروف معه، كما يحدث في الزواج.
- ولكن بعد هذا كله، هناك طريقة لمعرفة يسوع المسيح تشمل كل هذه الأشياء ولكنها تتجاوزها.
- “يقولون لي إنه المُطهِّر الذي يطهّر من الدنس؛ وهو فعلاً غسلني بدمه الثمين، وبالتالي أنا أعرفه. ويقولون لي إنَّه كسا العريان، وهو فعلاً كساني رداء البر، وبالتالي أنا أعرفه. يقولون لي إنَّه يكسر السلاسل والقيود، وهو فعلاً حرّر نفسي، وبالتالي أنا أعرفه. ويقولون لي أيضاً إنَّه ملك وأنه غلّب الخطية، وهو من وضع أعدائي تحت قدميه؛ فأنا قد عرفت واختبرت هذه الشخصيّة. ويقولون لي إنه راعٍ؛ وأنا أعرفه لأني من خرافه. ويقولون إنَّه الباب؛ وأنا قد دخلت منه وأعرف أنّه الباب. ويقولون إنه طعام؛ وروحيّ تتغذّى عليه كخبز السماء، وبالتالي أنا أعرفه.” سبيرجن (Spurgeon)
- معرفة يسوع ليست هي معرفة حياته التاريخيّة، وليست هي معرفة العقائد الصحيحة المتعلّقة به، وليست معرفة مبادئه الأخلاقية، ولا حتى معرفة عمله العظيم من أجلنا.
- وَقُوَّةَ قِيَامَتِهِ: معرفة يسوع تعني معرفة واختبار هذه القُوَّة، أي اختبار الحياة الجديدة الممنوحة لنا الآن وليس عندما نموت.
- “إنَّه يريد أن يعرف قوّة قيامة المسيح بطريقة اختباريّة. بمعنى أنَّه يريد أن يختبر نفس القوّة، التي أقامت المسيح من بين الأموات، تجتاح كلّ كيانه، وتنتصر على الخطيئة في حياته وتُنتِج النِّعَم المسيحيّة.” ويست (Wuest)
- “بَيْد أنَّي لا أعتقد أنَّ بولس يفكر هنا في القوّة الظاهرة في القيامة، بل في القوّة الناتجة منها، والتي نكون مُحقّين بأن نطلق عليها: «قُوَّةَ قِيَامَتِهِ.» وهذا ما أراد الرسول أن يبلغه ويعرفه (يختبره).” سبيرجن (Spurgeon)
- قوّة قيامته هي قوّة إثبات. إنَّها الإثبات والختم على أنَّ كل ما فعله يسوع وقاله كان صحيحًا.
- قوّة قيامته هي قوّة تبرير. إنها الإيصال والإثبات على أنَّ ذبيحة الصليب استوفت الدين كله.
- قوّة قيامته هي قوّة مانحة للحياة. وهذا يعني أنَّ المرتبطين بيسوع المسيح يحصلون على نفس حياة القيامة.
- قوّة قيامته هي قوّة تعزية وراحة. فهو يعد بأنّ أصدقاءنا وأحبّاءنا الذين ماتوا في المسيح يحيون معه.
- وَشَرِكَةَ آلَامِهِ: معرفة يسوع تعني أيضًا معرفة شَرِكَةَ آلَامِهِ. وكل ذلك جزء من اتّباع يسوع والوجود في المسيح. ويمكننا أنْ نقول إنَّ الألم هو جزء من ميراثنا كأولاد لله؛ إذ نصبح أفرادًا في عائلة المتألمين: «فَإِنْ كُنَّا أَوْلَادًا فَإِنَّنَا وَرَثَةٌ أَيْضًا، وَرَثَةُ ٱللهِ وَوَارِثُونَ مَعَ ٱلْمَسِيحِ. إِنْ كُنَّا نَتَأَلَّمُ مَعَهُ لِكَيْ نَتَمَجَّدَ أَيْضًا مَعَهُ» (رومية ١٧:٨).
- مُتَشَبِّهًا بِمَوْتِهِ: هذا يذكّرنا بأن الوجود في المسيح يعني أيضًا أن نوجد ’في‘ موته. ولهذه الكلمات مغزى خاصّ عند بولس الذي رُبَّما كان موشكًا على الموت.
- لَعَلِّي أَبْلُغُ إِلَى قِيَامَةِ ٱلْأَمْوَاتِ: لم يكن بولس مهووسًا بالتألُّم والموت في الحياة المسيحيّة. بل كان يرى أنهما وسيلتان ضروريتان للحصول على حياة القيامة الآن ثُمَّ القيامة النهائية من بين الأموات.
- كان هذا الهدف يستحق أي تضحية من بولس، حتى الألم، نظرًا إلى عظمة هدف القيامة من الأموات.
- لَعَلِّي أَبْلُغُ: لم يشكّ بولس في أنَّه نال الخلاص، لكنّه كان يتوق بشدّة إلى إتمام خلاصه بواسطة قيامة جسده. فقد كان ذلك شيئًا لم يبلغه بعد وظلّ يتوق إليه.
- تذكّر أنَّ بولس كتب هذا بعد أن تجرّع آلامًا أكثر مِمّا سنتعرّض نحن لها أبدًا، وقد كتبه وهو في عُهدة جنود رومان. فلم تكن هذه مُجرَّد نظرية أو أفكار لاهوتيّة، بل علاقة مُعاشَة مع الله.
د ) الآيات (١٢-١٤): مستقبل علاقة بولس بيسوع المسيح.
١٢لَيْسَ أَنِّي قَدْ نِلْتُ أَوْ صِرْتُ كَامِلًا، وَلَكِنِّي أَسْعَى لَعَلِّي أُدْرِكُ ٱلَّذِي لِأَجْلِهِ أَدْرَكَنِي أَيْضًا ٱلْمَسِيحُ يَسُوعُ. ١٣أَيُّهَا ٱلْإِخْوَةُ، أَنَا لَسْتُ أَحْسِبُ نَفْسِي أَنِّي قَدْ أَدْرَكْتُ. وَلَكِنِّي أَفْعَلُ شَيْئًا وَاحِدًا: إِذْ أَنَا أَنْسَى مَا هُوَ وَرَاءُ وَأَمْتَدُّ إِلَى مَا هُوَ قُدَّامُ، ١٤أَسْعَى نَحْوَ ٱلْغَرَضِ لِأَجْلِ جَعَالَةِ دَعْوَةِ ٱللهِ ٱلْعُلْيَا فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ.
- لَيْسَ أَنِّي قَدْ نِلْتُ: كتب بولس هذا من حالة نضج ونقاء روحيّ عالٍ حتّى أننا قد نتوقّع أنَّه كان يؤمن أنَّه تغلّب على كل الصعوبات الروحيّة ورأى أنّه قد بلغ الكمال. ولكنه أكّد لنا أنّ الحال ليس كذلك. فبولس لم يؤمن بالكماليّة.
- للأسف، أصبح من المعتاد أنْ يكون موقف الكثيرين من القادة المؤمنين أنّهم قد نالوا (أي بلغوا الكمال). وبدون كلام مسموع، يرسمون على وجوههم صورة الانتصار الدائم، التي توحي بأنهم قد نالوا الكمال بالفعل.
- “أيها الإخوة، إنَّه أمر صحيّ جدًّا بالنسبة إلينا، نحن الخُدّام، أن نقرأ سيرة حياة مثل التي كتبها مَكشاين (M’Cheyne). اقرأها إذا كنت خادمًا، فهي كفيلة بالقضاء على كبرياء الكثيرين منكم. إذ ستجدون تصوّراتكم عن أنفسكم تنهار بصورة مرعبة. اقرأوا مثلاً قصة حياة برينرد (Brainerd) بين الهنود أو باكستر (Baxter) في بلادنا أو تأمّلوا قداسة جورج هربرت (George Herbert) أو تفاني فليتشر (Fletcher) أو حماسة وايتفيلد (Whitfield). أين تجدون أنفسكم بعد قراءة سير حياتهم؟ ألَا يليق بكم الآن البحث عن مكان اختباء لضآلتكم؟” سبيرجن (Spurgeon)
- “كما أنَّ الطفل الصغير إنسان كامل، لكنه لا يزال بعيدًا عن الكمال في جميع تطوّراته كرجل، هكذا الطفل الحقيقيّ لله كامل أيضًا في مُجمله، رغم أنَّه غير كامل بعد في جميع مراحل نموّه في الإيمان.” مولر (Muller)
- “في حين أنَّ عمل المسيح من أجلنا كامل، ومن الوقاحة محاولة إضافة شيء إليه، فإنّ عمل الروح القدس فينا ليس كاملًا، وإنما يعمل باستمرار فينا من يوم إلى آخر، ويجب أن يستمر طوال حياتنا كلها.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَلَكِنِّي أَسْعَى: أدرك بولس أنَّه ليس كاملاً، لهذا كان أمامه خياراً واحداً فقط: أن يَسعَى (أي يواصل). إذ لم تكن العودة أمرًا واردًا في حسابه.
- عندما كانت أسبانيا تملك العالم (في القرن الخامس عشر)، كانت عُملتها تعكس كبريائها الوطني، إذ كان مكتوبًا عليها ’Ne Plus Ultra‘ أي: ’لا توجد نقطة أبعد‘ – وكأنّ أسبانيا هي أفضل بلاد العالم. وبعد اكتشاف العالم الجديد، أدركت أسبانيا أنها ليست أبعد ما في العالم، لذلك غيّرت الكتابة على عملتها إلى Plus Ultra أي ’لم يزل هناك المزيد.‘ وبالمثل، تقول حياة بعض المؤمنين: ’لا شيء أكثر‘ وتقول حياة آخرين: ’لم يزل هناك المزيد.‘
- هذا هو المنعطف الذي يلتقي فيه إيمان الأطفال بالنضج الحقيقيّ. فالطفل لا يستطيع الانتظار حتّى يكبر، ويريد دائمًا أن يكون أكثر نضجًا.
- معنى ’لَكِنِّي أَسْعَى‘ أنَّ بولس وضع يده على المحراث ورفض النظر إلى الخلف (رومية ٤:٦) – لكي يسعى بولس إلى تتميم عمل يسوع الفدائيّ في نفسه.
- اختار يسوعُ بولسَ ليجعله مشابهًا لصورة يسوع المسيح (رومية ٢٩:٨) – لكي يسعى بولس إلى نيل طبيعة يسوع في داخله.
- اختار يسوعُ بولسَ ليجعله شاهدًا (أعمال الرسل ١٥:٩) – كي يسعى بولس لاختبار حقيقي يشهد عنه للآخرين.
- اختار يسوعُ بولسَ ليجعله أداة لهداية الآخرين (أعمال الرسل ١٥:٩) – لكي يسعى بولس لجذب الآخرين إلى يسوع.
- اختار يسوعُ بولسَ لكي يتألم (أعمال الرسل ١٦:٩) – لكي يسعى بولس للألم في حياته ويتمتع في شركة آلامه.
- اختار يسوعُ بولسَ حتّى يبلغ إلى قيامة الأموات (فيلبّي ١١:٣) – لكي يدرك بولس هذا الرجاء السماويّ.
- لِأَجْلِ جَعَالَةِ دَعْوَةِ ٱللهِ ٱلْعُلْيَا فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ: ركّز بولس على شيء واحد ولم يدع مَا هُوَ وَرَاءُ يُلهيه عنه. فهو قد جاهد للحصول على الجَعَالَةِ (الجائزة).
- كثيرًا ما نترك مَا هُوَ وَرَاءُ يُلهينا، سواء كان ذلك أشياء جيّدة أو سيئة. ولكن النظر إلى ما كان في الماضي كثيرًا ما يمنعنا من نيل ما يذخره لنا الله في المستقبل.
- العيش في الماضي أو في المستقبل هو مجرد خدعة؛ فالله يريدنا أن نجاهد في الحاضر، لأن الحاضر هو الزمن الذي نتلامس فيه مع الأبديّة. وكان بولس يعلم أنَّ الفائز يربح السباق في الوقت الحاضر فقط، لا في الماضي ولا في المستقبل.
- أَسْعَى نَحْوَ ٱلْغَرَضِ لِأَجْلِ جَعَالَةِ دَعْوَةِ ٱللهِ ٱلْعُلْيَا فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ: الجَعَالَة (الجائزة) هي دَعْوَةِ ٱللهِ ٱلْعُلْيَا. فالجائزة (الجَعَالَة) هي الدعوة ذاتها، لا الفوائد التي تُجنَى من الدعوة أو أي شيء آخر. فالجائزة هي القدرة على الركض في السباق أصلاً، والعمل مع الله كشريك لتنفيذ عمل ملكوته.
- “إنها دعوة عليا لأنها تأتي من أعلى، من عند الله؛ مصدرها قلبه. إنها دعوة عليا لأنها جديرة بالله. إنَّها دعوة عليا لأنها أعلى بكثير من مُثُل البشر. إنَّها دعوة عليا لأنها تدعونا إلى حيث يجلس المسيح عن يمين الله.” ماير (Meyer)
- ونظرًا لأنها دعوة جليلة، فمن الجدير السعي نحوها. “تشير الكلمة اليونانيّة إلى الجهود الشديدة المبذولة في السباق؛ حيث تُشدّ كل عضلة وعصب، ويوجّه المتسابق كل قدر من طاقته في الجري. فكان بولس يركض طوال حياته، وكان يركض من أجل حياته.” كلارك (Clark)
- جَعَالَةِ دَعْوَةِ ٱللهِ ٱلْعُلْيَا فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ: إنَّ دَعْوَة ٱللهِ ٱلْعُلْيَا هذه، مَثَلها مَثَل كل شيء غيرها، هي فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ فقط. وقد يقول الناموسيّون إنَّهم اتّبعوا دَعْوَة ٱللهِ ٱلْعُلْيَا، لكنّهم بالتأكيد لم يفعلوا ذلك فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ؛ إنّما فعلوا ذلك بجهودهم الشخصية.
هـ) الآيات (١٥-١٦): بولس يحثّ أهل فيلبّي على تبنّي هذا الموقف نفسه.
١٥فَلْيَفْتَكِرْ هَذَا جَمِيعُ ٱلْكَامِلِينَ مِنَّا، وَإِنِ ٱفْتَكَرْتُمْ شَيْئًا بِخِلَافِهِ فَٱللهُ سَيُعْلِنُ لَكُمْ هَذَا أَيْضًا. ١٦وَأَمَّا مَا قَدْ أَدْرَكْنَاهُ، فَلْنَسْلُكْ بِحَسَبِ ذَلِكَ ٱلْقَانُونِ عَيْنِهِ، وَنَفْتَكِرْ ذَلِكَ عَيْنَهُ.
- فَلْيَفْتَكِرْ هَذَا جَمِيعُ ٱلْكَامِلِينَ مِنَّا: أولئك الكاملون (الناضجون) حقًّا لهم هذا الفكر. وإذا لم يكن الأمر كذلك، فإنّ بولس واثق أنّ الله سيكشف لهم عن ضرورة تبنّي هذا الموقف نفسه.
- ٱللهُ سَيُعْلِنُ لَكُمْ هَذَا أَيْضًا: لقد كان بولس على ثقة كبيرة في قدرة الربّ على التعامل مع شعبه. فلم يكن يعتقد أنَّه إذا فشل هو في إقناعهم، فلن يقتنعوا أبدًا.
- وَأَمَّا مَا قَدْ أَدْرَكْنَاهُ، فَلْنَسْلُكْ بِحَسَبِ ذَلِكَ ٱلْقَانُونِ عَيْنِهِ: ومع ذلك، لم يسمح بولس بعدم الفهم أنْ يكون عذرًا لأي شخص عن عمل ما يعرف أنَّه إرادة الربّ. فإنَّ ما لا نعرفه لا يعفينا أبدًا من عدم تنفيذ ما نعرف أنه واجبنا.
- وَنَفْتَكِرْ ذَلِكَ عَيْنَهُ: جزء أساسيّ من عمل ما نعرفه هو أن يكون لنا نفس الفكر. وهذه الدعوة للوحدة (وحدة الحقّ، ضد الانقسام المحتمل الذي يسبّبه الناموسيّون) مرتبطة بما ورد في فيلبّي ١:٢-٢.
- لم تنبع مشاكل الوحدة التي يواجهها أهل فيلبّي من التصرفات الجسدية للبعض كما كان الحال مع أهل كورنثوس (كورنثوس الأولى ١:٣-٤). بل يبدو أنَّ الخطر كان يتمثّل في الضغط، سواء من الخارج (فيلبّي ٢٧:١-٣٠) أو من الداخل (فيلبّي ٢:٣). لذا أراد بولس أنَّ يتأكَّد من أنَّ هذا الضغط يقرّبهم بدلًا من أنْ يفرّقهم.
ثالثًا. السير الحسن
أ ) الآية (١٧): مثال جيد على السير الحسن: بولس وغيره.
١٧كُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِي مَعًا أَيُّهَا ٱلْإِخْوَةُ، وَلَاحِظُوا ٱلَّذِينَ يَسِيرُونَ هَكَذَا كَمَا نَحْنُ عِنْدَكُمْ قُدْوَةٌ.
- كُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِي: يجب ألَّا نعتقد أنَّ بولس كان مغرورًا هنا. فقد كان يعلم أنَّه ليس معصومًا من الخطية ولا مثلاً أعلى، ولكنه مع ذلك مثال جيّد. فأمكنه أن يقول كما قال في كورنثوس الأولى ١:١١ «كُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِي كَمَا أَنَا أَيْضًا بِٱلْمَسِيحِ».
- جميعنا يحتاج إلى قدوة حسنة في حياته. صحيح أنَّه من الخطأ وضع ثقتنا في أي إنسان، إِلَّا أنّه من النفاق أن يقول المؤمن: ’اِعْمَلْ ما أقول، لا ما أفعل.‘
- وَلَاحِظُوا ٱلَّذِينَ يَسِيرُونَ هَكَذَا: لم يكن بولس مغرورًا بحيث يعتقد أنّه الشخص الوحيد الذي يمكن أن يكون قدوة حسنة. فقد طلب من أهل فيلبّي أن يلاحظوا أولئك ٱلَّذِينَ يَسِيرُونَ بالطريقة التي تحدث عنها، وأوصى أهل فيلبّي أنْ يتّخذوهم قدوة كَمَا نَحْنُ عِنْدَكُمْ قُدْوَةٌ (بدلًا من القول إنَّ بولس وحده هو القدوة).
ب) الآيات (١٨-١٩): الأمثلة السيئة: أَعْدَاءُ الصَلِيبِ.
١٨لِأَنَّ كَثِيرِينَ يَسِيرُونَ مِمَّنْ كُنْتُ أَذْكُرُهُمْ لَكُمْ مِرَارًا، وَٱلْآنَ أَذْكُرُهُمْ أَيْضًا بَاكِيًا، وَهُمْ أَعْدَاءُ صَلِيبِ ٱلْمَسِيحِ، ١٩ٱلَّذِينَ نِهَايَتُهُمُ ٱلْهَلَاكُ، ٱلَّذِينَ إِلَهُهُمْ بَطْنُهُمْ وَمَجْدُهُمْ فِي خِزْيِهِمِ، ٱلَّذِينَ يَفْتَكِرُونَ فِي ٱلْأَرْضِيَّاتِ.
- لِأَنَّ كَثِيرِينَ يَسِيرُونَ: يدرك بولس بحزن شديد أنْ هناك الكثيرين مِمَّن يَسِيرُونَ بطريقة تتعارض مع ما يعلّمه. وهو يعتبر هؤلاء الناس أَعْدَاءً لصَلِيبِ ٱلْمَسِيحِ.
- كان أَعْدَاء صَلِيبِ ٱلْمَسِيحِ في الحقيقة على نقيض الناموسيّين، الذين يتفاخرون بحريّتهم الموهومة في المسيح لإشباع شهواتهم الجسديّة.
- قد اضطر بولس إلى التعامل مع أشخاص مثل هؤلاء في كورنثوس الأولى ١٢:٦-٢٠ ورومية ٦، مِمَّن اعتقدوا أنَّ الخلاص يأتي بدون توبة وتغيير قلبي، وظنوا أنَّه طالما أنَّ نفسك قد نالت الخلاص، فلا يهمّ ما تفعله بجسدك.
- عندما نقول إنَّ أشخاصًا بعينهم أعداءٌ للصليب، فإننا لا نعني أنهم أعداء لصورة الصليب الماديّة. وإنّما نقصد أنّهم أعداء الحقّ الكتابيّ الخاصّ بالكفارة التي صنعها يسوع لنا على الصليب وأعداء لقوتها وتأثيرها المستمرّين في حياتنا.
- وقد كان هؤلاء الناس حقًّا أَعْدَاءً لصَلِيبِ ٱلْمَسِيحِ، فلم يريدون أن يتبعوا يسوع بحمل صليب إنكار الذات (متى ٢٤:١٦-٢٦).
- وَٱلْآنَ أَذْكُرُهُمْ أَيْضًا بَاكِيًا: لقد كان عمل هؤلاء الأَعْدَاء وغرضهم أنّهم، في تجاهلهم لقداسة الله، وفّروا ذخيرة لاتهام الناموسيّين لبولس بأَنَّه يبشّر بنعمة رخيصة لا تتطلب أي تكريس للحياة. وهذا ما أحزن بولس جدًّا من تعليمهم.
- يعتقد سبيرجن (Spurgeon) أنَّ بولس بكى لثلاثة أسباب: أولًا، بسبب ذنب أعداء صليب المسيح. ثانيًا، بسبب الآثار السيئة لسلوكهم. وأخيرًا، بسبب مصيرهم الأبدي.
- “لم أقرأ أبدًا أنَّ الرسول بكى عندما اضُطِهد. فرغم أنهم شقّقوا ظهره بالسياط، إِلَّا أنني أعتقد أنَّ عينه لم تذرف ولو دمعة واحدة بينما كان الجنود يجلدونه. وعلى الرغم من إلقائه في السجن، فإننا نقرأ أنّه كان يرنّم، ولم يتأوّه أبدًا. لا أعتقد أنَّه بكى على الإطلاق بسبب أي تألّم أو أخطار تعرّض لها هو نفسه من أجل المسيح. إنّما أسمّي هذا حزنًا غير عادي، لأنَّ الرجل الذي بكى لم يكن معروفًا بالعاطفية، ونادرًا ما ذرف الدموع حتّى وهو في أشدّ المحن.” سبيرجن (Spurgeon)
- “إنَّ المعلمين الدينيين الذين يدخلون الكنيسة ويعيشون حياة شريرة، هم أسوأ أعداء لصليب المسيح. فهؤلاء هم الذين يُحزنون الواعظ ويكسرون قلبه. إنَّهم أعداء صليب المسيح.” سبيرجن (Spurgeon)
- ٱلَّذِينَ نِهَايَتُهُمُ ٱلْهَلَاكُ: الكلمة المترجمة ’ٱلْهَلَاكُ‘ هي نفس الكلمة المستخدمة بمعنى الدمار في أماكن أخرى (مثل فيلبّي ٢٨:١). ويمكن أن تشير إمّا إلى الهلاك النهائي أو إلى التدمير الذاتي الحالي. ولكنْ في الغالب الهلاك الأخير هو المقصود هنا.
- ٱلَّذِينَ إِلَهُهُمْ بَطْنُهُمْ: هذا وصف لوثنية هؤلاء الأَعْدَاء. فليس المقصود أنّهم ركزوا بالضرورة على ما يأكلونه، لكنَّ البطن هنا تدلّ على معنى أوسع: أي الانغماس في الشهوة بشكل عام. فهم يعيشون من أجل ملذّات الجسد والذهن والنفس.
- وَمَجْدُهُمْ فِي خِزْيِهِمِ: هذا يبيّن أولويّات هؤلاء الأَعْدَاء التي في غير محلّها. فهم قد تفاخروا بأشياء كان ينبغي لهم بالأولى أن يخجلوا منها.
- ٱلَّذِينَ يَفْتَكِرُونَ فِي ٱلْأَرْضِيَّاتِ: هذا يصف محور تركيز حياتهم. فهدفهم في الحياة ليس إرضاء الله وعبادته، بل مجاراة هذا العالم. وهو نفس موقف الغنيّ الغبيّ في لوقا ١٦:١٢-٢١.
ج ) الآية (٢٠): سِيرَتَنَا (جنسيتنا) وربّنا.
٢٠فَإِنَّ سِيرَتَنَا نَحْنُ هِيَ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ، ٱلَّتِي مِنْهَا أَيْضًا نَنْتَظِرُ مُخَلِّصًا هُوَ ٱلرَّبُّ يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ.
- فَإِنَّ سِيرَتَنَا نَحْنُ هِيَ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ: نحتاج أن نقّدر معنى هذه العبارة بالنسبة لأهل فيلبّي الذين كانوا يعتزّون بجنسيتهم الرومانيّة. فكما يمكن لأهل فيلبّي أن يعتبروا أنفسهم من مواطني روما ويعيشون تحت القوانين والأعراف الرومانيّة (على الرغم من أنهم كانوا في الواقع بعيدين عن روما)، هكذا يجب على المؤمنين أنْ يعتبروا أنفسهم من مواطني السماء.
- تقول إحدى الترجمات التفسيريّة في شرح «سِيرَتَنَا نَحْنُ هِيَ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ» ما يلي: “وطننا هو في السماء، أما هنا على الأرض، فنحن لسنا إِلَّا مجموعة من المهاجريين الأجانب الذين يحملون جنسية سماوية.” وكأن بولس يقول لهم: “كما تفعل المستعمرات الرومانية إذ لا تنسى أبداً أنها منتمية لمدينة روما، هكذا لا تنسوا أبداً أنكم مواطنو السماء، وهكذا يجب أن يتفق سلوككم مع وطنيتكم السماوية.” باركلي (Barclay)
- إذا كنا من مواطني السماء، فهذا يعني أننا أجانب مقيمون على الأرض. والأجانب يتميّزون في أي بلد أجنبيّ يذهبون إليه. ومن ثَمَّ يجب أن يُوسَم المؤمنون بوطنهم السماويّ وسمة واضحة تجعل الناس يلاحظون أنّهم مختلفون.
- يجب أن يسعى الأجانب إلى القيام بأعمال جيّدة في البلد التي يقيمون فيها.
- يجب ألَّا يسعى الأجانب إلى التدخل في شؤون البلد التي يقيمون فيها.
- للأجانب امتيازات وكذلك واجبات. فهم ليسوا ملتزمون بنفس التزامات مواطني البلاد التي يقيمون فيها.
- الأجانب غير مؤهَّلين للحصول على نفس التقدير والمكافآت التي يتمتّع بها مواطنو البلاد التي يقيمون فيها.
- يجب ألَّا يركّز الأجانب على تكوين ثرواتهم في البلاد التي يقيمون فيها.
- لدينا أيضًا طابع معيّن كمواطنين نحمل جنسية سماوية:
- نخضع لحكومة السماء.
- لدينا نصيب في مراتب الشرف التي تمنحها السماء.
- لنا حقوق ملكيّة في السماء.
- نستمتع بملذّات السماء.
- نحب السماء وقلوبنا متعلّقة بها.
- نبقى على اتّصال مع وطننا الأصليّ.
- “كم يتغنّى الألمان بوطنهم العزيز، ولكنهم لا يستطيعون، مع كل وطنيتهم الجرمانية، أنْ يتفوّقوا على وطنية البريطاني عندما يفكّر هو أيضًا في وطنه. والإسكتلنديّ كذلك، أينما كان، عندما يتذكّر أرض ’المروج البنّية والأحراج الملتفّة.‘ والأيرلندي، فأينما كان، سيظل هو أيضًا يترنّم ببلاده: ’جزيرة الزمرد‘ أوّل جواهر البحر… حَريّ بالمواطن أن يحب وطنه. فهل يضطرم حبنا بشدّة نحو السماء؟” سبيرجن (Spurgeon)
- هناك تضادّ ضخم بين مواطني الأرض كما في فيلبّي ١٨:٣-١٩ ومواطني السماء كما في فيلبّي ٢٠:٣-٢١.
- ٱلَّتِي مِنْهَا أَيْضًا نَنْتَظِرُ مُخَلِّصًا: كما ينتظر أهل فيلبّي بفارغ الصبر زيارة الإمبراطور في روما، ينبغي بالأكثر للمؤمنين أنْ ينتظروا بفارغ الصبر مجيء ملكهم يسوع المسيح.
- كان لقب المُخلِّص يُعطى لقيصر. ففي سنة ٤٨ قبل الميلاد أُذيع أنَّ يوليوس قيصر هو ’مُخلِّص العالم.‘ ومن ثُمَّ أصبح هذا اللقب هو الشائع لكل إمبراطور حاكم. وبالتالي، كان بولس يقصد شيئًا عندما أطلق هذا اللقب على يسوع في سياق حديثه عن السيرة (أو المواطنة).
- هُوَ ٱلرَّبُّ يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ: أُطلِق لقب ٱلرَّبّ أيضًا على قيصر روما. ولم يمض وقت طويل بعد زمن بولس حتّى استُشهِد المسيحيّون لرفضهم دعوة قيصر بٱلرَّبّ، على أساس أنَّ يسوع وحده هو ٱلرَّبّ.
د ) الآية (٢١): العمل المستقبليّ لمخلِّصنا: تغيير شكل أجسادنا.
٢١ٱلَّذِي سَيُغَيِّرُ شَكْلَ جَسَدِ تَوَاضُعِنَا لِيَكُونَ عَلَى صُورَةِ جَسَدِ مَجْدِهِ، بِحَسَبِ عَمَلِ ٱسْتِطَاعَتِهِ أَنْ يُخْضِعَ لِنَفْسِهِ كُلَّ شَيْءٍ.
- ٱلَّذِي سَيُغَيِّرُ شَكْلَ جَسَدِ تَوَاضُعِنَا لِيَكُونَ عَلَى صُورَةِ جَسَدِ مَجْدِهِ: مخلِّصنا قادر أن يفعل، بل وسيفعل، شيئًا لا يستطيع قيصر فعله. فعند إقامتنا من الموت، سيكون لنا نفس نوع الجسد المُمَجَّد الذي كان ليسوع عند قيامته.
- لم يُقَم يسوع من بين الأموات بنفس الجسد. إنّما أقيم بجسد جديد، مُصَمَّم على شاكلة القديم ولكن بعد تجهيزه وتأهيله للسماء.
- بِحَسَبِ عَمَلِ ٱسْتِطَاعَتِهِ أَنْ يُخْضِعَ لِنَفْسِهِ كُلَّ شَيْءٍ: هذا ممكن فقط لأنّ الإله الذي نعبده كليّ القدرة. فهو قادر حتّى على أَنْ يُخْضِعَ لِنَفْسِهِ كُلَّ شَيْءٍ وينجِز شيئًا مدهشًا مثل قيامة أجسادنا على غِرار قيامة يسوع.
- يسوع يستطيع حقًّا أَنْ يُخْضِعَ كُلَّ شَيْءٍ. “قد تكون هناك خطايا داخل قلبك طالما قاوَمَتِ السيطرة عليها. ومهما فعلتَ معها، تظلّ تتحدّاك … لكن إذا سلّمت الصراع ليسوع، فإنَّه سوف يقهرها؛ سوف يُخضعها تحت يده القويّة. ثِق. ما لا يمكنك عمله، يستطيع هو عمله.” ماير (Meyer)