رسالة غلاطيّة – الإصحاح ٤
الورثة والعبيد، النعمة والشريعة
أوّلاً. لم نعد تحت عبوديّة العناصر الأساسيّة، فنحن أبناء الله
أ ) الآيات (١-٣): توضيح وتطبيق يقارن بين القاصر والعبد.
١وَإِنَّمَا أَقُولُ: مَا دَامَ الْوَارِثُ قَاصِرًا لاَ يَفْرِقُ شَيْئًا عَنِ الْعَبْدِ، مَعَ كَوْنِهِ صَاحِبَ الْجَمِيعِ. ٢بَلْ هُوَ تَحْتَ أَوْصِيَاءَ وَوُكَلاَءَ إِلَى الْوَقْتِ الْمُؤَجَّلِ مِنْ أَبِيهِ. ٣هكَذَا نَحْنُ أَيْضًا: لَمَّا كُنَّا قَاصِرِينَ، كُنَّا مُسْتَعْبَدِينَ تَحْتَ أَرْكَانِ الْعَالَمِ.
- مَا دَامَ ٱلْوَارِثُ قَاصِرًا: لا تدلّ كلمة قَاصِر على عمر محدَّد، بل على شخص لم يُعتَرف به قانونيًّا بعدُ كشخص بالغ.
- في كلٍّ من الثقافتين اليهوديّة واليونانيّة، كانت هناك احتفالات مُحدَّدة لـ ’بلوغ سن الرشد‘ حين يتوقّف الصبيّ عن كونه طفلًا قاصرًا ويصير رجلاً، له حقوق قانونيّة كوَارِث.
- بحسب العادات الرومانيّة، لم يكن هناك عمر مُحدَّد يبلغ عنده الابن مبلغ الرجال. إنَّما كان يحدث ذلك عندما يعتقد الأب أنَّ الطفل أصبح جاهزًا. فعندما استخدم بولس عبارة إِلَى ٱلْوَقْتِ ٱلْمُؤَجَّلِ (أي المُعيَّن) مِنْ أَبِيهِ، بيّن أنَّه كان يقصد عادات ’بلوغ سن الرشد‘ الرومانيّة لا العادات اليهوديّة.
- “كان الطفل الرومانيّ يبلغ مبلغ الرجال في مهرجان مُقَدَّس للعائلة يُعرَف باسم ليبِراليا، يقام سنويًا في السابع عشر من مارس/آذار. في ذلك الوقت، كان الأب يتبنّي الطفل رسميًّا ويعترف به وريثًا له، ويستلم «حُلّة الرجال» بدلًا من «حُلّة الأولاد» التي كان يرتديها من قبل.” بويس (Boice)
- “كان التقليد الرومانيّ يقضي بأنه في اليوم الذي يبلغ فيه الصبي أو الفتاة، يسلِّم الصبي كُرَته والفتاة دُميَتها إلى أبولو دلالةً على أنهما تخلّيا عن الأشياء الطفوليّة.” باركلي (Barclay)
- مَا دَامَ ٱلْوَارِثُ قَاصِرًا لَا يَفْرِقُ شَيْئًا عَنِ ٱلْعَبْدِ، مَعَ كَوْنِهِ صَاحِبَ ٱلْجَمِيعِ: فكِّر في أسرة قديمة ثرية، بها صبي صغير مُقدَّر له أن يرث كل ما يمتلكه والده. طالما الولد مُجرَّد طفل، فإنَّ يملك في الواقع حرّيّة وسلطة أقل من ٱلْعَبْدِ الرفيع المستوى في الأسرة. بَيْدَ أنَّه مُقدَّر له أن يرث كل شيء، أمَّا العبد فلا يرث.
- في الواقع، يبقى الوريث تحت رعاية أَوْصِيَاءَ وَوُكَلَاءَ إِلَى ٱلْوَقْتِ ٱلْمُؤَجَّلِ (أي المُعيَّن) مِنْ أَبِيهِ.
- هَكَذَا نَحْنُ أَيْضًا: والآن تأتي المقارنة بحالتنا الروحيّة. نحن «أَبْنَاءُ ٱللهِ بِٱلْإِيمَانِ بِٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ» (غلاطيّة ٢٦:٣)، الذين «حَسَبَ ٱلْمَوْعِدِ وَرَثَةٌ» (غلاطيّة ٢٩:٣). قد كان الناموس وصيًّا ومؤدِّبًا لنا (غلاطيّة ٢٤:٣-٢٥)، يقوم بحراستنا عندما كنا لا نزال ’قاصرين.‘ وكان تأثير الناموس على طبيعتنا الفاسدة هو أنْ يجعلنا مُسْتَعْبَدِينَ تَحْتَ أَرْكَانِ ٱلْعَالَمِ.
- أَرْكَانِ ٱلْعَالَمِ: يستخدم بولس عبارة مثيرة للاهتمام هنا. “لوصفها، يستخدم بولس كلمة ستُوْخيا stoicheia (الأُسْطُقُسّات). كان الأُسْطُقُسّ stocheion في الأصل ركنًا من الأركان الأساسية للبناء، ثُمَّ صفًّا من الأشياء. على سبيل المثال، يمكن أن يعني طابورًا من الجنود. لكنَّ معناه تطوّر إلى «الأبجدية»، ثم أي مبادئ تعليم بسيطة.” باركلي (Barclay)
- يترجم كول (Cole) الفكرة هكذا: “كذلك نحن أيضًا، عندما كنا «أطفالًا قُصَّرًا»، كنا موضوعين تحت عبوديّة أبجدية الكون.”
- فكرة ’أبجديّة الكون‘ مهمّة. إذا كانت هناك أية ’أبجديّة للكون‘ (أي مبدأ أوّليّ) يجب أن نتحرّر منه، تؤكِّد عليه الديانة الوثنيّة وكذلك الناموس اليهوديّ، فهو مبدأ العِلّة والمَعْلُول (السبب والنتيجة). ويمكن أن نطلق عليه القَدَر أو ’حصول الإنسان على ما يستحقّه‘ أو أي شيء آخر يتحكّم في الطبيعة وفي أذهان الناس. أي أننا نعيش خاضعين لفكرة أننا نحصل على ما نستحقّه؛ فعندما نكون أخيارًا، نستحقّ أن نحصل على الخير، وعندما نكون أشرارًا، نستحقّ أن نحصل على الشرّ.
- أوصى بولس أهل غلاطيّة أن يتجاوزوا حدود ’مبادئ‘ الكون إلى فهم نعمة الله. فالنعمة تتناقض مع ’مبادئ الكون‘ هذه، لأنَّ الله، بنعمته، لا يتعامل معنا على أساس ما نستحقّه. فصلاحنا لا يبرّرنا تحت النعمة، وكذلك شرّنا لا يحكم علينا بالإدانة بالضرورة. إنَّما تُمنَح بركة الله ونعمته على أساس مبدأ بعيد تمامًا عن ’مبادئ‘ الكون. إذ تُمنح بركة الله ونعمته لأسباب قائمة فيه هو نفسه، ولا علاقة لها بنا.
- ’مبادئ الكون‘ ليست سيئة في حد ذاتها. فنحن نستعملها، بل ويجب أن نستعملها في الحياة، والله قد أوجد مكانًا مناسبًا لها. لكن يجب ألَّا نبني علاقتنا بالله على هذا المبدأ. حيث أننا الآن تحت النعمة، فهو لا يتعامل معنا على أساس مبدأ الكسب والاستحقاق. نظرًا لكون هذا المبدأ أساسيًّا، يصعب علينا التخلّص من هذا النوع من التفكير. ولكن من الضروريّ التخلّص منه كي نسلك في النعمة. فعندما نعيش بحسب مبدأ الكسب والاستحقاق أمام الله، فإننا نعيش مُسْتَعْبَدِينَ تَحْتَ أَرْكَانِ (مبادئ) ٱلْعَالَمِ.
- التعليم الخاطئ هو الحياة بحسب هذه المبادئ الأولية، لا بحسب يسوع (كولوسي ٨:٢). وفي يسوع، نموت عن المبادئ الأولية للعالم (كولوسي ٢٠:٢).
ب) الآيات (٤-٥): تحرير الورثة من عبوديتهم.
٤وَلكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ النَّامُوسِ، ٥لِيَفْتَدِيَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ، لِنَنَالَ التَّبَنِّيَ.
- وَلَكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ ٱلزَّمَانِ: الفكرة وراء عبارة ’مِلْءُ ٱلزَّمَانِ‘ هي ’عندما أصبح الوقت مناسبًا.‘ جاء يسوع في الوقت المناسب تمامًا في خطة الله للفداء، عندما كان العالم مستعدًا تمامًا لعمل الله.
- “كلمة «وَلَكِنْ» تدلّ على التباين. إنَّ سيطرة المبادئ الأولية كانت لفترة محدودة فقط.” موريس (Morris) بالنسبة إلى من كانوا تحت عبوديّة الناموس، قد يبدو أن مجيء يسوع كان متأخّرًا. لكنَّ بولس يؤكد لنا أنَّه كان في الوقت المناسب تمامًا.
- “قد كان ذلك في زمن عمّ فيه السلام الرومانيّ معظم البلاد المتحضرة بحيث أمكن السفر والتجارة بطريقة كانت مستحيلة في السابق. كانت الطرق العظيمة تربط إمبراطورية القياصرة، وكانت مناطقها المتنوعة يربطها ما هو أهمّ بكثير، أي لغة اليونانيّين السائدة. أضف إلى ذلك أنَّ العالم كان قد غرق في هاوية أخلاقيّة منخفضة جدًّا إلى درجة أنَّ الوثنيّين أنفسهم صرخوا من وطأتها وكان الجوع الروحيّ واضحًا في كل مكان. وعليه كان الوقت مثاليًّا لمجيء المسيح والتوسّع المبكّر للبشارة المسيحيّة.” بويس (Boice)
- كان الوقت مناسبًا أيضًا لأنَّ السنوات الـ ٤٨٣ التي سبق وتنبأ بها دانيال كانت تدنو من نهايتها (دانيال ٢٤:٩-٢٦).
- أَرْسَلَ ٱللهُ ٱبْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ ٱمْرَأَةٍ: لم يأتِ يسوع كابن لله فقط، بل باعتباره مَوْلُودًا مِنِ ٱمْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ ٱلنَّامُوسِ. أضاف ابن الله الأبديّ في السماء الناسوت إلى لاهوته وأصبح بشرًا، مَوْلُودًا مِنِ ٱمْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ ٱلنَّامُوسِ.
- مَوْلُودًا مِنِ ٱمْرَأَةٍ: قد يكون هذا تلميحًا إلى الميلاد العذراويّ، لأنَّ بولس لم يقل أبدًا إنَّ يسوع وُلِد من رجل. “إنَّ مصطلح «امرأة» الأعم يشير إلى أن المسيح وُلِد كبشر حقيقيّ. فبولس لا يقول إنَّ المسيح ولد من رجل وامرأة، بل من امرأة فقط. فواضح أنَّه يقصد بذلك العذراء مريم.” لوثر (Luther)
- لِيَفْتَدِيَ ٱلَّذِينَ تَحْتَ ٱلنَّامُوسِ: لأنَّ يسوع هو الله، فهو يملك القدرة والموارد اللازمة لفدائنا. ولأنَّ يسوع إنسان، فهو يملك الحقّ والقدرة على فدائنا. لقد جاء ليشترينا من سوق العبيد، من عبوديّتنا للخطيّة و«أركان العالم».
- كان جون نيوتن (John Newton)، الذي كتب أشهر وأحبّ ترنيمة في أمريكا بعنوان: «ما أعجب النعمة»، يُذكّر نفسه بتلك الحقيقة. فقد كان طفلاً وحيدًا عندما توفيت والدته وهو في عمر السابعة فقط. ثُمَّ أصبح بحارًا وخرج إلى البحر في عمر الحادية عشر. وحينما كبر، أصبح قائد سفينة للعبيد وكان له دور فعال في التدهور الرهيب والوحشية التي آلت إليها تجارة العبيد. ولكن عندما بلغ من العمر ٢٣ عامًا، أي في ١٠ مارس/آذار سنة ١٧٤٨، بينما كانت سفينته معرّضة لخطر الغرق الوشيك قبالة ساحل نيوفاوندلاند، بكى إلى الله طالبًا رحمته، فوجدها. ولم ينسَ قط الطريقة العجيبة التي قبله بها الله رغم شرّه وفساده. ولكي يحافظ على ذلك حيًّا في ذاكرته، علّق على الحائط فوق رف مدفأة غرفة المكتب كلمات تثنية ١٥:١٥ «وَٱذْكُرْ أَنَّكَ كُنْتَ عَبْدًا فِي أَرْضِ مِصْرَ، فَفَدَاكَ ٱلرَّبُّ إِلَهُكَ». إذا حفظنا في أذهاننا ذكرى الحالة التي كنا عليه من قبل، وما نحن عليه الآن في يسوع المسيح، نكون قد أحسنّا صنعًا.
- لِنَنَالَ ٱلتَّبَنِّيَ: كان يكفي شراؤنا من سوق العبيد. لكنَّ عمل الله لأجلنا لا ينتهي عند هذا الحدّ؛ فإنه رفعنا إلى مكانة أبناء الله وبناته بٱلتَّبَنِّيَ.
- كل إنسان هو ابن لله بالخلق (أعمال ٢٨:١٧-٢٩). ولكن ليس كل إنسان ابنًا لله بناءً على هذه علاقة التبنّي الوثيقة هذه التي يكتب عنها بولس هنا. فبهذا المعنى، يوجد أبناء لله وأبناء للشيطان (يوحنا ٤٤:٨).
- ربَّما يكون بولس يقصد عادة التبني الرومانيّة، حيث كان يُمنَح الأبناء بالتبنِّي امتيازات متساوية تمامًا في الأسرة ومكانة متساوية كورثة.
- يجوز لنا القول إنَّ هذه البركة كان لا لزوم لها على الإطلاق وأنّ الله قد منحها في سياق الخلاص، وكدليل على حبه الحقيقيّ والعميق لنا. لنتصوّر شخصًا يساعد شخصًا ما أو ينقذه، ولكن ليس إلى درجة أن يجعله فردًا من أفراد أسرته – لكنَّ هذا ما فعله الله من أجلنا.
- إننا نَنَال التبنّي؛ أي لا نستردّه. بهذا المعنى، نحن نكتسب شيئًا في يسوع أعظم من أي شيء كان يملكه أبونا آدم. فالله لم يتبنَّ آدم كما تبنَّى المؤمنين. لذلك فنحن نخطئ إذا ظننّنا أنَّ الفداء هو مُجرَّد استرداد لِمَا فقدناه مع آدم. ذلك أننا نُمنَح في يسوع أكثر مِمَّا كان عند آدم بكثير.
ج ) الآيات (٦-٧): الاحتفال ببنوّتنا.
٦ثُمَّ بِمَا أَنَّكُمْ أَبْنَاءٌ، أَرْسَلَ اللهُ رُوحَ ابْنِهِ إِلَى قُلُوبِكُمْ صَارِخًا: «يَا أَبَا الآبُ». ٧إِذًا لَسْتَ بَعْدُ عَبْدًا بَلِ ابْنًا، وَإِنْ كُنْتَ ابْنًا فَوَارِثٌ للهِ بِالْمَسِيحِ.
- ثُمَّ بِمَا أَنَّكُمْ أَبْنَاءٌ، أَرْسَلَ ٱللهُ رُوحَ ٱبْنِهِ إِلَى قُلُوبِكُمْ صَارِخًا: «يَا أَبَا ٱلْآبُ!» من المناسب أن يحصل أولئك الذين هم بالحقيقة أبناء على رُوحَ الابن في قلوبهم. فهذا يمنحنا كلاًّ من الحق والقدرة على مناداة الله أبينا بعبارة: ’بابا‘، كما كان يسوع يفعل مع أبيه.
- يظنّ البعض أن ترجمة كلمة «أَبَا» بكلمة ’بابا‘ غير لائقة، بل ومسيئة. كتب كول (Cole) عن كلمة «أَبَا»: “رغم أنَّها كانت الكلمة غير الرسمية المعتادة التي يستعملها الطفل مع والده داخل المنزل، إلَّا أنَّ ترجمتها بكلمة «بابا» بها مبالغة عاطفيّة.”
- لكن كما يشير بويس (Boice): “آباء الكنيسة الأوائل – يوحنا فم الذهب، ثيودور المصيصيّ، وثيودوريت القبرصيّ، الذين كانوا من أنطاكية (وكانوا يتحدّثون الآراميّة وهم أطفال، ورُبَّما ربّتهم مربّية تتحدّث الآرامية) – يشهدون بالإجماع على أنَّ «أبا» كانت الكلمة التي يخاطب بها الطفل الصغير أباه.”
- “أَبَا هي كلمة تحبّب آرامية، وهي صيغة تصغير من «أب» وتُستَخدم داخل الأسرة الحميمة؛ وقد انتقلت دون تغيير إلى مفردات المسيحيّين الناطقين باليونانيّة.” فونغ (Fung)
- لنا أحقيّة التمتّع بنفس العلاقة الحميمة مع الله الآب التي كانت لله الابن يسوع المسيح. فيسوع خاطب الله الآب باعتباره ’بابا‘ عندما صلّى قائلاً: « يَا أَبَا ٱلْآبُ» كما جاء في >مرقس ٣٦:١٤.
- صَارِخًا: «يَا أَبَا ٱلْآبُ!»: نحن لا نهمس: ’يا بابا‘ كما لو كنا مترددين في مخاطبته بدون تكليف، لا، بل نهتف بصوت عالٍ.
- كتب كالفن (Calvin) عن كلمة «صَارِخًا»: “أرى أنَّ اسم الفاعل هذا يُستَخدم للتعبير عن الجرأة الكبيرة. عدم اليقين لا يدعنا نتحدّث بهدوء، بل يجعل شفاهنا شبه مُغلَقة، بحيث لا يكاد الكلام المهموس يفلت من اللسان المتلعثم. أمَّا ’صارخًا‘، فتدلّ على اليقين والثقة التي لا تتزعزع.”
- “دع الشريعة والخطيّة والشيطان يصرخون ضدنا حتّى يملأ صراخهم السماء والأرض. فإذا بروح الله يصرخ أعلى منهم جميعًا. إنَّ أنّاتنا الضعيفة: ’يا أبا، الآب‘ تلتقطها أذنا الله أسرع من ضوضاء الجحيم والخطيّة والناموس.” لوثر (Luther)
- أَرْسَلَ ٱللهُ رُوحَ ٱبْنِهِ إِلَى قُلُوبِكُمْ: نحن نعلم أننا أبناء الله وبناته من خلال شهادة الروح القُدُس بداخلنا. كما كتب بولس في رومية ١٦:٨ «اَلرُّوحُ نَفْسُهُ أَيْضًا يَشْهَدُ لِأَرْوَاحِنَا أَنَّنَا أَوْلَادُ ٱللهِ».
- “وهكذا فإنَّ غرض الله لم يكن تأمين بنوّتنا بواسطة ابنه فحسب، بل أنْ يضمنها لنا بروحه. لقد أرسل ابنه لكي تكون لنا مكانة الأبناء، وأرسل روحه لكي يُتاح لنا اختبار ذلك عمليًّا.” ستوت (Stott)
- لا يسعنا أن نُغفِل الطريقة التي تُدرَج بها حقيقة الثالوث في النصّ: الله الآب يرسل الله الروح القُدُس، الذي هو روح الله الابن، إلى قلوبنا ليقدم لنا تأكيدًا على أننا أبناء الله وبناته.
- رُوحَ ٱبْنِهِ: يمكن أن يسمى الروح القُدُس روح الله، روح المسيح، أو يرتبط بالله الآب. هذا لأنَّ اللاهوت مشترك بين أقانيم الثالوث. ويُطلق على الروح القُدُس هنا رُوحَ ٱبْنِهِ لأنَّ فكرة بنوّتنا تستند إلى بنوّة يسوع.
- تتوقَّف بنوّتنا على مكانتنا في يسوع، ومع ذلك فهناك فروق مهمّة بين بنوّتنا وبنوة يسوع. فهو الابن الوحيد (يوحنا ١٦:٣)، الأمر الذي يجعله ابنًا بطبيعته الأساسيّة. أمَّا نحن فأبناء الله وبناته بالتبنِّي، أي جُعِلنا أبناء بمقتضى مرسوم قانونيّ من الله.
- إِذًا لَسْتَ بَعْدُ عَبْدًا بَلِ ٱبْنًا: الأبناء ليسوا عبيدًا أبدًا والعبيد ليسوا أبناء أبدًا في بيت أبيهم. أوضح يسوع هذا في مثل الابن الضال، حيث كان الابن مصمّمًا على العودة إلى أبيه كعبد – لكنَّ الأب أَبَى أنْ يقبله إلَّا كابن.
- وَإِنْ كُنْتَ ٱبْنًا فَوَارِثٌ: هناك تسلسل جميل. أوّلًا، نتحرّر من العبوديّة، ثُمَّ تُعلَن بنوّتنا ويتم تبنّينا في عائلة الله. ثُمَّ، لكوننا أبناء، نصبح ورثة.
- الورثة يرثون تَرِكة، وقد أوضح بولس التركة التي ورثناه: وَارِثٌ لِلهِ بِٱلْمَسِيحِ. نحن نرث اللهَ نفسه.
- بالنسبة إلى البعض، قد يبدو هذا ميراث صغير. ولكن بالنسبة إلى أولئك الذين هم حقًّا في المسيح والذين يحبون الله حقًّا، فإنَّ كونهم وَرَثَة لِلهِ هو أثمن ميراث على الإطلاق.
- بِٱلْمَسِيحِ: إنَّ إطلاقنا من العبوديّة وبنوّتنا وروح يسوع في قلوبنا وجعلنا ورثة لله، كلها حقوق ميلاد لنا في يسوع. نحن نتسلمّها من خلال المسيح. هذه أمور يجب أن نحيا فيها ونستمتع بها كل يوم من أيام حياتنا الروحية.
د ) الآيات (٨-١١): قرار يجب اتّخاذه: الاختيار بين الحياة تحت أركان العالم أو كابن لله.
٨لكِنْ حِينَئِذٍ إِذْ كُنْتُمْ لاَ تَعْرِفُونَ اللهَ، اسْتُعْبِدْتُمْ لِلَّذِينَ لَيْسُوا بِالطَّبِيعَةِ آلِهَةً. ٩وَأَمَّا الآنَ إِذْ عَرَفْتُمُ اللهَ، بَلْ بِالْحَرِيِّ عُرِفْتُمْ مِنَ اللهِ، فَكَيْفَ تَرْجِعُونَ أَيْضًا إِلَى الأَرْكَانِ الضَّعِيفَةِ الْفَقِيرَةِ الَّتِي تُرِيدُونَ أَنْ تُسْتَعْبَدُوا لَهَا مِنْ جَدِيدٍ؟ ١٠أَتَحْفَظُونَ أَيَّامًا وَشُهُورًا وَأَوْقَاتًا وَسِنِينَ؟ ١١أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ أَكُونَ قَدْ تَعِبْتُ فِيكُمْ عَبَثًا!
- وَأَمَّا ٱلْآنَ إِذْ عَرَفْتُمُ ٱللهَ، بَلْ بِٱلْحَرِيِّ عُرِفْتُمْ مِنَ ٱللهِ، فَكَيْفَ تَرْجِعُونَ أَيْضًا: كانت العبوديّة أمرًا طبيعيًّا عندما كنا لا نعرف الله، وعندما كنا نخدم تلك الأشياء التي ليست آلهة (حِينَئِذٍ إِذْ كُنْتُمْ لَا تَعْرِفُونَ ٱللهَ). بَيْدَ أنَّ الغلاطيّين الآن عَرَفُوا ٱللهَ ومع ذلك وضعوا أنفسهم تحت العبوديّة. وهذا ما أدهش بولس.
- بَلْ بِٱلْحَرِيِّ عُرِفْتُمْ مِنَ ٱللهِ: تناول بولس نقطة مهمّة عندما كتب: بَلْ بِٱلْحَرِيِّ عُرِفْتُمْ مِنَ ٱللهِ؛ فمن المهمّ حقًّا أن يعرفنا الله (بمعنى وجود علاقة حميمة وقبول) أكثر من معرفتنا نحن لله. تذكّر كلمات الحكم الرهيب في متى ٢١:٧-٢٣ إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ.
- فَكَيْفَ تَرْجِعُونَ أَيْضًا إِلَى ٱلْأَرْكَانِ ٱلضَّعِيفَةِ ٱلْفَقِيرَةِ: باللجوء إلى الناموسيّة، لم يلجأ الغلاطيّون إلى ضلالة جديدة، بل كانوا يعودون إلى ضلالة قديمة – أي فكرة وجود علاقة مع الله قائمة على الأعمال.
- ٱلْأَرْكَانِ ٱلضَّعِيفَةِ ٱلْفَقِيرَةِ: استخدم بولس نفس الكلمة التي تعني «مبادئ» الواردة في غلاطيّة ٣:٤. كمؤمنين، يمكننا أن نضع أنفسنا تحت عبوديّة علاقة أعمال قائمة على ’السبب والنتيجة‘ مع الله – لكنَّ هذا تقهقر إلى الوراء وليس تقدّمًا إلى الأمام. بقوله: «تَرْجِعُونَ أَيْضًا»، يوضّح بولس أن أهل غلاطيّة لم يلجأوا إلى ضلالة جديدة، بل عادوا إلى ضلالة قديمة؛ أي فكرة العلاقة مع الله القائمة على الأعمال.
- من مآسي الناموسيّة أنَّها تعطي مظهر النضج الروحيّ بينما هي في الحقيقة تعود بالمؤمن مرَّة أخرى إلى «طفولة ثانية» في الاختبار المسيحيّ.” ويرزبي (Wiersbe)
- ٱلضَّعِيفَةِ ٱلْفَقِيرَةِ: عناصر العالم هذه ضعيفة لأنها لا توفّر أي قوّة؛ وهي فقيرة لأنَّها لا تمنح أي غنى. كل ما يمكنها عمله هو استعبادنا مِنْ جَدِيدٍ.
- صاغ ستوت (Stott) الفكرة على النحو التالي: “إذا كنتَ عبدًا وأنت الآن ابن، إذا لم تكن تعرف الله ولكنك تعرّفت عليه الآن وعُرفتَ منه، فكيف يمكنك العودة مرَّة أخرى إلى العبوديّة القديمة؟ كيف يمكنك أن تسمح لنفسك بالاستعباد من الأرواح الأوَّليّة التي أنقذك يسوع المسيح منها؟”
- أَتَحْفَظُون أَيَّامًا وَشُهُورًا وَأَوْقَاتًا وَسِنِينَ؟: طالب المعلّمون الزائفون أهل غلاطيّة بأن يراعوا أَيَّامًا وَشُهُورًا وَأَوْقَاتًا وَسِنِينَ وغيرها من الأمور الناموسيّة، كما لو كانت هذه الأمور سترتقي بهم إلى مستوى أعلى من الروحانيّة. بَيْدَ أنَّ كل ما فعلته هذه ٱلْأَرْكَانِ ٱلضَّعِيفَةِ ٱلْفَقِيرَةِ للناموسيّة هو أنَّها أعادتهم مِمَّن جديد إلى العبوديّة.
- يبدو بولس مندهشًا من تحوُّل الناس من حرّيّة يسوع إلى هذا النوع من العبوديّة. بَيْدَ أنَّ الناموسيّة تلبّي احتياجات جسدنا وتوليه الاهتمام، وذلك بالتركيز على ما ننجزه نحن من أجل الله لا على ما عمله يسوع من أجلنا. إنَّ حرّيّة يسوع تمنحنا مكانة كأبناء وميراثًا غنيًّا، لكنها لا تلبّي احتياجات جسدنا.
- “لاحظ كيف تتعارض هذه الآية مع أيّ وكلّ نظرية عن السبت المسيحيّ، وتقضي تمامًا على فكرة المراعاة الإلزاميّة لأزمنة معيّنة [على أنَّها مقدَّسة].” ألفورد (Alford)
- “عندما تُقدَّم أيام معينة على أنها مقدسة في حد ذاتها، عندما يتم تمييز يوم ما عن غيره على أسس دينيّة، وعندما تُحسب أيام مُقَدَّسة كجزء من العبادة الإلهيّة، فإنَّ مراعاة هذه الأيام تكون غير لائقة.” كالفين (Calvin)
- أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ أَكُونَ قَدْ تَعِبْتُ فِيكُمْ عَبَثًا: كان بولس يخشى أنَّ هذا الانجذاب إلى الناموسيّة يعني أنَّ عمله بين أهل غلاطيّة باء بالفشل وأنه سيكون في نهاية المطاف بلا جدوى.
- المعنى الحرفيّ لكلمة تَعِبْتُ هو ’العمل إلى حد الإرهاق.‘ عمل بولس باجتهاد وسط أهل غلاطيّة، كما كان دأبه دائمًا (كورنثوس الأولى ١٠:١٥). ولم يعتقد قط أنّ إنجيل النعمة المجانيّة يعني التكاسل في خدمة الله.
- عَبَثًا: في نهاية هذا القسم، خيّر بولس أهل غلاطيّة وإيانا بين أمرين. إمّا أن نتمتّع بعلاقة حيّة وحرّة مع الله كآب محب على أساس ما فعله يسوع من أجلنا ومكانتها فيه أو أن نحاول إرضاء الله ببذل قصارى جهدنا للمحافظة على القوانين والعيش في عبوديّة كعبيد لا كأبناء. إنَّ العيش بهذه الطريقة يجعل الإنجيل كله يضيع سُدًى.
- وخير مثال على ذلك جون ويسلي (John Wesley). فقبل اهتدائه:
- كان ابن رجل دين وكان هو نفسه رجل دين.
- كان إيمانه قويمًا، وكان أمينًا في أخلاقه، ومواظبًا على الأعمال الصالحة.
- كان يخدم في السجون، والمصانع التي تستغل العمال، والأحياء الفقيرة.
- كان يجود بالطعام والكساء والتعليم على أطفال الأحياء الفقيرة.
- كان يحفظ يومي السبت والأحد مقدّسَين.
- أبحر من إنجلترا إلى المستعمرات الأمريكية كمبشر.
- كان يدرس كتابه المُقَدَّس، ويصلّي، ويصوم، ويُعطي بانتظام.
- لكن طوال ذلك الوقت، كان مقيَّدًا بسلاسل جهوده الدينيّة الخاصّة، لأنَّه كان يثق بما يستطيع عمله لتبرير نفسه أمام الله بدلًا من الوثوق بما فعله يسوع. وفي وقت لاحق، صار ’يثق بالمسيح، وبالمسيح فقط، كمخلِّص‘، ويتمتّع بيقين داخليّ بالغفران والخلاص وبأنه أصبح ابنًا لله. ولما أعاد النظر إلى كل نشاطه الدينيّ قبل نواله الخلاص، قال: “كان عندي حتّى ذلك الحين إيمان الخادم، فهو لم يكن إيمان الابن.”
- وخير مثال على ذلك جون ويسلي (John Wesley). فقبل اهتدائه:
ثانيًا. مناشدة شخصيّة من الرسول بولس
أ ) الآية (١٢): بولس يناشدهم: ’كُونُوا كَمَا أَنَا.‘
١٢أَتَضَرَّعُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا ٱلْإِخْوَةُ، كُونُوا كَمَا أَنَا، لِأَنِّي أَنَا أَيْضًا كَمَا أَنْتُمْ. لَمْ تَظْلِمُونِي شَيْئًا.
- أَتَضَرَّعُ إِلَيْكُمْ … كُونُوا كَمَا أَنَا: بالنسبة إلى الكثيرين منا اليوم، تبدو هذا الكلام غريبًا من بولس. فكيف يمكن أن يحثّ أهل غلاطيّة على أن يكونوا مثله؟ ألاَ يجب عليه إرشادهم إلى يسوع فقط؟ وبأي طريقة يجب أن يكون المؤمنون الغلاطيّون مثل بولس؟
- كان بولس يعلم جيدًا أنَّه لم يكن معصومًا من الخطيّة. فلم يقف أمام المؤمنين الغلاطيّين، قائلًا: ’انظروا إليَّ أنا الكامل. لا تقلقوا بشأن اتّباع يسوع، بل اتبعوني أنا فقط.‘ إنَّما أرادهم ببساطة أن يتبعوه كما كان هو يتبع يسوع.
- بدلًا من ذلك، كان بولس يعلم أنَّ على المؤمنين الغلاطيّين أن يتشبّهوا بثباته على مبدئه. فإنَّ أهل غلاطيّة قد بدأوا مسيرتهم بفهم صحيح للإنجيل، لأنَّ بولس قادهم إلى هذا الفهم الصحيح. لكنَّ بعضهم لم يظلّوا على حالهم كما فعل بولس، ومن ثَمَّ حثّهم على أن يكونوا مثله.
- كان بولس يعلم أنَّ على المؤمنين الغلاطيّين أن يقلدوا حريته. فقد كان بولس حرًا في يسوع، وأرادهم أن يذوقوا نفس الحرّيّة. وبهذه الطريقة، يجب أن يكونوا مثله. “’كُونُوا كَمَا أَنَا‘ هي بمثابة حضّ لأهل غلاطيّة على أنْ يصبحوا مؤمنين على طريقة إيمان بولس، أي غير ملتزمين بالناموس اليهوديّ.” موريس (Morris)
- إلى حدّ ما، يجب أن يكون كل مؤمن قادرًا على أن يقول للآخرين: ’كُونُوا كَمَا أَنَا.‘ “يجب أن يكون جميع المؤمنين قادرين على قول شيء كهذا، خاصةً لغير المؤمنين، أي أنَّه من شدة شبعنا بيسوع المسيح وبحريته وبفرحته وبخلاصه، نريد أن يصبح الآخرون مثلنا.” ستوت (Stott)
- لِأَنِّي أَنَا أَيْضًا كَمَا أَنْتُمْ: استطاع بولس أن يقول للمؤمنين الغلاطيّين: ’عندما يتعلّق الأمر بالناموسيّة، فأنا أفهم موقفكم. فقد اعتدت أن أعيش حياتي كلها محاولاً أن أُقبَل من الله عل أساس ما عملته. في هذا الصدد، كنت كَمَا أَنْتُمْ وتأكّدن أنَّ ذلك الطريق مسدود. خذوها من شخص يفهم حالتكم وما أنتم فيه.‘
- أو رُبَّما كان بولس يقصد أنَّه أصبح غير يهودي عندما كان بينهم، وفقًا لفلسفته التي عبَّر عنها في كورنثوس الأولى ١٩:٩-٢٣. فبحسب هذا التفكير، أصبح “شخصًا يعيش متحررًا من القيود التي يفرضها الناموس. وهذا يعني أنَّه طرح قيوده اليهوديّة وأصبح مثل الأُمَم؛ وهو من ثَمَّ يناشد المؤمنين الجدد ألاَّ يصبحوا مثل اليهود.” موريس (Morris)
- لَمْ تَظْلِمُونِي شَيْئًا (لم تضرّوني على الإطلاق): لقد استخدم بولس كلمات قويّة مع أهل غلاطيّة. فكان من السهل أنْ يعتقدوا أنَّه تحدّث هكذا بدافع شعور شخصيّ بالأذى. فأكّد لهم بولس أنَّ الأمر ليس كذلك على الإطلاق. لقد أراد بولس أن يفهموا الوضع بشكل صحيح، ولكن من أجل مصلحتهم وليس لمصلحته هو.
- يمكننا أن نلمس مشاعر بولس القلبية في هذه الآيات. كما قال ستوت (Stott): “في غلاطيّة ١-٣، نستمع إلى بولس الرسول، بولس اللاهوتيّ، بولس المدافع عن الإيمان؛ ولكننا الآن نسمع بولس الإنسان، بولس الراعي، بولس عاشق النفوس.”
ب) الآيات (١٣-١٦): بولس يناشدهم: ’تذكّروا كيف كنتم تتجاوبون معي.‘
١٣وَلكِنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي بِضَعْفِ الْجَسَدِ بَشَّرْتُكُمْ فِي الأَوَّلِ. ١٤وَتَجْرِبَتِي الَّتِي فِي جَسَدِي لَمْ تَزْدَرُوا بِهَا وَلاَ كَرِهْتُمُوهَا، بَلْ كَمَلاَكٍ مِنَ اللهِ قَبِلْتُمُونِي، كَالْمَسِيحِ يَسُوعَ. ١٥فَمَاذَا كَانَ إِذًا تَطْوِيبُكُمْ؟ لأَنِّي أَشْهَدُ لَكُمْ أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَ لَقَلَعْتُمْ عُيُونَكُمْ وَأَعْطَيْتُمُونِي. ١٦أَفَقَدْ صِرْتُ إِذًا عَدُوًّا لَكُمْ لأَنِّي أَصْدُقُ لَكُمْ؟
- وَلَكِنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي بِضَعْفِ (أي بسبب ضعف) ٱلْجَسَدِ بَشَّرْتُكُمْ فِي ٱلْأَوَّلِ: على ما يبدو، اضطر بولس إلى السفر إلى مقاطعة غلاطيّة بسبب مرض جسدي كان يعاني منه أثناء رحلته التبشيريّة الأولى. صحيح أنَّ سفر الأعمال لا يخبرنا بذلك بالقدر الكافي، لكن يمكننا جمع بعض المعلومات.
- إننا نعلم أنَّ بولس عندما كان في منطقة غلاطيّة الجنوبية، حاول المضطهدون إعدامه بالرجم في مدينة لِسترَة (أعمال الرسل ١٩:١٤-٢٠). ثُمَّ اعتقد الذين هجموا عليه أنَّه قد مات، لكنه نجا بأعجوبة. ومن ثَمَّ يظنّ البعض أن هذا هو سبب العاهة أو الضعف الجسديّ الذي يذكره. لكنَّ بولس كان بالفعل في منطقة غلاطيّة عندما أصيب بذلك؛ صياغته في غلاطيّة ٤ تشير إلى أنَّه جاء إلى المنطقة بسبب ضَعْفِ ٱلْجَسَدِ.
- “يشير الترتيب التوكيدي لهذه العبارة إلى أنَّ خطة بولس الأصليّة كانت تقوم على الذهاب إلى مكان آخر (ربما غربًا نحو أفسس) وأنّ زيارته التبشيريّة لأهل غلاطيّة كانت مرضه وحاجته إلى الاستجمام بسبب.” فونغ (Fung)
- ماذا كان ضعف بولس الجسديّ بالضبط؟ يعتقد البعض أنَّه كان يعاني من الاكتئاب أو الصرع، أو أنَّ مرضه كان مرتبطًا بالشوكة التي في الجسد المذكورة في كورنثوس الثانية ١٢. ولا يمكن إثبات أيٍّ من ذلك على وجه اليقين.
- وفقًا لأعمال الرسل ١٣، جاء بولس إلى منطقة غلاطيّة – وإلى مدينة بيسيدية أنطاكية تحديدًا – من مدينة بَرجَة في منطقة بَمْفِيلِيَّة. ونحن نعلم بعض الأمور عن بَرجَة. أوّلًا، كانت بَرجَة المكان الذي ترك فيه يوحنّا مرقس بولسَ وبرنابا (أعمال الرسل ١٣:١٣)، وربما كان للمحن المتعلّقة بضعف بولس الجسديّ علاقة بذلك. ثانيًا، تقع بَرجَة في أراضٍ منخفضة ومستنقعات. وكانت مدينة بيسيدية أنطاكية الغلاطيّة أعلى من بَرجَة بحوالي ١٠٩٧ متر. لذلك اقترح البعض أنَّ ضعف بولس الجسديّ كان نوعًا من أنواع الملاريا الشائعة في الأراضي المنخفضة في بَرجَة. وقد وصف ويليام باركلي (William Barclay) هذه الملاريا بأنها تسبّب ألمًا فظيعًا يشبه “قضيبًا مُحمَّى يخترق جبهة الإنسان.”
- ومع ذلك، يجب أن نتذكّر ما نقله موريس (Morris) عن سْتَم (Stamm): “إنّ صعوبة تشخيص حالة مريض حي من شأنها أن تحذّرنا من عدم جدوى محاولة ذلك في حالة شخص مرّ على وفاته أكثر ألف وتسعمائة سنة.”
- وَتَجْرِبَتِي ٱلَّتِي فِي جَسَدِي لَمْ تَزْدَرُوا بِهَا وَلَا كَرِهْتُمُوهَا: رغم أنَّ بولس لم يكن قدوة عظيمة على القوّة والاحتمال بسبب ضعفه الجسديّ، إلَّا أن الغلاطيّين استقبلوه، ورحّبوا به بطريقة مشرِّفة. لقد احتضنوا بولس بسعة صدر إلى درجة أنَّه لَوْ أَمْكَنَ لَقَلَعوا عُيُونَهم وَأَعْطَوها له، لو كان ذلك من شأنه تلبية حاجته بطريقة أو بأخرى.
- “من الواضح أن العين المقلوعة ليست عطيّة يمكن لأحد استخدامها، لكن فكرة بولس هي أنّ أولئك الذين اهتدوا على يديه كانوا على استعداد لعمل أي شيء من أجله في تلك الأيام الأولى.” موريس (Morris)
- هذا يقود البعض إلى الاعتقاد بأنّ عجز بولس الجسديّ له علاقة بعينيه. فبعض علماء اليونانيّة المشهورين مثل ويست (Wuest) وريندال (Rendall) وروبرتسون (Robertson) يعتقدون أنَّ الفروق الدقيقة في النص اليونانيّ تشير إلى أن عجز بولس الجسديّ يدلّ على مرض في العين. ورسالة غلاطيّة ١١:٦ – حيث يشير بولس إلى الأحرف الكبيرة المكتوبة بخط يده – قد تدعم هذه الفكرة أيضًا.
- لكنَّ كول (Cole) يقول عن حقّ: “إنَّ أولئك الذين يرون هنا دليلًا على أنَّ بولس كان يعاني من الرمد أو من مرض مشابه لذلك، لهم مطلق الحرية في عمل ذلك. فمع كثرة الدخان الناتج عن النيران، وعدم وجود مداخن، والمصابيح الزيتية، من المتوقّع بالتأكيد حدوث نسبة عالية من مشاكل العيون بين سكان حوض البحر الأبيض المتوسط في القرن الأوَّل. وبالنسبة إلى من قضى سنوات عمره في دراسة مجلّدات عبريّة صغيرة الخطّ، فإنَّ الخطر قد يكون أكبر. بَيْدَ أنَّنا لا نملك الدليل على أيّ من ذلك.”
- غير أنَّ المغزى الحقيقيّ هنا هو أنَّه على الرغم من عجز بولس، إلَّا أنَّ أهل غلاطيّة لم يزدروا به ولا كرهوه. “حيث أنَّ اليهود والأُمَم كانوا يعتبرون العجز الجسديّ والمرض رمزًا لعدم رضا الله أو العقاب الإلهيّ، فكان الميل الطبيعيّ لدى أهل غلاطيّة أن يحتقروا بولس ويرفضوا رسالته،‘ فونغ (Fung) بَيْدَ أنَّهم لم يفعلوا ذلك. ورغم مظهر بولس الضعيف والمريض، فقد احتضنوه وتجاوبوا مع رسالة نعمة الله ومحبته.
- أَفَقَدْ صِرْتُ إِذًا عَدُوًّا لَكُمْ لِأَنِّي أَصْدُقُ لَكُمْ؟ على ضوء المحبة والكرامة العظيمتين اللتين أظهرهما أهل غلاطيّة تجاه بولس، وعلى ضوء البركة العظيمة التي نالوها من الله عندما أظهروا له ذلك، لا ينبغي لأهل غلاطيّة أن يفكّروا أنَّ بولس قد أصبح الآن خصمًا لهم عندما واجههم بالحقيقة (قال لهم الصدق). لقد احتاجوا إلى الحقّ (الصدق) أكثر مِمَّا كانوا يحتاجون إلى الشعور بالرضا عن الحال الذي هم فيه.
- “لا يكفي احترام القساوسة، إلاَّ إذا كان الاحترام مقرونًا بالمحبة. فكلاهما ضروريّ؛ وإلاَّ فقد تعليمهم حلاوته. وهو يقول إنَّه كان يتمتّع بكليهما بين أهل غلاطيّة. فهو قد سبق وتحدّث عن احترامهم، والآن هو يتحدّث عن محبّتهم.” كالفين (Calvin)
- “بالدرجة التي يقوم بها خُدّام كلمة الله ومعلّموها بتعليم الكلمة، هكذا يجب استقبالهم كما استقبل أهل غلاطيّة الرسول بولس. فلا يجب استقبال الخُدّام وتقييمهم على أساس مظهرهم الشخصيّ أو إنجازاتهم العقلية أو أسلوبهم الجذّاب، ولكن بحسب إذا كانوا بالفعل رسل الله الحاملين لكلمة المسيح أم لا.” بويس (Boice)
ج ) الآيات (١٧-١٨): بولس يناشدهم: ’احذروا من المودّة التي يظهرها الناموسيّون لكم.‘
١٧يَغَارُونَ لَكُمْ [ولكن] لَيْسَ حَسَنًا، بَلْ يُرِيدُونَ أَنْ يَصُدُّوكُمْ لِكَيْ تَغَارُوا لَهُمْ. ١٨حَسَنَةٌ هِيَ الْغَيْرَةُ فِي الْحُسْنَى كُلَّ حِينٍ، وَلَيْسَ حِينَ حُضُورِي عِنْدَكُمْ فَقَطْ.
- يَغَارُونَ لَكُمْ [ولكن] لَيْسَ حَسَنًا: يقرّ بولس بأنّ الناموسيّين يَغَارُونَ لأهل غلاطيّة (يتودّدون إليهم بغيرة)؛ والناموسيّة غالبًا ما تأتي مستترة تحت عباءة’المحبّة.‘ لكنّ المحصّلة النهائية ليست حسنة (أي تؤدّي إلى الضرر).
- يستخدم العديد من الطوائف أسلوبًا يُعرَف باسم ’القصف بالمحبّة.‘ وهو أنْ يغمروا العضو المحتمل بالاهتمام والدعم والمودّة. بَيْدَ أنَّه ليس محبّة أصيلة تجاه العضو المحتمل؛ إنَّما هو مُجرَّد أسلوب الهدف منه كسب عضو جديد. ويجوز أنَّ المؤمنين يستخدمون نفس الأسلوب بطريقة أو بأخرى.
- بَلْ يُرِيدُونَ أَنْ يَصُدُّوكُمْ (يستبعدوكم) لِكَيْ تَغَارُوا لَهُمْ: أراد معارضو بولس من الناموسيّين استمالة المؤمنين الغلاطيّين إلى جماعتهم التي تهدف إلى عزلهم. لقد أرادوا في الواقع إبعاد أهل غلاطيّة عن المؤمنين الآخرين وضمّهم إلى جماعة الناموسيّين ’ذات الروحانية الفائقة‘.
- غالبًا ما تكون الغيرة (الحماسة) التي تغرسها الناموسيّة حماسة للجماعة ذاتها أكثر منها ليسوع المسيح. وعلى الرغم من أنَّهم يسمّون اسم يسوع، إلَّا أنَّ الجماعة نفسها، من الناحية العمليّة، هي التي تلقى التعظيم باعتبارها محور التركيز الرئيسيّ، وعادةً ما يتم تعظيمها باعتبارها الملاذ الأخير لـ ’المؤمنين الفائقين.‘
- يَصُدُّوكُمْ: هذا يعني حرفيًّا ’يحبسوكم.‘ في الوقت الحاليّ، يتودّد الناموسيّون إلى أهل غلاطيّة، لكن بمجرد عزلهم عن يسوع وعن بولس، سيطلب الناموسيّون من الغلاطيّين أنْ يخدموهم. ترتبط الناموسية دائمًا بنوع من العبوديّة الدينيّة.
- “كان المُهوّدون قد اتّبعوا مسارًا بارعًا في تقديم جزء من متطلّبات ناموس موسى فقط، أي تلك الأجزاء التي قد تكون أقل إثارة لاشمئزازهم بوصفهم أُمَمًا. ثُمَّ بعد جعلهم يتبنّون الأعياد وربما أيام الصوم، صار المهوّدون الآن يحثّونهم على تبنّي الختان.” ويست (Wuest)
- حَسَنَةٌ هِيَ ٱلْغَيْرَةُ فِي ٱلْحُسْنَى كُلَّ حِينٍ: لم يكن بولس ضد الغيرة. بل أراد أن يكون للمؤمنين غَيْرَة فِي ٱلْحُسْنَى كُلَّ حِينٍ. من المهمّ التأكّد من أنَّ غيرتنا حماستنا فِي ٱلْحُسْنَى لأنَّ الغيرة في شيء سيئ هي أمر خطير.
- مما لا شكّ فيه أن مؤمني غلاطيّة أُعجَبوا بغيرة الناموسيّين. فقد كان الناموسيّون مخلصين جدًّا ومتحمسين جدًّا لمعتقداتهم. وافق بولس على أنَّه حَسَنَةٌ هِيَ ٱلْغَيْرَةُ – ولكن فقط إذا كانت فِي ٱلْحُسْنَى كُلَّ حِينٍ. فإن الغيرة التي تخدم الكذب لهي أمر خطير.
- كان بولس يعلم هذا جيدًا، لأنَّه قبل أن يصبح مسيحيًّا، كان يملك الكثير من الغيرة، إلى درجة أنَّه اضطهد الكنيسة (أعمال الرسل ٥٨:٧-٤:٨). ثُمَّ في وقت لاحق، أعاد النظر إلى ذلك الوقت الذي كان يغار فيه غيرة عظيمة على مُجَرَّد كذبة، وتأسَّف بشدَّة (كورنثوس الأولى ٩:١٥؛ تيموثاوس الأولى ١٥:١).
- وَلَيْسَ حِينَ حُضُورِي عِنْدَكُمْ فَقَطْ: أراد بولس أن يكون أهل غلاطيّة غيورين في الحُسنى عندما يكون غائبًا، وليس عندما يكون حاضرًا بينهم فقط.
د ) الآيات (١٩-٢٠): بولس يناشدهم: ’أنا أحبّكم مثل الأب، فأرجوكم استمعوا إليّ.‘
١٩يَا أَوْلاَدِي الَّذِينَ أَتَمَخَّضُ بِكُمْ أَيْضًا إِلَى أَنْ يَتَصَوَّرَ الْمَسِيحُ فِيكُمْ. ٢٠وَلكِنِّي كُنْتُ أُرِيدُ أَنْ أَكُونَ حَاضِرًا عِنْدَكُمُ الآنَ وَأُغَيِّرَ صَوْتِي، لأَنِّي مُتَحَيِّرٌ فِيكُمْ!
- يَا أَوْلَادِي: بولس يعتبر نفسه بحقّ أبًا لمؤمني غلاطيّة. بَيْدَ أنَّ هذا التحدِّي جعله يشعر وكأنه يجب عليه إحضارهم إلى يسوع من جديد (ٱلَّذِينَ أَتَمَخَّضُ بِكُمْ أَيْضًا إِلَى أَنْ يَتَصَوَّرَ ٱلْمَسِيحُ فِيكُمْ). كان بولس يعلم أنَّ عمله في تصوير (أي تشكيل) المسيح فيهم لم يكتمل حتّى يثبتوا على حالة يثقون فيها بيسوع.
- إنَّ فكرة يَتَصَوَّرَ ٱلْمَسِيحُ فِيكُمْ مشابهة لرومية ٢٩:٨ «لِأَنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ٱبْنِهِ».
- من الخطأ أنْ يحاول بولس تشكيل نفسه في أهل غلاطيّة. فهذه ليست وظيفة الراعي أبدًا. وقد كان على حقّ حين حاول تشكيل المسيح فيهم.
- يَا أَوْلَادِي: خلال هذا القسم، قام بولس بمزج الاستعارات ببراعة لتقديم صورة نابضة بالقوّة.
- بولس يشبّه نفسه بـ’الأم‘ التي ولدت أهل غلاطيّة ’ولادة‘ روحيّة (يَا أَوْلَادِي).
- لقد حدث شيء غير طبيعيّ – فإنَّ أهل غلاطيّة ينجرفون بعيدًا عن يسوع وإلى الناموس. لذلك يتعيّن على بولس أن يَتَمَخَّضَ … أَيْضًا، وهو أمر غير طبيعيّ أنْ يعاني من آلام المخاض للمرّة الثانية.
- بولس يعاني من آلام المخاض، لكنَّ ٱلْمَسِيح هو الذي يَتَصَوَّر فيهم. سيظل بولس يتمخَّض حتّى يحدث ميلاد المسيح في أهل غلاطيّة، فـيَتَصَوَّر يسوع فِيهم.
- هذا نمط شائع في الخدمة الكتابيّة كلها. “كلمة الله تخرج من شفتي الرسول أو الخادم فتدخل في قلب المستمع. ثُمَّ يخصّب الروح القُدُس الكلمة حتّى تثمر ثمر الإيمان. وبهذه الطريقة، يكون كل راعٍ أبًا روحيًّا يشكّل المسيح في قلوب مستمعيه.” لوثر (Luther)
- “إنَّه يشبّه آلامه بمخاض الولادة. لقد كان يتمخّض بهم من قبل أثناء اهتدائهم، عندما تمّت ولادتهم روحياً. والآن سبّب ارتدادهم ها هو يتمخّض مرَّة أخرى. ففي المرَّة الأولى حدث إجهاض. أمَّا في هذه المَرَّة فهو يشتاق إلى أن يتشكّل المسيح فيها حقًّا.” ستوت (Stott)
- وَلَكِنِّي كُنْتُ أُرِيدُ أَنْ أَكُونَ حَاضِرًا عِنْدَكُمُ ٱلْآنَ وَأُغَيِّرَ صَوْتِي: تمنّى بولس شيئين: أوّلًا، أن يكون حَاضِرًا عند أهل غلاطيّة. لكنه تمنّى أيضًا ألاَّ يحتاج إلى التحدّث إليهم بلهجة شديدة، أي أنْ يغيّر صوته (أي لهجته). بَيْدَ أنَّ خطورة تركهم الإنجيل الحقيقيّ تطلّبت من بولس أنْ يستعمل نبرة شديدة وتطلّبت ردودًا على حيرته (شكوكه) في أمرهم.
- يبيّن لنا هذا القسم من غلاطيّة (١٢:٤-٢٠) مبادئ تتعلّق بموقف شعب الكنيسة من راعي كنيستهم.
- يجب أَلاَّ يتوقّف موقفهم على مظهره الشخصيّ أو شخصيّته.
- يجب ألَّا يتوقّف موقفهم على نزواتهم اللاهوتيّة.
- يجب أنْ يتوقّف موقفهم على التزامه برسالة الرسل في الكتاب المُقَدَّس.
- يبيّن لنا هذا القسم من غلاطيّة (١٢:٤-٢٠) مبادئ تتعلّق بموقف الراعي من شعب كنيسته.
- يجب أن يكون مستعدًّا للخدمة والتضحية من أجل شعبه.
- يجب أن يقول لهم الصدق.
- يجب أن يحب شعبه محبة عميقة، دون دوافع أنانيّة.
- يجب أن يرغب في أن يرى أكثر من مُجرَّد الإثارة، بل غيرة على الأشياء الحُسنَى.
- يجب أن يرغب في تشكيل يسوع فيهم، وليس تشكيل نفسه فيهم.
- يبيّن لنا هذا القسم من غلاطيّة (١٢:٤-٢٠) مبادئ تتعلّق بموقف شعب الكنيسة من راعي كنيستهم.
ثالثًا. باستخدام العهد القديم، يوضّح بولس أن نظامي النعمة والناموس لا يمكن أن يتواجدا معًا كمبادئ توجّه حياتنا
أ ) الآية (٢١): يستشهد بولس بالناموس لأولئك الذين يطالبون بالناموس.
٢١قُولُوا لِي، أَنْتُمُ ٱلَّذِينَ تُرِيدُونَ أَنْ تَكُونُوا تَحْتَ ٱلنَّامُوسِ: أَلَسْتُمْ تَسْمَعُونَ ٱلنَّامُوسَ؟
- قُولُوا لِي، أَنْتُمُ ٱلَّذِينَ تُرِيدُونَ أَنْ تَكُونُوا تَحْتَ ٱلنَّامُوسِ: يكتب بولس الآن مباشرةً، لكل من يروّجون للناموسيّة ولمن استسلموا لها على سواء. إنَّه يكتب إلى أولئك الذين يُرِيدُونَ أَنْ يَكُونُوا تَحْتَ ٱلنَّامُوسِ، فيعيشون في ظل مراعاة الناموس كأساس لعلاقتهم بالله.
- هناك العديد من المزايا لكونك تَحْتَ ٱلنَّامُوسِ كمبدأ أساسيّ لعلاقتك بالله. أوّلًا: تملك دائمًا يقينًا خارجيًّا نابعًا من قائمة القوانين التي يجب مراعاتها. ثانيًا: يمكنك مدح نفسك على حفظك القوانين أفضل من غيرك. وأخيرًا: يمكنك أن تعزو فضل خلاصك لنفسك، لأنك نلته بفضل المحافظة على قائمة القوانين.
- تَحْتَ ٱلنَّامُوسِ، ما تفعله من أجل الله هو ما يجعلك بارًّا أمامه. أمَّا تحت نعمة الله، فما فعله الله لنا في يسوع المسيح هو الذي يجعلنا أبرارًا أمامه. تَحْتَ ٱلنَّامُوسِ، ينصبّ التركيز على أدائي. أمَّا تحت نعمة الله، فينصبّ التركيز على من هو يسوع وعلى ما فعله. تَحْتَ ٱلنَّامُوسِ، نبحث عن ورق التين لتغطية عرينا. أمَّا تحت نعمة الله فنحصل على التغطية من خلال الذبيحة التي قدّمها الله.
- ليس للمؤمن أي مبرِّر للعيش تَحْتَ ٱلنَّامُوسِ. “ما هو ناموس الله الآن؟ إنه ليس فوق المؤمن – بل هو تحت المؤمن. بعض الناس يسلّطون ناموس الله كسيف إرهاب فوق رقاب المؤمنين، فيقولون: ’إذا أخطأتم، فسوف تُعاقبون.‘ لكنَّ الأمر ليس كذلك. فالناموس تحت المؤمن. هو الذي يسير عليه ويسترد به ويتّخده قاعدة ونمطًا له… الناموس هو الطريق الذي يرشدنا لا العصا التي تدفعنا، ولا الروح الذي يحفّزنا.” سبيرجن (Spurgeon)
- أَلَسْتُمْ تَسْمَعُونَ ٱلنَّامُوسَ؟ استشعر بولس أنَّه لم يوضّح وجهة نظره حتّى الآن، ولذلك تناول الأمر بتوضيح آخر من العهد القديم. فقال بولس ما معناه: ’دعونا ندرس الكتاب المُقَدَّس. افتحوا كتابكم المُقَدَّس على سفر التكوين الأصحاح السادس عشر.‘
- افترض بولس أنَّ قُرّاءه يعرفون الكتاب المُقَدَّس. فمضى يشرح وجهة نظره من قصّة إبراهيم وهاجر وسارة المذكورة في سفر التكوين ١٦ دون تفاصيل كثيرة. فقرّاؤه يعرفون القصّة على أي حال.
- كان مهمًّا أن يرجع بولس إلى الكتاب المُقَدَّس مرارًا وتكرارًا. فإنَّ الناموسيّين بين أهل غلاطيّة قدّموا أنفسهم على أنهم جماعة ’العودة إلى الكتاب المُقَدَّس.‘ ومع ذلك، سيوضّح بولس أنَّهم لم يتعاملوا مع أسفار العهد القديم بصورة صحيحة، وسيبيّن أنَّ الفهم الحقيقيّ لناموس موسى يدعم الإنجيل الحقيقيّ الذي يكرز به.
ب) الآيات (٢٢-٢٣): العهد القديم يُظهر التناقض بين ابنَي إبراهيم، أي إسحاق وإسماعيل.
٢٢فَإِنَّهُ مَكْتُوبٌ أَنَّهُ كَانَ لإِبْرَاهِيمَ ابْنَانِ، وَاحِدٌ مِنَ الْجَارِيَةِ وَالآخَرُ مِنَ الْحُرَّةِ. ٢٣لكِنَّ الَّذِي مِنَ الْجَارِيَةِ وُلِدَ حَسَبَ الْجَسَدِ، وَأَمَّا الَّذِي مِنَ الْحُرَّةِ فَبِالْمَوْعِدِ.
- فَإِنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ كَانَ لِإِبْرَاهِيمَ ٱبْنَانِ: احتجّ الناموسيّون الذين أزعجوا أهل غلاطيّة بأنهم أبناء إبراهيم، ومن ثَمَّ مباركون. يُقرّ بولس بأنهم أبناء إبراهيم، ولكنهم ينسون أنَّه كَانَ لِإِبْرَاهِيمَ ٱبْنَانِ.
- وَاحِدٌ مِنَ ٱلْجَارِيَةِ وَٱلْآخَرُ مِنَ ٱلْحُرَّةِ: كان اسم ابن إبراهيم الأوَّل إسماعيل. وهو لم يولد من زوجته، ولكن من خادمة زوجته (ٱلْجَارِيَةِ)، نتيجة لخطة فاشلة لتأمين أمّ بديلة بهدف ’مساعدة الله‘ عندما لم تتمكّن سارة زوجة إبراهيم من الحمل.
- التناقض الأوَّل الذي يُظهِره بولس بين المسيحيّة الحقيقيّة والناموسيّة هو التناقض بين الحرّيّة والعبوديّة. فأحد ابني إبراهيم وُلِد من امرأة حُرَّة، بينما وُلِد الثاني من جَارِيَة. الحياة المسيحيّة الحقيقيّة تتميّز بالحرّيّة.
- وُلِدَ حَسَبَ ٱلْجَسَدِ: كان إسماعيل ابن إبراهيم، لكنَّه كان الابن الذي حَسَبَ ٱلْجَسَدِ وعدم الإيمان ومحاولة شقّ طريقك بنفسك أمام الله.
- غالبًا لا يبدو الأمر كذلك، لكن الناموسيّة هي حياة حَسَبَ ٱلْجَسَدِ. إنَّها إنكار لوعد الله ومحاولة شقّ طريقك إلى الله بواسطة الناموس. هكذا تحيا كابن لإبراهيم – لكنك ستحيا مثل إسماعيل.
- “الناموسيّة لا تعني وضع معايير روحيّة؛ بل تعني عبادة هذه المعايير والاعتقاد بأننا روحيّون لأننا نطيعها. كما تعني الحكم على المؤمنين الآخرين على أساس هذه المعايير.” ويرزبي (Wiersbe)
- “كلَّما كان الإنسان ناموسيًّا أفضل، صار هلاكه أكثر يقينًا؛ وكلَّما كان الإنسان أكثر قداسة، وواثقًا في أعماله، ضمن رفضه النهائيّ ونصيبه الأبديّ مع الفريسيّين.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَأَمَّا ٱلَّذِي مِنَ ٱلْحُرَّةِ فَبِالْمَوْعِدِ: كان ابن إبراهيم الثاني يُدعَى إسحاق. وهو قد وُلِد بمعجزة من سارة زوجة إبراهيم (ٱلْحُرَّةِ). كان إسحاق ابن إبراهيم، وكان ابن وعد الله وابن الإيمان وثمرة معجزة الله لإبراهيم.
- أمَّا التناقض الثاني الذي يُظهِره بولس بين المسيحيّة والناموسيّة فهو التناقض بين العمل الذي أنجزته معجزة الله الموعود بها وبين العمل الذي أنجزه الجسد. الحياة المسيحيّة الحقيقيّة ترتبط بمعجزة الله الموعود بها، لا بالجسد.
ج) الآيات (٢٤-٢٧): العهد القديم يُظهر التناقض بين جبل سيناء وجبل صهيون.
٢٤وَكُلُّ ذلِكَ رَمْزٌ، لأَنَّ هَاتَيْنِ هُمَا الْعَهْدَانِ، أَحَدُهُمَا مِنْ جَبَلِ سِينَاءَ، الْوَالِدُ لِلْعُبُودِيَّةِ، الَّذِي هُوَ هَاجَرُ. ٢٥لأَنَّ هَاجَرَ جَبَلُ سِينَاءَ فِي الْعَرَبِيَّةِ. وَلكِنَّهُ يُقَابِلُ أُورُشَلِيمَ الْحَاضِرَةَ، فَإِنَّهَا مُسْتَعْبَدَةٌ مَعَ بَنِيهَا. ٢٦وَأَمَّا أُورُشَلِيمُ الْعُلْيَا، الَّتِي هِيَ أُمُّنَا جَمِيعًا، فَهِيَ حُرَّةٌ. ٢٧لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «افْرَحِي أَيَّتُهَا الْعَاقِرُ الَّتِي لَمْ تَلِدْ. اِهْتِفِي وَاصْرُخِي أَيَّتُهَا الَّتِي لَمْ تَتَمَخَّضْ، فَإِنَّ أَوْلاَدَ الْمُوحِشَةِ أَكْثَرُ مِنَ الَّتِي لَهَا زَوْجٌ».
- وَكُلُّ ذَلِكَ رَمْزٌ: أراد بولس أن يفهموا أنَّه استخدم صورًا من العهد القديم. فإشارته إلى هاجر وإسماعيل كانت صورتين بهدف توضيح وجهة نظره. والآن سيعرض صورة أخرى.
- واضح هنا أنَّ بولس يكتب بإرشاد الروح القُدُس. وبالنسبة إلينا، يجب أن نكون حذرين عند قراءة الأمور المجازية أو الرمزية في الكتاب المُقَدَّس. “يقولون إنَّ الكتاب المُقَدَّس خصب، وبالتالي يحمل معانيَ متعدَّدة. وأنا أعترف أنَّ الكتاب المُقَدَّس هو أغنى منبع لا ينضب للحكمة. لكنني أنكر أنَّ خصوبته تتألّف من معانٍ مختلفة يُقحمها أي شخص كما يحلو له. دعونا نعلم، إذن، أنَّ المعنى الحقيقيّ للكتاب المُقَدَّس هو المعنى الطبيعيّ والبسيط، ودعونا نتمسّك ونلتزم به بإصرار.” كالفين (Calvin)
- لِأَنَّ هَاتَيْنِ هُمَا ٱلْعَهْدَانِ: العهد في الكتاب المُقَدَّس هو ’عقد‘ يحدّد قواعد علاقتنا مع الله. لقد صرّح بولس بالقضايا التي تواجه المؤمنين الغلاطيّين دون مواربة. فالناموسيّون أراد منهم أن يرتبطوا بالله بموجب مجموعة من القواعد، بينما أرادهم بولس أن يرتبطوا بالله بموجب ’القواعد‘ المقدّمة في الإنجيل.
- أَحَدُهُمَا مِنْ جَبَلِ سِينَاءَ: يرتبط العهد الأوَّل بـجَبَلِ سِينَاءَ، أي المكان الذي تلقّى فيه موسى الناموس (خروج ١٩-٢٠).
- هذا العهد وَالِد لِلْعُبُودِيَّةِ. نظرًا لأنَّه كله يتعلّق بما يجب علينا عمله كي نُقبَل من الله، فهو لا يحرّرنا. إنَّما هو يضعنا في حلقة مفرَّغة دائمة من الحاجة إلى إثبات أنفسنا وشقّ طريقنا بأنفسنا أمام الله.
- هذا العهد يرتبط بـهَاجَر: ’الأم البديلة‘ التي ولدت إسماعيل. وإذا استُخدِم خطأً، كان عهدًا حسب الجسد (غلاطيّة ٢٣:٤).
- هذا العهد يُقَابِلُ (يماثل) أُورُشَلِيمَ ٱلْحَاضِرَةَ، أي أورشليم الأرضية التي كانت عاصمة الديانة اليهوديّة. كانت هذه هي الطريقة التي حاول بها معظم اليهود في زمن بولس أن يكونوا في موقف سليم مع الله – عن طريق الاتّكال على قدرتهم على إرضاء الله بحفظ الناموس.
- وَأَمَّا أُورُشَلِيمُ ٱلْعُلْيَا: أمَّا العهد الآخر فيرتبط بأُورُشَلِيمُ، بجبل صهيون – ولكن ليس بجبل صهيون الخاصّ بأرضنا هذه. إنَّما يرتبط بأُورُشَلِيمُ ٱلْعُلْيَا – أورشليم الله الجديدة في السماء.
- التناقض الثالث الذي يُظهِره بولس بين المسيحيّة والناموسيّة هو التناقض بين السماء والأرض. فالمسيحيّة الحقيقيّة تأتي من السماء لا من الأرض.
- أُورُشَلِيمُ ٱلْعُلْيَا … هِيَ حُرَّةٌ: سيخبرنا بولس الآن بالمزيد عن العهد الذي تمثّله أورشليم السماويّة. هذا العهد يجلب الحرّيّة – فهو حُرّ. وإنه حُرّ لأنَّه يدرك أنَّ يسوع قد دفع الثمن، وأنه ليس علينا أن ندفعه بأنفسنا.
- ٱلَّتِي هِيَ أُمُّنَا جَمِيعًا: لهذا العهد الكثير من الأبناء؛ فهو أُمُّنَا جَمِيعًا. ينتمي جميع المؤمنين عبر القرون إلى هذا العهد الجديد، عهد أورشليم السماويّة. وكل ولادة تحت هذا العهد هي معجزة، مثل تحقيق نبوة إشعياء ١:٥٤: تَرَنَّمِي أَيَّتُهَا ٱلْعَاقِرُ ٱلَّتِي لَمْ تَلِدْ! كل إنسان يولد بفضل معجزة من الله.
- بَنِي ٱلْمُسْتَوْحِشَةِ أَكْثَرُ: يقترح الاقتباس من إشعياء ١:٥٤ أيضًا أنَّ عدد المسيحيّين سيكون أكبر من عدد اليهود – وهو وعد تم تحقيقه.
- أمَّا التناقض الرابع الذي يُظهِره بولس بين المسيحيّة والناموسيّة فهو التناقض بين الأكثر بكثير والكثير. فغنى العهد الجديد ومجده يتّضحان من أنَّه سيكون له أتباع أكثر بكثير من العهد القديم.
’إسماعيل‘ – الناموسيّة | ’إسحاق‘ – المسيحيّة الحقيقيّة |
العبوديّة والاستعباد | الحرّيّة |
إسماعيل: مولود حسب الجسد | إسحاق: مولود بمعجزة الله الموعودة |
مصدره أورشليم الأرضية | مصدره أورشليم السماويّة |
العديد من الأطفال | الكثير الكثير من الأطفال |
مضطهِد | مضطهَد |
لا يرث شيئًا | يرث كل شيء |
العلاقة قائمة على حفظ الناموس | العلاقة قائمة على الاتّكال على الله |
د ) الآيات (٢٨-٣١): يطبّق بولس التناقضات بين النظامين.
٢٨وَأَمَّا نَحْنُ أَيُّهَا الإِخْوَةُ فَنَظِيرُ إِسْحَاقَ، أَوْلاَدُ الْمَوْعِدِ. ٢٩وَلكِنْ كَمَا كَانَ حِينَئِذٍ الَّذِي وُلِدَ حَسَبَ الْجَسَدِ يَضْطَهِدُ الَّذِي حَسَبَ الرُّوحِ، هكَذَا الآنَ أَيْضًا. ٣٠لكِنْ مَاذَا يَقُولُ الْكِتَابُ؟ «اطْرُدِ الْجَارِيَةَ وَابْنَهَا، لأَنَّهُ لاَ يَرِثُ ابْنُ الْجَارِيَةِ مَعَ ابْنِ الْحُرَّةِ». ٣١إِذًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ لَسْنَا أَوْلاَدَ جَارِيَةٍ بَلْ أَوْلاَدُ الْحُرَّةِ.
- وَأَمَّا نَحْنُ أَيُّهَا ٱلْإِخْوَةُ فَنَظِيرُ إِسْحَاقَ، أَوْلَادُ ٱلْمَوْعِدِ: كمؤمنين، نحن لا نتوحّد مع إسماعيل، إنَّما نتوحّد مع إِسْحَاقَ، باعتبارنا أَوْلَاد ٱلْمَوْعِدِ الذي حصل عليه إبراهيم بالإيمان.
- وَلَكِنْ كَمَا كَانَ حِينَئِذٍ ٱلَّذِي وُلِدَ حَسَبَ ٱلْجَسَدِ يَضْطَهِدُ ٱلَّذِي حَسَبَ ٱلرُّوحِ، هَكَذَا ٱلْآنَ أَيْضًا. إسماعيل وذريته يضطهدون إسحاق وذريته. لذلك لا ينبغي أن نُفاجَأ من أنَّ أولئك الذين يتّبعون الله بالجسد في العصر الحديث يضطهدون أولئك الذين يتّبعون الله بالإيمان بواسطة الوعد.
- التناقض الخامس الذي يُظهره بولس بين المسيحيّة والناموسيّة هو التناقض بين المضطهِد والمضطهَد. لطالما اضطهد الناموسيّون – الممثَّلون بإسماعيل – المسيحيّة الحقيقيّة الممثَّلة بإسحاق. بينما نحن سائرون في المجد، في الحرّيّة، وفي القوّة المعجزية لهذا العهد الجديد، يجب أن نتوقّع التعرُّض للإساءة من قِبَل مَن لا يفعلون ذلك.
- لا يرد ذكر محدَّد لاضطهاد إسماعيل إسحاق، إلاَّ أنَّ تكوين ٩:٢١ يقول إنَّ إسماعيل كان يسخر من إسحاق. لعَلَّ بولس يشير إلى هذا السخرية، أو رُبَّما يستند إلى تقليد يهوديّ أو رُبَّما هو يضيف شيئًا بوحي من الروح القُدُس لم نكن نعرفه من قبل.
- لن يكون اضطهاد المؤمنين “دائمًا من قِبَل العالم، بل هو أيضًا في الغالب من قِبَل إخوتهم غير الأشقّاء – أي غير المؤمنين من المتدينيّن في الكنيسة الاسميّة. هذا هو الدرس الذي يعلّمه إيانا التاريخ… أعظم أعداء الكنيسة الإنجيلية اليوم موجودون بين أعضاء الكنيسة الطقسية، فإنَّ أكبر معارضة تصدر عن المنابر والرتب الهرميّة للكنيسة.” بويس (Boice)
- لَكِنْ مَاذَا يَقُولُ ٱلْكِتَابُ؟ «ٱطْرُدِ ٱلْجَارِيَةَ وَٱبْنَهَا»: حلّ هذه المشكلة واضح، وإن لم يكن سهلًا: يجب علينا أنْ نَطْرُد ٱلْجَارِيَةَ وَٱبْنَهَا. لا يمكن للناموس والنعمة أن يعيشا معًا كمبادئ لحياتنا المسيحيّة.
- لم تستطع هاجر وسارة العيش معًا في نفس البيت (تكوين ٨:٢١-١٤). ويمكننا المجادلة طوال اليوم حول مَن كانت المُذنِبة، ولكن هذا ليس هو المغزى. المغزى المهمّ هو أنَّ الله أمرَ إبراهيم بطرد هاجر. وكذلك يجب على كل مؤمن أن يطرد فكرة الارتباط بالله على أساس مبدأ الناموس، ومبدأ ما نفعله نحن من أجله بدلًا ممّا فعله من أجلنا في يسوع المسيح.
- من اللافت للنظر أنَّ سارة استطاعت أن تعيش مع هاجر وإسماعيل حتّى مولد ابن الوعد. وما إن وُلِد إسحاق حتّى كان على هاجر وإسماعيل أن يرحلا. وبالطريقة نفسها، يمكن لأي شخص أن يرتبط بالناموس بطريقة ما قبل أن يتّضح وعد الإنجيل في يسوع المسيح. ولكن الآن بعد أن اتّضح ذلك، لم يبقَ بيدنا شيءٌ لنفعله سوى طَرْد ٱلْجَارِيَة وَٱبْنهَا.
- لِأَنَّهُ لَا يَرِثُ ٱبْنُ ٱلْجَارِيَةِ مَعَ ٱبْنِ ٱلْحُرَّةِ: لم يكن إسماعيل بالضرورة إنسانًا سيّئًا أو ملعونًا. ولكنه لم يُبارَك بوعد وراثة العهد المجيد الذي قطعه الله مع إبراهيم وذريته. فهذا الميراث كان يخصّ وريثًا واحدًا – أي إسحاق، ٱبْن ٱلْحُرَّةِ.
- أمَّا التناقض السادس الذي يُظهِره بولس بين المسيحيّة والناموسيّة فهو التناقض بين وراثة الكل وعدم وراثة أي شيء. في حين أن ’أمثال إسحاق‘ في هذا العالم قد يتعرّضون للاضطهاد، فإنَّ لديهم أيضًا ميراث مجيد لن يعرفه ’أمثال إسماعيل‘ في هذا العالم أبدًا. نحن ورثة الله من خلال مبدأ النعمة لا الأعمال.
- إِذًا أَيُّهَا ٱلْإِخْوَةُ لَسْنَا أَوْلَادَ جَارِيَةٍ بَلْ أَوْلَادُ ٱلْحُرَّةِ: بالنسبة إلى بولس، كانت إحدى القضايا الكبرى في هذا الشأن هي الحرّيّة. لقد اختبر عبوديّة محاولة شقّ طريقه أمام الله بنفسه، لأنَّه عاش بهذه الطريقة عشرات السنين. والآن قد عرف حرّيّة العيش كابن لله، حُرًّا في يسوع المسيح.
- “يوضّح باركلي (Barclay) أنَّ أي شخص يجعل الناموس محور حياته هو “في مكانة العبد؛ يسعى طوال حياته لإرضاء سيده الناموس.” لكن عندما تكون النعمة هي المحور، يكون الشخص قد جعل “المحبّة مبدأه المسيطر… فتكون قوّة المحبّة – وليس قيد الناموس – هي التي تحفظنا على صواب، والمحبّة أقوى من الناموس دائمًا.” موريس (Morris)