رسالة يعقوب – الإصحاح ٥
حياةُ الايمان الحيّ
أولًا. توبيخٌ للغنيّ غير النقيّ
أ ) الآيات (١-٣): الغنيُّ ووهمُ الثروة
١هَلُمَّ الآنَ أَيُّهَا الأَغْنِيَاءُ، ابْكُوا مُوَلْوِلِينَ عَلَى شَقَاوَتِكُمُ الْقَادِمَةِ. ٢غِنَاكُمْ قَدْ تَهَرَّأَ، وَثِيَابُكُمْ قَدْ أَكَلَهَا الْعُثُّ. ٣ذَهَبُكُمْ وَفِضَّتُكُمْ قَدْ صَدِئَا، وَصَدَأُهُمَا يَكُونُ شَهَادَةً عَلَيْكُمْ، وَيَأْكُلُ لُحُومَكُمْ كَنَارٍ! قَدْ كَنَزْتُمْ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ.
- هَلُمَّ الآنَ أَيُّهَا الأَغْنِيَاءُ: طوّر يعقوب فكرة الحاجة إلى الاعتماد التامّ على الله. وهو يقوم الآن بشكلٍ طبيعيٍّ بتوبيخ أولئك الذين يرجّحُ جدًّا أنهم يعيشون باستقلالٍ عن الله، وهم الأَغْنِيَاء.
- مع أنّ يسوع عدّ بعض الأشخاص الأَغْنِيَاء بين أتباعه (مثل زكا ويوسف الرامي وبرنابا)، إلا أننا مجبورون على أن نلاحظ أن الأغنياء يقدّمون بالفعل عائقًا إضافيًّا ومهمًّا للملكوت (متى ٢٣:١٩-٢٤). وإنه لأمرٌ صحيحٌ أيضًا أن السعيَ وراءَ الغنى دافعٌ لكلِّ خطيةٍ يمكنُ تصوُّرُها (تيموثاوس الأولى ١٠:٦).
- “يتحدثُ إليهم على أنهم ببساطةٍ أغنياء (فالثروةُ والنعمةُ يمكنُ أن يجتمعا معًا)، لكن كأشرارٍ لا يتمرّغون في الثروة فحسبُ، بل يسيئون استخدامها من أجل الافتخار وحياة الرفاهية وقمع الفقراء والقسوة.” بوله (Poole)
- ابْكُوا مُوَلْوِلِينَ: يطلب يعقوب من الأغنياء بأسلوب أنبياء العهد القديم أن يبكوا ويولولوا في ضوء مصيرهم وشقاوتهم القادمة (ابْكُوا مُوَلْوِلِينَ عَلَى شَقَاوَتِكُمُ الْقَادِمَةِ). إذ سيتمُّ الكشف في الحياة القادمة عن تهرؤ غناهم وثرواتهم التي قَدْ أَكَلَهَا الْعُثُّ.
- يرجحُ أن يعقوب يشير إلى دمار ثلاثة أنواعٍ من الغنى. فمخازنُ الطعام قد تَهَرَّأَت (تعفنت)، والثيابُ قَدْ أَكَلَهَا الْعُثُّ، والذهبُ والفضةُ قَدْ صَدِئَا. إذ ينتهي كلُّ واحدٍ منها إلى أن يصير إلى لا شيء بطريقته الخاصة.
- “وأكثرُ من ذلك، يضيف يعقوب حسب أسلوب الشاعر دانتي، لمسة رعبٍ. فالصدأُ سيأكلُ لحومهم كنارٍ. فهم متمسكون بمكاسبهم الجشعة. وسيهلكُ غناهم، وسيهلكون معه وبه بعيدًا في ألمٍ حارقٍ.” موفات (Moffatt)
- “إنه أفضل لكم أن تبكوا هنا، حيثُ توجد مناديل لمسح الدموع في يد المسيح من أن تمسح عيونُكم في جهنم. إنه أفضل لكم أن تولولوا مع البشر من أن تصرخوا مع الأرواح الشريرة.” تراب (Trapp)
- يَكُونُ شَهَادَةً عَلَيْكُمْ: ستكون الطبيعة الفاسدة لغنى الأغنياء شَهَادَةً عليهم، أي ضدّهم. ففي يوم الدينونة، سيتمُّ الكشف عن أنهم عاشوا حياتهم في استقلالٍ متغطرسٍ عن الله، وهو أمرٌ سبق أن دانه يعقوب، حيث كانوا يكوّمون كنوزًا أرضيةً فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ، بينما كان عليهم أن يكنزوا كنوزًا في السماء (لوقا ٢٢:١٨).
- فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ: “يصور يعقوب العذاب الأبديّ بعباراتٍ يهوديةٍ ملونةٍ للغاية. ويطرحُ نفس الاحتمال للنهاية كتهديدٍ للأغنياء، وكتعزيةٍ للفقراء والمقموعين.” موفات (Moffatt)
ب) الآيات (٤-٦): إدانةُ خطايا الأغنياء
٤هُوَذَا أُجْرَةُ الْفَعَلَةِ الَّذِينَ حَصَدُوا حُقُولَكُمُ، الْمَبْخُوسَةُ مِنْكُمْ تَصْرُخُ، وَصِيَاحُ الْحَصَّادِينَ قَدْ دَخَلَ إِلَى أُذْنَيْ رَبِّ الْجُنُودِ. ٥قَدْ تَرَفَّهْتُمْ عَلَى الأَرْضِ، وَتَنَعَّمْتُمْ وَرَبَّيْتُمْ قُلُوبَكُمْ، كَمَا فِي يَوْمِ الذَّبْحِ. ٦حَكَمْتُمْ عَلَى الْبَارِّ. قَتَلْتُمُوهُ. لاَ يُقَاوِمُكُمْ!
- هُوَذَا أُجْرَةُ الْفَعَلَةِ… الْمَبْخُوسَةُ مِنْكُمْ: امتنع الأغنياء عن دفع أُجْرَةُ الْفَعَلَةِ، وعاشوا حياةً متحررةً من دون اعتبارٍ للآخرين (مثل الرجل الذي ذكره يسوع في قصة الرجل الغنيّ ولعازر في لوقا (١٩-٣١:١٦). لقد دانوا وقتلوا من موقعهم في السلطة والقوة.
- “تأجيلُ الدفع نوعٌ من الاحتيال، لأنه يُفقدُ الدائن مزية التحسن. وهكذا تُفرضُ عليهم ضرائب هنا بشكلٍ ظالمٍ، إضافةً إلى الطمع، حيث إنهم عاشوا على تعب الفعلة، وجوّعوا الفقراء لكي يثروا أنفسهم.” بوله (Poole)
- وَصِيَاحُ الْحَصَّادِينَ قَدْ دَخَلَ إِلَى أُذْنَيْ رَبِّ الْجُنُود: لا يجب الخلط بين رَبِّ الْجُنُود في يعقوب ٤:٥ (راجع أيضًا رومية ٢٩:٩، إشعياء ١:٩) مع اللقب المشابه، رَبُّ السَّبْتِ (كما في مرقس ٢٨:٢ وفي لوقا ٥:٦)، وهو يعني ’ربّ الجيوش‘ وبشكلٍ خاصٍّ جيوش الملائكة السماوية. ويصفُ الله على أنه المحاربُ والقائدُ الأعلى لكلّ الجيوش السماوية.
- كان يقصد باستخدام هذا اللقب أن يعطي هؤلاء الظالمين تحذيرًا مُصحيًا لهم. فقد وصلت صرخات الأشخاص الذين قمعوهم إلى أذني الله الذي يقودُ الجيوش السماوية، إله القدرة والقوة والدينونة.
- “الإشارة الرئيسية هنا هي إلى يهوه، ربّ الجنود أو ربّ جيوش إسرائيل، ولاحقًا ربّ جنود السماء. ونادرًا ما استخدم المعلمون اليهود هذا اللقب، لكن سفر الخروج ٦:٣ تربطُه بحرب يهوه على الظلم.” أدامسون (Adamson)
- “هذه تسميةٌ متكررةٌ لله في العهد القديم، وهي تدلُّ على قوته التي لا يمكن السيطرة عليها، وعلى الوسائل الكثيرة التي لا تحصى لدى الله في حُكم العالم والدفاع عن أتباعه وعقاب الأشرار.” كلارك (Clarke)
- حَكَمْتُمْ عَلَى الْبَارِّ. قَتَلْتُمُوهُ. لاَ يُقَاوِمُكُمْ!: غالبًا ما لا يحصل الفقراء والمفتقرون إلى القوة في هذا العالم على عدلٍ يرضيهم. غير أن الله يسمعُ صراخهم، وهو الذي يضمن في نهاية الأمر تصويب كلّ خطأٍ ومجازاة كلّ ظلمٍ.
- حَكَمْتُمْ عَلَى الْبَارِّ. قَتَلْتُمُوهُ: “خذ هذا حرفيًا أو مجازيًّا عن المرابين والمبتزّين الذين لا يسلبون فحسب، بل يسحقون الفقراء الذين يقعون في شباكهم.” تراب (Trapp)
ثانيًا. دعوةٌ إلى الاحتمال الصبور في ضوء الدينونة القادمة
أ ) الآيات (٧-٨): تمثّلوا بالفلاح في احتماله الصبور.
٧فَتَأَنَّوْا أَيُّهَا الإِخْوَةُ إِلَى مَجِيءِ الرَّبِّ. هُوَذَا الْفَلاَحُ يَنْتَظِرُ ثَمَرَ الأَرْضِ الثَّمِينَ، مُتَأَنِّيًا عَلَيْهِ حَتَّى يَنَالَ الْمَطَرَ الْمُبَكِّرَ وَالْمُتَأَخِّرَ. ٨فَتَأَنَّوْا أَنْتُمْ وَثَبِّتُوا قُلُوبَكُمْ، لأَنَّ مَجِيءَ الرَّبِّ قَدِ اقْتَرَبَ.
- فَتَأَنَّوْا أَيُّهَا الإِخْوَةُ: طرح يعقوب قضية الدينونة النهائية أمامنا في ملاحظاته حول الأغنياء غير الأتقياء ومصيرهم. وهو يدعو الآن المؤمنين بالمسيح، ولا سيما الذين يعانون من مشقاتٍ، إلى أن يحتملوا بصبرٍ إِلَى مَجِيءِ الرَّبِّ.
- “لا يحركُ يعقوب أيّ احساسٍ طبقيٍّ. فهو، على سبيل المثال، لا يؤلّبُ العمال على أرباب العمل الظالمين. بل يطلبُ منهم أن يتركوا الأثرياء الظالمين لانتقام الله الوشيك على قساوتهم.” موفات (Moffatt)
- “وبالفعل، فإنه يبدو أن مجرد مجيء الربّ يزيدُ من نفاد الصبر، بدلًا من الصبر… لكنه يطلبُ منهم أن يصبروا في شركةٍ مع الله.” مورغان (Morgan)
- هُوَذَا الْفَلاَحُ يَنْتَظِرُ ثَمَرَ الأَرْضِ الثَّمِينَ، مُتَأَنِّيًا عَلَيْهِ: لا ييأس الفلاح عندما لا يجني محصوله فورًا، بل يواصل العمل حتى عندما لا يمكنُه رؤيةُ المحصول على الإطلاق. وبالطريقة نفسها، يتوجب على المؤمنين بالمسيح أن يمارسوا الاحتمال الصبور حتى عندما يبدو يومُ الحصاد بعيدًا جدًّا.
- وكما يوجهُنا يعقوب، ينبغي لنا أن ننتظر الربّ ولا نخور. “على الإنسان الذي يُطلبُ منه أن يتأنى موعودًا بمكافأة أن يحافظ على شجاعته. وعندما يضطرُ إلى الانتظار، يقولُ: ليس هذا أكثر مما توقعت، فلم أكن أحسبُ أني سأقتلُ عدوّي من أول ضربةٍ. لم أتخيل قطّ أني سأستولي على المدينة حالما أحفر أول خندقٍ. لكني وضعتُ في اعتباري الانتظار. والآن، وبعد أن جاء، أجد أن الله يعطيني نعمةً لأن أواصل القتال والجهاد إلى أن يتحقق النصرُ. ويخلّصُ الصبرُ الإنسان من كثيرٍ من التسرع والحماقة.” سبيرجن (Spurgeon)
- عندما نفكرُ في الأمر، فإن الانتظار والحاجة إلى الاحتمال الصبور في الحياة المسيحية يشبهُ انتظار الفلاح كثيرًا.
- إنه ينتظرُ على أملٍ معقولٍ وتوقُّعٍ للمكافأة.
- إنه ينتظرُ وقتًا طويلًا.
- إنه ينتظرُ بينما يستمرُّ في العمل طوال الوقت.
- إنه ينتظرُ معتمدًا على أشياء خارج سلطته وعيناه مثبّتتان على السماء.
- إنه ينتظر رغم الظروف المتغيرة وأشياء كثيرةٍ غير يقينيةٍ.
- إنه ينتظر متشجعًا من قيمة الحصاد.
- إنه ينتظر متشجعًا من عمل الآخرين وحصادهم.
- إنه ينتظر لأنه ليس لديه في واقع الأمر أيُّ خيارٍ آخر.
- إنه ينتظر لأنه لا ينفعُه الاستسلام واليأس.
- إنه ينتظر واعيًا بكيفية عمل الفصول.
- إنه ينتظر لأنه مع مرور الوقت، يصبحُ فعلُ ذلك أكثر أهميةً لا أقلّ.
- حَتَّى يَنَالَ الْمَطَرَ الْمُبَكِّرَ وَالْمُتَأَخِّرَ: ينبغي أن نأخذ صورتي الْمَطَرَ الْمُبَكِّرَ وَالْمُتَأَخِّرَ بشكلٍ حرفيٍّ كما يقصدُه يعقوب. فهو يشيرُ إلى المطر المبكر (الذي ينزلُ في أواخر تشرين الأول أو أوائل تشرين الثاني)، والذي كان جوهريًا في أهميته ليطرّي الأرض استعدادًا لحرثها، وإلى المطر المتأخر (الذي ينزلُ في أواخر نيسان أو آذار)، والذي كان جوهريًا في أهميته لإنضاج الثمر قبل وقتٍ قصيرٍ من الحصاد. فلا توجدُ صورةٌ ترميزيةٌ هنا إلى سكبٍ مبكرٍ ومتأخرٍ للروح القدس على الكنيسة.
- يشرحُ الكتاب المقدس أنه سيكون هنالك انسكابٌ كبيرٌ من الروح القدس في الأيام الأخيرة (يوئيل ٢٨:٢-٢٩، أعمال الرسل ١٧:٢-١٨)، ولكن لا يبدو أن نصّ يعقوب ذو صلةٍ بذلك الانسكاب.
- يشرحُ موفات (Moffatt) المزيد عن هذا الموضوع: “كان على الفلاح أن ينتظر سقوط الأمطار مرتين في السنة. ولكن رغم أنه لم يكن بيده ما يفعلُه لجلب المطر، إلا أن عزيمته لم تخُر، شريطة أن يطيع إرادة الله.”
- وَثَبِّتُوا قُلُوبَكُمْ، لأَنَّ مَجِيءَ الرَّبِّ قَدِ اقْتَرَبَ: تتطلبُ عودة يسوع الوشيكة أن نثبّت قلوبنا، تلك القلوب المتجذرة في يسوع وقصده الأبديّ لكلّ شيءٍ.
- “عندما يعطيك الله عائدًا غنيًّا على كلّ ما فعلته من أجله، سيحمرُّ وجهُك خجلًا في التفكير يومًا في أنك شككت ذات يومٍ، وستخجل للتفكير في أنك تعبت في خدمته. ستحصلُ على مكافأتك لا محالة، لكن ليس غدًا، وربما ليس في اليوم التالي، فكن صبورًا. وقد تمتلئُ بالشكوك ذات يومٍ، وينخفضُ منسوبُ فرحك. ربما يكونُ جوُّ روحك عاصفًا وقاسيًا. وربما تشكُّ في كونك للربّ، لكن إذا استرحت في اسم يسوع، وإذا كنت بنعمة الله ما أنت عليه، وإذا كان هو كلّ خلاصك ورغبتك – فاصبر. اصبر لأن المكافأة ستأتي لا محالة في توقيت الله المناسب.” سبيرجن (Spurgeon)
- لأَنَّ مَجِيءَ الرَّبِّ قَدِ اقْتَرَبَ: كان هنالك إحساسٌ حقيقيٌّ حول اقْتَرَب مَجِيءَ الرَّبِّ في زمن يعقوب كما هو في زمننا. ويمكنُ للمرء أن يقول إنه منذُ صعود المسيح، فإنه صار وعيٌ بفكرة اكتمال التاريخ، وهو الآن يمتدُّ بالتوازي على طول الحافة مع اقْتَرَب مَجِيءَ الرَّبِّ.
ب) الآية (٩): ممارسة الاحتمال الصبور بين شعب الله
٩لاَ يَئِنَّ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ أَيُّهَا الإِخْوَةُ لِئَلاَّ تُدَانُوا. هُوَذَا الدَّيَّانُ وَاقِفٌ قُدَّامَ الْبَابِ.
- لاَ يَئِنَّ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ: يمكن أن تجعلنا أوقات الشدة أقلّ محبةً لإخوتنا وأخواتنا المؤمنين. ويذكّرُنا يعقوب بأنه لا يسعُنا أن نُدين الآخرين حتى في أوقات شدتنا.
- هُوَذَا الدَّيَّانُ وَاقِفٌ قُدَّامَ الْبَابِ: يسوعُ آتٍ كقاضٍ لا ليدين العالم فحسب، بل أيضًا ليقيّم أمانة المؤمنين بالمسيح (كورونثوس الثانية ١٠:٥). وفي ضوء هذه الحقيقة، لا نستطيع أن نسمح للشدائد بأن تجعلنا غير محبين بعضنا نحو بعضٍ.
ج) الآيات (١٠-١١): اتّباعُ أمثلة أشخاصٍ أظهروا الاحتمال الصبور
١٠خُذُوا يَا إِخْوَتِي مِثَالاً لاحْتِمَالِ الْمَشَقَّاتِ وَالأَنَاةِ: الأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا بِاسْمِ الرَّبِّ. ١١هَا نَحْنُ نُطَوِّبُ الصَّابِرِينَ. قَدْ سَمِعْتُمْ بِصَبْرِ أَيُّوبَ وَرَأَيْتُمْ عَاقِبَةَ الرَّبِّ. لأَنَّ الرَّبَّ كَثِيرُ الرَّحْمَةِ وَرَؤُوفٌ.
- خُذُوا… مِثَالاً لاحْتِمَالِ الْمَشَقَّاتِ وَالأَنَاةِ… الأَنْبِيَاءَ: يذكّرُنا يعقوب بأن أنبياء العهد القديم احتملوا المشقات، غير أنهم مارسوا الاحتمال الصبور. ويمكنُنا أن نتخذهم كأمثلةٍ.
- فعلى سبيل المثال،عومل إرمياء معاملةً سيئةً، حيث وُضع في أصفادٍ (إرميا ٢:٢٠)، وتم الزجُّ به في السجن (إرميا ٢:٣٢)، وأُنزل إلى زنزانةٍ موحلةٍ جدًّا (إرميا ٦:٢٨). غير أنه ثابر على خدمته.
- “رغم أن الله أكرمهم جدًّا وأحبّهم جدًا، إلا أنهم لم يكونوا معفيّين من المحن، لكن افتُري عليهم وشوهت سمعتُهم واضطُهدوا (ملوك الأول ١٣:١٨، ١٤:١٩، ملوك الثاني ٣١:٦، عاموس ١٠:٧، عبرانيين ١١). ولهذا عندما عانوا من مثل تلك الأشياء القاسية، لم يجدوا عارًا في أن يتألموا هكذا، متى ١٢:٥.” بوله (Poole)
- قَدْ سَمِعْتُمْ بِصَبْرِ أَيُّوبَ: يخبرُنا يعقوب بشكلٍ أساسيٍّ عن أيوب ولماذا هو مثلٌ مهمٌّ للمؤمن المتألم.
- نرى أوّلًا صَبْرِ أَيُّوب أو مثابرته. إذ تبينُ لنا نصوصٌ مثل >أيوب ٢٠:١-٢٢ عظم مثابرة هذا الرجل المبتلى الذي رفض أن يلعن الله رغم معاناته القاسية الغامضة.
- ونرى أيضًا عَاقِبَةَ الرَّبِّ: يتحدثُ هنا عن هدف الله النهائيّ وقصده في السماح بأن يختبر أيوب تلك المعاناة التي ألمّت به. ولعل أعظم قصدٍ للربّ كان أن يستخدم أيوب كدرسٍ للملائكة، كما وعد بأن يستخدم الكنيسة لهذا الغرض (أفسس ١٠:٣-١١). فعندما نفهم أن لله قصدًا صالحًا، توضعُ حتى الأشياءُ المؤلمةُ في منظورٍ مختلفٍ. “إذا طعنني أحدُهم بسكينٍ فسأقاومُه بكلّ قوتي. وإذا نجح فإني سأعدُّ هذا الأمر مأساةً. وإذا جاءني جراحٌ بسكينٍ، فسأرحبُ به وبسكينه معًا. سأدعُه يحدثُ جرحًا أكبر من سكين المعتدي، لأني أعرف أن قصده صالحٌ وضروريٌّ.” سبيرجن (Spurgeon)
- ونرى أيضًا أن الرَّبَّ كَثِيرُ الرَّحْمَةِ وَرَؤُوفٌ. ولا يظهرُ هذا فورًا في قصة أيوب. فقد نعتقدُ لأول وهلةٍ أن الله كان قاسيًا مع أيوب، لكن لدى التمعن في الأمر، نجدُه كَثِيرُ الرَّحْمَةِ وَرَؤُوفٌ فعلًا:
- كان الرَّبَّ كَثِيرُ الرَّحْمَةِ وَرَؤُوفٌ بأيوب لأنه سمح للمعاناة لسببٍ صالحٍ جدًا.
- كان الرَّبَّ كَثِيرُ الرَّحْمَةِ وَرَؤُوفٌ بأيوب لأنه قيّد إبليس في ما يمكنُ أن يفعله بأيوب.
- كان الرَّبَّ كَثِيرُ الرَّحْمَةِ وَرَؤُوفٌ بأيوب لأنه دعمه بيده غير المنظورة طوال وقت معاناته.
- كان الرَّبَّ كَثِيرُ الرَّحْمَةِ وَرَؤُوفٌ بأيوب لأن الله استخدم إبليس نفسه. وفي النهاية، حقّق اللهُ شيئًا رائعًا. فقد جعل أيوب أفضل ومباركًا أكثر من أيّ وقتٍ مضى. لنتذكر أنه رغم مدى صلاح أيوب في بداية السفر، إلا أنه صار رجلًا أفضل في نهايته. إذ أصبح أفضل في معدنه الأخلاقيّ، وأكثر تواضعًا ومباركًا أكثر مما كان في الماضي.
- “وعندما ننظرُ إلى حياة أيوب كلّها، نرى أن الربّ أخرجه من كلّ ذلك مع ميزة تفوقُ الوصف. فالذي امتحن بيدٍ دعم باليد الأخرى. وبغضّ النظر عن هدف إبليس في تجربة أبينا أيوب، إلا أنه كانت لله غايةٌ غطت واحتوت هدف المهلك، وتم الردُّ على هذا الهدف على طول الخطّ، من أول خسارةٍ للثيران إلى التوبيخ المعذب للمتهمين الثلاثة له في النهاية.” سبيرجن (Spurgeon)
- لأَنَّ الرَّبَّ كَثِيرُ الرَّحْمَةِ وَرَؤُوفٌ: “ليت الجميع يستطيعون أن يقرؤوا الأصل اليونانيّ، لأن هذا التعبير،كثيرُ الرحمة (شفوقٌ جدًا)، تعبيرٌ رائعٌ على نحوٍ خاصٍّ. فهو يعني حرفيًّا أن لدى الربّ ’أحشاء كثيرة‘ أو قلبًا وسيعًا عظيمًا، وهو لهذا يشيرُ إلى حنانٍ عظيمٍ.” سبيرجن (Spurgeon)
د ) الآية (١٢): نصائحُ في ضوء الدينونة القادمة أمام يسوع
١٢وَلكِنْ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ يَا إِخْوَتِي، لاَ تَحْلِفُوا، لاَ بِالسَّمَاءِ، وَلاَ بِالأَرْضِ، وَلاَ بِقَسَمٍ آخَرَ. بَلْ لِتَكُنْ نَعَمْكُمْ نَعَمْ، وَلاَكُمْ لاَ، لِئَلاَّ تَقَعُوا تَحْتَ دَيْنُونَةٍ.
- لاَ تَحْلِفُوا: قام يهودٌ كثيرون في زمن يعقوب بالتفريق بين ’القسم الملزم‘ و’القسم غير الملزم.‘ فقد عدّوا القسم الذي لا يتضمن اسم الله غيرُ ملزمٍ. وكان مثلُ هذا القسّم طريقةً للكذب على أمل أن تسير الأمور ُكما خطّط لها الكاذبُ.‘ وهذا ما أدانه يعقوب هنا.
- لا يمنع الكتاب المقدس كلّ أنواع القَسَم، بل يمنعُ فقط القسم المخادع وغير الحكيم والعابر بلا تفكيرٍ. وكان اللهُ نفسُهُ يحلفُ أحيانًا (كما في لوقا ٧٣:١؛ عبرانيين ١١:٣؛ ١٣:٦).
- “ليس كلُّ قَسَمٍ ممنوعًا حتى في متى ٣٤:٥ (لأن الرجال الأتقياء استخدموه في كلٍّ من العهدين القديم والجديد (تكوين ٢٣:٢١-٢٤، ٣:٢٤، ٢٨:٢٦، ملوك الأول ١:١٧-٢، كورنثوس الثانية ٢٣:١، غلاطية ٢٠:١). ويسمحُ اللهُ نفسُهُ باستخدام القسم ويصادقُ عليه (مزمور ٤:١٥، عبرانيين ١٦:٦)، لكنه لا يصادقُ على القسم الكاذب والمتسرع وغير المبرر أو القسم المعتاد والمتكرر في الحديث العادي.” بوله (Poole)
- لاَ تَحْلِفُوا، لاَ بِالسَّمَاءِ، وَلاَ بِالأَرْضِ، وَلاَ بِقَسَمٍ آخَرَ: يردد يعقوب هنا صدى تعليم يسوع في العظة على الجبل (متى ٣٤:٥-٣٧). وتفضحُ حاجة المرء إلى القسم بما يتجاوزُ كلمتي نَعَمْ ولاَ بشكلٍ بسيطٍ وواضحٍ ضعف كلمة المرء. إذ تكشفُ أنه لا يوجدُ أيُّ وزنٍ كان في معدنه الأخلاقيّ لتثبيت كلامه.
- لِئَلاَّ تَقَعُوا تَحْتَ دَيْنُونَةٍ: وسيفضحُ هذا الضعف وقت دينونة المسيح. وهذا عليه أن يحفزُنا جميعًا على الاستعداد لهذه الدينونة من خلال الحديث بنزاهةٍ واستقامةٍ.
- ربما يكونُ هذا التحذيرُ خارج السياق لنا. ومع ذلك، “يرجحُ أن يعقوب دوّنه كفكرةٍ لاحقةٍ لتأكيد تحذيره في يعقوب ٩:٥. فعند الإثارة أو الانفعال الشديد، يجرّبُ المرءُ بأن يلعن ويقسمُ (يشتم) بعنفٍ وفجورٍ.” موفات (Moffatt)
ثالثًا. نصائح للمؤمنين بالمسيح بأن يهتم بعضهم ببعض.
أ ) الآيات (١٣-١٤): كيف تلبي الاحتياجات الناشئة بين المؤمنين بالمسيح.
١٣أَعَلَى أَحَدٍ بَيْنَكُمْ مَشَقَّاتٌ؟ فَلْيُصَلِّ. أَمَسْرُورٌ أَحَدٌ؟ فَلْيُرَتِّلْ. ١٤أَمَرِيضٌ أَحَدٌ بَيْنَكُمْ؟ فَلْيَدْعُ شُيُوخَ الْكَنِيسَةِ فَيُصَلُّوا عَلَيْهِ وَيَدْهَنُوهُ بِزَيْتٍ بِاسْمِ الرَّبِّ.
- أَعَلَى أَحَدٍ بَيْنَكُمْ مَشَقَّاتٌ؟ يحتاج المتألمون إلى أن يصلّوا، والمسرورون إلى أن يرنموا مزامير تسبيحٍ لله، وينبغي للمرضى أن يستدعوا شيوخ الكنيسة طالبين منهم أن يصلّوا من أجل احتياجهم.
- بدلًا من التذمر (كما في الآية السابقة)، ينبغي على المتألم أن يصلّي. فبدلًا من أن ’لاَ يَئِنَّ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ‘ (يعقوب ٩:٥) أو أن يتذمر بعصبيةٍ أو أن يُطلق وابلًا من اللعنات، ينبغي أن يصلّي لله” موفات (Moffatt)
- يقدمُ يعقوب نفس النصيحة لكلٍّ من المتألم والمسرور: خذ هذا كلّه إلى الربّ في الصلاة أو الترنم. وفي واقع الأمر، يمكنُ أن يُقلب الأمرُ فعلًا: إذ ينبغي للمتألم أن يرنم أيضًا وللمسرور أن يصلي أيضًا.
- “في مواضع أخرى من العهد الجديد، تشيرُ كلمةُ ’لْيُرَتِّلْ‘ (تسابيح) إلى العبادة العامة وإلى ترانيم مصحوبةٍ بآلاتٍ موسيقيةٍ إذا كان الاستخدامُ لها في اليونانية التقليدية أو يونانية العهد القديم حاسمًا.” موفات (Moffatt)
- يضع يعقوب مسؤولية المبادرة على الشخص المحتاج: فَلْيَدْعُ شُيُوخَ الْكَنِيسَةِ. وترددُ الأشخاص في طلب الصلاة من قادة الكنيسة في مثل هذه الظروف لغزٌ حقيقيٌّ.
- فَيُصَلُّوا عَلَيْهِ: قال يعقوب أيضًا إن شُيُوخَ الْكَنِيسَةِ، عندما يصلّون عليه، ينبغي أن يَدْهَنُوهُ بِزَيْتٍ بِاسْمِ الرَّبِّ. وقد فُسّر هذا المسح بالزيت إمّا على أنه يسعى إلى أفضل عنايةٍ طبيةٍ ممكنةٍ للشخص المريض (كان يُنظرُ إلى الزيت على أنه دواءٌ) أو على أنه رمزٌ لحضور الروح القدس وقوته.
- ذُكر مسحُ المرضى بالزيت في مرقس ١٣:٦ أيضًا. ويذكرُ لوقا ٣٤:١٠ استخدام الزيت بمعنى طبيٍّ. ” كانت فعاليةُ الزيت كعاملٍ طبيٍّ معروفةً جدًا.” هيبرت (Hiebert). ويقول بيرديك (Burdick) إن الكلمة المترجمة إلى ’يمسح أو يدهن‘ هنا ليست الكلمة المستخدمة المعتادة في العهد الجديد، لكنها تتضمنُ معنى طبيًّا أكثر.
- “استُخدم الزيتُ وما يزال في الشرق كوسيلة علاجٍ لأمراضٍ خطيرةٍ جدًا. وغالبًا ما كان يُستخدم في مصر في علاج الطاعون. وحتى في أوروبا، استُخدم الزيتُ بنجاحٍ كبيرٍ في علاجِ مرضِ الاستسقاءِ. وزيتُ الزيتون النقيُّ ممتازٌ للحروق والرضوض الحديثة. وقد رأيتُه يُستخدم مع أفضل النتائج… ويريدُهم القديس يعقوب أن يستخدموا وسائل طبيعيةً متطلعين إلى بركةٍ خاصةٍ من الله. وليس هنالك رجلٌ حكيمٌ ينصحُ بغير ذلك.” كلارك (Clarke)
- شوهت الكنيسة الكاثوليكية الرومانية طبيعة هذا الأمر حول مسح المرضى إلى ’سرّ‘ مسح المحتضرين استعدادًا للموت. وهكذا تحوّل ما قصده يعقوب للشفاء إلى استعدادٍ للموت!
ب) الآيات (١٥-١٦): استجابةُ الله لصلوات شعبه
١٥وَصَلاَةُ الإِيمَانِ تَشْفِي الْمَرِيضَ، وَالرَّبُّ يُقِيمُهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ فَعَلَ خَطِيَّةً تُغْفَرُ لَهْ. ١٦اِعْتَرِفُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ بِالزَّلاَتِ، وَصَلُّوا بَعْضُكُمْ لأَجْلِ بَعْضٍ، لِكَيْ تُشْفَوْا. طَلِبَةُ الْبَارِّ تَقْتَدِرُ كَثِيرًا فِي فِعْلِهَا.
- وَصَلاَةُ الإِيمَانِ تَشْفِي الْمَرِيضَ: تساءل كثيرون إن كان يعقوب يضمن الشفاء هنا للمرضى الذين يصلّى من أجلهم بإيمانٍ. ويفسرُ بعضُهم هذا على أنه إشارةٌ إلى القيامة النهائية. وتضيفُ الإشارةُ إلى الغفران فكرة أن يعقوب يضعُ في اعتباره عملًا روحيًّا وشفاءً، وليس بالضرورة شفاءً جسديًا.
- غير أن سياق الجملة يتطلب عدم استثناء الشفاء الجسديّ كاستجابةٍ للصلاة، رغم أنه يبدو أنه يقصد شيئًا أوسع من مجرد الشفاء الجسديّ. إذًا، علينا أن نصلي للآخرين بإيمانٍ متوقعين أن الله سيشفيهم، ثم نتركُ الأمر في يدي الله.
- من الواضح أن الله لا يمنحُ شفاءً فوريًّا لكلّ صلاة إيمانٍ. وأسباب ذلك محفوظةٌ في قلب الله وفكره. ومع ذلك، فإن كثيرين لا يشفون ببساطةٍ لأنهم لا يرفعون صلاة إيمانٍ. وأفضل نهجٍ في الصلاة من أجل المرضى هو أن نصلي بثقةٍ وتواضعٍ بأنهم سيشفون، ما لم يوضح الله بوضوحٍ وبقوةٍ أن هذه ليست مشيئته. فبعد أن نصلي، نضعُ ببساطةٍ الأمر كلّه بين يدي الربّ.
- غالبًا ما لا نصلي صلاة الإيمان خشيةً على سمعة الله إذا لم يحدث أيُّ شفاءٍ. وينبغي أن نتذكر أن الله كبيرٌ بما يكفي للتعامل مع سمعته الخاصة.
- اِعْتَرِفُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ بِالزَّلاَتِ، وَصَلُّوا بَعْضُكُمْ لأَجْلِ بَعْضٍ، لِكَيْ تُشْفَوْا: يذكّرُنا يعقوب بأن الاعتراف المتبادل والصلاة يجلبان الشفاء جسميًّا وروحيًّا في الوقت نفسه. ويمكنُ أن يحررنا الاعتراف من الأحمال الثقيلة (جسميًا وروحيًا) للخطية التي لم تحلّ، ويزيل العوائق أمام عمل الروح القدس.
- بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ: الاعتراف لشخصٍ آخر في جسد المسيح أمرٌ جوهريٌّ لأن الخطية تملكنا لنفسها وتعزلنا عن الآخرين. فالاعتراف يكسر قوة الخطية السرية. ومع ذلك، لا يلزم تقديم الاعتراف إلى ’كاهنٍ‘ أو أيّ وسيطٍ. فنحن ببساطةٍ نعترف بعضنا لبعضٍ حسب ما هو ملائمٌ. والاعترافُ جيدٌ، لكن يتوجب القيام به بسريةٍ وتكتّمٍ. فالاعتراف غير الحكيم بالخطية يمكن أن يكون سببًا في مزيدٍ من الخطايا.
- يلاحظ كلارك (Clarke) أنه إذا كان هذا النصُّ يشير إلى ممارسة الكنيسة الكاثوليكية للاعتراف، عندئذٍ يجب على الكاهن بدوره أن يعترف بخطاياه للشعب. ويضيفُ قائلًا: “لا توجد أيةُ حادثةٍ في الاعتراف حيث يقوم التائب والكاهن بالصلاة معًا ويطلبان الغفران. ولكن الشعب هنا مأمورون بأن يصلّوا بعضُهم لبعضٍ لكي يشفوا.”
- لاحظ من السياق أنه ينبغي الاعتراف بالخطية على نحوٍ خاصٍّ عندما يكونُ الشفاءُ الجسدي ضروريًا. وربما يكونُ ممكنًا – رغم أن هذه الحالة ليست كذلك دائمًا – أن مرض الشخص جاءت نتيجةً مباشرةً لخطيةٍ ما لم يتمّ التعاملُ معها، كما يشير بولس في كورنثوس الأولى ٣٠:١١.
- يعلقُ هيبرت (Hiebert) على كلمة ’اِعْتَرِفُوا‘ كالتالي: “يعني جذرُ الكلمة حرفيًّا أن تقول نفس الشيء، ومن هنا يعني أن الاعتراف بالخطية أن نتفق على تحديدها باسمها الحقيقيّ ونقرُّ بأنها خطية.”
- “الآن، في بداية الكنيسة، كان يتمُّ هذا علنًا كقاعدةٍ أمام الجماعة. وينصُّ أول دليلٍ لممارسات الكنيسة على ما يلي: “يتوجب أن تعترف بخطاياك في الكنيسة ولا تلجأ إلى الصلاة بضميرٍ شريرٍ.” موفات (Moffatt)
- التبكيت العظيم على الخطايا والاعتراف اللاحق بها أمرٌ شائعٌ أثناء أزمنة الصحوة الروحية. فلا يوجد ما هو غيرُ عاديٍّ حول الاعتراف أثناء الانتعاش. وقد قام فيني (Finney) – وهو رسولٌ عظيمٌ للانتعاش – بالحثّ على ذلك وقام بوصفه. ففي حركات الانتعاش في شمال الصين بقيادة جوناثان جوفورت، كان الاعتراف دائمًا توطئةً للبركة. وقد وصف كاتب الانتعاشات الكورية الكبيرة المرتبطة بجوناثان جوفورت: “ربما تكونُ لدينا نظرياتُنا حول الرغبة أو عدم الرغبة في الاعتراف العامّ بالخطايا. وقد كانت لي نظريةٌ أيضًا، لكني أعرف أنه عندما ينسكبُ الروح القدس على النفوس المذنبة، سيكون هنالك اعترافٌ، ولا توجدُ قوةٌ على الأرض تستطيعُ أن توقف ذلك.” – من كتاب ’الدعوة إلى التذكر‘ من تأليف ويليام نيوتن بلير (William Newton Blair)
- ينطوي الاعتراف العلنيُّ بالخطية إمكاناتٍ جيدةً أو سيئةً. وهنالك بعضُ المبادئ التوجيهية التي يمكن أن تساعد في هذا الأمر.
- يجبُ توجيه الاعتراف إلى الشخص الذي أسيء إليه. “يُظهر معظم المؤمنين بالمسيح تفضيلًا للقيام بالاعتراف سرًّا أمام الله، حتى في ما يتعلقُ بأمورٍ تخصُّ آخرين. إذ يبدو لهم أن الاعتراف لله أسهلُ مخرجٍ. فإذا كان المسيئون واعين حقًّا بحضور الله، فإنه حتى الاعترافُ السريُّ بالخطية السرية سيثمرُ عن نتيجةٍ جيدةٍ. ومن المؤسف أن معظم المسيئين لا يتواصلون إلا مع أنفسهم بدلًا من التواصل مع الله الذي يرفضُ صلواتهم تحت ظروفٍ معينةٍ. ومن الواضح في كلام الربّ أن الخطية التي تتضمنُ شخصًا آخر يجبُ الاعتراف بها إلى ذلك الشخص.” أور (Orr)
- ينبغي أن يكون الاعترافُ علنيًّا. فقد وضّحت الآية في يعقوب ١٦:٥ هذا المبدأ. ويقول الباحث العظيمُ في اللغة اليونانية روبرتسون (T. Robertson) عن يعقوب ١٦:٥ إن الصيغة الشاذة لفعل ’يعترف‘ توحي بالاعتراف الجماعيّ أكثر منه إلى الاعتراف السريّ. إنه اعترافٌ لآخرين لا بين الشخص ونفسه.
- يتوجبُ أن يتم الاعترافُ العلنيُّ بسرية تامة. فغالبًا ما لا تكون هنالك حاجةٌ إلى أشخاصٍ أكثر مما هو ضروريٌ للانخراط في الصلاة. ويمكنُ أن يكون كافيًا أن يقول الشخصُ: “صلّوا من أجلي. أنا أحتاجُ إلى الانتصار على خطيتي المحيطة.” وسيكونُ من الخطأ الدخول في مزيدٍ من التفاصيل، يكفي أن تشارك بحاجتك للصلاة. فهذا يحفظُنا من أن نكون مؤمنين متظاهرين نتصرفُ وكأن كلّ شيءٍ يسيرُ على ما يرامُ عندما لا يكونُ الأمرُ كذلك في الواقع. “يجب الاعتراف بكلّ التعديات الجنسية تقريبًا – سواءٌ أكانت سريةً أم خاصةً – أيضًا. ويمكنُ مشاركةُ مثل هذا العبءٍ الكبيرٍ الذي يفوقُ احتمال الشخص مع راعٍ أو طبيبٍ أو صديقٍ من نفس الجنس. حتى إن الكتاب المقدس لا يشجعُنا حتى على تسمية الانحلال الأخلاقيّ بين المؤمنين، ويعلنُ أنه أمرٌ مخزٍ التحدثُ عن أشياء قام بها الشخصُ المنحلُّ أخلاقيًّا.” أور (Orr)
- ميز بين الخطايا السرية وبين تلك التي تؤثرُ بشكلٍ مباشرٍ في الآخرين. يقدمُ الباحثُ جي إدوين أور ( Edwin Orr) مبدأً جيدًا: “إن أخطأت سرًا، فاعترف سرًا، معترفًا علنًا بأنك تحتاجُ إلى الانتصار مع الاحتفاظ بالتفاصيل لنفسك. وإذا أخطأت علنًا، فاعترف علنًا لكي تزيل العثرات أمام الذين أعثرتهم. إذا أخطأت روحيًّا (عدم الصلاة، عدم المحبة، عدم الايمان والانتقاد… الخ)، فاعترف للكنيسة التي أعثرتها.”
- غالبًا ما يقدّمُ الاعتراف إلى أشخاصٍ، لكن أمام الله. ونلاحظ في الوقت نفسه أن يعقوب يطلب منا أن نعترف بخطايانا بعضُنا لبعضٍ. فمن الأمور المثيرة للاهتمام في ما يتعلق بالاعتراف بالخطية كما لاحظتُها في كتابات جي إدوين أور ( Edwin Orr) هو أن الاعترافات موجهةٌ دائمًا تقريبًا إلى أشخاصٍ، لا إلى الله. ولا يعني هذا أنك تعترف بخطيتك لله بينما يكتفي الآخرون بالاستماع. فأنت تعترف بخطيتك أمام الآخرين وتطلبُ منهم أن يصلّوا من أجلك حتى تصحح علاقتك بالله.
- وينبغي أن يكون الاعتراف محددًا على نحوٍ مناسبٍ. فعندما يكون الاعترافُ بالخطية ملائمًا – أكثر من التصريح العلنيّ بالاحتياج الروحيّ، لكن الاعتراف بخطيةٍ علنيةٍ أو خطيةٍ ضد الكنيسة – يجبُ أن يكون محددًا. “إذا قلت: ’إذا ارتكبتُ أخطاء فإني آسف،‘ فليس هذا اعترافًا بالخطية على الإطلاق. لقد أخطأت بشكلٍ محددٍ، ولهذا اعترف على نحوٍ محددٍ. لن يكلف شيئًا أن يقوم عضوٌ في الكنيسة أن يعترف في اجتماع صلاةٍ: ’أنا لستُ كما ينبغي أن أكون.‘ لا يكلفُه أكثرُ من القول: ’ينبغي أن أكون مؤمنًا أفضل بالمسيح.‘ ويكلّفُ شيئًا أن تقول: ’كنتُ مثيرًا للمتاعب في هذه الكنيسة.‘ ويكلفُ شيئًا أن تقول: ’كانت في قلبي مرارةٌ تجاه بعض القادة الذين سأعتذرُ لهم بشكلٍ مؤكدٍ.‘” (أور من كتاب “الاستسلام الكامل)
- يجب أن يكون الاعتراف وافيًا. “بعضُ الاعترافات غيرُ وافيةٍ. فهي عامةٌ بشكلٍ زائدٍ. فهي لا تقدّم للأشخاص المعنيين. وهي تغفلُ تمامًا مسألة التعويض الضروريّ. أو أنهم لا يوضحون المسار المختلف للسلوك لترك تلك الخطية. إنها جهودٌ للغوث النفسيّ.” أور (Orr)
- يتوجب أن يتسم الاعتراف بالصدق والنزاهة. فإذا اعترفنا من دون نيةٍ حقيقيةٍ في محاربة الخطية، فليس اعترافُنا وافيًا، ونحن بهذا نسخرُ بالله. تروى قصةٌ عن شخصٍ إيرلنديٍّ اعترف للكاهن بأنه سرق كيسين من البطاطا. كان الكاهنُ قد سمع هذه النميمة في البلدة، فقال للرجل: “يا مايك، سمعتُ أن ما سُرق في السوق كان كيسًا واحدًا فقط من البطاطا.” فردّ عليه الرجلُ الإيرلنديُّ: “هذا صحيحٌ يا حضرة الأب، لكن الأمر كان سهلًا جدًّا حتى إني أخططُ لأخذ كيسٍ آخر ليلة غدٍ.” ينبغي أن تتجنب الاعتراف الزائد – الاعتراف الخالي من الانكسار الحقيقيّ أو الندم. فإن لم يكن الاعترافُ حقيقيًّا بعمقٍ، فإنه لا فائدة منه.
- لا يحتاج المرء إلى الخوف من أن الاعتراف بالخطية سيخرج عن السيطرة بشكلٍ لا مفرّ منه. يحكي أور (Orr) عن امرأةٍ غمرها أسى عميقٌ على خطاياها حتى إنها فقدت اتزانها. فأدرك الخطر وقال لها: “اهدئي أيتها الأختُ. وجّهي عينيك نحو يسوع.” ففعلت ذلك، فتجنبت بذلك خطر الانفعالات الشديدة.
- لدى الأشخاص الذين يستمعون إلى الاعتراف مسؤوليةٌ عظيمةٌ أيضًا. إذ ينبغي أن يُبدوا استجابةً ملائمةً: المحبة والصلاة الشفاعية، وليس الحكمة البشرية أو القيل والقال و”مشاركة” الحاجة مع الآخرين.
- يقول موفات (Moffatt) إن كتاب الصلاة الانجليزيّ ينصُّ على أن يقدم الخادمُ، قبل خدمة شركة المائدة، هذه الدعوة: “ليأت أيُّ شخصٍ إليّ أو إلى خادمٍ آخر كتومٍ ومتعلمٍ من كلمة الله، ليعبّر عن أساه، حتى يحصل من خلال خدمة كلمة الله المقدسة على فائدة الغفران.” هنالك قيمةٌ عظيمةٌ في أن يعبّر المرءُ عن أساه وحزنه.
- كان الاعترافُ الحقيقيُّ العميق الأصيل بالخطية سمةً من سمات كلّ صحوةٍ أصيلةٍ أو انتعاشٍ أصيلٍ على مدى الـ ٢٥٠ سنةً الماضية. لكن هذا ليس أمرًا جديدًا، كما يبينُه الانتعاشُ في أفسس، والمسجلُ في أعمال الرسل ١٧:١٩-٢٠. إذ تقول: “كان كثيرون من الذي آمنوا يأتون مُقرّين ومخبرين بأفعالهم.” يعني هذا أن المؤمنين بالمسيح كانوا يصححون علاقتهم بالله، فكان الاعترافُ العلنيُّ جزءًا من ذلك.
- طَلِبَةُ الْبَارِّ تَقْتَدِرُ كَثِيرًا فِي فِعْلِهَا: يشير يعقوب في رسالته حول الحاجة إلى الصلاة من أجل المتألمين والمرضى والذين يخطئون، إلى الطبيعة الفعّالة (تَقْتَدِر) للصلاة – عندما تكونُ حارةً ومقدمةً من شخصٍ بارٍّ.
- فكرة الحرارة أو الاتقاد في هذا السياق قويةٌ. “يمكنُ أن تترجم حرفيًّا كما يلي: ’إن تضرُّع الشخص البار المشحون بالقوة.‘” ماير (Meyer)
- “عندما تكتسب هذه الصلاةُ قوةً، ينبغي استدعاءُ الإيمان إلى الممارسة فورًا، لكي تُمنح البركة: إن روح الصلاة برهانٌ أن قوة الله حاضرةٌ للشفاء. وأما الصلوات الطويلة فلا تقدم أيّ دليلٍ معينٍ على الإلهام الإلهيّ.” كلارك (Clarke)
- إن قدرًا كبيرًا من صلاتنا غيرُ فعالٍ لسببٍ بسيطٍ هو أنها ليست حارةً أو متقدةً. فهي تقدّمُ بنظرةٍ فاترةٍ، حيث نطلب من الله عمليًّا بأن يهتمّ بأمرٍ نحن لا نهتمُّ به إلا قليلًا. إذ يتوجبُ أن تكون الصلاةُ الفعالةُ حارةً متقدةً، لا لأننا نريدُ أن نقنع بشكلٍ عاطفيٍّ إلهًا متراخيًا، لكن لأنه لا مفرّ من كسب قلب الله بأن نظهر الحماسة في أمورٍ هو يتحمسُ لها.
- وفضلًا عن ذلك، فإن الصلاة الفعالة تقدمُ من رجلٍ بارٍّ. إنه شخصٌ يدرك أن أُسس برّه موجودةٌ في يسوع، ومسيرته الشخصية بشكلٍ عامٍّ منسجمةٌ مع البرّ الذي يملكُه في يسوع.
- تَقْتَدِرُ كَثِيرًا: “هكذا كان الحال مع جون نوكس (John Knox) الذي كانت ماري ملكةُ اسكتلندا تخشى صلواته أكثر من جيوش فيليب.” ماير (Meyer)
ج) الآيات (١٧-١٨): إيليا كمثالٍ للصلاة المستجابة
١٧كَانَ إِيلِيَّا إِنْسَانًا تَحْتَ الآلاَمِ مِثْلَنَا، وَصَلَّى صَلاَةً أَنْ لاَ تُمْطِرَ، فَلَمْ تُمْطِرْ عَلَى الأَرْضِ ثَلاَثَ سِنِينَ وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ. ١٨ثُمَّ صَلَّى أَيْضًا، فَأَعْطَتِ السَّمَاءُ مَطَرًا، وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ ثَمَرَهَا.
- كَانَ إِيلِيَّا إِنْسَانًا تَحْتَ الآلاَمِ مِثْلَنَا: كان إيليا نموذجًا من الصلاة الحارة التي استجاب لها الله. وقد امتدت فعاليتُه في الصلاة حتى إلى الطقس! غير أن هذا يبينُ أن قلب إيليا كان منسجمًا مع قلب الله. لم يصلّ من أجل أن يتوقف المطر ويبدأ إلا لأنه أحسّ بأن هذا كان في قلب الله في تعامله مع إسرائيل.
- صَلَّى صَلاَةً: تعني حرفيًا: الصلاة الحارة المتقدة. وهذا هو تعريفُ الصلاة.
- “صَلَّى صَلاَةً: هذا تعبيرٌ عبريٌّ يدلُّ على الصلاة المتقدة.” كلارك (Clarke)
- كَانَ إِيلِيَّا إِنْسَانًا تَحْتَ الآلاَمِ مِثْلَنَا: إن كان هذا صحيحًا، يمكنُنا أن نكون أشخاصًا يتمتعون بنفس قوة الصلاة مثله.
د ) الآيات (١٩-٢٠): مساعدةُ أخٍ يخطئ
١٩أَيُّهَا الإِخْوَةُ، إِنْ ضَلَّ أَحَدٌ بَيْنَكُمْ عَنِ الْحَقِّ فَرَدَّهُ أَحَدٌ، ٢٠فَلْيَعْلَمْ أَنَّ مَنْ رَدَّ خَاطِئًا عَنْ ضَلاَلِ طَرِيقِهِ، يُخَلِّصُ نَفْسًا مِنَ الْمَوْتِ، وَيَسْتُرُ كَثْرَةً مِنَ الْخَطَايَا.
- إِنْ ضَلَّ أَحَدٌ بَيْنَكُمْ عَنِ الْحَقِّ: بعد أن خاض يعقوب في موضوعي الخطية والاعتراف، فإنه يذكّرُنا بالحاجة إلى مواجهة الذين ينحرفون أو يضلون عَنِ الْحَقِّ. وهذا تعبيرٌ جيد. فمعظم الناس لا يضلون عمدًا، بل يحدثُ هذا الأمرُ بطريقةٍ ما، ومع ذلك، هذا يضلُّهم عن مسار الحقّ، وهم في خطرٍ محتملٍ.
- “اقرأ الآية وسترى أنه شخصٌ مرتدٌ عن كنيسة الله. لا بدّ أن تعبير ’أحد بينكم‘ يشيرُ إلى شخصٍ معترفٍ بإيمانه بالمسيح.” سبيرجن (Spurgeon)
- فَرَدَّهُ أَحَدٌ: يبينُ هذا أن الله يستخدمُ أدواتٍ بشريةً لردّ الخطاة عن ضلالاتهم، ولكنه لا يحتاجُ إلى مثل هذه الأدوات البشرية دائمًا. إذ لم يتجدد القديس بولس – أو بالأحرى شاول الطرسوسيُّ – من خلال أداةٍ بشريةٍ اللهم باستثناء صلوات الشهيد استفانوس من أجله عند احتضاره. غير أنه لم يبشره أحدُهم، لكن يسوع قرر أن يلقاه بشكلٍ مباشرٍ.
- إن أحد الأسباب التي تدفعُ الله إلى استخدام أدواتٍ بشريةٍ هو أن هذا يجلبُ له مجدًا أكبر مما لو قام بعمله بنفسه. وبهذه الطريقة، فإن الله يشبهُ عاملًا ماهرًا يصنعُ أشياء مذهلةً بأسوأ الأدوات. وحسب النمط نفسه، يستخدم الله أواني أرضيةً لتكون حاوياتٍ لمجده.
- “يقتنعُ معظم الأشخاص بأحاديث تقيةٍ من أخواتٍ، وبأمثلةٍ مقدسةٍ من الأمهات، والراعي، ومعلمة مدرسة الأحد، أو بقراءة نبذةٍ أو بالاطلاع على الكتاب المقدس. ولهذا لا ينبغي أن تصدق أن الله غالبًا ما لا يعملُ من دون أدواتٍ. فلا ينبغي أن نجلس بصمتٍ مكتوفي الأيادي قائلين: ’سيعمل الله عمله.‘ صحيحٌ تمامًا أنه سيفعلُ ذلك، لكنه سيعملُ عمله باستخدام أبنائه كأدوات.” سبيرجن (Spurgeon)
- وعلى هذا المنوال، ألا يمكنُنا أن نقول إننا عندما نرفض أن نجعل أنفسنا متاحين لخدمة الله – كضعفاء وفاشلين كما نحن – فإننا في واقع الأمر نسلبُه بعضًا من مجده؟ إذ يستطيعُ أن يمجد نفسه من خلال أداةٍ ضعيفةٍ مثلك. وينبغي لك أن تسمح له بذلك.
- “ربما لا يبدو أمرًا رائعًا جدًّا أن نستردّ مرتدًا أو نستصلح عاهرةً أو سكيرًا، لكن في نظر الله، هذا ليس مجرد معجزةٍ صغيرةٍ من معجزات النعمة، وبالنسبة للأداة التي استخدمها لإجراء هذه المعجزات، لا يكونُ هذا تعزيةً بسيطةً. ولهذا يا إخوتي، اسعوا وراء الذين كانوا منّا لكنهم تركونا. واسعوا وراء الذين ما زالوا يتسكعون بين الجماعة، لكنهم جلبوا العار على الكنيسة، واستبعدناهم، وقد فعلنا ذلك بحقٍّ لأنه لا يسعُنا أن نسمح بنجاستهم. اسعوا وراءهم بالصلوات والدموع والتوسلات، فلعل الله يمنحُهم التوبة لكي يخلصوا.” سبيرجن (Spurgeon)
- فَلْيَعْلَمْ أَنَّ مَنْ رَدَّ خَاطِئًا عَنْ ضَلاَلِ طَرِيقِهِ، يُخَلِّصُ نَفْسًا مِنَ الْمَوْتِ، وَيَسْتُرُ كَثْرَةً مِنَ الْخَطَايَا: هنالك بركةٌ لذاك الذي يحبُّ أخاه بما يكفي ليواجهه ويردّه عن ضلال طريقه. فهو بهذا يكونُ قد رَدَّ خَاطِئًا عَنْ ضَلاَلِ طَرِيقِهِ وخلّص نَفْسًا مِنَ الْمَوْتِ وستر كَثْرَةً مِنَ الْخَطَايَا.
- يتحدث هذا بقوةٍ عن الاسترداد الممكن للذين أخطأوا. “أنا أعرفُ رجالًا يتمتعون الآن بمكانةٍ جيدةٍ في الخدمة، مع أنهم سقطوا في الخطية قبل عشر سنواتٍ، وما زالوا سبب تعييرٍ لنا حتى هذا اليوم. هل تتكلمُ إليهم؟ يخبرُك بعضُهم فورًا: ’لقد فعلوا كذا وكذا قبل عشر سنواتٍ.‘ أيها الإخوةُ، ينبغي للمؤمنين بالمسيح أن يخجلوا من أنفسهم للتحدث حول هذه الأمور بعد هذه الفترة الطويلة. صحيحٌ أنه ربما نلجأُ إلى مزيدٍ من الحذر في تعاملاتنا، لكن توبيخ أخٍ ساقطٍ على ما فعله منذ فترةٍ طويلةٍ أمرٌ مناقضٌ لروح يوحنا الذي ذهب وراء بطرس بعد ثلاثة أيامٍ من إنكاره لسيده بأقسامٍ ولعناتٍ.” سبيرجن (Spurgeon)
- يختم يعقوب رسالته بهذا، لأن هذا هو تمامًا ما حاول أن يفعله عبر هذه الرسالة التي تنطوي على تحدٍّ – أن يواجه الذين ضلوا عن الإيمان الحيّ، محاولًا أن ينقذ نفوسهم من الموت، طالبًا منهم لا أن يكتفوا بالاستماع إلى الكلمة، بل أن يعملوا بها أيضًا، لأن للإيمان الحيّ برهانه.
- “وهكذا تنتهي العظةُ – فجأةً، حتى بشكلٍ أكثر فجائيةً من رسالة يوحنا الأولى، من دون كلمةٍ ختاميةٍ وداعيةٍ للقراء. أنهى يعقوب رسالته فجأةً لكن بشكلٍ فعالٍ. إذ كتاباتُ الحكمة مصممةٌ لتنتهي بشكلٍ مفاجئٍ.” موفات (Moffatt)