رسالة تسالونيكي الثانية – الإصحاح ٢
مجيء ذلك اليوم
أولًا. تعليمات بخصوص مجيء يسوع
أ ) الآيات (١-٢): تعزية بولس إلى أهل تسالونيكي المضطربين وسؤالهم.
١ثُمَّ نَسْأَلُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ مِنْ جِهَةِ مَجِيءِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَاجْتِمَاعِنَا إِلَيْهِ، ٢أَنْ لاَ تَتَزَعْزَعُوا سَرِيعًا عَنْ ذِهْنِكُمْ، وَلاَ تَرْتَاعُوا، لاَ بِرُوحٍ وَلاَ بِكَلِمَةٍ وَلاَ بِرِسَالَةٍ كَأَنَّهَا مِنَّا: أَيْ أَنَّ يَوْمَ الْمَسِيحِ قَدْ حَضَرَ.
- مِنْ جِهَةِ مَجِيءِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ وَٱجْتِمَاعِنَا إِلَيْهِ: يتناول بولس هنا الأسئلة التي أثيرت في رسالته الأولى، حيث علَّم أهل تسالونيكي عن اختطاف الكنيسة لتكون مع يسوع (تسالونيكي الأولى ١٦:٤-١٨).
- يكمن التحدي في فهم هذا الإصحاح في أنَّه مُكمِّل لِمَا سبق بولس وعلّمه لأهل تسالونيكي مُشافهةً، ونحن لا نعلم بالضبط ما قال بولس لهم. بَيْدَ أنَّ الأفكار واضحة بما يكفي إذا جمَّعناها بعناية.
- مِنْ جِهَةِ مَجِيءِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ وَٱجْتِمَاعِنَا إِلَيْهِ: كتب بولس بوضوح عن رجوع يسوع، لكنَّ الصياغة هنا تعني وجود فرق بين مَجِيءِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ وٱجْتِمَاعِنَا إِلَيْهِ. فهذا يوحي بشدّة بوجود مجيئين ليسوع. المجيء الأوَّل هو لكنيسته (كما جاء بالتفصيل في تسالونيكي الأولى ١٦:٤-١٨)، والمجيء الآخر هو مع كنيسته، للحكم على العالم المتمرّد.
- “هما جزءان من حدث كبير واحد.” موريس (Morris)
- يبيّن هيبرت (Hiebert) كيف توضّح قاعدة غرانڤيل شارپ اليونانيّة في تسالونيكي الثانية ١:٢ هذه الحقيقة: “يدلّ خضوع الاسمين لأداة تعريف واحدة أنَّ المقصود حدث واحد، منظورًا إليه من جانبين مُكمِّلين.”
- يتوافق هذا تمامًا مع مقاطع أخرى من الكتاب المُقَدَّس تشير إلى ضرورة وجود جانبين من مجيء يسوع الثاني، ولا بُدّ أنَّ الجانبين تفصلهما فترة زمنية ملموسة.
- أوصاف أوضاع العالم مختلفة (إنجيل متى ٣٧:٢٤-٤٢، ٢١:٢٤، رؤيا يوحنا ١٥:٦-١٦).
- أساليب رجوع يسوع مختلفة (تسالونيكي الأولى ١٦:٤-١٧، رؤيا يوحنا ١١:١٩، ١٤-١٥، ٢١).
- السيناريوهات المتعلّقة بإمكانية التنبؤ بتاريخ رجوع يسوع مختلفة (إنجيل متى ٣٦:٢٤، سفر دانيال ١١:١٢).
- نَسْأَلُكُمْ … أَنْ لَا تَتَزَعْزَعُوا سَرِيعًا عَنْ ذِهْنِكُمْ، وَلَا تَرْتَاعُوا: يبدو أنَّ سوء فهم تعاليم بولس (أو التطبيق الخاطئ لها) قد زعزع أهل تسالونيكي في أذهانهم وسبّب لهم الرعب. استخدم بولس هنا صياغة قويّة، إذ تحدّث عن هزة مفاجئة (تَتَزَعْزَعُوا سَرِيعًا عَنْ ذِهْنِكُمْ) وحالة مستمرة من الاضطراب (تَرْتَاعُوا). وقد كانت مخاوفهم تنبع من اعتقادهم بأن يَوْمَ ٱلْمَسِيحِ قَدْ حَضَرَ (جاء) بالفعل.
- “تدلّ كلمة تَتَزَعْزَعُوا على الاضطراب مثل سفينة تتعرَّض لعاصفة في عُرض البحر، وهي تحدّد بشدة الارتباك والضيق الذي شعر به أهل تسالونيكي بسبب خوفهم الزائف من مجيء المسيح المزعوم.” كلارك (Clarke)
- القراءة الصحيحة لرسالة تسالونيكي الثانية ٢:٢ بحسب أفضل المخطوطات هنا هي «يوم الربّ» بدلاً من يَوْمَ ٱلْمَسِيحِ. يوم الربّ مفهوم له خلفيّة غنية في العهد القديم، وقد ورد ذكره في رسالة بولس السابقة إلى أهل تسالونيكي (تسالونيكي الأولى ٢:٥). إنه ليس يومًا واحدًا، ولكنَّه فترة مرتبطة بانسكاب دينونة الله وإنقاذ شعب الله. جانب كبير من يوم الربّ هو الضيقة العظيمة الموصوفة في إنجيل متى ١:٢٤-٣١.
- أَيْ أَنَّ (كما لو كان) يَوْمَ ٱلْمَسِيحِ قَدْ حَضَرَ: تقول بعض الترجمات إنَّ يوم المسيح قريب، لكنَّ الترجمة الأصحّ والمفضَّلة هي قَدْ حَضَرَ. لم يكن أهل تسالونيكي يخشون من اقتراب يَوْمَ ٱلْمَسِيحِ، بل من كونه قد جاء عليهم بالفعل.
- “الفعل لا يعني مُجَرَّد الاقتراب، بل الحضور.” موريس (Morris). يترجم دين آلفورد (Dean Alford)، المتخصّص البارز في اللغة اليونانيّة، هذ المقطع على النحو التالي: “وكأنّ يوم الربّ حاضر؛ لا أنَّه قريب. الفعل المستخدم هنا يرد ست مَرّات في العهد الجديد، ويعني دائمًا الحضور. في مرّتين من الست مَرّات، رسالة رومية ٣٨:٨، كورنثوس الأولى ٢٢:٣، يتميَّز ما هو حاضر صراحةً عما هو مستقبليّ.”
- من ثَمَّ يتّضح أنَّ يَوْمَ ٱلْمَسِيح لم يكتمل. وسيستمر بولس في إثبات أنَّ فجر ذلك اليوم لم يطلع بعد، لأنَّ أهل تسالونيكي كانوا يخشون من أنَّهم في الضيقة العظيمة (يوم الرب)، ويخشون أن يكون الاختطاف قد فاتهم. ولكنَّ بولس سيثبت أنهم ليسوا في يَوْمَ ٱلْمَسِيح. لأنَّه إذا كان الأمر كذلك، فلابد من ظهور علامات معينة.
- من المهمّ أن نلاحظ أنَّ أهل تسالونيكي لن يتزعزعوا أو يرتاعوا من فكرة أنَّهم في الضيقة العظيمة إلاَّ إذا كان بولس قد علّمهم أنهم سينجون من تلك الفترة بواسطة الاختطاف. وإلا كانوا يرحّبون بالضيقة العظيمة باعتبارها تمهيد ضروريّ للمجيء الثاني. ولكنَّ بولس علّمهم بوضوح أنَّهم سينجون من قضاء الله على هذه الأرض أثناء الفترة المعروفة باسم يوم الربّ أو يَوْمَ ٱلْمَسِيح (تسالونيكي الأولى ١٤:٤-١٨).
- لَا بِرُوحٍ وَلَا بِكَلِمَةٍ وَلَا بِرِسَالَةٍ: رُبَّما جاءت الكلمة المقلقة بواسطة نبوّة مضللة (بِرُوحٍ أو بِكَلِمَةٍ). أو رُبَّما كتب قائد آخر رسالة إلى أهل تسالونيكي يعلّم فيها أنَّهم بالفعل في يَوْمَ ٱلْمَسِيح. في كلتا الحالتين، أزعجتهم فكرة أنَّ الاختطاف قد فاتهم بطريقة أو بأخرى.
- “كان تعليم الرسل، وتعليم الروح القُدُس في كل العصور، أنَّ يوم الربّ قريب. ولكنَّ هؤلاء التسالونيكيين تخيّلوا أنَّه جاء بالفعل.” آلفورد (Alford)
ب) الآية (٣): العلامات المميِّزة لليوم الآتي.
٣لَا يَخْدَعَنَّكُمْ أَحَدٌ عَلَى طَرِيقَةٍ مَا، لِأَنَّهُ لَا يَأْتِي إِنْ لَمْ يَأْتِ ٱلِٱرْتِدَادُ أَوَّلاً، وَيُسْتَعْلَنْ إِنْسَانُ ٱلْخَطِيَّةِ، ٱبْنُ ٱلْهَلَاكِ.
- لِأَنَّهُ لَا يَأْتِي [ذلك اليوم]: لا يصف بولس الأحداث التي يجب أن تسبق الاختطاف، بل الأحداث التي هي دليل ملموس على الضيقة العظيمة – أي يَوْمَ ٱلْمَسِيح. بهذا المعنى، لا يمكن لنا التأكُّد من أنَّ يَوْمَ ٱلْمَسِيح (الضيقة العظيمة) قد أتى ما لم تظهر هذه العلامات.
- عبارة «ذلك اليوم» غير موجودة في النص الأصليّ، ولكنّ إضافتها تناسب السياق. قال آلفورد (Alford) عن عبارة «لَا يَأْتِي [ذلك اليوم]»: “يصحّ استنباطها هنا من السياق. لا يبدو أنَّ الرسول كان ينوي ملء هذا الفراغ، بل اعتمد على القارئ أنْ يملأه بنفسه.”
- إِنْ لَمْ يَأْتِ ٱلِٱرْتِدَادُ أَوَّلاً: تشير تركيبة الكلمة اليونانيّة التي تعني ٱلِٱرْتِدَاد إلى التمرد أو الترك أو التخلي عن. يختلف علماء الكتاب المُقَدَّس حول ما إذا كان ذلك يدلّ على ارتداد بين من كانوا يتبعون الله قبلاً، أو على تمرد عام في جميع أنحاء العالم. في الواقع، رُبَّما كان بولس يقصد المعنيين، لأنَّ هناك دليلًا على كليهما في أزمنة النهاية (تيموثاوس الأولى ١:٤-٣، تيموثاوس الثانية ١:٣-٥ و ٣:٤-٤). بَيْدَ أنَّ قصد بولس واضح: ’أنتم منزعجون من أننا في الضيقة العظيمة وأنَّ الاختطاف قد فاتكم. لكن يمكنكم أن تتأكّدوا من أننا لسنا في الضيقة العظيمة، لأننا لم نرَ ٱلِٱرْتِدَاد بعد، الذي لا بُدّ أنْ يَأْتي أَوَّلاً.‘
- ٱلِٱرْتِدَاد: بأداة التعريف تجعله مميَّزًا. هذا ليس أي ارتداد، بل ٱلِٱرْتِدَاد، أي التمرد الكبير والنهائيّ.
- اقترح البعض أن المقصود بـالارتداد في الحقيقة هو الترك أو التخلي عن، بمعنى اختطاف الكنيسة. ولكنَّ الترك (أو التخلي عن) يعني أنَّ الشخص الذي ترك فعل ذلك من تلقاء نفسه وبمحض إرادته، وهذا ليس هو الحال مع اختطاف الكنيسة. إضافةً إلى ذلك، فإنَّ الكلمة اليونانيّة في العهد الجديد (أعمال الرسل ٢١:٢١، الارتداد عن ناموس موسى)، وفي الترجمة السبعينية، تعني دائمًا شيئًا خاطئًا وسلبيًّا.
- لا تتناقض فكرة ارتداد أزمنة النهاية مع فكرة نهضة رائعة في أزمنة النهاية. يشكّ بعض المؤمنين في فكرة النهضة العظيمة في الأيام الأخيرة، بل ويرحّبون بالارتداد معتقدين أنَّه دليل على النهاية. ولكن كما يصف سفر الرؤيا الرفض الكبير ليسوع أثناء الضيقة العظيمة (رؤيا يوحنا ٢٠:٩-٢١، ٢:١٧-٦) وقبوله الكبير (رؤيا يوحنا ٩:٧-١٤)، فإنَّ الاثنين يمكن أن يوجدا جنبًا إلى جنب.
- وَيُسْتَعْلَنْ إِنْسَانُ ٱلْخَطِيَّةِ: قبل التمكُّن من تحديد الضيقة العظيمة على وجه اليقين، يجب الكشف عن شخص معين – المعروف باسم إِنْسَانُ ٱلْخَطِيَّةِ. فقصد بولس واضح: ’أنتم منزعجون من أننا في الضيقة العظيمة وأنَّ الاختطاف قد فاتكم. لكن يمكنكم أن تتأكّدوا من أننا لسنا في الضيقة العظيمة، لأنَّ إِنْسَان ٱلْخَطِيَّةِ لم يُسْتَعْلَنْ بعد.‘
- التفسير التقليدي لـ إِنْسَان ٱلْخَطِيَّةِ هذا هو أنَّه ليس فردًا، بل نظامًا أو منصبًا. تاريخيًّا، ذهب المفسّرون البروتستانت إلى أن إِنْسَان ٱلْخَطِيَّةِ هو الخلافة الباباوية. وهذا ما قاله كالفن (Calvin): ’لكنَّ بولس لا يتحدّث عن فرد واحد، بل عن مملكة من المفترض أن يسيطر عليها الشيطان بغرض إقامة مقرّ الرجاسة في وسط هيكل الله. وهذا ما نراه يتحقّق في البابوية.‘
- ومع ذلك، ليس هناك سبب وجيه لتفسير إنسان الخطيّة هذا على خلاف المعنى الواضح هنا – أي الفرد الذي سوف يبلغ مكانة بارزة في الأيام الأخيرة. هكذا فهم المسيحيون الأوائل معنى العبارة. “لقد فهم الآباء أنَّ ضد المسيح هو المقصود بذلك، ولكن يبدو أنَّهم لم يشكّلوا فكرة محددة عن هذا الشخص.” كلارك (Clarke)
- وصف دانيال فردًا بعينه: «وَ… رَئِيسٍ آتٍ» (سفر دانيال ٢٦:٩)، «مَلِكٌ جَافِي ٱلْوَجْهِ» (سفر دانيال ٢٣:٨)، «ٱلْمَلِكُ» العنيد (سفر دانيال ٣٦:١١-٤٥).
- وصف يسوع فردًا: شخص يأتي «بِٱسْمِ نَفْسِهِ» (يوحنا ٤٣:٥).
- فلا عجبَ أنَّ بولس وصف إِنْسَان ٱلْخَطِيَّةِ هذا بأنه فرد معيّن، وليس نظامًا أو منصبًا.
- إِنْسَان ٱلْخَطِيَّةِ هذا شخصيّة بارزة في الكتاب المُقَدَّس، وهو التجسيد النهائيّ لروح ضدّ المسيح الوارد ذكره في رسالة يوحنا الأولى ٢:٤-٣. لا شكّ أنَّه سوف يحيا قبل سنوات عديدة من الضيقة العظيمة، لكنَّه لن يُسْتَعْلَن كـإِنْسَان ٱلْخَطِيَّةِ خلال تلك الفترة. إنَّ المقصود بلقب إِنْسَان ٱلْخَطِيَّةِ هو أن “الخطيّة مهيمنة عليه بالكامل حتّى أنَّه يبدو تجسيدًا لها.” هيبرت (Hiebert)
- ٱبْنُ ٱلْهَلَاكِ: يعني ٱلْهَلَاك الدمار والخسارة التامة للرفاهية. وهو عكس الخلاص. ودعوته بـ«ابن» الهلاك يعني أنَّ شخصيّته تتميّز بهذا الهلاك. يقول موفات (Moffatt) إنَّ عبارة ’ابن الهلاك‘ تعني في الأساس المقضِيّ عليه بالهلاك.
ج) الآية (٤): ماذا يفعل إِنْسَان ٱلْخَطِيَّة.
٤ٱلْمُقَاوِمُ وَٱلْمُرْتَفِعُ عَلَى كُلِّ مَا يُدْعَى إِلَهًا أَوْ مَعْبُودًا، حَتَّى إِنَّهُ يَجْلِسُ فِي هَيْكَلِ ٱللهِ كَإِلَهٍ، مُظْهِرًا نَفْسَهُ أَنَّهُ إِلَهٌ.
- ٱلْمُقَاوِمُ وَٱلْمُرْتَفِعُ عَلَى كُلِّ مَا يُدْعَى إِلَهًا أَوْ مَعْبُودًا: يطالب إِنْسَان ٱلْخَطِيَّةِ لنفسه بالعبادة، التي تخصّ الله وحده (إنجيل لوقا ٨:٤). وهذه المطالبة بالعبادة موصوفة أيضًا في رؤيا يوحنا ١:١٣-٦.
- “إنه يقاوم ويعظّم نفسه فوق كل سلطة إلهيّة، وفوق كل معبود يُعبَد، وكل مؤسَّسة ذات صلة بالعبادة الإلهيّة.” كلارك (Clarke)
- إن فهم شدّة واتساع هذا التصريح يبيّن لنا أنَّ القول بأن ضد المسيح هو البابا إنَّما هو مبالغة في التبسيط. فهو سوف يدعم دينًا لا يتسامح مع عبادة أي شخص أو أي شيء سوى نفسه. قد تكون الكنيسة الكاثوليكية الرومانيّة المرتدّة جزءًا من دين أزمنة النهاية، لكنها لا تحتويه كله.
- “لاحظ أن معنى الكلام لا يمكن أن يتحقّق بأي حال في أي شخص، مثل البابا، يخلق أشياء تُعبَد، وبالتالي يجعل نفسه أعظم من الأشياء التي يخلقها. إنَّما المطلوب هو أن ضد المسيح ينصّب نفسه كمعبود يُعبَد، فوق وأعلى من ’كُلِّ مَا يُدْعَى إِلَهًا أَوْ مَعْبُودًا.‘” آلفورد (Alford)
- حَتَّى إِنَّهُ يَجْلِسُ فِي هَيْكَلِ ٱللهِ كَإِلَهٍ: إنَّ مطالبة إِنْسَان ٱلْخَطِيَّةِ بالعبادة ستكون متطرّفة للغاية، حتّى أنَّه سيقيم نفسه كإله في الهيكل في أورشليم، مطالبًا بهذه العبادة التجديفية من الجميع (رؤيا يوحنا ١٤:١٣-١٥ وإنجيل متّى ١٥:٢٤، ٢١، ٢٩-٣١).
- هَيْكَلِ ٱللهِ: واضح من النص أنَّ المقصود هيكل حرفي، وهكذا فهمه المسيحيون الأوائل. “بعدما يكون ضد المسيح هذا قد دمّر كل شيء في هذا العالم، سيملك لمدة ثلاث سنوات وستة أشهر، ويجلس في الهيكل في أورشليم؛ وبعد ذلك يأتي الربّ من السماء في السحاب، في مجد الآب، ويرسل هذا الإنسان وأولئك الذين يتبعونه إلى بحيرة النار؛ أمَّا الأبرار فيُحضِرهم إلى أزمنة الملكوت.” إيريناوس (Irenaeus)، كتب هذا في أواخر القرن الثاني.
- التفسير الحرفي لكلام بولس عندما كتب هذه الرسالة، مدعوم أيضًا بحقيقة حدوث شيء مشابه لهذا في الماضي القريب. “إنَّ محاولة كاليغولا الأخيرة في إقامة تمثال لنفسه في الهيكل في أورشليم رُبَّما تكون قد وفّرت هذه الصفة المميّزة التي وصف بها بولس المُضِلّ المستقبلي. فإنَّ الصدمة المخيفة لهذا الهياج قد تسببت في صدمة عميقة بين اليهود أجمعين، ولا بُدّ أنَّ المسيحيّين اليهود قد شعروا بها أيضًا.” موفات (Moffatt)
- يَجْلِسُ فِي هَيْكَلِ ٱللهِ كَإِلَهٍ: تشير الكلمة اليونانيّة المترجمة بـالهيكل إلى قدس الأقداس وليس الهيكل ككل. “ليس المقصود أنَّه سيدخل مُجمَّع الهيكل، بل سيغزو قدس الأقداس نفسه ليتربّع فيه. وعمله هذا هو في حد ذاته مطالبة بالألوهية.” موريس (Morris). فهذا هو التجديف النهائيّ الذي يؤدّي إلى دينونة حتمية، أي رجسة الخراب التي تحدّث عنه كلٌّ من دانيال ويسوع.
- أخبرنا النبي دانيال أن ضد المسيح سوف يخرق عهده مع اليهود وينهي الذبائح والتقدمات. وأنّ ضد المسيح سوف يدنّس الهيكل بوضع شيء كريه هناك (سفر دانيال ٢٧:٩، ٣١:١١، ١١:١٢).
- قال يسوع أنْ ظهور رجسة الخراب في الموضع المُقَدَّس، سيكون هو العلامة الأساسية على أنَّ غضب الله قد حلّ بالأرض (متى ١٥:٢٤-١٦ و ٢١:٢٤).
- “يمكن لأي شخص أنْ يقتنع بأن القِدّيس بولس كان يلمّح إلى وصف دانيال، لأنَّه لم يستعر الأفكار نفسها فقط، بل وتبنّى بعض العبارات والتعبيرات.” كلارك (Clarke)
- مُظْهِرًا نَفْسَهُ أَنَّهُ إِلَهٌ: إِنْسَان ٱلْخَطِيَّةِ هو فعلاً ضد المسيح. لقد خطّط الشيطان أن تكون سيرة حياة إِنْسَان ٱلْخَطِيَّةِ صورة تعكس خدمة يسوع.
- لكل من يسوع وإِنْسَان ٱلْخَطِيَّةِ مجيء (تسالونيكي الثانية ١:٢، ٩:٢).
- كل من يسوع وإِنْسَان ٱلْخَطِيَّةِ يُستعلنان (تسالونيكي الثانية ٧:١، ٣:٢).
- لكل من يسوع وإِنْسَان ٱلْخَطِيَّةِ إنجيل (تسالونيكي الثانية ١٠:٢-١١).
- كل من يسوع وإِنْسَان ٱلْخَطِيَّةِ يطالبان بأن يُعبَدا دون غيرهما (تسالونيكي الثانية ٤:٢).
- كل من يسوع وإِنْسَان ٱلْخَطِيَّةِ يدعمان رسالتهما بالأعمال المعجزية (تسالونيكي الثانية ٩:٢).
- من الواضح أن إِنْسَان ٱلْخَطِيَّةِ هو محاكاة ساخرة من الشيطان للمسيح الحقيقيّ. ولكن في النهاية، لا يمكن لإِنْسَان ٱلْخَطِيَّةِ إلاَّ أن يُظهِر نفسه أنَّه إله. أمَّا مجيء يسوع ودينونة الله فسيبيّنان أن إِنْسَان ٱلْخَطِيَّةِ ليس إلهًا على الإطلاق.
د ) الآيات (٥-٨): ما يقيّد مجيء إِنْسَان ٱلْخَطِيَّةِ هذا.
٥أَمَا تَذْكُرُونَ أَنِّي وَأَنَا بَعْدُ عِنْدَكُمْ، كُنْتُ أَقُولُ لَكُمْ هذَا؟ ٦وَالآنَ تَعْلَمُونَ مَا يَحْجِزُ حَتَّى يُسْتَعْلَنَ فِي وَقْتِهِ. ٧لأَنَّ سِرَّ الإِثْمِ الآنَ يَعْمَلُ فَقَطْ، إِلَى أَنْ يُرْفَعَ مِنَ الْوَسَطِ الَّذِي يَحْجِزُ الآنَ، ٨وَحِينَئِذٍ سَيُسْتَعْلَنُ الأَثِيمُ، الَّذِي الرَّبُّ يُبِيدُهُ بِنَفْخَةِ فَمِهِ، وَيُبْطِلُهُ بِظُهُورِ مَجِيئِهِ.
- أَمَا تَذْكُرُونَ أَنِّي وَأَنَا بَعْدُ عِنْدَكُمْ، كُنْتُ أَقُولُ لَكُمْ هَذَا؟: قضى بولس مع أهل تسالونيكي بضعة أسابيع فقط (أعمال الرسل ١:١٧-١٠). ولكنَّه رأى أنَّه من المهمّ تعليم هؤلاء المؤمنين الجُدُد عن نبوَّات الكتاب المُقَدَّس، وقد قام بذلك بشيء من التفصيل.
- وَٱلْآنَ تَعْلَمُونَ مَا يَحْجِزُ: في الوقت الحاضر الشيطان وإِنْسَان ٱلْخَطِيَّةِ محجوزان (مُقيّدان). ولكن مبدأ عملهما موجود الآن (سِرَّ ٱلْإِثْمِ ٱلْآنَ يَعْمَلُ فَقَطْ). وفي الوقت المناسب، فإنَّ الروح القُدُس، الذي يحجز أو يقيّد استعلانهما الكامل، سوف يُرْفَعَ مِنَ ٱلْوَسَطِ (يُستَبعَد).
- يُرْفَعَ مِنَ ٱلْوَسَطِ: لا ينبغي أن نعتقد أنَّ الروح القُدُس سيغادر الأرض أثناء الضيقة العظيمة. بل سوف يكون حاضرًا على الأرض أثناء الضيقة العظيمة لأنَّ الكثيرين سيخلصون ويُختَمون ويخدمون الله خلال هذه الفترة (رؤيا يوحنا ٣:٧-١٤، ١:١٤-٥)، وهذا لا يمكن حدوثه بدون خدمة الروح القُدُس. سوف يُرْفَعَ الروح القُدُس مِنَ ٱلْوَسَطِ، لكنَّه لن يُزال.
- “تدلّ العبارة على أي شخص أو شيء يتم استبعاده، سواء بالموت أو بغيره.” آلفورد (Alford)
- يرى البعض أن هذه نهاية تدبير: “سينتهي فجأة الحضور الخاصّ للروح باعتباره ساكن القِدّيسين عند المجيء، مثلما بدأ فجأة في عيد الخمسين. وبمُجَرَّد اختطاف جسد المسيح إلى السماء، ستعود خدمة الروح إلى ما كان يفعله للمؤمنين في فترة العهد القديم.” توماس (Thomas)
- سِرَّ ٱلْإِثْمِ ٱلْآنَ يَعْمَلُ فَقَطْ: هذا المبدأ الشرير العظيم قائم في العالم بالفعل. وسيتم إزاحة النقاب عنه في نهاية الزمان في إِنْسَان ٱلْخَطِيَّةِ، لكنَّه لا يُدخِل شرًا جديدًا إلى العالم، بل يجعل الشر القديم يزداد شدة.
- في الوقت الحاضر، هذا ٱلْإِثْمِ هو سرّ – لا يمكن رؤيته وفهمه إلَّا بواسطة الوحي. وإلا فإنه يظل خفيًّا. “إن المقصود هنا ليس خطيّة وشرّ مكشوفين، بل تقوى مصطنعة، وضلالات خادعة، وشرّ مستتر في زي التقوى، يجري تخطيطه بمكر.” بوله (Poole)
- وَحِينَئِذٍ سَيُسْتَعْلَنُ ٱلْأَثِيمُ: يصرّح بولس بحقيقتين مؤكَّدتين عن إِنْسَان ٱلْخَطِيَّةِ، الذي يُطلِق عليه هنا ٱلْأَثِيم. أوّلاً، من المؤكَّد أنَّ ٱلْأَثِيمُ سَيُسْتَعْلَنُ عندما يُزيل الروح القُدُس قيوده. ثانيًا، من المؤكَّد أن ٱلْأَثِيم سوف يُباد بمجرد ظهور يسوع عند مجيئه.
- في الغالب كان بولس يفكّر في سفر إشعياء ٤:١١ «وَيَضْرِبُ ٱلْأَرْضَ بِقَضِيبِ فَمِهِ، وَيُمِيتُ ٱلْمُنَافِقَ بِنَفْخَةِ شَفَتَيْهِ». يشير هذا المقطع من إشعياء إلى الربّ – إلى يهوه – لكنَّ بولس طبّقه على يسوع، مُعترفًا بأنّ يسوع هو يهوه.
- أيًّا كان إِنْسَان ٱلْخَطِيَّةِ، فإنَّ سيرة حياته لم تبدأ بعد. ونحن نعرف ذلك لأنَّه في نهاية سيرة حياته، سوف يُباد إِنْسَان ٱلْخَطِيَّةِ على يدي يسوع المسيح نفسه.
هـ) الآيات (٩-١٢): شخصيّة إِنْسَان ٱلْخَطِيَّةِ وخطته.
٩الَّذِي مَجِيئُهُ بِعَمَلِ الشَّيْطَانِ، بِكُلِّ قُوَّةٍ، وَبِآيَاتٍ وَعَجَائِبَ كَاذِبَةٍ، ١٠وَبِكُلِّ خَدِيعَةِ الإِثْمِ، فِي الْهَالِكِينَ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَقْبَلُوا مَحَبَّةَ الْحَقِّ حَتَّى يَخْلُصُوا. ١١وَلأَجْلِ هذَا سَيُرْسِلُ إِلَيْهِمُ اللهُ عَمَلَ الضَّلاَلِ، حَتَّى يُصَدِّقُوا الْكَذِبَ، ١٢لِكَيْ يُدَانَ جَمِيعُ الَّذِينَ لَمْ يُصَدِّقُوا الْحَقَّ، بَلْ سُرُّوا بِالإِثْمِ.
- ٱلَّذِي مَجِيئُهُ بِعَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ: سيأتي ضد المسيح بـقُوَّةٍ، مصحوبًا بِآيَاتٍ وَعَجَائِبَ كَاذِبَةٍ. ولكن كل هذا وفقًا لعمل الشيطان، كما هو موصوف في رؤيا يوحنا ١٣:١٣-١٧.
- إن كان هناك من يملك قُوَّة روحيّة وآيَات وَعَجَائِبَ، فهذه لا تكفي لإثبات أنَّه من الله. إذ يمكن للشيطان أن يقوم بمعجزات، إمّا بواسطة الخداع أو بواسطة موارد قوّته الخاصّة.
- “هو مسيّا الشيطان، مَسخ جهنمي للمسيح الحقيقيّ.” موفات (Moffatt)
- فِي ٱلْهَالِكِينَ: مع ذلك، فإنَّ الخداع لا يمكن أن يتأصّل إلَّا بين أولئك الذين لَمْ يَقْبَلُوا مَحَبَّةَ ٱلْحَقِّ. فهؤلاء الناس مستعدّون لقبول خداع ضد المسيح، لأنهم يريدون الكذب، وسَيُرْسِلُ إِلَيْهِمُ ٱللهُ عَمَلَ ٱلضَّلَالِ (أي ضلالًا قويًّا).
- سَيُرْسِلُ إِلَيْهِمُ ٱللهُ: ضد المسيح هو مُجَرَّد رسول من الله في نهاية المطاف. فالله يأتي بالدينونة، وهو سَيُرْسِلُ إِلَيْهِمُ … عَمَلَ ٱلضَّلَالِ بواسطة ضد المسيح. فلن يفرض الله هذا الضلال على أي شخص، لكنَّ أولئك الذين لا يقبلون محبّة الحقّ سوف يتقبّلون هذا الضلال الشديد.
- يترجم آلفورد (Alford) الجملة هكذا: سيرسل الله إليهم عمل الضلال كي يصدّقوا الباطل.
- “لقد ضلّوا أوّلاً، وكانت هذه خطيتهم، وسوف يرسل الله إليهم ضلالًا شديدًا كعقاب لهم.” بوله (Poole)
- حَتَّى يُصَدِّقُوا ٱلْكَذِبَ: سوف يرسل إليهم الله ٱلْكَذِبَ على وجه التحديد. وهذه ليست مُجرَّد كذبة، بل ٱلْكَذِب الذي استحوذ على الجنس البشريّ منذ آدم. وهذا ٱلْكَذِب مُفاده أنَّ الله ليس هو الله، وأننا آلهة أو نستطيع أن نكون آلهة.
- “قصده أن آخر مسيّا كذّاب أو ضدّ للمسيح سوف يجسّد كل دنس وتجديف وكل الفجور التي يمكن تصورها؛ وأنّ اليهود والأُمَم سوف يرحّبون به بدلًا من أنْ يرفضوه.” موفات (Moffatt)
- لِكَيْ يُدَانَ جَمِيعُ ٱلَّذِينَ لَمْ يُصَدِّقُوا ٱلْحَقَّ، بَلْ سُرُّوا بِٱلْإِثْمِ: بما أنَّ الله يمنح الإنسان المتمرد الكذب الذي يرغب فيه، فهذا ليس من كرمه. بل يدلّ ذلك على حكم الله على رافضي الحقّ. كما تشير رسالة رومية الإصحاح ١، في الدينونة، قد يسلّم الله الإنسان إلى فساد قلبه، إلى سرورهم بالإثم.
- “هم يعتقدون أنَّهم يتحدّونه. ولكنهم يجدون في النهاية أنَّ تلك الأعمال ذاتها التي عبّروا فيها عن تحدّيهم كانت أداة عقابهم.” موريس (Morris)
ثانيًا. تشجيع لمؤمني الأيام الأخيرة
أ ) الآيات (١٣-١٤): بولس يقدّم الشكر على عمل الله في أهل تسالونيكي.
١٣وَأَمَّا نَحْنُ فَيَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَشْكُرَ اللهَ كُلَّ حِينٍ لأَجْلِكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ الْمَحْبُوبُونَ مِنَ الرَّبِّ، أَنَّ اللهَ اخْتَارَكُمْ مِنَ الْبَدْءِ لِلْخَلاَصِ، بِتَقْدِيسِ الرُّوحِ وَتَصْدِيقِ الْحَقِّ. ١٤الأَمْرُ الَّذِي دَعَاكُمْ إِلَيْهِ بِإِنْجِيلِنَا، لاقْتِنَاءِ مَجْدِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ.
- وَأَمَّا نَحْنُ فَيَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَشْكُرَ: يكرّر بولس فكرته الواردة في تسالونيكي الثانية ٣:١، بأنه مُلزَم بشكر الله على عمله في أهل تسالونيكي، على ضوء عظمة هذا العمل.
- أَيُّهَا ٱلْإِخْوَةُ ٱلْمَحْبُوبُونَ مِنَ ٱلرَّبِّ: أوّلًا يشعر بولس بالامتنان، لأنَّهم محبوبون من الربّ. فمحبّة الله لنا هي الدافع الأساسي لجميع أعماله فينا وبواسطتنا.
- أَنَّ ٱللهَ ٱخْتَارَكُمْ مِنَ ٱلْبَدْءِ لِلْخَلَاصِ: لقد مدح بولس اختيار الله السياديّ أيضًا الذي قضى بإحضار مؤمني تسالونيكي إلى الخلاص. وقد كان اختيار الله مِنَ ٱلْبَدْءِ. وقبل أن يختاروا الله، اختارهم هو لِلْخَلَاصِ بواسطة التقِدّيس.
- “من البدء! من يحسب محتويات الهاوية الشاسعة غير المعروفة، التي تحتويها هذه العبارة؟ إنَّ بدء الخلق قد سبقه ترقُّب الفداء، ومحبّة الله لجميع الذين كانوا واحد مع المسيح.” ماير (Meyer)
- لِلْخَلَاصِ… بِتَقْدِيسِ: الاثنان يسيران معًا. فمن يدّعون أنَّهم مختارون لكن تنقصهم أدلة على التقِدّيس (الانفصال عن العالم والتكريس لله) هم على أرض هشّة. فلا يمكننا معرفة ما إذا كان الشخص مختار أم لا، لكن يمكننا معرفة إذا كان مُقدَّسًا أم لا.
- “لو كان بإمكانك أن تنال الخلاص بدون تقِدّيس، لكانت هذه لعنة عليك بدلاً من نعمة. فلو كان مثل هذا الأمر ممكنًا، لَمَا أستطعت أن أتخيّل حالة أكثر بؤسًا من حالة إنسان يتمتّع بسعادة الخلاص دون قداسته. ولحسن الحظ، هذا مستحيل. إنّك إذا استطعت أن تخلص من عواقب الخطيّة، ولكن ليس من الخطيّة نفسها، ولا من قوتها ونجاستها، فلن تكون هذه نعمة لك.” سبيرجن (Spurgeon)
- ٱلرُّوحِ وَتَصْدِيقِ ٱلْحَقِّ: إنَّ عمل الله في التقِدّيس يستخدم قوتين عظيمتين، ٱلرُّوحِ وتَصْدِيقِ ٱلْحَقِّ. روح الله وكلمة الله ضروريّان لتقِدّيسنا.
- ٱلْأَمْرُ ٱلَّذِي دَعَاكُمْ إِلَيْهِ بِإِنْجِيلِنَا: تأتي الدعوة إلى هذا الخلاص بواسطة الإنجيل، الإنجيل الذي بشّر به بولس (نَحنُ نُنادي بِالمسيحِ مَصلُوبًا، كورنثوس الأولى ٢٣:١)، الإنجيل الذي سيمكّننا من نوال مجد يسوع.
- لِٱقْتِنَاءِ مَجْدِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ: هذا هو نفس المجد الذي كتب عنه يوحنا في رسالته الأولى ٢:٣ “نَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا أُظْهِرَ نَكُونُ مِثْلَهُ هو، لِأَنَّنَا سَنَرَاهُ كَمَا هُوَ.”
ب) الآية (١٥): حضّ على الثبات.
١٥فَٱثْبُتُوا إِذًا أَيُّهَا ٱلْإِخْوَةُ وَتَمَسَّكُوا بِٱلتَّعَالِيمِ ٱلَّتِي تَعَلَّمْتُمُوهَا، سَوَاءٌ كَانَ بِٱلْكَلَامِ أَمْ بِرِسَالَتِنَا.
- فَٱثْبُتُوا إِذًا أَيُّهَا ٱلْإِخْوَةُ: تفيد كلمة «إِذًا» أنَّ بولس يريدنا أن نفكّر فيما سبق وكتبه حتّى هذه النقطة. فهو قد قدّم أسبابًا مقنعة في هذه الرسالة على ضرورة ثبات المؤمنين وعدم زعزعتهم.
- ٱثْبُتُوا بسبب الضيقة الحاليّة (الاضطهاد والضيق، تسالونيكي الثانية ٤:١).
- ٱثْبُتُوا بسبب الدينونة القادمة على هذا العالم (فِي نَارِ لَهِيبٍ، مُعْطِيًا نَقْمَةً، تسالونيكي الثانية ٨:١).
- ٱثْبُتُوا بسبب قوّة الضلال القادم (كُلّ قُوَّةٍ، وَبِآيَاتٍ وَعَجَائِبَ كَاذِبَةٍ، تسالونيكي الثانية ٩:٢).
- ٱثْبُتُوا بسبب مصيرنا المجيد (مَجْد رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، تسالونيكي الثانية ١٤:٢).
- ٱثْبُتُوا إِذًا أَيُّهَا ٱلْإِخْوَةُ وَتَمَسَّكُوا بِٱلتَّعَالِيمِ: ينطوي الأمر «ٱثْبُتُوا» على موقع، وهذا يخبرنا بما يجب على المؤمنين أنْ يثبتوا عليه. يجب أن يظلّوا ثابتين على كلمة الله المُسلَّمة سواء بكلمة الرسل ذات المرجعية (بِٱلْكَلَامِ) أو برسائل الرسل (بِرِسَالَتِنَا).
- ٱلتَّعَالِيم (أي التقاليد): يعترف الكتاب المُقَدَّس بأنّ التقاليد قد تكون من السمات الخطيرة للأنظمة الدينيّة (إنجيل متى ٢:١٥-٣) أو التقاليد البشرية (رسالة كولوسي ٨:٢). ولكنَّ بولس يقصد التقاليد الرسوليّة المحفوظة لنا في سجلات العهد الجديد.
- “تعني كلمة paradoseis پارادوسيس، التي تُتَرجَم تقاليد، أي شيء يُسلَّم على أنَّه تعليم؛ ومعناها هنا التعاليم التي سلّمها الرسول إلى أهل تسالونيكي؛ سواء أثناء كرازته أو محادثته الخاصّة أو عن طريق هذه الرسائل.” كلارك (Clarke)
- إنَّ مرساة كلمة الله هذه وحدها هي التي تمكّننا من الثبات تحت ثقل ضيقتنا الحاليّة، وثقل مجدنا الآتي.
ج) الآيات (١٦-١٧): صلاة من أجل أهل تسالونيكي.
وعظ سبيرجن (Spurgeon) خمس عظات منفصلة عن هاتين الآيتين الرائعتين.
١٦وَرَبُّنَا نَفْسُهُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ، وَاللهُ أَبُونَا الَّذِي أَحَبَّنَا وَأَعْطَانَا عَزَاءً أَبَدِيًّا وَرَجَاءً صَالِحًا بِالنِّعْمَةِ، ١٧يُعَزِّي قُلُوبَكُمْ وَيُثَبِّتُكُمْ فِي كُلِّ كَلاَمٍ وَعَمَل صَالِحٍ.
- ٱلَّذِي أَحَبَّنَا: قبل أن يطلب بولس من الله أن يفعل شيئًا محددًا لأهل تسالونيكي، تذكّر كل ما سبق الله وفعله من أجلهم. فالله قد أحبهم، وأعطاهم عَزَاءً أَبَدِيًّا، ورَجَاءً صَالِحًا بِٱلنِّعْمَةِ.
- في تشفّعنا وتضرّعاتنا، يجدر بنا أن نتذكّر أمانة الله في الماضي وبركاته الحاضرة. فأمانته في الماضي تطمئننا على أمانته في المستقبل.
- “لقد وهبنا الله الكثير، وكل هباته الماضية هي التماس لمزيد من الهبات. فالبشر لا يلتمسون بهذه الطريقة. فالمتسول في الشارع لا يستطيع أن يقول: ’أعطني قرشًا اليوم لأنك أعطيتني قرشًا البارحة،‘ وإلا كان ردّك: ’هذا هو السبب في أنني يجب ألَّا أعطيك المزيد.‘ ولكنَّ هذا الالتماس جيّد عند التعامل مع الله.” سبيرجن (Spurgeon)
- يُعَزِّي قُلُوبَكُمْ وَيُثَبِّتُكُمْ: طلب بولس من الله أن يفعل شيئين في مؤمني تسالونيكي. أوّلاً، أراد أن يعزّي الله قلوبهم. وثانيًا، طلب من الله أن يثبّتهم فِي كُلِّ كَلَامٍ وَعَمَلٍ صَالِحٍ. فهذه الصلاة من أجل التعزية والشهادة المستمرة والعمل لأجل يسوع مناسبة على ضوء الاحتياجات الخاصة للمؤمنين المتألمين.
- هذه صلاة مليئة باقتراحات مفيدة ومهمّة:
- يسوع لنا.
- الله أبونا.
- الله قد أحبّنا.
- الله وهبنا الكثير.
- عندنا عزاء أبديّ.
- كل ذلك بواسطة النعمة.
- وَيُثَبِّتُكُمْ: “أنا أومن بكنيسة مُثبَّتة وراسخة، لا على أسس بشرية، بل بواسطة قصد الله وبحضوره في وسطها.” سبيرجن (Spurgeon)
- هذه صلاة مليئة باقتراحات مفيدة ومهمّة:
- فِي كُلِّ كَلَامٍ وَعَمَلٍ صَالِحٍ: هناك بعض الأدلة النصّيّة على ترتيب العبارة هكذا: كل عمل وكلام صالح. ورغم أنَّ هذا فرق بسيط، إلَّا أن تشارلز سبيرجن (Charles Spurgeon) رأى فارقًا مهمًا في الترتيب.
- “يعتقد بعض المؤمنين أنَّ ’الكلام‘ يكفي ولا داعي للعمل، لكنَّ الكتاب المُقَدَّس لا يتّفق معهم. فهؤلاء الأساتذة يتحدّثون كثيرًا عما سيفعلونه، ويتحدّثون كثيرًا عما يجب أن يفعله الآخرون، والكثير جدًّا عمّا لا يفعله الآخرون؛ وهكذا يستمرّون في الكلام، ثُمَّ الكلام، ثُمَّ الكلام، ولا شيء غير الكلام. إنَّهم لا يبلغون مرحلة ’العمل.‘ ولكنَّ الرسول وضع العمل أوّلاً في هذه الحالة.” سبيرجن (Spurgeon)