رسالة يعقوب – الإصحاح ٢
إيمانٌ حيٌّ في حياة الكنيسة
أولًا. المحاباةُ والتمييزُ في عائلة الله
أ ) الآية (١): ترسيخ المبدأ
١يَا إِخْوَتِي، لاَ يَكُنْ لَكُمْ إِيمَانُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، رَبِّ الْمَجْدِ، فِي الْمُحَابَاةِ.
- لاَ يَكُنْ لَكُمْ إِيمَانُ: لا ينبغي أن يرتبط إيمانُنا المجيد، إِيمَانُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، رَبِّ الْمَجْدِ، فِي الْمُحَابَاةِ أو التمييز أبدًا. فرَبِّ الْمَجْدِ نفسُه لا يُظهرُ أية محاباةٍ (تثنية ١٧:١٠؛ أعمال الرسل ٣٤:١٠)، ولهذا لا ينبغي أن نفعل ذلك نحن الذين وضعْنا ثقتنا فيه.
- استخدم يعقوبُ كلماتٍ قويةً للإشارة إلى يسوع المسيح، رَبِّ الْمَجْدِ. يقولُ موفات (Moffatt): “تُدعى الديانةُ المسيحيةُ هنا بشكلٍ صريحٍ الإيمان بالربّ يسوع المسيح الذي هو الإلهُ المجيدُ. وهذا تعبيرٌ مذهلٌ للإشارة إلى المسيح بصفته الإظهار الكامل للحضور والجلالة الإلهيين. وقد كان اليهودُ يطلقون على هذا الحضور شكينةً.”
- وهذا أمرٌ ذو دلالةٍ خاصةٍ لأن رسالة يعقوب تُعدُّ بشكلٍ واسعٍ (وبحقٍّ) أولى الرسائل المدونة في العهد الجديد (ربما كُتبت ما بين ٤٤ و٤٨ م). ويعني هذا أن أوائل المؤمنين بالمسيح آمنوا بأن يسوع هو الله، وقالوا هذا بكلماتٍ قويةٍ صريحةٍ.
- فِي الْمُحَابَاةِ: يحسُنُ بنا أن نتذكر أن يعقوب كتب رسالته في عهدٍ متسمٍ بالمحاباة وممتلئٍ بالتحامل والبغض بناءً على تقسيم الطبقات والأعراق والجنسيات والخلفيات الدينية. ففي العالم القديم، كان الناسُ يصنّفون بشكلٍ روتينيٍّ ودائمٍ على أساس أنهم كانوا يهودًا أو أمميين، عبيدًا أو أحرارًا، فقراء أو أغنياءً، يونانيين أو برابرةً، أو أيًّا كان.
- تمثّل جانبٌ مهمٌّ من عمل يسوع في تحطيم هذه الأسوار التي كانت تقسمُ البشرية، ولكي ينتج جنسًا جديدًا من البشر فيه (أفسس ١٤:٢-١٥).
- كانت وحدةُ الكنيسة الأولى وانفتاحُها أمرًا صادمًا للعالم القديم، لكن الوحدة لم تأتِ بشكلٍ آليّ. فكما يتضحُ هذا الأمرُ من يعقوب، كان على الرسل أن يعلّموا الكنيسة الأولى ألاّ يكون لها إِيمَانُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، رَبِّ الْمَجْدِ، فِي الْمُحَابَاةِ.
ب) الآيات (٢-٤): مثلٌ لنوعٍ من المحاباة التي لا مكان لها بين المؤمنين بالمسيح
٢فَإِنَّهُ إِنْ دَخَلَ إِلَى مَجْمَعِكُمْ رَجُلٌ بِخَوَاتِمِ ذَهَبٍ فِي لِبَاسٍ بَهِيٍّ، وَدَخَلَ أَيْضًا فَقِيرٌ بِلِبَاسٍ وَسِخٍ، ٣فَنَظَرْتُمْ إِلَى اللاَّبِسِ اللِّبَاسَ الْبَهِيَّ وَقُلْتُمْ لَهُ: «اجْلِسْ أَنْتَ هُنَا حَسَنًا». وَقُلْتُمْ لِلْفَقِيرِ: «قِفْ أَنْتَ هُنَاكَ» أَوِ: «اجْلِسْ هُنَا تَحْتَ مَوْطِئِ قَدَمَيَّ» ٤فَهَلْ لاَ تَرْتَابُونَ فِي أَنْفُسِكُمْ، وَتَصِيرُونَ قُضَاةَ أَفْكَارٍ شِرِّيرَةٍ؟
- فَإِنَّهُ إِنْ دَخَلَ إِلَى مَجْمَعِكُمْ: الكلمة اليونانية القديمة المترجمة إلى ’مَجْمَعِكُمْ‘ هنا هي حرفيًّا ’الكنيسُ أو المعبد‘ أي المكان الذي يجتمع فيه اليهود. وتبين حقيقة إطلاق يعقوب تسمية مجمعٍ على مكان اجتماع المؤمنين بالمسيح أنه كتب رسالته قبل أن يُقبل الأمميون بشكلٍ واسعٍ في الكنيسة. ففي وقت كتابة هذه الرسالة، كانت الأغلبيةُ من المؤمنين بالمسيح من خلفيةٍ يهوديةٍ. وهذا هو الموضع الوحيد في العهد الجديد الذي يدعى فيه مكانُ اجتماع المؤمنين بالمسيح بشكلٍ واضحٍ مجمعًا.
- “حتى وقت الانشقاق النهائيّ بين اليهودية والمسيحية، كان المؤمنون بالمسيح من كلا الخلفيتين (اليهودية وغير اليهودية) يستخدمون نفس الكلمة للإشارة إلى مكانهم المقدس للاجتماع.” أدامسون (Adamson)
- “بما أنه لم تكن لدى المؤمنين بالمسيح بناياتٌ كنسيّةٌ في تلك الفترة، كان اجتماعهم (مجمعُهم) في العادة غرفةً واسعةً في بيت عضوٍ غنيّ أو قاعة مستأجرة لهذا الغرض (أعمال الرسل ١٩:٩)، حيث كان للغرباء حريةُ حضور الاجتماعات. كانوا موضع ترحيبٍ، لكن من دون أي إذلالٍ أو استعلاءٍ.” موفات (Moffatt)
- رَجُلٌ بِخَوَاتِمِ ذَهَبٍ: يبيّنُ هذا أن الرجل كان غنيًّا. “كان الأغنياء في المجتمع الروماني يلبسون خواتم على يدهم اليسرى بأعدادٍ كبيرةٍ. فكان ارتداءُ خواتم بتباه ٍكبير علامة على الثروة. حتى إنه كان هنالك محلٌّ في روما حيث يمكنُ استئجارُ الخواتم للمناسبات الخاصة.” هيبرت (Hiebert)
- وَدَخَلَ أَيْضًا فَقِيرٌ: “تدلُّ هذه الكلمةُ على شخصٍ فقيرٍ جدًا، حتى إلى درجة التسول.” بوله (Poole)
- فَهَلْ لاَ تَرْتَابُونَ فِي أَنْفُسِكُمْ (ألَا تَضَعُونَ بِذَلِكَ حَوَاجِزَ فِيمَا بَيْنَكُمْ)، وَتَصِيرُونَ قُضَاةَ أَفْكَارٍ شِرِّيرَةٍ؟ يبيّن تفضيل الغني على الفقير بالطريقة التي يصفها يعقوب، روحًا جسديةً بين المؤمنين بالمسيح. فأفكارُهم الشريرةُ واضحةٌ في تصرفاتهم التي تدلُّ على المحاباة.
- يبيّنُ إظهارُ المحاباة أننا نهتمُّ بالمظاهر الخارجية أكثر مما نهتمُّ بالقلب (صموئيل الأول ٧:١٦) “فَقَالَ الرَّبُّ لِصَمُوئِيلَ: «لاَ تَنْظُرْ إِلَى مَنْظَرِهِ وَطُولِ قَامَتِهِ لأَنِّي قَدْ رَفَضْتُهُ. لأَنَّهُ لَيْسَ كَمَا يَنْظُرُ الإِنْسَانُ. لأَنَّ الإِنْسَانَ يَنْظُرُ إِلَى الْعَيْنَيْنِ، وَأَمَّا الرَّبُّ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إِلَى الْقَلْبِ».” ينظرُ اللهُ إلى القلب، وهكذا ينبغي أن نفعل نحن.
- يبيّنُ إظهارُ المحاباة أيضًا أننا نسيءُ فهم من هو مهمٌّ ومباركٌ في عينيّ الله. فعندما نفترضُ أن الغنيّ أكثرُ أهميةً لدى الله أو أكثر بركة، فإننا نضعُ قيمةً كبيرةً زائدةً على الثروات المادية.
- يبيّنُ إظهارُ المحاباة أيضًا لمسةً أنانيةً فينا. فعادةً ما نفضّلُ الغنيّ على الفقير لأننا نعتقد أنه يمكن أن نحصل على أكثر من الغنيّ، إذْ يستطيع أن يقدم لنا أفضالًا لا يستطيع الفقير أن يقدمها.
ج ) الآيات (٥-٧): نادرًا ما تنسجمُ محاباةُ الإنسان مع قلب الله.
٥اسْمَعُوا يَا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ: أَمَا اخْتَارَ اللهُ فُقَرَاءَ هذَا الْعَالَمِ أَغْنِيَاءَ فِي الإِيمَانِ، وَوَرَثَةَ الْمَلَكُوتِ الَّذِي وَعَدَ بِهِ الَّذِينَ يُحِبُّونَهُ؟ ٦وَأَمَّا أَنْتُمْ فَأَهَنْتُمُ الْفَقِيرَ. أَلَيْسَ الأَغْنِيَاءُ يَتَسَلَّطُونَ عَلَيْكُمْ وَهُمْ يَجُرُّونَكُمْ إِلَى الْمَحَاكِمِ؟ ٧أَمَا هُمْ يُجَدِّفُونَ عَلَى الاسْمِ الْحَسَنِ الَّذِي دُعِيَ بِهِ عَلَيْكُمْ؟
- أَمَا اخْتَارَ اللهُ فُقَرَاءَ هذَا الْعَالَمِ أَغْنِيَاءَ فِي الإِيمَانِ، وَوَرَثَةَ الْمَلَكُوتِ: رغم أنه يسْهُلُ على الإنسان أن يُظهر محاباةً للغنيّ، إلا أن الله لا يحابي الأغنياء. وفي واقع الأمر، بما أن الثروات تشكلُ عائقًا أمام ملكوت الله (متى ٢٤:١٩)، هناك شعور بأن الله يباركُ الفقراء في هذا العالم على نحوٍ خاصٍّ.
- اخْتارهم ٱللهُ أَغْنِيَاءَ فِي الإِيمَانِ لأن فقراء هذا العالم يملكون فرصًا أكبر للثقة بالله. ولهذا ربما يكونون أكثر غنىً في الإيمان من الغنيّ. “قد يثق الغني بالله، لكن الفقير مضطرٌّ إلى الثقة بالله، فلا يوجد للفقير حصنٌ يختبئُ فيه ما عدا ذراعي الربّ القويتين.” ماير (Meyer).
- “ربما يشيرُ هذا إلى متى ١١:٥ «الْمَسَاكِينُ يُبَشَّرُونَ». فقد آمن هؤلاء بالربّ يسوع، ووجدوا خلاصهم فيه بينما احتقره الأغنياءُ وأهملوه واضطهدوه.” كلارك (Clarke)
- أَمَا اخْتَارَ اللهُ: الفقراءُ مختارون بمعنى أنهم أكثر استعدادًا للتجاوب الفوري مع الله بالإيمان، حيث إنّ لديهم عوائق أقلّ أمام دخول الملكوت.
- “يبيّنُ تاريخُ الكنيسة أن الأشخاص الأكثر فقرًا نسبيًّا استجابوا لرسالة الإنجيل أكثر من الأثرياء.” هيبرت (Hiebert)
- عندما نختارُ الأشخاص بناءً على ما يمكننا أن نراه على السطح، فإننا نفوّتُ فكر الله. لنتذكرْ أن يهوذا بدا قائدًا أفضل ماديًا من بطرس.
- والأكثرُ من ذلك، يمكنُنا أن نقول إن الله اختار الفقراء، بمعنى أنه أضاف ناسوتًا إلى ألوهته وجاء إلى الأرض، ودخل إلى حالة فقرٍ. “لا يوجد ما يخشاه الناس أكثر من الفقر. فهم مستعدون أن يكسروا كلّ وصيةٍ من الوصايا العشر بدلًا من أن يكونوا فقراء. لكن هذا نصيبُ الله المختارُ. لم تكن لدى ابن الله إلا فرصةٌ واحدةٌ فقط ليحيا حياتنا، فاختار أن يولد من أبوين فقيرين لم يستطيعا أن يقدما أكثر من زوجي يمام عند تقديمهما له في الهيكل.” ماير (Meyer)
- وبطبيعة الحال، لم يختر الله الفقراء وحدهم. لكن يمكننا القول إنه اختار الفقراء أولًا بالمعنى الذي قصده بولسُ في كورنثوس الأولى ٢٦:١ فَانْظُرُوا دَعْوَتَكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ، أَنْ لَيْسَ كَثِيرُونَ حُكَمَاءَ حَسَبَ الْجَسَدِ، لَيْسَ كَثِيرُونَ أَقْوِيَاءَ، لَيْسَ كَثِيرُونَ شُرَفَاءَ. “ليس أن الله اختار كلّ الفقراء في العالم، لكن اختياره هو بشكلٍ رئيسيٍّ لهم.” بوله (Poole)
- كتب كالفن (Calvin) حول اختيار الله للفقراء: “من المؤكد أنهم ليسوا وحدهم، لكنه أراد أن يبدأ بهم لكي يخزي كبرياء الأغنياء.”
- ينبغي أن نذكّر أنفسنا أيضًا بأن الله لا يدعو أبدًا إلى المحاباة ضدّ الأغنياء. فإن كان على شخصٍ أن يحكم في نزاعٍ بين رجلٍ فقيرٍ وآخر غنيٍّ، ينبغي أن يدع القانون ومعطيات القضية تقررُ الحُكم بدلًا من الطبقة الاقتصادية التي ينتمي إليها طرفا النزاع.
- أَلَيْسَ الأَغْنِيَاءُ يَتَسَلَّطُونَ عَلَيْكُمْ وَهُمْ يَجُرُّونَكُمْ إِلَى الْمَحَاكِمِ؟ يذكّرُ يعقوب القراء بأن الأغنياء غالبًا ما يخطئون إليهم (يَتَسَلَّطُونَ عَلَيْكُمْ… يَجُرُّونَكُمْ). وغالبًا ما يكون السبب وراء ذلك محبة المال التي هي أصلُ كلّ شرٍّ (تيموثاوس الأولى ٦:١٠). ولهذا السبب وحده، فإن الأغنياء لا يستحقون المحاباة التي يعاملون بها في الغالب.
- يبيّنُ التاريخ أن الأغنياء يمكن أن يقمعوا الفقراء فعلًا. “إنهم يدوسونكم بأقدام الكبرياء والقساوة. نعم، وهم يلتهمونكم كما تلتهمُ السمكة الكبيرة السمكة الصغيرة… وهذه خطيةٌ ضدّ الجنس والنعمة والمكانة.” تراب (Trapp)
- أَمَا هُمْ يُجَدِّفُونَ؟ “إذا كان الأغنياء المذكورون هنا مؤمنين بالمسيح، عندئذٍ يمكن أن يقال عنهم إنهم يجدّفون على اسم المسيح لأنهم يدفعون الآخرين بسبب مسلكهم الشرير إلى التجديف… لكن إذا كان المقصود هنا بالأثرياء غير مؤمنين، فإن أثرياء ذلك العصر كانوا بشكلٍ عامٍ أعداء ألدّاء للمسيحية.” بوله (Poole)
د ) الآيات (٨-٩): الكتابُ المقدسُ يدينُ المحاباة
٨فَإِنْ كُنْتُمْ تُكَمِّلُونَ النَّامُوسَ الْمُلُوكِيَّ حَسَبَ الْكِتَابِ: «تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ». فَحَسَنًا تَفْعَلُونَ. ٩وَلكِنْ إِنْ كُنْتُمْ تُحَابُونَ، تَفْعَلُونَ خَطِيَّةً، مُوَبَّخِينَ مِنَ النَّامُوسِ كَمُتَعَدِّينَ.
- فإنْ كُنْتُمْ تُكَمِّلُونَ النَّامُوسَ الْمُلُوكِيَّ حَسَبَ الْكِتَابِ: توقّع يعقوب من بعض قرائه أن يدافعوا عن محاباتهم للأغنياء على أساس أن محبتهم للغنيّ كقريبٍ لهم يأتي طاعةً للناموس.
- إِنْ كُنْتُمْ تُحَابُونَ، تَفْعَلُونَ خَطِيَّةً: لا تكمن المسألة في أن نكون لطفاء مع الأغنياء، بل تكمن المشكلة في أن المرء يُظهرُ محاباةً لهم، وأنه لا يُظهرُ اللطف نفسه للفقراء! ولهذا لا يمكنُك أن تبرر محاباتك بالقول: ’أنا أنفذُ وصية: «تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ».‘
- النَّامُوسَ الْمُلُوكِيَّ: إلهُنا ملكٌ عظيمٌ، وناموسُه ناموسٌ ملكيٌّ. ركّز ملكنا يسوع تركيزًا خاصًا على هذه الوصية (متى ٣٦:٢٢-٤٠) المأخوذة من العهد القديم (لاويين ١٨:١٩). ويذكّرُنا يعقوب بأن الرجل الفقير قريبُنا كما أن الغنيّ قريبُنا.
- “هذه الوصيةُ، «تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ» ناموسٌ ملكيٌّ، لا لأنها صادرة عن الله ومنبثقة من سلطانه الملكيّ على الناس، بل لأنها مفيدة وملائمة وضرورية جدًّا لحالة الإنسان الحالية… فنحن نطلقُ تسمية ’ملكي‘ على كلّ ما هو ممتازٌ ونبيلٌ وجليلٌ ومفيدٌ.” كلارك (Clarke)
هـ) الآيات (١٠-١٣): مسألةٌ جديةٌ لكلّ وصايا الله
١٠لأَنَّ مَنْ حَفِظَ كُلَّ النَّامُوسِ، وَإِنَّمَا عَثَرَ فِي وَاحِدَةٍ، فَقَدْ صَارَ مُجْرِمًا فِي الْكُلِّ. ١١لأَنَّ الَّذِي قَالَ: «لاَ تَزْنِ»، قَالَ أَيْضًا: «لاَ تَقْتُلْ». فَإِنْ لَمْ تَزْنِ وَلكِنْ قَتَلْتَ، فَقَدْ صِرْتَ مُتَعَدِّيًا النَّامُوسَ. ١٢هكَذَا تَكَلَّمُوا وَهكَذَا افْعَلُوا كَعَتِيدِينَ أَنْ تُحَاكَمُوا بِنَامُوسِ الْحُرِّيَّةِ. ١٣لأَنَّ الْحُكْمَ هُوَ بِلاَ رَحْمَةٍ لِمَنْ لَمْ يَعْمَلْ رَحْمَةً، وَالرَّحْمَةُ تَفْتَخِرُ عَلَى الْحُكْمِ.
- لأَنَّ مَنْ حَفِظَ كُلَّ النَّامُوسِ، وَإِنَّمَا عَثَرَ فِي وَاحِدَةٍ، فَقَدْ صَارَ مُجْرِمًا فِي الْكُلِّ: يحذّرُنا يعقوب من الطاعة الانتقائية، وكأنّ هنالك وصايا إلهيةً مختارةً ينبغي طاعتُها ووصايا أخرى يمكنُ إهمالُها بأمانٍ.
- لا نستطيع أن نقول: “أنا أحبُّ وصية الله ضدّ القتل، ولهذا فسأحفظ هذه الوصية. لكني لا أحبُّ وصيته ضدّ الزنا، ولهذا سأهملها.” فاللهُ مهتمٌّ بأن نحفظ كُلَّ النَّامُوسِ.
- يتوجب حفظ كُلَّ النَّامُوسِ إذا أراد أحدهم أن يتبرر بالناموس. “يقولُ المعلم اليهودي يوشانان في نبذةٍ متعلقة بالسبت والبند السبعين، حيث يوجد نزاعٌ حسب التسعة والثلاثين عملًا التي أمر بها موسى: إذا قام شخص بالعمل بالكلّ باستثناء عملٍ واحدٍ، فإنه مذنبٌ في الكلّ بسبب ذلك العمل الواحد.” كلارك (Clarke). ويقتبس آدامسون (Adamson) معلمًا يهوديًا قديمًا قال: “إذا عمل رجلٌ بكلّ الوصايا ما عدا واحدةٍ فإنه مذنبٌ في الكلّ وفي كلّ واحدةٍ منها. فكسْرُ مبدأ واحدٍ يعني تحدي الله الذي أمر بحفظ الكلّ.”
- “إنه يكسرُ الناموس كلّه رغم أنه لا يكسرُه كلّه. فمن يجرحُ ذراع شخص فإنه يجرحُ الشخص كلّه، رغم أنه لم يجرح الشخص كلّه.” بوله (Poole)
- هكَذَا تَكَلَّمُوا وَهكَذَا افْعَلُوا كَعَتِيدِينَ أَنْ تُحَاكَمُوا بِنَامُوسِ الْحُرِّيَّةِ: نحن تحت نَامُوسِ الْحُرِّيَّة. ففي الناموس حُرِّيَّة، غير أنه ما زال ناموسًا تتوجب طاعته وسنحاكم بموجبه عند كرسيّ دينونة المسيح (كورنثوس الثانية ١٠:٥).
- “وهو يدعى أيضًا ناموس الحرية، لأن الشخص المتجدد يحفظه طوعًا وبإرادةٍ حرةٍ، فهو ليس بالنسبة له عبئًا ثقيلًا أو عبوديةً.” تراب (Trapp)
- لأَنَّ الْحُكْمَ هُوَ بِلاَ رَحْمَةٍ لِمَنْ لَمْ يَعْمَلْ رَحْمَةً: وكما هؤلاء سيحاكمون بِنَامُوسِ الْحُرِّيَّةِ، ينبغي لنا أن نُظهر الرحمة للآخرين بالامتناع عن المحاباة. وستقدمُ الرحمةُ التي نقدمُها للآخرين إلينا ثانيةً في يوم الدينونة، فالرَّحْمَةُ تَفْتَخِرُ (تنتصر) عَلَى الْحُكْمِ.
- يقدم يعقوب مبدأً آخر من مبادئ يسوع في العظة على الجبل: “لأَنَّكُمْ بِالدَّيْنُونَةِ الَّتِي بِهَا تَدِينُونَ تُدَانُونَ، وَبِالْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ.” (متى ٢:٧).
- “ناموس الحرية هو الناموس الذي يحدد علاقتنا بالله وبالإنسان بصفتنا تحت سيادة المحبة. ويعني التكلم والعمل بذلك الدافع أنك حرٌّ بالفعل. وإذا عصيت هذا الناموس ولم تقدم أية رحمةٍ، عندئذٍ فإن الحكم بناءً على هذا الناموس لن يُظهر أية رحمةٍ لك.” مورجان (Morgan)
- “ليس ناموسُ الحرية تهاونًا بل قاعدةً إلهيةً أخلاقيةً صارمةً. وسوف نحاكمُ على مدى التزامنا بالمبدأ الأسمى للمحبة الأخوية أو الرحمة، أي الرأفة بخطايا إخوتنا ومعاناتهم.” موفات (Moffatt)
- الرَّحْمَةُ تَفْتَخِرُ (تنتصر) عَلَى الْحُكْمِ: يترجم موفات (Moffatt) هذه العبارة هكذا: “ستنتصرُ الحياة الرحيمة في وسط الدينونة.” وكتب تراب (Trapp): “تعني الجملة أن الرجل الرحيم يفتخرُ كشخصٍ نال رحمةً ولن يأتي إلى دينونةٍ، لأن رحمة الله تفرح ضد خطايا مثل هذا الإنسان، على خصمٍ تمّ إخضاعُه وإذلاله.”
ثانيًا. إظهارُ إيمانٍ حيٍّ في عملٍ متسمٍ بالمحبة
أ ) الآية (١٤): ترسيخ المبدأ: لا بد أن يرافق الإيمان الحقيقي عملٌ.
١٤مَا الْمَنْفَعَةُ يَا إِخْوَتِي إِنْ قَالَ أَحَدٌ إِنَّ لَهُ إِيمَانًا وَلكِنْ لَيْسَ لَهُ أَعْمَالٌ، هَلْ يَقْدِرُ الإِيمَانُ أَنْ يُخَلِّصَهُ؟
- مَا الْمَنْفَعَةُ يَا إِخْوَتِي: اعتقد يعقوب أن من المستحيل أن يكون لديه إيمانٌ مخلّصٌ من دون أعمال. ولكن يمكنُ أن يقول شخصٌ إنّ لَهُ إِيمَانًا، لكن من دون أن يُظهر أعمالًا حسنةً. وهكذا فإن السؤال المشروع هنا هو: هَلْ يَقْدِرُ (هذا النوع من) الإِيمَانُ أَنْ يُخَلِّصَهُ؟
- “سبق للرسول أن أعلن للتوّ أن غير الرحماء بالبشر سيجدون الله قاسيًا معهم، وسينالون دينونةً بلا رحمةٍ. ولكن المجاهرين (بإيمانهم) المنافقين يتباهون بإيمانهم على أساس أنه كافٍ لتأمينهم ضدّ تلك الدينونة، رغم أنهم أهملوا ممارسة القداسة والبرّ.” بوله (Poole)
- قَالَ أَحَدٌ إِنَّ لَهُ إِيمَانًا وَلكِنْ لَيْسَ لَهُ أَعْمَالٌ: كتب يعقوب إلى مؤمنين بالمسيح من خلفيةٍ يهوديةٍ اكتشفوا مجد الخلاص بالإيمان، وعرفوا ابتهاج الحرية من البرّ القائم على الأعمال، لكنهم تطرفوا في تفكيرهم أن الأعمال ليست مهمةً على الاطلاق.
- هَلْ يَقْدِرُ الإِيمَانُ أَنْ يُخَلِّصَهُ؟ لم يناقض يعقوب ما قاله الرسول بولس، الذي أصرّ على أننا لا نخلصُ بالأعمال (أفسس ٩:٢). ويوضح لنا يعقوب ببساطةٍ نوع الإيمان الذي يُخلّص. فنحن مخلّصون بالنعمة من خلال الإيمان لا بالأعمال. ولكن الإيمان المخلّص لا بد أن ترافقه أعمالٌ. فكما قال أحدُهم: الإيمانُ وحده يخلّصُ، لكن الإيمان الذي يخلّصُ ليس وحده. إذْ ترافقُه أعمالٌ صالحةٌ.
- فهم بولس أيضًا ضرورة الأعمال في برهنة طبيعة إيماننا. كتب (أفسس ١٠:٢) “لأَنَّنَا نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَال صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ اللهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا.” وكتب أيضًا في تيطس ٨:٣ “صَادِقَةٌ هِيَ الْكَلِمَةُ. وَأُرِيدُ أَنْ تُقَرِّرَ هذِهِ الأُمُورَ، لِكَيْ يَهْتَمَّ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ أَنْ يُمَارِسُوا أَعْمَالاً حَسَنَةً. فَإِنَّ هذِهِ الأُمُورَ هِيَ الْحَسَنَةُ وَالنَّافِعَةُ لِلنَّاسِ.”
- هَلْ يَقْدِرُ الإِيمَانُ أَنْ يُخَلِّصَهُ؟ “أي مجرد مجاهرته بالإيمان. فالنصُّ لا يقول إن له إيمانًا، بل يقول إن هذا الشخص يقولُ: ’لي إيمانٌ.‘” كلارك (Clarke)
ب) الآيات (١٥-١٧): مثلٌ لإيمانٍ ميت
١٥إِنْ كَانَ أَخٌ وَأُخْتٌ عُرْيَانَيْنِ وَمُعْتَازَيْنِ لِلْقُوتِ الْيَوْمِيِّ، ١٦فَقَالَ لَهُمَا أَحَدُكُمُ: «امْضِيَا بِسَلاَمٍ، اسْتَدْفِئَا وَاشْبَعَا» وَلكِنْ لَمْ تُعْطُوهُمَا حَاجَاتِ الْجَسَدِ، فَمَا الْمَنْفَعَةُ؟ ١٧هكَذَا الإِيمَانُ أَيْضًا، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَعْمَالٌ، مَيِّتٌ فِي ذَاتِهِ.
- إِنْ كَانَ أَخٌ وَأُخْتٌ عُرْيَانَيْنِ وَمُعْتَازَيْنِ لِلْقُوتِ الْيَوْمِيِّ: يُظهر الإخفاق في أبسط عملٍ صالحٍ تجاه أخٍ أو أختٍ في عوزٍ أن المرء لا يمتلكُ إيمانًا حيًا، ولا نستطيعُ أن نخلص إلا بإيمان حيٍّ بيسوع.
- “يشملُ يعقوب تحت محنتي العري والجوع كلّ كوارث الحياة الإنسانية، والتي يمكن التخفيف منها بتقديم مساعدةٍ من الآخرين. فالطعام والكساء يتضمنان كلّ الدعم الماديّ ووسائل الراحة للحياة – تكوين ٢٠:٢٨، متى ٢٥:٦، تيموثاوس الأولى ٨:٦.” بوله (Poole)
- اسْتَدْفِئَا وَاشْبَعَا: عندما تقول هذا، فإن هذا يعني أنك تعرف أن الشخص الذي أمامك محتاجٌ إلى ملبسٍ وطعامٍ. فأنت تعرفُ حاجته جيدًا، لكنك لا تعرضُ شيئًا لمساعدته ما عدا كلماتٍ متدينةٍ قليلةٍ.
- “كم من صاحبٍ لدينا اليوم يستخفُّ باحتياجاتنا ويرفضُ تسديدها! وأكثرُ ما يمكنك الحصول عليه من هؤلاء المحسنين عبارة ’ليباركْك اللهُ. ليساعدْك المسيح.‘” تراب (Trapp)
- فَمَا الْمَنْفَعَةُ؟ لا يتألفُ الإيمان الحقيقيّ والأعمال التي ترافقُه من أمورٍ روحيةٍ فقط، بل يتضمن أيضًا اهتمامًا بالاحتياجات الأساسية مثل الحاجة إلى الراحة والكساء والطعام. فعندما تبرزُ الحاجة، ينبغي أحيانًا أن نصلي أقلّ ونفعل أكثر لمساعدة الشخص المحتاج. ويمكنُنا أن نصلي أحيانًا كبديلٍ للعمل!
- “إنّ تظاهرك بأن لديك إيمانًا، في الوقت الذي لا تملك أعمال إحسانٍ أو رحمةٍ، أمرٌ باطلٌ. فلا يمكن تمييزُ الإيمان – وهذا مبدأٌ في ذهن يعقوب – إلا بنتائجه، أي الأعمال الصالحة. ونحن نفترض أن من ليس لديه أعمالٌ صالحةٌ، فإنه لا إيمان له.” كلارك (Clarke)
- هكَذَا الإِيمَانُ أَيْضًا، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَعْمَالٌ، مَيِّتٌ فِي ذَاتِهِ: هذه أول مرة يتحدث فيها يعقوب عن إيمانٍ ميتٍ. فالإيمانُ وحده يخلصُنا، لكن يتوجب أن يكون إيمانًا حيًّا، ويمكنُنا أن نميز إن كان الإيمانُ حيًّا عندما نرى أنه مصحوبٌ بأعمالٍ. فإن لَمْ يَكُنْ لَهُ أَعْمَالٌ، فهو مَيِّتٌ فِي ذَاتِهِ.
- إن الإيمان الحيّ هو ببساطةٍ الإيمانُ الحقيقيُّ. فإذا وضعنا ثقتنا وإيماننا في يسوع حقًا، فسوف نهتمُّ بالعريانين والمعتازين كما طلب منا.
- “لا يقول يعقوب إن الإيمان ميتٌ بلا أعمالٍ لئلا يظنّ أحدُهم أن الأعمال هي سبب حياة الإيمان. ولكن الإيمان الذي بلا أعمالٍ ميتٌ، ملمّحًا إلى أن الأعمال هي نتائجُ وعلاماتٌ لحياة الإيمان.” بوله (Poole)
- ما هي بعضُ علامات الإيمان المخلّص؟
- إنه إيمانٌ لا ينظرُ إلى الذات، بل إلى يسوع المسيح.
- إنه إيمانٌ ينسجمُ مع كلمة الله داخليًّا وخارجيًا في الوقت معًا.
- إنه إيمانٌ ليس في حدّ ذاته عملًا يستحقُّ مكافأةً من الله. وبهذا المعنى، فإنه ببساطةٍ يرفض أن يصدق أن الله كاذبٌ، وأنه في حدّ ذاته عملٌ صالحٌ وليس ببساطةٍ غيابُ العمل الآثم.
- إنه إيمانٌ مؤسسٌ على ما فعله يسوعُ على الصليب وعلى القبر الفارغ.
- إنه إيمانٌ يعبّرُ عن ذاته بشكلٍ طبيعيٍّ في التوبة والأعمال الصالحة.
- إنه إيمانٌ قد يشكُّ أحيانًا، لكن الشكوك ليست أكبر من الإيمان وليست أكثر ديمومةً من الإيمان. فيستطيعُ هذا الإيمانُ أن يقول: “أؤمنُ يا سيدُ، فأعنْ عدم إيماني.”
- إنه إيمانٌ يريد للآخرين أن يأتوا إلى نفس الإيمان.
- إنه إيمانٌ يقولُ أكثر من مجرد ’يا ربُّ، يا ربُّ‘ كما في متى ٢١:٧-٢٣.
- إنه إيمانٌ لا يكتفي بسماع كلمة الله، بل يعملُ بها أيضًا، كما في متى ٢٤:٧-٢٧.
ج ) الآيات (١٨ -١٩): لا يمكنُ أن يفصل الإيمانُ الحيُّ من الأعمال.
١٨لكِنْ يَقُولُ قَائِلٌ: «أَنْتَ لَكَ إِيمَانٌ، وَأَنَا لِي أَعْمَالٌ» أَرِنِي إِيمَانَكَ بِدُونِ أَعْمَالِكَ، وَأَنَا أُرِيكَ بِأَعْمَالِي إِيمَانِي. ١٩أَنْتَ تُؤْمِنُ أَنَّ اللهَ وَاحِدٌ. حَسَنًا تَفْعَلُ. وَالشَّيَاطِينُ يُؤْمِنُونَ وَيَقْشَعِرُّونَ!
- أَنْتَ لَكَ إِيمَانٌ، وَأَنَا لِي أَعْمَالٌ: قد يحاول أن يقول بعضُهم إن لدى بعض الأشخاص “موهبة” الأعمال، في حين أن لدى آخرين “موهبة” الإيمان. إنه حسنٌ أن تكون لك موهبتُك في الأعمال، وبأنك تهتمّ بالمعتازين، لكن ليستا هاتان موهبتين. فيعقوب لا يسمح بمثل هذا النوع من التفكير. إذ لا بد أن يظهر الإيمان بالأعمال.
- أَرِنِي إِيمَانَكَ بِدُونِ أَعْمَالِكَ، وَأَنَا أُرِيكَ بِأَعْمَالِي إِيمَانِي: إن حجة يعقوب واضحةٌ ومنطقيةٌ. لا نستطيع أن نرى إيمان الشخص، لكن نستطيع أن نرى أعماله. ولا نستطيع أن نرى الإيمان بِدُونِ أعمال، لكن يمكنُك أن تُظهر حقيقة الإيمان بأعمالك.
- أَنْتَ تُؤْمِنُ أَنَّ اللهَ وَاحِدٌ. حَسَنًا تَفْعَلُ. وَالشَّيَاطِينُ يُؤْمِنُونَ وَيَقْشَعِرُّونَ: تُظهر الشياطين مغالطة الإيمان من دون أعمالٍ، إذْ لديهم إيمانٌ “ميتٌ” بالله. ويقال إن الشياطين هنا يؤمنون بمعنى أنهم يعرفون أن الله موجود. ولكن مثل هذا الإيمان لا ينفعُ الشَّيَاطِين، لأنه ليس إيمانًا حقيقيًّا، ويبرهنُ هذا الأمر أن إيمانهم لا ترافقُه أعمالٌ صالحةٌ.
د ) الآيات (٢۰ -٢٤): إبراهيم كمثلٍ للإيمان الحيّ
٢٠وَلكِنْ هَلْ تُرِيدُ أَنْ تَعْلَمَ أَيُّهَا الإِنْسَانُ الْبَاطِلُ أَنَّ الإِيمَانَ بِدُونِ أَعْمَال مَيِّتٌ؟ ٢١أَلَمْ يَتَبَرَّرْ إِبْرَاهِيمُ أَبُونَا بِالأَعْمَالِ، إِذْ قَدَّمَ إِسْحَاقَ ابْنَهُ عَلَى الْمَذْبَحِ؟ ٢٢فَتَرَى أَنَّ الإِيمَانَ عَمِلَ مَعَ أَعْمَالِهِ، وَبِالأَعْمَالِ أُكْمِلَ الإِيمَانُ، ٢٣وَتَمَّ الْكِتَابُ الْقَائِلُ: «فَآمَنَ إِبْرَاهِيمُ بِاللهِ فَحُسِبَ لَهُ بِرًّا» وَدُعِيَ خَلِيلَ اللهِ. ٢٤تَرَوْنَ إِذًا أَنَّهُ بِالأَعْمَالِ يَتَبَرَّرُ الإِنْسَانُ، لاَبِالإِيمَانِ وَحْدَهُ.
- هَلْ تُرِيدُ أَنْ تَعْلَمَ أَيُّهَا الإِنْسَانُ الْبَاطِلُ أَنَّ الإِيمَانَ بِدُونِ أَعْمَال مَيِّتٌ؟ والآن يستخدم يعقوب العهد القديم ليبيّن ما سبق أن قاله حول طبيعة الإيمان الحيّ، مظهرًا أن الإِيمَان الذي لا ترافقُه أَعْمَال هو مَيِّتٌ ولا يستطيعُ أن يخلّص.
- أَلَمْ يَتَبَرَّرْ إِبْرَاهِيمُ أَبُونَا بِالأَعْمَالِ، إِذْ قَدَّمَ إِسْحَاقَ ابْنَهُ عَلَى الْمَذْبَحِ؟ لقد تبرر إبراهيم بالإيمان قبل وقتٍ طويل من تقديمه إسحاق (تكوين ٦:١٥)، لكن طاعته بتقديمه ابنه إسحاق أثبتت أنه كان واثقًا بالله حقًّا.
- يقدّرُ يعقوب على نحوٍ سليمٍ أن إبراهيم قد قدّم بالفعل إِسْحَاقَ ابْنَهُ عَلَى الْمَذْبَحِ، لكنه سبق أن قَدَّمَ إِسْحَاقَ ابْنَهُ في عزمه الثابت ونواياه. ولا شكّ أنه كان سيكملُ هذه العملية لولا أن الله منعه. كان إبراهيمُ كاملًا في طاعته حتى إنه عدّ إسحاق ميتًا ووضعه عَلَى الْمَذْبَحِ.
- فَتَرَى أَنَّ الإِيمَانَ عَمِلَ مَعَ أَعْمَالِهِ، وَبِالأَعْمَالِ أُكْمِلَ الإِيمَانُ: تعاون الإيمانُ والأعمالُ معًا بشكلٍ كاملٍ في إبراهيم. فلو لم يؤمنْ بالله، لما قام بعمل الطاعة الصالح عندما طلب منه اللهُ أن يقدم إسحاق. وكذلك، تزكّى إيمانُه بصفته حقيقيًّا فأُكمل. صار كاملًا بأعمال طاعته.
- “تجدُ هنا برهانًا أن الإيمان لا يمكنُ أن يوجد من دون أن يكون نشطًا في أعمال البرّ. ما كان لإيمانه أن ينفعه لو لم يُثبتْه بالأعمال.” كلارك (Clarke)
- تَرَوْنَ إِذًا أَنَّهُ بِالأَعْمَالِ يَتَبَرَّرُ الإِنْسَانُ، لاَ بِالإِيمَانِ وَحْدَهُ: الإِيمَانِ وَحْدَهُ الذي لا يُبرّرُ هو إيمانٌ من دون أعمالٍ، إنه إيمانٌ ميتٌ. ولكن الإيمان الحقيقيّ، الإيمان الحيّ الذي تُصادقُ الأعمالُ الصالحةُ على أصالته، هو وحده سيبرّرُ.
- “إنه الإيمانُ الذي يبررُ الإنسان، لكن الأعمال هي التي تبررُ الإيمان مثبتةً أنه صحيحٌ وحقيقيٌّ. إنه إيمانٌ مخلّصٌ ومبرّرٌ.” تراب (Trapp)
- لا بد أن ترافق الأعمالُ الإيمان الأصيل، لأن الإيمان الأصيل مرتبطٌ دائمًا بالتحديد بالولادة الثانية. وبالخليقة الجديدة في يسوع (كورنثوس الثانية ١٧:٥). فإذا لم تكن هنالك أدلةٌ على حياةٍ جديدةٍ، فإنه لم يكن إيمانًا أصيلًا مخلصًا.
- وكما قال تشارلز سبيرجن (Charles Spurgeon): “النعمة التي لا تغير حياتي لن تخلص روحي.”
هـ) الآيات (٢٥-٢٦): راحاب كمثلٍ للإيمان الحيّ
٢٥كَذلِكَ رَاحَابُ الزَّانِيَةُ أَيْضًا، أَمَا تَبَرَّرَتْ بِالأَعْمَالِ، إِذْ قَبِلَتِ الرُّسُلَ وَأَخْرَجَتْهُمْ فِي طَرِيق آخَرَ؟ ٢٦لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْجَسَدَ بِدُونَ رُوحٍ مَيِّتٌ، هكَذَا الإِيمَانُ أَيْضًا بِدُونِ أَعْمَال مَيِّتٌ.
- رَاحَابُ الزَّانِيَةُ: إنه لأمرٌ ذو دلالةٍ أن يعقوب استخدم مثلين للإيمان الحيّ – إيمان إبراهيم (أبي اليهود) وراحاب (الأممية). لعل يعقوب يوبخُ بشكلٍ غير مباشرٍ المحاباة التي ربما بدأت بين المؤمنين بالمسيح من خلفيةٍ يهوديةٍ ضد المؤمنين الأمميين لدى دخولهم الكنيسة.
- كَذلِكَ رَاحَابُ الزَّانِيَةُ أَيْضًا، أَمَا تَبَرَّرَتْ بِالأَعْمَالِ: أثبتت راحاب ثقتها بإله إسرائيل بإخفاء الجاسوسين والسعي إلى الخلاص الآتي من إلههم (يشوع ٨:٢- ١٣). فقد أثبتت أن إيمانها كان حيًّا وفعل شيئًا. وما كان لاعتقادها بإله إسرائيل أن يخلّصها لو لم تفعل شيئًا بإيمانها هذا.
- الدرسُ المتعلّمُ من إبراهيم واضحٌ: إذا كنا نؤمنُ بالله، فإننا نستطيع أن نفعل ما يطلبُه منا. والدرسُ المتعلّمُ من راحاب واضحٌ أيضًا. إذا آمنّا بالله، فسنساعدُ شعبه، حتى لو كلّفنا هذا شيئًا.
- “قصد يعقوب أن يضع هذين الشخصين معًا، وهما مختلفان في طبيعتهما الأخلاقية، لكي يبيّن بوضوحٍ أكبر أنه مهما كانت حالُ الشخص أو أمّته أو طبقته الاجتماعية، فإنه لا يمكنُ أبدًا أن يُعدّ بارًّا من دون أعمالٍ صالحةٍ.” كالفن (Calvin) مقتبسًا من هيبرت (Hiebert)
- لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْجَسَدَ بِدُونَ رُوحٍ مَيِّتٌ، هكَذَا الإِيمَانُ أَيْضًا بِدُونِ أَعْمَال مَيِّتٌ: إن كان ممكنًا أن يكون لديك جسدٌ بلا حياةٍ (جثةٌ هامدةٌ)، فإنه يمكنُ أن يكون لديك إيمانٌ بلا حياةٍ. فالإيمانُ من دون أعمال إيمانٌ مَيِّتٌ وغيرُ قادرٍ على التخليص.
- “ولهذا، إذا لم تصدر عن الشخص أعمالٌ صالحةٌ، فإن هذا برهانٌ أن الإيمان المعلن ميتٌ. لاحظ أن يعقوب لا ينكرُ أن هذا إيمانٌ، لكنه ببساطةٍ يشير إلى أنه ليس النوع الصحيح من الإيمان، إنه ليس إيمانًا حيًّا، ولا يستطيعُ أن يخلّص.” بيرديك (Burdick)
- يمكنُنا أن نفكر في شجرة تفاحٍ. أين حياة هذه الشجرة؟ إنها في الجذور وتحت لحاء الشجر في الجذع. فالحياة ليست في التفاح، ذلك الثمر الذي يظهرُ في فصله المناسب، لكن إن كانت الشجرةُ حيةً، فلا بد أن تنتج تفاحًا في الوقت المناسب.
- “لا يتبررُ الإنسانُ بالإيمان وحده، أي بمجرد معرفةٍ ذهنيةٍ فارغةٍ عن الله. إنه يتبرر بالأعمال، أي أن برّ الشخص يُعرف ويبرهنُ من ثمره.” كالفن (Calvin)