رسالة أفسس – الإصحاح ٣
كشف سرّ الله
أوَّلاً. سرّ الله ومكان الإنسان فيه
أ ) الآيات (١-٥): مقدّمة لكشف السرّ.
١بِسَبَبِ هذَا أَنَا بُولُسُ، أَسِيرُ الْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَجْلِكُمْ أَيُّهَا الأُمَمُ، ٢إِنْ كُنْتُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ بِتَدْبِيرِ نِعْمَةِ اللهِ الْمُعْطَاةِ لِي لأَجْلِكُمْ. ٣أَنَّهُ بِإِعْلاَنٍ عَرَّفَنِي بِالسِّرِّ. كَمَا سَبَقْتُ فَكَتَبْتُ بِالإِيجَازِ. ٤الَّذِي بِحَسَبِهِ حِينَمَا تَقْرَأُونَهُ، تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْهَمُوا دِرَايَتِي بِسِرِّ الْمَسِيحِ. ٥الَّذِي فِي أَجْيَال أُخَرَ لَمْ يُعَرَّفْ بِهِ بَنُو الْبَشَرِ، كَمَا قَدْ أُعْلِنَ الآنَ لِرُسُلِهِ الْقِدِّيسِينَ وَأَنْبِيَائِهِ بِالرُّوحِ.
- بِسَبَبِ هَذَا أَنَا بُولُسُ، أَسِيرُ ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ لِأَجْلِكُمْ أَيُّهَا ٱلْأُمَمُ: أثناء سجنه في روما، كان بولس رهن الإقامة الجبرية في المنزل. أثناء النهار كان حرًّا في التنقل في جميع أنحاء المنزل تحت إشراف الجنود، ولكنه في كل ليلة كان يقيَّد بالسلاسل إلى جندي لضمان عدم هربه قبل محاكمته أمام قيصر. ومع ذلك اعتبر نفسه أَسِير ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ. فقد كان يعلم أنَّ يسوع هو ربّ حياته، لا الحكومة الرومانيّة، لذلك إن كان سجينًا، فهو سجين يسوع.
- لِأَجْلِكُمْ أَيُّهَا ٱلْأُمَمُ: السبب الوحيد لحبسه وانتظاره المحاكمة هو جهوده التبشيريّة لأجل الأُمَم.
- قد عانى بولس من أجل الحقيقة عينها التي سيشرحها لأهل أفسس، وهذا لم يجعله يتراجع البتّة.
- آخر شيء كان بولس يريده هو أن يشعر الناس بالشفقة عليه لأنَّه سجين. فأراد أن يدرك قُرّاؤه أنَّ سجنه مفيد لهم.
- إِنْ كُنْتُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ: يشير هذا إلى أنَّ بولس يعلم أنَّ دعوته الخاصّة إلى العالم الوثني كانت معروفة بين المؤمنين الأُمَميين.
- قَدْ سَمِعْتُمْ بِتَدْبِيرِ نِعْمَةِ ٱللهِ ٱلْمُعْطَاةِ لِي لِأَجْلِكُمْ: تدلّ كلمة تَدْبِيرِ على ’خطة‘ جاري تطبيقها في الكنيسة. “يجب تفسيرها هنا، وكذلك في أفسس ١٠:١، على أنها تطبيق لخطة.” وود (Wood)
- “قد نفهم من عبارة «تَدْبِيرِ نِعْمَةِ ٱللهِ» إمّا المنصب الرسوليّ أو المواهب الممنوحة للقِدّيس بولس، وذلك لغرض التبشير بالإنجيل بين الأُمَم… أو المعرفة التي وهبها إياه الله لتلك الخطّة الإلهيّة والكريمة التي رسمها لهداية الأُمَم.” كلارك (Clark)
- أَنَّهُ بِإِعْلَانٍ: أرادهم بولس أن يعرفوا: ’أنا لا أختلق هذا من عندي. هذا ليس من اختراعي. لقد أعطاني الله إِعْلَانًا (وحيًا) وأنا مُجَرَّد رسول أبلّغكم بهذه الحقيقة.‘ لقد كلّف بولسَ تمسُّكُه بهذا السرّ كثيرًا، فلا يُحتمَل أنَّه اختلق ذلك من نفسه.
- إنه لأمر مذهل حقًّا أن يأخذ الله عبريًا من العبرانيين، بل فريسيًّا ومضطهدًا للكنيسة، ليكون الخادم الرئيسيّ لهذا السرّ: سرّ عمل الإنجيل المتمثّل في تجميع اليهود والأُمَم في جسد واحد جديد.
- عَرَّفَنِي بِٱلسِّرِّ: المبدأ الذي سيصفه بولس هو سِرّ، لكنَّه معروف. بَيْدَ أنَّه ما كان ليُعرَف لو لم يُعلِنه الله.
- “السرّ في اللغة هو أمر غامض ومكتوم ومحيّر. إنَّه لغز لا يمكن تفسيره، ناهيكم عن فهمه. غير أنَّ الكلمة اليونانيّة مِستيريون (mysterion) تختلف عن هذا. فرغم أنَّها تحملّ معنى ’السرّ‘ إلَّا أنَّه لم يعد مكتومًا بل مُباحًا… وببساطة أكثر، فإنَّ السرّ هو حقيقة كانت مخفية حتّى الآن عن المعرفة أو الفهم البشري، ولكن تم الكشف عنها الآن بواسطة إعلان الله.” ستوت (Stott)
- عَرَّفَنِي بِٱلسِّرِّ: لم يتردّد بولس في الإفصاح عن أنَّ السرّ الذي سيكشف عنه قد أعطي له بِإِعْلَانٍ. ولكنَّه لم يعطَ له وحده بِإِعْلَانٍ. بل أعطي لبطرس بإعلان أيضًا (أعمال الرسل ١:١١-١٨)، وهو يتوافق مع نبوات العهد القديم (مثل إشعياء ٦:٤٩) وكلام يسوع المحدَّد (أعمال الرسل ٨:١).
- ومع ذلك، يبدو أنَّ الله استخدم بولس ليعلن على وجه التحديد كيف سينضم اليهود والأُمَم في جسد واحد للمسيح. وهذا شيء ألمح إليه الآخرون، لكنَّ معالمه لم تُفَصَّل بالتحديد إلاَّ بالوحي المُعطى لبولس. لقد وثق بولس أنَّ قرّاءه سيفهمون ما أعلنه الله له.
- ٱلَّذِي فِي أَجْيَالٍ أُخَرَ لَمْ يُعَرَّفْ بِهِ بَنُو ٱلْبَشَرِ: طبيعة اتّحاد اليهود والأُمَم في هذا الجسد الجديد هو الجانب الذي لم يكن مُعلنًا. فالعهد القديم يتنبأ بخلاص الأُمَم في المسيّا، ولكن لا يرد فيه ذكر للجمع بين اليهود والأمم في الكنيسة.
ب) الآيات (٦-٧): وصف السرّ.
٦أَنَّ الأُمَمَ شُرَكَاءُ فِي الْمِيرَاثِ وَالْجَسَدِ وَنَوَالِ مَوْعِدِهِ فِي الْمَسِيحِ بِالإِنْجِيلِ. ٧الَّذِي صِرْتُ أَنَا خَادِمًا لَهُ حَسَبَ مَوْهِبَةِ نِعْمَةِ اللهِ الْمُعْطَاةِ لِي حَسَبَ فِعْلِ قُوَّتِهِ.
- أَنَّ ٱلْأُمَمَ شُرَكَاءُ فِي ٱلْمِيرَاثِ وَٱلْجَسَدِ: هذا وصف للسرّ نفسه: أنَّ اليهود المؤمنين والأُمَم المؤمنين مُركَّبون معًا في جسد المسيح الواحد، في كنيسة واحدة، ولم يعودا منفصلين أمام الله كما كانوا.
- وَ[شُرَكَاءُ] نَوَالِ مَوْعِدِهِ فِي ٱلْمَسِيحِ: حقيقة هذا السرّ تعني أنَّ الأُمَم أصبحوا الآن شركاء في نَوَالِ مَوْعِدِهِ. فلم يعد هذا الامتياز مقصورًا على اليهوديّ المؤمن وحده.
- بِٱلْإِنْجِيلِ: لا يمكن أن يحدث ذلك إلَّا بِٱلْإِنْجِيلِ، حيث يتساوى جميع البشر في يسوع. وهذا هو نفس الإنجيل الذي يخدمه بولس، بفضل مَوْهِبَةِ نِعْمَةِ ٱللهِ ٱلْمُعْطَاةِ له حسب عمل قدرة الله.
- يقول بولس إنه خَادِم، لكنَّ هذا لقب خدميّ، وليس تعاليًا منه. ففي الأدب الكلاسيكي اليوناني، كان الـخَادِم ’دياكونُس‘ (diakonos): “نادل مائدة ينفّذ أوامر زبائنه دائمًا.” وود (Wood)
ج) الآيات (٨-٩): عرض بولس للسرّ.
٨لِي أَنَا أَصْغَرَ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ، أُعْطِيَتْ هذِهِ النِّعْمَةُ، أَنْ أُبَشِّرَ بَيْنَ الأُمَمِ بِغِنَى الْمَسِيحِ الَّذِي لاَ يُسْتَقْصَى، ٩وَأُنِيرَ الْجَمِيعَ فِي مَا هُوَ شَرِكَةُ السِّرِّ الْمَكْتُومِ مُنْذُ الدُّهُورِ فِي اللهِ خَالِقِ الْجَمِيعِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ.
- لِي أَنَا أَصْغَرَ جَمِيعِ ٱلْقِدِّيسِينَ: كان بولس يتعجب من ٱلنِّعْمَة التي أعطيت له، والتي دعي بواسطتها للتبشير بالإنجيل، الذي حوّل السرّ إلى حقيقة واقعة. عندما نفكّر في تاريخ بولس الشخصيّ، يتّضح لنا أنَّ دعوته كانت كلها نِعْمَة.
- “لكن بينما كان بولس يشعر بالشكر على منصبه، إلَّا أنَّ نجاحه فيه قد جعله متواضعًا أشدّ اتضاعٍ. فكلما ازداد عمق السفينة، غاصت في المياه أكثر. وفرة النعمة هي علاج للكبرياء.” سبيرجن (Spurgeon)
- “يجب أن يزداد الوعاظ في النعمة، لأنَّ دعوتهم تجعلهم في وضع متميّز، حيث أنَّهم مُلزَمون بتفتيش الكتاب المُقَدَّس وبالمواظبة على الصلاة. إنَّ السماح لأحد بالكرازة بالإنجيل لهو اختيار متوقّف على الرحمة. وأتمنّى أن يطمع بعضكم في ذلك، لأنَّ الوعّاظ الجادّين مطلوبون.” سبيرجن (Spurgeon)
- أَنْ أُبَشِّرَ: الكلمة اليونانيّة القديمة المترجمة ’أُبَشِّر‘ تعني حرفيًّا: ’أعلن البشرى السارّة.‘ كان تبشير بولس مُجرَّد إعلان عن بُشرى ما فعله الله في يسوع.
- بِغِنَى ٱلْمَسِيحِ ٱلَّذِي لَا يُسْتَقْصَى: هذا السرّ يشبه الغِنى بالنسبة للأمم. إذ يستطيعون الآن أن يتقدّموا أمام الله في منزلة لم يسعهم إلاَّ أنْ يحلموا بها من قبل.
- حاول بولس اكتشاف عظمة نعمة الله، فبدأ يتعقّب آثارها مثل الإنسان الذي يحاول استكشاف شاطئ بحيرة. وسرعان ما يكتشف أنَّها ليست بحيرة على الإطلاق، بل بحرًا، محيطًا لا حدّ له. وهكذا غِنى الله؛ لا يُعرف مداه. إننا لن نعرف سعة غناه بالكامل مهما حاولنا.
- “أتجاسر فأخبركم بأن غِنى نعمة سيدي لا يمكن استقصاء حدوده، وأنه يتلذّذ بأن يغفر وينسى الخطيّة البشعة؛ وكلما زاد عدد الخطايا زاد مجد نعمته. إذا كنت مُثقَّلاً بالديون حتّى أذنيك، فهو غنيّ بما يكفي لتسديد ديونك. وإذا كنت عند أبواب الجحيم، يمكنه انتزاعك من براثن الهلاك.” سبيرجن (Spurgeon).
- وَأُنِيرَ ٱلْجَمِيعَ فِي مَا هُوَ شَرِكَةُ ٱلسِّرِّ: بعد استئمانه على مثل هذا الغِنى، أصبح شُغل بولس الشاغل تعريف جميع الناس بهذا الإنجيل. فهو يريد من الجميع أن يروا ويشاركوا في شركة هذا ٱلسِّرِّ – وهو سِرِّ لأنَّه كان غير معروف وغير قابل للمعرفة حتّى كشفه الله.
- شَرِكَةُ ٱلسِّرِّ: يجب أن ندرس معنى هذه العبارة بعناية. إنَّها تشرح أنَّ هذه ليست مجرد حقائق يجب معرفتها فحسب، بل هي حياة نعيشها أيضًا، متحدين في يسوع مع المؤمنين الآخرين، دون أي انفصال مثلما كان الحال بين اليهود والأُمَم.
- ٱلْمَكْتُومِ مُنْذُ ٱلدُّهُورِ فِي ٱللهِ خَالِقِ ٱلْجَمِيعِ بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ: هذه الحقيقة العظيمة – شَرِكَةُ ٱلسِّرِّ – كانت مَكْتُومة قبل الكشف عنها بعد انتهاء عمل يسوع على الصليب. وهذا يعزّز فكرة وجود شيء جديد حقيقيّ في العهد الجديد، وأنه من الخطأ اعتبار إسرائيل ببساطة كنيسة العهد القديم والكنيسة إسرائيل العهد الجديد.
- “هذا التصريح يحسم المسألة مرَّة وإلى الأبد بشأن وجود الكنيسة، أي جسد المسيح، في تدابير العهد القديم وأثنائه. بَيْدَ أنَّ من أوسع وجهات النظر انتشارًا أنَّ الكنيسة كانت موجودة منذ بداية الخلق وأنّ الوعود الواردة في الكلمة النبوية للعهد القديم هي وعود للكنيسة، ولمستقبلها المجيد على الأرض، حين تملك على الأمم.” غايبلين (Gaebelein)
د ) الآيات (١٠-١٢): القصد من السرّ.
١٠لِكَيْ يُعَرَّفَ الآنَ عِنْدَ الرُّؤَسَاءِ وَالسَّلاَطِينِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ، بِوَاسِطَةِ الْكَنِيسَةِ، بِحِكْمَةِ اللهِ الْمُتَنَوِّعَةِ، ١١حَسَبَ قَصْدِ الدُّهُورِ الَّذِي صَنَعَهُ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا. ١٢الَّذِي بِهِ لَنَا جَرَاءَةٌ وَقُدُومٌ بِإِيمَانِهِ عَنْ ثِقَةٍ.
- لِكَيْ يُعَرَّفَ ٱلْآنَ… بِحِكْمَةِ ٱللهِ ٱلْمُتَنَوِّعَةِ: الله إله الحكمة والمجد اللانهائيّين، الذي يريد أن تعرف مخلوقاته حكمته العظيمة وٱلْمُتَنَوِّعَة. ومن أهداف خطته العظيمة للأزمنة الكشف عن هذه الحكمة.
- متى فهمنا شخصيّة الله، أمكننا أن نقول إنَّ دافعه ليس أنانيًّا ولا تمجيد ذاته، بالطريقة التي يُظهِر بها الرجل الفخور رجاحة عقلة وإنجازاته للجميع. إنَّما يفعل الله هذا لمجد مخلوقاته، لأنَّ مجد المخلوق مرتبط مباشرةً بمجد الخالق.
- هذه الحكمة مُتَنَوِّعَة. وتحمل الكلمة اليونانيّة القديمة پوليپويكيلُس (polupoikilos) فكرة التعقيد والبراعة والجمال الرائع. “تتوفّر فيها تشكيلة متنوّعة وفريدة، كما يظهر في أفضل الصور أو اللوحات.” تراب (Trapp)
- وكذلك يجب أن يُعَرَّفَ بها. يشير دين آلفورد (Dean Alford) إلى أنَّ كلمتي لِكَيْ يُعَرَّفَ مؤكَّدتان، وتناقضان بشدَّة فكرة الكتمان في أفسس٩:٣.
- يُعَرَّفَ ٱلْآنَ عِنْدَ ٱلرُّؤَسَاءِ وَٱلسَّلَاطِينِ فِي ٱلسَّمَاوِيَّاتِ، بِوَاسِطَةِ ٱلْكَنِيسَةِ: هذا تفسير للكيفيّة التي سيكشف بها الله عن حكمته وإلى من سيكشفها. إنَّه سيكشفها عن طريق عمله في ٱلْكَنِيسَةِ، وسيكشفها للكائنات الملائكية (ٱلرُّؤَسَاءِ وَٱلسَّلَاطِينِ).
- بالطبع، يريد الله أيضًا أن يُعلِن للكنيسة عن هذه الحكمة. بَيْدَ أنَّ الله لا يستخدم الملائكة للإعلان عن حكمته للقِدّيسين، بل يستخدم القِدّيسين للإعلان عن حكمته للكائنات الملائكية، أي الملائكة المؤمنين والساقطين على حدّ سواء. ويذكّرنا هذا بأننا مدعوون لشيء أكبر بكثير من خلاصنا وتقِدّيسنا الفردي. فإننا مدعوون لأنَّ نكون الوسيلة التي يعلّم الله بها الكون درسًا، لا بل ودرسًا جميلًا.
- نحن محاطون بالكائنات الروحيّة غير المنظورة، وهم يدقّقون النظر إلينا. وبولس هنا يزيح الستار الخفي الذي يحجب هذه الكائنات، تمامًا كما صلّى أليشع في دوثان: «يَا رَبُّ، ٱفْتَحْ عَيْنَيْهِ فَيُبْصِرَ» (ملوك الثاني ١٧:٦). وهؤلاء الكائنات الملائكية يروننا تمامًا ويعرفوننا أفضل بكثير مِمَّا نعرفهم.
- “ماذا سيتعلمون منا، إذن؟ سيتعلموا شيئًا يجعلهم يتعجبون ويرهبون. فبالرغم من كل مواطن ضعفنا وكل خطايانا، لكنهم يرون أننا مخلوقين حسب صورة إلههم وإلهنا، رغم دمار الخطية وتأثيرها علينا. وهم يرون الله يعمل من خلال هذا الحطام ليحقّق نتائج رائعة، ليست النتائج هي الرائعة في حد ذاتها، لكنها رائعة بشكل مضاعف بسبب حالة البشر.” موول (Moule)
- “في حالته الخالدة، إذ لم تمسسه قط قطرة واحدة من نهرنا البارد، من المفيد بالنسبة إليه، بما يفوق مداركنا، أن يرى إلهه ينتصر على الألم والموت من خلال أحد المتألّمين في نار الشهادة أو في عذاب السرطان أو في حطام السفينة أو في خوفنا الصامت من أي شكل من أشكال خروجنا من الجسد… إنَّهم يرون هذه الكائنات الساقطة والفانية، مجتمع الهالكين والمخلَّصين، وهم لا يعملون من أجل الله هنا على الأرض فقط، ولكنهم حاضرون روحيًّا معه في قدس الأقداس.” موول (Moule)
- في بعض الأحيان، تراود المؤمنين فكرة جنونية بأنّ الله أنقذهم ويعمل في حياتهم لأنهم رائعون إلى حدّ ما. أمَّا الملائكة فلا ينخدعون بهذا الكلام. وقد نعتقد أنَّ الفضل يعود لنا، لكنَّ الملائكة يعرفون الأمر على حقيقته. وقد نعتقد أنَّ حياتنا صغيرة وغير مهمّة، أمَّا الملائكة فيعرفون الأمر على حقيقته. وقد نشكّ في مكانتنا العالية وجلوسنا في السماويّات، أمَّا الملائكة فيشاهدون هذا الواقع الروحيّ بعيون مفتوحة على مصراعيها.
- “يبدو الأمر كما لو كانت مسرحية عظيمة يجري عرضها. حيث التاريخ هو المسرح، والعالم هو خشبة المسرح، وأعضاء الكنيسة في أنحاء العالم هم الممثلون. ولقد كتب الله المسرحية بنفسه، ويقوم بإخراجها وإنتاجها. والقصة تنكشف تباعًا فصلاً بعد فصل، ومشهد بعد مشهد. لكن من هم الجمهور؟ هم الكائنات العاقلة الكونية، والرياسات والسلاطين في السماويّات.” ستوت (Stott)
- “يتم تلقين الملائكة درسًا في حكمة الله… يتأملون مثلًا في الجسد الروحيّ الذي تشكّل في المسيح والذي يمثّل لهم مسرح مجد الله.” آلفورد (Alford). “يتحوّل تاريخ الكنيسة إلى جامعة لتعليم الملائكة.” ستوت (Stott) نقلًا عن ماكاي (Mackay)
- ٱلرُّؤَسَاءِ وَٱلسَّلَاطِينِ فِي ٱلسَّمَاوِيَّاتِ: هذا يعني أن الكائنات الملائكية تهتم بحياة المؤمنين وتتلقّن الدروس منها. وهذا هو السبب في أن سلوك الكنيسة مهم للغاية: ذلك أنَّ الكائنات الملائكية والشيطانية تنظر إليها، وأن قصد الله هو تعليمهم بواسطتنا. تشير عدة مقاطع إلى ذلك:
- «لِهَذَا يَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ أَنْ يَكُونَ لَهَا سُلْطَانٌ عَلَى رَأْسِهَا، مِنْ أَجْلِ ٱلْمَلَائِكَةِ» (كورنثوس الأولى ١٠:١١).
- «هَذِهِ ٱلْأُمُورِ ٱلَّتِي أُخْبِرْتُمْ بِهَا أَنْتُمُ ٱلْآنَ، بِوَاسِطَةِ ٱلَّذِينَ بَشَّرُوكُمْ فِي ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ ٱلْمُرْسَلِ مِنَ ٱلسَّمَاءِ. ٱلَّتِي تَشْتَهِي ٱلْمَلَائِكَةُ أَنْ تَطَّلِعَ عَلَيْهَا» (بطرس الأولى ١٢:١).
- «أُنَاشِدُكَ أَمَامَ ٱللهِ وَٱلرَّبِّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ وَٱلْمَلَائِكَةِ ٱلْمُخْتَارِينَ، أَنْ تَحْفَظَ هَذَا بِدُونِ غَرَضٍ، وَلَا تَعْمَلَ شَيْئًا بِمُحَابَاةٍ» (تيموثاوس الأولى ٢١:٥).
- يجب أن نتحمّل هذه المسؤوليّة بجدّية، لأنَّ الملائكة يتحمّلون مسؤوليّة حمل النفوس إلى السماء عند الموت (لوقا ٢٢:١٦) وهم حصّادو الحصاد النهائيّ (متى ٣٩:١٣-٤٣).
- “وأخيرًا، ماذا يظن بعضكم: ماذا سيقول الملائكة عن سلوككم وسيرتكم؟ لعلكم لا تهتمون بهم كثيرًا، لكن يجب عليكم أنْ تهتمّوا. لأنَّ مَن غير الملائكة سيقومون بدور الحصادين في النهاية، ومن سواهم سينقل أرواحنا عبر آخر نهر مظلم؟ ومن سيحمل أرواحنا مثل روح لعازر إلى حضن الآب؟ حذارِ أنْ نحتقرهم.” سبيرجن (Spurgeon)
- “لا تجهلوا أيها المؤمنون كلمة الله؛ ولا تغفلوا عن تعاملات الله في نفوسك! إنَّ الملائكة لترغب في الاطّلاع على هذه الأشياء. فهل أنتم مطّلعون عليها؟” سبيرجن (Spurgeon)
- يرى تفسير شائع اليوم أن ٱلرُّؤَسَاءِ وَٱلسَّلَاطِينِ هي دول سياسية حديثة وهياكل اقتصادية. والفكرة هي أن الكنيسة – في المقام الأول – شاهدة لهم، وينبغي أن تفتدي الحكومات والهياكل الاجتماعية بشهادتها. ولكنَّ بولس كتب على وجه التحديد أن هؤلاء ٱلرُّؤَسَاءِ وَٱلسَّلَاطِينِ موجودون في السماويّات لا على الأرض.
- حَسَبَ قَصْدِ ٱلدُّهُورِ ٱلَّذِي صَنَعَهُ: يكشفُ السرُّ عن قصد الله الأبدي (قَصْدِ ٱلدُّهُورِ) في يسوع ويدعمه، وهو الموصوف سابقًا في أفسس ١٠:١ – أنَّه في ملء الأزمنة، سيجمع الله معًا (أي يلخّص أو يضمّ) كل شيء في يسوع.
- سر جسد المسيح الموحَّد هو حَسَبَ هذا القصد. إنَّها عرض مُسبَق لما سيفعله يسوع في النهاية عندما يجمع كل الأشياء في نفسه.
- “يبدو أن الكنيسة هي مخطَّط الله التجريبي للكون المستقبلي بعد مصالحته، أي سرّ مشيئة الله الذي يتمّ تنفيذه في ملء الأزمنة حين يتمّ تجميع كل شيء في السماء وعلى الأرض في المسيح.” بروس (Bruce)
- ٱلَّذِي صَنَعَهُ: يجوز لبولس القول إنَّ هذا القصد الأبديّ قد صُنِع (تحقق) بالفعل. وهذا الأمر حقيقة واقعية (كما يتّضح من العمل الأولي للجمع بين اليهود والأُمَم في يسوع)، حتّى أنَّه يستطيع التحدّث عنه وكأنه تم بالفعل.
- بِإِيمَانِهِ: تظهر حقيقة هذه الوحدة في أننا (اليهود والأُمَم مجتمعين) نتمتّع بـجَرَاءَة وقُدُوم وثِقَةٍ متماثلة أمام الله، فالأمر لا علاقة له بالهوية القومية أو العرقية، بل بالإيمان به (بيسوع) فقط.
- تحمل كلمة جَرَاءَة فكرة ’حرّيّة التعبير.‘ إذ لنا حرّيّة التعبير عن أنفسنا أمام الله، دون خوف أو خجل. “الكلمة اليونانيّة ’پَرّيسيا‘ (parresia) المترجمة بـ«جرأة» تعني حقًّا «حرّيّة التعبير» – أي الحديث عن كل شيء. إنه الامتياز المبارك الذي نتمتّع به في الصلاة.” غايبلَين (Gaebelein)
- الانقسامات في الكنيسة لم تكن دائمًا بين اليهود والأُمَم. فقد هاجم المصلحون الانقسام بين ’رجال الدين‘ و’العلمانيين‘ وأصرّت عقيدة كهنوت جميع المؤمنين على أنَّ الجميع لهم نفس أحقية الدخول إلى الله.
هـ) الآية (١٣): مشاركة بولس الحاليّة في السرّ.
١٣لِذَلِكَ أَطْلُبُ أَنْ لَا تَكِلُّوا فِي شَدَائِدِي لِأَجْلِكُمُ ٱلَّتِي هِيَ مَجْدُكُمْ.
- لِذَلِكَ أَطْلُبُ أَنْ لَا تَكِلُّوا: على الرغم من أنَّ بولس سجين من أجل الإنجيل، إلاَّ أنَّه طلب من قُرّائه ألَّا يَكِلُّوا. فلم يرغب بولس في إحباطهم بسببه، لأنَّه كان لا يزال يُستخدَم في خدمة خطّة الله الأبديّة.
- شَدَائِدِي لِأَجْلِكُمُ: كتب بولس رسالة أفسس من السجن، ومن المفيد أن نتذكّر لماذا كان بولس في السجن. فقد عاش حياته كلها مدفوعًا بالرغبة في جلب الخلاص لشعبه، أي اليهود (رومية ١:٩-٣). ثُمَّ أثناء زيارته إلى أورشليم، أتيحت له فرصة التبشير أمام حشد كبير على جبل الهيكل أو بالقرب منه (أعمال الرسل ٣٩:٢١– ٢٢:٢٢)، ولكنّ الفرصة انتهت بكارثة لأنَّ الجماهير اليهوديّة لم تتحمّل فكرة انتقال البشارة عن المسيّا إلى الأمم (أعمال الرسل ٢١:٢٢-٢٢). فوضعت أعمال الشغب التي أعقبت ذلك بولسَ في مأزق قانوني، حتّم عليه استخدام حقه كمواطن رومانيّ في رفع دعواه إلى قيصر. والآن كان بولس مسجونًا في روما، ينتظر محاكمته أمام قيصر، لأنَّه كان يعلم أنَّ الله يريد أن يشارك الأُمَمُ في بشارة المسيح، ولم يخَف من التبشير بهذه الحقيقة.
- ٱلَّتِي هِيَ مَجْدُكُمْ: كان بولس يُستخدَم، وربما بطريقة أكبر مِمَّا كان يتخيّل. فقد أنتج هذا السجن الرومانيّ رسائل أفسس وكولوسي وفيلبي وفليمون. ولها جميعًا بكل تأكيد مكان في خطّة الله الأبديّة.
- وبالطريقة نفسها، لكل منا مكان في خدمة خطّة الله الأبديّة. ومعرفتنا لذلك وعملنا على تحقيقه يحفظنا من الكلل (أي اليأس) وسط الشدّة.
ثانيًا. بولس يصلّي على ضوء السرّ
أ ) الآيات (١٤-١٥): مقدّمة للصلاة.
١٤بِسَبَبِ هذَا أَحْنِي رُكْبَتَيَّ لَدَى أَبِي رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، ١٥الَّذِي مِنْهُ تُسَمَّى كُلُّ عَشِيرَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَعَلَى الأَرْضِ.
- بِسَبَبِ هَذَا: كان أساس صلاة بولس معرفته بقصد الله. وهذا يعني أنَّه صلّى بثقة حسب مشيئة الله. فلا يمكننا الصلاة بفعالية ما لم نملك نظرة ثاقبة في قصد الله ومشيئته.
- أَحْنِي رُكْبَتَيَّ: صلّى بولس راكعًا. كان هذا الوضع الذي يتّصف بالتواضع الشديد يتناقض مع الوضع الطبيعيّ للصلاة في تلك الثقافة، أي الوقوف مع رفع الأيدي.
- إنَّما أتى التواضع من تأمّله خطّة الله الأبديّة العظيمة، ومكانته في تلك الخطّة، واستحالة إيقاف عمل الله حتّى عندما سُجِن بولس.
- صلّى سليمان على ركبتيه (ملوك الأوَّل ٥٤:٨). وصلّى عزرا على ركبتيه (عزرا ٥:٩). ودعانا المرنّم إلى الركوع (مزمور ٦:٩٥). وصلّى دانيال على ركبتيه (دانيال ١٠:٦). وجاء الناس إلى يسوع راكعين (متى ١٤:١٧، متى ٢٠:٢٠، و مرقس ٤٠:١). وصلّى استفانوس على ركبتيه (أعمال الرسل ٦٠:٧). وقد صلّى بطرس على ركبتيه (أعمال الرسل ٤٠:٩). وصلّى بولس على ركبتيه (أعمال الرسل ٣٦:٢٠)، وصلّى المسيحيّون الأوائل على ركبهم (أعمال الرسل ٥:٢١). والأهم من ذلك، صلّى يسوع على ركبتيه (لوقا ٤١:٢٢). ويحتوي الكتاب المُقَدَّس على صلوات أخرى ليست على الركبتين، ليس لإظهار أنَّها غير مطلوبة، ولكنه يحتوي أيضًا على صلوات كافية على الركبتين لإظهار أنها جيّدة.
- رأى آدم كلارك (Adam Clark) صلة بين صلاة سليمان الراكعة عند تدشين الهيكل وصلاة بولس الراكعة هنا. “تشبه أجزاء كثيرة من هذه الصلاة صلاة سليمان عند تكريس الهيكل تشابهًا صارخًا… فالرسول كان يكرّس الآن الكنيسة المسيحيّة.”
- لَدَى أَبِي رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ: وجّه بولس صلاته إلى الآب، الذي يظهر هنا باعتباره ’المخطِّط‘ بين أقانيم الثالوث. وفي الكتاب المُقَدَّس، تُوَجَّه الصلاة عادةً إلى الآب، بواسطة الابن، عن طريق تمكين الروح القُدُس وتوجيهه.
- ٱلَّذِي مِنْهُ تُسَمَّى كُلُّ عَشِيرَةٍ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَعَلَى ٱلْأَرْضِ: بتذكّر أنَّ عائلة الله تُدعَى باسمه، أظهر بولس أن ذهنه كان مشغولاً بفكرة وحدة جسد المسيح الأساسيّة هذه. أي أنَّ الله أبو كل من اليهود والأُمَم.
- وعظ تشارلز سبيرجن (Charles Spurgeon) عظة مؤثرة عن هذه الآية بعنوان «القِدّيسون في السماء والأرض هم عشيرة واحدة.» طوّر فيها فكرة أننا واحد مع إخوتنا وأخواتنا في السماء، وكيف يُثرِي ذلك رجاءنا في السماء.
- يعتقد بعض المفسّرين أنَّ بولس يشير إلى العشائر السماويّة بمعنى عشائر الملائكة. “ألا يجوز ربط الملائكة المقدّسين في عشائر روحيّة، رغم أنهم لا يتزوجون ولا يُزوَّجون؟” آلفورد (Alford)
ب) الآيات (١٦-١٩): بولس يصلّي مرَّة أخرى لأهل أفسس.
١٦لِكَيْ يُعْطِيَكُمْ بِحَسَبِ غِنَى مَجْدِهِ، أَنْ تَتَأَيَّدُوا بِالْقُوَّةِ بِرُوحِهِ فِي الإِنْسَانِ الْبَاطِنِ، ١٧لِيَحِلَّ الْمَسِيحُ بِالإِيمَانِ فِي قُلُوبِكُمْ، ١٨وَأَنْتُمْ مُتَأَصِّلُونَ وَمُتَأَسِّسُونَ فِي الْمَحَبَّةِ، حَتَّى تَسْتَطِيعُوا أَنْ تُدْرِكُوا مَعَ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ، مَا هُوَ الْعَرْضُ وَالطُّولُ وَالْعُمْقُ وَالْعُلْوُ، ١٩وَتَعْرِفُوا مَحَبَّةَ الْمَسِيحِ الْفَائِقَةَ الْمَعْرِفَةِ، لِكَيْ تَمْتَلِئُوا إِلَى كُلِّ مِلْءِ اللهِ.
- أَنْ تَتَأَيَّدُوا بِٱلْقُوَّةِ بِرُوحِهِ فِي ٱلْإِنْسَانِ ٱلْبَاطِنِ: طلب بولس أن يَتَأَيَّدُوا بِٱلْقُوَّةِ، وأن تكون القوّة بِحَسَبِ غِنَى مَجْدِهِ (وهو معيار وافر للغاية). كما صلّى أن تأتي القوّة بِرُوحِهِ وأن توضَع في إِنْسَانِهم ٱلْبَاطِنِ.
- هناك إِنْسَان بَاطِن تمامًا مثل الجسم الماديّ. ونحن جميعًا ندرك أهمّيّة القوّة في جسمنا الماديّ، لكنَّ الكثيرين ضعفاء جدًّا في الإنسان الباطن.
- بِحَسَبِ غِنَى مَجْدِهِ: “إنَّه عار على الملك أو النبيل ألاَّ يزيد عطاؤه عن التاجر أو الفلاح. والله يتصرّف حسب كرامة كماله اللامتناهي؛ فيعطي حسب غِنى مجده.” كلارك (Clark)
- لِيَحِلَّ ٱلْمَسِيحُ بِٱلْإِيمَانِ فِي قُلُوبِكُمْ: طلب بولس أن يحيا يسوع في هؤلاء المؤمنين، تمامًا كما وعد يسوع في يوحنا ٢٣:١٤ “إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كَلَامِي، وَيُحِبُّهُ أَبِي، وَإِلَيْهِ نَأْتِي، وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلًا.”
- هناك كلمتان يونانيّتان تنقلان فكرة ’السكن.‘ إحداهما تحمل فكرة العيش في مكان غريب، والأخرى تحمل فكرة الاستقرار في مكان على أنَّه موطن دائم. أمَّا يَحِلَّ فهي ترجمة للكلمة اليونانيّة القديمة التي تعني الموطن الدائم. فيريد يسوع أن يستقر في قلبك، ليس كغريب يزورك ثُمَّ يرحل.
- إن مجد يسوع الساكن فينا هو شيء لنا أن نعرفه، ونعرفه بالإيمان. إنه موجود من أجلنا، ولكن يجب الاستحواذ عليه بِٱلْإِيمَانِ. “عندك كتابك المُقَدَّس، وعندك ركبتاك؛ فاستخدمها.” كار جون غلين (Carr John Glynn) عرّاب موول (Moule)
- نحتاج إلى قوّة روحيّة للسماح للمسيح بأنْ يحلّ بداخلنا لأنَّ هناك شيئًا فينا يقاوم تأثير يسوع الساكن فينا. ويمكن التغلب على هذا الشيء بأن يعطينا روح الله نُصرة الإيمان.
- وَأَنْتُمْ مُتَأَصِّلُونَ وَمُتَأَسِّسُونَ فِي ٱلْمَحَبَّةِ: طلب بولس أن يحدث كل هذا بينما هم مُتَأَصِّلُونَ وَمُتَأَسِّسُونَ فِي ٱلْمَحَبَّةِ. ويبدو أن المقصود هو أنَّه ينبغي ترسيخهم وتأسيسهم في محبتهم بعضهم للبعض، أكثر من كونهم متأصّلين ومتأسسين في محبتهم لله ومعرفة تلك المحبّة.
- “يُستَخدَم هنا تعبيران: ’متأصِّلون‘ كالشجرة الحية التي تتشبّث بالتربة وتلتف حول الصخور ولا يمكن اقتلاعها، و’متأسسون‘ كالمبنى الذي استوى على قواعده، فلا تظهر عليه أية تشققات أو شروخ في المستقبل بسبب عيوب في وضع الأساس.” سبيرجن (Spurgeon)
- حَتَّى تَسْتَطِيعُوا أَنْ تُدْرِكُوا مَعَ جَمِيعِ ٱلْقِدِّيسِينَ: صلى بولس أنْ يفهموا معًا كجماعة كل أبعاد محبّة يسوع. وأراد بولس أن يعرفوا ذلك بالخبرة لا بالكلام فقط.
- “عسى أنْ تكونوا أنتم وأنا مهرة في هذا المضمار. إن كنا لا نعرف شيئًا عن الرياضيات، فلعلنا نكون خبراء في هذه الهندسة الروحيّة، لندرك سعة وطول محبّة يسوع الثمينة.” سبيرجن (Spurgeon)
- مَا هُوَ ٱلْعَرْضُ وَٱلطُّولُ وَٱلْعُمْقُ وَٱلْعُلْوُ: المقصود أنَّ محبّة يسوع لها أبعاد ويمكن قياسها.
- “للأسف، بالنسبة إلى عدد كبير من المتدينيّن، ليست محبّة يسوع أمرًا ملموسًا على الإطلاق، بل هي خيال جميل وإيمان عاطفي ونظرية تقليدية. ولكن بالنسبة إلى بولس هي حقيقة واقعية وملموسة وقابلة للقياس. لقد قلّب الأمر من هذه الناحية وتلك، ثُمَّ أعاد تقليب النظر، فاتّضح له أنَّه حقيقيّ، مهما قال الآخرون.” سبيرجن (Spurgeon)
- محبّة يسوع لها عَرْض. ويمكنك أن ترى عرض النهر بملاحظة المساحة التي يغطّيها. فنهر محبّة الله واسع جدًّا إلى درجة أنَّه يغطّي خطيتي، ويغطي كل ظروف حياتي، بحيث تعمل كل الأشياء معًا من أجل الخير. وعندما أشك في غفرانه أو عنايته، فأنا أضيّق نهر محبّة الله العظيم. فمحبّته واسعة سعة العالم: «لِأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ ٱللهُ ٱلْعَالَمَ» (يوحنا ١٦:٣).
- “يبدو أن بعضهم ينشغلون بالعلو والطول إلى درجة أنَّهم يُهملون العرض، فتظن عند سماعهم يعظون بأن المسيح أتى إلى العالم ليخلّص حفنة ضئيلة فقط! ولكن سيكون في السماء أكثر مِمَّا نتوقّع رؤيتهم هناك؛ وسنرى هناك بعض الناس الذين لم تكن شركتنا المسيحية معهم مريحة على الأرض، ومع ذلك سيؤخذون للسكن معه إلى الأبد.” سبيرجن (Spurgeon)
- محبّة يسوع لها طُول. عند التفكير في طول محبّة الله، اسأل نفسك: ’متى بدأت محبّة الله نحوي؟ وإلى متى ستستمر؟‘ هذه الحقائق تقيس طول محبّة الله. نعم، «مَحَبَّةً أَبَدِيَّةً أَحْبَبْتُكِ» (إرميا ٣:٣١).
- محبّة يسوع لها عُمْق. تخبرنا فيلبّي ٧:٢-٨ عن عمق محبّة يسوع: «لَكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ ٱلنَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي ٱلْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ، وَأَطَاعَ حَتَّى ٱلْمَوْتَ، مَوْتَ ٱلصَّلِيبِ.» وما من شيء أدنى من موت الصليب. فهذا هو مدى عمق محبّة يسوع لنا.
- محبّة يسوع لها عُلْوُ. لكي ترى ذروة محبّة الله، اسأل نفسك: ’إلى أي مدى ترفعني محبّته؟‘ إنَّها ترفعني إلى السماويّات حيث أجلس مع المسيح. لقد «أَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي ٱلسَّمَاوِيَّاتِ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ» (أفسس ٦:٢).
- هل يمكن أن نُدرِك حقًّا مَا هُوَ عَرْضُ وَطُولُ وَعُمْقُ وَعُلْوُ محبّة الله؟ لكي نتوصل إلى فهم أبعاد محبّة الله، يجب أن نأتي عند الصليب. فالصليب يشير إلى أربعة طرق، أي في كل اتجاه، لأنَّ …
- محبّة الله واسعة بما يكفي لاحتواء كل شخص.
- محبّة الله طويلة بما يكفي للاستمرار إلى الأبد.
- محبّة الله عميقة بما يكفي للوصول إلى أسوأ خاطئ.
- محبّة الله مرتفعة بما يكفي لنقلنا إلى السماء.
- وَتَعْرِفُوا مَحَبَّةَ ٱلْمَسِيحِ: كتب بولس عن شيء يمكننا معرفته. وهذا ليس تكهنًا أو تخمينًا أو عواطف أو مشاعر. هذا شيء يجب أنْ نعرفه.
- “تكرّم أحد هؤلاء الفلاسفة وقال إنَّ الدين مسألة إيمان، ليس مسألة معرفة. وهذا يتناقض مع كل تعاليم الكتاب المُقَدَّس تناقضًا تامًّا.” سبيرجن (Spurgeon)
- لِكَيْ تَمْتَلِئُوا إِلَى كُلِّ مِلْءِ ٱللهِ: طلب بولس من الله أن يملأ هؤلاء المؤمنين إلى كُلِّ مِلْءِ ٱللهِ. حرف الجر «إلى» أفضل من «بـ» في هذا السياق. فبولس أراد أن يختبر المؤمنون الحياة في يسوع المسيح، أي ملء الله (كولوسي ٩:٢)، وأن يمتلئوا حتّى أقصى سعتهم بيسوع، كما يمتلئ الله حتّى أقصى سعته بشخصه وصفاته.
- “من بين كل الأقوال العظيمة في هذه الصلاة، هذا القول هو الأعظم. الامتلاء بالله شيء عظيم. والامتلاء بملء الله شيء أعظم؛ لكن الامتلاء بكل ملء الله يحيّر العقل تمامًا ويُربِك الفهم.” كلارك (Clark)
ج) الآيات (٢٠-٢١): تسبحة تمجيد.
٢٠وَالْقَادِرُ أَنْ يَفْعَلَ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ، أَكْثَرَ جِدًّا مِمَّا نَطْلُبُ أَوْ نَفْتَكِرُ، بِحَسَبِ الْقُوَّةِ الَّتِي تَعْمَلُ فِينَا، ٢١لَهُ الْمَجْدُ فِي الْكَنِيسَةِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ إِلَى جَمِيعِ أَجْيَالِ دَهْرِ الدُّهُورِ. آمِينَ.
- وَٱلْقَادِرُ أَنْ يَفْعَلَ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ، أَكْثَرَ جِدًّا مِمَّا نَطْلُبُ أَوْ نَفْتَكِرُ: بعد بلوغ بولس هذا العلو الكبير (وماذا يمكن أن يكون أعلى من ملء الله؟)، من المنطقي أن نسأل كيف يمكن أن يكون هذا. كيف يمكن أن يصبح شيء سامٍ فوق إدراكنا هكذا حقيقة واقعة؟ ذلك لا يمكن أن يحدث إلاَّ بفضل قدرة الله على القيام بما يتجاوز ما نَطْلُبُ أَوْ نَفْتَكِرُ.
- هذه التسبحة لا تنتمي إلى الصلاة التي تسبقها فقط، ولكن إلى كل امتياز مجيد وبركة ورد ذكرها في الإصحاحات الثلاثة الأولى أيضًا. فمن هو ٱلْقَادِرُ على تحقيق مثل هذه الأشياء؟ الله وحده هو القادر على عمل ذلك لأنَّه يقدر على عمل ما يفوق قدرتنا على التفكير أو الطلب.
- يقول بولس إنَّ الله قادر على عمل ما يفوق توقعاتنا (أَكْثَرَ جِدًّا مِمَّا نَطْلُبُ أَوْ نَفْتَكِرُ). علمًا بأنّ نون الجمع تشمل بولس وغيره من الرسل، فهم كانوا بالتأكيد يعرفون أنَّ يسوع قادر أن يفعل العظائم.
- يمكنك أن تطلب أشياء جيدة تفوق اختبارك – الله قادر أن يفعل فَوْقَ ذلك.
- يمكنك التفكير في أو تخيّل أشياء تفوق اختبارك – الله قادر أن يفعل فَوْقَ ذلك.
- يمكنك أن تتخيّل أشياء جيّدة تفوق قدرتك على التسمية – الله قادر أن يفعل فَوْقَ ذلك.
- يُعلق سبيرجن (Spurgeon) على عبارة أَكْثَرَ جِدًّا: “لقد كـوَّن هنا في اليونانيّة تعبيرًا خاصًّا به تمامًا. فلم تكن اللغة قويّة بما يكفي للرسول – أقصد للروح القدس الذي يتحدّث على لسان الرسول – لكنَّ بولس اضطر كثيرًا إلى صوغ كلمات وتعبيرات لإبراز قصده، وهذا تعبير منها: «إنه قادر أنْ يفعل أكثر جدًّا»، أي بكثرة تتجاوز القياس والوصف.”
- “لذلك فهو قادر على عمل كل شيء، وقدرته على العمل تفوق في كثرتها أعلى حدّ للكثرة.” كلارك (Clark)
- بِحَسَبِ ٱلْقُوَّةِ ٱلَّتِي تَعْمَلُ فِينَا: الله قادر على عمل ذلك في حياتنا الآن، وليس بدءًا بالسماء. هذه ٱلْقُوَّةِ… تَعْمَلُ فِينَا الآن.
- الأشياء التي صلّى بولس من أجلها في الآيات السابقة (القوّة الروحيّة، سُكنى يسوع في الداخل، المعرفة الاختباريّة لمحبّة الله، وملء الله) هي ملك لنا كأبناء الله. ولكن علينا أن نستقبلها بطلبها بالإيمان ويمكن تقويتها في حياة الآخرين بواسطة صلواتنا من أجلهم.
- لَهُ ٱلْمَجْدُ فِي ٱلْكَنِيسَةِ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ: الرد الوحيد المناسب على هذا الإله العظيم هو إعطاؤه المجد – خاصّة في الكنيسة، وسط جماعة المفديِّين، إِلَى جَمِيعِ أَجْيَالِ دَهْرِ ٱلدُّهُورِ. آمِينَ!
- عندما تفهم الكنيسة قصد الله الأزلي وتسلك فيه، يعود المجد لله وتقوم الكنيسة بواجبها المهمّ المتمثل في تمجيد الله.
- “لكنَّ الرسول شعر بضرورة ألاَّ يقول: «له المجد في روحي.» لقد تمنّى ذلك، لكنَّ روحه الواحدة توفّر مساحة صغيرة جدًّا، ولذا هتف: «له المجد في الكنيسة.» إنَّه يدعو جميع شعب الله إلى تسبيح اسم الله.” سبيرجن (Spurgeon)