رسالة تيموثاوس الثانية – الإصحاح ٣
أزمنة محفوفة بالمخاطر وحق ثمين
“بينما كان بولس يقبع في زنزانته كسجين للرب كان لا يزال منشغلاً بمستقبل الخدمة. وهو الآن يفكر في شرور الأزمنة وفي عدم ثقة تيموثاوس بنفسه. فقد كان تيموثاوس ضعيفاً جداً والمعارضة قوية جداً.” جون ستوت (John Stott)
أولًا. أهمية التمميز في الأزمنة الصعبة
أ ) الآية (١): أزمنة صعبة فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ.
١وَلكِنِ اعْلَمْ هذَا أَنَّهُ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ سَتَأْتِي أَزْمِنَةٌ صَعْبَةٌ.
- فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ سَتَأْتِي أَزْمِنَةٌ صَعْبَةٌ: تحمل كلمة ’صَعْبَة‘ معنى: المتاعب والصعوبات والأوقات العصيبة. وهذا ما سوف يميز الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ.
- “تستخدم كلمة (صَعْبَة) في اللغة اليونانية القديمة لوصف كل من: الحيوانات البرية الخطرة والبحر الهائج. وقد وردت الكلمة مرة أخرى فقط في العهد الجديد في قصة مجنوني كُورَةِ الْجِرْجَسِيِّينَ المسكونيين بالأرواح الشريرة الذين كانا همجيان وغير مروضان مثل الوحوش البرية وهذا ما يصفه البشير متى: “هَائِجَانِ جِدًّا، حَتَّى لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَجْتَازَ مِنْ تِلْكَ الطَّرِيقِ.” (متى ٢٨:٨). ستوت (Stott)
- يصف بولس الأيام الأخيرة بخصائص لا تتحدث عن أوقات رديئة، بل عن أناس أردياء. “ينبغي لنا أن نلاحظ ما هي القساوة أو الخطر الكامن في تلك الأزمنة في نظر بولس، فهي ليست حروباً ولا مجاعات أو أمراض ولا أي من الكوارث التي تصيب الجسم البشري، بل هي طرق البشر الشريرة والمنحرفة.” كالفن (Calvin)
- “إن البابويون يطبقون الوصف في هذا المقطع وفي الآيات التي تليه على البروتستانت، بينما يقوم البروتستانت بدورهم بتطبيقه على البابويون، ويطبقه شخص اسمه شويتغن على اليهود وغيرهم من الهراطقة بشكل عام. ولكن من المحتمل أن الأيام الأخيرة في نظر الرسول بولس تعني عصراً خاصاً يجب أن يظهر فيه بعض الفساد في المسيحية.” كلارك (Clarke)
- فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ: معنى هذه العبارة في العهد الجديد واسع جداً لدرجة كافية لأن يقول المرء أن الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ قد بدأت مع مولد الكنيسة في يوم الخمسين (أعمال الرسل ١٧:٢). وأيام المسيا تميز الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ، ومع ذلك فإن المصطلح مناسب بشكل خاص للظروف التي ستسود مباشرة قبل عودة يسوع وانقضاء كل الأشياء.
- وعلى الرغم أن البعض يظن بأن توجيه الانتباه إلى الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ هو أمر تافه، فإنه ينبغي لنا أن نكون قادرين على تمييز زمن مجيء الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ، أو على الأقل معرفة الزمن الذي تتشابه فيه أحوال العالم مع وصف الكتاب المقدس للأَيَّامِ الأَخِيرَةِ.
- “هناك إخوة متفائلون يتطلعون إلى تحسن الأمور في هذا العصر الحاضر إلى أن يأتي الحكم الألفي السعيد. ولكن هؤلاء لن يقدروا أن يحافظوا على آمالهم، لأن الكتاب المقدس لا يعطيهم أساساً راسخاً ليرتكزوا عليه… وبصرف النظر عن المجيء الثاني لربنا، فمن المرجح أن يغرق العالم في الجحيم بدلاً من أن يصل إلى العصر الألفي السعيد.” سبيرجن (Spurgeon)
- يوبخ يسوع في إنجيل متى ١:١٦-٤ القادة اليهود لأنهم لم يفهموا أو لم يريدوا أن يفهموا معنى أزمنتهم: “يَا مُرَاؤُونَ! تَعْرِفُونَ أَنْ تُمَيِّزُوا وَجْهَ السَّمَاءِ، وَأَمَّا عَلاَمَاتُ الأَزْمِنَةِ فَلاَ تَسْتَطِيعُونَ!” (متى ٣:١٦). وربما سيقوم يسوع بتوبيخ بعض المؤمنين اليوم الذين لا يدركون معنى الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ وعودة يسوع المسيح القريبة.
ب) الآيات (٢-٥): وصف حالة البشر في الأيام الأخيرة.
٢لأَنَّ النَّاسَ يَكُونُونَ مُحِبِّينَ لأَنْفُسِهِمْ، مُحِبِّينَ لِلْمَالِ، مُتَعَظِّمِينَ، مُسْتَكْبِرِينَ، مُجَدِّفِينَ، غَيْرَ طَائِعِينَ لِوَالِدِيهِمْ، غَيْرَ شَاكِرِينَ، دَنِسِينَ، ٣بِلاَ حُنُوٍّ، بِلاَ رِضًى، ثَالِبِينَ، عَدِيمِي النَّزَاهَةِ، شَرِسِينَ، غَيْرَ مُحِبِّينَ لِلصَّلاَحِ، ٤خَائِنِينَ، مُقْتَحِمِينَ، مُتَصَلِّفِينَ، مُحِبِّينَ لِلَّذَّاتِ دُونَ مَحَبَّةٍ للهِ، ٥لَهُمْ صُورَةُ التَّقْوَى، وَلكِنَّهُمْ مُنْكِرُونَ قُوَّتَهَا. فَأَعْرِضْ عَنْ هؤُلاَءِ.
- النَّاسَ يَكُونُونَ مُحِبِّينَ لأَنْفُسِهِمْ: هذه بالتأكيد مواصفات عصرنا الحاضر الذي يشجع الفرد على محبة الذات دون قيد أو شرط، وأن مثل هذه المحبة للذات هي الأساس للشخصية السليمة الصحية.
- نحن لسنا بحاجة لأحد أن يشجعنا كي نحب أنفسنا، فنحن نفعل هذا بشكل طبيعي. كما لا ينبغي لنا أن نكره أنفسنا، ولكن بحسب قول بولس في رومية ٣:١٢ “فَإِنِّي أَقُولُ بِالنِّعْمَةِ الْمُعْطَاةِ لِي، لِكُلِّ مَنْ هُوَ بَيْنَكُمْ: أَنْ لاَ يَرْتَئِيَ فَوْقَ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَرْتَئِيَ، بَلْ يَرْتَئِيَ إِلَى التَّعَقُّلِ، كَمَا قَسَمَ اللهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِقْدَارًا مِنَ الإِيمَانِ.” فيجب أن نرى أنفسنا على حقيقتها من الجانبين: السيء الذي نحن عليه في الجسد، والمجد الذي نحن عليه في يسوع المسيح.
- إن محبة الذات هي أساس كل الفساد الذي يتكلم عنه بولس لاحقًا: “على القراء أن يلاحظوا أن محبة الذات هي المصدر الذي تنشأ منه كل الأمور الأخرى التي تتبع.” كالفن (Calvin)
- “ليست مصادفة أن أول صفات الناس في الأيام الأخيرة هي: حياة متمحورة حول الذات. إن الصفة المستخدمة لوصفهم في اللغة اليونانية هي كلمة فيلاوتوس (philautos) ومعناها محبة الذات. فمحبة الذات هي الخطيئة الأساسية التي تنشأ منها كل الخطايا الأخرى. ففي اللحظة التي تتحول إرادة الإنسان إلى مركز لحياته فإن علاقة الإنسان بالله تُدمِّر. وعندها تصبح طاعة الله والإحسان للبشر أمور مستحيلة. “إن جوهر المسيحية ليس تتويج الذات على العرش بل هو إنكار أو إلغاء الذات.” باركلي (Barclay)
- “إن محبي الذات جديرون بتصدر القائمة لأن محبة الذات هي أصل كل الخطايا والجذر الذي تنشأ منها كل الخصائص الأخرى. فالكلمة ’محبي الذات‘ تدل على حقيقة أن مركز ثقل الإنسان الطبيعي هو الذات وليس الله.” هايبرت (Hiebert)
- لأَنَّ النَّاسَ يَكُونُونَ… مُحِبِّينَ لِلْمَالِ: إن محبة المال ليست بالأمر الجديد، ولكن الناس في يومنا الحاضر لديهم القدرة على تعذية محبتنا للمال كما لم يحدث من قبل.
- في السنوات الأخيرة عرضت الصحف قصة امرأة تدعى بريندا بلاكمان، التي حققت نجاحاً كبيراً بتعليم دورة عنوانها ’كيف تتزوج من المال.‘ وتحاول في هذه الدورة تدريبك على اختيار شريك غني. تكلف الدورة ٣٩ دولاراً للشخص الواحد. وقدمت بلاكمان نصائح حول كيفية البحث في دفتر شيكات الشريك المحتمل لدراسة إيداعاتهم وتقييم مستويات دخلهم. وكانت تبني ثقة الحضور بالطلب منهم بترديد هذه الجملة لعدة مرات أثناء المحاضرة: “أنا أريد أن أكون غنياً، أنا أستحق أن أكون غنياً، لقد ولدت لأكون غنياً.” وفي إحدى المحاضرات، سألت امرأة بلاكمان عما إذا كان مناسباً أن ترتبط برجل دخله السنوي حوالي مئة ألف دولار. أجابتها، ’طبعًا لا.‘ وماذا لو كان شخصًا رائعًا وكاملًا في كل الأمور الأخرى؟ أجابت: ’إن كان وهو في ذروة نجاحة لا يكسب سوى مئة ألف دولار، فانسي الموضوع.‘ وعندما سألها أحدهم ماذا عن الحب في مثل تلك العلاقات؟ قالت بلاكمان: إن العثور على شريك يملك هذا المقدار الكبير من المال هو الجزء الصعب من القضية، أمَّا محبة ذاك الشخص فهو أمر سهل بالمقارنة مع الجزء الأول. وتقول بلاكمان: ’كيف لا يمكنك أن تحب شخصاً يقوم بكل هذه الأشياء الرائعة لأجلك؟‘ بالمناسبة، كانت بلاكمان عزباء بينما كانت تقدم هذه الدورات.
- النَّاسَ يَكُونُونَ… مُتَعَظِّمِينَ، مُسْتَكْبِرِينَ، مُجَدِّفِينَ: إن هذه الصفات: التعظم والكبرياء والتجديف ليست شيئاً جديداً، لكنها في يومنا الحاضر تبدو أكثر بروزاً من أي وقت مضى.
- كل من التفاخر والكبرياء والتجديف يتمحورون حول فكرة: ’أنا الأهم.‘ وكل واحدة منها تقول: “أنت لا تهمني، والله لا يهمني. كل ما يهم هو أنا.”
- في يومنا الحاضر، يمكننا رؤية التفاخر والكبرياء والتجديف بوضوح في كل مكان، وبشكل خاص بين المشاهير الذين تجعل منهم ثقافتنا أصناماً. فالعديد من الناس اليوم أصبحوا أثرياء بسبب التفاخر والكبرياء والتجديف.
- النَّاسَ يَكُونُونَ… غَيْرَ طَائِعِينَ لِوَالِدِيهِمْ: منذ منتصف الستينات من القرن الماضي، حدث انهيار مخيف لسلطة الوالدين.
- قبل بضعة سنوات حكم قاضٍ من مدينة أورلندو في ولاية فلوريدا الأمريكية بأنه يحق لصبي يبلغ من العمر ١١ عاماً طلب الانفصال عن والديه حتى يتسنى لعائلة أخرى تبنيه. وعلى الرغم من قلة حالات الانفصال القانوني بين الأهل وأولادهم إلا أنه من الشائع جداً أن يتجاهل الشباب والديهم ببساطة.
- في تسعينيات القرن الماضي كتبت صحيفة لوس أنجيلوس تايمز عن صبي في منطقة لوس أنجيلوس يبلغ من العمر ١٣ عاماً أمسك بجريمة الكتابة على الجدران. قال: “إنهم عائلتي. فهم يهتمون بي وأنا أهتم بهم. نتعايش معًا يومياً. تحصل معهم على الصداقة والحب واللوازم وكل ما تريد.” يقول الصبي أيضاً: “سأكتب في كل مكان… رغم أنني لا أحب أن يكتب أحد على أشيائي، لكني سأفعل ذلك على أشياء الآخرين، وسأفعل ذلك كي أصبح مشهورًا، ولا يهمني إن كنت أتسبب بأضرار في ممتلكات الغير. أثناء النهار أحمل مفك أو سكين للحماية. ولكن في الليل أحمل بندقية، فلدي ثلاث بنادق. أنا أخفيها. لقد أخذت أمي بندقية عيار ٣٨ مني. ولكني سوف أستعيدها.” وعندما سئل عن ردة فعل والديه عندما ألقي القبض عليه لأول مرة، أجاب: “لقد تكلم والدي نوعاً ما عن الأمر. وبالطبع أخبروني، بأن لا أفعلها مرة ثانية. ولكني لن أصغي لهم، ولا يتعين عليهم معرفة ما أفعل.”
- النَّاسَ يَكُونُونَ… غَيْرَ شَاكِرِينَ، دَنِسِينَ، بِلاَ حُنُوٍّ، بِلاَ رِضًى: لقد تميزت البشرية بهذه الصفات منذ زمن آدم بدرجة أو بأخرى. وبولس هنا يقول أن هذه الصفات ستكون سائدة بشكل خاص في الأيام الأخيرة.
- بِلاَ حُنُوٍّ (أو خالين من المودة الطبيعية) وتعني حرفياً، “بلا محبة للعائلة.” يقصد بولس بذلك أن أزمنة نهاية العالم ستتميز بموقف التجاهل المتزايد للمحبة والالتزام العائلي السوي.
- النَّاسَ يَكُونُونَ… ثَالِبِينَ: لطالما نشر الناس الأكاذيب المؤذية عن أناس آخرين، ولكن في يومنا الحاضر تم رفع مستوى الاغتياب والنميمة في وسائل الإعلام والسياسة لتصل إلى كل من الشركات الكبرى والثروة.
- أما في مجال السياسة فإن المرشحون يقومون بتشويه مواقف خصومهم بشكل روتيني وعن معرفة، وذلك لمجرد جعل منافستهم تبدو سيئة. وهم لا يشعرون بالسوء على الإطلاق بشأن الكذب إذا كان ذلك يساعد في انتخابهم. أما في وسائل الإعلام فيعمل المحررون ومديرو الأخبار كمدعين عامين وقضاة وهيئة محلفين وجلادين للأبرياء المشتبه بهم عن خطأ. وعادة ما يرفضون الاعتذار عندما يثبت أنهم مخطئون.
- النَّاسَ يَكُونُونَ… عَدِيمِي النَّزَاهَةِ (غَيْرَ ضَابِطِينَ لِأنْفُسِهِمْ): يمكن كتابة قصة عدم ضبط النفس في كل شيء تقريباً، في الجنس والمخدرات والكحول والطعام والعمل. فكل ما نقوم به غالباً، فإننا نقوم به بدون ضبط للنفس.
- في تسعينيات القرن الماضي نشرت صحيفة لوس أنجلوس تايمز مقالاً عن امرأة تدعى ميشيل، كانت كاتبة ومحررة ناجحة. وكانت تخشى من اليوم الذي يكتشف فيه زوجها المخبأ السري لبطاقات الائتمان أو صندوق بريدها السري أو غيرها من الحيل التي استخدمتها لإخفاء الفواتير الخاصة بتسوقها. “أنا أكسب الكثير من المال مثل زوجي… فإذا أعجبني فستان بقيمة ٥٠٠ دولار من محلات آن تايلور، اشتريه لأني أستحقه وهو من حقي، ولأني لا أريد المشاجرة بسببه مع زوجي، فإن أسهل شيء أفعله هو أن أكذب.” هكذا شرحت الأمر. وفي العام الماضي عندما أجبرها زوجها على إتلاف إحدى بطاقات الائتمان الخاصة بها، خرجت ميشيل وحصلت على بطاقة جديدة دون إخباره. “أنا أعيش في خوف مستمر. فإذا اكتشف زوجي هذه البطاقة الجديدة، فسيقتلني حتمًا.” وقالت معلمة مدرسة مازحة: “إن الرجال لا يفهمون بأن التسوق هو كالمخدر بالنسبة لنا.” واضافت أنها أحيانًا كانت تصرف كل راتبها لدفع الحد الأدنى للرصيد على بطاقة الائتمان الخاصة بها. “المشي في مركز التسوق يشبه المشي عبر أبواب السماء. ون وأن صندوق وأن صندوق السيارة قد صنعه الله خصيصًا للنساء لإخفاء أكياس التسوق فيه.” وأوضحت إحدى الشابات المحترفات وتدعى ماري آن: “التسوق بالنسبة لي هو طريقتي لتدليل نفسي. فعندما تمشي في مركز تجاري وتشاهد كل المحلات، فكأن شيئاً ما يسيطر عليك ويستحوذ على اهتمامك.”
- النَّاسَ يَكُونُونَ… شَرِسِينَ: إن القسوة والوحشية ليست جديدة في العالم، لكن بولس يكتب بإلهام الروح القدس ليخبرنا بأن الأيام الأخيرة ستتميز بوحشية خاصة.
- وصف مقال صحفي في تسعينيات القرن الماضي كيف وجهت التهمة لرجل من منطقة أوكسنارد بقتل رفيقه في السكن بعد أن اختلف الإثنان حول نوع البيرة التي أحضرها رفيقه في السكن إلى الغرفة. فقد أحضر الشخص المتهم إلى المنزل بيرة من نوع ’ناتشرال لايت،‘ بينما أراده الشخص المقتول أن يحضر بيرة من نوع ’ميكالوب.‘ وبينما كان يسكب بيرة ’ناتشرال لايت‘ في مغسلة المطبخ، تعرض للطعن حتى الموت.
- نحن نحب أن نعتبر أنفسنا أكثر تقدماً من الأجيال السابقة، لكن من المؤكد أن عدد الناس الذين قتلوا في قرننا يفوق عددهم في أي وقت مضى، إننا نعيش في أوقات عنيفة ووحشية.
- النَّاسَ يَكُونُونَ… غَيْرَ مُحِبِّينَ لِلصَّلاَحِ: يبدو أن هناك الكثير من الأمثلة التي نستطيع اكتشافها حول ذلك في المجتمع الحديث. على سبيل المثال: كان هناك وقت اعتقد فيه معظم الناس أن حياة الفرد أفضل من موته، وأن القتل أمر سيء بشكل عام. ولكننا نعيش اليوم في ثقافة تحتقر فيها عطية الحياة، وتم الاعتداء عليها من خلال الإجهاض وتشجيع العنف والقتل الرحيم.
- في السادس من شهر آذار من سنة ١٩٩٦ أعلنت محكمة الاستئناف الأمريكية أن دستور الولايات المتحدة يمنح كل أمريكي الحق في قتل شخص ما. وقالت المحكمة بشكل أساسي أنه إذا كنت تعتقد أن شخصاً قد يرغب بالموت، حتى لو لم يقل ذلك أبداً، فيمكنك قتله، فلا يوجد قانون يمنعك. ويمكنك قتل شخص ما إذا كنت طبيباً أو ممرضاً أو صيدلياً أو أحد أفراد العائلة، أو كنت “شخصاً آخر مهماً” لشخص تعتقد أنه يريد أن يموت. نفهم من حكم القاضي بأنه: “عندما يتعذر على المرضى العيش بحرية أو بسعادة ويرفضون الحياة، يمكن عندها أن يُقتلوا.” وربط القاضي قراره مباشرة بالحق في الإجهاض عند الطلب. فإذا سمحت الولاية بقتل البشر في الرحم، فيجب أن تسمح بقتلهم لاحقاً.
- النَّاسَ يَكُونُونَ… خَائِنِينَ، مُقْتَحِمِينَ، مُتَصَلِّفِينَ، مُحِبِّينَ لِلَّذَّاتِ دُونَ مَحَبَّةٍ للهِ: هذه الخصائص كلها تدور حول شيء واحد: الذات. فالناس خَائِنِينَ ومُقْتَحِمِينَ ومُتَصَلِّفِينَ ولا يحبون الله لأنهم مُحِبِّينَ لِلَّذَّاتِ.
- هذا الموقف يميز عصرنا الحالي. فعلى سبيل المثال، فكر في هذه الشعارات التي ظهرت منذ أواخر التسعينيات:
- كل شيء مسموح، قل لا للمحرمات.
- اكسر كل القواعد.
- لا تعترف بالحدود.
- استرخٍ: لا توجد قواعد هنا.
- أزل كل الموانع من طريقك. وقم بإيجاد طريقك الخاص.
- نحن جميعاً محبي المتعة ونريد أن نفعل ما نشعر بأنه جيد. وهذا ما يجعلنا بشراً.
- عش بدون حدود.
- إفعل ما يحلو لك.
- إن الرسالة من كل ذلك هي نفسها: أنت تصنع القواعد الخاصة بك. وأنت لست مضطرًا لتبرير ما تفعل لأي شخص كان، لأنك أنت الوحيد المهم. فالكون يدور حولك.
- ولكن، ليس علينا أن نختار بين المتعة والله، فخدمة الله هي المتعة النهائية، وكما يقول المزمور ١١:١٦ “أَمَامَكَ شِبَعُ سُرُورٍ. فِي يَمِينِكَ نِعَمٌ إِلَى الأَبَدِ.” ولكن علينا أن نختار بين محبة المتعة ومحبة الله. فالعيش من أجل الله سيشبعك، لكن هذا الشبع سيأتي فقط عندما تحب الله أولاً وترفض أن تحب الملذات ذاتها.
- هذا الموقف يميز عصرنا الحالي. فعلى سبيل المثال، فكر في هذه الشعارات التي ظهرت منذ أواخر التسعينيات:
- لَهُمْ صُورَةُ التَّقْوَى، وَلكِنَّهُمْ مُنْكِرُونَ قُوَّتَهَا: في عالمنا المهووس بالذات يشعر الناس بالحرية التامة بتكوين ديانتهم الخاصة، ديانة تشبه “البوفيه” حيث يختارون وينتقون منها ما يرغبون. إنهم يشعرون بالحرية في أن يكونوا روحيين جداً، ولكنهم لا يشعرون بأي التزام بأن يكونوا كتابيين.
- في أواخر التسعينات من القرن الماضي أفاد تقرير بأن الراعي جون كانينغ ألقى كلمة تأبين بعد مقتل ليو وهازل غليس، قال فيها للمفجوعين بأنه كان قريباً جداً من الزوجين المقتولين لدرجة أنه كان يمكن أن يناديهما بأمي وأبي. وفي يوم الجمعة بعد ستة أسابيع، ألقت الشرطة القبض على كانينغ بتهمة ضرب وخنق الزوجين البالغين من العمر تسعين عاماً. تقول الشرطة أن الزوجين غليس قد قُتلا في منزلهما في الثاني من شهر كانون الثاني بعد أن اكتشفا أن كانينغ قد أساء استخدام التوكيل العام الذي منحاه إياه، وكان يسرق مدخراتهم. وقد قال فيل رامير ضابط شرطة في فلوريدا: “إن هذه الجريمة من ابشع الجرائم التي سمعت بها. فراعي كنيستك هو أكثر شخص يمكنك الوثوق به، ولكن هذين الزوجين لم يعرفا ذلك، وفي نهاية المطاف قام بقتلهما. كان الراعي مشتبهاً به منذ البداية لأنه انتظر يوماً كاملًا قبل إبلاغ السلطات عن الزوجين الميتين في منزلهما. قال رامير: “عندما يأخذ الشخص وقتًا قبل الإبلاغ عن جريمة، فلا يتطلب الأمر عالم ذرة لمعرفة أنه هو القاتل.” لقد قضى الراعي يومًا على الشاطئ يتناول الطعام مع أصدقائه قبل الإبلاغ عن وفاة الزوجين.
- كتبت إمرأة متزوجة تبلغ من العمر ٦٣ عاماً رسالة إلى صديقتها آبي لتبرير ارتكابها الزنا:”إنه شخص متزوج أيضاً. نحن نلتقي مرتين في الأسبوع في فندق صغير لمدة ثلاث ساعات. لا زوجي يعرف شيئًا عن هذا ولا زوجته تعرف شيئًا. حتى إن ممارسة الجنس مع زوجي قد تحسنت الآن، فأنا لا أحرم زوجي من شيء. أقوم بتدريس صف في الكنيسة كل أسبوع، لكني لا أشعر بأي ذنب.”
- الشعور بالقوة بسبب ارتداء قناع التقوى (صُورَةُ التَّقْوَى) لا تمنحني الحق بأن أفعل ما أريد، فهذا عكس ما يقصده بولس هنا تمامًا. فقوة التقوى التي سيحتقرها الإنسان في الأيام الأخيرة هي نفس القوة التي يجب أن تحكم وتقود حياتهم. فمعنى القوة هنا هو ’السلطة الشرعية،‘ والعديد من الناس ينكرون أن الله لديه القدرة (أي السلطة) على إخبارهم من خلال كلمته بما يجب أن يفعلوا.
- فَأَعْرِضْ عَنْ هؤُلاَءِ: إن الأمر بالابتعاد عن الناس الذين وصفوا بهذه المواصفات في هذه اللائحة هو أمر صعب بشكل خاص في عصرنا الحالي.
- إن الأشخاص الذين يفعلون الأمور الواردة في هذه اللائحة ليسوا فقط أشخاص اعتدنا على صفاتهم اليوم، بل يعتبرون أبطالنا في ثقافتنا المعاصرة. وإن مسؤولية المؤمنين البسيطة ليست هي الابتعاد عن هذه المواقف فحسب، بل هي أيضاً الابتعاد عن الأشخاص الذين يفعلون هذه الأمور.
- يعتقد العديد من الناس أنه يكفيهم ألا يتصرفوا بهذه الطريقة، ويعيرون القليل من الاهتمام لنوعية أصحابهم. ولكن إذا قضينا الوقت مع أمثال هؤلاء الناس فإنهم سيؤثرون علينا كما كتب بولس في كونثوس الأولى ٣٣:١٥ “لاَ تَضِلُّوا: «فَإِنَّ الْمُعَاشَرَاتِ الرَّدِيَّةَ تُفْسِدُ الأَخْلاَقَ الْجَيِّدَةَ».”
- فَأَعْرِضْ عَنْ هؤُلاَءِ: إن هذه العبارة تعني أيضاً أن بولس يعرف بأن أولئك الناس الذين ميزهم الروح في الأيام الأخيرة، كانوا موجودين في أيام تيموثاوس. ومع ذلك، يجب أن نتوقع أن يكونوا أكثر عدداً وأن يزدادوا قوة في الأيام الأخيرة قبل فترة قصيرة من عودة يسوع.
- “يشير هذا التحذير بوضوح إلى أن بولس لم يعتبر حالة الفساد الأخلاقي التي تم تصويرها على أنها مجرد مسألة مستقبلية. بل كان بولس يدرك تمام الإدراك أن الشرور التي سبق له أن حذر منها كانت قد بدأت بالعمل سلفاً.” هايبرت (Hiebert)
ج ) الآيات (٦-٧): استراتيجية الناس الأشرار في الأيام الأخيرة.
٦فَإِنَّهُ مِنْ هؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْبُيُوتَ، وَيَسْبُونَ نُسَيَّاتٍ مُحَمَّلاَتٍ خَطَايَا، مُنْسَاقَاتٍ بِشَهَوَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ. ٧يَتَعَلَّمْنَ فِي كُلِّ حِينٍ، وَلاَ يَسْتَطِعْنَ أَنْ يُقْبِلْنَ إِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ أَبَدًا.
- هؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْبُيُوتَ: عرف بولس أن أخطارهم كانت موجودة في العالم في أيامه، وستكون موجودة بشكل متزايد في الأيام الأخيرة قبل عودة يسوع. ومع ذلك بدا بولس قلقاً بشكل خاص من زحف هذه الأمور إلى داخل البيوت. فهناك فرق بين وجود هذه الشرور في العالم وبين السماح لها أن تدخل إلى بيتك.
- وَيَسْبُونَ نُسَيَّاتٍ (النِّسَاءِ ضَعِيفَاتِ الإرَادَةِ): إن أولئك المتميزون بفساد أواخر الأيام الذين ذكرهم بولس في الآيات السابقة يبتغون أسر الآخرين، ويمكنهم أن يفعلوا ذلك بين البسطاء السذج الذين سوف يؤمنون بأي شيء يقدم لهم بالطريقة الصحيحة.
- يجب على المرء أن يعرف ما إذا كان من أولئك الأسرى الذين ذكرهم بولس المقيدين برفضهم لله وبحب الذات في الأيام الأخيرة. فهناك طريقة واحدة فعالة لمعرفة إن كنت منهم: ابتعد عن أي نوع من التأثير الدنيوي، وانظر ما إذا كانت هناك سلاسل تجعل نجاتك صعبة. خذ عطلة لمدة أسبوع من السماح لدخول أي شيء يتميز بروح الأيام الأخيرة إلى أسرتك، وانظر إذا ما كانت سلاسل تعيد تقييدك بهذه الأشياء ثانية.
- لقد خص بولس ببساطة النِّسَاءِ ضَعِيفَاتِ الإرَادَةِ بقوله، لأنه في ذلك الزمن كانت النساء يقضين وقتاً في المنزل أطول بكثير من الرجال. وكن أكثر عرضة للإفساد الذي يتسلل إلى الأسرة. “يتحدث بولس هنا عن النساء أكثر من الرجال، لأنهن أكثر عرضة للسيطرة عليهن من قبل هؤلاء المحتالين.” كالفن (Calvin)
- مُنْسَاقَاتٍ بِشَهَوَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ: من الواضح أن روح الأيام الأخيرة ذات جاذبية لنا من خلال شَهَوَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ. إنها تناشد فينا الرغبة في أن نكون مثارين جنسياً أو عاطفياً أو أن يتم إشباع رغباتنا بالراحة أو الثروة أو المكانة.
- يَتَعَلَّمْنَ فِي كُلِّ حِينٍ، وَلاَ يَسْتَطِعْنَ أَنْ يُقْبِلْنَ إِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ أَبَدًا: إن لدى روح الأيام الأخيرة ذكاء معين حول هذا الموضوع. فرؤساء كهنة الأيام الأخيرة يعرفون جيدًا كيف يقودونا بعيداً بِشَهَوَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ. وعلى الرغم من كل مهاراتهم ومعرفتهم، إلا أنهم لن يقبلوا الْحَقِّ أبدًا.
- لدى روح الأيام الأخيرة مشكلة حقيقية مع فكرة “الحق المطلق.” لأنها تعتقد أن كل منا هو مركز الكون، وكل منا يخلق الحق الخاص به. ووفقاً لروح الأيام الأخيرة فإنه لا توجد حق خارج الذات، لذلك يمكننا أن نتعلم ونتعلم ونتعلم، ولكننا في النهاية، لن نصل أبداً إلى حق الله الأبدي.
- “هناك العديد من المعلمين المسيحيين الذين ينطبق عليهم الوصف أعلاه. إنهم يسمعون كثيرًا، ربما لعظات جيدة، لكنهم نادراً ما يتأملون في ما يسمعون أو حتى يستفيدون من وصايا وتعاليم الله. ورغم استماعهم المستمر للتعليم، فإننا لا نرى النعمة تنمو في حياتهم. هم ليسوا أشرارًا ولم يتخلوا عن الرب، ولكنهم لا يتأملون ما يسمعونه ولا يمارسونه، وبالتالي حتى لو تعلموا على يد أي من الرسل، فلن يخلصوا أبدًا.” كلارك (Clarke)
د ) الآيات (٨-٩): مثال على هذا النوع من حالة الإنسان الفاسدة: يَنِّيسُ وَيَمْبِرِيسُ الذين قاوما موسى.
٨وَكَمَا قَاوَمَ يَنِّيسُ وَيَمْبِرِيسُ مُوسَى، كَذلِكَ هؤُلاَءِ أَيْضًا يُقَاوِمُونَ الْحَقَّ. أُنَاسٌ فَاسِدَةٌ أَذْهَانُهُمْ، وَمِنْ جِهَةِ الإِيمَانِ مَرْفُوضُونَ. ٩لكِنَّهُمْ لاَ يَتَقَدَّمُونَ أَكْثَرَ، لأَنَّ حُمْقَهُمْ سَيَكُونُ وَاضِحًا لِلْجَمِيعِ، كَمَا كَانَ حُمْقُ ذَيْنِكَ أَيْضًا.
- يَنِّيسُ وَيَمْبِرِيسُ: على الرغم من عدم ذكر أسمائهم في سفر الخروج، فإن هذين الشخصين هما السحرة المصريين الذين عارضا موسى أمام فرعون (خروج ٨:٧-١٣، ١٩:٧-٢٣، ٥:٨-٧، ١٦:٨-١٩).
- قَاوَمَ يَنِّيسُ وَيَمْبِرِيسُ مُوسَى: هؤلاء كانوا قادرين على إجراء معجزات حقيقية وليس مجرد حيل سحرية، ولكنهم فعلوها بقوة الظلمة وليس بقوة الله. وعندما رمى موسى عصاه فتحولت إلى ثعبان، كان بإمكان يَنِّيس وَيَمْبِرِيس أن يفعلا الشيء نفسه. وعندما حوَّل موسى الماء إلى دم تمكنا من فعل الشيء نفسه. وعندما جلب موسى بلاء الضفادع كان بإمكانهم فعل الشيء نفسه. وفي نهاية المطاف فشلوا وأثبتوا أن قواهم السحرية أدنى من قوة الله.
- ستتميز الأيام الأخيرة بالقدرة على القيام بالمعجرات عن طريق قوة الظلمة والاستعداد لتلقيها كأمر موثوق به (رؤيا ١٣:١٣-١٥ و تسالونيكي الثانية ٩:٢).
- يندهش البعض منا من أي معجزة أو من أي قوة خارقة للطبيعة، دون التفكير بحذر إن كان مصدرها شيطاني أم إلهي. فحتى وإن كان بمقدور العرافين أو السحرة أو الهرطقات إظهار قوة ما، فلا يجب أن تغوينا لأن القوى الشيطانية قادرة على التنكر فتظهر لنا كملائكة نور (كورنثوس الثانية ١٥:١١).
- قَاوَمَ… مُوسَى: لقد ظهرت مقاومة يَنِّيس وَيَمْبِرِيس للحق من خلال قدرتهما على التعاون مع القوى الشيطانية لإجراء المعجزات. وفي الأيام الأخيرة سوف يقاوم الناس الحق أيضاً.
- لكِنَّهُمْ لاَ يَتَقَدَّمُونَ أَكْثَرَ: حتى عندما تعرض يَنِّيس وَيَمْبِرِيس للخزي (على الرغم من تحديهم لموسى بإجراء معجزة مقابل معجزة)، اضطروا في النهاية، على مضض، أن يعطوا مجداً لله، فإن الناس الأشرار في الأيام الأخيرة سيكونون مثلهم أيضاً. وكما أن قوة يَنِّيس وَيَمْبِرِيس لها حدود، فإن قوة الشيطان كذلك لها حدود. فالله هو صاحب السلطان حتى في الأيام الأخيرة.
- هذه هي رسالة الرجاء العظيم في خضم هذه الظلمة العظيمة. فهناك من سيواجه ويرد على روح الأيام الأخيرة: شخص يسوع المسيح. فروح الأيام الأخيرة ليست أعظم من قوة يسوع. والحق المجيد هو أنه لا يتعين علينا أن نتقيد بروح العصر أو أن نكون عبيداً للذات وأن يدور الكون حول شيء تافه كذواتنا. هناك رجاء، رجاء الغلبة، في يسوع.
- “لكن ما يلفت الانتباه حول هذا التشبيه، ليس فقط أن المعلمين الكذبة في أسيا الصغرى يُشبِّهون بالسحرة المصريين، بل أن بولس بذلك يشبه نفسه بموسى.” ستوت (Stott)
ثانيًا. الأمانة لله وسط المعارضة والصعوبات
أ ) الآيات (١٠-١٢): الاضطهاد واتِّباع يسوع.
١٠وَأَمَّا أَنْتَ فَقَدْ تَبِعْتَ تَعْلِيمِي، وَسِيرَتِي، وَقَصْدِي، وَإِيمَانِي، وَأَنَاتِي، وَمَحَبَّتِي، وَصَبْرِي، ١١وَاضْطِهَادَاتِي، وَآلاَمِي، مِثْلَ مَا أَصَابَنِي فِي أَنْطَاكِيَةَ وَإِيقُونِيَّةَ وَلِسْتِرَةَ. أَيَّةَ اضْطِهَادَاتٍ احْتَمَلْتُ! وَمِنَ الْجَمِيعِ أَنْقَذَنِي الرَّبُّ. ١٢وَجَمِيعُ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَعِيشُوا بِالتَّقْوَى فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ يُضْطَهَدُونَ.
- وَأَمَّا أَنْتَ: لقد وصف بولس لتوه نوعية الأشخاص الذين سيهددون الأرض في الأيام الأخيرة، ووصف الأشخاص الذين يجب على تيموثاوس التعامل معهم في يومه الحاضر. ولكن عبارة ’وَأَمَّا أَنْتَ‘ فهي تظهر أن بولس قد رسم خطاً فاصلاً واضحاً بين تيموثاوس وأولئك الذين يحكمهم روح الأيام الأخيرة.
- فَقَدْ تَبِعْتَ: هذا ما يجعل تيموثاوس متميزاً عن روح عصره. فقد تَبِع تَعْلِيم بولس وَسِيرَته وَقَصْده وَإِيمَانِيه وَأَنَاتِه وَمَحَبَّتِه وَصَبْره وَاضْطِهَادَاته وَآلاَمِه.
- يقصد بعبارة ’فَقَدْ تَبِعْتَ‘ أن بولس لم يُعلِّم تيموثاوس هذه الأشياء بمعناها الأكاديمي فحسب، بل تعلمها تيموثاوس عن طريق اتباع بولس بعناية كمثال عملي أمامه. نجد أن المسيحية لا يتم تَعلُّمها فقط، بل هي تأسرنا من خلال رؤية أشخاص آخرين يطبقونها عملياً في حياتهم.
- بدأ كل شيء مع فهم تيموثاوس لتعاليم بولس. فالسبب وراء أسلوب حياة بولس الذي لاحظه تيموثاوس هو إيمان بولس بأمور معينة. فما نؤمن به يحدد كيف نعيش.
- سِيرَتِي: لقد لفت أسلوب بولس في الحياة انتباه تيموثاوس، ولمجرد وجوده حول بولس لفترة كافية لاحظ أن بولس قد عاش حياته بطريقة معينة جعلته يتعلمها ويتبعها.
- قَصْدِي: لقد فهم تيموثاوس هدف حياة بولس: فحياة بولس لم تكن تسير بلا اتجاه، بل كانت متوجهة نحو هدف تم تحديده من قبل الله. وقد رأى تيموثاوس هذا القصد وفهمه وأراد أن يعيش حياته بهذه الطريقة.
- إِيمَانِي وَأَنَاتِي وَمَحَبَّتِي: وقد فهم تيموثاوس إيمان بولس وطول أناته ومحبته: يمكنك أن ترى أن بولس كان لديه إيماناً غير متوفر لدى الجميع، مما جعل تيموثاوس يرغب في امتلاكه. وتحلى بولس بطول أناة أي أنه كان صبوراً بالتعامل مع مضايقات الآخرين والحياة بطريقة خاصة. وكان لديه محبة جعلته يصمد. تذكر أن كل هذه الصفات نابعة من التعاليم السليمة والحق الكتابي الذي تمسك به بولس ونقله لتيموثاوس الذي اتبعه.
- وَصَبْرِي وَاضْطِهَادَاتِي وَآلاَمِي: لقد تعلم تيموثاوس هذه الأمور أيضاً من بولس. وقد نظن أن الشخص الذي يعيش حياته حسب التعاليم الصحيحة ويطبقها في حياته ويعيش وفقًا لهدف واضح ومحدد بإيمان وطول الأناة ومحبة سيكون مقبولاً ومحبوباً من الجميع، ولكن ظننا ليس في محله.
- يتعرض في الواقع كل من يتبعون هذا النوع من الحياة للاضطهاد: وَجَمِيعُ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَعِيشُوا بِالتَّقْوَى فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ يُضْطَهَدُونَ.
- يتعرض المؤمنون في يومنا الحاضر للاضطهاد في شتى أنحاء العالم، في الصين وفي العالم الإسلامي وحتى في روسيا، حيث تم مؤخراً إصدار قانون متشدد ضد المرسلين. وفي يومنا هذا يمكن أن نضطهد اجتماعيًا.
- يتعرض المؤمنون للاضطهاد لنفس السبب الذي تعرض فيه يسوع للاضطهاد: “وَهذِهِ هِيَ الدَّيْنُونَةُ: إِنَّ النُّورَ قَدْ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ، وَأَحَبَّ النَّاسُ الظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ النُّورِ، لأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً.” (يوحنا ١٩:٣)
- مِثْلَ مَا أَصَابَنِي فِي أَنْطَاكِيَةَ وَإِيقُونِيَّةَ وَلِسْتِرَةَ: يُذكِّر بولس هنا تيموثاوس بمناسبات محددة كان قد جاز فيها وسط الاضطهاد.
- فِي أَنْطَاكِيَةَ، حيث طُرد بولس من المدينة بسبب كرازته بالإنجيل (أعمال الرسل ٥٠:١٣)
- فِي إِيقُونِيَّةَ، حيث كان بولس سيُعدم رجماً أعمال الرسل ٥:١٤)
- فِي لِسْتِرَةَ، حيث رجموا بولس فعلياً وتركوه ليموت (أعمال الرسل ١٩:١٤)
- وَمِنَ الْجَمِيعِ أَنْقَذَنِي الرَّبُّ: تذكر بولس هذا بينما هو يمكث في السجن منتظراً إعدامه. وكان يعرف أن الله قادر تماماً على إنقاذه مرة أخرى أو أنه قد لا ينقذه هذه المرة. لقد بدا بولس في هذا الظرف في سلام تام، تاركاً أموره في يدي الرب. فالاضطهاد لن يمنع بولس من التمسك بإيمانه بالمسيح.
- ينبغي ألا يوقف الاضطهاد المؤمنين اليوم عن الكرازة. فقد لا نواجه اضطهاداً عنيفاً أو حتى اضطهاداً اقتصادياً في ثقافتنا، ولكن هناك قدر كبير من الاضطهاد الاجتماعي الذي يجب على المؤمنين التعامل معه. تصف رسالة بطرس الأولى ٤:٤ الحالة الفكرية للعديد من أولئك الذين يضطهدون المسيحية اجتماعياً: “الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ يَسْتَغْرِبُونَ أَنَّكُمْ لَسْتُمْ تَرْكُضُونَ مَعَهُمْ إِلَى فَيْضِ هذِهِ الْخَلاَعَةِ عَيْنِهَا، مُجَدِّفِينَ.” هل يعتقد الناس أنك غريب الأطوار لأنك لا تسعى لأمور العالم مثلهم؟
- إن لم نكن مستعدين لقبول رأي الناس عنا بأننا غريبي الأطوار. إن لم نكن مستعدين لرفض الناس لنا بسبب إيماننا بيسوع المسيح، وإن لم نكن مستعدين لأن نكون منبوذين من الناس، فلن نكون أبداً تلاميذ حقيقيين ليسوع المسيح.
ب) الآيات (١٣-١٥): مسار الناس الأشرار، ومسار الناس الأتقياء.
١٣وَلكِنَّ النَّاسَ الأَشْرَارَ الْمُزَوِّرِينَ سَيَتَقَدَّمُونَ إِلَى أَرْدَأَ، مُضِلِّينَ وَمُضَلِّينَ. ١٤وَأَمَّا أَنْتَ فَاثْبُتْ عَلَى مَا تَعَلَّمْتَ وَأَيْقَنْتَ، عَارِفًا مِمَّنْ تَعَلَّمْتَ. ١٥وَأَنَّكَ مُنْذُ الطُّفُولِيَّةِ تَعْرِفُ الْكُتُبَ الْمُقَدَّسَةَ، الْقَادِرَةَ أَنْ تُحَكِّمَكَ لِلْخَلاَصِ، بِالإِيمَانِ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ.
- وَلكِنَّ النَّاسَ الأَشْرَارَ الْمُزَوِّرِينَ سَيَتَقَدَّمُونَ إِلَى أَرْدَأَ: تشير عبارة ’النَّاسَ الأَشْرَارَ‘ إلى الأعداء السافرين والواضحين ليسوع. أما كلمة ’الْمُزَوِّرِينَ‘ فتشير بدورها إلى أولئك الذين يظهرون صالحين ويظن الكثيرون أن لا غبار عليهم، ولكنهم في الواقع قوى مدمرة بين المؤمنين الحقيقيين.
- هذان النوعان من الناس (النَّاسَ الأَشْرَارَ والْمُزَوِّرِينَ) سَيَتَقَدَّمُونَ إِلَى أَرْدَأَ، مُضِلِّينَ وَمُضَلِّينَ. هنا يفتح بولس بصيرتنا عن عدد الأشخاص المخادعين وسط شعب الله – فهم أنفسهم مخدوعين (مُضَلِّينَ).
- إن الدوافع مهمة ولكن في بعض الأحيان نعلق عليها أهمية كبيرة. لقد حدث أذى بالغ بسبب أشخاص هم أنفسهم مخدوعين وحاولوا القيام بأشياء خاطئة بدوافع رائعة، ولأن الآخرين نظروا فقط إلى قلوبهم الرائعة ودوافعهم، قبلوا خداعهم الخطير. ولكن لا يمكننا دوماً أن نتحرك وفقًا لدوافع الآخرين، بل علينا أن نمتحن دوافعهم وفقًا للحق.
- وَأَمَّا أَنْتَ فَاثْبُتْ عَلَى مَا تَعَلَّمْتَ: هذه هي العبارة المفتاحية التي بني حولها كل المقطع. إن وصية بولس في حد ذاتها بسيطة جدًا لكي يفهمها القارئ. فهو يدعو تيموثاوس للثبات، وكلمة ’اثْبُتْ‘ هي نفس الفعل اليوناني القديم الذي يستخدمه يوحنا عندما يكتب في رسالته الأولى: “أمَّا أَنْتُمْ فَمَا سَمِعْتُمُوهُ مِنَ الْبَدْءِ فَلْيَثْبُتْ إِذًا فِيكُمْ.” (يوحنا الأولى ٢٤:٢)
- يبدو الأمر كما لو أن بولس كتب ما يلي: “أنت يا تيموثاوس قد تعلمت هذه الأشياء. وأنت الآن تؤمن بها إيماناً راسخاً. فعليك الآن أن تثبت عَلَى مَا تَعَلَّمْتَ. فالأمر المهم هو الثبات عليها والاستمرار فيها وعدم التخلي عنها مطلقاً.”
- لقد وصف روبرتسون (A.T. Robertson) عبارة ’أَمَّا أَنْتَ‘ بأنها: “تباين مشدد.” فكان على تيموثاوس أن يضع نفسه بقوة ضد المسار الذي سلكه بعض الأشخاص الآخرين.
- وفوق ذلك فإن عبارة ’أَمَّا أَنْتَ‘ تعود للوراء حتى إلى أبعد من هذا، وتمثل تبايناً مع ما ورد في وقت سابق من الرسالة.
- سيكون هناك خدامًا تمت المصادقة عليهم وآخرون لم يصادق عليهم، وَأَمَّا أَنْتَ فَاثْبُتْ عَلَى مَا تَعَلَّمْتَ.
- ستأتي في الأيام الأخيرة أزمنة صعبة وأشخاص خطرين، وَأَمَّا أَنْتَ فَاثْبُتْ عَلَى مَا تَعَلَّمْتَ.
- ستكون هناك مشقَّات وأحياناً ستتعرض لاضطهاد بسبب اتباعك للرب، وَأَمَّا أَنْتَ فَاثْبُتْ عَلَى مَا تَعَلَّمْتَ.
- وَأَمَّا أَنْتَ فَاثْبُتْ عَلَى مَا تَعَلَّمْتَ: تحمل كلمة ’تَعَلَّمْتَ‘ معنى أوسع من مجرد الاستماع إلى التعليم. فالأساس هو الأمانة لكلمة الله، ولكننا سنرى من خلال الرسالة أن ذلك يشير أيضًا إلى نمط من الخدمة.
- كلمة الله هي جوهر كل ما تعلمه تيموثاوس. ولكن لم يتعلم تيموثاوس فقط مما قدمه بولس من تعاليم، مع أنه تعلم منه، لكنه تعلم أيضاً من نمط خدمة بولس.
- هذا النمط من الخدمة لا يتعامل كثيراً مع تفاصيل خاصة مثل مواعيد الخدمات والوقت الذي تستغرقه والبرامج وما إلى ذلك. فقد كان التشديد على نمط وفلسفة الخدمة، ومن ثم كان على تيموثاوس تطبيق هذا النمط والفلسفة وفقاً لظروفه الخاصة.
- وَأَمَّا أَنْتَ فَاثْبُتْ عَلَى مَا تَعَلَّمْتَ: وببساطة، يصف لنا الجزء المتبقي من المقطع حتى الأصحاح الرابع مغزى هذا الكلام، ولماذا كان من المهم جداً بالنسبة لتيموثاوس أن يطبقه.
- من الرائع أن نرى الله يعطينا أسباباً للثباث. فالأمر ليس مجرد القول: “حسناً، هذا ما نقوم به” أو “لقد كنا نفعل ذلك دائماً بهذه الطريقة.” إن الله صالح بما فيه الكفاية ليعطينا أسباباً للاستمرار.
- وَأَيْقَنْتَ: هذه العبارة تضع الفكرة في زمن الماضي، كما لو كان هذا شيء قد تيقن منه تيموثاوس ذات مرة، ولكن الآن ربما لم يكن متأكداً منه تماماً. وربما كان تيموثاوس متذبذباً من وقت لآخر، لذا دعاه بولس للعودة إلى ما تعلم في الماضي.
- عَارِفًا مِمَّنْ تَعَلَّمْتَ: استمر في ثباتك على ما تعلمت، وتذكر مِمَّنْ تَعَلَّمْتَ هذه الأمور. ويبدو الكلام كما لو أن بولس كتب قائلاً: “تذكر يا تيموثاوس أنك قد تعلمت هذه الأمور مني أنا.” كان بولس متواضعاً جداً لدرجة أنه تجنب قول اسمه، لكن من المؤكد أن هذا ما قصده.
- يدور بعض الجدل بين المخطوطات حول عبارة ’مِمَّنْ تَعَلَّمْتَ‘ هل هي في صيغة المفرد أو صيغة الجمع. لكني اعتقد أن سياق النص يدفعنا نحو فكرة أن الكلمة وردت في صيغة المفرد، حيث يشير بولس هنا إلى تأثيره الشخصي على تيموثاوس.
- لقد قاد بولس تيموثاوس إلى المسيح.
- وقدم له فرصة الخدمة.
- وعلمه بواسطة الكلمة والقدوة الحسنة.
- ووضع الأيدي عليه وقام برسامته.
- ونصحه وعلمه وهو في الخدمة.
- لذلك كان على تيموثاوس أن يتذكر من علمه هذه الأمور: عَارِفًا مِمَّنْ تَعَلَّمْتَ. وتشمل فكرة بولس الأمور التالية:
- تذكر مقدار القوة والثقة التي أؤمن فيها بهذه الأمور.
- تذكر المحبة التي تدفعني للإيمان بهذه الأمور.
- تذكر الإلحاح الذي يرافق إيماني بهذه الأمور.
- يدور بعض الجدل بين المخطوطات حول عبارة ’مِمَّنْ تَعَلَّمْتَ‘ هل هي في صيغة المفرد أو صيغة الجمع. لكني اعتقد أن سياق النص يدفعنا نحو فكرة أن الكلمة وردت في صيغة المفرد، حيث يشير بولس هنا إلى تأثيره الشخصي على تيموثاوس.
- وَأَنَّكَ مُنْذُ الطُّفُولِيَّةِ تَعْرِفُ الْكُتُبَ الْمُقَدَّسَةَ: فَاثْبُتْ عَلَى مَا تَعَلَّمْتَ، وعلى ما تلقيته كإرث. هذه الحقيقة لم تبدأ مع تيموثاوس، ولا حتى مع بولس نفسه، بل كانت جزءاً من إرث طويل تم نقله إلى تيموثاوس.
- المقصود بعبارة: ’مُنْذُ الطُّفُولِيَّةِ‘ هو أن تيموثاوس قد تلقى معرفته للكتب المقدسة من خلال تأثير جدته وأمه، لوئيس وأفنيكي على التوالي. فقد علمته جدته وأمه الكتاب المقدس منذ نعومة أظفاره.
- لقد تعلم تيموثاوس الكتاب المقدس بدءاً من الطفولة. “إن قصة إليزابيث ويتنهول إبنة السيد أنتوني ويتنهول من إنجلترا، التي توفيت منذ زمن طويل، هي قصة لا يمكن نسيانها أبداً. فقد تمت تربيتها من قبل عمتها السيدة ويتنهول، وقبل بلوغها من العمر تسع سنوات (لا تتجاوز كثيراً الثماني سنوات) حفظت عن ظهر قلب كل العهد الجديد. وعندما كانت تُسأل عن كلمة في آية، كان بإمكانها تسمية السفر والأصحاح والآية.” تراب (Trapp)
- الْكُتُبَ الْمُقَدَّسَةَ: يشير هذا تعبير ’الْكُتُبَ الْمُقَدَّسَةَ‘ إلى العهد القديم، لأنه الكتاب الذي كان تيموثاوس يتعلمه من جدته لوئيس وأمه أفنيكي.
- وَأَنَّكَ مُنْذُ الطُّفُولِيَّةِ تَعْرِفُ: لقد عرف تيموثاوس كلمة الله منذ الطفولة، ولكن أنظر كم كان بولس يَحضّه بقوة للثبات في هذه التعاليم. فليس هناك من شيء مفترض. إن أبعد ما يكون عن فكر بولس هو الموقف الذي يقول: “بما أننا جميعاً مؤسسون على الكتاب المقدس، فيمكننا الآن الانتقال إلى أشياء أخرى.” ولكن بولس لم يفترض هذا أبدًا، ولا حتى مع تلميذه الوفي تيموثاوس.
- وَأَنَّكَ مُنْذُ الطُّفُولِيَّةِ تَعْرِفُ الْكُتُبَ الْمُقَدَّسَةَ: يبدو الأمر كما لو أن بولس يقول: “تابع يا تيموثاوس ما تلقيته مني. ولكن إياك أن تنسى أبداً بأن معرفتك لم تبدأ مني، بل إنها تراث تم نقله إليك. فأنت تعرف هذه التراث قبل وقت طويل من معرفتك بي، وحصلت عليه من خلال الْكُتُبَ الْمُقَدَّسَةَ.”
- نحن سعداء بانتمائنا لنفس كنيسة مودي وسبيرجن ولوثر وزوينغلي ووسلي ووايتفيلد وبوليكاربوس وأغسطينوس. فنحن جزء منهم وهم بدورهم جزء منا، لأننا مرتبطون معاً بثقتنا في يسوع نفسه الذي أعلنته لنا نفس الْكُتُبَ الْمُقَدَّسَةَ.
- الْقَادِرَةَ أَنْ تُحَكِّمَكَ لِلْخَلاَصِ، بِالإِيمَانِ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ: بولس هنا يحث تيموثاوس على الثبات فيما تعلم لأن ما تعلمه ذو قيمة عظيمة. فلا توجد حكمة في هذا العالم أعظم مما تعلمت من الكتب المقدسة. فمعرفتك الجيدة لعشرين موضوع آخر لا تعني شيئاً إن لم تُحَكِّمَكَ (تقودك) لِلْخَلاَصِ.
- إن الحكمة الكتابية هي شيء يجب على كل جيل أن يكتسبه ويقدره، ويتخلى بتعمد عن أية حكمة بشرية تعارض أو تحل محل ما تعلمه الكتب المقدسة.
- لسنا نعتقد للحظة أن مجرد معرفة الكتاب المقدس تخلص الإنسان، فهناك أشخاص يعرفون جيداً كلمات الكتاب المقدس، ومع ذلك فهم ليسوا مُخلصين. يأتي الخلاص عندما نخلط بحكمة كلمات الكتاب المقدس بِالإِيمَانِ.
ج ) الآيات (١٦-١٧): على تيموثاوس أن يثبت على ثقته في الكتب المقدسة.
١٦كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ، ١٧لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ اللهِ كَامِلاً، مُتَأَهِّبًا لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ.
- كُلُّ الْكِتَابِ: تشير هذه العبارة إلى أكثر من الكتب المقدسة العبرية. فلو كان بولس هنا يقصد الكتب المقدسة التي تعلم منها تيموثاوس منذ طفولته، لاستخدم عبارة: ’تلك الكتب المقدسة‘ المذكورة في الآية ١٥، أو ربما استخدم كرر نفس العبارة: ’الْكُتُبَ الْمُقَدَّسَةَ‘ بدلاً من ’كُلُّ الْكِتَابِ.‘
- لقد غيَّر بولس هنا صياغته لكلماته لأنه كان يعرف بأن ما جلبه الله من خلال الرسل والأنبياء في عصره كان أيضاً كلمة الله الموحى بها أو الخارجة من نَفَس الله. فهذا هو الأساس المبني على الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ (أفسس ٢٠:٢).
- هذا الكلام حقق الوعد الذي أعطاه يسوع بأن الروح القدس سوف يتكلم إلى الرسل ويرشدهم إلى كل الحق.
- ليس هناك شك في أن بولس فكر بهذه الطريقة، عالماً أن الله كان يعمل على كتابة عهد جديد بواسطة رسل وأنبياء القرن الأول.
- لقد أمر بولس بالقراءة العلنية لرسائله وسط جماعات المؤمنين، كما هو الحال عندما أمر موسى بقراءة التوراة علناً أمام شعب إسرائيل (كولوسي ١٦:٤، تسالونيكي الأولى ٢٧:٥).
- لقد دعى بولس رسالته الخاصة ’كلمة الله‘ (تسالونيكي الأولى ١٣:٢).
- نجد في تيموثاوس الأولى ١٨:٥ أن بولس ضمَّ اقتباساً من العهد القديم إلى بعض كلمات يسوع المسجلة في إنجيل لوقا وأطلق عليهما اسم: ’الْكِتَابَ.‘
- لم يكن بولس هو الوحيد الذي فَكَّر بهذه الطريقة. فبطرس الرسول أيضاً يشير في رسالته الثانية ١٥:٣-١٦ إلى نفس الفكرة وبشكل خاص عندما يشمل في رسالته كتابات بولس ويضعها تحت عنوان: ’الْكُتُبِ.‘
- كل هذا يذكرنا أنه حتى زمن الرسل، كان المؤمنون يدركون جيداً أن الله كان يهيئهم لوجود المزيد من ’الْكُتُب‘ تماماً كما وعد يسوع، وتماماً كما وصف بولس، وتماماً كما فهم بطرس.
- كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ: بولس هنا يحض تيموثاوس، “بأن يستمر في الثبات على هذه الأمور لأن مصدر الكتاب المقدس هو الله وليس البشر، إنه كتاب موحى به من الله، وقد خرج من نَفَس الله ذاته.”
- الأمر المقصود هنا هو أكثر من مجرد القول بأن الله قد أوحى بالكلمات للأشخاص الذين كتبوها، رغم اعتقادنا أنه قد فعل ذلك، لكن الله أوحى أيضاً بذات الكلمات التي كتبوها. ونلاحظ أن بولس لا يقول: “كل كتبة الكتاب المقدس قد تلقوا وحياً من الله،” وعلى الرغم من أن هذا كان صحيحاً، لكنه لا يشرح أكثر. فالكلمات التي كتبوها كانت خارجة من نَفَس الله.
- لا يعني هذا الكلام أن الله قد تَنفَّس في البشر الذين كتبوا الكتاب المقدس، ومع أن هذا صحيح، لكن هذا ليس ما يقوله بولس هنا. إن بولس يقول هنا: أن الله قد تنفس كلماته المقدسة من الكُتَّاب.
- البعض يحتجون قائلين: “هذه العبارة لا تعني شيئاً لأن ليس لها مرجع إلا ذاتها. ويمكن لأي شخص أن يكتب كتاباً ويقول أنه موحى به من الله.” بالطبع الكتاب المقدس ذو مرجعية ذاتية، وبالطبع سيقول عن نفسه أنه كتاب مقدس. فإن لم يقدم الكتاب المقدس هذا الزعم بأنه موحى به من الله، فإن النقاد سوف يهاجمونه لافتقاره لمثل هذا الزعم قائلين، “إن الكتاب المقدس نفسه لا يزعم بأنه موحى به من الله.”
- لكن الفرق هو أن زعم الكتاب المقدس بأنه كتاب مقدس قد تم اختباره وإثباته عبر القرون. ففي كل جيل يبرز أشخاص يعتقدون حقاً بأنهم سيدقون المسمار الأخير في نعش الكتاب المقدس الذي سيؤدي لدفنه، لكنهم لم يفلحوا أبداً في فعل ذلك. فالكتاب المقدس لا زال يُعَمِّر أكثر وينتشر أكثر ويؤثر في الناس أكثر بكثير من كل نقاده. إن الكتاب المقدس هو السندان الذي تهترىء عليه كل المطارق.
- بالنسبة للناقد الذي يقول: “يمكن لأي شخص أن يؤلف كتاباً ويقول أنه موحى به من الله.” فنقول له ببساطة: نرجوك أكتب كتابك وقل بأنه موحى به، ودعنا نقارنه بالكتاب المقدس بالطريقة التي تريدها. نحن ندعو نقاد الكتاب المقدس الأذكى ليعطونا كتاباً مقدساً آخر موحى به يكون له نفس القوة على تغيير الحياة. من المؤكد أن الناقد أو الباحث أو المشكك هو أكثر ذكاءً من صياد السمك الجليلي الذي عاش منذ ٢٠٠٠ عام، فهذا الباحث لا بد لديه جميع المؤهلات والقدرة العقلية اللازمة. لذا يجب أن يسهل عليه كتابة شيء ما أعظم من الكتاب المقدس.
- لكن هذا بالطبع مستحيل. فلا يوجد مُساوٍ للكتاب المقدس ولن يوجد أبداً. “العشب يبس وزهره سقط. وأما كلمة الرب فتثبت إلى الأبد.” ما الذي يمكن مقارنته بالكتاب المقدس؟ فما قيمة التبن مقارنة مع الحنطة؟ فالكتاب المقدس:
- لا مثيل له بين الكتب في الاستمرارية والاتساق (تماسك محتوياته واتساقها).
- لا مثيل له بين الكتب في أمانته.
- لا مثيل له بين الكتب في انتشاره وتداوله.
- لا مثيل له بين الكتب في بقائه موجوداً على مر العصور.
- لا مثيل له بين الكتب في تأثيره وقوته المغيرة للحياة.
- مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ: يمكن للمرء أن يجادل بسهولة بقوله أن الكتاب المقدس هو كتاب فريد من نوعه، لكن ذلك لا يثبت بأنه موحى به من الله. وللحصول على أدلة أعظم يمكن للمرء أن ينظر إلى ظاهرة النبوات التي تحققت.
- لقد كتب بطرس الرسول عن كيف يمكننا أن نعرف أن الكتاب المقدس من الله حقاً، وتكلم عن اختباره الشخصي لأنه رأى يسوع يتجلى أمام عينيه، وسمع صوتاً من السماء قائلاً: “هذا هو ابني الحبيب الذي أنا سررت به.” ومع ذلك، فقد قال بطرس أنه حتى لدينا مصدراً آخر أكثر يقينية من الصوت الآتي من السماء لمعرفة أن الكتاب المقدس هو من عند الله: “وَعِنْدَنَا الْكَلِمَةُ النَّبَوِيَّةُ، وَهِيَ أَثْبَتُ، الَّتِي تَفْعَلُونَ حَسَنًا إِنِ انْتَبَهْتُمْ إِلَيْهَا، كَمَا إِلَى سِرَاجٍ مُنِيرٍ فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ.” (رسالة بطرس الثانية ١٩:١)
- إن قدرة الله في الكتاب المقدس على التنبؤ بدقة بأحداث المستقبل هي طريقته الخاصة في إثبات حق الكتاب المقدس في النص. وهذا يثبت أن الكتاب المقدس من تأليف شخص لا يرى المستقبل فحسب، بل يمكنه أيضاً صياغة المستقبل.
- هناك على سبيل المثال ما لا يقل عن ٣٣٢ نبوة متميزة في العهد القديم فيما يتعلق بالمسيح، تحققت في يسوع بصورة تامة (مثل ولادته في بيت لحم، وقدومه من مصر، وشفائه للمرضى، وموته على الصليب، وما إلى ذلك). إن ضم هذه الأدلة وجمعها معاً يشكل برهاناً ساحقاً للغاية.
- لقد أجرى الأستاذ الباحث بيتر ستونر (Peter Stoner) عمليات حسابية دلت على أن إحتمالية تحقيق أي شخص لثمانية من هذه النبوات هو بنسبة ١ من ١٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠ (أي ١٠ مرفوعة إلى القوة ١٧). وأن احتمالية تحقيق ذلك تشبه احتمالية تغطية ولاية تكساس بالدولارات الفضية بعمق قدمين. ويقول ستونر أنه إذا كنت تفكر في تحقيق ٤٨ نبوة من النبوات، فإن الاحتمالات تصبح ١٠مرفوعة إلى القوة ١٥٧.
- كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ: تذكر أن المرء قد يؤمن من حيث المبدأ بوحي الكتاب المقدس، ولكنه ينكره بعدم تطبيق هذا المبدأ.
- نحن نفعل هذا من خلال فرضنا المعنى الخاص بنا على النص، بدلاً من تركه يتحدث عن نفسه.
- نحن نفعل هذا من خلال وضع المزيد من أفكارنا في رسالة الكتاب أكثر مما يقوله الله.
- نحن نفعل هذا من خلال زيادة اهتمامنا بآرائنا عندما نعظ، أكثر من اهتمامنا بشرح وإعلان ما قاله الله.
- نحن نفعل هذا من خلال دراستنا الكسولة للكتاب المقدس وتفسيرنا له بشكل غير متقن.
- علينا بدلاً من ذلك، أن نكرم الله وكلمته بقدر الإمكان، فندع النص ببساطة يشرح ويعلم بنفسه ويتحدث عن نفسه.
- “لا يمكن للعقائد الخاطئة أن تسود لفترة طويلة في المكان الذي يتم فيه قراءة الكتاب المقدس ودراسته. فالخطأ يسود فقط حيث يتم حجب كتاب الله عن الناس. إن الديانة التي تخشى من الكتاب المقدس هي ليست ديانة من عند الله.” كلارك (Clarke)
- في عام ٢٠٠٥ ذكرت صحيفة لندن تايمز أن “وثيقة تعليمية جديدة” أصدرها الأساقفة الروم الكاثوليك في إنكلترا وويلز واسكتلندا يحذرون فيها من أن الكاثوليك يجب ألا يأخذوا كلام الكتاب المقدس حرفياً، أي أنه ليس معصوماً. ويقولون في الكتيب الذي أصدروه بعنوان: ’عطية الكتاب المقدس‘: “لا ينبغي لنا أن نتوقع أن نجد في الكتاب المقدس دقة علمية كاملة ولا دقة تاريخية كاملة”. إذاً، فما هي الأمور غير الدقيقة؟ مثال على الأمور غير الدقيقة: الخلق. لاحظوا أن سفر التكوين يحتوي قصتان مختلفتان للخلق، وأحياناً متضاربتان. لذلك، في رأيهم لا يمكن اعتبار قصص الخلق في سفر التكوين تاريخية. وفوق ذلك يقول الأساقفة أنها ببساطة تحتوي على آثار تاريخية.”
- كُلُّ الْكِتَابِ: هذه العبارة تخبرنا عن مقدار الكلام الموحى به من الكتاب المقدس. لقد فهم الباحث اليوناني العظيم ديين ألفورد (Dean Alford) على أن المقصود بهذه العبارة: “إن كل جزء من الكتاب المقدس هو موحى به.”
- يحاول البعض تحريف هذا الكلام، إذ يحاولون أن يجعلوا النص يقول: “إن كل الكتب الموحى بها من الله هو نافع” وهلم جرا. ففي قولهم هذا، فإنهم قد وضعوا أنفسهم في مكانة أعلى سلطاناً من الكتاب المقدس، لأنهم بعد ذلك سوف يخبروننا بما هو الموحى به، وبما هو غير الموحى به.
- إنهم يزعمون أن القواعد النحوية هي مرنة بما فيه الكفاية لترجمة هذه العبارة على النحو التالي: “كل الكتاب الموحى به من الله هو نافع.” ولكن هذا الادعاء غير أمين للنص، ويتجاهل كلمة حاسمة موجودة في الترجمة اليونانية القديمة: هي حرف العطف: الواو (وَ).
- إن وجود حرف العطف (وَ) في النص يوضح بأن بولس كان يؤكد حقيقتين حول الكتاب المقدس هما: أولاً، أنه قد صدر من نَفَس الله، وثانياً، أنه نافع. أي أن كل الكتاب المقدس هو نافع وليس فقط الأجزاء الصادرة من نَفَس الله.
- لذلك فنحن نؤمن به إلى الأبد: كُلُّ الكتاب موحى به، وكله نافع. ونظراً لأنه يأتينا من إله كامل، فهو كامل وبدون خطأ في مخطوطاته الأصلية، وما نراه أمامنا هو نُسخ جيدة للغاية مأخوذة عن النُّسخ الأصلية المكتوبة.
- إن موثوقية ما نملك من نُسخ لما كُتب في الأصل هي مسألة يمكن للعلم والبحث أن يقرارنها، وعلى الرغم من ارتكاب بعض الأخطاء في نَسخ الكتاب المقدس عبر القرون، لدينا في يومنا الحاضر أسفار العهد الجديد التي لا تحتوي على أكثر من واحد بالألف كنسبة للخطأ في النص الذي هو قيد السؤال. وبالنسبة للعقائد فلا يوجد أي عقيدة مهمة واحدة قيد السؤال. أما أرقام الإحصاءات حول صحة العهد القديم فهي أكثر إثارة للإعجاب.
- وهناك أمر آخر يمكننا قوله عن الكتاب المقدس: إنه صحيح. وعلى الرغم من أن الكتاب المقدس ليس كتاباً ذو نص علمي، فإنه عندما يتكلم عن مسائل علمية كعلم (ليس من باب الكلام المجازي أو المبالغة الشعرية)، فإنه صحيح في كلامه.
- نَافِعٌ: بولس يحض تيموثاوس بقوله: “تابع ثباتك على هذه الأمور لأن الكتاب المقدس هو نافع، إنه نافع من نواحي كثيرة.”
- إن الكتاب المقدس نَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ: فهو يخبرنا عن حقيقة الله والإنسان والعالم الذي نعيش فيه وحقيقة العالم الآتي.
- الكتاب المقدس نَافِعٌ للتَّوْبِيخِ ولِلتَّقْوِيمِ: فهو يمتلك السلطان اللازم لتوبيخنا وتقويمنا. فنحن جميعاً تحت سلطان كلمة الله، وعندما يكشف الكتاب المقدس أن عقائدنا أو سلوكنا هي خاطئة، فنحن فعلاً مخطئون في عقائدنا وسلوكنا.
- الكتاب المقدس نَافِعٌ للتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرّ: فهو يخبرنا كيف نعيش حياة البر الحقيقي. وربما يوجد هنا تلميح للنعمة، لأن بولس عرف ما هو البر الحقيقي كبديل عن البر الناموسي الزائف الذي سبق أن اتكل عليه قبل إيمانه.
- إن هذا كله يعني شيئاً آخر بسيط جداً وهو حقيقة أنه يمكننا أن نفهم الكتاب المقدس. فإذا كان الكتاب المقدس لا يمكن فهمه، فلن يكون نافعًا.
- إنه نَافِعٌ عندما نفهمه حرفياً. ولكن فهمنا الحرفي للكتاب المقدس يعني أيضاً أننا نعتبره صحيحاً وفقاً لسياقه الأدبي. فعندما يتكلم الكتاب المقدس بصورة شعرية، فإنه يستخدم أسلوب الكلام المجازي الذي قد لا يصح فهمه حرفياً. وعلى سبيل المثال، عندما يقول داود في >المزمور ٦:٦ “أُعَوِّمُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ سَرِيرِي بِدُمُوعِي. أُذَوِّبُ فِرَاشِي،” فمن الواضح أنه يتكلم مستخدماً استعارة شعرية، فهو لم يعوم فعلياً سريره بدموعه. ولكن عندما يتكلم الكتاب المقدس كتاريخ، فهو صحيح تاريخياً، وعندما يتكلم بنبوات، فهو صحيح نبوياً.
- لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ اللهِ كَامِلاً، مُتَأَهِّبًا لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ: بولس يحض تيموثاوس بقوله: “تابع أنت ثباتك في هذه الأمور لأن الكتاب المقدس يجعلك كاملاً، مُتَأَهِّبًا لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ.”
- لا تعني كلمة ’كَامِلاً‘ أن الحياة المسيحية كلها تدور حول قراءة الكتاب المقدس أو أن الشيء الوحيد المهم في الخدمة الجيدة هو التعليم الجيد للكتاب المقدس.
- تعني كلمة ’كَامِلاً‘ أن الكتاب المقدس يرشدني إلى كل ما أحتاجه. فإن كنت سامعاً وعاملاً بالكلمة فإني سوف أكون كَامِلاً كمؤمن، مُتَأَهِّبًا لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ. وهذا الكلام يذكرنا بأننا لسنا نعمل في مجال بناء المجتمعات تقدر العظة فقط، بل أيضًا تطبقها، ونعمل في مجال إعداد القديسين لعمل الخدمة.
- لذا، فأنا لست أتجاهل الصلاة أو العبادة أو الكرازة أو الأعمال الصالحة لعالم محتاج، لأن الكتاب المقدس نفسه يخبرني بأن علي أن أفعل مثل هذه الأمور. فإذا كنت سامعاً وعاملاً بالكلمة، فإني سأكون كَامِلاً.
- لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ اللهِ كَامِلاً: عندما ندرس الكتاب المقدس ونسمح لله بالتكلم إلينا، فإنه يغيرنا ويجعلنا كاملين ويغيرناً.
- إن إحدى الطرق التي يجري فيها الكتاب المقدس تغييرًا فينا هي من خلال فهمنا. فيقول بولس في رومية ٢:١٢ “وَلاَ تُشَاكِلُوا هذَا الدَّهْرَ، بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ، لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ: الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ.” فعندما نسمح للكتاب المقدس بتغيير أفكارنا، فإن عقولنا تتجدد وتتغير، وعندها نبدأ في التفكير كما يفكر الله.
- ولكن هنالك مستوى آخر من التغيير الروحي الذي يحدثه الكتاب المقدس: هذا التغيير الروحي يحدث بداخلنا عندما نسمح لكلمة الله بأن تتكلم إلينا. وهذا العمل الروحي يتجاوز فهمنا المحدود.
- فالكتاب المقدس يمنحنا حياة أبدي (بطرس الأولى ٢٣:١).
- والكتاب المقدس ينقينا روحياً (أفسس ٢٦:٥)
- والكتاب المقدس يمنحنا قوة للتغلب على الأرواح الشريرة (أفسس ١٧:٦)
- والكتاب المقدس يجلب قوة روحية لشفاء أجسادنا (متى ١٦:٨)
- والكتاب المقدس يجلب إلينا قوة روحية (مزمور ٢٨:١١٩).
- والكتاب المقدس لديه القوة الروحية لبناء الإيمان فينا (رومية ١٧:١٠)
- وبسبب هذا المستوى الروحي الذي تعمل بموجبه كلمة الله، فإنه لا يتعين علينا أن نفهم كل ما فيها لكي تعمل بشكل فعال في حياتنا. فالعديد من الناس يصابون بالإحباط لأنهم يشعرون بأنهم لا يحصلون على الكثير عندما يقرأون الكتاب المقدس من تلقاء أنفسهم، وبالتالي يتخلون عن قراءته. لذلك ينبغي أن نحاول فهم الكتاب المقدس بأفضل ما في وسعنا، وأن نقرأه بتمعن وعناية. ومع ذلك، الكتاب المقدس يفيدنا روحياً حتى لو لم نفهمه.
- كتب ناقد ذات مرة رسالة إلى مجلة يقول فيها: “إني أفترض أنه على مدى السنوات الماضية قد ذهبت إلى الكنيسة أكثر من ١٠٠٠ مرة، ولا أستطيع أن أتذكر المحتوى المحدد لعظة واحدة خلال تلك السنوات العديدة. فما الفائدة من الذهاب إلى الكنيسة ١٠٠٠ مرة؟” وفي الأسبوع التالي كتب أحدهم رَدَّهُ عليه فقال: “على مدى السنوات العديدة الماضية، تناولت أكثر من ١٠٠٠ وجبة أعدتها زوجتي. ولا أستطيع تذكر القائمة المحددة لأي من تلك الوجبات. لكن تلك الوجبات غَذَّتني طوال تلك السنوات، ومن دونها سأكون رجلاً مختلفاً جداً عما أنا عليه الآن.” فالكتاب المقدس سيقوم بعمله الروحي فينا، إذا سمحنا له بذلك.
- لقد بدأ بولس الأصحاح بتحذير تيموثاوس حول الأزمنة الصعبة. وبعض المؤمنين قد جرفتهم هذه الأزمنة الصعبة وبعضهم الآخر لجئوا للاختباء. ولكن ولا واحد من هذين الخيارين مناسب لنا. فيجب علينا أن نقف بقوة ونبقى ثابتين على كلمة الله.