رسالة كورنثوس الأولى – الإصحاح ١١
بشأن المرأة وعشاء الرب
أولًا. تعليمات بشأن المرأة في خدمة العبادة
أ ) الآية (١): دعوة لاتباع مثال بولس.
١كُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِي كَمَا أَنَا أَيْضًا بِالْمَسِيحِ.
- كُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِي: كان بولس يعرف أنه يتبع يسوع، وهكذا لم يتردد في أن يطلب من مؤمني كورنثوس أن يتمثلوا بمسيرته مع الرب، كما كان يعرف أيضًا أن مؤمني كورنثوس يحتاجون إلى مثال، لذلك كان على استعداد لأن يكون هو نفسه هذا المثال.
- لقد فعل بولس ببساطة ما طلب من رفيقه تيموثاوس أن يفعله: كُنْ قُدْوَةً لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الْكَلاَمِ، فِي التَّصَرُّفِ، فِي الْمَحَبَّةِ، فِي الرُّوحِ، فِي الإِيمَانِ، فِي الطَّهَارَةِ.. (تيموثاوس الأولى ١٢:٤).
- قليلون اليوم مستعدون لقول ما قاله بولس! إننا بسبب عدم التقوى، نسارع بقول: “لا تنظر إلي، انظر إلى يسوع.” صحيح أنه يجب علينا جميعًا أن ننظر في النهاية إلى يسوع، لكن يجب على كلٍ منا أن يكون مثالًا لأولئك الذين ينظرون إلى يسوع.
- من الصعب معرفة ما إذا كانت كلمات بولس هنا تتعلق بالسياق السابق أم التالي. هل يشير بولس إلى كورنثوس الأولى ١٠، وبالتالي يعني “اتبع مثالي لأني أسعى إلى مباركة الآخرين بدلاً من إرضاء نفسي” أم يشير إلى ما يجب اتباعه في كورنثوس الأولى ١١، وبالتالي يعني “اتبع مثالي لأني أحترم ترتيب الله والسلطة في الكنيسة”؟ على الرغم من أن بولس على الأرجح يربط هذا بما حدث قبلًا في كورنثوس الأولى ١٠، إلا أنه كان مثالًا جيدًا في كلتا الحالتين.
- كَمَا أَنَا أَيْضًا بِالْمَسِيحِ: كان بولس يعرف أنه مثال جيد، لا لأنه هو نفسه جدير للتمثُّل به، بل لأنه تابع ليسوع.
- يضع تعبير كَمَا أَنَا أَيْضًا بِالْمَسِيحِ حدًا وتوجُهًا لكيفية التَمَثُل بالآخرين، كما لو كان يقول “اتبعني بقدر ما تراني أتبع يسوع.”
ب) الآيات (٢-٣): مبدأ الرئاسة.
٢فَأَمْدَحُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ عَلَى أَنَّكُمْ تَذْكُرُونَنِي فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَتَحْفَظُونَ التَّعَالِيمَ كَمَا سَلَّمْتُهَا إِلَيْكُمْ. ٣وَلكِنْ أُرِيدُ أَنْ تَعْلَمُوا أَنَّ رَأْسَ كُلِّ رَجُل هُوَ الْمَسِيحُ، وَأَمَّا رَأْسُ الْمَرْأَةِ فَهُوَ الرَّجُلُ، وَرَأْسُ الْمَسِيحِ هُوَ اللهُ.
- فَأَمْدَحُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ عَلَى أَنَّكُمْ تَذْكُرُونَنِي فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَتَحْفَظُونَ التَّعَالِيمَ: يتحدث بولس مرة أخرى بسخرية إلى مؤمني كورنثوس. في الواقع هم لم يتذكروا بولس فِي كُلِّ شَيْءٍ؛ بل كانوا دائمًا يتجاهلونه، ولم يحفظوا التعاليم كما كان ينبغي.
- تَحْفَظُونَ التَّعَالِيمَ هي عبارة مخيفة لكثير من المؤمنين. فهي تستدعي فكرة أن المؤمنين ملتزمون بالتعاليم القديمة والعتيقة في سلوكهم وعبادتهم. لكن التعاليم التي سَلَّمهَا بولس إلى مؤمني كورنثوس كانت ببساطة تعاليم وممارسات الرُسُل التي تلقوها من يسوع. فلم يكن بولس يتحدث عن الاحتفالات والطقوس، بل عن التعليم الأساسي والعقيدة.
- رَأْسَ كُلِّ رَجُل هُوَ الْمَسِيحُ، وَأَمَّا رَأْسُ الْمَرْأَةِ فَهُوَ الرَّجُلُ، وَرَأْسُ الْمَسِيحِ هُوَ اللهُ: بهذه الكلمات، وضع بولس أساس تعليمه لبقية الأصحاح. أوضح بولس ببساطة أن الله قد أسس مبادئ الترتيب والسلطة والمُساءلة.
- كلمة رَأْسَ هي كلمة هامة في هذا الأصحاح. فيعتبر البعض أن رَأْسَ لا تعني أكثر من مصدر، بمعنى أن رأس النهر هو مصدره. لكن على الرغم من أن هذه الكلمة قد تعني هذا، فإن بولس لا يقول ببساطة “جاء الرجل من يسوع، والمرأة جاءت من الرجل، وجاء يسوع من الله.” ومع أن هذا الفهم البسيط صحيح، إلا أن ما يعنيه هو أكثر عمقًا، لأنه بحسب الفكر الكتابي المصدر له سُلطة متأصلة. فإن كنت مصدر شيء، فمعنى هذا أن لي سُلطان ما عليه.
- تحمل كلمة رَأْس، في معناها الشامل، فكرة الرئاسة والسلطة. وهذا يعني أن تحمل المسؤولية المناسبة للقيادة، والمساءلة التي تتلاءم معها. من الصواب واللائق أن نخضع لشخص ما وأن يكون هو رأسنا.
- بناء على هذا المفهوم، نرى بولس يصف ثلاث “علاقات”: يسوع رَأْسَ كُلِّ رَجُل، والرجل رَأْسُ الْمَرْأَةِ، والله (الآب) رَأْسُ الْمَسِيحِ. ولأن بولس يربط الثلاث علاقات معًا، فلها جميعًا نفس مبادئ الرئاسة أو القيادة.
- رَأْسَ كُلِّ رَجُل هُوَ الْمَسِيحُ، وَأَمَّا رَأْسُ الْمَرْأَةِ فَهُوَ الرَّجُلُ، وَرَأْسُ الْمَسِيحِ هُوَ اللهُ: لذلك، هناك خياران للنساء في الكنيسة فيما يتعلق بموقفهم من رأسهم: إما أن يُقلدن موقف الإنسان تجاه المسيح، مُظهرين تمردًا يجب حسمه أو أن يُقلدن الموقف الذي أظهره المسيح تجاه الله الآب، وهو الخضوع المُحب كمُساوٍ له.
- القيادة والسلطة هي فكرة هامة بالنسبة لله. لذا في خطته العظيمة على مر العصور، كان الله ينتظر شيء واحد هام من الإنسان وهو الخضوع الطوعي. وهذا ما أظهره يسوع في حياته مرارًا وتكرارًا، وهذا هو بالضبط ما ينتظره الله من كل من الرجال والنساء، على الرغم من اختلاف طرق التعبير عنه.
- من الضروري أن نفهم أن الوجود تحت سُلطة لا يعني الدونية. لقد كان يسوع تحت سلطة الله الآب بالكامل (يوحنا ١٩:٥ و٢٨:٨) ومع ذلك فهو مساوٍ لله (يوحنا ١:١، ٥٨:٨، ٣٠:١٠). فعندما يدعو الله النساء في الكنيسة إلى الاعتراف برئاسة الرجال، فهذا لا يعني أن النساء لا يساوين الرجل أو أنهم في مكانه أدنى، ولكن لأن هناك ترتيب قد وضعه الله للسلطة يجب أن يُحترم.
ج ) الآيات (٤-٦): تطبيق مبدأ الرئاسة بين مؤمني كورنثوس.
٤كُلُّ رَجُل يُصَلِّي أَوْ يَتَنَبَّأُ وَلَهُ عَلَى رَأْسِهِ شَيْءٌ، يَشِينُ رَأْسَهُ. ٥وَأَمَّا كُلُّ امْرَأَةٍ تُصَلِّي أَوْ تَتَنَبَّأُ وَرَأْسُهَا غَيْرُ مُغُطَّى، فَتَشِينُ رَأْسَهَا، لأَنَّهَا وَالْمَحْلُوقَةَ شَيْءٌ وَاحِدٌ بِعَيْنِهِ. ٦إِذِ الْمَرْأَةُ، إِنْ كَانَتْ لاَ تَتَغَطَّى، فَلْيُقَصَّ شَعَرُهَا. وَإِنْ كَانَ قَبِيحًا بِالْمَرْأَةِ أَنْ تُقَصَّ أَوْ تُحْلَقَ، فَلْتَتَغَطَّ.
- يَشِينُ رَأْسَهُ.. تَشِينُ رَأْسَهَا: بسبب ترتيب السلطة هذا، من غير المناسب أن يصلي الرجال برأس مُغطاة، ومن غير المناسب أن تُصلي النساء بدون غطاء للرأس.
- وَلَهُ عَلَى رَأْسِهِ شَيْءٌ… وَرَأْسُهَا غَيْرُ مُغُطَّى: كان لفكرة تغطية الرأس أهميتها في تلك الثقافة وفي العديد من الثقافات القديمة. فوضع شخص غطاء للرأس (أو حجاب في بعض الترجمات) يعني أنه تحت سُلطة وحماية شخص آخر.
- “كانت العادة عند الإغريق والرومان، وكان قانونًا صريحًا عند اليهود، أن المرأة لا يجب أن تخرج بدون غطاء للرأس. وقد كان هذا، ولا يزال، عادة شائعة في جميع أنحاء الشرق، حيث لا تخرج بدون الغطاء سوى العاهرات.” كلارك (Clarke)
- في بعض ثقافات اليوم، يكون ارتداء القبعة أو أي نوع آخر من غطاء الرأس صورة من التواضع والحياء. وهكذا أيضًا كان لغطاء الرأس معنى ثقافي هام بين أهل كورنثوس قديمًا.
- “استخدام كلمة ’حجاب‘ هو أمر غير ملائم لأنه يجعلنا نفكر في الحجاب الكامل الخاص بالثقافات الإسلامية المعاصرة، والذي يغطي الجسم كله ما عدا العيون. لم يكن هذا معروفًا في العصور القديمة، على الأقل بحسب الأدلة من اللوحات والمنحوتات.” فيي (Fee)
- يُصَلِّي أَوْ يَتَنَبَّأُ وَلَهُ عَلَى رَأْسِهِ شَيْءٌ: إذا فعل رجل ذلك فكإنما يقول: “أنا لست في موضع سلطة هنا، بل إنني تحت سلطة آخرين.” ولأن الله قد رسَّخ بأن رأس المرأة هو الرجل (كورنثوس الأولى ٣:١١)، لذا فإن وضع الرجل غطاء على رأسه يشين يسوع الذي هو رأسه.
- أَوْ تَتَنَبَّأُ وَرَأْسُهَا غَيْرُ مُغُطَّى: إذا فعلت المرأة هكذا، فكأنما تقول: “أنا لست تحت سلطان أحد.” ولأن الله قد رسَّخ بأن رأس المرأة هو الرجل (كورنثوس الأولى ٣:١١)، لذا فإن رفض المرأة وضع غطاء على رأسها يشين الرجل الذي هو رأسها.
- بحسب كلمات بولس هذه، تتمتع النساء بحرية الصلاة أو التنبؤ، لكن فقط عندما يثبتن أنهن يخضعن لسلطة وقيادة الرجل في الكنيسة.
- لأَنَّهَا وَالْمَحْلُوقَةَ شَيْءٌ وَاحِدٌ بِعَيْنِهِ: إذا رفضت امرأة أن تُظهر خضوعها للسلطة، فقد يتم حلق شعرها (تُقَصَّ). ففي بعض الثقافات القديمة، كان حلق رأس المرأة هو العقوبة التي تُفرض على الزانية.
- إن قص رأس المرأة أو حلقها له معانٍ متباينة في ثقافات مختلفة. ففي الشريعة اليهودية، كان ذلك علامة للزنا (سفر العدد ١١:٥-٣١). وفي العالم اليوناني، يمكن أن يكون علامة للمرأة العاهرة أو المثلية.
- وَإِنْ كَانَ قَبِيحًا بِالْمَرْأَةِ أَنْ تُقَصَّ أَوْ تُحْلَقَ، فَلْتَتَغَطَّ: ربما كانت هناك نساء بين مؤمني كورنثوس على مستوي روحي مرتفع قد أعلنن أنه في أيام يسوع لم يكُن النساء بحاجة إلى تصفيف الشعر بشكل معين أو وضع أغطية للرأس لإظهار كونهم تحت سلطة أي شخص. فيقول بولس لهؤلاء النساء: “إذا أردتِ أن تتخلِّي عن غطاء رأسك، فاذهبي واحلقي رأسك، وتشبَّهي بنساء العالم في عارهم.”
د ) الآيات (٧-١٠): ما هو أهمية احترام مبدأ الرئاسة في الكنيسة؟
٧فَإِنَّ الرَّجُلَ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يُغَطِّيَ رَأْسَهُ لِكَوْنِهِ صُورَةَ اللهِ وَمَجْدَهُ. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَهِيَ مَجْدُ الرَّجُلِ. ٨لأَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ مِنَ الْمَرْأَةِ، بَلِ الْمَرْأَةُ مِنَ الرَّجُلِ. ٩وَلأَنَّ الرَّجُلَ لَمْ يُخْلَقْ مِنْ أَجْلِ الْمَرْأَةِ، بَلِ الْمَرْأَةُ مِنْ أَجْلِ الرَّجُلِ. ١٠لِهذَا يَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ أَنْ يَكُونَ لَهَا سُلْطَانٌ عَلَى رَأْسِهَا، مِنْ أَجْلِ الْمَلاَئِكَةِ.
- فَإِنَّ الرَّجُلَ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يُغَطِّيَ رَأْسَهُ: أول سبب مذكور في كورنثوس الأولى ٣:١١ هو أن رأس المرأة هو الرجل. لقد أسس الله نظامًا لترتيب السلطة، وهو مبدأ رئاسة الرجال في الكنيسة (كورنثوس الأولى ١١ وتيموثاوس الأولى ٢) وفي البيت (أفسس ٢٣:٥).
- لِكَوْنِهِ صُورَةَ اللهِ وَمَجْدَهُ. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَهِيَ مَجْدُ الرَّجُلِ. لأَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ مِنَ الْمَرْأَةِ، بَلِ الْمَرْأَةُ مِنَ الرَّجُلِ: يوجد سبب ثانٍ وهو ترتيب زمن الخليقة: لقد خلق الله آدم أولاً، ثم أعطاه مسئولية حواء.
- نظرًا لأن أحد أسباب كون الرجل رأس المرأة هو الترتيب والطريقة التي خلق بها الله كليهما – وهو ما كان موجودًا قبل السقوط – فإن هذه الفقرة توضح أن الله، قبل السقوط وبعده، حدد أدوارًا مختلفة للجنسين في الكنيسة والبيت، فالاختلاف في الأدوار لم يكُن نتيجة للسقوط ولم يُمحى أو يتغير بسبب حياتنا الجديدة في يسوع.
- يُعلِّق تراب (Trapp) على كون ’الْمَرْأَةُ مَجْدُ الرَّجُلِ‘ قائلًا: “سيتمجد الرجل في امرأته إما لأنها زوجة صالحة أو لأنها ستكرمه وتعطيه المجد.” ويكتب كلارك (Clarke) أيضًا: “كل حيوانات البرية تخشى الرجل لأنه رمز مجد الله وكماله… وهكذا المرأة في البيت والعائلة، هي رمز قوة الرجل وسلطته.” ويقول بوله (Poole): “لكن المرأة هي مجد الرجل وخُلقت لإكرام الرجل ومساعدته وإعانته، وقد خُلقت في الأساس من الرجل، ليتمجد الرجل فيها، كما تمجد آدم في حواء، تكوين ٢٣:٢ «هذِهِ الآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي.»”
- لأَنَّ الرَّجُلَ لَمْ يُخْلَقْ مِنْ أَجْلِ الْمَرْأَةِ، بَلِ الْمَرْأَةُ مِنْ أَجْلِ الرَّجُلِ: ببساطة، لم يُخلَق آدم من أجل حواء، بل خُلقت حواء من أجل آدم – وهذا المبدأ ينطبق على كل ’آدم‘ وعلى كل ’حواء‘ عبر التاريخ. فتُعلن الآية تكوين ١٨:٢ عن قصد الله من خلق حواء: «فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِينًا نَظِيرَهُ». فقد خُلقت حواء لتكون معينة لآدم، أي أن آدم كان ’رأس‘ حواء، وقد دُعيَت لتشاركه وتساعده في رؤيته وأعماله. وتقول الآية في تكوين ٢٢:٢ “وَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ.” فلم يُحضر الله آدم إلى حواء، بل حواء إلى آدم – الذي هو رأسها. ربما تُسيء هذه الفكرة إلى روح عصرنا، لكن الكتاب المقدس يُعلم بوضوح في هذه الفقرة أن الرجل (في الكنيسة وفي البيت) لم يُخلق من أجل المرأة بل المرأة من أجل الرجل. “تشير عبارة ’مِنْ أَجْلِ الرَّجُلِ‘ إلى خدمة ومساعدة الرجل.” بوله (Poole)
- مِنْ أَجْلِ الْمَلاَئِكَةِ: وسبب ثالث في جَعل الله الرئاسة في الكنيسة للرجال هو وجود مَلاَئِكَةِ مشتركين في العبادة.
- الملائكة موجودون وسط أي تجمع للمؤمنين وهم يلاحظون أي خروج عن النظام المُوقر، فمن الواضح أن الملائكة يُزعجهم أي انتهاك لأصول اللياقة.
- فقرات من هذا القبيل تُذكرنا بأن صراعنا أكبر من ذواتنا، وأن الله يريد أن يعلم للعالم من خلالنا (أفسس ١٠:٣-١١، كورنثوس الأولى ٩:٤، وبطرس الأولى ١٢:١).
- يُعلِّق جون ستوت (John Stott) على أفسس ٣ شارحًا فكرة أوسع نطاقًا: “يبدو الأمر كما لو أن مسرحية عظيمة يتم عرضها على مسرح التاريخ، والعالم هو المِنصَّة وأعضاء الكنيسة في كل الأرض هم الممثلون، والله هو بنفسه كاتب المسرحية ومُخرجها ومُنتجها. وتتكشف القصة في كل فصل من فصول المسرحية وفي كل مشهد من مشاهدها. لكن من هم الجمهور؟ إنهم الرُّؤَسَاءِ وَالسَّلاَطِينِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ.”
- “وهكذا نتعلم أن الملائكة الصالحين، الذين هم أرواح خادمة من أجل خير مختاري الله، لديهم خدمة خاصة في جميع الأوقات أو على الأقل يكونون حاضرين بشكل خاص في تجمعات العبادة، يراقبون الأشخاص والسلوك؛ وعلى هذا الفكر أن يُخيف كل الحاضرين لهذه التجمعات من أي سلوك غير لائق.” بوله (Poole)
- أن ترتيب وطريقة الخلق ووجود الملائكة لا يعتمد على ثقافة معينه. فلا يمكننا القول إن كلمات بولس كانت ملائمة فقط لثقافة كورنثوس أو لمكانة المرأة في تلك الثقافة. فالمبادئ أبدية، ولكن العمل بها وطريقة تطبيقها قد يختلف تبعًا للثقافة.
- هكذا نرى أن الله قد أسس تسلسل واضح للسلطة في كلٍ من البيت والكنيسة، وقد أمر بأن يكون الرجل هو “الرأس” – أي أن لديه السُلطة وعليه المسئولية.
- بعد أن رفضت ثقافتنا فكرة اختلاف الأدوار بين الرجل والمرأة، ترفض الآن أيضًا فكرة وجود أي اختلاف بين الرجل والمرأة. ونرى في ثقافتنا قبول أكثر للرجال الذين يشبهون النساء، والنساء اللواتي تشبهن الرجال، حتى الملابس والعطور وما إلى ذلك، كلها تدفع نحو هذا الفكر.
- إن الكتاب المقدس واضح جدًا، فهو لم يأمر بخضوع المرأة بشكلٍ عام لكل رجل في المجتمع، لكن فقط في نطاق البيت والكنيسة. ولم يأمر الله في كلمته بأن يتمتع الرجل بسلطة حصرية في السياسة والأعمال والتعليم وما إلى ذلك.
- وهذا لا يعني أيضًا أن كل امرأة في الكنيسة تخضع لسلطان كل رجل – فهذا سخف! لكن هذا يعني الخضوع لأولئك الذين في موضع القيادةفي الكنيسة، وأن القساوسة والشيوخ يجب أن يكونوا رجالًا، وعلى النساء أن يحترمن سُلطتهم، ليس بسبب جنسهم ولكن بسبب منصبهم.
- إن فشل الرجال في القيادة بطريقة يسوع، في البيت وفي الكنيسة، سبباً رئيسياً في رفض سلطة الرجال، وهو أمر غير مقبول.
- يشعر البعض أن الاعتراف والخضوع للسلطة هو عبء ثقيل، لأنه بمثابة التصديق بأنني أقل شأناً من الشخص الآخر أو أنني لا شيء على الإطلاق. ولكن هذا ليس صحيحًا على الإطلاق! فالدونية والاستعلاء لا علاقة لهما بما يتحدث عنه بولس هنا. تذكر العلاقة بين الله الآب والله الابن – هما متساويان تمامًا في الجوهر، لكن لكل منهما أدوار مختلفة عندما يتعلق الأمر بممارسة السلطان.
- قد يقول البعض أن الكنيسة لن تستطيع أن تعمل بشكل جيد ما لم تتفق مع العصر وتعطي النساء سلطة روحية وعقائدية في الكنيسة. وقد يتفق هذا مع ثقافتنا، لكن كيف يمكن لمثل هذه الكنيسة أن تقول بأنها تتبع كلمة الله؟
- يجب النظر إلى قضايا القيادة والخضوع في سياقها الأوسع، ليس فقط كصراع بين الرجال والنساء، بل كصراع مع قضية السلطة بشكل عام. فمنذ ستينيات القرن العشرين، حدث تغيير هائل في طريقة رؤيتنا وقبولنا للسلطة.
- ليس لدى كل المواطنون نفس قدر الاحترام لسُلطة الحكومة؛ وليس لدى كل الطلاب نفس قدر الاحترام لسلطة المعلم؛ وليس لدى كل النساء نفس قدر الاحترام لسُلطة الرجال؛ وليس لدى كل الأطفال نفس قدر الاحترام لسلطة الوالدين؛ وليس لدى كل الموظفين نفس قدر الاحترام لسُلطة صاحب العمل؛ وليس لدى كل الناس نفس قدر الاحترام لسُلطة الشرطة؛ وهكذا المؤمنين ليس لديهم نفس قدر الاحترام لسُلطة الكنيسة.
- من المهم أن نسأل أنفسنا ما إذا كانت هذه التغييرات هي للأفضل؟ هل نشعر بأمان أكثر؟ هل نحن أكثر ثقة في ثقافتنا؟ هل أصبح التليفزيون ووسائل الترفيه الأخرى أفضل أم أسوأ؟ للأسف، أصبح مجتمعنا في حالة من الفوضى الكاملة بسبب عدم قبول أي سلطة، وأصبح كل ما يهُم هو مصلحتي الشخصية.
- تتصف حالتنا الأخلاقية الحالية بالفوضى، حيث لا توجد سلطة أخلاقية تحكم ثقافتنا. فعندما يتعلق الأمر بالأخلاق، فإن ما يهُم هو حرية المرء في أن يفعل ما يشاء. حتى على الصعيد المدني، أصبحت الكثير من الاحياء في مجتمعاتنا في حالة فوضى وأصبحت ترفض حتى سلطة الحكومة، فكل ما يهم هو أن يفعل الفرد ما يريد.
- يجب أن نُدرك الهجوم الأوسع على السلطة كخطة شيطانية مباشرة لتدمير مجتمعنا وتدمير أرواح ملايين الأفراد. فالشيطان يسعى لإنجاز هذا من خلال هجومين رئيسيين: الأول، فساد السلطة؛ والثاني، رفض السلطة.
- إن هذه الأفكار عن السلطة والخضوع هامة جدًا بالنسبة لله حتى أنها جزء من وجوده. فالأقنوم الأول من الثالوث الأقدس يُدعى الآب، والثاني يُدعى الابن. توجد علاقة سُلطة وخضوع متأصلة في هذه الألقاب، حيث يمارس الآب السلطة على الابن، ويخضع الابن لسلطة الآب، وهو شيء متأصل في طبيعة الله ووجوده! وفشلنا في ممارسة أو الخضوع للسُلطة الكتابية، يعتبر خطية ضد طبيعة الله. هل تذكر الآية في صموئيل الأول ٢٣:١٥ لأَنَّ التَّمَرُّدَ كَخَطِيَّةِ الْعِرَافَةِ.
هـ) الآيات (١١-١٢): القيادة (رأس) في ضوء الاعتماد المتبادل بين الرجال والنساء.
١١غَيْرَ أَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ مِنْ دُونِ الْمَرْأَةِ، وَلاَ الْمَرْأَةُ مِنْ دُونِ الرَّجُلِ فِي الرَّبِّ. ١٢لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ هِيَ مِنَ الرَّجُلِ، هكَذَا الرَّجُلُ أَيْضًا هُوَ بِالْمَرْأَةِ. وَلكِنَّ جَمِيعَ الأَشْيَاءِ هِيَ مِنَ اللهِ.
- غَيْرَ أَنَّ: بالإضافة إلى كل ما قاله بولس عن قيادة الرجال في الكنيسة، إنه من الخطأ اعتبار أن القيادة هي النشاط الوحيد الفعَّال بين الرجال والنساء في الكنيسة. يجب ألا ننسى أَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ مِنْ دُونِ الْمَرْأَةِ، وَلاَ الْمَرْأَةُ مِنْ دُونِ الرَّجُلِ، (لَا المَرْأةُ مُسْتَقِلَّةٌ عَنِ الرَّجُلِ، وَلَا الرَّجُلُ مُسْتَقِلٌّ عَنِ المَرْأةِ) وأن كل منهما يحتاج إلى الآخر، لذلك لا يوجد مجال لتسلُط الرجال على النساء.
- “حتى بعد أن أكد على خضوع المرأة، يستمر بولس في التأكيد بشكل مباشر على الشراكة الأساسية بين الرجل والمرأة. فلا يمكن أن يعيش أي منهما من دون الآخر. إذا كان هناك خضوع، فذلك من أجل أن تكون الشراكة أكثر اثمارًا وجمالًا لكليهما.” باركلي (Barclay)
- أَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ هِيَ مِنَ الرَّجُلِ، هكَذَا الرَّجُلُ أَيْضًا هُوَ بِالْمَرْأَةِ: على الرغم من أن بولس قد اعترف بترتيب الخلق وربطه بمبدأ قيادة الرجال في الكنيسة، إلا أنه حريص أيضًا على ذِكر أن الرَّجُلُ أَيْضًا هُوَ بِالْمَرْأَةِ. فهناك ترابط هام بين دور الرجل كقائد في الكنيسة والبيت.
- “من ناحية أخرى، ومنذ بداية الخلق، كل رجل وُلدَ من امرأة: فهي تحبل به في رحِمَها وتُرضِعه وتهتم بتعليمه وتدلله؛ لذا فالرجل ليس لديه أي مُبرر للتقليل من شأن المرأة أو القسوة عليها.” بوله (Poole)
- لذلك فإن الرجل الذي يحكم في الكنيسة أو في البيت بدون محبة أو إدراك للمكانة الهامة والحيوية التي أعطاها الله للمرأة، فهو لا يفعل مشيئة الله.
- “الرجل الذي لا يستطيع الحكم إلا بالقوة، من الأفضل أن يظل أعزب. ولكن الرجل الذي يعرف كيف يحكم بيته بمحبة الرب، من خلال تقديم ذبيحة الخضوع للرب، هو الزوج المثالي. وكذلك، المرأة التي لن تستطيع أن تخضع لسُلطة الرجل، من الأفضل أن تظل بدون زواج.” ريدباث (Redpath)
- يروي ج. كامبل مورغان ( Campbell Morgan) قصة المرأة المؤمنة المُسنَّة التي لم تتزوج أبدًا بسبب أنها لم تقابل الرجل الذي يستطيع أن يسود عليها. لقد كانت تفهم الفكرة جيدًا.
و ) الآيات (١٣-١٦): الاحتكام وفقًا للخبرة الشخصية والطبيعة والحس السليم والسلطة الرسولية.
١٣احْكُمُوا فِي أَنْفُسِكُمْ: هَلْ يَلِيقُ بِالْمَرْأَةِ أَنْ تُصَلِّيَ إِلَى اللهِ وَهِيَ غَيْرُ مُغَطَّاةٍ؟ ١٤أَمْ لَيْسَتِ الطَّبِيعَةُ نَفْسُهَا تُعَلِّمُكُمْ أَنَّ الرَّجُلَ إِنْ كَانَ يُرْخِي شَعْرَهُ فَهُوَ عَيْبٌ لَهُ؟ ١٥وَأَمَّا الْمَرْأَةُ إِنْ كَانَتْ تُرْخِي شَعْرَهَا فَهُوَ مَجْدٌ لَهَا، لأَنَّ الشَّعْرَ قَدْ أُعْطِيَ لَهَا عِوَضَ بُرْقُعٍ. ١٦وَلكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُظْهِرُ أَنَّهُ يُحِبُّ الْخِصَامَ، فَلَيْسَ لَنَا نَحْنُ عَادَةٌ مِثْلُ هذِهِ، وَلاَ لِكَنَائِسِ اللهِ.
- احْكُمُوا فِي أَنْفُسِكُمْ: يناشد بولس مؤمني كورنثوس أن يحكموا على الأمور بأنفسهم.
- هَلْ يَلِيقُ بِالْمَرْأَةِ أَنْ تُصَلِّيَ إِلَى اللهِ وَهِيَ غَيْرُ مُغَطَّاةٍ؟ يخاطب بولس هنا المؤمنين من خلفية يهودية. وبما أن الرجال كانوا يغطون رؤوسهم أثناء الصلاة، إذن من غير المعقول بِالْمَرْأَةِ أَنْ تُصَلِّيَ إِلَى اللهِ وَهِيَ غَيْرُ مُغَطَّاةٍ؟ فقد عَلَمَتهُم تجربتهم الشخصية أن النساء يجب أن يحافظن على تقليد غطاء الرأس عندما تجتمع الكنيسة.
- أَمْ لَيْسَتِ الطَّبِيعَةُ نَفْسُهَا تُعَلِّم: في كلٍ من الثقافة اليهودية واليونانية، كان الشعر القصير شائعًا بالنسبة للرجال. لذلك كان عَيْبٌ للرجل أن يُرخي شعره، لأن ذلك كان يُعتبر تشبهًا بالنساء.
- طالما عرفنا أن النساء بشكلٍ عام شعرهن أطول من الرجال. ومع أن شعر الرجال كان يُترك طويلًا في بعض الثقافات والفترات الزمنية، إلا أن شعر النساء كان ولا يزال أطول بشكل عام من شعر الرجال.
- بناءً على هذه الآية، اعتقد الكثير من الناس أن الشعر الطويل للرجل (أو على الأقل شعرًا تعتبره ثقافة معينة طويلًا) يعتبر خطية. فالشعر الطويل في حد ذاته لا يمكن أن يكون خطية؛ فبولس نفسه، الذي نذر نذرًا، كان شعره طويلًا في فترة ما أثناء وجوده في كورنثوس (أعمال الرسل ١٨:١٨). فلم يكن حديثه عن النذر ليعني أي شيء لو كان الشعر الطويل هو الطبيعي.
- بينما من الخطأ أن يتشبه الرجل بالمرأة (تثنية ٥:٢٢)، إلا أن الشعر الطويل للرجل ليس بالضرورة مؤشرًا على ذلك. فمن الأفضل أن يهتم معظم الوعاظ بطول عظاتهم بدلاً من طول شعر الناس.
- لأَنَّ الشَّعْرَ قَدْ أُعْطِيَ لَهَا عِوَضَ بُرْقُعٍ: نظرًا لأن شعر النساء بصفة عامة أطول من الرجال، فإن بولس يفكر في هذا الشعر الطويل وكأنه “غطاء طبيعي.” فإن أعطت الطبيعة المرأة شعرًا طويلًا كغطاء لها، فهذا في حد ذاته مؤشرًا لاحتياج المرأة إلى تغطية (وفقًا للعادات القديمة لأهل كورنثوس).
- إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُظْهِرُ أَنَّهُ يُحِبُّ الْخِصَامَ، فَلَيْسَ لَنَا نَحْنُ عَادَةٌ مِثْلُ هذِهِ وَلاَ لِكَنَائِسِ اللهِ: في هذا الاحتكام إلى السلطة الرسولية، يطلب بولس من مؤمني كورنثوس ألا يكونوا مُحبين للخصام، خاصة لأن كَنَائِسِ اللهِ الأخرى تبنت عاداتها من حق الله.
ثانيًا. تعليمات بشأن الالتزام بعشاء الرب
أ ) الآيات (١٧-١٩): مقدمة عن مشكلة.
١٧وَلكِنَّنِي إِذْ أُوصِي بِهذَا، لَسْتُ أَمْدَحُ كَوْنَكُمْ تَجْتَمِعُونَ لَيْسَ لِلأَفْضَلِ، بَلْ لِلأَرْدَإِ. ١٨لأَنِّي أَوَّلاً حِينَ تَجْتَمِعُونَ فِي الْكَنِيسَةِ، أَسْمَعُ أَنَّ بَيْنَكُمُ انْشِقَاقَاتٍ، وَأُصَدِّقُ بَعْضَ التَّصْدِيقِ. ١٩لأَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَكُمْ بِدَعٌ أَيْضًا، لِيَكُونَ الْمُزَكَّوْنَ ظَاهِرِينَ بَيْنَكُمْ.
- تَجْتَمِعُونَ لَيْسَ لِلأَفْضَلِ، بَلْ لِلأَرْدَإِ: يكتب بولس لمؤمني كورنثوس بالطريقة التي قد يكتب بها للعديد من جماعات المؤمنين اليوم: يَجْتَمِعُونَ، لَيْسَ لِلأَفْضَلِ، بَلْ لِلأَرْدَإِ! مع أن اجتماعهم معًا كان يجب أن يكون لصالحهم (وهو شيء يهمله كثير من المؤمنين اليوم غير مطيعين لما جاء في عبرانيين ٢٥:١٠) إلا أنه من المُحزن إن تجمعهم لم يكن لِلأَفْضَلِ، بَلْ لِلأَرْدَإِ.
- أَسْمَعُ أَنَّ بَيْنَكُمُ انْشِقَاقَاتٍ: جزء كبير من مشكلة مؤمني كورنثوس كانت الانْشِقَاقَاتٍ، والتي سمع بها بولس وصدقها لأنه كان يعرف تاريخهم وطبيعتهم.
- تحدث بولس عن مشكلة الانْشِقَاقَاتٍ بين مؤمني كورنثوس في كورنثوس الأولى ١٠:١-١٧ بطريقة لاهوتية بحتة. أما هنا، فقد تعامل مع مشكلة الانشقاقات بينهم بطريقة عملية.
- لأَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَكُمْ بِدَعٌ أَيْضًا: عادةً ما نرى أن الانْشِقَاقَاتٍ والبِدَع بين المؤمنين ليست أكثر من كونها مشكلة. ولكن بولس يكشف عن غرض الله في السماح بمثل هذه البِدَع: لِيَكُونَ الْمُزَكَّوْنَ ظَاهِرِينَ بَيْنَكُمْ. أي أن البِدع، مع مرور الوقت، تُظهر أولئك الذين ينتمون حقًا إلى الله!
ب) الآيات (٢٠-٢٢): السلوك السيء لمؤمني كورنثوس عند تناول الطعام معًا.
٢٠فَحِينَ تَجْتَمِعُونَ مَعًا لَيْسَ هُوَ لأَكْلِ عَشَاءِ الرَّبِّ. ٢١لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَسْبِقُ فَيَأْخُذُ عَشَاءَ نَفْسِهِ فِي الأَكْلِ، فَالْوَاحِدُ يَجُوعُ وَالآخَرُ يَسْكَرُ. ٢٢أَفَلَيْسَ لَكُمْ بُيُوتٌ لِتَأْكُلُوا فِيهَا وَتَشْرَبُوا؟ أَمْ تَسْتَهِينُونَ بِكَنِيسَةِ اللهِ وَتُخْجِلُونَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ؟ مَاذَا أَقُولُ لَكُمْ؟ أَأَمْدَحُكُمْ عَلَى هذَا؟ لَسْتُ أَمْدَحُكُمْ!
- فَحِينَ تَجْتَمِعُونَ مَعًا: يشير بولس هنا إلى عادات الكنيسة الأولى المتمثلة في الجمع بين وليمة المحبة (عشاء مشترك) وبين عشاء الرب.
- لأن يسوع المُقام كان في كثير من الأحيان يأكل مع تلاميذه، فكان منطقيًا بالنسبة للكنيسة الأولى تناول وليمة معًا أثناء الاحتفال بعشاء الرب.
- كُلَّ وَاحِدٍ يَسْبِقُ فَيَأْخُذُ عَشَاءَ نَفْسِهِ فِي الأَكْلِ، فَالْوَاحِدُ يَجُوعُ وَالآخَرُ يَسْكَرُ: للأسف، كان مؤمنو كورنثوس يتصرفون بأنانية عند تناول الطعام معًا، وهكذا كان سلوكهم يسئ إلى خدمة عشاء الرب.
- تحتفل الكنيسة العصرية بعشاء الرب في وقار، لكن مؤمني كورنثوس أتوا من ثقافة وثنيه اعتادت المآدب الهائجة والصاخبة التي كانت تُقدم على شرف آلهتهم، لذا لم يبدو غريبًا على مؤمني كورنثوس أن يَسْكَرُوا عند تناولهم الطعام معًا بالكنيسة.
- وَاحِدٍ يَسْبِقُ فَيَأْخُذُ عَشَاءَ نَفْسِهِ فِي الأَكْلِ… وَالْوَاحِدُ يَجُوعُ: لماذا كان يَجُوعُ البعض في العشاء المشترك بكنيسة كورنثوس؟ لأن بعضهم كان أكثر ثراءً من غيرهم، وهكذا كان يتم إهمال الأكثر فقراً منهم (أَمْ…. تُخْجِلُونَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ؟).
- في تلك الأيام، كان من المعتاد أن تحصل “الطبقة العليا” على طعام أفضل وكميات أكثر مما تحصل عليه “الطبقة الدُنيا.” وقد نُقلت هذه العادة الثقافية إلى الكنيسة، فلم يشارك المؤمنون بعضهم البعض. فكان الأغنياء يجلبون إلى الاجتماعات كميات من الطعام أكثر مما يجلبه الفقراء ولكن الطعام لم يوزع بطريقة عادلة.
- كانت مسألة الطبقات الاجتماعية في تلك الثقافة ظاهرة جدًا، وهو ما أحزن بولس كثيرًا.
- لَيْسَ لَكُمْ بُيُوتٌ لِتَأْكُلُوا فِيهَا وَتَشْرَبُوا؟ أَمْ تَسْتَهِينُونَ بِكَنِيسَةِ اللهِ: إن رسالة بولس قوية وصريحة – “إذا كنت تريد أن تأكل أو تشرب بأنانية، فافعل ذلك في بيتك!”
- أَأَمْدَحُكُمْ عَلَى هذَا؟ لَسْتُ أَمْدَحُكُمْ: أوضح بولس فكرته مستخدمًا التكرار؛ مكررًا لَسْتُ أَمْدَحُكُمْ ثلاث مرات في هذا الجزء الموجز. لم يكن الرسول سعيدًا بمؤمني كورنثوس في هذه المرحلة.
ج ) الآيات (٢٣-٢٦): كيف يُدار عشاء الرب الحقيقي.
٢٣لأَنَّنِي تَسَلَّمْتُ مِنَ الرَّبِّ مَا سَلَّمْتُكُمْ أَيْضًا: إِنَّ الرَّبَّ يَسُوعَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي أُسْلِمَ فِيهَا، أَخَذَ خُبْزًا ٢٤وَشَكَرَ فَكَسَّرَ، وَقَالَ: «خُذُوا كُلُوا هذَا هُوَ جَسَدِي الْمَكْسُورُ لأَجْلِكُمُ. اصْنَعُوا هذَا لِذِكْرِي». ٢٥كَذلِكَ الْكَأْسَ أَيْضًا بَعْدَمَا تَعَشَّوْا، قَائِلاً: «هذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي. اصْنَعُوا هذَا كُلَّمَا شَرِبْتُمْ لِذِكْرِي». ٢٦فَإِنَّكُمْ كُلَّمَا أَكَلْتُمْ هذَا الْخُبْزَ وَشَرِبْتُمْ هذِهِ الْكَأْسَ، تُخْبِرُونَ بِمَوْتِ الرَّبِّ إِلَى أَنْ يَجِيءَ.
- لأَنَّنِي تَسَلَّمْتُ مِنَ الرَّبِّ مَا سَلَّمْتُكُمْ أَيْضًا: لم يختلق بولس هذا، بل تسلمه من الرب. لقد جاء إليه من الرب إما بطريقة شخصية أو من خلال الرسل الآخرين.
- “يعتقد البعض أن بولس تسلَّم هذا من الرب من خلال رؤيا… ويعتقد البعض الآخر أنه تسلَّمه من كتابات القديس لوقا (لأن الكلمات مُقتبسة من إنجيل لوقا). ويعتقد آخرون أنه تسلمه من بعض الرسل الآخرين. ولكن المؤكد أنه تسلَّمه من الرب؛ ولكن كيف؟ هذا غير مؤكد.” بوله (Poole)
- فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي أُسْلِمَ فِيهَا: عند مراجعة أحداث الليلة التي سبقت صلب يسوع، تذكَّر بولس أن يسوع لم يُنفَّذ فيه الموت على أيدي قوة خارجية فقط، بل أُسْلِمَ من قِبل خاصته.
- وَشَكَرَ: في اللاهوت وفي التقليد الكنسي، غالبًا ما يطلق على عشاء الرب اسم (eucharist). وتأتي هذه الكلمة من الكلمة اليونانية القديمة المستخدمة هنا شَكَرَ.
- فَكَسَّرَ، وَقَالَ: أثناء ممارسته لخدمة عشاء الرب، يُشدد بولس على أهمية تذكُّر يسوع، وتذكر كلامه عن معنى موته من أجلنا.
- وفقًا للوصايا الكتابية والتقاليد اليهودية، العشاء الأخير كان في الواقع وليمة فصح احتفلفيها يسوع مع التلاميذ بذكرى خلاص بني إسرائيل من مصر ورحلتهم إلى أرض الموعد كما ورد من بداية سفر الخروج.
- كان كسر الخبز وشرب الخمر جزءًا مهمًا من الاحتفال بعيد الفصح. أخذ يسوع هذه الصور والتذكارات المهمة من خلاص بني إسرائيل من مصر، ثم أضاف إليها المعاني المرتبطة بموته على الصليب من أجلنا.
- هذَا هُوَ جَسَدِي: عند تناول الخبز، نحن مدعوون إلى تذكر جسد يسوع الْمَكْسُورُ لأَجْلنا. فتُظهر وليمة الفصح الخبز المصنوع بدون خميرة، أولًا: لأن الخميرة هي صورة الخطية والفساد في الكتاب المقدس، وثانيًا: لأن الخميرة تحتاج إلى وقت لتعمل في الخُبز – ولم يكن لدى بنى إسرائيل الوقت الكافي لتخمير الخبز لأنهم كانوا على عجل عند مغادرتهم مصر.
- كان الخبز غير المُختمر، المُستخدم في وليمة الفصح، به حرق وثقوب تبدو كما لو كانت علامات “طعن” مثل تلك التي كانت في جسد يسوع الذي كُسر لأجلنا. لقد كان بلا خطية، مثلما كان الخُبز بلا خميرة، وقد حمل في جسده جلدات وطعنات، مثلما بدا الخُبز.
- هذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي: تُبرز وليمة الفصح عدة كؤوس خمر، لكلٍ منها لقب مختلف. الكأس التي أشار إليها يسوع كانت تُعرف باسم كأس الفداء. تشير هذه الكأس إلى الفداء من العبودية في أرض مصر، ثم أضاف يسوع إليها فكرة أن دمه هو الْعَهْدُ الْجَدِيدُ الذي غير علاقتنا مع الله.
- أي رجل عادي يملك الجرأة لإقامة عهد جديد بين الله والإنسان؟ ولا واحد، لكن يسوع هنا أسس عهدًا جديدًا، مختومًا بالدم، كما كان العهد القديم مختومًا بالدم أيضًا (خروج ٨:٢٤).
- ما هو الْعَهْدُ الْجَدِيد؟
- إنه التغيير الداخلي الذي طهرنا من كل خطية: لأَنِّي أَصْفَحُ عَنْ إِثْمِهِمْ، وَلاَ أَذْكُرُ خَطِيَّتَهُمْ بَعْدُ (إرميا ٣٤:٣١).
- إنه كلمة الله ومشيئته فينا: أَجْعَلُ شَرِيعَتِي فِي دَاخِلِهِمْ وَأَكْتُبُهَا عَلَى قُلُوبِهِمْ (إرميا ٣٣:٣١).
- إنه علاقة جديدة ووثيقة مع الله: وَأَكُونُ لَهُمْ إِلهًا وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْبًا (إرميا ٣٣:٣١).
- مع أن عمل يسوع على الصليب أتاح لنا فرصة إقامة علاقة عهد جديدة مع الله، إلا أن العديد من المؤمنين يعيشون كما لو لم يكن هناك تغيير داخلي ولا تطهير من الخطية ويوجد لكلمة الله ومشيئته أي مكان في قلوبهم. إنهم يعيشون كما لو أنه لا توجد علاقة جديدة وثيقة مع الله.
- تُخْبِرُونَ بِمَوْتِ الرَّبِّ إِلَى أَنْ يَجِيءَ: بينما الهدف من عشاء الرب هو التأمل بعمل يسوع على الصليب، إلا أنه يتطلع أيضًا إلى مجيء يسوع الثاني وعشاء عُرس الخروف (رؤيا يوحنا ٩:١٩).
- تحدث يسوع في إنجيل متى ٢٩:٢٦ عن انتظاره بشوق لليوم الذي سيتناول فيه العشاء مع شعبه في السماء، وهو عشاء الرب الأسمى.
- أَكَلْتُمْ هذَا الْخُبْزَ وَشَرِبْتُمْ هذِهِ الْكَأْسَ: الفهم الدقيق لمعنى هذه الكلمات كانت دائماً مصدراً لجدل لاهوتي كبير بين المؤمنين.
- فالكنيسة الكاثوليكية آمنت بفكرة التحول، وعلمت أن الخبز والخمر يتحولان ويصبحان في الواقع جسد ودم يسوع.
- أما مارتن لوثر فآمن بفكرة حلول الجسد والدم في العناصر بالإيمان، وعلّم بأن الخبز والخمر لا يتغيران ولكن بالإيمان يصبحان كجسد يسوع الحقيقي. صحيح أن لوثر لم يؤمن بالعقيدة الكاثوليكية، إلا أنه لم يبتعد عنها كثيرًا.
- وعَلّم جون كالفن (John Calvin) أن حضور يسوع في الخبز والنبيذ كان حقيقياً ولكن بالمعنى الروحي وليس الحرفي. وعَلّم زوينغلي (Zwingli) أن الخبز والنبيذ هي رموز هامة تمثل جسد ودم يسوع. وعندما ناقش الإصلاحيون السويسريون القضية مع مارتن لوثر في ماربورغ-المانيا، حصل خلاف كبير. فقد أصر لوثر على حضور يسوع جسدياً بطريقة ما، لأنه قال: “هَذَا هُوَ جَسَدِي.” وكرر ذلك مرات عدة، حتى أنه كتبها على ألواح مخملية في اللاتينية: “هَذَا هُوَ جَسَدِي.” فأجابه زوينغلي: “قال يسوع أيضاً عن نفسه، أنا الكرمة … وأنا الباب، ولكننا فهمنا قصده عندما قال هذا. فرد لوثر: “لا أعلم، ولكن إن طلب مني المسيح أن آكل الفضلات لفعلت، عالماً أنه أمر جيد لي.” كان لوثر مقتنعاً تماماً بهذا لأنه رأى أنها مسألة تتعلق بوضع الثقة بكلمات المسيح، ولأنه كان يعتقد أن زوينغلي كان مساوماً ومن روح آخر. ولسخرية الأمر، قرأ لوثر في وقت لاحق كتابات كالفن حول العشاء الرباني (والتي كانت أساساً تحمل نفس معتقدات زوينغلي)، ويبدو أنه أتفق معها أو على الأقل كان لديه قبول.
- يمكننا أن نفهم بحسب الكتاب المقدس، أن نفهم أن الخبز والخمر ليسا مجرد رمزين، بل هما صورتان قويتان لدخولنا في شركة مع يسوع، فمائدة الرب هي فصحنا الجديد.
- تُخْبِرُونَ بِمَوْتِ الرَّبِّ إِلَى أَنْ يَجِيءَ: تُخْبِرُونَ هي نفس الكلمة المترجمة “وعظ” في مواضع أخرى. فعندما نشترك في عشاء الرب، نحن نعظ ونخبر ونشهد عن موت يسوع لله نفسه وللشيطان وأعوانه وللعالم الذي يشاهدنا أيضًا.
- “ماذا تخبر الآخرين عندما تكسر الخبز ويسجد قلبك أمام الله؟ كثيرًا ما كسرنا الخبز معًا حول مائدة الرب، ثم خرجنا لنفعل ما فعله هؤلاء التلاميذ تمامًا – أنكرناه.” ريدباث (Redpath)
د ) الآيات (٢٧-٢٨): كيف نعد أنفسنا لتناول عشاء الرب.
٢٧إِذًا أَيُّ مَنْ أَكَلَ هذَا الْخُبْزَ، أَوْ شَرِبَ كَأْسَ الرَّبِّ، بِدُونِ اسْتِحْقَاق، يَكُونُ مُجْرِمًا فِي جَسَدِ الرَّبِّ وَدَمِهِ. ٢٨وَلكِنْ لِيَمْتَحِنِ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ، وَهكَذَا يَأْكُلُ مِنَ الْخُبْزِ وَيَشْرَبُ مِنَ الْكَأْسِ.
- أَيُّ مَنْ أَكَلَ هذَا الْخُبْزَ، أَوْ شَرِبَ كَأْسَ الرَّبِّ، بِدُونِ اسْتِحْقَاق، يَكُونُ مُجْرِمًا فِي جَسَدِ الرَّبِّ وَدَمِهِ: يُخبر بولس مؤمني كورنثوس أن عليهم أن يتعاملوا مع عشاء الرب بوقار، وأن يفحصوا أنفسهم باستمرار. ومع ذلك، لم يُكتَب هذا كي لا نشترك في مائدة الرب، لكن لإعدادنا لتناولها بقلب صالح.
- أثارت كلمة ’بِدُونِ اسْتِحْقَاق‘ الكثير من المشاكل. فاعتقد البعض أن عليهم “كسب الاستحقاق” قبل أن يشتركوا في مائدة الرب. واعتقد البعض أنهم إن أخطأوا يصبحون غير مستحقين ولا يجوز لهم الإشتراك في ذكرى عمل يسوع على الصليب من أجلهم.
- هذا سوء فهم خطير، لأن الخاطئ بالذات يحتاج أن يتذكر عمل يسوع على الصليب من أجله! فالتوبة تدفعنا نحو مخلصنا وليس بعيداً عنه. ولكن إن أخطأ المؤمن واستمر بعناد في خطيته، فإنه يستهزئ بعمل يسوع على الصليب الذي غسل خطيته.
- لا نملك أي شيء يجعلنا نستحق عمل يسوع من أجلنا على الصليب، فموته كان بسبب محبته العظيمة لنا وليس لأننا مميزين ونستحق ذلك. فعندما نتناول الخبز والكأس، ليس علينا بالضروري أن نشعر بنشوة روحية، بل ببساطة أن نفتح قلوبنا ليسوع ونُدرك حضوره معنا وفينا!
- وجد المُفسِّر التطهُّري ماثيو بوله (Matthew Poole) أنه من المفيد جدًا أن بولس استخدم مصطلحي الْخُبْزَ وكَأْسَ، وليس كلمتي جسد ودم. “يبدو أن الخبز والخمر لا يتحولان (كما تقول الكنيسة الكاثوليكية) ولا يصبحان جسد ودم المسيح عند تناولهما. هما نفس الخبز والخمر.”
- لِيَمْتَحِنِ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ: مرة أخرى، يجب أن نقوم بتقييم أنفسنا تقييمًا صادقًا لمعرفة ما إذا كنا نسلك بطريقة تُكرم الرب ونحن نتناول الخبز والكأس.
- الفكرة واضحة: امْتَحِن نَفْسَك، ثم كُل الخُبز واشرب الكأس. فليست الفكرة إبعاد الناس عن مائدة الرب، بل إعدادهم لها بالطريقة الصحيحة.
هـ ) الآيات (٢٩-٣٢): النتائج المحتملة لكونك مجرمًا في جسد الرب ودمه.
٢٩لأَنَّ الَّذِي يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ بِدُونِ اسْتِحْقَاق يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ دَيْنُونَةً لِنَفْسِهِ، غَيْرَ مُمَيِّزٍ جَسَدَ الرَّبِّ. ٣٠مِنْ أَجْلِ هذَا فِيكُمْ كَثِيرُونَ ضُعَفَاءُ وَمَرْضَى، وَكَثِيرُونَ يَرْقُدُونَ. ٣١لأَنَّنَا لَوْ كُنَّا حَكَمْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا لَمَا حُكِمَ عَلَيْنَا، ٣٢وَلكِنْ إِذْ قَدْ حُكِمَ عَلَيْنَا، نُؤَدَّبُ مِنَ الرَّبِّ لِكَيْ لاَ نُدَانَ مَعَ الْعَالَمِ.
- يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ دَيْنُونَةً لِنَفْسِهِ: السلوك بعدم وقار تجاه عشاء الرب يدعو إلى تأديب الله؛ لذا يجب أن نحكُم عَلَى أَنْفُسِنَا حتى لا يُحكم عَلَيْنَا. إذا كنا نؤدِّب أنفسنا، فلن يحتاج الله إلى أن يضع علينا يد تأديبه.
- تستخدم كنيسة الروم الكاثوليك عبارة “غَيْرَ مُمَيِّزٍ جَسَدَ الرَّبِّ” لدعم عقيدة تجسد الكـأس والخبز. ويعتقدون أن أهل كورنثوس لم يفهموا أنهم كانوا يتناولون فعليًا الجسد الحقيقي والدم الحقيقي ليسوع ولهذا السبب كانوا مذنبين، لكن هذا يعد أساسًا هزيلًا لبناء هذه التهمة الضخمة. فمن السهل أن نرى جَسَدَ الرَّبِّ هو إشارة لعائلة الكنيسة، وأن عدم احترام ومحبة الكنيسة وأفرادها هو الذي تسبب في مشاكل الأنانية بين مؤمني كورنثوس.
- مِنْ أَجْلِ هذَا فِيكُمْ كَثِيرُونَ ضُعَفَاءُ وَمَرْضَى، وَكَثِيرُونَ يَرْقُدُونَ: كانت دينونة شديدة. فمن الواضح أن بعض مؤمني كورنثوس قد تعرضوا لأمراض والبعض مات نتيجة لتأديب الله.
- عندما كتب بولس يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ دَيْنُونَةً فهو لا يشير إلى الدينونة الأبدية، ولكن إلى الدينونة التي تؤدي إلى التوبة. لا توجد أداة تعريف “ال” قبل كلمة “دينونة”، لذا فهي ليست “الدينونة.” فهذا التأديب ليس كالقاضي الذي يدين المُجرم؛ بل كالأب الذي يؤدب أبناؤه العصاة.
- كما ذُكر في يوحنا الأولى ١٦:٥، توجد خطية للموت، وحنانيا وسفيرة في أعمال الرسل ٥ كانا مثالين على ذلك. ويبدو أن الله يسمح بموت المؤمن غير التائب والذي خسر شهادته لمصلحته.
- ولكن علينا ألا نفترض هذا في كل حالة وفاة مفاجئة بين المؤمنين أو أن نستخدمها كعذر لانتحار المؤمن الخاطئ الذي يغمره الشعور بالذنب. فحياتنا هي بين يدي الله، وإذا رأى أنه من الملائم أن يُعيد أحد أبنائه إلى بيته السماوي، فلا بأس.
- نُؤَدَّبُ مِنَ الرَّبِّ لِكَيْ لاَ نُدَانَ مَعَ الْعَالَم: من الواضح هنا أن بولس كان يعرف أنه لم يفقد أحد من مؤمني كورنثوس خلاصه، حتى من ماتوا نتيجة لتأديب الله. لقد تأدبوا حتى لا يُدانوا مع العالم.
و ) الآيات (٣٣-٣٤): ملخص: كيف نتصرف وقت الشركة في الكنيسة.
٣٣إِذًا يَا إِخْوَتِي، حِينَ تَجْتَمِعُونَ لِلأَكْلِ، انْتَظِرُوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. ٣٤إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَجُوعُ فَلْيَأْكُلْ فِي الْبَيْتِ، كَيْ لاَ تَجْتَمِعُوا لِلدَّيْنُونَةِ. وَأَمَّا الأُمُورُ الْبَاقِيَةُ فَعِنْدَمَا أَجِيءُ أُرَتِّبُهَا.
- انْتَظِرُوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا: إنها ليست مجرد أخلاق جيدة، بل تُظهر المحبة تجاه الآخرين. إذا انْتَظِرتم بَعْضُكُمْ بَعْضًا سيحصل الجميع على ما يكفي من الطعام، بدلاً من أن يُتخم البعض بالطعام ويجوع آخرون.
- إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَجُوعُ فَلْيَأْكُلْ فِي الْبَيْتِ: لا تُبالغ في تناول الطعام في الكنيسة، لأن ذلك قد يعني أن شخصًا آخر لن يحصل على ما يكفي من الطعام. إذا كنت جائعًا لهذا الحد، فلتأكل في البيت!
- كَيْ لاَ تَجْتَمِعُوا لِلدَّيْنُونَةِ: بسبب الأنانية فيما يختص بأمر بسيط مثل تناول الطعام، جلب مؤمنو كورنثوس دينونة الله على أنفسهم! يريد بولس توضيح الأمور وتذكيرهم بأن الأمر لا يستدعي ذلك على الإطلاق.
- وَأَمَّا الأُمُورُ الْبَاقِيَةُ فَعِنْدَمَا أَجِيءُ أُرَتِّبُهَا: يعلم بولس أنه لم يعالج كل المشاكل هنا. فهناك المزيد من الأمور التي يحتاج أن يتحدث إليهم بشأنها، لكنه سيتركها لوقتٍ آخر. ألا نتوق لمعرفة ما يعنيه بولس بالأُمُورُ الْبَاقِيَةُ؟