رسالة أفسس – الإصحاح ٥
الحياة في الروح
أوَّلًا. التخلِّي عن الظلمة
أ ) الآيات (١-٢): اسْلُكُوا فِي الْمَحَبَّةِ.
١فَكُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِاللهِ كَأَوْلاَدٍ أَحِبَّاءَ، ٢وَاسْلُكُوا فِي الْمَحَبَّةِ كَمَا أَحَبَّنَا الْمَسِيحُ أَيْضًا وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، قُرْبَانًا وَذَبِيحَةً للهِ رَائِحَةً طَيِّبَةً.
- فَكُونُوا: بحرف (الفاء) يُنهي بولس هنا فكرة أفسس ٤، حيث وصف كيفيّة ارتباط المؤمنين بعضهم بالبعض.
- فَكُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِٱللهِ: الفكرة بسيطة: أن نجعل الله مثالًا ونموذجًا لنا. فلا ينبغي أن نكتفي بمقارنة أنفسنا بالناس، وعلينا أن نلتفت إلى فكرة بطرس في رسالته الأولى ١٥:١-١٦ حينما قال: بَلْ نَظِيرَ ٱلْقُدُّوسِ ٱلَّذِي دَعَاكُمْ، كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا قِدِّيسِينَ فِي كُلِّ سِيرَةٍ. لِأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: كُونُوا قِدِّيسِينَ لِأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ.
- إنَّه لا يقول: ’فكّروا في الله‘ أو ’كونوا مُعجبين بالله‘ أو ’كونوا مُغرمين بالله‘، رغم أنَّ هذه كلها واجبات مسيحيّة مهمّة. بل هذه دعوة إلى اتّخاذ خطوة عملية، تتجاوز علاقتنا الشخصية مع الله.
- يمكننا أن نقول إنَّ هذا استمرار لنفس الفكرة التي أوردها بولس في أفسس ١٣:٤ فيما يتعلّق بمدى النمو المسيحيّ: «إِلَى إِنْسَانٍ كَامِلٍ. إِلَى قِيَاسِ قَامَةِ مِلْءِ ٱلْمَسِيحِ.» ويمكننا أيضًا أن نقول إنَّ هذا استمرار لفكرة أفسس ٣٢:٤، حيث أوصانا الرسول: «كُونُوا مُتَسَامِحِينَ كَمَا سَامَحَكُمُ ٱللهُ أَيْضًا فِي ٱلْمَسِيحِ.» فيصبح سلوك الله تجاهنا مقياسًا لسلوكنا بعضنا تجاه البعض.
- من المهمّ أنْ نرى أنَّ الله أعلى بكثير من أنْ يكون مُجَرَّد مثال لنا. فالعديد من الضلالات تدخل الكنيسة عندما يُقدَّم يسوع كمثال للسلوك فقط. فنحن لا ننال الخلاص من مثال يسوع، لكن ما أن نخلص حتّى يصبح مثاله ذا مغزى لنا. الله أكثر من مُجَرَّد مثال لنا، لكنَّه أيضًا مثالنا.
- كَأَوْلَادٍ أَحِبَّاءَ: الأطفال مقلِّدون بالطبيعيّة. فهم غالبًا يفعلون ما يرون آباءهم أو غيرهم من البالغين يفعلونه. وعندما نتصرّف وفقًا لطبيعتنا كأبناء الله، فإننا نقلّده.
- عندما نقلّد الله، نصبح ممثلين له، خاصةً أمام أولئك الذين عزلوا الله عن حياتهم. “ما الغرض من إرسالنا إلى العالم؟ أليس من أجل تذكير الناس بالله، لاسِيَّما أولئك الذين يحرصون أشدّ الحرص على نسيانه؟ فإن كنا مقلّدين لله، كأولاد أحباء، سيضطرون إلى تذكّر أنَّ الله موجود، لأنهم سيرون طبعه منعكسًا في طبعنا. لقد سمعت عن ملحد قال إنَّه يستطيع أنْ يُفحِم كل حجّة، إلاَّ حجة الحياة المثالية لوالدته القدّيسة؛ فهو لم يستطع أبدًا الرد على ذلك.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَٱسْلُكُوا فِي ٱلْمَحَبَّةِ كَمَا أَحَبَّنَا ٱلْمَسِيحُ أَيْضًا: يسوع مثالنا في كل شيء. كَمَا أَحَبَّنَا وأَسْلَمَ نَفْسَهُ لِأَجْلِنَا، علينا أن نقدّم نفس نوع المحبّة المضحّية بنفسها.
- قُرْبَانًا وَذَبِيحَةً: من الواضح أنَّ تقديم يسوع لنفسه كان ذبيحة مرضية للآب. ويمكننا نحن أيضًا أن نقدّم ذبيحة مرضية (رَائِحَةً طَيِّبَةً) بأن نبذل أنفسنا في محبّةٍ للآخرين.
- كثيرًا ما نعتقد أننا نستطيع أن نبذل حياتنا بطريقة مثيرة لإظهار حبنا للآخرين. لكنَّ الله غالبًا ما يدعونا إلى بذل حياتنا شيئًا فشيئًا – على دفعات صغيرة، لا دفعةً واحدة كبيرة.
- يُعلق آدم كلارك (Adam Clark) على كلمة قُرْبَانًا ويقول: “تقدمة، أضحية قربانيّة؛ مثله مثله المنحاة في لاويين ١:٢ وما يليها، الذي يفسَّر بأنَّه «تَقْدِمَةٍ لِلرَّبِّ… وَيَسْكُبُ عَلَيْهَا زَيْتًا، وَيَجْعَلُ عَلَيْهَا لُبَانًا.» والمقصود أي تقدمة تعبّر عن الشكر لله على البركات الزمانية الموهوبة لنا من فضل الله.‘
- كما علق كلارك على كلمة ذَبِيحَة بهذه الكلمات: “ذبيحة خطيّة، أضحية عن الخطيّة؛ ومعناها دائمًا تقريبًا عمل ذبائحيّ يتم بمقتضاه سفك دم حيوان ككفارة عن الخطيّة. ويمكن اعتبار هذه المصطلحات أنَّها تشمل كل أنواع الذبائح والتقدمات التي يتم تقديمها لله لأي سبب.”
ب) الآيات (٣-٤): نقيض السلوك في المحبّة: التصرُّف غير اللائق بالمؤمن.
٣وَأَمَّا الزِّنَا وَكُلُّ نَجَاسَةٍ أَوْ طَمَعٍ فَلاَ يُسَمَّ بَيْنَكُمْ كَمَا يَلِيقُ بِقِدِّيسِينَ، ٤وَلاَ الْقَبَاحَةُ، وَلاَ كَلاَمُ السَّفَاهَةِ، وَالْهَزْلُ الَّتِي لاَ تَلِيقُ، بَلْ بِالْحَرِيِّ الشُّكْرُ.
- فَلَا يُسَمَّ بَيْنَكُمْ: يضمّ بولس معًا هذه الأفكار عن الخطيّة والقباحة الجنسيّة، مشيرًا إلى أنَّ أيًا من هذه الأفكار لَا تَلِيقُ بالقِدّيسين ولا يجب أن تُسَمَّى بَيْنَ شعب الله.
- استخدم بولس قائمة شاملة للخطايا الجنسيّة:
- ٱلزِّنَا (پورنيا porneia) :كلمة واسعة تصف الخطيّة الجنسيّة.
- النَجَاسَة: كلمة أخرى واسعة تدلّ على التصرُّف الأخلاقيّ ’القذر‘ خاصّة بالمعنى الجنسيّ.
- ٱلْقَبَاحَةُ: لها نفس فكرة النَجَاسَة.
- ٱلْهَزْلُ: يحمل فكرة التهريج الجنسيّ الدنس وغير اللائق.
- يجب أن نلاحظ موضوع المناشدة الأخلاقيّة. إنَّه لا يقول: ’لا تتجنّب هذه الأمور حتّى تتمكن من أنْ تكون قِدّيسًا.‘ بل: ’أنت قِدّيس؛ فعِش الآن بطريقة تناسب القِدّيس.‘ المناشدة الأخلاقيّة المستمرة للعهد الجديد هي ببساطة: كونوا مَن أنتم في يسوع.
- استخدم بولس قائمة شاملة للخطايا الجنسيّة:
- كَمَا يَلِيقُ بِقِدِّيسِينَ: كان هذا التشديد على الخطيّة الجنسيّة مناسبًا. فإن ثقافة زمن بولس (وفي مدينة أفسس بالذات) كانت في انحلال جنسيّ شامل. فكان هذا التصرُّف الذي يقول بولس إنَّه لا يَلِيقُ بِقِدِّيسِينَ مقبولاً تمامًا في ثقافة زمانه (وزماننا).
- طَمَعٍ… كَلَامُ ٱلسَّفَاهَةِ: شمل بولس أيضًا الطمع وكَلَام ٱلسَّفَاهَةِ (الكلام الأحمق) في هذه القائمة بسبب ارتباطهما الوثيق بالخطيّة الجنسيّة. فالرغبة في الحصول على شيء لا يخصّنا والتحدّث بحماقة قد دفع الكثيرين من الناس إلى الخطيّة الجنسيّة. بَيْدَ أنَّ الـطَمَع وكَلَامُ ٱلسَّفَاهَة لهما أيضًا صلة أبعد من علاقتهما بالخطيّة الجنسيّة.
- كَلَامُ ٱلسَّفَاهَةِ هي حرفيًّا ’الكلام التافه.‘ والفكرة في السياق تدور حول شخص يمكنه تحويل كل حديث إلى تعليق تهريجي على مسائل جنسيّة، عادةً باستخدام التورية.
- بَلْ بِٱلْحَرِيِّ [تقديم] ٱلشُّكْرُ: على المؤمن تقديم ٱلشُّكْر على الجنس بشكل إيجابيّ. إذ نقبله بشكر كعطيّة، ونتمتّع به بطريقة تمجّد المعطِي.
- إن قصد الله من الجنس ليس إرضاء الفرد في المقام الأول، بل ارتباط الزوج والزوجة معًا في علاقة الجسد الواحد. فهناك تعبيرات معيَّنة عن الحياة الجنسيّة هي خطيّة، ليس لأنَّ الله يريد أن يحرمنا من بعض جوانب المتعة، ولكن لأنَّها تعمل ضد قصده الأساسيّ بالجنس.
ج) الآيات (٥-٧): عواقب التصرُّف غير اللائق بالمؤمنين.
٥فَإِنَّكُمْ تَعْلَمُونَ هذَا أَنَّ كُلَّ زَانٍ أَوْ نَجِسٍ أَوْ طَمَّاعٍ الَّذِي هُوَ عَابِدٌ لِلأَوْثَانِ لَيْسَ لَهُ مِيرَاثٌ فِي مَلَكُوتِ الْمَسِيحِ وَاللهِ. ٦لاَ يَغُرَّكُمْ أَحَدٌ بِكَلاَمٍ بَاطِل، لأَنَّهُ بِسَبَبِ هذِهِ الأُمُورِ يَأْتِي غَضَبُ اللهِ عَلَى أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ. ٧فَلاَ تَكُونُوا شُرَكَاءَهُمْ.
- لَهُ مِيرَاثٌ فِي مَلَكُوتِ ٱلْمَسِيحِ وَٱللهِ: الأشخاص المذكورين في أفسس ٣:٥ (كُلّ زَانٍ أَوْ نَجِسٍ أَوْ طَمَّاعٍ) ليس لهم ميراث في ملكوت الله. فإن كان ملكوت الله حيًّا فيهم، فقد حدث تغيير جذريّ لهم يحول دون أنْ يرتاحوا في المواظبة على ممارسة هذه الأمور.
- يمكن تطبيق فكرة بولس في هذا المقطع خارج السياق بطريقة تحمل إدانة. فيمكن أن يقول المرء: ’حسنًا، لقد فكّرتُ في ارتكاب الزنا، فمعنى ذلك أنَّني قد زنيت في قلبي. لذا فأنا مذنب مثلي مثل من ارتكب الزنا فعلًا. وبما أنني مذنب مثله، وأنه ليس له ميراث في ملكوت الله، فليس لي ميراث كذلك، وذلك بسبب أفكاري عن الزنا.‘ هذا التفكير الخادع يتعارض مع المعنى البسيط لكلمة الله.
- طَمَّاعٍ – ٱلَّذِي هُوَ عَابِدٌ لِلْأَوْثَانِ: اللافت للنظر أنَّ بولس يقول إنَّ الطماع هو عَابِدٌ لِلْأَوْثَانِ. فعبادة الأوثان تُمارَس بطرق خدّاعة (وقويّة) أكثر من مُجرَّد الركوع أمام تمثال.
- لَا يَغُرَّكُمْ أَحَدٌ بِكَلَامٍ بَاطِلٍ: لا يمكننا السماح لـكَلَامٍ بَاطِلٍ (أي فارغ) بإعفاء من يمارس هذه الخطايا أو تخفيف الحكم الذي يستحقّه. ومن المؤكد أنَّه بِسَبَبِ هَذِهِ ٱلْأُمُورِ يَأْتِي غَضَبُ ٱللهِ عَلَى أَبْنَاءِ ٱلْمَعْصِيَةِ.
- فَلَا تَكُونُوا شُرَكَاءَهُمْ: يفترض بولس أن المؤمنين لن يعيشوا حياة تتّصف بالزنا أو النجاسة أو الطمع بصورة اعتيادية، بل ولا ينبغي لنا أن نكون شُرَكَاءَهُمْ.
د ) الآيات (٨-١٢): الانتقال من الظلمة إلى النور.
٨لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ قَبْلاً ظُلْمَةً، وَأَمَّا الآنَ فَنُورٌ فِي الرَّبِّ. اسْلُكُوا كَأَوْلاَدِ نُورٍ. ٩لأَنَّ ثَمَرَ الرُّوحِ هُوَ فِي كُلِّ صَلاَحٍ وَبِرّ وَحَقّ. ١٠مُخْتَبِرِينَ مَا هُوَ مَرْضِيٌّ عِنْدَ الرَّبِّ. ١١وَلاَ تَشْتَرِكُوا فِي أَعْمَالِ الظُّلْمَةِ غَيْرِ الْمُثْمِرَةِ بَلْ بِالْحَرِيِّ وَبِّخُوهَا. ١٢لأَنَّ الأُمُورَ الْحَادِثَةَ مِنْهُمْ سِرًّا، ذِكْرُهَا أَيْضًا قَبِيحٌ.
- لِأَنَّكُمْ كُنْتُمْ قَبْلًا ظُلْمَةً: بينما كان بولس يدين ممارسي الزنا أو النجاسة أو الطمع أي أبناء المعصية (أفسس ٦:٥)، أدرك أيضًا أنّ هذه هي الـظُلْمَة عينها التي خرج منها المؤمنون. لكننا الآن، بعد أن استنرنا، علينا أن نسلك كَأَوْلَادِ نُورٍ.
- يتكرّر الموضوع مرَّة أخرى: أنتم أَوْلَاد نُورٍ، فلتعيشوا كَأَوْلَادِ نُورٍ.
- لا يقول بولس إننا كنا في السابق في الظلمة فقط. إنما يقول إنَّنا كنا في السابق الـظُلْمَة بعينها. والآن، نحن لسنا في النور فحسب، بل نُورٌ فِي ٱلرَّبِّ.
- لِأَنَّ ثَمَرَ ٱلرُّوحِ هُوَ فِي كُلِّ صَلَاحٍ وَبِرٍّ وَحَقٍّ: إنَّ ثَمَرَ ٱلرُّوحِ الموصوف بمزيد من التفصيل في غلاطية ٢٢:٥-٢٣، يتناقض مع السلوك في الظلمة والغضب. فيجب أن نتميّز بالـصَلَاح وَالبِرّ وَالحَقّ لأنَّ الروح القُدُس ساكن في حياتنا.
- وَلَا تَشْتَرِكُوا فِي أَعْمَالِ ٱلظُّلْمَةِ غَيْرِ ٱلْمُثْمِرَةِ بَلْ بِٱلْحَرِيِّ وَبِّخُوهَا: بدلًا من معاشرة الشر، علينا أن نفضح أَعْمَال ٱلظُّلْمَةِ غَيْرِ ٱلْمُثْمِرَةِ. بَيْدَ أنَّنا لا نفعل هذا لمُجرَّد الحديث عنها (وهو أمر قَبِيحٌ)، ولكن لغرض تثقيف أنفسنا بما يكفي لتجنبّها.
- يجب على المؤمنين أن يحذروا من الاهتمام الشهوانيّ بـأَعْمَالِ ٱلظُّلْمَةِ، حتّى في أوقات تقديم الاختبار الشخصي أو البحث.
- كان بولس حريصًا إذ قال إنَّه يجب علينا تجنب أَعْمَالِ ٱلظُّلْمَةِ غَيْرِ ٱلْمُثْمِرَةِ، لا الأشخاص الذين في الظلمة.
ثانيًا. السلوك في النور
أ ) الآيات (١٣-١٤): حقيقة وجود النور.
١٣وَلكِنَّ الْكُلَّ إِذَا تَوَبَّخَ يُظْهَرُ بِالنُّورِ. لأَنَّ كُلَّ مَا أُظْهِرَ فَهُوَ نُورٌ. ١٤لِذلِكَ يَقُولُ: «اسْتَيْقِظْ أَيُّهَا النَّائِمُ وَقُمْ مِنَ الأَمْوَاتِ فَيُضِيءَ لَكَ الْمَسِيحُ».
- وَلَكِنَّ ٱلْكُلَّ إِذَا تَوَبَّخَ يُظْهَرُ بِٱلنُّورِ: حتّى الأشياء التي تُعمَل سرًا سينفضح أمرها، وستُظْهَرُ بواسطة نور دينونة الله الفاحصة.
- هذا سبب من أسباب تجنُّب أعمال الظلمة غير المثمرة وفضحها كما جاء فيأفسس ٨:٥-١٢. وحيث أنَّ تلك الأعمال غير المثمرة مصيرها الانكشاف والانتهاء، فمن المنطقي للمؤمنين تجنّب مثل هذه الأعمال غير المثمرة.
- ٱسْتَيْقِظْ أَيُّهَا ٱلنَّائِمُ وَقُمْ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ: إنَّ مشاركتنا في النور تتجلّى في قيامتنا مع يسوع («أَحْيَانَا مَعَ ٱلْمَسِيحِ»، أفسس ٥:٢). وعلى الأرجح أنَّ بولس يقتبس ترنيمة من ترانيم الكنيسة الأولى لشرح هذه الحقيقة.
- تذكّر أنَّ هذا النصح بالاستيقاظ مُوجَّه للمؤمنين. فقد يكون المؤمن نائمًا دون أنْ يدري. فإن كنت نائمًا، على الأرجح أنَّك لا تدري بذلك. وبمجرد أن تدري بنومك، يكون هذا دليل على أنك الآن مستيقظ.
- “هذا النوم عند المؤمن خطير للغاية، لأنَّه يمكن أن يفعل الكثير أثناء نومه مِمَّا يجعله يبدو وكأنه مستيقظ تمام الاستيقاظ.” سبيرجن (Spurgeon)
- يمكننا أنْ نتكلّم ونحن نائمون.
- يمكننا أن نسمع ونحن نائمون.
- يمكننا أنْ نمشي ونحن نائمون.
- يمكننا أنْ نغنّي ونحن نائمون.
- يمكننا أن نفكّر ونحن نائمون.
- “الرجل النائم لا يهتمّ بما يحدث لجيرانه؛ وكيف ذلك وهو نائم؟ وبعضكم أيها المؤمنين لا يهتمّ إذا خلصت النفوس أو هلكت… طالما أنكم مرتاحون. إذا أمكنكم حضور مكان عبادة محترم والذهاب مع الآخرين إلى السماء، فإنكم لا تبالون بأي شيء آخر.” سبيرجن (Spurgeon)
ب) الآيات (١٥-١٧): السلوك في النور يعني السلوك في الحكمة.
١٥فَانْظُرُوا كَيْفَ تَسْلُكُونَ بِالتَّدْقِيقِ، لاَ كَجُهَلاَءَ بَلْ كَحُكَمَاءَ، ١٦مُفْتَدِينَ الْوَقْتَ لأَنَّ الأَيَّامَ شِرِّيرَةٌ. ١٧مِنْ أَجْلِ ذلِكَ لاَ تَكُونُوا أَغْبِيَاءَ بَلْ فَاهِمِينَ مَا هِيَ مَشِيئَةُ الرَّبِّ.
- فَٱنْظُرُوا كَيْفَ تَسْلُكُونَ بِٱلتَّدْقِيقِ: نظرًا لأنَّ هذا النور قد أُعطِيَ لنا، يجب أن نسير بِٱلتَّدْقِيقِ، أي بعناية وحكمة، لَا كَجُهَلَاءَ حمقى.
- اعتقد آدم كلارك (Adam Clark) أن عبارة لَا كَجُهَلَاءَ مرتبطة بممارسات العبادة للإله القديم باخوس، الذي كان يُعبَد بشرب الخمر والعربدة. “لا تكونوا مجانين. فهذه إشارة واضحة إلى طقوس العربدة الخاصّة بباخوس، حيث كان المتعبّدون له يتصرّف كالمجانين، فيركضون حول أنفسهم، ويقذفون رؤوسهم من كتف إلى كتف، ويظهرون في حالة هياج بكل معنى الكلمة.”
- مُفْتَدِينَ ٱلْوَقْتَ: هناك كلمتان يونانيّتان قديمتان للدلالة على ٱلْوَقْت. الأولى تحمل ببساطة فكرة تتابع يوم بعد يوم وساعة بعد ساعة. أمَّا الأخرى فتحمل فكرة جزء محدَّد من الوقت، أي زمن حدوث شيء ما. فهناك فرق بين وقت وٱلْوَقْت. والمقصود هنا هو ٱلْوَقْت. إنه موعد محدَّد للفرص التي يجب على المؤمنين انتهازها. وقد تُرجِمت هذه الكلمة نفسها بكلمة «فُرْصَة» في غلاطية ١٠:٦.
- بولس لا يطلب منا الاستفادة القصوى من كل لحظة، مع أنَّ هذه نصيحة جيّدة. إنَّما يأمرنا أن ننتهز الفرصة لمجد يسوع. إنَّها ليست الاستفادة القصوى من الوقت، ولكن لتحقيق أقصى استفادة من الفرصة السانحة.
- الفكرة وراء مُفْتَدِينَ ٱلْوَقْتَ هي شراء الفرص مثل رجل الأعمال الذكي. حيث يمكنك الاستفادة القصوى من كل فرصة لأجل يسوع المسيح.
- لِأَنَّ ٱلْأَيَّامَ شِرِّيرَةٌ: هذا سبب آخر على أهمية السلوك بحكمة. فقد تكلّم يسوع عن زمن فيه «يَقُومُ أَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ كَثِيرُونَ وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ. وَلِكَثْرَةِ ٱلْإِثْمِ تَبْرُدُ مَحَبَّةُ ٱلْكَثِيرِينَ.» (متى ١١:٢٤-١٢). ونحن بالتأكيد في تلك الأزمنة، لِأَنَّ ٱلْأَيَّامَ شِرِّيرَةٌ.
- فَاهِمِينَ مَا هِيَ مَشِيئَةُ ٱلرَّبِّ: هذه هي الحكمة الحقيقيّة. إنَّها على عكس كوننا أَغْبِيَاءَ. إن فهمنا الرئيسيّ لـمَشِيئَة ٱلرَّبِّ يأتي من المعرفة الجيّدة بكلمته.
ج) الآية (١٨): السلوك في النور يعني الملء المستمرّ بالروح القُدُس.
١٨وَلَا تَسْكَرُوا بِٱلْخَمْرِ ٱلَّذِي فِيهِ ٱلْخَلَاعَةُ، بَلِ ٱمْتَلِئُوا بِٱلرُّوحِ،
- وَلَا تَسْكَرُوا بِٱلْخَمْرِ: على النقيض من سلوك العالم (الذي يَسْكَرُ بِٱلْخَمْرِ)، يجب أن نمتلئ بالروح. ومعنى الفعل المضارع الذي يستعمله بولس هنا هو بوضوح: ’داوموا باستمرار على الامتلاء بالروح القُدُس.‘
- ٱمْتَلِئُوا بِٱلرُّوحِ: ليس ملء الروح القُدُس حدثًا يقع مرَّة واحدة نحيا عليه باقي الحياة. إنَّه ملء مستمر، وطلب بالملء، وحصول على الملء بالإيمان.
- هناك خبرة ملء أولى بالروح القُدُس رائعة ومجيدة، وغالبًا ما يُعتقَد أنَّها معمودية الروح القُدُس (متى ١١:٣، أعمال الرسل ٥:١،١٦:١١). وهذه خبرة مهمّة ومن حقّ كل مؤمن.
- يمكن تفسير الكثير من الضعف والهزيمة والخمول في حياتنا الروحيّة بعدم امتلائنا باستمرار بالروح القُدُس.
- يدلّ الاستعمال القواعدي في الأصل اليونانيّ للفعل ٱمْتَلِئُوا على شيئين مهمين آخرين: أوّلًا، الفعل مبني للمجهول، أي أننا لا نصنع هذه الخبرة بأنفسنا. ثانيًا، الفعل في صيغة الأمر، أي أنَّ هذه ليست خبرة اختيارية.
- لَا تَسْكَرُوا بِٱلْخَمْرِ: النقيض الجسديّ للامتلاء بالروح القُدُس هو السُّكْر. والكتاب المُقَدَّس يدين السُّكْر دون أي تحفظ.
- ٱلَّذِي فِيهِ ٱلْخَلَاعَةُ: يقول بولس إنَّ السكر خلاعة (أو إسراف). والمقصود أنَّ السكر هو مضيعة للموارد التي ينبغي تقديمها ليسوع. كتب جون تراب (John Trapp): “ثلاثة أمور تنطوي على الإسراف: شرب الخمور، وصرف المال، والسخرية.” (شرح تراب لغلاطية ٢١:٥)
- يجب أن نصغي إلى ما يأمرنا به سفر الأمثال عن السكر في مقاطع مثل أمثال ١:٢٠ و ٢٩:٢٣-٣٣.
- يجب ألَّا نعتقد أنَّ ’السقوط في حالة سكر‘ فقط هو الخطيّة، بل إعاقة الإدراك بأي شكل من الأشكال بسبب الشرب خطيّة، وكذلك الشرب بقصد إعاقة الإدراك.
- “إنَّ خطر السكر لا يكمن فيه في حدّ ذاته، بل فيما قد يسبّبه” وود (Wood). فمن الناحية العمليّة، يدفع العالم ثمنًا باهظًا مقابل الدمار الذي تُلحِقه معاقرة الخمور والإدمان على المخدرات. فإذا تحدّثنا عن الخمور فقط، لوجدنا وفقًا لمركز الولايات المتحدة لمكافحة الأمراض، أنَّ ٨٨.٠٠٠ شخص قد لقوا حتفهم عام ٢٠١٠ لأسباب مرتبطة بالخمور في الولايات المتحدة، وأنّ الإفراط في تناول الخمور قد كلّف الاقتصاد الأمريكي ٢٤٩ مليار دولار – أي ما يقرب من ربع تريليون دولار. ويجوز لنا أن نفترض أنَّ الأرقام تنطبق على العديد من الدول الأخرى.
- بَلِ ٱمْتَلِئُوا بِٱلرُّوحِ: يقابل بولس بين تأثير الروح القُدُس والسكر. فالكحول يسبّب الاكتئاب. إنَّه يساعد الناس على ’الاسترخاء‘ لأنَّه يُضعِف ضبطهم للنفس وحكمتهم واتّزانهم وقدرتهم على الحكم. أمَّا الروح القُدُس فله تأثير معاكس تمامًا. إنه منشِّط، يعمل على تحسين أداء وإتقان كل جانب من جوانب وجودنا.
- “إننا نجده هنا مضمومًا إلى المبادئ التي ترسّخ قوانين ضبط النفس العظيمة، وهو يأتي قبل الإرشادات الخاصّة التي يوصي بها الرسول بخصوص مقدَّسات البيت المسيحيّ وهدوئه… وهو، مع ذلك، أمر فائق للطبيعة. إنَّها حالة للإنسان لا يمكن تحقيقها عن طريق التدريب والمنطق والرغبة البشرية والإرادة. إنَّه ببساطة الحالة التي يتحكّم فيها الله ويسيطر على حياة الإنسان كلها، فيتدفّق في جميع أرجائها، حتّى يفيض بصورة كاملة وعفوية من حياتنا ليؤثّر على جميع من حولنا.” موول (Moule)
د ) الآيات (١٩-٢٠): الحياة المليئة بالروح تتميّز بالعبادة والشكر.
١٩مُكَلِّمِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِمَزَامِيرَ وَتَسَابِيحَ وَأَغَانِيَّ رُوحِيَّةٍ، مُتَرَنِّمِينَ وَمُرَتِّلِينَ فِي قُلُوبِكُمْ لِلرَّبِّ. ٢٠شَاكِرِينَ كُلَّ حِينٍ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فِي اسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، للهِ وَالآبِ.
- مُكَلِّمِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِمَزَامِيرَ وَتَسَابِيحَ وَأَغَانِيَّ رُوحِيَّةٍ، مُتَرَنِّمِينَ وَمُرَتِّلِينَ فِي قُلُوبِكُمْ لِلرَّبِّ: عندما نمتلئ بالروح، تتولّد لدينا الرغبة في عبادة الله وتشجيع الغير على عبادته.
- العلاقة بين الامتلاء بالروح والتسبيح لافتة للنظر. فالممتلئون بالروح يسبّحون بطبيعتهم، والتسبيح إحدى الطرق التي نُملأ بها بالروح.
- بِمَزَامِيرَ وَتَسَابِيحَ وَأَغَانِيَّ رُوحِيَّةٍ: يوحي هذا التنوُّع بأنّ الله يُسَرّ بالعبادة الإبداعية التلقائية. وأهمّ مكان عندنا للترتيل لله هو قلوبنا. وكثيرون مِمَّن لا يستطيعون غناء ترتيلة جميلة بأصواتهم يقدرون أن يردّدوا تراتيل جميلة في قلوبهم.
- يقع التركيز على التنوع أكثر من تصنيف التسبيح إلى فئات. “يصعب التفرقة بدقّة بين هذه المصلحات الثلاثة.” كلارك (Clark)
- شَاكِرِينَ كُلَّ حِينٍ لِلهِ: الممتلئ بالروح يمتلئ بالشكر أيضًا. إنَّ القلب المشتكي والروح القُدُس لا يتماشيان معًا.
- يوصينا بولس بممارسة نفس طريقة تقديم الشكر التي كان يمارسها في الصلاة في أفسس ١٤:٣ – أي تقديم الشكر فِي ٱسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، لِلهِ وَٱلْآبِ.
- “إنَّ كل ساعة، لا بل كل لحظة، تأتي وفي طيّاتها فضل من أفضاله. انظر إلى أسفل واشكر، لأنك نجوت من الجحيم؛ انظر إلى اليمين واشكر، لأنك اغتنيتَ بالمواهب المجّانية؛ وانظر إلى اليسار واشكر، لأنك محميّ من الأمراض الفتاكة؛ ثُمَّ انظر إلى أعلى واشكر، لأنَّ السماوات في انتظارك.” سبيرجن (Spurgeon)
هـ) الآية (٢١): الحياة الممتلئة بالروح تتميّز بالخضوع المتبادل.
٢١خَاضِعِينَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ فِي خَوْفِ ٱللهِ.
- خَاضِعِينَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ فِي خَوْفِ ٱللهِ: عندما نمتلئ بالروح، يظهر ذلك في خضوعنا المتبادل بعضنا للبعض؛ ويتمّ هذا الخضوع فِي خَوْفِ ٱللهِ، لا خوفًا من البشر.
- خَاضِعِينَ: تعني كلمة خَاضِعِينَ هنا حرفيًّا ’الوجود تحت رُتبة‘ وهي مصطلح عسكري. والمقصود بها طريقة تنظيم الجيش بحسب مستويات الرتب. فثَمَّة جنرالات وعقداء وروّاد وعرفاء وجنود. وثَمَّة مستويات من الرتب، ونحن ملزمون باحترام مَن يشغلون رتبة أعلى منا.
- نحن نعلم أنَّ الجندي يمكنه أن يكون أكثر ذكاءً وأكثر موهبة وأفضل من الجنرال، ولكنَّه لا يزال يخضع لرتبة الجنرال. فهو لا يخضع للقائد كشخص، بل يخضع له كجنرال.
- لا علاقة لفكرة الخضوع بذكاء الشخص أو موهبته. إنَّما يتعلّق الخضوع بترتيب معيَّن من الله. “أي شخص خدم في القوات المسلحة يعلم أنْ «الرتبة» تتعلّق بالنظام والسلطة لا بالقدر أو القدرة.” ويرزبي (Wiersbe)
- من هذا نرى أيضًا مدى أهمّيّة ’الخضوع للرتب.‘ ففي الجيش، عندهم كلمة يطلقونها على الشخص الذي يرفض ’الخضوع للرتب.‘ يسمّون ذلك «تمرد». “كما تحدث الفوضى في الجيش ما لم تكن هناك مستويات من السلطة، هكذا تعتري المجتمع حالة من الفوضى في غياب الخضوع.” ويرزبي (Wiersbe)
- خَاضِعِينَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ: لفهم المقصود بذلك، يمكننا أوّلًا فحص ما لا يُقصد بذلك. لا يُقصد بذلك أنَّه لا توجد فكرة ’الرتب‘ في جسد المسيح. وسهل طبعًا أن نرى كيف يمكن أخذ هذا الانطباع الذي يقول: ’يجب أن نخضع بعضنا للبعض. فيجب أن أخضع لك ويجب أن تخضع لي. ليس شخص مُلزَم بالخضوع أكثر من أي شخص آخر.‘
- نحن نعلم أنّ هذا ما لا يعنيه بولس لأنَّ ذلك يتناقض تناقضًا واضحًا مع الأمور الأخرى التي كتبها. فعلى سبيل المثال، في كورنثوس الأولى ١:٥-٥، أمر بولس مؤمني كورنثوس بوضوح بأن يخضعوا لسلطته وأن يعلموا شيئًا معيّنًا. فهل يمكنكم أن تتخيّلوا أنَّ مؤمني كورنثوس أجابوا: ’حسنًا يا بولس، كتبتَ أننا يجب أن نكون خَاضِعِينَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ. لذلك نعتقد أنك يجب أن تخضع لنا.‘
- أو مثال آخر على ذلك، عبرانيين ١٧:١٣ الذي جاء فيه: «أَطِيعُوا مُرْشِدِيكُمْ وَٱخْضَعُوا.» فلو كان بولس يقصد أنَّه ليست هناك ’رتب‘ أو ’ترتيب سلطوي‘ بين المؤمنين، فإنَّ هذا الأمر في عبرانيين ١٧:١٣ يكون بلا معنى.
- يسهل تطبيق فكرة هذه الكلمة العسكرية عندما تكون هناك رتبة أعلى من الأخرى. بَيْدَ أنَّ بولس لم يستخدمها هنا بهذه الطريقة. فإنه يسهل تطبيقها عندما تطلب من بعض الجنود وتقول: ’اخضعوا للجنرالات.‘ ولكن من الأصعب فهم المعنى عندما تقول لفرقة من الجنود: ’اخضعوا بعضكم لبعض.‘ فبولس لا يؤكّد على فكرة الرتبة، لأنَّه يخاطب جميع المؤمنين. ولكن هناك شيء آخر مهمّ هنا.
- بولس يقصد أننا يجب أن نتّخذ موقف ’الخضوع للرتب‘ الخاصّ بالجيش ونطبّقه على تعاملنا اليومي بعضنا مع البعض. فعندما ينضم رجل إلى الجيش، أول شيء يفعله هو التجرّد من شخصيّته الفردية. فهو الآن عضو في فرقة أو كتيبة ولم يعد فردًا. وعندما تلتحق بالجيش، تتخلّى فعليًّا عن حقك في تقرير ما تريد عمله بحياتك ووقتك. فالجيش مليء بالأفراد، لكن لا يمكن أن يتصرّفوا بفرديّة. وهذا هو أوَّل شيء يعوّدون الجندي عليه عندما يلتحق بالجيش.
- “لا يتشبّثنَّ أي إنسان بإرادته الخاصّة أو برأيه في الأمور دون مبالاة، مِمَّا يُخلّ بسلام الكنيسة؛ ففي كل هذه الأمور تنازلوا بعضكم للبعض، ودعوا المحبّة تحكم.” كلارك (Clark)
- في الممارسة العملية، يتضمنّ الخضوع بعضنا للبعض ما يلي، وذلك بما يتماشى مع فكرة أن تكون ’لاعبًا في فريق‘:
- يجب ألَّا يكون المؤمن أنانيًّا، بل يفكّر في الآخرين.
- يجب ألَّا يكون المؤمن انفراديًّا، ويجب ألَّا يكون توّاقًا لإثبات الذات.
- “إنَّ إثبات الذات هو نقيض ما يقوله الرسول.” لويد جونز (Lloyd-Jones)
- يجب ألَّا يكون المؤمن انتهازيًّا.
- يجب أن نتمتّع بـ ’روح الفريق.‘
- يجب أن نكون سعداء عندما ينجح شخص آخر أو يُبلى بلاءً حسنًا.
- يجب علينا تحمّل مضايقاتنا وتجاربنا بشجاعة.
- فِي خَوْفِ ٱللهِ: هذه نقطة مهمّة، لأنَّ بولس يكرّر الفكرة طوال القسم المطوَّل الذي يتناول موضوع الخضوع:
- «أَيُّهَا ٱلنِّسَاءُ، ٱخْضَعْنَ لِرِجَالِكُنَّ كَمَا لِلرَّبِّ».
- «أَيُّهَا ٱلْأَوْلَادُ، أَطِيعُوا وَالِدِيكُمْ فِي ٱلرَّبِّ لِأَنَّ هَذَا حَقٌّ».
- «أَيُّهَا ٱلْعَبِيدُ، أَطِيعُوا سَادَتَكُمْ حَسَبَ ٱلْجَسَدِ بِخَوْفٍ وَرِعْدَةٍ، فِي بَسَاطَةِ قُلُوبِكُمْ كَمَا لِلْمَسِيحِ».
- تصف الكلمات فِي خَوْفِ ٱللهِ الدافع الذي ينبغي أن يكون وراء الخضوع بعضنا للبعض. إذ ينبغي أن نخضع بعضنا للبعض – فلا نرى أنفسنا بعد الآن بطريقة فردية، بل كوحدة واحدة، كفرقة أو كتيبة – بدافع الاحترام لله الآب والاحترام ليسوع المسيح.
- الدافع وراء الخضوع ليس الكِيَاسَة الاجتماعية، ولا الدافع للخضوع ناموس الله، إنَّما الدافع للخضوع هو احترام يسوع المسيح. إن كنا نحترم يسوع، فعلينا إذًا، أن نخضع بعضنا للبعض لأننا نحب يسوع. ويستخدم بولس مصطلح الـخَوْفِ في هذا المقطع، لكنَّه خَوْف – أي احترام – يتماشى مع المحبّة. إنه خوف من تخييب ظن يسوع، خوف من أنْ نُحزِنه. وهذا يتماشى تمامًا مع المحبّة. فعندما تحترم شخصًا ما حقًّا، تهتم بإرضائه أو تخاف أنْ تخيّب ظنه فيك.
ثالثًا. الحياة الممتلئة بالروح والخضوع والمسؤوليّة في الزواج
“الخطر هو أنّ نفكّر في الزواج بين المؤمنين وكأنَّه مثل زواج باقي الناس، وأنّ الفرق الوحيد هو أنَّ هذين الشخصيّن تصادف أنَّهما مسيحيّان، بينما الآخرون ليسوا كذلك. إن كان هذا لا يزال مفهومنا للزواج، فقد درسنا هذه الفقرة العظيمة دون جدوى. فالزواج المسيحيّ، أي وجهة النظر المسيحيّة للزواج، شيء مختلف جوهريًا عن جميع وجهات النظر الأخرى.” لويد جونز (Lloyd-Jones)
أ ) الآية (٢٢): السلوك في النور يعني خضوع الزوجات لأزواجهن.
٢٢أَيُّهَا ٱلنِّسَاءُ، ٱخْضَعْنَ لِرِجَالِكُنَّ كَمَا لِلرَّبِّ.
- أَيُّهَا ٱلنِّسَاءُ: خاطب بولس ٱلنِّسَاء (أي الزوجات) وتناول مسؤوليّتهن في الزواج المسيحيّ أوّلًا. هذا ليس لأنَّها المشكلة الأكبر أو لأنها تحتاج إلى عناية خاصّة. إنَّما السبب هو أنّ الرسول كان قلقًا بشكل خاصّ من مسألة الخضوع هذه. فهذا هو المبدأ الذي قدّمه في أفسس ٢١:٥. وهذا الجانب من الخضوع له تطبيق خاصّ في حالة الزوجات في الزواج المسيحيّ.
- يستمرّ المنطق نفسه في أفسس ٦، حيث يُخاطِب بولس الأبناء قبل الآباء لأنَّه كان مهتمًا بالخضوع بشكل أساسيّ. ثُمَّ يُخاطِب الرسول العبيد قبل أسيادهم لأنَّه كان مهتمًا بالخضوع بشكل أساسيّ.
- لا شكّ أنَّ الرسول يتابع هنا فكرة أفسس ٢١:٥ «خَاضِعِينَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ فِي خَوْفِ ٱللهِ.» ففي العديد من أجود المخطوطات اليونانيّة القديمة، لا ترد كلمة ’اخضعوا‘ في أفسس ٢٢:٥، إنَّما يقول النصّ ببساطة: أَيُّهَا ٱلنِّسَاءُ لِرِجَالِكُنَّ. فالموضوع هو الخضوع، وبولس قد ركّز على مجال مهم على نحو خاصّ من الخضوع – أي الزواج المسيحيّ، من جانب الزوجة للزوج.
- يبدو كما لو أنَّ بولس قال ما يلي: ’لقد أمرتكم أن تخضعوا بعضكم للبعض بطريقة عامة جدًّا. فإن كنتم قد فعلتم ذلك بطريقة عامة، فكم ينبغي للنِّسَاء بالأحرى أن يفعلن ذلك مع أزواجهنّ في علاقة الزواج الخاصّة هذه.‘
- أَيُّهَا ٱلنِّسَاءُ، ٱخْضَعْنَ: المقصود بـ ٱخْضَعْنَ الاعتراف بأنّ لشخص ما سلطة شرعيّة عليك. فالمقصود أنْ تدرك أنَّ هناك ترتيبًا للسلطة وأنّك جزء من وحدة أو فريق. فأنت كفرد لست أهمّ من عمل الوحدة أو الفريق.
- عندما نخضع لله، ندرك سلطة الله ونتصرّف وفقًا لذلك. وعندما نخضع للشرطة، ندرك سلطة الشرطة ونتصرّف وفقًا لذلك. وعندما نخضع لصاحب العمل، ندرك سلطة صاحب العمل ونتصرّف وفقًا لذلك.
- الخضوع لا يعني الدونيّة، ولا يعني الصمت. الخضوع يعني تبدية المصلحة العامّة على الخاصّة. فالزواج المسيحيّ له هدف، والمطلوب من الفرد تحقيق هذه الهدف، أي طاعة الله وتمجيده. وذلك بأن تقول الزوجة: ’سأُخضِع نفسي لهذا الهدف. فهو أهم من رغباتي الفردية. أنا لا أضع نفسي دون مستوى زوجي، إنَّما أضع نفسي رهن هدف الله لزواجنا في حياتي.‘
- لِرِجَالِكُنَّ: هذا يحدّد مجال خضوع الزوجة. فلا يأمر الكتاب المُقدَّس أبدًا بخضوع عامّ من النساء للرجال في المجتمع. إنَّما يجري تنفيذ هذا الأمر فقط في مجالي المنزل والكنيسة. ولم يأمر الله في كلمته أن يتمتّع الرجال بسلطة حصريّة في مجالات السياسة والأعمال والتعليم، إلخ.
- كَمَا لِلرَّبِّ: هذه عبارة حاسمة تحدّد معنى كل شيء آخر نفهمه في هذا المقطع. فقد كان هناك تفسيران خاطئان رئيسيّان لهذه العبارة، كل منهما ينحاز إلى موقف معيّن.
- أمَّا التفسير الخاطئ الذي ينحاز إلى الزوج فيقول إنَّ كَمَا لِلرَّبِّ تعني أنَّه يجب على الزوجة الخضوع لزوجها كما لو كان هو الله نفسه. والفكرة هي ’أنكِ تخضعي لله في كل شيء دون جدال، لذلك يجب أن تخضعي لزوجك بنفس الطريقة المطلقة.‘ ويعتقد هذا التفسير أنَّ الكلمات ’كَمَا لِلرَّبِّ‘ تحدّد نطاق الخضوع.
- هذا التفسير خطأ. صحيح أنَّ الزوجة تدين للزوج بقدر كبير من الاحترام. ولكن يعبّر بطرس عن ذلك عندما يمدح سارة، زوجة إبراهيم، كمثال على الزوجة الصالحة، حيث كانت تنادي إبراهيم ’سيدي.‘ وهذا لا يعني ’ربّي‘ بمعنى الله. إنَّه مُجَرَّد تعبير عن الاحترام. بَيْدَ أنَّه لا يصل إلى حدّ القول: ’إنك تخضعين لله بالكامل، لذا يجب أن تخضعي لزوجك بنفس الطريقة.‘ ببساطة، لا يقول الكتاب المُقَدَّس في أي موضع إنَّه يجب على شخص الخضوع لشخص آخر بهذه الطريقة. فهناك حدود للخضوع يمكن لربّ العمل أن يتوقّعه منك. وهناك حدود للخضوع يمكن للحكومة أن تتوقّعه منك. وهناك حدود للخضوع يمكن للوالدين أنْ يتوقّعاه من أولادهما. غير أنَّ الكتاب المُقَدَّس لا يأمر أحدًا في أي موضع بالخضوع دون تحفّظ أو استثناء – إلَّا لله والله وحده. ومخالفة هذا الأمر هو عبادة أوثان.
- أما التفسير الخاطئ الذي ينحاز إلى الزوجة فيقول إنَّ كَمَا لِلرَّبِّ تعني: ’سأخضع له طالما يفعل ما يريده الربّ.‘ ثُمَّ تعتقد الزوجة أنَّ وظيفتها تقرير ما يريده الربّ. ويظنّ هذا التفسير أنَّ كَمَا لِلرَّبِّ تحدّد حدود الخضوع.
- وهذا التفسير خطأ أيضًا. صحيح أنّ هناك حدود لخضوع الزوجة، لكن عندما تفسّر الزوجة كَمَا لِلرَّبِّ بهذه الطريقة، يتحوّل الأمر إلى: ’سأخضع لزوجي عندما أتّفق معه. سأخضع له عندما يتّخذ القرارات الصحيحة وينفّذها بالطريقة الصحيحة. لكن عندما يتّخذ قرارًا خاطئًا، فهو ليس في الربّ، لذلك لا يتحتّم عليَّ أنْ أخضع له بعد ذلك.‘ وهذا ليس خضوعًا على الإطلاق. باستثناء هواة الجدل والخصام، يخضع الجميع للآخرين عندما يكونون متّفقين معهم. فالاختبار الحقيقي للخضوع يكون عند الاختلاف معهم.
- كَمَا لِلرَّبِّ: لا تحدّد عبارة ’كَمَا لِلرَّبِّ‘ مدى خضوع الزوجة أو حدود خضوعها. إنَّها تحدّد دافع خضوع الزوجة.
- “معناها: «أيها الزوجات، اخضعن لأزواجكنّ لأنَّ ذلك جزء من واجبكنّ نحو الربّ، لأنَّه تعبير عن خضوعكن للربّ» أو «أيها الزوجات، اخضعن لأزواجكنّ؛ افعلن ذلك بهذه الطريقة؛ افعلن ذلك كجزء من خضوعكنّ للرب». وبعبارة أخرى: أنتنَّ لا تفعلن ذلك من أجل الزوج فقط، بل تفعلن ذلك أساسًا من أجل الربّ نفسه… أنتنَّ تفعلن ذلك من أجل المسيح. أنتنَّ تفعلن ذلك لأنكنَّ تعلمن أنَّه يأمركنَّ بذلك، لأنَّه يحسن في عينيه أن تفعلن ذلك. إنَّه جزء من سلوككنَّ المسيحيّ. إنه جزء من تلمذتكنَّ.” لويد جونز (Lloyd-Jones)
- “من أجل الربّ الذي أمر بذلك، بحيث لا يمكن أن تخضعنَ له دون الخضوع لهم.” كلارك (Clark)
- كَمَا لِلرَّبِّ تعني أنَّ:
- خضوع الزوجة لزوجها هو جزء من حياتها وطاعتها المسيحيّة.
- عندما لا تطيع الزوجة أمر ٱخْضَعْنَ لِرِجَالِكُنَّ كَمَا لِلرَّبِّ، فإنها لا تقصّر في واجبها كزوجة فقط، بل هي مقصّرة في تبعيتها ليسوع المسيح.
- هذا خارج عن طبيعة الزوجة أو شخصيّتها تمامًا.
- هذا لا علاقة له بذكاء الزوج أو مواهبه أو قدرته. إنّما الأمر يتعلّق بإكرام الربّ يسوع المسيح.
- هذا لا علاقة له بما إذا كان الزوج على حقّ في مسألة معيَّنة أم لا. إنّما الأمر يتعلّق بكون يسوع على حقّ.
- أنَّ على المرأة أن تهتم كثيرًا بكيفيّة اختيار زوجها. فبدلًا من البحث عن رجل جذّاب، وبدلًا من البحث عن رجل ثري، وبدلًا من البحث عن رجل رومانسيّ، يجب عليها أوّلًا أن تبحث عن رجل يمكنها احترامه. يتذكّر ج. كامبل مورغان ( Campbell Morgan) قصة سيدة مؤمنة كبيرة في السنّ لم تتزوج مطلقًا، قالت: ’لم أقابل رجلًا يمكنه أن يكون سيدي.‘ فقد كانت فكرتها صحيحة عن اختيار الزوج المناسب.
- إذا كنتِ تريدين إرضاء يسوع، وإذا كنت تريدين إكرامه، فاخضعي لزوجك كما للربّ.
- “لا يمكن أن يكون هناك دافع على أي عمل أكثر إقناعًا من هذا. فكل زوجة مؤمنة مهتمة بإرضاء الربّ يسوع المسيح أكثر من أي شيء آخر، لن تجد صعوبة في هذه الفقرة. بل في الواقع سيكون من دواعي سرورها أن تنفّذ ما يأمرنا به الرسول هنا.” لويد جونز (Lloyd-Jones)
ب) الآيات (٢٣-٢٤): أسباب خضوع الزوجة المؤمنة.
٢٣لأَنَّ الرَّجُلَ هُوَ رَأْسُ الْمَرْأَةِ كَمَا أَنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا رَأْسُ الْكَنِيسَةِ، وَهُوَ مُخَلِّصُ الْجَسَدِ. ٢٤وَلكِنْ كَمَا تَخْضَعُ الْكَنِيسَةُ لِلْمَسِيحِ، كَذلِكَ النِّسَاءُ لِرِجَالِهِنَّ فِي كُلِّ شَيْءٍ.
- لِأَنَّ: الوصيّة المُقدَّمة في أفسس ٢٢:٥ صعبة. والله يعلم ذلك، لذلك هو يذكر أيضًا أسباب وصيّته. إنَّه يريدنا أن نفهم المبدأ الكامن وراء الوصيّة.
- يجيء أوَّل سبب لخضوع الزوجة المؤمنة لزوجها في أفسس ٢٢:٥ في الكلمات «كما للربّ». والمقصود أنَّ الدافع وراء الخضوع له يجب أن يكون الطاعة والاحترام ليسوع، لا الطاعة والاحترام لزوجها.
- لِأَنَّ ٱلرَّجُلَ هُوَ رَأْسُ ٱلْمَرْأَةِ: يذكر بولس هنا السبب الثاني لخضوع الزوجة. أي أنَّ الزوج هو رَأْسُ ٱلْمَرْأَةِ. وتحمل كلمة رَأْسُ بمعناها الكامل فكرة الرئاسة والسلطة. والمقصود أن يتحمّل الشخص المسؤوليّة المناسبة للقيادة وما يتناسب مع ذلك من استعداد لتقديم حساب. فمن الصواب والملائم أن نخضع لشخص هو رأسنا.
- متى تأمّلنا فكرة الكتاب المُقَدَّس الخاصّة بالرئاسة في مقاطع أخرى مثل كورنثوس الأولى ١١ وتيموثاوس الأولى ٣، وجدنا أنَّ التركيز يقع باستمرار على حقيقة أن الرجل خُلِق أوّلًا، لا المرأة. لذلك فللرجل أولويّة في الخلق. ويؤكد الوحي أيضًا على حقيقة أنَّ المرأة قد صُنِعَت من الرجل، فأُخرِجَت منه كي تتّضح صلتها به، وأنه من المفترض أن تكون معينةً للرجل، معينةً تتناسب معه.
- “لاحظ أنَّ الرسل يؤكّدون على ذلك تأكيدًا شديدًا. أنَّ الرجل خُلِق أوَّلًا. ولكن ليس هذا فقط؛ فقد جُعِل الرجل سيد الخليقة أيضًا. لقد أعطيت هذه السلطة على الخليقة الحيوانية للرجل؛ فالرجل هو الذي دُعِيَ ليمنحهم أسماء. وفيما يلي دلائل تشير على أن الرجل قد وُضِع في مركز القيادة والسيادة والسلطة والقوّة. فهو الذي يتخذ القرارات، وهو الذي يُصدِر الأحكام. وهذا هو التعليم الأساسيّ فيما يتعلّق بهذه المسألة كلها.” لويد جونز (Lloyd-Jones)
- توضّح مقاطع مثل كورنثوس الأولى ٧:١١-١٠ أنَّ الله خلق آدم أوّلًا وأعطاه مسؤوليّة عن حواء، وقد حدث هذا قبل السقوط. لذلك يوضّح هذا المقطع أنَّه قبل السقوط وبعده، أمر الله بوجود أدوار مختلفة بين الزوج والزوجة. والفرق في الأدوار بين الزوج والزوجة ليس نتيجة السقوط، ولا تمحوه حياتنا الجديدة في يسوع.
- “ما يقوله هو أنّ المرأة مختلفة وأنها مكمِّلة للرجل. أمَّا ما يحرّمه فهو أن تحاول المرأة أن تسترجل، أي تحاول التصرّف كرجل أو أن تحاول اغتصاب المكانة والموقع والسلطة التي أعطيت للرجل من الله نفسه. وهذا هو كل ما يقوله. إنَّها ليست عبوديّة. فهو يحض القُرّاء على إدراك ما عيّنه الله.” لويد جونز (Lloyd-Jones)
- “عندما تتزوج امرأة تتنازل عن اسمها وتتّخذ اسم زوجها. وهذا كتابي، وهي عادة العالم أجمع أيضًا. وهذا يعلّمنا عن العلاقة بين الزوج والزوجة. فليس الزوج هو الذي يغيّر اسمه، بل الزوجة.‘ لويد جونز (Lloyd-Jones)
- كَمَا أَنَّ ٱلْمَسِيحَ أَيْضًا رَأْسُ ٱلْكَنِيسَةِ … وَلَكِنْ كَمَا تَخْضَعُ ٱلْكَنِيسَةُ لِلْمَسِيحِ، كَذَلِكَ ٱلنِّسَاءُ لِرِجَالِهِنَّ: يقدّم بولس هنا سببًا ثالثًا لخضوع الزوجة المؤمنة لزوجها. إذ يجب أن تخضع لأنَّ علاقة الزوج والزوجة نموذج للاتّحاد بين يسوع والكنيسة.
- هذه النقطة بسيطة وواضحة. عندنا نموذج لعلاقة الزواج: أي العلاقة بين يسوع والكنيسة. وفي تلك العلاقة، لا جدال في رئاسة يسوع المسيح. وكذلك فإنَّ الزوج هو رئيس ’الفريق‘ الذي يمثّل علاقة الجسد الواحد بين الزوج والزوجة.
- ربَّما لا تريد الزوجة المؤمنة ’رأسًا‘ أو قائدًا للفريق بين الزوج والزوجة. إن كان الأمر كذلك، فإنَّ الزوجة لا تفهم الزواج الكتابيّ، وستعارضه دائمًا بطريقة أو بأخرى. مَثَلُها في هذا مَثَل المؤمن الذي لا يريد أن يكون يسوع ’رأسه.‘
- وَهُوَ مُخَلِّصُ ٱلْجَسَدِ: يمكننا أن نفهم كيف يكون ٱلرَّجُل هُوَ رَأْسُ ٱلْمَرْأَةِ بالطريقة نفسها التي يكون بها ٱلْمَسِيحَ رَأْسُ ٱلْكَنِيسَةِ. ولكن أحيانًا يصعب علينا أن نرى كيف يكون الزوج مُخَلِّصُ ٱلْجَسَدِ بالطريقة التي بها يسوع مُخَلِّصُ ٱلْجَسَدِ، أي الكنيسة.
- يعتقد لويد جونز (Lloyd-Jones) أنَّ بولس استخدم المفهوم الأوسع لكلمة مُخَلِّص، والذي يمكن أن يعني ببساطة «الحافظ». وتخبرنا الآية في تيموثاوس الأولى ١٠:٤ عن أنَّ يسوع هو «مُخَلِّصُ جَمِيعِ ٱلنَّاسِ، وَلَا سِيَّمَا ٱلْمُؤْمِنِينَ». فكيف يمكن أن يكون يسوع مُخلِّص جميع الناس؟ بمعنى أنَّه يحفظ كل الناس ويبارك جميع الناس بخيرات من السماء. وبهذه الطريقة يكون الأزواج مُخلِّصي زوجاتهم. ويكرّر بولس نفس الفكرة في أفسس ٢٨:٥-٢٩: «كَذَلِكَ يَجِبُ عَلَى ٱلرِّجَالِ أَنْ يُحِبُّوا نِسَاءَهُمْ كَأَجْسَادِهِمْ. مَنْ يُحِبُّ ٱمْرَأَتَهُ يُحِبُّ نَفْسَهُ. فَإِنَّهُ لَمْ يُبْغِضْ أَحَدٌ جَسَدَهُ قَطُّ، بَلْ يَقُوتُهُ وَيُرَبِّيهِ، كَمَا ٱلرَّبُّ أَيْضًا لِلْكَنِيسَةِ».
- “إذًا، ماذا يعلّمنا الوحي؟ واضح أنَّه يعلّمنا ما يلي: الزوجة هي التي تحصل على الحفظ والحماية والحراسة والإعالة من الزوج. وهذه هي العلاقة: كما يقوت المسيح الكنيسة ويرعاها، هكذا يقوت الزوج زوجته ويرعاها – ويجب أن تدرك الزوجة أنَّ هذه هي مكانتها في هذه العلاقة.” لويد جونز (Lloyd-Jones)
- ٱلْجَسَدِ: توضِّح صورة ٱلْجَسَدِ مدى أهمّيّة خضوع الزوجة المؤمنة. “يجب ألَّا تتصرّف الزوجة قبل الزوج. فكل التعليم يدلّ على أنَّه هو الرأس، وأنه المتحكم النهائيّ. ولذا فهي لا تتصرّف باستقلال عنه، ولا تتصرّف قبله… ويصحّ أيضًا أن نقول إنَّها يجب ألَّا تؤخّر التصرّف وألا تتوقّف عن التصرّف وألَّا ترفض التصرّف. ارجع إلى تشبيه الجسد. فكّر في شخص أصيب بالسكتة… ذراعه ليست صحيحة، فتقاوم الحركة.” لويد جونز (Lloyd-Jones)
- “يجوز تلخيص ذلك كما يلي: يتلخّص التعليم في أنَّ المبادرة والقيادة هما في النهاية للزوج، ولكن يجب أن يتمّ تنسيق العمل دائمًا. وهذا هو معنى هذه الصورة: العمل منسَّق بينهما ولكنّ القيادة تنحصر في الرأس. فلا يوجد شعور بالدونيّة هنا. والزوجة ليست أدنى من زوجها، إنَّها مختلفة.” لويد جونز (Lloyd-Jones)
- كَذَلِكَ: نرى في هذا المقطع ثلاثة أسباب لخضوع الزوجة لزوجها:
- إنَّه جزء من طاعتها ليسوع (كَمَا لِلرَّبِّ).
- إنَّه يتناسب مع ترتيب الخلق (ٱلرَّجُل هُوَ رَأْسُ ٱلْمَرْأَةِ).
- إنَّه مناسب بسبب نموذج العلاقة بين يسوع والكنيسة (كَمَا أَنَّ ٱلْمَسِيحَ أَيْضًا رَأْسُ ٱلْكَنِيسَةِ… كَمَا تَخْضَعُ ٱلْكَنِيسَةُ لِلْمَسِيحِ).
- السبب الأوَّل مقنع بما يكفي، لكنَّه في حدّ ذاته لا يحسم القضية. فإن كان كل ما عندنا هو كَمَا لِلرَّبِّ، لكان من العدل أن نسأل: ’ألاَ ينبغي للرجال أنْ يعيشوا كَمَا لِلرَّبِّ أيضًا؟ ألَا يجب على الرجال الخضوع لزوجاتهم طاعةً ليسوع بالطريقة نفسها؟‘ حينئذٍ لن يكون لديك «رأس» حقيقيّ للمنزل. وهذا هو الهدف في بعض الزيجات: ’لا أحد يتولَّى زمام المسؤوليّة، فنحن شريكان متساويان. سأخضع لك تارة وتخضع أنت لي تارة. وسنسمح ليسوع أن يكون رأسنا ونعمل على حلّ كل موقف في وقته ونرى من يخضع لمن.‘
- نقولها ببساطة: هذه ليست علاقة زواج كتابيّة. إنَّها تتجاهل الترتيب الأساسيّ للخلق، وتتجاهل نموذج العلاقة بين يسوع والكنيسة. وهذا يقودنا إلى ملاحظة شيء عامّ عن الخضوع: أنَّ مبدأ الخضوع يُعرَض بطرق مختلفة في العهد الجديد.
- يسوع خضع لوالديه (لوقا ٥١:٢).
- الشياطين خضعوا للتلاميذ (لوقا ١٧:١٠).
- يجب على المواطنين الخضوع للسلطة الحكومية (رومية ١:١٣ و ٥، تيطس ١:٣، بطرس الأولى ١٣:٢).
- الكون سيخضع ليسوع (كورنثوس الأولى ٢٧:١٥ و أفسس ٢٢:١).
- الكائنات الروحيّة غير المنظورة تخضع ليسوع (بطرس الأولى ٢٢:٣).
- يجب على المؤمنين الخضوع لقادة الكنيسة (كورنثوس الأولى ١٥:١٦-١٦، عبرانيين ١٧:١٣).
- يجب على الزوجات الخضوع للأزواج (كولوسي ١٨:٣، تيطس ٥:٢، بطرس الأولى ٥:٣، أفسس ٢٢:٥-٢٤).
- يجب على الكنيسة أن تخضع ليسوع (أفسس ٢٤:٥).
- يجب على العبيد الخضوع لأسيادهم (تيطس ٩:٢، بطرس الأولى ١٨:٢).
- يجب على المؤمنين الخضوع لله (عبرانيين ٩:١٢، يعقوب ٧:٤).
- نلاحظ أنَّ الوضع في هذه العلاقات ليست معكوسة. فعلى سبيل المثال، لا يُطلَب من السادة الخضوع للعبيد أبدًا، ولا يُطلَب من يسوع الخضوع للكنيسة أبدًا… إلخ. فاستخدام الكتاب المُقَدَّس لفكرة الخضوع بطريقة ثابتة يوضّح أنَّ الخضوع يحدث ’في اتجاه واحد‘ حسب كيفيّة ترتيب الله لرتب السلطة.
- إذا توقّف بولس عند أفسس ٢٤:٥، لَكان من السهل على الزوجة المؤمنة أن تشعر بأنّ جميع الالتزامات من نصيبها. ولحسن الحظ، يتابع بولس ويوضّح الالتزامات المسيحيّة للأزواج في الزواج. ولكنَّ هذا لا يُعفِي الزوجة المؤمنة من التزاماتها.
- كلٌّ من الزوج والزوجة مدعوّان للموت عن الذات – والخضوع هو طريقة قيام الزوجة بذلك.
- كلٌّ من الزوج والزوجة مدعوّان للتضحية – والخضوع هو طريقة قيام الزوجة بذلك.
- كلٌّ من الزوج والزوجة مدعوّان لرؤية زواجهما كنموذج لعلاقة يسوع بالكنيسة – والخضوع هو طريقة إكرام الزوجة لهذا النموذج.
- كلٌّ من الزوج والزوجة مدعوّان لاحترام ترتيب الخلق – والخضوع هو طريقة تحقيق الزوجة لمكانتها في هذا الترتيب.
- ٱلنِّسَاءُ لِرِجَالِهِنَّ فِي كُلِّ شَيْءٍ: يقول بولس إنَّ الزوجة يجب أن تخضع لزوجها فِي كُلِّ شَيْءٍ. فهل يعني هذا حقًّا كُلِّ شَيْءٍ؟ يجب فهم هذا بنفس الطريقة التي نفهم بها الخضوع في المجالات الأخرى. فمثلاً، عندما يقول بولس في رومية ١٣ إنَّه على المؤمن الخضوع للدولة، فإننا نفهم أنَّ هناك استثناءات. إذًا، ما هي الاستثناءات؟
- عندما يطلب الزوج من الزوجة أو يتوقّع منها أن تخطئ، فإنها في حِلّ من التزامها بالخضوع. وينطبق هذا على الخطيّة الكتابيّة الواضحة – مثل توقيع إقرار ضريبي مزيَّف. وينطبق هذا أيضًا على مسائل الضمير المسيحيّ الحقيقيّة. ولكن يجب أن نحترس جدًّا في التمييز بين الضمير المسيحيّ الحقيقيّ ومجرد الرأي. بَيْدَ أنَّه لا يتعيّن على الزوجة الخضوع إذا طُلِب منها ارتكاب خطيّة.
- عندما يكون الزوج عاجزًا طبيًا أو مجنونًا، فهي في حِلّ من التزامها بالخضوع. إذ لا يتعيّن على الزوجة الخضوع للطلبات التي يقدّمها الزوج عندما يكون مجنونا أو عاجزًا طبّيًّا.
- عندما يكون الزوج معتادًا على الاعتداء جسديًّا على الزوجة أو الأطفال وتهديد سلامتهم، تكون الزوجة في حِلّ من التزامها بالخضوع. إذ ليس عليها أن تخضع للعنف.
- عندما يفسخ الزوج رباط الزواج بالزنا. فمن الواضح أنَّه لا يتعيّن على الزوجة الخضوع لزنا زوجها أو أنْ تقبله. ويقول الكتاب المُقَدَّس إنَّ لها الحق في ’الخروج من تحت رتبته‘ في مثل هذه الحالات. “إذا ارتكب الزوج خطيّة الزنا، فلم تعد الزوجة ملزمة بتقديم الطاعة له في كل شيء. ويمكنها أن تطلّقه، فالكتاب المُقَدَّس يسمح لها بعمل بذلك. ويحقّ لها أن تفعل ذلك لأنَّ الزنا يفسخ الوحدة ويكسر العلاقة. فهما الآن منفصلان ولم يعودا واحدًا. فقد كسر الزوج الوحدة وخرج منها. لذلك يجب علينا ألَّا نفسر هذه الآية على أنَّها تعلّم بأنّ الزوجة مرتبطة بصورة لا رجعة فيها بزوج زانٍ بقية حياتها. وقد تختار أن تظلّ معه – هذا القرار متروك لها. كل ما أقوله هو أن هذه الآية لا تأمر بذلك.” لويد جونز (Lloyd-Jones)
ج) الآية (٢٥أ): الأمر البسيط للزوج المؤمن: أحبّ زوجتك.
٢٥أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ، أَحِبُّوا نِسَاءَكُمْ…
- ٱلرِّجَالُ، أَحِبُّوا نِسَاءَكُمْ: كلام بولس للأزواج المؤمنين يضمن صحّة تفسير كلامه السابق للزوجات. فعلى الرغم من ضرورة خضوع الزوجات لأزواجهن، إلَّا أنَّ ذلك لا يُبيح للأزواج الاستبداد على زوجاتهم أبدًا.
- وفقًا لتيموثاوس الثانية ٧:١، أعطانا الله روح القوّة – ولكن روح المحبّة أيضًا. وينبغي دائمًا أن تمارس القوة في الحياة المسيحيّة في المحبّة. “إنها ليست قوّة مجرَّدة وليست قوّة ديكتاتور أو طاغية، وليست فكرة رجل يستأثر لنفسه بحقوق معيَّنة فيدوس على مشاعر زوجته… إلخ، ويجلس في المنزل كدكتاتور… لا يحقّ لأي زوج أن يقول إنَّه رأس الزوجة إلَّا إذا كان يحبّ زوجته… لذا فإنَّ مُلك الزوج ينبغي أن يكون مُلكًا وحُكمًا قائمًا على المحبّة؛ إنَّها قيادة قائمة على المحبّة.” لويد جونز (Lloyd-Jones)
- أَحِبُّوا نِسَاءَكُمْ: استخدم بولس الكلمة اليونانيّة القديمة أغاپِي (agape). وقد كان لقدماء اليونان أربع كلمات مختلفة نترجمها بـالمحبّة. فمن المهمّ أن نفهم الفرق بين تلك الكلمات، ولماذا اختار الرسول بولس كلمة أغاپِي (agape) اليونانيّة هنا.
- كانت إيروس (Eros) إحدى الكلمات التي تعني الحب. وهي تصف الغرام الجنسيّ، أي العشق المدفوع بالرغبة.
- وكانت ستورغِي (Storge) ثاني كلمة بمعنى الحب. إنَّها تشير إلى محبّة الأسرة، أي المحبّة القائمة بين الوالد والطفل أو بين أفراد الأسرة بشكل عامّ. إنها الحنان المدفوع بصلة الدم.
- أمَّا فيليا (Philia) فهي الكلمة الثالثة بمعنى الحب. وتدلّ على الصداقة والمودة الأخوية. إنَّها محبّة الصداقة والشراكة العميقة. وقد تُوصَف بأنها أسمى أنواع المحبّة التي يقدر الإنسان عليها بدون مساعدة الله. إنَّها التعلُّق أو المَيل المدفوع بالاهتمامات المشتركة والأُلْفَة.
- وأغاپِي (agape) هي الكلمة الرابعة بمعنى الحب. وتدلّ كلٌّ من إيروس وستورغِي وفيليا على المحبّة المحسوسة، أي أنَّها تصف المحبّة ’الغريزيّة،‘ المحبّة التي تنبع تلقائيًّا من القلب. ويفترض بولس أنَّ إيروس (الرغبة) وفيليا (التعلُّق) موجودان. وعلى المؤمنين ألَّا يتصرّفوا كما لو كانت هذه الأشياء لا تهم في العلاقة الزوجيّة. بل هي مهمّة جدًّا. إنَّما المغزى الحقيقيّ الذي قصده بولس هو نوع أسمى من المحبّة، محبّة الأغاپِي. فتصف أغاپِي نوعًا مختلفًا من المحبّة. إنَّها محبّة تتعلّق بالقرار أكثر منها بالحبّ العفويّ. إنَّها مسألة عقل وقلب معًا، لأنَّها تختار أن تحب غير المستحقّين.
- “أغاپِي لها علاقة بالعقل: إنَّها ليست مُجرَّد عاطفة تجيش في قلوبنا؛ إنَّها مبدأ نعيش به عن قصد.” باركلي (Barclay). لا علاقة للأغاپِي بالمشاعر – إنَّما هي متعلّقة بالقرارات.
- من حيث المعنى الدقيق للكلمة، لا يمكن تعريف أغاپِي بأنَّها ’محبّة الله،‘ لأنَّه يقال إنَّ البشر يحبّون (أغاپاؤو) الخطيّة والعالم (يوحنا ١٩:٣ و يوحنا الأولى ١٥:٢). بَيْدَ أنَّه يمكن تعريفها بأنها محبّة مضحّية معطاءة ومُسْتَحْوِذة. فالكلمة ليس لها علاقة تُذكَر بالعاطفة؛ إنَّما تربطها علاقة كبيرة بإنكار الذات من أجل الآخر.
- هي محبّة تحب دون تغيير.
- هي محبّة باذلة للنفس دون طلب أو توقّع الردّ.
- هي محبّة كبيرة إلى درجة أنَّها يمكن أنْ تُمنَح لغير المحبوبين أو غير الجذّابين.
- هي محبّة تحب حتّى عندما تُلاقَى بالرفض.
- محبّة الأغاپِي تعطي وتحب لأنَّها تريد ذلك؛ فلا تطلب أو تتوقّع عائد نظير المحبّة المُقدَّمة. إنَّها تعطي لأنَّها تحب، ولا تحب من أجل الحصول على مقابل.
- يمكننا أن نقرأ هذا المقطع ونعتقد أنَّ بولس يقول: ’أيها الأزواج، كونوا لطفاء مع زوجاتكم‘ أو ’أيها الأزواج، كونوا ظرفاء مع زوجاتكم.‘ ليس هناك شكّ في أنَّ ذلك سيسبّب تحسّنًا ضخمًا في العديد من الزيجات. ولكنّ هذا ليس ما كتب عنه بولس. ما كان يقصده حقًّا هو: ’أيها الأزواج، قرّروا باستمرار ممارسة إنكار الذات من أجل زوجاتكم.‘
د ) الآيات (٢٥ب-٢٧): معيار ومثال محبّة الزوج المؤمن.
٢٥… كَمَا أَحَبَّ الْمَسِيحُ أَيْضًا الْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا، ٢٦لِكَيْ يُقَدِّسَهَا، مُطَهِّرًا إِيَّاهَا بِغَسْلِ الْمَاءِ بِالْكَلِمَةِ، ٢٧لِكَيْ يُحْضِرَهَا لِنَفْسِهِ كَنِيسَةً مَجِيدَةً، لاَ دَنَسَ فِيهَا وَلاَ غَضْنَ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذلِكَ، بَلْ تَكُونُ مُقَدَّسَةً وَبِلاَ عَيْبٍ.
- كَمَا أَحَبَّ ٱلْمَسِيحُ أَيْضًا ٱلْكَنِيسَةَ: يُعتَبر موقف يسوع من الكنيسة نمطًا لمحبّة الزوج المؤمن لزوجته. وهذا يدلّ على أنَّ الزواج الخاوي من المحبّة لا يرضي الله ولا يحقّق قصده. فهذه هي المحبّة الممنوحة لغير المستحِقّ. وهذه هي المحبّة الممنوحة أوَّلًا. وهذه هي المحبّة التي قد تُرفَض، لكنَّها لا تزال تحبّ.
- “لعلّ بعض الأزواج يقولون: «كيف أستطيع أن أحب زوجتي؟» لعَلَّ أحد المؤمنين قد دخل تحت نير مع آخر غير مؤمن، ووجد نفسه مقيَّدًا إلى الأبد مع شخص سيّء التصرّف، عكر المزاج، سليط، ووقح. فيقول: «أنا بالتأكيد مُعفَى من المحبّة في مثل هذه الحالة. فلا يمكن أن يتوقّع أحد مني أن أحب ما هو قبيح في حدّ ذاته». ولكن لاحظ، يا عزيزي، حكمة الرسول. إنَّه يُسكِت هذا العذر، الذي رُبَّما خطر بباله أثناء كتابة المقطع، إذ ضرب مَثَل المخلِّص الذي أحب، ليس لأنّ كنيسته كانت جميلة، ولكن ليجعلها جميلة.” سبيرجن (Spurgeon)
- كَمَا أَحَبَّ ٱلْمَسِيحُ أَيْضًا ٱلْكَنِيسَةَ: يجوز القول إنَّ بولس علّم عن شيئين هنا دفعة واحدة. فعلّم أولًا عن طبيعة العلاقة بين الزوج والزوجة، وعلم ثانيًا عن العلاقة بين المسيح وكنيسته. وكل منهما توضّح مبادئ مهمّة عن الآخر.
- توضّح أنَّ يسوع يحبّ كنيسته محبّة خاصّة. فيسوع يحب العالم وهو قد مات من أجل العالم؛ ولكن كما يجوز للزوج أنْ يكنّ محبّة عامّة للجميع، يجب أن يخصّ عروسه بمحبّة خاصّة.
- “أطلب إليكم أن تلاحظوا ما لا ينطبق على الزوج والزوجة دائمًا: أنَّ الربّ يسوع يحبّ كنيسته بدون أنانيّة، أي أنَّه لم يحبها أبدًا على ما تمتلكه، بل أحبّها لذاتها. كلا، بل يجب أن أذهب أبعد من ذلك فأقول إنَّه لم يحبها لذاتها، بل أحبّها من أجل ما سيصنعه منها حين يجعلها هدفًا لحبه. إنَّه لا يحبها من أجل ما ينتفع به منها أو معها، بل على ما يمنحه إياها. إنَّ محبّته أقوى محبّة في الوجود كلّه.” سبيرجن (Spurgeon)
- باستخدام محبّة الزوج المثالي كنموذج، يسعنا القول إنَّ يسوع يملك محبّة ثابتة لشعبه، ومحبّة دائمة لشعبه، ومحبّة قلبيّة لشعبه.
- وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لِأَجْلِهَا: إنَّ عمل يسوع تجاه الكنيسة هو نمط ثابت. وهذا يساعدنا في تحديد ما تدور حوله محبّة الأغاپِي: إنَّها محبّة مضحّية بالذات. فكيف يحب الزوج زوجته؟ كَمَا أَحَبَّ ٱلْمَسِيحُ أَيْضًا ٱلْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لِأَجْلِهَا. وماذا يتضمّن ذلك؟ لعل أفضل تصريح يتعلّق بهذه المسألة هو ما جاء في فيلبّي ٥:٢-٨، حيث يتجلَّى أنَّ تركيز يسوع كان على الكنيسة. فإنه فعل ما فعله لأجل الكنيسة، لا لأجل نفسه.
- «فَلْيَكُنْ فِيكُمْ هَذَا ٱلْفِكْرُ ٱلَّذِي فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ أَيْضًا: ٱلَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ ٱللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلًا لِلهِ. لَكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ ٱلنَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي ٱلْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ، وَأَطَاعَ حَتَّى ٱلْمَوْتَ، مَوْتَ ٱلصَّلِيبِ». (فيلبّي ٥:٢-٨).
- هذه الكلمة ضروريّة لاسِيَّما للأزواج الذين يرون في الرئاسة والخضوع بحسب المفهوم الدنيويّ بدلًا من المفهوم الإلهيّ. فيعتقد بعض الأزواج أنَّه نظرًا لقول الله إنَّهم رأس البيت وإنّ الزوجة ملزمة بالخضوع لهم، فليس من الضروريّ أن يتواضعوا وأن يضعوا حياتهم ويضحّوا من أجل مصلحة زوجاتهم. إنَّهم بحاجة إلى فهم الاختلاف في التفكير بين الرئاسة الدنيويّة والرئاسة التقيّة (الروحيّة).
- الرئاسة الدنيويّة تقول: ’أنا رأسك، لذلك عليك أنْ تتلقّي أوامرك مني وأن تفعلي ما أريد.‘
- الرئاسة التقيّة تقول: ’أنا رأسك، لذلك يجب أن أهتم بك وأخدمك.‘
- الخضوع الدنيويّ يقول: ’يجب أن تخضعي لي، وها قائمة بالأشياء التي أريدك أن تفعليها من أجلي.‘
- الخضوع التقيّ يقول: ’يجب أن تخضعي لي، لذلك أنا مسؤول أمام الله عنك. ويجب أن أهتم بك وأخدمك.‘
- ليست هذه ذروة المحبّة الرومانسيّة كما يعرفها العالم. فهي ليس محبّة تعتمد على حُسن المنظر والمظهر واللباقة والظرف. بل هي محبّة تعبّر عن نفسها بالتضحية.
- لِكَيْ يُقَدِّسَهَا، مُطَهِّرًا إِيَّاهَا بِغَسْلِ ٱلْمَاءِ بِٱلْكَلِمَةِ: عندما أَسْلَمَ يسوع نَفْسَهُ من أجل الكنيسة على الصليب، فقد وفّر أيضًا تطهيرًا من كل وصمة عار تسبّبها الخطيّة. وبما أنَّ عمل يسوع على الصليب يأتينا بواسطة كلمة الله المكتوبة والكلمة الموعوظ بها، فيمكن القول إنَّنا نتطهّر بِغَسْلِ ٱلْمَاءِ بِٱلْكَلِمَةِ.
- عندما كتب بولس بِغَسْلِ ٱلْمَاءِ بِٱلْكَلِمَةِ، استخدم الكلمة اليونانيّة القديمة ريما (rhema). “صحيح أنَّ الريما لا تتطابق مع اللوغُس، ولكنها تحمل معنى الكلمة المنطوقة بالتحديد… وقد يكون لها معنى الحقّ حالة المناداة به، أي البشارة أو الكلمة الموعوظ بها.” سالموند (Salmond). فهناك تطهير يحدث عند التعرّض لتعليم الكلمة.
- “لا أعتقد أنَّ المقصود هنا هو المعمودية، ولا حتّى على سبيل التلميح. أنا أعلم أن معظم المفسّرين يقولون بذلك. لكني لا أظن أنَّ ذلك صحيح. ومن المذهل أنَّ كلمة واحدة تشرح كل شيء. فالمسيح يقدِّسنا ويطهرنا بغسل الماء، لكن أي نوع من الماء؟ بالكلمة. فالماء الذي يغسل من الخطيّة، أي يطهّر الروح وينقّيها، هو الكلمة.” تشارلز سبيرجن (Charles Spurgeon)، وهو معمداني حتّى النخاع.
- المقصود هنا هو عمل يسوع من أجل الكنيسة. فمن الواضح أنَّ الزوج لا يستطيع أن يطهّر زوجته روحيًّا بالطريقة نفسها التي يطهّر بها يسوع الكنيسة. بَيْدَ أنَّ الزوج يستطيع أن يهتمّ بالصحة الروحيّة لزوجته. وبصفته كاهن البيت، يساعدها في الحفاظ على طهارتها أمام الربّ.
- لِكَيْ يُحْضِرَهَا لِنَفْسِهِ كَنِيسَةً مَجِيدَةً: المقصود أنَّ يسوع نفسه يشارك إمكانيّاته ومستقبله مع عروسه. وكذلك يجب على الزوج المؤمن مشاركة إمكانيّاته ومستقبله مع زوجته. فكما تشارك الزوجة في مستقبل الزوج، هكذا تشارك أيضًا في مستقبل ربنا المجيد.
- “بما أن الكنيسة لا تصلح للمسيح بطبيعتها، فقد قرّر أن يُصلِحها بالنعمة. إذ لا يمكنه أن يدخل في شركة مع الخطيّة، لذلك وجب عليه تطهيرها. فالقداسة الكاملة ضروريّة للغاية في من يجب أنْ تكون عروس المسيح. وهو قد عزم على أنْ يؤهّلها إلى ذلك، ليجعلها أهلاً لأن تكون زوجته إلى الأبد. أمَّا الوسيلة العظيمة التي يسعى بها إلى تحقيق ذلك فهي أنَّه ’أَسْلَمَ نَفْسَهُ لِأَجْلِهَا.‘ سبيرجن (Spurgeon)
- لَا دَنَسَ فِيهَا وَلَا غَضْنَ: الفكرة ليست أنَّ العروس في هذه الحالة قبل يوم الزفاف، بل في يوم الزفاف. فنحن نُجعَل أنقياء بهذه الدرجة في السماء عندما ننضمّ إلى يسوع المسيح بطريقة تفوق كل الخبرات السابقة.
- “يبدو أن الروح القُدُس استنفد قدرة اللغة على وصف هذا الطهارة. فهو يقول: ’لَا دَنَسَ فِيهَا وَلَا غَضْنَ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ!‘ لن تشوبها شائبة مثل البقعة، ولا شائبة يمكن أن تفسَّر بأنها تجاعيد. إنَّما يجب أن تكون حسناء، وسيُجبَر العالم على الاعتراف بأنها كذلك.” سبيرجن (Spurgeon)
- “وعندما يقدّمها إلى نفسه، على مرأى من كل الرئاسات والسلاطين والصفوف المحتشدة وجميع جبابرة السماء الذين يرون هذا المنظر الرائع، فيفحصونها ويتأمّلونها، لن يجدوا فيها عيبًا واحدًا ولا شائبة تشوبها. ومهما أمعنوا الفحص، لن يعثروا على أدنى وصمة من عدم الاستحقاق أو الخطيّة.” لويد جونز (Lloyd-Jones)
هـ) الآيات (٢٨-٢٩): تطبيق المبادئ على واجب الزوج المؤمن
٢٨كَذلِكَ يَجِبُ عَلَى الرِّجَالِ أَنْ يُحِبُّوا نِسَاءَهُمْ كَأَجْسَادِهِمْ. مَنْ يُحِبُّ امْرَأَتَهُ يُحِبُّ نَفْسَهُ. ٢٩فَإِنَّهُ لَمْ يُبْغِضْ أَحَدٌ جَسَدَهُ قَطُّ، بَلْ يَقُوتُهُ وَيُرَبِّيهِ، كَمَا الرَّبُّ أَيْضًا لِلْكَنِيسَةِ.
- كَذَلِكَ… ٱلرِّجَال: في أفسس ٢٢:٥-٢٤، قدّم بولس ثلاثة أسباب على خضوع الزوجة المؤمنة لزوجها. وعند مخاطبة أزواجهن المؤمنين، قدّم بولس أيضًا ثلاثة أسباب على محبتهم لزوجاتهم:
- أوّلًا، يجب أن يحبّوا زوجاتهم بهذه الطريقة لأنَّ هذه هي المحبّة. وقد أشار بولس إلى هذا في أفسس ٢٥:٥ «أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ، أَحِبُّوا نِسَاءَكُمْ».
- ثانيًا، يجب أن يحبّوا زوجاتهم بهذه الطريقة لأنَّ العلاقة بين الزوج والزوجة تتبع مثالاً: أي العلاقة بين يسوع وكنيسته. وقد أشار بولس إلى هذا في أفسس ٢٥:٥-٢٩ «كَمَا أَحَبَّ ٱلْمَسِيحُ أَيْضًا ٱلْكَنِيسَةَ… كَذَلِكَ يَجِبُ عَلَى ٱلرِّجَالِ أَنْ يُحِبُّوا نِسَاءَهُمْ… كَمَا ٱلرَّبُّ أَيْضًا لِلْكَنِيسَةِ».
- أمَّا السبب الثالث فجاء في أفسس ٢٨:٥-٣٢. يجب على الزوج المؤمن أن يحب زوجته بهذه الطريقة لأنه واحد معها، كما أنَّ يسوع واحد مع الكنيسة.
- كَذَلِكَ يَجِبُ عَلَى ٱلرِّجَالِ أَنْ يُحِبُّوا نِسَاءَهُمْ كَأَجْسَادِهِمْ: حرف التشبيه (كَـ أو مثل) هو المهمّ. فبولس لم يقُل: ’كذلك يجب على الرجال أن يحبّوا زوجاتهم بنفس الطريقة التي يحبّوا بها أجسادهم.‘ وهذا من شأنه أن يوفّر تحسَّنًا كبيرًا في العديد من الحالات، ولكنّ هذا ليس المعنى المقصود. إنّما المقصود هو: ’كذلك يجب على الرجال أنْ يحبّوا زوجاتهم لأنهنَّ أجسادهم.‘
- على الزوج أن يحبّ زوجته وكأنها جسمه، جزء من كيانه. فكما كانت حواء جزءًا من آدم، مأخوذة من جانبه، هكذا الزوجة بالنسبة إلى الزوج لأنها جزء منه. إنَّ حقيقة هذا الاتّحاد يجب أن تسيطر على تفكير الزوج وتصرّفاته في إطار الزواج.
- “يعبّر الرسول بهذا الأسلوب كي يرى الزوج أنّه لا يستطيع فصل نفسه عن زوجته. فكما لا يمكنك أنْ تفصل نفسك عن جسمك، هكذا لا يمكنك فصل نفسك عن زوجتك. فيقول الرسول إنَّها جزء منك، فلتتذكّر ذلك دائمًا.” لويد جونز (Lloyd-Jones)
- “ينبغي للزوج أن يدرك أن زوجته جزء منه. وهذا الشعور ليس غريزيًّا، إنّما يجب تعليمه إياه. والكتاب المقدس يعلّم بذلك في جميع أنحائه. أي أنَّ الزوج يجب أن يفهم أنّه هو وزوجته ليسا اثنين، بل واحدًا.” لويد جونز (Lloyd-Jones)
- هذا يعني أنّه كي تنجح العلاقة الزوجية، يجب أن نفكّر ونفهم. فالعالم يعتمد على أفكار رومانسية عن الحب وعلى المشاعر لإنجاح الزواج، دون مطالبة الشخص بأنَّ يفكّر في طبيعة الزواج ويفهمه.
- مَنْ يُحِبُّ ٱمْرَأَتَهُ يُحِبُّ نَفْسَهُ: ببساطة: عندما تحب زوجتك، أنت تفيد نفسك. ولعل من الأفضل التعبير عن ذلك بأسلوب النفي: عندما تهمل زوجتك، أنت تهمل نفسك، وسيعود ذلك بالضرر عليك.
- كلنا نعلم مضارّ الإهمال – مثل إهمال ضوضاء أو مشكلة صيانة في السيارة – وكيف أنّه يعود عليك لاحقًا بالضرر. أيها الأزواج، كم بالحري إهمال زوجاتكم، لأنهنّ جزء منكم. لا يهمل ذراعه المكسورة أو ساقه المريضة إِلَّا أحمق. ومع ذلك هناك الكثيرون من الأزواج الحمقى الذين يؤذون أو يهملون زوجاتهم، فيعانون من جرّاء ذلك.
- “لذلك فعلى المستوى العملي، ينبغي أنْ تكون الزوجة جزءًا من تفكير الزوج. فلا يفكّر في نفسه بمعزل أو انفصال عنها. وما أن يفعل ذلك، حتّى يُخلّ بأهمّ مبدأ للزواج. ويجوز القول إنَّ الرجل بمُجَرَّد أنْ يفكّر في نفسه بمعزل عن زوجته، يكسر رابطة الزواج. ولا حقّ له أن يفعل ذلك! إن جاز التعبير، لا يمكنه عمل ذلك، لأنَّ زوجته جزء منه. ولكن إذا حدث ذلك، فمن المؤكَّد أنّه سيُلحِق ضررًا شديدًا بزوجته. وذلك الضرر يصيبه هو نفسه لأنها جزء منه.” لويد جونز (Lloyd-Jones)
- فَإِنَّهُ لَمْ يُبْغِضْ أَحَدٌ جَسَدَهُ قَطُّ، بَلْ يَقُوتُهُ وَيُرَبِّيهِ: أي إنسان ذي عقل راجح يرعى جَسَدَهُ، حتّى وإن اقتصرت الرعاية على المأكل والملبس والعناية فقط. وهو يعرف أنّه لو لم يفعل ذلك، عانَى أشدّ المعاناة. وبنفس الطريقة، ما أنْ نعرف الحقيقة الكتابية لهذه الوحدة، وكنا ذوي عقول راجحة، فإننا نغذّي زوجاتنا ونرعاهنَّ لأنهنَّ أجزاء منا.
- كَمَا ٱلرَّبُّ أَيْضًا لِلْكَنِيسَةِ: مبدأ الوحدانيّة هو السائد أيضًا في العلاقة بين يسوع وشعبه.
- هناك وحدانيّة الحياة: نحن نشارك في نفس القيامة النابضة بالحياة القائمة في يسوع نفسه.
- هناك وحدانيّة الخدمة: نحن نتمتّع بامتياز أن نكون شركاء في العمل مع ربّنا.
- هناك وحدانيّة الشعور: يسوع يشعر بتعاطف فريد من نوعه معنا، ونحن نشعر بتعاطف فريد من نوعه معه.
- هناك وحدانيّة الضرورة المتبادلة: فنحن لا نستطيع أن نوجد بدونه وهو لا يستطيع أنْ يوجَد بدوننا، بمعنى أنَّ الفادي ليس فاديًا دون من فداهم. والمخلِّص ليس مخلِّصًا بدون من خلّصهم.
- هناك وحدانيّة الطبيعة: نفس الشفرة الوراثية تربطنا بمخلِّصنا، فنحن شركاء في الطبيعة الإلهيّة.
- هناك وحدانيّة الملكية: نحن نشارك في غِنى مجده، الآن وفي الدهر الآتي على السواء.
- هناك وحدانيّة الحالة الحاضرة: عندما يرتفع مخلِّصنا عاليًا، يرتفع شعبه معه أيضًا.
- هناك وحدانيّة المصير الأبدي: سوف نتمجَّد معه.
و ) الآيات (٣٠-٣٢): الاتحاد الغامض بين يسوع والكنيسة، وعلاقته بالزواج.
٣٠لأَنَّنَا أَعْضَاءُ جِسْمِهِ، مِنْ لَحْمِهِ وَمِنْ عِظَامِهِ. ٣١«مِنْ أَجْلِ هذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا». ٣٢هذَا السِّرُّ عَظِيمٌ، وَلكِنَّنِي أَنَا أَقُولُ مِنْ نَحْوِ الْمَسِيحِ وَالْكَنِيسَةِ.
- لِأَنَّنَا أَعْضَاءُ جِسْمِهِ، مِنْ لَحْمِهِ وَمِنْ عِظَامِهِ: يستكمل بولس التشبيه هنا. أوّلًا، العلاقة بين يسوع والكنيسة خاطبتنا عن علاقة الزوج بالزوجة. أمَّا علاقة الزواج فتخاطبنا عن العلاقة بين يسوع وشعبه.
- مِنْ أَجْلِ هَذَا يَتْرُكُ ٱلرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِٱمْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ ٱلِٱثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا: اقتبس بولس هذا المقطع الضروري من تكوين ٢٤:٢. ونظرًا لصلته الوثيقة بالزواج، فإنَّه يدلّ على أنَّ كما كان أوّل رجل وامرأته واحدًا – فهي قد أُخِذت منه، وبعد ذلك أعيدت إليه – هكذا يمكن أن يقال عن كل رجل متزوج اليوم أنّه يَلْتَصِقُ (يرتبط) بِٱمْرَأَتِهِ. والله هو الذي أنشأ هذه الرابطة. فقد يستاء الأزواج من ذلك، ويمكن أن يقاوموه ويتجاهلوه، لكنّ ذلك لا يغيّر في الحقيقة شيئًا.
- يدلّ هذا على مبدأ أساسيّ يعمل على تعزيز الوحدانيّة في الزواج: أي يجب أن يكون هناك ترك (للمعاشرات السابقة) والتصاق (الارتباط معًا كوحدة واحدة).
- هَذَا ٱلسِّرُّ عَظِيمٌ، وَلَكِنَّنِي أَنَا أَقُولُ مِنْ نَحْوِ ٱلْمَسِيحِ وَٱلْكَنِيسَةِ: من السهل أن نعتقد أنَّ مقطع تكوين ٢٤:٢ (الذي اقتبسه يسوع أيضًا في متى ٥:١٩) يتحدّث عن الزواج فقط. بيد أنَّ بولس يريدنا أن نعرف أنَّه يتحدّث عن العلاقة بين ٱلْمَسِيحِ وَٱلْكَنِيسَةِ أيضًا.
- يصحّ هذا في شأن مثال آدم الأوّل وامرأته. “صُنِعت المرأة في البداية كنتيجة لعملية أجراها الله على الرجل. فكيف تدخل الكنيسة إلى حيّز الوجود؟ كنتيجة لعملية أجراها الله على آدم الثاني، ابنه الوحيد، ابنه الحبيب، على الجلجثة. فقد وقع سُبات عميق على آدم. ووقع سُبات عميق على ابن الله، إذ أسلم الروح، ولفظ أنفاسه الأخيرة، حينئذٍ أثناء تلك العملية استُخرِجَت منه الكنيسة. فكما استُخرِجَت المرأة من آدم، هكذا استُخرِجَت الكنيسة من المسيح. وكما استُخرِجَت المرأة من جنب آدم، هكذا استُخرِجَت الكنيسة من جنب الرب الدامي الجريح.” لويد جونز (Lloyd-Jones)
- كما يصحّ هذا في شأن مثال الزواج عمومًا.
- فإنه يُبيِّن لنا أنَّ يسوع يريد أكثر من مجرد علاقة خارجية سطحية.
- ويُبيِّن لنا أنَّ يسوع يريد منا أن نكون واحدًا مع الله.
- ويُبيِّن لنا أنَّ يسوع – إن جاز التعبير – لا يكتمل بدوننا. فآدم كان غير مكتمل بدون حواء، ويمكننا القول إنَّ حواء تُكمِل آدم وتعوّض الناقص فيه. وهذا بالضبط ما تفعله الكنيسة ليسوع. تقول الآية في أفسس ٢٣:١ عن الكنيسة «ٱلَّتِي هِيَ جَسَدُهُ، مِلْءُ ٱلَّذِي يَمْلَأُ ٱلْكُلَّ فِي ٱلْكُلِّ».
- إنه يدلّ على صلة الوحدانيّة والاتّحاد المشتركة في العلاقتين. “الوحدانيّة، هي جوهر رابطة الزواج. فنحن واحد مع المسيح، الذي جعل نفسه واحدًا مع شعبه.” سبيرجن (Spurgeon)
ز ) الآية (٣٣): تعقيب مُختصَر للأزواج والزوجات.
٣٣وَأَمَّا أَنْتُمُ ٱلْأَفْرَادُ، فَلْيُحِبَّ كُلُّ وَاحِدٍ ٱمْرَأَتَهُ هَكَذَا كَنَفْسِهِ، وَأَمَّا ٱلْمَرْأَةُ فَلْتَهَبْ رَجُلَهَا.
- وَأَمَّا: علَّم بولس أمرين في آنٍ واحد. فهو قد علّم عن الزواج، ولكن أيضًا النمط الإلهيّ للزواج – أي العلاقة بين يسوع وشعبه. لذا ففي أفسس ٣١:٥ و٣٢ ركّز على العلاقة بين يسوع وشعبه وأخذته الحماسة بسبب ذلك. ثُمَّ بدا وكأنّ بولس تذكّر أنَّ موضوعه الأصلي هو الزواج، ولذلك هو يستخدم كلمة وَأَمَّا في أفسس ٣٣:٥.
- كانت هذه الطريقة التي عبّر بها بولس عمّا يلي: ’أنا أعرف أنني خرجت عن الموضوع. لذلك دعونا نعود إلى موضوع الزواج، وسألخّص الأمر لكم. “وَأَمَّا أَنْتُمُ الأَفْرَادُ، فَلْيُحِبَّ كُلُّ وَاحِدٍ امْرَأَتَهُ هكَذَا كَنَفْسِهِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلْتَهَبْ رَجُلَهَا.”
- أَنْتُمُ ٱلْأَفْرَادُ: هذا يعني أنَّ الجميع مشمولون. ويمكننا أن نقول هذا عن كل تعليم يختصّ بالزواج. فمن السهل القول: ’إنني لست هذا النوع من الأشخاص، لذلك فلن أُوفَّق.‘ والأزواج يفعلون ذلك بقولهم: ’أنا شخص غير مُحِبّ.‘ والزوجات يفعلن ذلك بقولهنَّ: ’أنا لست من النوع الخاضع.‘ ولكن بصرف النظر عن مزاجنا الطبيعي، عندنا هدف نصوِّب عليه، وإن فَلْيُحِبَّ كُلُّ وَاحِدٍ معناها أن نثبِّت جميعًا عيوننا على الهدف الذي أعلنه لنا الكتاب المُقدَّس.
- ليُحِبَّ كُلُّ وَاحِدٍ ٱمْرَأَتَهُ هَكَذَا كَنَفْسِهِ: شدّد بولس مَرَّة أخرى على الوحدانيّة التي يجب على الزوج أن يعترف بها ويسمح لها بتشكيل فكره وتصرّفاته.
- “الوحدانيّة هي المبدأ المركزي في الزواج؛ وبسبب عدم فهم الكثيرين من الناس في العصر الحديث لِمَا ينطوي عليه الزواج، من وجهة نظر الوحدانيّة، تجدهم يتهوّرون ويخالفون وعودهم وتعهداتهم، حتّى أصبح الطلاق واحدة من كبرى مشكلات العصر. لأنهم لم يُبصروا هذه الوحدانيّة قط. إنَّهم لا يزالون يفكّرون في أنفسهم كأفراد، ومن ثَمَّ تجد شخصين يطالب كلٌّ منهما بحقوقه، فتحدث الصدامات والخصام والانفصال. لذا يقول بولس إنَّ حلّ كل ذلك هو أنْ نفهم مبدأ الوحدانيّة العظيم هذا.” لويد جونز (Lloyd-Jones)
- “قد أُعطِيَ الرجل مكان الكرامة والقيادة والرئاسة. وإذا فهم معنى ذلك لَمَا أساء استغلاله أبدًا بأن يكون قاسيًا أو ديكتاتوريًّا أو فظًّا أو ظالمًا. ذلك أنَّ هذا السلوك هو إنكار لمبدأ الزواج، ودليل على غياب الروح القدس.” لويد جونز (Lloyd-Jones)
- وَأَمَّا ٱلْمَرْأَةُ: دعا بولس الزوجة هنا إلى الانتباه على نحو خاصّ. فقد تكون هذه نقطة يلتمس فيها العديدات من الزوجات العذر لأنفسهنَّ، ولكنّ بولس أكد: ’وَأَمَّا ٱلْمَرْأَةُ.‘ (أي: وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ زَوْجَةٍ…).
- وَأَمَّا ٱلْمَرْأَةُ فَلْتَهَبْ رَجُلَهَا: هذه الكلمة فَلْتَهَبْ (فلتحترم) هي نفس الكلمة التي تُستخدَم كثيرًا بمعنى التبجيل والهيبة التي شعر بها التلاميذ تجاه يسوع. صحيح أنّه تصريح شديد اللهجة، ولكنه يدلّ على أنَّ الزوجة يجب أن تحترم الزوج احترامًا شديدًا.
- “استخدم الرسول كلمة شديد اللهجة هنا. يحق ترجمتها فعلاً بالـ ’هيبة.‘ ولكنّ الكلمة تعني حقًّا ’الخوف.‘ ’وأمَّا المرأة فلتخف زوجها.‘ ولكننا يجب أن نتذكّر أنّ هناك أنواعًا مختلفة من الخوف… فهو يقصد الخوف ’التبجيلي.‘ وما يقصده حقًّا هو ’الاحترام‘، ’الطاعة بدافع التبجيل.‘” لويد جونز (Lloyd-Jones)
- “على الزوجة معاملة زوجها باحترام، بمعنى أنْ تدرك هذه النظرة الكتابية والمسيحية للزواج، فتعتبر زوجها رأسًا لها، رأس هذه الوحدة الجديدة. هما الاثنان واحد، ولكنَّ هناك رئيسًا للوحدة، كما أنَّ هناك رأسًا لجسدنا، وكما أنَّ المسيح هو رأس الكنيسة.” لويد جونز (Lloyd-Jones)
- وَأَمَّا أَنْتُمُ ٱلْأَفْرَادُ، فَلْيُحِبَّ كُلُّ وَاحِدٍ ٱمْرَأَتَهُ هَكَذَا كَنَفْسِهِ، وَأَمَّا ٱلْمَرْأَةُ فَلْتَهَبْ رَجُلَهَا: إذا لخّصنا رسالة بولس في هذا المقطع العظيم في مبدئين يتحكّمان في تفكيرنا وتصرّفاتنا كأزواج، قلنا:
- للزوج: افهم أنَّك أنت وزوجتك واحد، وحدة واحدة.
- للزوجة: افهمي أنَّ وحدتك لها رأس – هو زوجك.
- الزوجات يُسرِعن فيتبنّين ويفهمن المبدأ الخاصّ بالزوج، ويردن أنْ يكون ذلك المبدأ المتحكّم في الزواج.
- أمَّا الأزواج فيسرعون في تبنّي وفهم المبدأ الخاصّ بالزوجة، ويريدون أنْ يكون ذلك المبدأ المتحكم في الزواج.
- ولكن يجب أنْ يسمح كلٌّ منا لمبدئه أنْ يتحكّم فينا. فعندما يفكّر الزوج، قائلاً: ’أنا واحد مع زوجتي، ويجب أن أفكّر وأتصرّف بهذه الطريقة،‘ وتفكّر الزوجة، قائلةً: ’زوجي هو رأس وحدتنا، وينبغي أنْ أحترمه وأبجّله باعتباره الرأس،‘ يكون عندنا زواج كتابي صحي.
- “إن أسمى شيء دائمًا هو وضع الرب يسوع المسيح في الاعتبار. فإذا وضعه الزوج والزوجة معًا في الاعتبار، لا يكون هناك خطر على علاقتهما الواحد منهما مع الآخر.” لويد جونز (Lloyd-Jones)