عبرانيين – الإصحاح ١١
نماذج وأمثلة من الإيمان لعون المُحبطين
أولاً. ما هو الإيمان.
أ ) الآية (١): تعريف الإيمان.
١وَأَمَّا الإِيمَانُ فَهُوَ الثِّقَةُ بِمَا يُرْجَى وَالإِيقَانُ بِأُمُورٍ لاَ تُرَى.
- وَأَمَّا الإِيمَانُ فَهُوَ الثِّقَةُ بِمَا يُرْجَى: تماماً كما يمنحنا نظرنا الطبيعي إحساساً بالعالم المادي الذي حولنا، فهكذا الإِيمَانُ يعطينا الإحساس بالعالم الروحي الخفي.
- للإيمان أسباب. فالكتاب المقدس لا يطلب منا إيماناً أعمى، لكن في الوقت ذاته لا يمكن إخضاع أسباب الإيمان للقياس في مختبر، فهذه تُفهم روحياً.
- “الإيمان يتناول أبعد مما تدركه حواسنا، والكاتب هنا يقول إن هناك أسباباً لذلك، وهذه الأسباب لا تمتحن بالحواس، وهذا ما يسبب الشك.” موريس (Morris)
- “البصر الطبيعي يعطينا قناعة وتأكيداً للأشياء المرئية؛ أما الإيمان فهو ما يمكننا من رؤية العالم غير المرئي.” بروس (Bruce)
- بِمَا يُرْجَى وَالإِيقَانُ بِأُمُورٍ لاَ تُرَى: إذا كان الشيء أمامك وتستطيع رؤيته فلا لزوم للإيمان. ولكن الإيمان ضروري لما لا نستطيع رؤيته ولا يمكن لمسه.
- الإيمان لا يتناقض مع المنطق، رغم أنه قد يتجاوز المنطق. فيمكن لنا مثلاً أن نثبت بشكل موضوعي أن الكتاب المقدس هو أكثر الكتب تميزاً على الإطلاق وأنه أثر على المجتمعات أكثر من أي كتاب آخر، لكن الإيمان وحده هو ما يثبت أن الكتاب المقدس هو كلمة الله. لذلك، هذا الإيمان يتجاوز المنطق لكنه لا يتعارض معه أو يناقضه.
- الإِيمَانُ فَهُوَ الثِّقَةُ… وَالإِيقَانُ: الإيمان ليس مجرد اعتقاد أو فهم عقلاني، لكن يرافقه أيضاً رغبة في الثقة والاعتماد والتشبث بهذا الإيمان.
ب) الآية (٢): بالإيمان انتصر رجال الزمن الماضي.
٢فَإِنَّهُ فِي هَذَا شُهِدَ لِلْقُدَمَاءِ.
- فِي هَذَا شُهِدَ لِلْقُدَمَاءِ: كان لكل من رجال الله العظماء ظروفه وشخصيته المختلفة، لكن كان بينهم جميعًا شيء واحد مشترك هو الإيمان.
- شُهِدَ: كان هؤلاء المؤمنون العبرانيون محبطين ويفكرون في التخلي عن يسوع وعن مسيحيتهم، ولهذا كانوا بحاجة لشهادة من أشخاص قدوة في الإيمان ليخرجوا من ذلك الإحباط.
ج) الآية (٣): الإيمان يعطينا فهماً للعالم غير المرئي.
٣بِالإِيمَانِ نَفْهَمُ أَنَّ الْعَالَمِينَ أُتْقِنَتْ بِكَلِمَةِ اللهِ، حَتَّى لَمْ يَتَكَوَّنْ مَا يُرَى مِمَّا هُوَ ظَاهِرٌ.
- بِالإِيمَانِ نَفْهَمُ أَنَّ الْعَالَمِينَ أُتْقِنَتْ بِكَلِمَةِ: وهذا حدث عندما قال الله “ليكن نور” (تكوين ٣:١). وكما قال كاتب المزمور: “بِكَلِمَةِ الرَّبِّ صُنِعَتِ السَّمَاوَاتُ، وَبِنَسَمَةِ فِيهِ كُلُّ جُنُودِهَا… لأَنَّهُ قَالَ فَكَانَ. هُوَ أَمَرَ فَصَارَ.” (مزمور ٦:٣٣، ٩).
- بِالإِيمَانِ نَفْهَمُ: نحن لم نر فعل الخلق لكننا نعرف عنه بالإيمان، كما أننا نفهم هذا العالم بالمنطق إذ نعلم أن العالم قد أنشأه وخلقه مصمم ذكي. وهكذا الإيمان يتجاوز العقل والمنطق، لكنه لا يناقضهما.
- حتى في الأوقات التي يبدو فيها أن الله يتوقع منا إيمانًا يعارض العقل أو المنطق، فالتفكير الأعمق في الأمر سيكشف لنا أنه ليس هناك تعارض. فقد يبدو مثلاً أنه من المخالف للمنطق أن يطلب الله من أبراهيم أن يؤمن أن رحم سارة الميت سيحمل له طفلاً، لكن ليس من غير المعقول الإيمان بأن الله الذي خلق الحياة وذلك الرحم يمكنه أن يحقق ذلك بحسب وعده.
- بِالإِيمَانِ نَفْهَمُ: النص لا يقول أن الله خلق العالم بواسطة الإيمان. ولكن بما أن الله يرى ويعرف كل شيء فمفهوم “الإيمان” في معناه البشري لا ينطبق عليه. وبما أننا نفهم الإيمان على أنه الثِّقَةُ بِمَا يُرْجَى وَالإِيقَانُ بِأُمُورٍ لاَ تُرَى نعرف إذاً أن الله يرى كل شيء لكنه لا “يأمل أو يرجو” شيئاً.
- حَتَّى لَمْ يَتَكَوَّنْ مَا يُرَى مِمَّا هُوَ ظَاهِرٌ: كان معظم العلماء في وقت كتابة سفر العبرانيين يعتقدون أن الكون قد أنشئ من مكونات موجودة بالفعل وليس من العدم. فقد اعتقدوا أن العالم قد صنع مِمَّا هُوَ ظَاهِرٌ، لكن نرى هنا الكتاب المقدس يصحح سوء الفهم ليقول بوضوح أن العالم لَمْ يَتَكَوَّنْ… مِمَّا هُوَ ظَاهِرٌ.
ثانياً. الإيمان في بداية تاريخ الإنسان.
أ ) الآية (٤): إيمان هابيل.
٤بِالإِيمَانِ قَدَّمَ هَابِيلُ لِلَّهِ ذَبِيحَةً أَفْضَلَ مِنْ قَايِينَ، فَبِهِ شُهِدَ لَهُ أَنَّهُ بَارٌّ، إِذْ شَهِدَ اللهُ لِقَرَابِينِهِ. وَبِهِ، وَإِنْ مَاتَ، يَتَكَلَّمْ بَعْدُ!
- بِالإِيمَانِ قَدَّمَ هَابِيلُ لِلَّهِ ذَبِيحَةً أَفْضَلَ: الفرق بين ذبيحة قابيل وذبيحة هابيل (تكوين ٣:٤-٥) لم يكن مجرد بين حيوان وخضروات، لكن الفرق كان في أن ذبيحة هابيل قُدمت بِالإِيمَان.
- “لم تُفضل ذبيحة هابيل على ذبيحة قابيل لسبب سوى أنها قدمت بالإيمان، فبالتأكيد لم يستطب الله رائحة دهون الحيوانات المحترقة.” كالفن (Calvin)
- فَبِهِ شُهِدَ لَهُ: من المحتمل أن الله أعلن عن قبوله ذبيحة هابيل بنار التهمتها من السماء كما حدث في تكريس خيمة الاجتماع (للاويين ٢٤:٩) وتكريس الهيكل (أخبار الأيام الثاني ١:٧) وتقدمة داود (أخبار الأيام الأول ٢٦:٢١) ومحرقة إيليا (ملوك الأول ٣٨:١٨).
- وَبِهِ، وَإِنْ مَاتَ، يَتَكَلَّمْ بَعْدُ: من خلال هذا المثال المباشر عن هابيل يذكرنا الكاتب أن الإيمان لا يكافأ بالضرورة على الأرض إذ يشهد الله بنفسه هنا على بر الشخص الأمين، فها دم هابيل لا زال يتحدث إلينا ليذكرنا بأهمية الحياة الأبدية.
ب) الآيات (٥-٦): إيمان أخنوخ.
٥بِالإِيمَانِ نُقِلَ أَخْنُوخُ لِكَيْ لاَ يَرَى الْمَوْتَ، وَلَمْ يُوجَدْ لأَنَّ اللهَ نَقَلَهُ – إِذْ قَبْلَ نَقْلِهِ شُهِدَ لَهُ بِأَنَّهُ قَدْ أَرْضَى اللهَ. ٦وَلَكِنْ بِدُونِ إِيمَانٍ لاَ يُمْكِنُ إِرْضَاؤُهُ، لأَنَّهُ يَجِبُ أَنَّ الَّذِي يَأْتِي إِلَى اللهِ يُؤْمِنُ بِأَنَّهُ مَوْجُودٌ، وَأَنَّهُ يُجَازِي الَّذِينَ يَطْلُبُونَهُ.
- بِالإِيمَانِ نُقِلَ أَخْنُوخُ: أخنوخ هو أحد شخصيات العهد القديم الغامضة التي ذكرت فقط في تكوين ٢١:٥-٢٤ ووصف بالرجل الذي سار مع الله ولم يوجد بعد لأن الله أخذه.
- هناك روايات تاريخية يهودية ومسيحية عديدة تتحدث عن استقبال أخنوخ لإعلانات أو وحي من الله، ويهوذا اعتبره نبياً (يهوذا ١٤-١٥)، لكن النبوات المنسوبة إليه غير مؤكدة على الأطلاق.
- بِالإِيمَانِ نُقِلَ أَخْنُوخُ لِكَيْ لاَ يَرَى الْمَوْتَ: يرى كاتب العبرانيين أن الإنسان المؤمن هو من يمكنه فقط التمتع بذلك التواصل القريب مع الله. ومن الأكيد أيضاً أن أي شخص كان له هذا النوع من العلاقة مع الله فلا بد أنه قد أرضى الله، وفي هذا حقق أخنوخ الغرض الذي خلق الإنسان من أجله (رؤيا يوحنا ١١:٤).
- وَلَكِنْ بِدُونِ إِيمَانٍ لاَ يُمْكِنُ إِرْضَاؤُهُ: هذا هو الإيمان الأساسي والمطلوب من أي شخص يسعى للعلاقة مع الله. فعلى الإنسان أولاً أن يُؤْمِنُ بِأَنَّهُ مَوْجُودٌ، ومن ثم أن يؤمن وَأَنَّهُ يُجَازِي الَّذِينَ يَطْلُبُونَهُ. علينا إذاً أن نؤمن أن الله موجود وأنه سيكشف عن نفسه للقلب الساعي إليه.
- لم يقل كاتب العبرانيين أنه من الصعب إرضاء الله من دون إيمان بل قال بإنه “لاَ يُمْكِنُ.”
- “رغم أن هذين الشرطين يبدوان بسيطين، لكن مؤمنون كثيرون للأسف يعيشون وكأن الله ليس حياً؛ وآخرون رغم أنهم يطلبونه، فهم لا يتوقعون منه أي رد أو مجازاة!” نويل (Newell)
ج ) الآية (٧): إيمان نوح.
٧بِالإِيمَانِ نُوحٌ لَمَّا أُوحِيَ إِلَيْهِ عَنْ أُمُورٍ لَمْ تُرَ بَعْدُ خَافَ، فَبَنَى فُلْكاً لِخَلاَصِ بَيْتِهِ، فَبِهِ دَانَ الْعَالَمَ، وَصَارَ وَارِثاً لِلْبِرِّ الَّذِي حَسَبَ الإِيمَانِ.
- نُوحٌ لَمَّا أُوحِيَ إِلَيْهِ عَنْ أُمُورٍ لَمْ تُرَ بَعْدُ: تم تحذير نوح من أمر لم يحصل قبلاً أبداً، وظهر إيمانه ليس فقط في تصديقه بأن الطوفان قادم، ولكن في تنفيذ ما أمره الله به لتجنب الطوفان.
- بَنَى فُلْكاً: الإيمان الحقيقي إيمان فاعل، ورسالة يعقوب تؤكد لنا هذا مراراً وتكراراً.
- دَانَ الْعَالَمَ: لا تتخيل أن نوح كان رجلاً يقف ويعظ الباقين ليوبخهم عن شرورهم، لكن مجرد سلوك الإنسان الذي يعرف الله يمكن أن يبدو كتوبيخ للعالم الشرير.
ثالثاً. الإيمان في حياة إبراهيم والآباء.
أ ) الآية (٨): طاعة إبراهيم بالإيمان.
٨بِالإِيمَانِ إِبْرَاهِيمُ لَمَّا دُعِيَ أَطَاعَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ عَتِيداً أَنْ يَأْخُذَهُ مِيرَاثاً، فَخَرَجَ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ إِلَى أَيْنَ يَأْتِي.
- بِالإِيمَانِ إِبْرَاهِيمُ لَمَّا دُعِيَ أَطَاعَ: خرج إبراهيم من أرضه بالإيمان متجهًا إلى الأرض التي وعده الله بها؛ لكن إيمانه لم يكن كاملاً، إذ يمكننا أن نرى هذا بمقارنة تكوين ١:١٢-٥ مع أعمال الرسل ٢:٧-٤ حيث يتضح لنا أن طاعة إبراهيم في البداية لم تكن كاملة ومن ثم أطاع الله كلياً في النهاية. ورغم هذا، وبعد آلاف السنين لم يذكر الله هذه الطاعة المتأخرة بل تذكر إيمان إبراهيم.
ب) الآيات (٩-١٠): ارتحال واغتراب إبراهيم بالإيمان.
٩بِالإِيمَانِ تَغَرَّبَ فِي أَرْضِ الْمَوْعِدِ كَأَنَّهَا غَرِيبَةٌ، سَاكِناً فِي خِيَامٍ مَعَ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ الْوَارِثَيْنِ مَعَهُ لِهَذَا الْمَوْعِدِ عَيْنِهِ. ١٠لأَنَّهُ كَانَ يَنْتَظِرُ الْمَدِينَةَ الَّتِي لَهَا الأَسَاسَاتُ، الَّتِي صَانِعُهَا وَبَارِئُهَا اللهُ.
- بِالإِيمَانِ تَغَرَّبَ فِي أَرْضِ الْمَوْعِدِ: عاش إبراهيم غريباً في الأرض التي وعده الله بها دون أن يملك جزءاً منها سوى الأرض التي دفن فيها هو وزوجته سارة. فكلمة تَغَرَّبَ هنا هي ترجمة للكلمة اليونانية القديمة paroikos التي تصف “الأجنبي المقيم” الذي يعيش في مكان ما دون أن يستقرّ فيه.
- هناك علامات تميز الأجنبي المقيم. فطريقة الكلام واللباس والسلوك، وطريقة قضاء الوقت ونوع الأصدقاء، كل هذا يشير إلى الموطن الأصلي لذلك الشخص. فإن كان ذلك الشخص يشابه “السكان الأصليين” في كل تلك النواحي فهو لم يعد “أجنبياً”، بل أصبح مقيماً دائماً. لهذا يجب ألا يعيش المؤمنون كمقيمين دائمين على هذه الأرض.
- سَاكِناً فِي خِيَامٍ مَعَ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ: إذ لم يكن لهم منزل دائم، عاش إبراهيم وإسحاق ويعقوب فِي خِيَامٍ بدلاً من المنازل. فقد كانوا يتطلعون إلى مدينة أفضل – الْمَدِينَةَ الَّتِي لَهَا الأَسَاسَاتُ، الَّتِي صَانِعُهَا وَبَارِئُهَا اللهُ.
ج ) الآيات (١١-١٢): نتائج إيمان سارة.
١١بِالإِيمَانِ سَارَةُ نَفْسُهَا أَيْضاً أَخَذَتْ قُدْرَةً عَلَى إِنْشَاءِ نَسْلٍ، وَبَعْدَ وَقْتِ السِّنِّ وَلَدَتْ، إِذْ حَسِبَتِ الَّذِي وَعَدَ صَادِقاً. ١٢لِذَلِكَ وُلِدَ أَيْضاً مِنْ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ مِنْ مُمَاتٍ، مِثْلُ نُجُومِ السَّمَاءِ فِي الْكَثْرَةِ، وَكَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ الَّذِي لاَ يُعَدُّ.
- بالإِيمَانِ سَارَةُ: لم يكن إيمان سارة كاملاً، فقد ضحكت اولاً غير مصدقة لما سمعت (تكوين ٩:١٨-١٥) ثم تعلمت فيما بعد أن تضحك بالإيمان (تكوين ٦:٢١).
- إِذْ حَسِبَتِ الَّذِي وَعَدَ صَادِقاً: حقيقة الإيمان تتجسد فعلياً في إقرار الإنسان بأن الله أمين وقادر على الوفاء بوعوده. فهذا النوع من الإيمان هو الذي جعل سارة قادرة عَلَى إِنْشَاءِ نَسْلٍ. فقد أعطاها الله القوة، لكن سارة قبلتها بالإيمان.
- وُلد… كَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ الَّذِي لاَ يُعَدُّ: بسبب إيمان سارة وإبراهيم ولد الآلاف بل الملايين من نسلهما. فقد كان لإيمانهما تأثير على حياة أناس عديدين أكثر مما كانوا يحلمون به.
د ) الآيات (١٣-١٦): ما نتعلمه من إيمان إبراهيم وسارة.
١٣فِي الإِيمَانِ مَاتَ هَؤُلاَءِ أَجْمَعُونَ، وَهُمْ لَمْ يَنَالُوا الْمَوَاعِيدَ، بَلْ مِنْ بَعِيدٍ نَظَرُوهَا وَصَدَّقُوهَا وَحَيُّوهَا، وَأَقَرُّوا بِأَنَّهُمْ غُرَبَاءُ وَنُزَلاَءُ عَلَى الأَرْضِ. ١٤فَإِنَّ الَّذِينَ يَقُولُونَ مِثْلَ هَذَا يُظْهِرُونَ أَنَّهُمْ يَطْلُبُونَ وَطَناً. ١٥فَلَوْ ذَكَرُوا ذَلِكَ الَّذِي خَرَجُوا مِنْهُ، لَكَانَ لَهُمْ فُرْصَةٌ لِلرُّجُوعِ. ١٦وَلَكِنِ الآنَ يَبْتَغُونَ وَطَناً أَفْضَلَ، أَيْ سَمَاوِيّاً. لِذَلِكَ لاَ يَسْتَحِي بِهِمِ اللهُ أَنْ يُدْعَى إِلَهَهُمْ، لأَنَّهُ أَعَدَّ لَهُمْ مَدِينَةً.
- فِي الإِيمَانِ مَاتَ هَؤُلاَءِ أَجْمَعُونَ، وَهُمْ لَمْ يَنَالُوا الْمَوَاعِيدَ: كان وعد المسيّا لإبراهيم وسارة، وقد صدقّا الوعد، لكنهما ماتا قبل تحقيقه، لكنهما مِنْ بَعِيدٍ نَظَرُوهَا بالإيمان.
- لَمْ يَنَالُوا الْمَوَاعِيدَ، بَلْ مِنْ بَعِيدٍ نَظَرُوهَا وصدقوها رغم أن تحقيقها كان بعيدًا.
- نَظَرُوهَا وصدقوها متأكدين من أمانة الوعد لأن الله هو من وعد.
- نَظَرُوهَا وَصَدَّقُوهَا وَحَيُّوهَا بالإيمان. فلربما كان إبراهيم وسارة يفكران عدة مرات في اليوم في ذلك الابن الذي وعدهما به الله، وفي كل مرة تذكروا فيها هذه المواعيد صَدَّقُوهَا وَحَيُّوهَا. “لقد صدّق هؤلاء القديسان الوعد. وكلمة ’حَيُّوهَا‘ تشير لمن يلقي التحية على صديق يلمحه مقبلاً من بعيد.” سبيرجن (Spurgeon)
- أَقَرُّوا بِأَنَّهُمْ غُرَبَاءُ وَنُزَلاَءُ عَلَى الأَرْضِ: قبل إبراهيم وسارة الوعد وهما يدركان أن هذا العالم ليس وطنهما. فقد عرفا أن الله قد أعد لهما منزلاً أفضل في السموات.
- إن كان هؤلاء قدوتنا في الإيمان قد تحملوا كل مشاعر الفشل والإحباط هذه وَهُمْ لَمْ يَنَالُوا الْمَوَاعِيدَ، فكم بالحري نحن من صارت لنا المواعيد.
- فِي الإِيمَانِ مَاتَ هَؤُلاَءِ أَجْمَعُونَ:
- لم يضطر هؤلاء للإيمان وهم على فراش الموت. فِي الإِيمَانِ مَاتَ هَؤُلاَءِ أَجْمَعُونَ.
- بالرغم من إيمانهم، فقد ماتوا أيضًا. فإيماننا ليس لتجنب الموت، بل لنموت فِي الإِيمَانِ.
- لم ينشغل هؤلاء بما هو أبعد من الإيمان والاعتماد البسيط على الله.
- لم يعش هؤلاء دون إيمان أو فقدوا إيمانهم أبداً.
- وَلَكِنِ الآنَ يَبْتَغُونَ وَطَناً أَفْضَلَ، أَيْ سَمَاوِيّاً: الحياة بالإيمان تصبح أسهل عندما نذكر أنفسنا أن هذا العالم ليس وطننا. ويصبح الأمر أسهل عندما نذكر أنفسنا أن الحياة ليست عادلة والحق والعدل لا يسود هذه الأرض. لهذا علينا أن نكون ممن يَبْتَغُونَ وَطَناً أَفْضَلَ، أَيْ سَمَاوِيّاً.
- يصبح الإيمان صعباً للغاية عندما نعيش “كملحدين” أي كالشخص الذي له إيمان نظري بالله دون أن يكون لهذا الإيمان أي استخدام عملي في حياته اليومية. ولكن حين نتذكر أن هناك عالم روحي حقيقي وأن وطننا الحقيقي هو في السماء يصبح الإيمان أسهل بكثير.
- كثيرون في زمننا هذا يؤمنون بالمذهب “الطبيعي” الذي يقول أن كل شيء يمكن رده إلى سلسلة وقائع مشابهة لتلك التي نختبرها ونعيشها، فما نراه وما يمكننا وقياسه في الطبيعة فقط هو “الحقيقي.” وقد يسمح لنا العلماء والمعلمون الذين يؤمنون بهذا المنطق بالإيمان بالله طالما اتفقنا على أن الله مجرد خرافة وخيال. ولكننا حين نؤمن بحقيقة الله والسماء وكلمته، يصبح الأمر غير مقبول أبداً لمن يؤمنون ويعيشون بحسب هذا المذهب.
- قال مينكين (H.L. Mencken) إن الإيمان هو “الإيمان غير المنطقي بحدوث المستحيل.” وهذا الفرض سيكون صحيحًا فقط في حالة لم يكن هناك إله أو كان الله غير مهم، لكن بما أن الله موجود وبما أنه مهم، فإن الإيمان شيء منطقي تمامًا.
- لِذَلِكَ لاَ يَسْتَحِي بِهِمِ اللهُ أَنْ يُدْعَى إِلَهَهُمْ: هؤلاء من يمتلكون الشجاعة الكافية للإيمان بالله والسماء والحياة الأبدية كحقيقة لا شك فيها، لاَ يَسْتَحِي بِهِمِ اللهُ أَنْ يُدْعَى إِلَهَهُمْ.
- غالبًا ما نفكر نحن في قضية أن علينا ألاّ نخجل بالله، لكن علينا أيضًا أن ندرك أننا أحيانًا نجعل الله يخجل منا. فحين لا يتعامل البعض مع الله والسماء والأبدية كحقيقة، يمكن أن يكون هذا سبباً في أن يَسْتَحِي بِهِمِ اللهُ أَنْ يُدْعَى إِلَهَهُمْ.
هـ) الآيات (١٧-١٩): كان إيمان إبراهيم عظيماً إذ آمن أن الله قادر على إقامة الموتى وأن الله قادر على الوفاء بمواعيده.
١٧بِالإِيمَانِ قَدَّمَ إِبْرَاهِيمُ إِسْحَاقَ وَهُوَ مُجَرَّبٌ – قَدَّمَ الَّذِي قَبِلَ الْمَوَاعِيدَ، وَحِيدَهُ ١٨الَّذِي قِيلَ لَهُ: «إِنَّهُ بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ». ١٩إِذْ حَسِبَ أَنَّ اللهَ قَادِرٌ عَلَى الإِقَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ أَيْضاً، الَّذِينَ مِنْهُمْ أَخَذَهُ أَيْضاً فِي مِثَالٍ.
- بِالإِيمَانِ قَدَّمَ إِبْرَاهِيمُ إِسْحَاقَ وَهُوَ مُجَرَّبٌ: الجدير بالذكر أن الفعل المضارع المستخدم هنا يشير إلى أن ذبيحة إبراهيم قُدمت بالفعل. ففي عقله وإرادته كانت ذبيحة ابنه قد تمت.
- قَدَّمَ… وَحِيدَهُ: على الرغم من أن إبراهيم كان له ابن آخر هو إسماعيل، ابنه الذي جاء من محاولته تحقيق وعد الله بنفسه، فإن الله لم يعترف بهذا الابن الآخر (تكوين ١:٢٢-١٤) لهذا يكون إسحاق هو وَحِيدَهُ.
- إِذْ حَسِبَ أَنَّ اللهَ قَادِرٌ: الكلمة اليونانية القديمة التي ترجمت هنا إلى ’حَسِبَ‘ مشتقة من جذر الكلمة التي تعني الحساب الرقمي بالمنطق والاستنباط.” غوثري (Guthrie). وهذا يعني أن إبراهيم حَسب وعد الله أمراً جديراً بالثقة.
- عَلَى الإِقَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ أَيْضاً، الَّذِينَ مِنْهُمْ أَخَذَهُ أَيْضاً فِي مِثَالٍ: بالنسبة لإبراهيم كان إسحاق في حكم الميت، وعاد لإبراهيم أبيه من فم الموت بطريقة حاكت قيامة يسوع.
- يتساءل بروس (Bruce) إن كان هذا هو الحدث الذي أشار إليه يسوع في يوحنا ٥٦:٨ عندما قال: “أَبُوكُمْ إِبْرَاهِيمُ تَهَلَّلَ بِأَنْ يَرَى يَوْمِي فَرَأَى وَفَرِحَ.”
- عندما وجد إبراهيم نفسه يتلقى وعدًا وأمرًا من الله بديا وكأنهما يتناقضان مع بعضهما البعض فعل ما يجب أن نفعله نحن أيضاً: أطاع الأمر وترك تحقيق الوعد لله. وقد كان الله قادراً على تحقيق ما وعد به.
و ) الآية (٢٠): إيمان إسحاق.
٢٠بِالإِيمَانِ إِسْحَاقُ بَارَكَ يَعْقُوبَ وَعِيسُو مِنْ جِهَةِ أُمُورٍ عَتِيدَةٍ.
- بِالإِيمَانِ إِسْحَاقُ بَارَكَ: كان إسحاق يتصرف بالجسد وليس بِالإِيمَانِ حين حاول أولاً أن يبارك عيسو بدلاً من يعقوب. فقد أراد أن يبارك عيسو ببركة البكورية لأسباب أرضية جسدية. فقد كان يحب عيسو لأنه كان أكثر رجولة وخشونة ولأنه كان يحب ثمار الصيد التي كان يأتي بها للمنزل، لكن كان على إسحاق أن يبارك يعقوب الذي اختاره الله.
- بِالإِيمَانِ إِسْحَاقُ بَارَكَ: وصل إسحاق لنقطة الإِيمَانِ حين أدرك أنه قد بارك يعقوب بدلاً من عيسو، إذ تقول الآية في تكوين ٣٣:٢٧ “فَارْتَعَدَ إِسْحَاقُ ارْتِعَادًا عَظِيمًا”، وكان سبب اضطراب إسحاق أنه أدرك أنه حاول أن يخضِع الله لإرادته هو وأن يعاكس خطته، لكن الله “هزمه.” فقد أدرك أنه سيخسر دائمًا حين يحاول مقاومة إرادة الله حتى وإن كانت بعكس أهوائه، وأدرك أن النصرة كانت لخطة الله رغم محاولاته المتعجرفة لمقاومتها.
- بِالإِيمَانِ: ظهر إيمان إسحاق بعد أن فشلت محاولته لتعطيل إرادة الله، عندما قال ليعقوب: “نَعَمْ، وَيَكُونُ مُبَارَكًا” (تكوين ٣٣:٢٧). فقد أدرك عندها أن خطته للتحايل على الله قد تعطلت، فاستجاب بإيمان راضياً وقال: “نعم يا رب، لتكن بركة البكورية لإسحاق، ولتكن هناك بركة أخرى لعيسو.”
ز ) الآية (٢١): إيمان يعقوب.
٢١بِالإِيمَانِ يَعْقُوبُ عِنْدَ مَوْتِهِ بَارَكَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنِ ابْنَيْ يُوسُفَ، وَسَجَدَ عَلَى رَأْسِ عَصَاهُ.
- بالإِيمَانِ يَعْقُوبُ عِنْدَ مَوْتِهِ بَارَكَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنِ ابْنَيْ يُوسُفَ: عاش يعقوب حياة عالمية بعيدة عن الله إلى حد ما، لكن إيمانه كان قادراً على رؤية ما بعد الموت، فبارك كل من ابنيه.
- وَسَجَدَ عَلَى رَأْسِ عَصَاهُ: كان يعقوب مضطراً لاستخدام العصا لأنه كان يعرج بعد أن أصيب فخذه في مواجهته في الله في مخاضة يبوق (تكوين ٢٤:٣٢-٣٢). وبينما كان يتكئ على عصاه تذكر عظمة الله ورعايته لمستقبله هو ونسله، وَسَجَدَ ليبيّن إيمانه واتكاله على الله.
ح) الآية (٢٢): إيمان يوسف.
٢٢بِالإِيمَانِ يُوسُفُ عِنْدَ مَوْتِهِ ذَكَرَ خُرُوجَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَوْصَى مِنْ جِهَةِ عِظَامِهِ.
- بالإِيمَانِ يُوسُفُ: ذكر يوسف خُرُوجَ بَنِي إِسْرَائِيلَ في سفر التكوين ٢٤:٥٠ عندما قال: “وَلكِنَّ اللهَ سَيَفْتَقِدُكُمْ وَيُصْعِدُكُمْ مِنْ هذِهِ الأَرْضِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي حَلَفَ لإِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ.” فقد علم أن وعد الله كان صادقاً!
- وَأَوْصَى مِنْ جِهَةِ عِظَامِهِ: لم يدفن يوسف أبداً عندما مات، فقد رقد جثمانه فوق الأرض مدة ٤٠٠ عام أو نحو ذلك حتى أعيد إلى كنعان. فقد كان ذلك الزمان شاهدًا صامتًا طوال تلك السنين على أن إسرائيل ستعود إلى أرض الموعد كما وعد الله.
- “يشير الروح القدس في هذا الأصحاح إلى أعظم لحظات الإيمان في حياة رجال الله. فأنا ما كنت لأتوقع أن تُذكر لحظة موت يوسف كدليل على إيمانه بالله… ألا يخبرنا هذا أيها الإخوة والأخوات أننا فعلاً لا نعلم ما يدخل السرور في قلب الله؟” سبيرجن (Spurgeon)
- بالإِيمَانِ يُوسُفُ: كان إيمان يوسف شهادة لآخرين لسنوات بعد موته. فطوال تلك السنين حين كان طفل من بني إسرائيل يرى نعش يوسف ويسأل عن سبب وجوده هناك وعدم دفنه، كان يقال له: “لأن هذ الرجل العظيم يوسف لم يرد أن يدفن في أرض مصر بل في أرض الموعد التي سيأخذنا الله إليها في يوم ما.”
رابعاً. الإيمان في شعب إسرائيل.
أ ) الآية (٢٣): إيمان والدي موسى.
٢٣بِالإِيمَانِ مُوسَى، بَعْدَمَا وُلِدَ، أَخْفَاهُ أَبَوَاهُ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ، لأَنَّهُمَا رَأَيَا الصَّبِيَّ جَمِيلاً، وَلَمْ يَخْشَيَا أَمْرَ الْمَلِكِ.
- بِالإِيمَانِ مُوسَى، بَعْدَمَا وُلِدَ، أَخْفَاهُ أَبَوَاهُ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ: أظهر والدا موسى إيمانهما عندما أدركا أن الله كان له خطة لحياة موسى، فتصرفا بالإيمان لإنقاذ حياته رغم الخطر.
- وَلَمْ يَخْشَيَا أَمْرَ الْمَلِكِ: عندما أمر فرعون مصر بقتل أبناء العبرانيين منح الإيمان والدي موسى الشجاعة لطاعة الله بدلاً من الإنسان.
ب) الآيات (٢٤-٢٦): إيمان موسى في بلاط فرعون.
٢٤بِالإِيمَانِ مُوسَى لَمَّا كَبِرَ أَبَى أَنْ يُدْعَى ابْنَ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ، ٢٥مُفَضِّلاً بِالأَحْرَى أَنْ يُذَلَّ مَعَ شَعْبِ اللهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ تَمَتُّعٌ وَقْتِيٌّ بِالْخَطِيَّةِ، ٢٦حَاسِباً عَارَ الْمَسِيحِ غِنًى أَعْظَمَ مِنْ خَزَائِنِ مِصْرَ، لأَنَّهُ كَانَ يَنْظُرُ إِلَى الْمُجَازَاةِ.
- أَبَى أَنْ يُدْعَى ابْنَ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ: أظهر موسى إيمانه عندما سمح لله بأن يرسم مستقبله بدلاً من السماح لفرعون أو لطموحه الخاص بتحديد بذلك.
- مُفَضِّلاً بِالأَحْرَى أَنْ يُذَلَّ مَعَ شَعْبِ اللهِ: كان لهذا الاختيار عواقب، فقد عرف موسى أن اختياره لإرادة الله يعني أَنْ يُذَلَّ بدلاً من أَنْ يَكُونَ لَهُ تَمَتُّعٌ وَقْتِيٌّ بِالْخَطِيَّةِ. فالخطيئة لها متعها لكن موسى أدرك ان هذه زائلة حتى وإن استمرت زمن حياتنا الأرضية كلها.
- عَارَ الْمَسِيحِ: ربما لم يدرك موسى هذا وقتها، لكن ذلك الاضطهاد الذي تعرض له بسبب اختياره لأن يخدم الله وشعبه جعله في ذات الخانة مع يسوع الذي تألم لأجل تحرير وخلاص الإنسان.
ج ) الآية (٢٧): إيمان موسى حين ترك مصر.
٢٧بِالإِيمَانِ تَرَكَ مِصْرَ غَيْرَ خَائِفٍ مِنْ غَضَبِ الْمَلِكِ، لأَنَّهُ تَشَدَّدَ، كَأَنَّهُ يَرَى مَنْ لاَ يُرَى.
- بِالإِيمَانِ تَرَكَ مِصْرَ غَيْرَ خَائِفٍ مِنْ غَضَبِ الْمَلِكِ: كانت عينا موسى البشرية ترى الخطر المحدق بهم من فرعون وخطر البقاء على قرب من مصر. لكن عيون إيمانه جعلنه أيضاً يَرَى مَنْ لاَ يُرَى وأدرك أن وجود الله إلى جانبهم هو حقيقة أعظم من غضب فرعون الذي يواجهون.
د ) الآية (٢٨): أظهر موسى إيمانه عندما قاد إسرائيل في يوم الفصح طاعة لأمر الله.
٢٨بِالإِيمَانِ صَنَعَ الْفِصْحَ وَرَشَّ الدَّمَ لِئَلاَّ يَمَسَّهُمُ الَّذِي أَهْلَكَ الأَبْكَارَ.
- بِالإِيمَانِ صَنَعَ الْفِصْحَ: تطلب الأمر إيماناً من بني إسرائيل بأن دم الخروف المرشوش على عتبة الباب سينقذ كل عائلة من يد ملاك الموت، لكن موسى كان لديه هذا الإيمان واحتفل مع الأمة بعيد الْفِصْحَ.
- لِئَلاَّ يَمَسَّهُمُ الَّذِي أَهْلَكَ الأَبْكَارَ: أولئك من لم يكن لهم إيمان وطاعة موسى وشعب إسرائيل وجدوا أن الملاك قد أَهْلَكَ أبناءهم في ذلك الفصح الأول، إذ لم يؤمنوا ويضعوا ثقتهم بدم خروف الفصح.
هـ ) الآية (٢٩): إيمان شعب إسرائيل عند عبور البحر الأحمر.
٢٩بِالإِيمَانِ اجْتَازُوا فِي الْبَحْرِ الأَحْمَرِ كَمَا فِي الْيَابِسَةِ، الأَمْرُ الَّذِي لَمَّا شَرَعَ فِيهِ الْمِصْرِيُّونَ غَرِقُوا.
- بِالإِيمَانِ اجْتَازُوا فِي الْبَحْرِ الأَحْمَرِ: لم تكن الشجاعة هي الفارق بين اجتياز شعب إسرائيل للبحر الأحمر ومن ثم المصريين الذين تبعوهم، بل كان الإيمان.
- الأَمْرُ الَّذِي لَمَّا شَرَعَ فِيهِ الْمِصْرِيُّونَ غَرِقُوا: كان لدى المصريين شجاعة أكثر من شعب إسرائيل، لكن لم يكن لهم ذات الإيمان، ولهذا كان مصيرهم مختلفاً. فقد اجتاز شعب إسرائيل وغرق المصريون.
و ) الآية (٣٠): إيمان شعب إسرائيل عند الدوران حول أريحا كما أمر الله.
٣٠بِالإِيمَانِ سَقَطَتْ أَسْوَارُ أَرِيحَا بَعْدَمَا طِيفَ حَوْلَهَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ.
- بِالإِيمَانِ سَقَطَتْ أَسْوَارُ أَرِيحَا: في أريحا أظهر شعب إسرائيل جرأة وقوة إيمانهم، إذ لم يكن هناك فرصة للتراجع بعد أن عبروا نهر الأردن بعد فيضانه مما جعل أي انسحاب مستحيلاً.
- بَعْدَمَا طِيفَ حَوْلَهَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ: كان لشعب إسرائيل طاعة الإيمان في أريحا، إذ لم يفهموا حقيقة ما كان الله ينوي فعله ومع ذلك أطاعوا.
- بَعْدَمَا طِيفَ حَوْلَهَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ: في أريحا كان لشعب إسرائيل صبر الإيمان، إذ لم تسقط الأسوار في الأيام الستة الأولى لكنهم استمروا في المسير كما أمر الله.
- سَبْعَةَ أَيَّامٍ: في أريحا كان لشعب إسرائيل توقع الإيمان، إذ علموا أن الله سيفعل شيئاً في اليوم السابع عندما يصرخون.
ز ) الآية (٣١): إيمان راحاب.
٣١بِالإِيمَانِ رَاحَابُ الزَّانِيَةُ لَمْ تَهْلِكْ مَعَ الْعُصَاةِ، إِذْ قَبِلَتِ الْجَاسُوسَيْنِ بِسَلاَمٍ.
- بِالإِيمَانِ رَاحَابُ الزَّانِيَةُ لَمْ تَهْلِكْ: يخبرنا الكتاب المقدس في سفر يشوع الأصحاح الثاني عن راحاب التي قد تبدو مثالاً غير تقليدي للإيمان، إذ نالت هذا الاعتراف بإيمانها لقبولها بأن تخون آلهة كنعان وتتواصل مع شعب الرب رغم المخاطر.
- “كانت راحاب امرأة زانية آثمة معروفة بهذا. وقد كانت هناك محاولات عديدة غير مجدية لإيجاد معنى آخر لكلمة “الزانية” التي وصلتنا.” سبيرجن (Spurgeon). وقد وصف سبيرجن إيمان راحاب هكذا:
- الإيمان المخلِّص.
- الإيمان الفردي.
- الإيمان الثابت الراسخ.
- الإيمان الذي ينكر الذات.
- الإيمان المتعاطف مع الآخرين.
- الإيمان المطهِر.
- “كانت راحاب امرأة زانية آثمة معروفة بهذا. وقد كانت هناك محاولات عديدة غير مجدية لإيجاد معنى آخر لكلمة “الزانية” التي وصلتنا.” سبيرجن (Spurgeon). وقد وصف سبيرجن إيمان راحاب هكذا:
- إِذْ قَبِلَتِ الْجَاسُوسَيْنِ بِسَلاَمٍ: حين جاء الجاسوسان العبرانيان إلى راحاب أعلنت موقفها قائلة: “أَنَّ الرَّبَّ إِلهَكُمْ هُوَ اللهُ فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ وَعَلَى الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ” (يشوع ١١:٢). وكان هذا دليلاً على إيمانها، والذي لم يكن إيمانًا قويًا أو مثاليًا لكنه استحق الإشادة والاعتراف به.
- كان كليمنت الأول وهو أول كاتب مسيحي لغير نصوص الكتاب المقدس أول من رأى رمزاً لدم يسوع المسيح في الحبل القرمزي الذي وضعته رحاب على نافذتها (يشوع ١٨:٢).
ح ) الآية (٣٢): أبطال آخرين للإيمان.
٣٢وَمَاذَا أَقُولُ أَيْضاً؟ لأَنَّهُ يُعْوِزُنِي الْوَقْتُ إِنْ أَخْبَرْتُ عَنْ جِدْعُونَ، وَبَارَاقَ، وَشَمْشُونَ، وَيَفْتَاحَ، وَدَاوُدَ، وَصَمُوئِيلَ، وَالأَنْبِيَاءِ.
- جِدْعُونَ: الذي دمر الأصنام بجرأة والذي استخدمه الله بقوة لهزيمة جيش المديانيين الذي كان يتفوق عليهم عدداً (قضاة ٦-٧). والذي رغم كل ذلك شك في كلام الله له في البداية وطلب مرارًا أدلة للتأكيد.
- بَارَاقَ: الذي قاد شعب إسرائيل في انتصار عظيم على الكنعانيين (قضاة ٤) لكنه كان قد تردد ولم يمضِ قدماً إلا بعدما شجعته دبورة.
- شَمْشُونَ: الذي استخدمه الرب بقوة لهزيمة الفلسطينيين لكنه رغم ذلك لم يرتق إلى أمور أعظم كان له أن يحققها في حياته وكانت نهايته مأساوية بعد أن أغوته دليلة (قضاة ١٣-١٦).
- يَفْتَاحَ: الذي استخدمه الله لهزيمة العمونيين، لكنه مع ذلك قطع عهداً غبياً وأصر على الوفاء به (قضاة ١١).
- دَاوُدَ: ملك إسرائيل العظيم الذي كان له إيمان رائع لكنه مع ذلك أخطأ مع بثشبع وفشل في تربية أولاده.
- كل واحد من هؤلاء كان من رجال الإيمان لكنه فشل في مرحلة ما من حياته، ورغم ذلك يثني سفر العبرانيين على إيمان هؤلاء ويورد أسماهم في “قائمة الشرف.” وهذا يرينا أن الإيمان الضعيف أفضل من عدم الإيمان وأنه ليس عليك أن تكون مثاليًا أو كاملاً ليرد اسمك في قائمة الشرف اعترافاً بإيمانك.
ط ) الآيات (٣٣-٣٥أ): بالإيمان انتصر هؤلاء على الظروف.
٣٣الَّذِينَ بِالإِيمَانِ قَهَرُوا مَمَالِكَ، صَنَعُوا بِرّاً، نَالُوا مَوَاعِيدَ، سَدُّوا أَفْوَاهَ أُسُودٍ، ٣٤أَطْفَأُوا قُوَّةَ النَّارِ، نَجَوْا مِنْ حَدِّ السَّيْفِ، تَقَّوُوا مِنْ ضُعْفٍ، صَارُوا أَشِدَّاءَ فِي الْحَرْبِ، هَزَمُوا جُيُوشَ غُرَبَاءَ، ٣٥أَخَذَتْ نِسَاءٌ أَمْوَاتَهُنَّ بِقِيَامَةٍ.
- قَهَرُوا مَمَالِكَ: من هؤلاء داود ويشوع والملك آسا ويهوشافاط والملك حزقيا والملك يوشيا.
- صَنَعُوا بِرّاً: من هؤلاء إيليا وأليشع والأنبياء الآخرون بشكل عام؛ والملك يوشيا أيضاً.
- نَالُوا مَوَاعِيدَ: من هؤلاء كالب وجدعون وباراق.
- سَدُّوا أَفْوَاهَ أُسُودٍ: من هؤلاء دانيال وداود وَبَنَايَاهُو (أحد رجال داود الأشداء).
- أَطْفَأُوا قُوَّةَ النَّارِ: من هؤلاء شدرخ وميشخ وعبدنغو.
- نَجَوْا مِنْ حَدِّ السَّيْفِ: نجا داود من سيف جليات وسيف شاول ونجا موسى من سيف فرعون ونجا إيليا من سيف إيزابل.
- تَقَّوُوا مِنْ ضُعْفٍ: من هؤلاء سارة وجدعون وإبراهيم وأستير والملك حزقيا.
- “قد لا يضطر كثيرون منا أبدًا إلى مواجهة الموت حرقاً أو مواجهة الإعدام بقطع الرأس كما كان حال بولس، لكن إن كان فينا ما يكفي من النعمة لنصبح أشداء في الضعف فلن تخلو قائمة شرف الإيمان من أسمائنا وسيتمجد اسم الله من خلالنا.” سبيرجن (Spurgeon)
- صَارُوا أَشِدَّاءَ فِي الْحَرْبِ: من هؤلاء داود والملك آسا ويهوشافاط.
- أَخَذَتْ نِسَاءٌ أَمْوَاتَهُنَّ بِقِيَامَةٍ: يذكر العهد القديم امرأتين على الأقل ممن ينطبق عليهن هذا الوصف وهن أرملة بيت صرفة والمرأة الشونمية.
ط) الآيات (٣٥ب-٣٨): بالإيمان، انتصر هؤلاء رغم الظروف.
٣٥… وَآخَرُونَ عُذِّبُوا وَلَمْ يَقْبَلُوا النَّجَاةَ لِكَيْ يَنَالُوا قِيَامَةً أَفْضَلَ. ٣٦وَآخَرُونَ تَجَرَّبُوا فِي هُزُءٍ وَجَلْدٍ، ثُمَّ فِي قُيُودٍ أَيْضاً وَحَبْسٍ. ٣٧رُجِمُوا، نُشِرُوا، جُرِّبُوا، مَاتُوا قَتْلاً بِالسَّيْفِ، طَافُوا فِي جُلُودِ غَنَمٍ وَجُلُودِ مِعْزَى، مُعْتَازِينَ مَكْرُوبِينَ مُذَلِّينَ، ٣٨وَهُمْ لَمْ يَكُنِ الْعَالَمُ مُسْتَحِقّاً لَهُمْ. تَائِهِينَ فِي بَرَارِيَّ وَجِبَالٍ وَمَغَايِرَ وَشُقُوقِ الأَرْضِ.
- عُذِّبُوا: وهذه كلمة دموية عنيفة في اللغة اليونانية القديمة تحمل معنى الموت ضرباً بالعصا.
- قِيَامَةً أَفْضَلَ: كما قال يسوع في يوحنا ٢٩:٥ فهناك قِيَامَةِ الْحَيَاةِ وقِيَامَةِ الدَّيْنُونَةِ. وهؤلاء كان مصيرهم قِيَامَةً أَفْضَلَ.
- تَجَرَّبُوا فِي هُزُءٍ: تحمل إسحاق سخرية إسماعيل وتحمل شمشون سخرية الفلسطينيين.
- فِي قُيُودٍ أَيْضاً وَحَبْسٍ: ألقي يوسف في السجن بسبب إيمانه وسجن الملك الشرير آخاب النبي ميخا.
- رُجِمُوا: رجم زكريا حتى الموت بين المذبح والهيكل، بينما رُجم نابوت حتى الموت على يد رجال إيزابل.
- نُشِرُوا: بحسب التاريخ الذي وصلنا فقد تم نشر جسد إشعياء إلى جزأين.
- جُرِّبُوا: بين كل أساليب التعذيب الدموية هذه يذكر الكاتب التجربة في نفس السياق. ويظن البعض أن النص الأصلي كان غير واضح هنا وأن الكاتب في الأصل كتب كلمة “وشم حرقاً” أو “أحرق حياً” أو “مُثل به” أو “خنق.” ولكن بالنسبة لأولئك الذين اختبروا آلام التجربة فليس من غير المعقول أن نعتقد أن الكاتب اعتبر التغلب على التجربة انتصاراً حقيقياً للإيمان.
- “لا يحدد الكاتب هنا نوع التجربة. فلو ذكر الكاتب أحد أشكال التجربة لتخيلنا أنهم لم يعانوا بطرق أخرى لكن حين تكون الكلمة عامة بهذا الشكل فلن نخطئ في تصور أنهم جربوا بكل شكل وطريقة ممكنة. سبيرجن (Spurgeon)
- مَاتُوا قَتْلاً بِالسَّيْفِ: تماماً مثل الخمسة وسبعين كاهناً الذين قُتلوا على يد دُوَاغُ الأَدُومِيُّ أو الأنبياء الذين قُتلوا زمن إيليا.
- طَافُوا فِي جُلُودِ غَنَمٍ وَجُلُودِ مِعْزَى: مثل إيليا الذي ارتدى مثل هذه الملابس المتواضعة دون اعتراض أو انزعاج.
- لَمْ يَكُنِ الْعَالَمُ مُسْتَحِقّاً لَهُمْ: هذا العالم لا يرحب بالضرورة بالأشخاص المؤمنين، والعالم لا يستحقهم أيضًا.
- “خادمو الله المحتقرون والمهانون قيمتهم الحقيقية أعظم من بقية البشر مجتمعين.” موريس (Morris)
- تَائِهِينَ فِي بَرَارِيَّ وَجِبَالٍ وَمَغَايِرَ وَشُقُوقِ الأَرْضِ: اضطر كل من داود وإيليا والأنبياء الذين كانوا تحت قيادة عوبديا إلى الفرار والاختباء في الكهوف.
ي ) الآيات (٣٩-٤٠): الخلاصة: هناك أسباب كثيرة تدعونا للإيمان وأسباب أكثر تدعونا للتمسك به أكثر من أبطال الإيمان هؤلاء.
٣٩فَهَؤُلاَءِ كُلُّهُمْ، مَشْهُوداً لَهُمْ بِالإِيمَانِ، لَمْ يَنَالُوا الْمَوْعِدَ، ٤٠إِذْ سَبَقَ اللهُ فَنَظَرَ لَنَا شَيْئاً أَفْضَلَ، لِكَيْ لاَ يُكْمَلُوا بِدُونِنَا.
- مَشْهُوداً لَهُمْ بِالإِيمَانِ: على الرغم من أن هؤلاء شُهد لإيمانهم إلا أنهم لَمْ يَنَالُوا الْمَوْعِدَ، أي شهادة عمل المسيح من أجلهم. فبما أن هؤلاء ثبتوا وصمدوا دون أن ينالوا الموعد فالأحرى بنا نحن أن نستمر ونصمد وسط التجارب والضيقات.
- إِذْ سَبَقَ اللهُ فَنَظَرَ لَنَا شَيْئاً أَفْضَلَ: لقد أعد الله لَنَا شَيْئاً أَفْضَلَ (هو رؤية والتمتع بعمل يسوع الكامل بالنيابة عنا) وبالتالي لدينا سبب أقوى للتمسك بإيماننا ولكي لا ندع الإحباط والضيقات تهزمنا.
- لِكَيْ لاَ يُكْمَلُوا بِدُونِنَا: أي أن هؤلاء لم يكّمّلوا تماماً إلى أن تحقق عمل يسوع. فقد كانوا يتطلعون قدماً إلى يسوع وعمله بينما نحن نستعيده من زمن سابق ونجني ثمار عمله.
- “هذا الأصحاح يثبت تشابه حال القديسين في جميع الأزمان. فهناك رابط يوحدهم وإيمان ورسالة تنتقل من يد إلى يد.” ماير (Meyer)
- أمانتهم تجعل إيماننا أسهل قليلاً. فقد بدأ كاتب العبرانيين الأصحاح وهو يتحدث عن الإيمان بصيغة المضارع: “أَمَّا الإِيمَانُ فَهُوَ الثِّقَةُ… وبالإيمان نفهم… (عبرانيين ١:١١ و٣). وتذكرنا نهاية الأصحاح بأن الإيمان هو لنا نحن الذين نسير على خطى هؤلاء الرجال والنساء الأمناء من العصور السابقة.
- “عمل المسيح هو ما يفتح الطريق لهم لمحضر الله تماماً كما الأمر بالنسبة لنا. فعمل المسيح فقط هو ما يجلب مؤمني العهد القديم والعهد الجديد على حد سواء إلى محضر الله.” موريس (Morris)