رسالة أفسس – الإصحاح ٦
السلوك في النور ومحاربة الظلمة
أوّلًا. الحياة الممتلئة بالروح ومجالان خاصّان آخران من مجالات الخضوع
أ ) الآيات (١-٣): الحياة الممتلئة بالروح وعلاقة الوالدين بأولادهم.
١أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، أَطِيعُوا وَالِدِيكُمْ فِي الرَّبِّ لأَنَّ هذَا حَقٌّ. ٢«أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ»، الَّتِي هِيَ أَوَّلُ وَصِيَّةٍ بِوَعْدٍ، ٣«لِكَيْ يَكُونَ لَكُمْ خَيْرٌ، وَتَكُونُوا طِوَالَ الأَعْمَارِ عَلَى الأَرْضِ».
- أَيُّهَا ٱلْأَوْلَادُ، أَطِيعُوا وَالِدِيكُمْ: الأمر بسيط. على الأولاد أن يُطِيعُوا وَالِدِيهم. ولا يعني هذا أنَّ مسؤوليّة الأولاد أنْ يطيعوا فقط، ولكن أنَّ مسؤوليّة الوالدين تعليم أولادهم الطاعة – وهي من أهمّ وظائف الوالدين.
- نحن لا نحتاج إلى تعليم أولادنا العصيان لأنهم ورثوا الميل إلى الخطيئة من آدم – أمَّا الطاعة فيجب أن تُعلَّم.
- ولكن من الضروري على الوالدين تعليم الطفل الطاعة، حتّى يترعرع الطفل عارفًا كيف يطيع الله حتّى وإن كان لا يفهم كل شيء أو لا يريد ذلك.
- هذا هو الغرض كله من تأديب الوالدين للطفل. فالعصيان يجب أن يُعاقَب، حتّى يمكن تعلُّم الطاعة.
- فِي ٱلرَّبِّ لِأَنَّ هَذَا حَقٌّ: يقدّم الرسول سببين على طاعة الأولاد والديهم. أوّلًا، عليهم طاعتهم فِي ٱلرَّبِّ. وهذا يعني أنَّ طاعتهم جزء من الطاعة المسيحية، على غرار الأمر للزوجة بالخضوع لزوجها «كما للرب» (أفسس ٢٢:٥). أمَّا السبب الثاني فهو أنَّه ببساطة حَقٌّ على الأولاد أنْ يطيعوا الوالدين.
- معنى «أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ» قد يتغيّر ونحن ننمو إلى مرحلة البلوغ، ولكنّ المبدأ يظلّ دائمًا ثابتًا. فالطفل الذي بلغ لا يدين للوالدين بالطاعة، ولكنه يدين لهما بالإكرام والاحترام.
- “متى تحطّمت روابط الحياة الأسرية، ومتى انقطع احترام الوالدين، انحطّ المجتمع وبات دماره قريبًا” فولكس (Foulkes)
٣. أَوَّلُ وَصِيَّةٍ بِوَعْدٍ: عزّز بولس هذه الفكرة بالإشارة إلى تثنية ١٦:٥، حيث وعد الله بمباركة الابن المطيع.
- لقد اعتاد المسيحيون تقسيم الوصايا العشر إلى الأربع الأولى (الموجَّهة نحو الله) والست الأخيرة (الموجَّهة نحو إخواننا في البشرية). ولكنَّ اليهود يقسّمون الوصايا إلى مجموعتين في كلّ مجموعة خمس وصايا، معتبرين أنَّ وصية أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ فريضة نحو الله لا نحو البشر.
ب) الآية (٤): كيف يسلك الآباء في النور: بعدم إغاظة أولادهم.
٤وَأَنْتُمْ أَيُّهَا ٱلْآبَاءُ، لَا تُغِيظُوا أَوْلَادَكُمْ، بَلْ رَبُّوهُمْ بِتَأْدِيبِ ٱلرَّبِّ وَإِنْذَارِهِ.
- لَا تُغِيظُوا أَوْلَادَكُمْ: يملك الآباء بالتأكيد الفرصة لإِغاظَة أَوْلَادَهم، وذلك من خلال موقفهم القلبي القاسي والانتقادي الذي يعذّب الطفل بدلًا من تدريبه. ولكن لا يجب أنْ يتصرَّف الوالدان المؤمنان بهذه الطريقة أبدًا.
- “لقد استحدث الإنجيل عنصرًا جديدًا في مسؤوليّة الآباء، وذلك بالإصرار على مراعاة مشاعر الطفل. وفي مجتمع كانت سلطة الأب فيه مطلقة، كان هذا مفهومًا ثوريًّا.” وود (Wood)
- تُغِيظُوا أَوْلَادَكُمْ: هذا النوع القاسي من التربية، الذي يرفضه بولس، يوفِّر مبرِّرًا لا داعي له لتمرد الطفل الطبيعي.
- “عندما تؤدّب طفلاً، يجب أن تكون قد سيطرت على نفسك أوّلاً… أيّ حق عندك حين تقول لابنك إنّه يحتاج إلى تأديب بينما من الواضح أنك أنت من يحتاج إليه؟” لويد جونز (Lloyd-Jones)
- رَبُّوهُمْ بِتَأْدِيبِ ٱلرَّبِّ وَإِنْذَارِهِ: هذا لا يعني مُجرَّد توبيخ أولادك على سبيل الإِنْذَارِ. وإنّما المقصود تدريبهم ونصحهم. فيجب مزج التشجيع والتوبيخ بالتدريب والتعليم.
- هذه إحدى مسؤوليّات الآباء. إذ يجب أَلاَّ يهملوا مسؤوليّة تعليم أولادهم وأن يكونوا قدوة روحية لهم. وهذه ليست مسؤوليّة يمكن تركها للأم أو لمدرسة الأحد.
- تَأْدِيبِ هي نفس الكلمة المستخدمة في عبرانيين ٥:١٢-١١. وهي تحمل معنى التدريب عن طريق التأديب التصحيحي. أمَّا الإِنْذَارِ فيحمل معنى التعليم – وكلاهما ضروري، إِلَّا أنّه من اللافت للنظر أنَّ التَأْدِيب يأتي أوّلًا.
- الجدير بالملاحظة أنَّ التَأْدِيب وَالإِنْذَار يستخدمان على حدّ سواء لوصف القصد من الكتاب المُقدَّس (تيموثاوس الثانية ١٦:٣، كورنثوس الأولى ١١:١٠). فعلى الوالدين تربية أولادهم على كلمة الله.
- رَبُّوهُمْ: هذا الكلمة اليونانية القديمة كانت تستخدم في الأصل بمعنى تغذية الجسم كما في أفسس ٢٩:٥. ولكنّ معناها تطوّر وصارت تُستخدَم بمعنى تغذية الجسم والعقل والروح. والشكل هنا يقترح معنى ’التنمية من خلال الرعاية والأوجاع‘ أو كما ترجمها كالفن (Calvin): ’ارعوهم بحنان.‘
ج) الآيات (٥-٨): كيف يسلك الموظفون في النور: بالعمل كخدّام ليسوع.
٥أَيُّهَا الْعَبِيدُ، أَطِيعُوا سَادَتَكُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ بِخَوْفٍ وَرِعْدَةٍ، فِي بَسَاطَةِ قُلُوبِكُمْ كَمَا لِلْمَسِيحِ ٦لاَ بِخِدْمَةِ الْعَيْنِ كَمَنْ يُرْضِي النَّاسَ، بَلْ كَعَبِيدِ الْمَسِيحِ، عَامِلِينَ مَشِيئَةَ اللهِ مِنَ الْقَلْبِ، ٧خَادِمِينَ بِنِيَّةٍ صَالِحَةٍ كَمَا لِلرَّبِّ، لَيْسَ لِلنَّاسِ. ٨عَالِمِينَ أَنْ مَهْمَا عَمِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْخَيْرِ فَذلِكَ يَنَالُهُ مِنَ الرَّبِّ، عَبْدًا كَانَ أَمْ حُرًّا.
- أَيُّهَا ٱلْعَبِيدُ، أَطِيعُوا… كَمَا لِلْمَسِيحِ: إنَّ عبارة ’كَمَا لِلْمَسِيحِ‘ تغيّر نظرتنا بالكامل نحن العاملين. إنَّها تذكّرنا بأنّ لدينا عمل يمكن – بل ويجب – عمله وكأننا نعمل ليسوع؛ لأننا فعلًا كذلك!
- “جاء الإنجيل إلى هذا العالم ووجد العبودية. وفي العديد من المناطق، لاسيَّما الرومانية واليونانية، كانت العبودية قاسية جدًّا. وعلى الفور، بدأ الإنجيل في تقويض دعائمها بمبادئه العظيمة مثل المساواة بين جميع النفوس في سرّ الإنسانية وكرامتها، والعمل المتساوي للمحبّة الفادية الذي قام به السيد من أجل كل النفوس. ولكنَّ خطته لم تقُم على تحطيم العبودية، بل على إضعاف دعائمها… وهكذا فإنَّ الإنجيل ترك العبودية وشأنها من ناحية، إِلَّا أنّه حكم عليها بالموت من ناحية أخرى.” موول (Moule)
- لَا بِخِدْمَةِ ٱلْعَيْنِ: علينا أَلاَّ نعمل بِخِدْمَةِ ٱلْعَيْنِ (عندما يكون رئيسنا في العمل حاضرًا ومراقبًا) أو كَمَنْ يُرْضِي ٱلنَّاسَ (أولئك الذين لا يهتمون إِلَّا باسترضاء الناس فقط)، ولكن خَادِمِينَ بِنِيَّةٍ صَالِحَةٍ (بموقف قلبي جيد، دون شكوى) كَمَا لِلرَّبِّ، لَيْسَ لِلنَّاسِ.
- المقصود بـ كَمَا لِلرَّبِّ أنْ تُعمَل جميع أعمالنا للرب حقًّا، لا للناس. “النعمة تجعلنا خدّام الله في حين أننا نظلّ خدّام الناس؛ إنَّها تمكّننا من القيام بأعمال السماء بينما نحن نباشر أعمال الأرض. وهي تقدِّس الواجبات العادية للحياة بأنَّ تبيّن لنا كيف نؤدّيها في نور السماء.” سبيرجن (Spurgeon)
- عَامِلِينَ مَشِيئَةَ ٱللهِ: كان العمل اليدوي محتقرًا في الثقافة اليونانية وكان الهدف من النجاح هو الوصول إلى حالة لا يتعيّن على الإنسان فيها القيام بأي عمل. ولكنَّ الحال ليس هكذا في ملكوت الله، حيث يتمتّع العمل الشاقّ والعمل اليدوي بمكانة شريفة.
- يجب أن يقال عن كل مؤمن إنَّه عاملٌ مُجتهدٌ يعمل بأمانة كل اليوم مقابل أجره. وأي عمل دون ذلك ليس سوى سرقة من صاحب العمل.
- فَذَلِكَ يَنَالُهُ مِنَ ٱلرَّبِّ، عَبْدًا كَانَ أَمْ حُرًّا: يذكر بولس سببًا أخيرًا للعمل بجِد للرب. فإنّ الله سوف يردّ لنا بنفس معيار العمل الجاد الذي أدّيناه للغير؛ وهو لن يسمح بتعبنا أنْ يضيع دون مكافأة.
- هذا يرتبط بمبدأ مثير للاهتمام. فعندما يُولَد الناس الولادة الثانية، تتغيّر حياتهم فيزدادون اجتهادًا في العمل ويقل إسرافهم، فيُباركون بذلك ويزدهرون. ولكن بعد الازدهار، نسمح لقلوبنا في الكثير من الأحيان بالابتعاد عن الله، فيؤدّبنا الله بالشدائد، حتّى نتوب، ثُمَّ تبدأ الدورة من جديد. وهي ليست دورة ضرورية، ولكنها شائعة جدًّا.
د ) الآية (٩): كيف يسلك أرباب العمل في النور: بحسن معاملة العاملين لديهم.
٩وَأَنْتُمْ أَيُّهَا ٱلسَّادَةُ، ٱفْعَلُوا لَهُمْ هَذِهِ ٱلْأُمُورَ، تَارِكِينَ ٱلتَّهْدِيدَ، عَالِمِينَ أَنَّ سَيِّدَكُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ مُحَابَاةٌ.
- لكم وَأَنْتُمْ أَيُّهَا ٱلسَّادَةُ، ٱفْعَلُوا لَهُمْ هَذِهِ ٱلْأُمُورَ: يؤمر الأسياد بأن يفعلوا لَهُمْ هَذِهِ ٱلْأُمُورَ نفسها (أي للموظَّفين لديهم). فكما ينبغي للموظفين أنْ يعملوا باجتهاد وصدق لسادتهم، هكذا على السادة أن يعملوا هَذِهِ ٱلْأُمُورَ عينها للعاملين لديهم.
- “وهكذا تفرض رسالة الإنجيل فريضة تَساوِي الالتزامات، في يسوع المسيح، على العبد وعلى مالكه. وسوف يعمل المبدأ عمله دون أي ثورة.‘ موول (Moule)
- تَارِكِينَ ٱلتَّهْدِيدَ: على أرباب العمل أيضًا أنْ يتخلَّوا عن ٱلتَّهْدِيد وغيره من أشكال سوء المعاملة. وهم يفعلون هذا عالمين أنّهم هم أيضًا موظفون لدى السيّد الذي في السماء، وأنه يحكم دون اعتبار للغِنَى أو المنصب.
ثانيًا. محاربة الظلمة
أ ) الآية (١٠): الدعوة إلى مقاومة الشيطان.
١٠أَخِيرًا يَا إِخْوَتِي، تَقَوَّوْا فِي ٱلرَّبِّ وَفِي شِدَّةِ قُوَّتِهِ.
- أَخِيرًا: تأتي هذه الكلمة في نهاية الرسالة – الرسالة التي حدَّد فيها بولس مكانتنا في يسوع بدقة، ثُمَّ أساسيات سلوكنا المسيحي. وهذا هو القسم الأخير التي يتناول فيه هذا السلوك. ويقصد بولس بقوله أَخِيرًا أنّه يتحدّث على ضوء كل ما قد سبق وكتبه.
- على ضوء كلّ ما قد فعله الله لكم.
- على ضوء المكانة المجيدة التي لكم كأولاد لله.
- على ضوء خطته العظيمة للأزمنة التي جعلكم الله جزءًا منها.
- على ضوء خطته للنضج والنمو المسيحيّ الذي يمنحكم إياه.
- على ضوء السلوك الذي يدعو الله كل مؤمن إلى الحياة بموجبه.
- على ضوء ملء الروح وسلوكنا في الروح.
- على ضوء هذا كله، هناك معركة ينبغي خوضها في الحياة المسيحية.
- تَقَوَّوْا فِي ٱلرَّبِّ وَفِي شِدَّةِ قُوَّتِهِ: كتب بولس حرفيًّا: «قوّوا أنفسكم في الربّ». ولعله أخذ الفكرة من صموئيل الأوَّل ٦:٣٠، حيث قيل إنَّ داود «تَشَدَّدَ بِٱلرَّبِّ إِلَهِهِ».
- يقدّم التعليم التفصيليّ عن الحرب الروحيّة في هذا المقطع عنصرين أساسيّين. أوّلًا: يجب أن تَتَقَوَّى فِي ٱلرَّبِّ وَفِي شِدَّةِ قُوَّتِهِ. ثُمَّ يجب عليك أنْ تَلْبَس سِلَاحَ ٱللهِ ٱلْكَامِلَ. والاثنان ضروريّان، وكثيرًا ما يُهمَل العنصر الأوَّل أثناء التعليم عن الجهاد المسيحيّ. فإذا أخذتَ رجلًا ضعيفًا لا يكاد يقف، ووضعت أفضل سلاح عليه، فسيظل جنديًا عديم الكفاءة، وسوف يتعرّض للهزيمة بسهولة. لذا فالتجهيز للجهاد المسيحيّ لا بُدّ أن يبدأ بمبدأ: تَقَوَّوْا فِي ٱلرَّبِّ وَفِي شِدَّةِ قُوَّتِهِ.
- قبل أن يحصل الجندي على سلاح أو يتعلّم كيف يُطلِق قذيفة، ينخرط في التدريب الأساسيّ. ومن الأهداف الرائعة للتدريب الأساسيّ بناء اللياقة البدنية للمجنَّدين. وكأن الجيش يقول: ’يا جندي، سنعطيك أفضل الأسلحة والدروع الممكنة. لكن يجب علينا أوّلًا التأكّد من قوتك وقدرتك على استخدام ما نقدّمه لك.‘
- وَفِي شِدَّةِ قُوَّتِهِ: هذا يرينا من أين نحصل على هذه القوّة. فهذا لا يحدث بمجرد نطق الكلمات، فهي ليست تعويذة أو رُقية. فلا يمكنك التجوّل قائلاً: ’تَقَوَّوْا فِي ٱلرَّبِّ وَفِي شِدَّةِ قُوَّتِهِ‘ مرارًا وتكرارًا فيحدث ذلك. فهذا النوع من الألعاب الذهنية يمكن أن يحقق شيئًا ما، لكنَّه بالتأكيد ليس ما قصده بولس هنا.
- قُوَّته هي القدرة أو الطاقة الكامنة. فالعضلات الكبيرة للرجل المفتول العضلات تُظهِر قوته، حتّى وإن لم يستعملها. وهذا ما يُدعَى باحتياطي القوّة.
- الشِدَّة هي ممارسة القوّة. فعندما يستخدم الرجل المفتول العضلات قوّته لثني قضيب من الحديد، فإنّه يمارس قوته. والمقصود أنَّ احتياطي القوّة يجري استعماله بالفعل.
- الله يملك خزانات واسعة من الشِدَّة يمكن استخدامها كقوّة في حياتنا المسيحيّة. ولكنَّ قُوَّته لا تعمل فيَّ وأنا جالس بلا حِراك، إنَّما تعمل في داخلي حين أعتمد عليها، وأخرج للقيام بالعمل. فيمكنني أنْ أعتمد عليها ولا أقوم بأي عمل. ويمكنني القيام بالعمل دون الاعتماد عليها. ولكني في الحالتين أكون مقصِّرًا. إذًا لا بُدّ لي من الاعتماد على قوّته ثُمَّ أقوم بالعمل.
- الأمر ليس ’أفعل كل شيء والله لا يفعل شيئًا.‘ وليس ’لا أفعل شيئًا والله يفعل كل شيء.‘ وليس ’أفعل كل ما بوسعي، والله يساعدني فيما لا أستطيعه.‘ فكل واحد من هذه المناهج الفكريّة به عيوب. والحلّ هو أني بالإيمان أعتمد على قُوَّته – والاعتماد عليها أكثر فأكثر – ثُمَّ أقوم بالعمل.
- في سلسلة عظاته العظيمة على هذا النص، أورد د. مارتين لويد جونز (D. Martyn Lloyd-Jones) العديد من الطرق التي قد ضيّع بها المؤمنون قوتهم في رأيه. فكأنهم حصلوا على شيء من قوة الله المتاحة، لكنها ببساطة تسرّبت مثل الماء في دلو مليء بالثقوب. إليكم بعض الأمور التي يرى لويد جونز أنَّها استنزفت قوّة المؤمن:
- الالتزام بعدد زائد من الخدمة أو الأمور الروحيّة.
- الإفراط في المحادثات.
- الحجج والمناقشات والجدل.
- الكسل.
- تضييع الوقت في المعاشرات الخاطئة.
- الإفراط من الكلام الأحمق والمزاح.
- حب المال والمستقبل الوظيفي.
- الرغبة في الاحترام والجاه.
- الارتباط مع شخص غير مؤمن.
- الترفيه الماجن.
- الموقف القلبي الخاطئ تجاه كلمة الله أو الشكّ فيها.
- “يجب أن نسير على المحكّ في هذه الأمور: فلا يجب أنْ تتطرّف في هذه الناحية أو تلك. إنَّما عليك باليقظة. وبطبيعة الحال، يمكنك دائمًا معرفة حالتك بفحص نفسك إذا كانت قوتك تزداد أم تقلّ.” لويد جونز (Lloyd-Jones)
ب) الآية (١١): الأمر الخاصّ بسلاح الله الكامل.
١١ٱلْبَسُوا سِلَاحَ ٱللهِ ٱلْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تَثْبُتُوا ضِدَّ مَكَايِدِ إِبْلِيسَ.
- ٱلْبَسُوا سِلَاحَ ٱللهِ ٱلْكَامِلَ: سيتم شرح سِلَاح ٱللهِ بشكل أوفى في المقطع التالي، ولكنَّ التركيز هنا على سِلَاح ٱللهِ ٱلْكَامِلَ. فالله يعطي المؤمن مجموعة كاملة من المعدّات، ويرسلنا إلى المعركة ومعنا كل ما نحتاج إليه.
- لا تُستَخدَم هذه الكلمة اليونانيّة القديمة المترجمة ’سِلَاح‘ إلاَّ في مكان واحد آخر فقط في العهد الجديد. ففي لوقا ٢١:١١-٢٢، يتحدّث يسوع عن الرجل القوي المسلَّح بالكامل، لكنَّه يُجرَّد من كل أسلحته عندما يأتي رجل أقوى منه ويهزمه. ونحن نعلم أن يسوع قام بتجريد كل الرياسات والسلاطين من السلاح (كولوسي ١٥:٢).
- هذا السلاح هو سلاح ٱللهِ بمعنى أنَّه منه، وبمعنى أنَّه سلاحه الفعليّ. ففي العهد القديم، الربّ هو الذي يلبس السلاح (إشعياء ١٧:٥٩). وهو الآن يشاركنا بهذا السلاح. فإذ نتجهَّز بسلاح الله، لا عجب إذا كنا أعظم من منتصرين (رومية ٣٧:٨).
- لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تَثْبُتُوا ضِدَّ مَكَايِدِ إِبْلِيسَ: نحن نعبّر عن القوّة التي لدينا في الله بواسطة الصمود ضِدَّ مَكَايِدِ إِبْلِيسَ. ومخططات إبليس ضدنا تبوء بالفشل عندما نقاومها بقدرة الله.
- قال ستوت (Stott) ناقلاً عن سيمبسون (Simpson): “يعتمد الشيطان في حملته على أسلوب التخويف تارة والتلميح تارة أخرى. فهو يلعب دور كلٍّ من الشرس والمخادع. والعنف والاحتيال هما الأسلوبان الرئيسيّان لهجومه على معسكر القِدّيسين.‘
ج) الآية (١٢): حقيقة الحرب الروحيّة.
١٢فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ ٱلرُّؤَسَاءِ، مَعَ ٱلسَّلَاطِينِ، مَعَ وُلَاةِ ٱلْعَالَمِ عَلَى ظُلْمَةِ هَذَا ٱلدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ ٱلشَّرِّ ٱلرُّوحِيَّةِ فِي ٱلسَّمَاوِيَّاتِ.
- فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ ٱلرُّؤَسَاءِ، مَعَ ٱلسَّلَاطِينِ: لم يدعُ بولس المؤمن إلى الدخول في حرب روحيّة. وإنَّما أعلن عن حقيقة تلك الحرب ببساطة: فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ ٱلرُّؤَسَاءِ… إلخ. فأنت في معركة روحيّة، وإذا كنت جاهلًا بهذه الحقيقة أو تتجاهلها، فعلى الأغلب أنك منهزم في المعركة.
- فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ: حقيقة أنَّ معركتنا الحقيقيّة ليست ضد دَمٍ وَلَحْمٍ هي حقيقة ينساها كثيرون من المؤمنين، الذين وضعوا كل جهودهم في هذا الاتجاه. وفكرة بولس هنا هي نفس فكرته في كورنثوس الثانية ٣:١٠-٤ «لِأَنَّنَا وَإِنْ كُنَّا نَسْلُكُ فِي ٱلْجَسَدِ، لَسْنَا حَسَبَ ٱلْجَسَدِ نُحَارِبُ. إِذْ أَسْلِحَةُ مُحَارَبَتِنَا لَيْسَتْ جَسَدِيَّةً، بَلْ قَادِرَةٌ بِٱللهِ عَلَى هَدْمِ حُصُونٍ».
- يقول فولكس (Foulkes) إن الترجمة الحرفية هي: ليست لنا المصارعة مع دم ولحم.
- ٱلرُّؤَسَاءِ، مَعَ ٱلسَّلَاطِينِ، مَعَ وُلَاةِ ٱلْعَالَمِ عَلَى ظُلْمَةِ هَذَا ٱلدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ ٱلشَّرِّ ٱلرُّوحِيَّةِ فِي ٱلسَّمَاوِيَّاتِ: استخدم بولس تشكيلة من المصطلحات للإشارة إلى أعدائنا الروحيّين. فيجب أن نعتبرهم على مستويات مختلفة ويشغلون العديد من الرتب المختلفة، ومع ذلك فلجميعهم هدف واحد: إسقاط المؤمن من مكانته.
- تخبرنا الآية في أفسس ١١:٦ أنَّ حربنا هي مصارعة ضد مكايد إبليس، ولهذا لا يهمّ بالمرّة إذا كان خصمنا الذي نواجهه رئيسًا أو سلطانًا أو واليًا على ظلمة هذا الزمان. فهم جميعًا أعضاء في أَجْنَادِ ٱلشَّرِّ ٱلرُّوحِيَّةِ فِي ٱلسَّمَاوِيَّاتِ، وهم جميعًا جزء من جيش روحيّ يجري تنظيمه وتأسيسه على هيئة صفوف ويخضع لرئاسة الشيطان الذي يهجم علينا.
- نتعلّم المزيد عن هذه ٱلرُّؤَسَاءِ وٱلسَّلَاطِينِ من مقاطع أخرى في العهد الجديد.
- تخبرنا رومية ٣٨:٨ أنَّ ٱلرُّؤَسَاءِ لا يستطيعون منعنا من محبّة الله. لذلك هناك حدود لقوتهم.
- تخبرنا أفسس ٢٠:١-٢١ أنَّ يسوع جالس في السماء، فوق كل ٱلرُّؤَسَاءِ وٱلسَّلَاطِينِ.
- وتخبرنا كولوسي ١٦:١ أنَّ يسوع خلق ٱلرُّؤَسَاء وٱلسَّلَاطِين. وتخبرنا كولوسي ١٠:٢ أنّ يسوع هو رأس كل الرياسات والسلاطين. فيسوع إذًا أعلى بكثير من الشيطان أو الرياسات، فهم ليسو ندًا بند.
- تخبرنا أفسس ١٠:٣-١١ أنّ الكنيسة تُعلِن حكمة الله لـلرُؤَسَاء وٱلسَّلَاطِين. وتخبرنا كورنثوس الأولى ٢٤:١٥ بأن لـلرُؤَسَاء وٱلسَّلَاطِين نهاية؛ ففي يوم من الأيام سوف يتحقّق القصد منهم ولن يسمح لهم الله بالعمل. لذلك فالله له قصد في السماح لهم بالعمل.
- تخبرنا كولوسي ١٥:٢ أنّ يسوع جرد ٱلرُّؤَسَاءِ وٱلسَّلَاطِينِ على الصليب من سلاحهم. لذلك، فإنَّ فوزنا متأصَّل فيما فعله يسوع، وليس فيما نفعله نحن. فليس هناك أي عمل من جانبنا – إنَّما يقتصر عملنا على الانتفاع بما فعله يسوع وتطبيقه.
- يفسّر البعض طبيعة ٱلرُّؤَسَاءِ وٱلسَّلَاطِينِ بمصطلحات طبيعيّة بحتة. فقد كتب ماركُس بارث (Markus Barth): “نستنتج أنَّ بولس يقصد بالرؤساء والسلاطين عالم البديهيات ومبادئ السياسة والدين والاقتصاد والاجتماع والأخلاق والبيولوجيا والتاريخ والثقافة.” ولكنَّ هذا يتناقض مع ما يقوله بولس عن أنْ مصارعتنا ليست مع دَمٍ وَلَحْمٍ.
د ) الآية (١٣): الاستجابة المناسبة لحقيقة الحرب الروحيّة.
١٣مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ ٱحْمِلُوا سِلَاحَ ٱللهِ ٱلْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تُقَاوِمُوا فِي ٱلْيَوْمِ ٱلشِّرِّيرِ، وَبَعْدَ أَنْ تُتَمِّمُوا كُلَّ شَيْءٍ أَنْ تَثْبُتُوا.
- مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ ٱحْمِلُوا سِلَاحَ ٱللهِ ٱلْكَامِلَ: قد قدّم بولس فكرة سِلَاح ٱللهِ ٱلْكَامِلَ في أفسس ١١:٦. وفي المقطع التالي فصّل العناصر المحدَّدة المتعلّقة بسلاح الله. وفي هذه الآية، يوضّح ببساطة القصد الرئيسيّ من الحرب الروحيّة وسلاح الله.
- لِكَيْ تَقْدِرُوا: فبدون قدرة الله وحماية الأسلحة الروحيّة، يستحيل الصمود ضد هجمات الأعداء الروحيّين.
- لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تُقَاوِمُوا فِي ٱلْيَوْمِ ٱلشِّرِّيرِ، وَبَعْدَ أَنْ تُتَمِّمُوا كُلَّ شَيْءٍ أَنْ تَثْبُتُوا: هذا وصف للقصد من قوة الله وسلاح الله: أي دواعي استخدامها.
- لقد دعا الله شعبه دعوة، أي كلّفهم بمهمّة، وأمرهم بالجهاد في سباق معيّن. وسيبذل الشيطان قصارى جهده لتعطيلهم. فعندما يهاجم ويرهب، علينا أن نَثْبُت. ومن الواضح أنَّ هذا مغزى بولس في أفسس ١١:٦ و ١٣:٦. فنحن نقوم بعمل الربّ ونصمد ضد كل معارضة روحيّة مهما كانت صغيرة.
- يعطي الله للمؤمن مكانة مجيدة ليحافظ عليها بالإيمان والحرب الروحيّة:
- نحن نثبت في النعمة (رومية ٢:٥).
- نحن نثبت في الإنجيل (كورنثوس الأولى ١:١٥).
- نحن نثبت بشجاعة وقوّة (كورنثوس الأولى ١٣:١٦).
- نحن نثبت بالإيمان (كورنثوس الثانية ٢٤:١).
- نحن نثبت في الحرّيّة المسيحيّة (غلاطية ١:٥).
- نحن نثبت في الوحدانيّة المسيحيّة (فيلبّي ٢٧:١).
- نحن نثبت في الربّ (فيلبّي ١:٤).
- يجب أن نثبت كاملين وممتلئين في مشيئة الله (كولوسي ١٢:٤).
- وعلى العموم، تدلّ هذه الكلمة الواحدة تَثْبُتُوا على معانٍ كثيرة.
- معناها أنَّنا سنتعرّض للهجوم.
- معناها أنَّنا يجب ألَّا نخاف.
- معناها أنَّنا يجب ألَّا نتهاون أو نتكاسل؛ وألاّ نكون غير متأكدين أو غير متحمسين في المعركة (الشفقة على النفس ممنوعة).
- معناها أنَّنا في مواقعنا ويقظون.
- معناها أنَّنا لا نفكر حتّى في التراجع.
هـ) الآيات (١٤-١٥): الأسلحة الروحيّة التي يجب حملها.
١٤فَاثْبُتُوا مُمَنْطِقِينَ أَحْقَاءَكُمْ بِالْحَقِّ، وَلاَبِسِينَ دِرْعَ الْبِرِّ، ١٥وَحَاذِينَ أَرْجُلَكُمْ بِاسْتِعْدَادِ إِنْجِيلِ السَّلاَمِ.
- فَٱثْبُتُوا: لا يمكننا أنْ نثبت إلَّا عندما نكون مجهَّزين بالأسلحة التي أعطانا إياها يسوع المسيح. ويتطابق كل جانب من جوانب هذا السلاح الرمزي مع ديناميكية (عنصر حيوي) معيَّنة داخل الحياة المسيحيّة تمكّننا من الصمود ضد الهجوم الروحيّ.
- كتب بولس هذا أثناء احتجازه مع جنود رومان. وكان من السهل عليه أن ينظر إلى معدَّات حرّاسه ويرى كيف جهَّز الله المؤمن.
- الترتيب الذي توصف به قطع السلاح هو الترتيب الذي يتّبعه الجندي أثناء ارتدائه السلاح.
- مُمَنْطِقِينَ أَحْقَاءَكُمْ بِٱلْحَقِّ: يُصوَّر ٱلْحَقّ رمزيًّا بحزام عريض يحمي بطننا ويجمع ملابسنا حتّى نتمكن من القتال بشكل فعّال.
- ليست المنطقة جزءًا فعليًّا من السلاح، ولكن قبل ارتداء السلاح، يجب تجميع الثياب الموجودة أسفله معًا.
- “قد يكون الجندي مجهَّزا بجميع أجزاء معداته الأخرى، ومع ذلك فإنَّ عدم ارتداء المنطقة يجعله غير مجهَّز بالكامل أو مسلَّح بإحكام. فمنطقته لم تكن للزينة، بل كانت جزءًا أساسيًّا من معداته، وكانت ذات فائدة خاصّة في تثبيت الأجزاء الأخرى في مكانها وفي ضمان وضعية الجندي الصحيحة وحرّيّة حركته.” سالموند (Salmond)
- متى جلس الرجل واسترخى، خلع منطقته. أمَّا لبس المنطقة فيدلّ على الاستعداد للعمل، إذ يكون الجندي حرّ الحركة، ومتأهّبًا ذهنيًّا للمعركة. وقد عبّر يسوع عن الفكرة نفسها في لوقا ٣٥:١٢-٣٦.
- منطقة الحقّ تكسو المؤمنين بالعقائد الكتابية ككل، وهو ما تسميه آيات أخرى بالإيمان. ويعتقد الكثيرون من الناس أنَّ الكنيسة لن تتقدّم أبدًا إلاَّ إذا خلعت منطقة الحقّ هذه، لكنَّ هذا خطأ تامّ. إنَّها جزء من السلاح الذي نحمله، وهي أساس نحيا عليه في كل وقت، إذ تمثّل فهمنا للتعاليم الأساسيّة للإيمان وثقتنا بها.
- لَابِسِينَ دِرْعَ ٱلْبِرِّ: يُصوَّر ٱلْبِرّ على هيئة دِرْع الذي يوفّر الحماية الأساسيّة للأعضاء الحيوية. فنحن نعجز عن محاربة الأعداء الروحيّين ببرنا الخاصّ مثلما يعجز الجندي عن القتال بفعالية بدون دِرعه (صدريته).
- هذا ليس برنا الذي كسبناه، وليس شعورًا بالبر، بل برًّا نناله بالإيمان بيسوع. إنه يعطينا شعورًا عامًا بالثقة، ووعيًا بموقفنا ومكانتنا.
- “نحمد الله على الاختبارات، لكننا لا نعتمد عليها. فأنت لا تلبس «درع الاختبارات»، بل تلبس درع «البرّ».” لويد جونز (Lloyd-Jones)
- نميل أحيانًا أنْ نقول للشيطان: ’انظر إلى كل ما فعلتُه من أجل الربّ.‘ ولكنَّ هذه أرضية هشّة، رغم أنَّها في بعض الأحيان تُشعِرنا بالرضا. وهي هشّة لأنَّ المشاعر والخبرات حالما تتبدّل. أمَّا برّ الله فثابت. فدرع البرّ هو أفضل دفاع لك ضد الإحساس بالاكتئاب والكآبة الروحيّة التي تهاجمنا.
- وَحَاذِينَ أَرْجُلَكُمْ بِٱسْتِعْدَادِ إِنْجِيلِ ٱلسَّلَامِ: يُصوَّر ٱسْتِعْدَادِ إِنْجِيلِ ٱلسَّلَامِ على هيئة حذاء (أو صندل) واقٍ كان الجنود الرومان يحتذون به. فلا يستطيع أحد أن يقاتل بفعالية أو يباشر أعماله بفعالية بدون الحذاء.
- كلمة ٱسْتِعْدَادِ تعني ’أساس مُعَدّ.‘ ويوفّر الإنجيل الأساس لكل ما نقوم به. فمهما كانت قوة جسمك، إذا جُرِحت في قدميك، فستكون فريسة سهلة للعدو.
- “وصف يوسيفُس الحذاء بأنه «حذاء مرصَّع بمسامير حادة» لضمان ثبات الجندي. وكانت النجاحات العسكرية لكل من الإسكندر الأكبر ويوليوس قيصر ترجع إلى حدّ كبير إلى جودة أحذية جيوشهما، وبالتالي قدرتها على الزحف مسافات طويلة وبسرعة هائلة عبر أراضٍ وعرة.” وود (Wood)
- كان بولس يفكّر في إشعياء ٧:٥٢ عندما قال حَاذِينَ أَرْجُلَكُمْ: “مَا أَجْمَلَ عَلَى ٱلْجِبَالِ قَدَمَيِ ٱلْمُبَشِّرِ، ٱلْمُخْبِرِ بِٱلسَّلَامِ، ٱلْمُبَشِّرِ بِٱلْخَيْرِ، ٱلْمُخْبِرِ بِٱلْخَلَاصِ، ٱلْقَائِلِ لِصِهْيَوْنَ: «قَدْ مَلَكَ إِلَهُكِ».”
- الٱسْتِعْدَادِ هو التأهُّب. فيجب علينا أن نكون رشيقين ومرنين ومستعدين للحقّ. وهذا هو الوضع المناسب في الحياة المسيحيّة: أن نعيش في استعداد ومرونة متواصلين.
و ) الآيات (١٦-١٧): السلاح الروحيّ المناسب.
١٦حَامِلِينَ فَوْقَ الْكُلِّ تُرْسَ الإِيمَانِ، الَّذِي بِهِ تَقْدِرُونَ أَنْ تُطْفِئُوا جَمِيعَ سِهَامِ الشِّرِّيرِ الْمُلْتَهِبَةِ. ١٧وَخُذُوا خُوذَةَ الْخَلاَصِ، وَسَيْفَ الرُّوحِ الَّذِي هُوَ كَلِمَةُ اللهِ.
- فَوْقَ ٱلْكُلِّ: تحمل هذه العبارة فكرة ’إضافةً إلى ما سبق‘، وتنطبق على كل قطعة من قطع السلاح الثلاث التالية. فليست الفكرة هنا أنَّ هذه الأجزاء من السلاح أهمّ من غيرها.
- حَامِلِينَ… تُرْسَ ٱلْإِيمَانِ: تخبرنا أفسس ١٣:٦-١٤ عن السلاح الذي نحمله. فهناك جزء من السلاح يجب أنْ نرتديه طوال الوقت ونحافظ عليه باستمرار، كمنطقة الحقّ ودرع البرّ و’حذاء الإنجيل‘ العسكريّ. ومع ذلك سيتناول بولس الآن جوانب السلاح التي نلبسها في اللحظات الضروريّة من الحرب والفرص الروحيّة.
- حَامِلِينَ فَوْقَ ٱلْكُلِّ تُرْسَ ٱلْإِيمَانِ، ٱلَّذِي بِهِ تَقْدِرُونَ أَنْ تُطْفِئُوا جَمِيعَ سِهَامِ ٱلشِّرِّيرِ ٱلْمُلْتَهِبَةِ: يُصوَّر ٱلْإِيمَان على هيئة تُرْس يحمينا من سِهَامِ ٱلشِّرِّيرِ ٱلْمُلْتَهِبَةِ، أي الجهود المستمرة لأعدائنا من الشياطين لإضعافنا بالخوف والشك.
- التُرْس الذي يصفه بولس ليس التُرس الصغير الدائري، بل الكبير المستطيل القادر أنْ يحمي الجسم كله. ففي الحروب قديمًا، كانت تُطلَق هذه السِهَام ٱلْمُلْتَهِبَة بأعداد كبيرة في بداية الهجوم. ولم تكن الفكرة إصابة العدو فحسب، بل إطلاق النار عليه من جميع الجوانب، وذلك لإرباكهم وإثارة الذعر بين صفوفهم.
- “يقول ليفاي (Livy): حتّى عندما كان التُرس يصدّ مثل هذه القذائف، لم تخترق الجسد ولكنها كانت تسبّب حالة من الذعر، لأنَّها كانت تُطلَق وهي ملتهبة، وكانت حركتها في الهواء تزيد من اشتعالها، حتّى أنَّ الجندي كان يندفع إلى التخلص من تُرسه المحترق فيكشف نفسه لطعنات الرمح من العدو. ولكنَّ تُرس الإيمان لا يصدّ القذائف الملتهبة فقط، بل ويطفئها أيضًا.” بروس (Bruce)
- الأفكار والمشاعر والتصوّرات والمخاوف والأكاذيب – هذه الأمور كلها يمكن إلقاؤها علينا من الشيطان كـسِهَام مُلْتَهِبَة. لكنَّ ٱلْإِيمَان يقوم بصدّها.
- وَخُذُوا خُوذَةَ ٱلْخَلَاصِ: في العالم القديم كانت هذه عادةً عبارة عن غطاء من الجلد مرصَّع بالمعادن للمزيد من المتانة. وغالبًا ما كان يُضاف إليها ريشة أو زخارف، رُبَّما لتسهيل تعرّف الكتيبة على جنودها. ويُصوَّر ٱلْخَلَاص على أنَّه مثل هذه الـخُوذَة، التي تحمي جزءًا أساسيًّا من الجسم. فالجندي الأحمق هو الذي يخوض المعركة بدون خُوذَته.
- تتحدّث تسالونيكي الأولى ٨:٥ عن خوذة الخلاص فيما يتعلّق برجاء الخلاص. فخوذة الخلاص تحمينا من الإحباط ومن الرغبة في الاستسلام، وتهبنا الرجاء ليس فقط لعلمنا بأننا قد نلنا الخلاص، لكن لعلمنا بأننا سنخلص. إنه الضمان بأنَّ الله سوف ينتصر.
- الإحباط هو من أكثر أسلحة الشيطان فعالية ضدنا. وعندما نلبس خوذة الخلاص بصورة صحيحة، يصعب أنْ نظل محبطين.
- وَسَيْفَ ٱلرُّوحِ ٱلَّذِي هُوَ كَلِمَةُ ٱللهِ: الفكرة هي أنْ الروح يوفّر سيفًا لك، وأنّ هذا السيف هو كلمة الله. فاستخدام سيف الروح على نحو فعّال يعني أنْ لا نعتبر الكتاب المُقَدَّس كتابًا سحريًّا يحتوي على طلاسم أو نربطه حول العنق كحجاب يقينا من العين.
- لاستخدام السيف بفعالية، يجب أنْ نعتبره كَلِمَة ٱللهِ. فإذا لم نكن واثقين في وحي الكتاب المُقَدَّس وأنَّ السيف مصدره فعلًا الروح، فلن نستخدمه بفعالية البتّة.
- ولكن يجب علينا أيضًا أنْ نأخذ سيف الروح بمعنى الاعتماد على الروح لاستخدامه. فلم يمنحنا الروح القُدُس الكتاب المُقدَّس فحسب، بل إنَّه يجعله أيضًا حيًّا لنا (أو يجعلنا أحياءً له)، فيزوّدنا بالدفعة المناسبة في الوقت المناسب.
- فكّر في جندي أو مصارع أثناء التدريب وهو يتمرّن على استخدام السيف وكيفية الحركة. فالتمرين هو الخطوة الأولى، وإذا كان مقاتلًا متفوَّقًا ويملك غريزة قتالية عالية، فسوف يتذكّر في وقت المعركة على الفور أي طعنة وأي وقفة تناسب اللحظة المحدَّدة. فلن يكون قادرًا أبدًا على استخدام السيف في المعركة إذا لم يتمرّن أوّلًا؛ وحتى إن لم يتدرب، عليه استخدامه في لحظة القتال.
- لذلك فإن استخدام السيف بشكل فعّال يتطلّب ممارسة. وأفضل مثال لنا على ذلك هو جهاد يسوع ضد تجربة الشيطان في البرية.
ز ) الآيات (١٨-٢٠): كيف تستخدم القوّة الروحيّة وسلاح الله.
١٨مُصَلِّينَ بِكُلِّ صَلاَةٍ وَطِلْبَةٍ كُلَّ وَقْتٍ فِي الرُّوحِ، وَسَاهِرِينَ لِهذَا بِعَيْنِهِ بِكُلِّ مُواظَبَةٍ وَطِلْبَةٍ، لأَجْلِ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ، ١٩وَلأَجْلِي، لِكَيْ يُعْطَى لِي كَلاَمٌ عِنْدَ افْتِتَاحِ فَمِي، لأُعْلِمَ جِهَارًا بِسِرِّ الإِنْجِيلِ، ٢٠الَّذِي لأَجْلِهِ أَنَا سَفِيرٌ فِي سَلاَسِلَ، لِكَيْ أُجَاهِرَ فِيهِ كَمَا يَجِبُ أَنْ أَتَكَلَّمَ.
- مُصَلِّينَ بِكُلِّ صَلَاةٍ: الفكرة هي كل أنواع الصلوات أو صلاة بعد الأخرى. فيجب علينا أن نستخدم كل أنواع الصلوات التي يمكننا التفكير فيها، كالصلاة الجماعية والصلاة الفردية والصلاة الصامتة وصلاة الصراخ وصلاة المشي وصلاة الركوع والصلاة البليغة وصلاة الأنين والصلاة المتواصلة والصلاة الحارة – المهمّ هو أنْ نصلّي.
- يمكننا القول إنَّه بواسطة الصلاة تتحوّل القوّة الروحيّة وسلاح الله إلى واقع عمليّ. فمن الناحية النظرية، يمكن للمؤمن الذي لا يصلّي أن يكون قويًّا وأن يلبس السلاح الكامل؛ لكنَّه لا ينجز أي شيء أبدًا لأنَّه عجز عن خوض المعركة من خلال الصلاة.
- غالبًا ما لا نصلّي لأننا ببساطة واثقون أكثر من اللازم من قدراتنا. قال ونستون تشرشل مخاطبًا بريطانيا في الأيام الأولى من الحرب العالمية الثانية: ’يجب أنْ أذكر كلمة واحدة للتحذير: بخلاف الجبن والخيانة، فإنَّ الثقة المفرطة، التي تؤدّي إلى الإهمال والكسل، هي أسوأ جرائم الحرب.‘
- لِأَجْلِ جَمِيعِ ٱلْقِدِّيسِينَ: يمكننا خوض معركة روحيّة ليس بالأصالة عن أنفسنا فقط، ولكن نيابةً عن الآخرين أيضًا. فالجندي لا يهتم بسلامته فقط؛ إنَّما تدفعه الغريزة لحماية الآخرين والقتال نيابةً عنهم.
- وَلِأَجْلِي، لِكَيْ يُعْطَى لِي كَلَامٌ: بعد عرض فكرة إمكانية خوض الحرب الروحيّة نيابةً عن الآخرين، يطلب بولس من قُرّائه الصلاة من أجله.
- لِأُعْلِمَ جِهَارًا بِسِرِّ ٱلْإِنْجِيلِ: كان بمقدور بولس أنْ يطلب الصلاة من أجل أشياء كثيرة، لكنَّه أراد من قُرّائه الصلاة من أجل هذا فقط. ورُبَّما كان يفكّر في دفاعه القادم عن نفسه أمام قيصر.
- يمكن أن نتخيّل بولس يطلب أشياء كثيرة، مثل إعفائه من سجنه أو وسائل الراحة الأخرى. ولكنَّ قلبه وعقله كانا مُثبّتين على مسؤوليّته كـسَفِير للإنجيل.
- لِكَيْ يُعْطَى لِي كَلَامٌ: الفكرة وراء كلمة كَلَام هي التحدّث الواضح. فبالإضافة إلى الكلام جِهَارًا، طلب بولس الصلاة لكي ينادي بالإنجيل بوضوح وبقوّة لا يشوبها خوف. فمن السهل إهمال هذا أو تلك.
- أَنَا سَفِيرٌ فِي سَلَاسِلَ: بالطبع، الكلمة اليونانيّة القديمة المترجمة سَلَاسِل تعني سلاسل السجين. ولكن يمكن أن تستخدم أيضًا بمعنى الزينة الذهبية التي يلبسها الأثرياء والأقوياء حول الرقبة والمعصمين. ففي المناسبات الخاصّة، كان السفراء يرتدون مثل هذه السلاسل لإظهار غنى وقوة وكرامة الحكومة التي يمثلونها. ويعتبر بولس أن سلاسل سجنه هي في الحقيقة زينة مجيدة لـسَفِير يسوع المسيح.
ثالثًا. خاتمة الرسالة
أ ) الآيات (٢١-٢٢): إرسال تِيخِيكُس.
٢١وَلكِنْ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ أَيْضًا أَحْوَالِي، مَاذَا أَفْعَلُ، يُعَرِّفُكُمْ بِكُلِّ شَيْءٍ تِيخِيكُسُ الأَخُ الْحَبِيبُ وَالْخَادِمُ الأَمِينُ فِي الرَّبِّ، ٢٢الَّذِي أَرْسَلْتُهُ إِلَيْكُمْ لِهذَا بِعَيْنِهِ، لِكَيْ تَعْلَمُوا أَحْوَالَنَا، وَلِكَيْ يُعَزِّيَ قُلُوبَكُمْ.
- تِيخِيكُسُ ٱلْأَخُ ٱلْحَبِيبُ وَٱلْخَادِمُ ٱلْأَمِينُ: كان تِيخِيكُس زميلًا لبولس، واسمه مذكور في رسائل أخرى (أعمال الرسل ٤:٢٠، كولوسي ٧:٤، تيموثاوس الثانية ١٢:٤، تيطس ١٢:٣). ويبدو أن بولس كان يستعين بتِيخِيكُس كثيرًا لحمل رسائله (لِكَيْ تَعْلَمُوا أَحْوَالَنَا).
- وَلِكَيْ يُعَزِّيَ قُلُوبَكُمْ: أراد بولس من تِيخِيكُس أن يطمئن أهل أفسس (وكل من يقرأ الرسالة) عن حالة بولس أثناء سجنه في روما.
ب) الآيات (٢٣-٢٤): الكلمات الختامية.
٢٣سَلاَمٌ عَلَى الإِخْوَةِ، وَمَحَبَّةٌ بِإِيمَانٍ مِنَ اللهِ الآبِ وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. ٢٤اَلنِّعْمَةُ مَعَ جَمِيعِ الَّذِينَ يُحِبُّونَ رَبَّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحَ فِي عَدَمِ فَسَادٍ. آمِينَ.
- سَلَامٌ عَلَى ٱلْإِخْوَةِ… اَلنِّعْمَةُ مَعَ جَمِيعِ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ رَبَّنَا يَسُوعَ: أنهى بولس الرسالة كما بدأها، بالإشارة إلى اَلنِّعْمَة والـسَلَام، أي الركنين الأساسيّن للحياة المسيحيّة.
- جَمِيعِ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ رَبَّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ فِي عَدَمِ فَسَادٍ: ربَّما يكون المقصود بعبارة فِي عَدَمِ فَسَادٍ (بإخلاص) المحبّة التي لا تنقطع. إذ يجب أنْ تكون محبّتنا للرب دون انقطاع.
- اَلنِّعْمَةُ مَعَ جَمِيعِ الَّذِينَ يُحِبُّونَ رَبَّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحَ فِي عَدَمِ فَسَادٍ: ختم بولس بطلب البركة، وهذه كانت طريقته في مساعدة أهل أفسس على السير في كل بركة روحيّة في السماويّات في المسيح. (أفسس ٣:١)