رسالة يوحنا الأولى – الإصحاح ٣
محبة الله وحياة المحبة
أولًا. مصير علاقتنا بالله
أ ) الآية (١): مجد محبة الله.
١اُنْظُرُوا أَيَّةَ مَحَبَّةٍ أَعْطَانَا ٱلْآبُ حَتَّى نُدْعَى أَوْلَادَ ٱللهِ! مِنْ أَجْلِ هَذَا لَا يَعْرِفُنَا ٱلْعَالَمُ، لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُهُ.
- اُنْظُرُوا أَيَّةَ مَحَبَّةٍ أَعْطَانَا ٱلْآبُ حَتَّى نُدْعَى أَوْلَادَ ٱللهِ: بعد أن ذكر يوحنا للتوِّ الولادة من الله، فإنه يتحدث بذهول عن نوع المحبة (أَيَّةَ مَحَبَّةٍ) التي تجعلنا أَوْلَادَ ٱللهِ. وهو يريدنا أن ننظر إليها ونتأملها، أي أن ندرسها بإمعان.
- إنها لفائدة عظيمة أن يلقي المؤمنون نظرة متفحّصة جيدة على المحبة التي أنعم الله عليهم بها (أَعْطَانَا ٱلْآبُ).
- أَيَّةَ مَحَبَّةٍ أَعْطَانَا (أنعم علينا بها): يقول هذا التعبير الكثير. أولًا، يتحدث عن مقدار محبة الله لنا. ويمكن أن تترجم كلمة “أعطانا” هنا إلى “أغدق علينا بسخاء كبير.” ثانيًا، يتحدث الله عن الطريقة التي يُعطي بها الله محبته. إذ يشير تعبير أَعْطَانَا (أنعم علينا بها) إلى عطاء أُحادي الجانب، بدلًا من أن يكون مقدّمًا لقاء شيء اكتسبناه.
- ما الذي يجعلنا نتردد في تصديق محبة الله؟ إن السبب وراء ذلك أحيانًا كبرياؤنا التي تطالب ببرهنة استحقاقها لمحبة الله قبل أن تكون مستعدة لقبولها. ويكون السبب أحيانًا أخرى عدم الإيمان الذي لا يستطيع أن يثق بمحبة الله عندما يرى آلام الحياة وأوجاعها. وأحيانًا يحتاج المرء إلى وقت ليصل إلى فهم أوفى لعظمة محبة الله.
- تعني كلمة “اُنْظُرُوا” أن الله يريدنا أن نرى هذه المحبة، فهو لا يخجل من إظهارها لنا. “يقول الله: ’أيها المساكين الذين تحبونني والمرضى والمجهولون والمغمورون والذين بلا موهبة، لقد أعلنتُها أمام السماء والأرض، وعرّفتُ الملائكة بها، أنكم أبنائي، وأني لا أستحي بكم. أنا أفتخر بأني اتخذتكم أولادي وبناتي.‘” سبيرجن (Spurgeon)
- حَتَّى نُدْعَى أَوْلَادَ ٱللهِ: تظهر عظمة هذه المحبة في أننا نُدْعَى أَوْلَادَ ٱللهِ. فعندما نظر الله من عُلاه إلى البشرية الهالكة، كان من الممكن أن يكتفي بنظرة رأفة متسمة بالإحسان، بشفقة على بليّتنا في هذه الحياة وفي الأبدية، وربما يشرع في وضع خطة خلاص يمكن بموجبها أن يخلص المرء من الجحيم. لكن الله تجاوز هذا إلى حد أنه يدعونا أَوْلَادَ ٱللهِ.
- من الذي يدعونا أولاد (أبناء) الله؟
- إنه الآب: “وَأَكُونَ لَكُمْ أَبًا، وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ لِي بَنِينَ وَبَنَاتٍ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، ٱلْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ.” (كورنثوس الثانية ١٨:٦)
- إنه الابن: “لِأَنَّ ٱلْمُقَدِّسَ وَٱلْمُقَدَّسِينَ جَمِيعَهُمْ مِنْ وَاحِدٍ، فَلِهَذَا ٱلسَّبَبِ لَا يَسْتَحِي أَنْ يَدْعُوَهُمْ إِخْوَةً.” (عبرانيين ١١:٢)
- إنه الروح القدس: “اَلرُّوحُ نَفْسُهُ أَيْضًا يَشْهَدُ لِأَرْوَاحِنَا أَنَّنَا أَوْلَادُ ٱللهِ.” (رومية ١٦:٨)
- هنالك معنى بموجبه تكون هذه البركة غير ضرورية على الإطلاق يعطينا الله إياها في مسار الخلاص في إظهار محبته الحقيقية العميقة لنا. ويمكننا أن نتصور شخصًا يساعد أو ينقذ شخصًا، لكنه لا يصل إلى حدِّ جعلِه ابنًا له أو جزءًا من عائلته – لكن هذا هو ما فعله الله من أجلنا.
- نكسب من هذا شيئًا في يسوع أعظم من كل ما كان آدم يمتلكه. فنحن لا نقرأ ولو مرة واحدةً أن آدم دُعي واحدًا من أَوْلَادَ ٱللهِ بالمعنى الذي قصده يوحنا هنا. إذ لم يتمّ تبنّيه كابن لله مثل المؤمنين بالمسيح. ونحن نخطئ عندما ننظر إلى الفداء بصفته مجرد استرداد لما فُقِد في آدم. فنحن نعطى في المسيح أكثر بكثير من كل ما كان آدم يمتلكه.
- إن كنا أَوْلَادَ ٱللهِ حقًا، فإنه ينبغي أن ينعكس هذا كله على شبهنا بأبينا وعلى محبتنا لإخوتنا وأخواتنا في المسيح.
- إنه أمر مهم أن نفهم ما يعنيه أن نكون أَوْلَادَ ٱللهِ، وأن ندرك أنه ليس الجميع أولادًا لله بالمعنى الذي يقصده يوحنا هنا. فقد عبّر الآب عن محبته بتقديم يسوع من أجل خطايا العالم (يوحنا ١٦:٣). ولكن هذا لا يجعل البشر كلهم أبناء لله بالمعنى الذي يقصده يوحنا هنا. فهو يتحدث هنا عن أولئك الذين قبِلوا يسوع في حياة من الشركة والثقة به. “وَأَمَّا كُلُّ ٱلَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلَادَ ٱللهِ، أَيِ ٱلْمُؤْمِنُونَ بِٱسْمِهِ.” (يوحنا ١٢:١)
- من الذي يدعونا أولاد (أبناء) الله؟
- مِنْ أَجْلِ هَذَا لَا يَعْرِفُنَا ٱلْعَالَمُ: بسبب انتسابنا إلى الله كأب لنا، فإننا غرباء عن هذا العالم (أو ينبغي أن نكون كذلك).
- يبيّن هذا الخطر الشديد الذي يمثله شكل من المسيحية يعمل بجد ليُظهر للعالم شبهه به. ولا ينبغي أن نفاجأ أو نحس بالإهانة عندما نكتشف أن العالم لَا يَعْرِفُنَا.
- لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُهُ: وفي نهاية المطاف، يفترض أن نتوقع من العالم أن يعاملنا كما عامل يسوع من قبل – حيث رفضوه وصلبوه. ومع أنه صحيح أن يسوع أحب الخطاة، وأنه عندما أدركوا تلك المحبة، توافدوا عليه، إلا أنه يتوجب أن نتذكر أنه هو نفس العالم الذي صرخ مطالبًا “اصلبه”!
ب) الآية (٢): مصير أبناء الله.
2أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، الآنَ نَحْنُ أَوْلاَدُ اللهِ، وَلَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ مَاذَا سَنَكُونُ. وَلكِنْ نَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا أُظْهِرَ نَكُونُ مِثْلَهُ، لأَنَّنَا سَنَرَاهُ كَمَا هُوَ.
- الآنَ نَحْنُ أَوْلَادُ ٱللهِ: إنّ وضعنا الحالي واضح. إذ يمكننا أن نعرف ونتأكد من أننا من بين أَوْلَادِ ٱللهِ. وتخبرنا رومية ١٦:٨ “اَلرُّوحُ نَفْسُهُ أَيْضًا يَشْهَدُ لِأَرْوَاحِنَا أَنَّنَا أَوْلَادُ ٱللهِ.” فإن كنت ابنًا لله، فإن لديك توكيدًا داخليًّا حول هذه الحقيقة.
- وَلَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ مَاذَا سَنَكُونُ: رغم أن وضْعنا الحالي واضح، إلا أن مصيرنا المستقبليّ مضَبّب في تفاصيله. فنحن لا نعرف التفاصيل التي نود أن نعرفها حول ما سنكون عليه في العالم الآخر. وبمعنى آخر، لا يمكننا أن نتخيل كيف سنكون في المجد.
- “لا يَظهر للعالم ما نحن عليه الآن، ولا يظهر لنا ما سنكون عليه.” ستوت (Stott)
- “لو سُمِح لي باستخدام هذا التعبير، فإن هذا ليس الوقت المناسب لإعلان مجد المؤمن بالمسيح والإظهار الخالي من الخطية لمجد الله المعطى له. ويُتوقع أن يكون المؤمن مجهولًا هنا. وأما في الحياة الأخرى، سيُعلَن بصفته ابنًا للملك العظيم.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَلَكِنْ نَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا أُظْهِرَ نَكُونُ مِثْلَهُ، لِأَنَّنَا سَنَرَاهُ كَمَا هُوَ: لسنا متروكين بشكل كامل في الجهل حول حالتنا المستقبلة. فعندما يُعلّن يسوع لنا، إما بمجيئه إلينا أو بذهابنا إليه، سنكون مِثْلَهُ.
- يتحدث الكتاب المقدس عن خطة الله العظيمة لحياتنا هكذا: “لِأَنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ٱبْنِهِ، لِيَكُونَ هُوَ بِكْرًا بَيْنَ إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ.” (رومية ٢٩:٨). فهدف الله الأسمى لحياتنا هو أن يجعلنا كيسوع. ويتحدث يوحنا هنا عن تحقيق هذا الهدف.
- لا يعني هذا أن نتوقف عن أن نكون أنفسنا ممتلئين بشخصيتنا المتميزة وطبيعتنا التي أعطانا الله إياها. فلن تكون السماء نرفانا الصوفية الشرقية حيث تنحل كل شخصية في الله كنقطة في المحيط. سنظل أنفسنا، لكن سيكتمل معدننا الأدبي وطبيعتنا في صورة كمال يسوع. ولن نكون “مستنسخين” عن يسوع في السماء.
- يفترض أن يتوق المؤمن إلى أن يكون مثل يسوع، لكن ينبغي أن يتذكر أن الله لن يجبره على أن يكون مثل يسوع إن لم يُرد ذلك. وهذا هو سبب وجود الجحيم: أشخاص لا يريدون أن يكونوا مثل يسوع. والحقيقة الأبدية المُصَحِّية هي أن الله يعطي الإنسان ما يريده حقًّا. فإذا أردت أن تكون مثل يسوع حقًّا، فسينعكس هذا على حياتك الآن، وسيكون هذا حقيقة في الأبدية أيضًا. وإذا لم تُرد أن تكون مثل يسوع حقًّا، فسينعكس هذا على حياتك الآن، وسيكون هذا حقيقة في الأبدية أيضًا.
- نَكُونُ مِثْلَهُ: يذكّرنا هذا أنه رغم أننا ننمو في شبهنا بصورة يسوع الآن، إلا أن لدينا شوطًا طويلًا في هذا المضمار. ولن يصل أحد منا إلى هذا الهدف إلى أن نرى يسوع. وعندئذٍ سنَكُونُ مِثْلَهُ.
- سَنَرَاهُ كَمَا هُوَ: لعل هذا هو أعظم مجد للسماء، لا أن نمجَّد شخصيًّا، بل أن نكون في محضر الرب من دون إعاقة أو تقييد.
- قال بولس عن مسيرته الحالية: “فَإِنَّنَا نَنْظُرُ ٱلْآنَ فِي مِرْآةٍ، فِي لُغْزٍ، لَكِنْ حِينَئِذٍ وَجْهًا لِوَجْهٍ. ٱلْآنَ أَعْرِفُ بَعْضَ ٱلْمَعْرِفَةِ، لَكِنْ حِينَئِذٍ سَأَعْرِفُ كَمَا عُرِفْتُ.” (كورنثوس الأولى ١٢:١٣). واليوم ننظر في مرايا جيدة، والصورة واضحة. ولكن المرايا في العالم القديم كانت تُصنع من معدن مصقول، فكانت الصورة المنعكسة غير واضحة دائمًا، ومشوهة بعض الشيء. ونحن نرى يسوع الآن بطريقة مظللة وغير واضحة، لكننا سنراه ذات يوم بوضوح تامٍّ.
- السماء ثمينة لنا لأسباب كثيرة. فنحن نتوق إلى أن نكون مع أحبائنا الذين انتقلوا قبلنا والذين نفتقدهم كثيرًا. ونتوق أيضًا إلى أن نكون مع رجال ونساء عظماء انتقلوا قبلنا في قرون خلت. ونحن نريد أن نسير على شوارع من ذهب ونرى بوابات اللؤلؤ ونرى الملائكة حول عرش الله وهم يعبدونه ليل نهار. ولكن أيًّا من هذه الأمور، رغم أنها ثمينة جدًّا، لا يجعل السماء سماء حقًّا. فما يجعل السماء سماء حقًّا هو حضور الرب غير المعوَّق وغير المقيَّد، وأن نَرَاهُ كَمَا هُوَ. ستكون هذه أعظم خبرة في وجودنا الأبدي.
- ماذا سنرى حين نرى يسوع؟ يصف سفر رؤيا يوحنا ١٣:١-١٦ رؤيا ليسوع في السماء: “وَفِي وَسْطِ ٱلسَّبْعِ ٱلْمَنَايِرِ شِبْهُ ٱبْنِ إِنْسَانٍ، مُتَسَرْبِلًا بِثَوْبٍ إِلَى ٱلرِّجْلَيْنِ، وَمُتَمَنْطِقًا عِنْدَ ثَدْيَيْهِ بِمِنْطَقَةٍ مِنْ ذَهَبٍ. وَأَمَّا رَأْسُهُ وَشَعْرُهُ فَأَبْيَضَانِ كَٱلصُّوفِ ٱلْأَبْيَضِ كَٱلثَّلْجِ، وَعَيْنَاهُ كَلَهِيبِ نَارٍ. وَرِجْلَاهُ شِبْهُ ٱلنُّحَاسِ ٱلنَّقِيِّ، كَأَنَّهُمَا مَحْمِيَّتَانِ فِي أَتُونٍ. وَصَوْتُهُ كَصَوْتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ. وَمَعَهُ فِي يَدِهِ ٱلْيُمْنَى سَبْعَةُ كَوَاكِبَ، وَسَيْفٌ مَاضٍ ذُو حَدَّيْنِ يَخْرُجُ مِنْ فَمِهِ، وَوَجْهُهُ كَٱلشَّمْسِ وَهِيَ تُضِيءُ فِي قُوَّتِهَا.” ليس هذا هو نفس يسوع الذي مشى على الأرض هذه كإنسان عادي.
- وفي الوقت نفسه، نعرف نحن أنه في السماء سيظل يحمل ندوب صلبه على الأرض. فبعد أن قام يسوع من بين الأموات في جسده الممجد، ظل جسده يحتفظ بآثار المسامير في يديه وجنبه (يوحنا ٢٤:٢٠-٢٩). وفي زكريا ١٠:١٢، يتحدث يسوع نبويًّا عندما يلتفت الشعب اليهودي إليه وينظروه في المجد: “أُفِيضُ عَلَى بَيْتِ دَاوُدَ وَعَلَى سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ رُوحَ ٱلنِّعْمَةِ وَٱلتَّضَرُّعَاتِ، فَيَنْظُرُونَ إِلَيَّ، ٱلَّذِي طَعَنُوهُ، وَيَنُوحُونَ عَلَيْهِ كَنَائِحٍ عَلَى وَحِيدٍ لَهُ، وَيَكُونُونَ فِي مَرَارَةٍ عَلَيْهِ كَمَنْ هُوَ فِي مَرَارَةٍ عَلَى بِكْرِهِ.” وتواصل زكريا ٦:١٣ الفكرة: “يَقُولُ لَهُ: مَا هَذِهِ ٱلْجُرُوحُ فِي يَدَيْكَ؟ فَيَقُولُ: هِيَ ٱلَّتِي جُرِحْتُ بِهَا فِي بَيْتِ أَحِبَّائِي.”
- نَكُونُ مِثْلَهُ، لِأَنَّنَا سَنَرَاهُ كَمَا هُوَ: يربط يوحنا بين رؤيتنا ليسوع كَمَا هُوَ وتحوُّلنا إلى شبه يسوع. ويمكننا القول إن المبدأ نفسه ينطبق الآن. فأنت مثله في حياتك إلى المدى الذي ترى يسوع كَمَا هُوَ.
- يمكننا أن نقول إن هذا يحدث عن طريق الانعكاس. “عندما ينظر رجل في مرآة ساطعة، فإنها تجعله ساطعًا حيث تلقي بنورها على وجهه. وبطريقة أكثر روعة بكثير، عندما ننظر إلى المسيح، والذي هو كله سطعان، فإنه يلقي بنوره علينا.” سبيرجن (Spurgeon)
ج) الآية (٣): معرفتنا بمصيرنا تطهّر حياتنا الآن.
٣وَكُلُّ مَنْ عِنْدَهُ هذَا الرَّجَاءُ بِهِ، يُطَهِّرُ نَفْسَهُ كَمَا هُوَ طَاهِرٌ.
- كُلُّ مَنْ عِنْدَهُ هَذَا ٱلرَّجَاءُ بِهِ، يُطَهِّرُ نَفْسَهُ: من شأن معرفتنا بمصيرنا الأبدي وامتلاكنا هَذَا ٱلرَّجَاءَ أن يطهر حياتنا. فعندما نعرف أن غايتنا ونهايتنا هي أن نكون مثل يسوع، فإن هذا يولّد فينا رغبة في أن نكون أكثر شبهًا بيسوع الآن.
- يمكن لتوقُّعنا لأن نكون مع يسوع ومجيئه الوشيك أن يُحْدث تأثيرًا مطهِّرًا رائعًا في حياتنا. فهو يجعلنا نرغب في أن نكون مستعدين وأن نخدمه ونرضيه الآن.
- هَذَا ٱلرَّجَاءُ بِهِ: وفي نهاية المطاف، فإن رجاءنا ليس في السماء أو في مجدنا الخاص في السماء. فرجاؤنا هو في يسوع نفسه(بِهِ). فلا يتوجب أن نلقي رجاءنا على أشياء أخرى، لا على علاقة أو نجاح أو صحة أو ممتلكات أو على الذات. فرجاؤنا الحقيقي الوحيد هو في يسوع (بِهِ).
ثانيًا. الخطية: هجوم على العلاقة
أ ) الآيات (٤-٥): طبيعة الخطية وعمل المسيح في إزالتها.
٤كُلُّ مَنْ يَفْعَلُ الْخَطِيَّةَ يَفْعَلُ التَّعَدِّيَ أَيْضًا. وَالْخَطِيَّةُ هِيَ التَّعَدِّي. ٥وَتَعْلَمُونَ أَنَّ ذَاكَ أُظْهِرَ لِكَيْ يَرْفَعَ خَطَايَانَا، وَلَيْسَ فِيهِ خَطِيَّةٌ.
- ٱلْخَطِيَّةُ هِيَ ٱلتَّعَدِّي: يعرِّف يوحنا الخطية في جذرها الأكثر أساسيةً. إنها عدم اعتبار لناموس الله، وهي بشكل متأصِّل عدم اعتبار لواضع الناموس نفسه، أي الله.
- غالبًا ما نفشل في معركتنا ضد الخطية لأننا لا نسمّيها كما هي في حقيقتها: التعدي، وهي إهانة ضد الله، صانع الناموس العظيم. وبدلًا من ذلك، نقول أشياء مثل: “إن كنت قد فعلت أي خطأ…” أو “ارتُكِبتْ أخطاء…” وما إلى ذلك. سمِّها كما هي: خطيةً وتعدّيًا. “الخطوة الأولى لحياة مقدسة هي أن تدرك الطبيعة الحقيقية للشر والخطية.” ستوت (Stott)
- وَتَعْلَمُونَ أَنَّ ذَاكَ أُظْهِرَ لِكَيْ يَرْفَعَ خَطَايَانَا: يحدد يوحنا إرسالية يسوع المسيح في جذرها الأكثر أساسيةً – لِكَيْ يَرْفَعَ خَطَايَانَا. وقد وعد الملاك جبرائيل يوسف في ما يتعلق بخدمة يسوع: “فَسَتَلِدُ ٱبْنًا وَتَدْعُو ٱسْمَهُ يَسُوعَ. لِأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ.” (متى ٢١:١)
- يرفع يسوع خطيتنا بمعنى أنه يأخذ جزاء خطيتنا. ويتحقق هذا فورًا عندما يؤمن المرء بيسوع.
- يرفع يسوع خطيتنا بمعنى نزع قوة الخطية. وهذا عمل مستمر في حياة الذين يسلكون في إثر يسوع.
- يرفع يسوع خطيتنا بمعنى إلغائه لوجود الخطية. وهذا عمل سيكتمل عندما ننتقل إلى الأبدية ونتمجد مع يسوع.
- أُظْهِرَ لِكَيْ يَرْفَعَ خَطَايَانَا: هذا هو عمل المسيح في حياتنا. وهو عمل يتوجب أن نتجاوب معه، لكنه عمله في حياتنا.
- لا نستطيع أن نرفع جزاء خطيتنا. إذ من المستحيل أن نطهر أنفسنا بهذه الطريقة. بل يتوجب علينا أن نقبل عمل يسوع في رفع خطيتنا.
- لا نستطيع أن نرفع قوة الخطية في حياتنا. فهذا هو عمله فينا. وهو عمل يتوجب أن نتجاوب معه. أيّ شخص يأتي إلى يسوع غير مضطر إلى تنظيف نفسه أولًا، لكن يتوجب عليه أن يكون مستعدًّا لأن يقوم يسوع برفع خطيته.
- لا نستطيع أن نرفع حضور الخطية من حياتنا. فهذا هو عمله فينا، وسيكتمل في نهاية الأمر عندما نتمجد معه.
- وَلَيْسَ فِيهِ خَطِيَّةٌ: لم تكن في يسوع خطية تحتاج إلى رفع. ولهذا كان بمقدوره أن يرفع خطايانا، واضعًا إياها على نفسه.
ب) الآية (٦): الثبات في الخطية أم الثبات في الله؟
٦كُلُّ مَنْ يَثْبُتُ فِيهِ لاَ يُخْطِئُ. كُلُّ مَنْ يُخْطِئُ لَمْ يُبْصِرْهُ وَلاَ عَرَفَهُ.
- كُلُّ مَنْ يَثْبُتُ فِيهِ لَا يُخْطِئُ: بما أن الخطية هي التعدي وعدم اعتبار لله (يوحنا الأولى ٤:٣)، وبما أن يسوع جاء لكي يرفع خطايانا (يوحنا الأولى ٥:٣)، وبما أنه ليس في يسوع خطية (يوحنا الأولى ٥:٣)، فإن الثبات (الحياة) فيه يعني أن لَا يُخْطِئُ.
- إنه أمر مهم أن نفهم ما يعنيه الكتاب المقدس – وما لا يعنيه – عندما يقول إن المؤمن لَا يُخْطِئُ. فحسَب الفعل الذي يستخدمه يوحنا، فإن عبارة لَا يُخْطِئُ تعني أن لا يحيا أسلوب حياة من الخطية المعتادة. فقد سبق أن أخبرنا يوحنا في يوحنا الأولى ٨:١ “إِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ لَيْسَ لَنَا خَطِيَّةٌ نُضِلُّ أَنْفُسَنَا وَلَيْسَ ٱلْحَقُّ فِينَا.” وتشير اللغة في الآية هذه إلى أن يوحنا يتكلم عن تصرفات خطية بين الفينة والأخرى، بينما تشير اللغة في يوحنا الأولى ٦:٣ إلى أن يوحنا يتحدث عن أسلوب مستقر مستمر من أسلوب حياة متسم بالخطية. ولا يعلّم يوحنا هنا إمكان أن يكون المؤمن كمالًا خاليًا من الخطية.
- “يدل الفعل المضارع اليوناني المستخدم على عمل اعتيادي ومستمر وتسلسل غير منقطع.” ستوت (Stott). وتقدم بعض الترجمات الفكرة الصحيحة عندما تقول إنه “لا يواصل حياة الخطية” أو “يستمر في الخطية” أو “لا يستطيع الاستمرار في الخطية”.
- كُلُّ مَنْ يَثْبُتُ فِيهِ لَا يُخْطِئُ: يمثل تعليم بولس في رومية ٦ مثلًا عظيمًا لهذا المبدأ. فهو يبيّن لنا أنه عندما يأتي شخص إلى المسيح، وعندما تُغفر خطاياه، وتقدَّم نعمة الله له، فإنه يتغير بشكل جذري – فالإنسان العتيق يموت والإنسان الجديد يحيا. فإنه أمر غير موافق تمامًا لأية خليقة جديدة في المسيح أن يرتاح في خطية معتادة. فلا يمكن أن يكون مثل هذا الحال مؤقتًا للمؤمن بالمسيح.
- ومن نواحٍ معينة، فإن السؤال ليس: “هل تخطئ أم لا تخطئ؟” فكلنا نخطئ. فالسؤال هو: “ماذا يكون رد فعلك عندما تخطئ؟ هل تستسلم لنمط الخطية وتدعها تهيمن على أسلوب حياتك؟ أم أنك تتواضع وتعترف بخطيتك، وتحاربها بالقوة التي يمدك بها يسوع؟”
- ولهذا فإن من المحزن أن نرى المؤمنين يقدّمون أعذارًا لخطاياهم بدلًا من أن يتواضعوا ويعترفوا بها. وما لم يتم التعامل مع الخطية بشكل مباشر وصريح، فستُسهم في ترسيخ نمط من الخطية ربما سرعان ما يصبح أسلوب حياتهم – ربما أسلوب حياة سريًّا، لكنه يظل أسلوب حياة.
- إن ما يهم هنا أن لا نوقّع “معاهدة سلام” مع الخطية. فنحن لا نغازلها أو نبررها قائلين: “لكل واحد نواحيه الآثمة، وهذه ناحيتي. ويسوع يتفهّم هذا الأمر.” فهذا كله ضد ما نراه في يسوع والعمل الذي يقوم به في حياتنا بشكل كامل.
- كُلُّ مَنْ يُخْطِئُ لَمْ يُبْصِرْهُ وَلَا عَرَفَهُ: عندما تحيا أسلوب حياة من الخطية المعتادة، فإن هذا إثبات أنك لم تبصره (بصيغة المضارع المذكورة في يوحنا الأولى ٢:٣)، ولم تعرفه. فهنالك أشخاص رائعون وعظماء جدًّا بحيث إن رؤيتهم ومعرفتهم يغيّر حياتك إلى الأبد. ويسوع من نوع هؤلاء الأشخاص.
ج) الآية (٧): يَظهر البر في حياة الشخص.
٧أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، لاَ يُضِلَّكُمْ أَحَدٌ: مَنْ يَفْعَلُ الْبِرَّ فَهُوَ بَارٌّ، كَمَا أَنَّ ذَاكَ بَارٌّ.
- لَا يُضِلَّكُمْ أَحَدٌ: يخبرنا هذا أن يوحنا كتب رسالته ضد خداع كان يتهدد المؤمنين بالمسيح في عصره.
- مَنْ يَفْعَلُ ٱلْبِرَّ فَهُوَ بَارٌّ: لا يسمح لنا يوحنا بأن نفرّق بين البر الديني وحياة البر. فإن كنا قد جُعلنا أبرارًا بإيماننا بيسوع (رومية ٢٢:٣)، فسيظهر هذا في حياتنا البارة.
- إن أهم شيء يمكن لشخص أن يفعله في حياته هو أن يتأكد من أنه بار أمام الله. ويعني هذا ببساطة أنه في وضع سليم أو علاقة صحيحة مع الله. وهو أكثر من مجرد القول: “هو غير مذنب” بل القول: “هو غير مذنب وفي وضع سليم.” وهو يتحدث عن وجود الخير لا عن غياب الشر فحسب.
- لا يقول يوحنا إننا نصبح أبرارًا أمام الله بأعمالنا البارة – فالكتاب المقدس يوضح أننا نصبح أبرارًا بالإيمان بيسوع المسيح. ولكن هذا البر في يسوع سيكون واضحًا في حياتنا.
- من الواضح أنه كان أشخاص يعلّمون أنه يمكنك أن تكون بارًّا أمام الله من دون أي دليل على البر في حياتك. ويشجب يوحنا هذه الفكرة. وقد أحسن تشارلز سبيرجن القول عندما قال: “النعمة التي لا تغير حياتي لن تخلص نفسي.”
- كَمَا أَنَّ ذَاكَ بَارٌّ: يمكننا أن نحيا حياة متسمة بالبر لا بالخطية، لأننا أُعطينا بر المسيح: كَمَا أَنَّ ذَاكَ بَارٌّ. ولدينا المورد اللازم لنحيا بشكل بار.
د ) الآيات (٨-٩): جذر الخطية وجذر البر.
٨مَنْ يَفْعَلُ الْخَطِيَّةَ فَهُوَ مِنْ إِبْلِيسَ، لأَنَّ إِبْلِيسَ مِنَ الْبَدْءِ يُخْطِئُ. لأَجْلِ هذَا أُظْهِرَ ابْنُ اللهِ لِكَيْ يَنْقُضَ أَعْمَالَ إِبْلِيسَ. ٩كُلُّ مَنْ هُوَ مَوْلُودٌ مِنَ اللهِ لاَ يَفْعَلُ خَطِيَّةً، لأَنَّ زَرْعَهُ يَثْبُتُ فِيهِ، وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُخْطِئَ لأَنَّهُ مَوْلُودٌ مِنَ اللهِ.
- مَنْ يَفْعَلُ ٱلْخَطِيَّةَ فَهُوَ مِنْ إِبْلِيسَ: إن الأشخاص المستقرين المرتاحين في خطية معتادة ليسوا أبناء لله – إنهم أبناء إِبْلِيس. وقد جاء يسوع لينقض أعمال إبليس ويحررنا من عبودية عدو النفوس هذا.
- “لا تنخدع يا سيدي. ’مَنْ يَفْعَلُ ٱلْخَطِيَّةَ فَهُوَ مِنْ إِبْلِيسَ.‘ فلا فائدة من اختلاق أعذار وتقديم اعتذارات. فإن كنت محبًّا للخطية، فستذهب إلى حيث يذهب الخطاة. وإن عشت حسب هذا الأسلوب، وقلتَ إنك آمنت بدم يسوع الثمين، فإني لا أصدقك، يا سيدي. لأنه إن كان لديك إيمان حقيقي بدم يسوع الثمين، فستكره الخطية. وإذا جرؤتَ على القول إنك تثق بالكفارة بينما تحيا في الخطية، فإنك كاذب، يا سيدي. فأنت لا تثق بالكفارة، لأنه حيث يوجد إيمان حقيقي بالذبيحة الكفارية، فإنها تطهر الإنسان، وتجعله يكره الخطية التي سفك الفادي دمه من أجلها.” سبيرجن (Spurgeon)
- لِأَجْلِ هَذَا أُظْهِرَ ٱبْنُ ٱللهِ لِكَيْ يَنْقُضَ أَعْمَالَ إِبْلِيسَ: أعطانا يوحنا في رسالة يوحنا الأولى 5:3 سببًا لمجيء يسوع (أُظْهِرَ لِكَيْ يَرْفَعَ خَطَايَانَا). والآن يعطينا سببًا آخر: لِكَيْ يَنْقُضَ أَعْمَالَ إِبْلِيسَ.
- يمكننا أن نتخيل كيف أن الله حزِن على الدمار الذي ألحقه إبليس بالأرض، وكيف حزن لأن الإنسان سمح لإبليس بفعل ذلك كله. وجاء يسوع ليوقف هذا كله بالتغلب على إبليس بحياته البارة وآلامه وموته وقيامته.
- لاحظ قصد يسوع: لِكَيْ يَنْقُضَ أَعْمَالَ إِبْلِيسَ. لم يأتِ لكي يحيّدها أو للتخفيف منها أو للحدّ منها. أراد يسوع أن يَنْقُضَ أَعْمَالَ إِبْلِيسَ، أي أن يقضي عليها.
- يخاف كثيرون إبليس بلا داعٍ، متحسّبين لما يمكن أن يفعله بهم. ليت أنهم يعلمون أنه يخاف منّا بينما نسلك في يسوع! وعندما نسلك في يسوع، فإننا نساعد في نقْض أعمال إبليس.
- كُلُّ مَنْ هُوَ مَوْلُودٌ مِنَ ٱللهِ لَا يَفْعَلُ خَطِيَّةً، لِأَنَّ زَرْعَهُ يَثْبُتُ فِيهِ: يأتي التغيير من كوننا من إِبْلِيس إلى كوننا أَوْلاَدَ الله عندما نولد مِنَ ٱللهِ. وعندما يحدث هذا، تموت طبيعتنا القديمة التي كانت على غرار تمرد آدم الغريزي، ونعطى طبيعة جديدة على غرار طاعة يسوع المسيح الغريزية.
- يؤكد يوحنا ببساطة ما يعنيه الولادة من جديد. إنها تعني دخول تغيير إلى حياتنا. وهو تغيير يعمل في كل ناحية من حياتنا ونحن ننمو في المسيح، لكنه تغيير حقيقي ملحوظ.
- إنها نفس الرسالة التي كرز بها بولس، حيث قال إنه علينا كمؤمنين أن نخلع مِنْ جِهَةِ ٱلتَّصَرُّفِ ٱلسَّابِقِ ٱلْإِنْسَانَ ٱلْعَتِيقَ ٱلْفَاسِدَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ ٱلْغُرُورِ… وَأن نلبس ٱلْإِنْسَانَ ٱلْجَدِيدَ ٱلْمَخْلُوقَ بِحَسَبِ ٱللهِ فِي ٱلْبِرِّ وَقَدَاسَةِ ٱلْحَقِّ. (أفسس ٢٢:٤، ٢٤).
- لَا يَفْعَلُ خَطِيَّةً… وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُخْطِئَ: يأتي الفعل “يخطئ” و”أن يخطئ” في نفس صيغة الفعل كما في “لا يخطئ” في يوحنا الأولى 6:3، بمعنى ممارسة مستمرة لخطية معتادة. ويخبرنا يوحنا أنه عندما نولد ثانية – نولد في عائلة الله – يحدث تغيير حقيقي في علاقتنا بالخطية.
ثالثًا. البُغض: هجوم على العلاقة
أ ) الآية (١٠): عنصران جوهريان: سلوك بار ومحبة للإخوة.
١٠بِهذَا أَوْلاَدُ اللهِ ظَاهِرُونَ وَأَوْلاَدُ إِبْلِيسَ: كُلُّ مَنْ لاَ يَفْعَلُ الْبِرَّ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ، وَكَذَا مَنْ لاَ يُحِبُّ أَخَاهُ.
- أَوْلاَدُ اللهِ… وَأَوْلاَدُ إِبْلِيسَ: سبق أن قدّم يوحنا فكرة كوننا أبناء لله (يوحنا الأولى ١:٣، حَتَّى نُدْعَى أَوْلَادَ ٱللهِ، و يوحنا الأولى ٩:٣، مَوْلُودٌ مِنَ ٱللهِ). وسبق أن تحدّث عن أشخاص من إبليس (يوحنا الأولى ٨:٣). لكنه هنا يوضح الأمر. فهناك من هم أَوْلَادُ ٱللهِ ومن هم أَوْلَادُ إِبْلِيسَ.
- لا يمضي يوحنا وقتًا في محاولة برهنة إبليس أو شرح وجوده. فهو يعرف أن وجود إبليس حقيقة كتابية. واليوم يفتقر بعضهم إلى حكمة يوحنا، حيث إنهم إما ينكرون وجوده وإما أنهم ممتلكون منه.
- قد يعتقد بعضهم أن يوحنا قاسٍ جدًّا بقوله إن بعض الأشخاص أَوْلَادُ إِبْلِيسَ، مفترضين أن يوحنا لم يكن يحب الناس كما كان يسوع يحبهم. ولكن يسوع دعا أشخاصًا أَوْلَادُ إِبْلِيسَ أيضًا في يوحنا ٤١:٨-٤٥. وفي ذلك النص، كانت النقطة التي طرحها يسوع مهمة، حيث رسّخ مبدأ أن نسبَنا الروحي يقرر طبيعتنا ومصيرنا. فإن كنا قد وُلدنا ثانية، وإن كان الله أبانا، فسينعكس هذا على طبيعتنا ومصيرنا. ولكن إن كان إبليس أو آدم أبانا، فسينعكس هذا على طبيعتنا ومصيرنا – كما انعكس هذا في خصوم يسوع.
- ظَاهِرُونَ: يعطي يوحنا طريقة بسيطة – رغم أنها غير سهلة – لتحديد من هم أَوْلاَدُ اللهِ ومن هم أَوْلاَدُ إِبْلِيسَ. كُلُّ مَنْ لَا يَفْعَلُ ٱلْبِرَّ فَلَيْسَ مِنَ ٱللهِ، وَكَذَا مَنْ لَا يُحِبُّ أَخَاهُ.
- كلاهما جوهري. فالبر بلا محبة يجعل المرء فريسيًا متدينًا، والمحبة بلا بر تجعل المرء شريكًا في الشر.
- كيف يتوازن البر والمحبة؟ إنهما لا يتوازنان. فلا ينبغي لنا أبدًا أن نحب على حساب البر ولا أن نكون أبرارًا على حساب المحبة. فنحن لا نبحث عن توازن بينهما، لأنهما ليسا متناقضين. فالمحبة الحقيقية هي أعظم بر، والبر الحقيقي هو أعظم محبة.
- ظهر كلٌّ من المحبة والبر بشكل كامل في طبيعة يسوع. فقد كان بارًّا ومُحِبًّا بشكل تام في الوقت نفسه.
ب) الآية (١١): الحاجة إلى أن يحب بعضنا بعضًا.
١١لأَنَّ هذَا هُوَ الْخَبَرُ الَّذِي سَمِعْتُمُوهُ مِنَ الْبَدْءِ: أَنْ يُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا.
- لِأَنَّ هَذَا هُوَ ٱلْخَبَرُ (الرسالة) ٱلَّذِي سَمِعْتُمُوهُ مِنَ ٱلْبَدْءِ: سبق أن أكد يوحنا وصية المحبة بصفتها ٱلْوَصِيَّةُ ٱلْقَدِيمَةُ هِيَ “ٱلْكَلِمَةُ ٱلَّتِي سَمِعْتُمُوهَا مِنَ ٱلْبَدْءِ” يوحنا الأولى ٧:٢. وفي تذكُّره هذا الخبر أو الرسالة (أَنْ يُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا)، تذكّرَ وصية يسوع في ٣٤:١٣.
- أَنْ يُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا: لم تتغير الرسالة المسيحية الأساسية. وربما اعتقد بعضهم أنه لأن المؤمنين بالمسيح يتحدثون عن علاقة شخصية بالمسيح، فإن ما يهم هو نحن ويسوع فقط. ولكن ما يهم الله حقًّا هو كيف نعامل الآخرين – كيف يُحِبُّ بَعْضُنَا بَعْضًا.
ج ) الآية (١٢): مثل للبغض: قايين.
١٢لَيْسَ كَمَا كَانَ قَايِينُ مِنَ الشِّرِّيرِ وَذَبَحَ أَخَاهُ. وَلِمَاذَا ذَبَحَهُ؟ لأَنَّ أَعْمَالَهُ كَانَتْ شِرِّيرَةً، وَأَعْمَالَ أَخِيهِ بَارَّةٌ.
- لَيْسَ كَمَا كَانَ قَايِينُ: يقدم يوحنا مثلًا سلبيًا في قايين الذي لم يكن في علاقة سليمة مع الله (لِأَنَّ أَعْمَالَهُ كَانَتْ شِرِّيرَةً) وأبغض أخاه. فعندما يكون هنالك ابنان لله يتمتعان في علاقة سليمة مع الله، فستكون هنالك محبة.
- كَانَ قَايِينُ مِنَ ٱلشِّرِّيرِ: قايين مثل جيد لفشل المحبة.
- يمكننا أن نفترض أن قايين تلقّى تنشئة تقية كانت كفيلة بأن تسلّحه بالمحبة، لكنه اختار ألّا يحب.
- جاء عصيان قايين وبغضه من افتقاره إلى الإيمان (عبرانيين ٤:١١) الذي أنتج أولًا عصيانًا، ثم بُغضًا.
- ارتكز عصيان قايين وبغضه على الكبرياء (تكوين ٥:٤).
- عصيان قايين وبغضه جعلاه تعيسًا (تكوين ٥:٤).
- رفض قايين التحذير الذي أعطاه الله واستسلم لخطية البغض (تكوين ٦:٤-٧).
- أدت خطية قايين إلى تصرف ضد ذاك الذي أبغضه (تكوين ٨:٤).
- كان قايين مراوغًا حول خطية البغض، وحاول أن يخفيها. لكن الله كشفه (تكوين ٩:٤-١٠).
د ) الآيات (١٣-١٥): المحبة كدليل على الولادة الجديدة.
١٣لاَ تَتَعَجَّبُوا يَا إِخْوَتِي إِنْ كَانَ الْعَالَمُ يُبْغِضُكُمْ. ١٤نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّنَا قَدِ انْتَقَلْنَا مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ، لأَنَّنَا نُحِبُّ الإِخْوَةَ. مَنْ لاَ يُحِبَّ أَخَاهُ يَبْقَ فِي الْمَوْتِ. ١٥كُلُّ مَنْ يُبْغِضُ أَخَاهُ فَهُوَ قَاتِلُ نَفْسٍ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ كُلَّ قَاتِلِ نَفْسٍ لَيْسَ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ ثَابِتَةٌ فِيهِ.
- لَا تَتَعَجَّبُوا: لا ينبغي أن نفاجأ عندما يبغضنا العالم، لكن ينبغي أن نفاجأ عندما يوجد بغض بين أعضاء جسد المسيح.
- نَحْنُ نَعْلَمُ: يصرّ يوحنا على أن المؤمن يستطيع أن يصل إلى نقطة التوكيد والطمأنينة الحقيقية. “سمعت أشخاصًا يمكن أن يُدعوا فلاسفة الأفكار يقولون إنه في الدين يتوجب أن نؤمن، لكن لا نستطيع أن نعلم. وأنا لا أفهم تمامًا التفريق الذي يستنتجونه بين المعرفة والإيمان، ولا يهمني في شيء أن أسأل حول هذا الأمر، لأني أؤكد أننا في المسائل المتصلة بالدين نعرف. ففي أمور الله، نؤمن ونعرف في الوقت نفسه.” سبيرجن (Spurgeon)
- نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّنَا قَدِ ٱنْتَقَلْنَا مِنَ ٱلْمَوْتِ إِلَى ٱلْحَيَاةِ: إن محبتنا لشعب الله علامة أساسية على كوننا مولودين ثانية. فإذا لم تكن المحبة واضحة في حياتنا، فإن مسألة خلاصنا يمكن أن تتعرض للتشكيك. وإن كانت موجودة، فإنها تعطينا تأكيدًا.
- نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّنَا قَدِ ٱنْتَقَلْنَا مِنَ ٱلْمَوْتِ إِلَى ٱلْحَيَاةِ، لِأَنَّنَا نُحِبُّ ٱلْإِخْوَةَ. وأما البغض والحسد والمرارة التي تجد نفسك فيها هي موت. وينبغي أن تنتقل مِنَ ٱلْمَوْتِ إِلَى ٱلْحَيَاةِ.
- يعني هذا أننا نعرف أمرين. أولًا، نَعْلَمُ أننا كنا أمواتًا. ثانيًا، نَعْلَمُ أننا قد انتقلنا من الموت إلى الحياة. وهذا الانتقال مِنَ ٱلْمَوْتِ إِلَى ٱلْحَيَاةِ نقيض لما هو معتاد. فكلنا نتوقع أن ننتقل من الحياة إلى الموت، ولكن في المسيح، تنقلب الأمور.
- يؤثر هذا في سعينا إلى الشركة. فإن كنا نحب الإخوة، فإننا نريد أن نكون معهم. وحتى لو تعرضنا للتجريح والرضوض من قِبَل إخوة غير محبين، سيكون فينا شيء يجذبنا ثانية إلى الشركة مع الإخوة الذين نحبهم.
- “هل تحبهم من أجل المسيح؟ هل تقول لنفسك: ’هذا من شعب المسيح ويحمل صليب المسيح ومن أبناء الله، ولهذا أحبه وأُسَرّ بالشركة معه؟‘ هذا إذًا دليل على أنك لست واحدًا من العالم.” سبيرجن (Spurgeon)
- كُلُّ مَنْ يُبْغِضُ أَخَاهُ فَهُوَ قَاتِلُ نَفْسٍ: إن بُغضنا لأخينا يعني أننا نقتله في قلوبنا. ورغم أننا لا ننفذ عملية القتل هذه (من خلال الجبن أو خوفًا من العقاب)، فإننا نتمنى له الموت. وعندما نتجاهل شخصًا، فإننا نتعامل معه على أنه ميت. إذًا، يمكن التعبير عن البغض بشكل نشط أو سلبي.
- يبدو أن يوحنا قد خطرت بباله العظة على الجبل حول التتميم الحقيقي للناموس (متى ٢١:٥-٢٢).
- “لا يوجد فرق في القلب. فالبغض هو أن تحتقر شخصًا وأن تقطعه من الشركة وأن تقتله. وهذه كلها تحقيق لتلك النظرة.” باركر (Barker)
- “يحمل كل شخص يبغض آخر سُمّ القتل في عروقه. وربما لا يلجأ إلى حمل الأسلحة المميتة بيديه فعلًا والقضاء على حياة، لكن إذا تمنى لأخيه أن ينزاح عن طريقه، وإذا تمنى ألا يكون مثل هذا الشخص موجودًا، فإن هذا الشعور هو بمنزلة القتل في حُكم الله.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ كُلَّ قَاتِلِ نَفْسٍ لَيْسَ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ ثَابِتَةٌ فِيهِ: إذا مارسنا في حياتنا القتل – أو إذا كان أسلوب حياتنا يتمثل في البغض المعتاد لإخوتنا – فإن هذا إظهار أنه ليس لنا حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ ثَابِتَةٌ فينا، وأننا غير مولودين ثانية.
- هنالك أشخاص كثيرون يعتقدون أن كون المرء مؤمنًا يعني “لا شيء مما سبق.” فهم يَعُدّون أنفسهم مؤمنين بالمسيح لأنهم ليسوا مسلمين أو يهودًا أو بوذيين أو ملحدين. ولكن هذا ليس صحيحًا.
- كون المرء مؤمنًا بالمسيح أكثر من أن يقول أحدهم: “أنا مؤمن بالمسيح.” ففي واقع الأمر، هنالك أشخاص يزعمون أنهم مؤمنون بالمسيح وهم ليسوا كذلك على الإطلاق. فكيف نعرف إن كنا من بين هؤلاء؟ إن جواب يوحنا ثابت وبسيط. هنالك ثلاثة امتحانات لقياس الإيمان الحقيقي: امتحان الحق وامتحان المحبة والامتحان الأخلاقي. فإن كنا نؤمن بأن ما يعلّمه الكتاب المقدس صحيح، وإذا أظهرنا محبة المسيح للآخرين، وإذا كان سلوكنا قد تغيَّر فصار أكثر شبهًا بيسوع، عندئذٍ يتزكى ادّعاؤنا بأننا مؤمنون بالمسيح (يَثبُت صِدقه).
رابعًا. ماهية المحبة وكيف ينبغي أن يحب بعضنا بعضًا
أ ) الآية (١٦): الواقع الحقيقي للمحبة وكيف تنعكس في حياتنا.
١٦بِهذَا قَدْ عَرَفْنَا الْمَحَبَّةَ: أَنَّ ذَاكَ وَضَعَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، فَنَحْنُ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَضَعَ نُفُوسَنَا لأَجْلِ الإِخْوَةِ.
- بِهَذَا قَدْ عَرَفْنَا ٱلْمَحَبَّةَ: ما هي المحبة؟ إن الكيفية التي بها نعرّف المحبة أمر مهم. فإذا عرّفنا المحبة بطريقة خطأ، فسيجتاز الجميع امتحان المحبة أو لن يجتازه أحد. ولكي نفهم فكرة المحبة الكتابية، ينبغي أن نبدأ بفهم مفردات المحبة بين الإغريقيين القدماء الذين أعطونا لغة العهد الجديد الأصلية.
- إيروس (Eros) كانت هذه إحدى الكلمات المستخدمة للإشارة إلى الحب. وهي تدل على الحب الجموح الشهواني، أي الحب الجنسي.
- ستورج (Storge) كانت هذه كلمة أخرى تشير إلى الحب. وكانت تشير إلى الحب العائلي، أي ذلك الحب الموجود بين الأب (الأم) والابن (الابنة) أو بين أعضاء العائلة بشكل عام.
- فيليا (philia) وهذه كلمة ثالثة تدل على الحب. وهي تدل على الصداقة والعاطفة الأخوية. وهي تشير إلى المحبة العميقة للصداقة والشراكة. ويمكن أن توصف محبة فيليا هذه على أنها أسمى محبة يمكن أن يقدر المرء عليها من دون مساعدة الله.
- أغابي (agape) وهذه كلمة أخرى للمحبة. وهي تصف محبة لا تتغير. إنها محبة ذاتيّة العطاء، وهي تعطي ذاتها من دون مطالبة بالثمن لقاء ذلك أو توقُّع ذلك. إنها محبة عظيمة جدًّا حتى إنه يمكن أن تقدَّم لغير المحبوبين أو الجذابين. إنها يمكن أن تحِب حتى عندما تُرفض. فمحبة أغابي تعطي وتحب لأنها تريد ذلك. إنها لا تطالب شيئًا مقابل المحبة المقدَّمة أو تتوقعه كتسديد للدَين. إنها تعطي لأنها تحب. وهي لا تحب لكي تنال أو تحصل على شيء.
- يخلط كثيرون بين أنواع الحب الأربعة، فينتهي بهم إلى التعرض لأذى شديد نتيجة ذلك. فعادة ما يقول شخص لشخص آخر: “أحبك” وهو يقصد نوعًا واحدًا من الحب، بينما يعتقد الشخص الآخر أنه يعني نوعًا آخر من الحب. فغالبًا ما يقول رجل لامرأة، “أحبك” وهو يعني في الواقع حبًّا أنانيًّا لها. صحيح أنه هنالك مشاعر قوية في القلب، لكنها مشاعر تريد شيئًا من الشخص الآخر.
- “صحيح أنك تقول لإمرأة: “أنا أحبك” لكن ما تعنيه هو شيء كهذا: “أريد شيئًا. لا أنت، بل شيئًا منك. وليس لدي وقت لأنتظر. أريده فورًا.” وهذا هو نقيض الحب، لأن الحب يريد أن يعطي. يسعى الحب إلى إسعاد الشخص الآخر، لا نفسه.” بويس (Boice) مقتبسًا من والتر تروبيش (Walter Trobisch).
- بِهَذَا قَدْ عَرَفْنَا ٱلْمَحَبَّةَ: أَنَّ ذَاكَ وَضَعَ نَفْسَهُ لِأَجْلِنَا: المحبة الحقيقية ليست مجرد مشاعر تُحَس في الداخل، بل ينبغي أن تظهر للآخرين. وأسمى تعبير للمحبة هو عندما بذل يسوع نفسه على الصليب.
- عبّر بولس عن نفس هذه الفكرة في رومية ٨:٥ “وَلَكِنَّ ٱللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لِأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ ٱلْمَسِيحُ لِأَجْلِنَا.”
- ليس موت المسيح في حد ذاته أسمى إظهار للمحبة، بل موته وما فعله من أجلنا هو الذي يبيّن مثال المحبة. فلو كنت واقفًا على جسر مائي وقفز أحدهم إلى النهر وراح يغرق وراح يصرخ مع أنفاسه الصغيرة: “أنا أبذل حياتي من أجلك،” فلن أستوعب هذا العمل على أنه تعبير عن حبه لي – إذ سيبدو أمرًا غريبًا. ولكن لو قام هذا الرجل بالقفز إلى الماء لكي ينقذني من الغرق وبذل حياته لكي أنجو وأحيا، عندئذٍ سأفهم تمامًا أن بذْل حياته كان عمل محبة.
- في عظة بعنوان “موت المسيح من أجل شعبه” استخلص تشارلز سبيرجن (Charles Spurgeon) ثلاث نقاط من هذه الجملة العظيمة:
- كم كانت خطايانا عظيمة.
- كم كانت محبته عظيمة.
- كم آمنة هي نفس المؤمن في محبة المسيح.
- بِهَذَا قَدْ عَرَفْنَا ٱلْمَحَبَّةَ: يعني هذا أنه ما كان لنا أن نفهم أو نعرف المحبة الحقيقة لولا عمل يسوع على الصليب. إذ نملك جميعنا قدرة متأصلة في تحريف المعنى الحقيقي للمحبة والسعي وراء الأمور المختلفة تحت قناع البحث عن الحب.
- يمكن أن تعلّمنا الطبيعة أشياء كثيرة عن الله. إذ يمكن أن تبيّن لنا حكمته وذكاءه وقدرته، لكن الطبيعة في حد ذاتها لا تعلمنا أن الله إله محبة. فاحتجنا إلى موت الله الابن، يسوع المسيح، لكي يُظهر لنا ذلك.
- مات ديفيد سكوت كروثر (David Scott Crother) بمرض الإيدز في أوائل عام ١٩٩٣ قبل أن يُعْدي شريكته مجهولة الاسم، والتي رفعت قضية ضده. وقالت المرأة في مقابلة: “ليس هذا هجومًا… كل ما أردته هو أن يحبني أحد، وها أنا أموت بسبب ذلك. لا أعتقد أنه ينبغي لي أن أموت من أجل ذلك.” لدينا جميعًا توق قوي إلى المحبة، لكننا نبحث عنه بطرق خطأ وفي أماكن خطأ.
- فَنَحْنُ يَنْبَغِي: بما أننا مرسَلون بنفس الإرسالية التي أُرسِل يسوع من أجلها، يتوجب علينا أن نظهر محبتنا بأَنْ نَضَعَ نُفُوسَنَا لِأَجْلِ ٱلْإِخْوَةِ. ويبدو أن كلمات يسوع: “كَمَا أَرْسَلَنِي ٱلْآبُ أُرْسِلُكُمْ أَنَا” (يوحنا ٢١:٢٠) كانت ترن في أذني يوحنا.
- يعلّق ستوت (Stott) على كلمتي “وَضَعَ” و”نَضَعَ” كالتالي: “يبدو أن هذا التعبير لا يشير إلى وضع شيء على الأرض بقدر ما يشير إلى وضع شيء جانبًا كملابس… وفي واقع الأمر، تُستخدم الكلمة في يوحنا ٤:١٣ للإشارة إلى خلع يسوع لثوبه الخارجي.”
- فَنَحْنُ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَضَعَ نُفُوسَنَا لِأَجْلِ ٱلْإِخْوَةِ: التركيز هنا مُنْصَبّ على محبة ٱلْإِخْوَةِ. وبطبيعة الحال، فإننا مدعوون إلى أن نحب أعداءنا أيضًا والذين يبغضوننا (متى ٤٤:٥)، لكن يوحنا يدعونا إلى امتحان أكثر أساسيةً – فإذا لم نكن نحب إخوتنا، فأيّ نوع من المؤمنين بالمسيح نحن؟
- نَضَعَ نُفُوسَنَا: يذكّرنا يوحنا أيضًا أن المحبة (وإظهارها) غالبًا ما تتضمن تضحية – وضْع حياتنا من أجل الآخرين. وأمّا التمنّي أن نكون أكثر محبةً فلا ينفع، لأنها لا تضحّي حيث هنالك ضرورة لذلك.
- إذا أخذنا القياس التمثيلي لمحبة يسوع لنا، فقد يعني هذا أحيانًا أن تكلفة المحبة قد تعني موتنا – لكن هذا هو ما يعنيه أن تضع حياتك. “المحبة تعني أن تقول “لا” لحياتك الخاصة لكي يحيا شخص آخر.” مارشال (Marshall)
- غالبًا ما نَعُد أنفسنا مستعدين لأن نضع أنفسنا بإيماءة بطولية مثيرة عظيمة. ولكن بالنسبة لمعظمنا، فإن الله يدعونا إلى أن نضع حياتنا قطعةً تلو قطعةً، شيئًا فشيئًا بطرق بسيطة لكن مهمة كل يوم.
- وببساطة، فإن يوحنا يطلب منا أن نفعل الشيء نفسه الذي نقرؤه في فيلبي ٣:٢-٤ “لَا شَيْئًا بِتَحَزُّبٍ أَوْ بِعُجْبٍ، بَلْ بِتَوَاضُعٍ، حَاسِبِينَ بَعْضُكُمُ ٱلْبَعْضَ أَفْضَلَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ. لَا تَنْظُرُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا هُوَ لِنَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا هُوَ لِآخَرِينَ أَيْضًا.”
ب) الآيات (١٧-١٨): كيف نعبر عن المحبة في الحياة الواقعية.
١٧وَأَمَّا مَنْ كَانَ لَهُ مَعِيشَةُ الْعَالَمِ، وَنَظَرَ أَخَاهُ مُحْتَاجًا، وَأَغْلَقَ أَحْشَاءَهُ عَنْهُ، فَكَيْفَ تَثْبُتُ مَحَبَّةُ اللهِ فِيهِ؟ ١٨يَا أَوْلاَدِي، لاَ نُحِبَّ بِالْكَلاَمِ وَلاَ بِاللِّسَانِ، بَلْ بِالْعَمَلِ وَالْحَقِّ!
- لَا نُحِبَّ بِٱلْكَلَامِ وَلَا بِٱللِّسَانِ، بَلْ بِٱلْعَمَلِ وَٱلْحَقِّ: لا يسمح لنا يوحنا بأن نكتفي بالكلام في تعبيرنا عن المحبة. فالمحبة الحقيقية تظهر في أعمال (رغم أنها في الغالب تكون واضحة في مشاعرنا).
- وَأَغْلَقَ أَحْشَاءَهُ عَنْهُ، فَكَيْفَ تَثْبُتُ مَحَبَّةُ ٱللهِ فِيهِ؟ إذا كانت لديك إمكانية تسديد احتياجات أخ ولا تفعل شيئًا لتلبيتها، فكيف يمكنك أن تقول إنك تحب أخاك. فَكَيْفَ تَثْبُتُ مَحَبَّةُ ٱللهِ فيك؟
- “نجد هنا امتحانًا للمحبة. إن كنا لا نتقاسم خبزنا مع الجياع، فمن المؤكد أننا لن نضع حياتنا من أجلهم. فأيًّا كانت المحبة التي نتظاهر بها أمام الناس، إن كنا غير ميّالين إلى أعمال البر والإحسان، فإننا نكذِّب مجاهرتنا بإيماننا ومحبتنا.” كلارك (Clarke)
- ما هو حد هذا النوع من المحبة؟ إن الحد الوحيد هو الذي تفرضه المحبة نفسها. فعندما تعطي شخصًا، إن كانت تلبية احتياجه المحسوس والعاجل تؤذيه بدلًا من أن تفيده، فإن العمل المتسم بالمحبة هو ألّا تعطيه ما يريده، بل ما يحتاج إليه فعلًا.
- يَا أَوْلَادِي، لَا نُحِبَّ بِٱلْكَلَامِ وَلَا بِٱللِّسَانِ، بَلْ بِٱلْعَمَلِ وَٱلْحَقِّ: يمكننا أن نستعيض عن المحبة بالحديث – الحديث عن تسديد احتياجات الأشخاص بدلًا من تلبيتها فعلًا.
- يقتبس ستوت (Stott) كلام لويس (Lewis): “إنه أسهل لنا أن نتحمس للإنسانية جمعاء بدلًا من أن نحب أفرادًا من الرجال والنساء، ولا سيما اللامنتمين أو الساخطين أو المنحلين أخلاقيًّا أو غير الجذّابين. فمحبة الجميع بشكل عام هو عذر لعدم محبة أي شخص معيّن.”
ج) الآيات (١٩-٢١): التوكيد الذي تولّده هذه المحبة.
١٩وَبِهذَا نَعْرِفُ أَنَّنَا مِنَ الْحَقِّ وَنُسَكِّنُ قُلُوبَنَا قُدَّامَهُ. ٢٠لأَنَّهُ إِنْ لاَمَتْنَا قُلُوبُنَا فَاللهُ أَعْظَمُ مِنْ قُلُوبِنَا، وَيَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ. ٢١أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، إِنْ لَمْ تَلُمْنَا قُلُوبُنَا، فَلَنَا ثِقَةٌ مِنْ نَحْوِ اللهِ.
- نُسَكِّنُ قُلُوبَنَا: عندما نرى المحبة وهي تعمل في حياتنا، يمكننا أن نَعْرِفَ أَنَّنَا مِنَ ٱلْحَقِّ. ومن شأن هذا أن يدخل الطمأنينة إلى قلوبنا أننا فيه.
- يروي غايل إروين (Gayle Erwin) قصة عن رجل عرفه في صباه. كان اسمه جيك، وكان أكثر الناس في البلدة نذالة وسُكْرًا. وكان يأتي إلى الكنيسة بين الوقت والآخر لغرض وحيد، هو أن يضرب الشيوخ. وذات يوم أربعاء، جاء جيك إلى الكنيسة، لا ليضرب أي أحد. لكنه جاء بشكل مذهل ليعطي حياته ليسوع. مشى في ممر الكنيسة وركع عند المذبح. وفي الليلة التالية، كان هنالك اجتماع آخر في الكنيسة، فسأل الراعي إن كان أحد يود أن يشارك ما يفعله الله في حياته. فوقف جيك وقال: “لديّ ما أقوله. في الليلة الماضية، جئت هنا، وكنت أكرهكم، يا جماعة.” فهزّوا رؤوسهم موافقة على كلامه. “لكن حدث شيء لي لا أفهمه. لكنني في هذا المساء أحبكم.” ورغم أنه لم يكن لديه إلا سن واحدة، إلا أنه ابتسم ابتسامة عريضة جدًّا. وهذا توكيد رائع على ولادة ثانية.
- التوكيد (الضمان) أمر جوهري – من ذا الذي يريد أن ينتظر حتى يفوت الأوان ليعرف إن كان مخلّصًا أم لا؟
- نُسَكِّنُ قُلُوبَنَا قُدَّامَهُ: إن التوكيد (الضمان) الذي لدينا ذو شقين. أولًا، يعرف الله كل شيء عنك ويحبك. وهو مهتم لأمرك ويحبك. ثانيًا، الله يَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ. وهو يعرف من نحن فعلًا في يسوع المسيح. إن كنا مولودين ثانيةً، فإن الذات الحقيقية هي الذات المخلوقة على صورة يسوع المسيح.
- لِأَنَّهُ إِنْ لَامَتْنَا قُلُوبُنَا فَٱللهُ أَعْظَمُ مِنْ قُلُوبِنَا، وَيَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ: لكن ماذا إذا كنا نسلك في المحبة وما زالت قلوبنا تديننا أمام الله؟ يؤكد يوحنا لنا أن الله أَعْظَمُ مِنْ قُلُوبِنَا. وهو بهذا يذكّرنا بأنه لا يمكننا أن نركّز علاقتنا بالله على كيفية مشاعرنا أمامه.
- يمكن أن تملأنا مشاعر دينونة لا علاقة لها بوضعنا في الله. ربما تكون عملًا من أعمال إبليس الذي يشتكي على المؤمنين، حسب رؤيا ١٠:١٢ أو عمل الضمير المفرط في نشاطه. وفي هذه الحالات، يتوجب أن نثق بما تقوله كلمة الله حول وضعنا في الله لا بما نشعر به.
- “تديننا قلوبنا أحيانًا. لكن عندما تفعل ذلك، فإنها تصدر حكمًا خطأً. وعندئذٍ نشعر بالرضا عندما نستأنف الحكم في محكمة أعلى، فَٱللهُ أَعْظَمُ مِنْ قُلُوبِنَا، وَيَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ.” سبيرجن (Spurgeon)
- أَيُّهَا ٱلْأَحِبَّاءُ، إِنْ لَمْ تَلُمْنَا قُلُوبُنَا، فَلَنَا ثِقَةٌ مِنْ نَحْوِ ٱللهِ: لكن عندما نكون في شركة مع الله، ولا تَلُمْنَا قُلُوبُنَا، فلنا الثقة من نحو الله ووضعنا معه.
- إن كان شخص في شركة مع الله – من دون أن يخدع نفسه كما هو مذكور في يوحنا الأولى ٦:١ – عندئذٍ فإن التوكيد الذي يأتي إلى قلبه أثناء شركته مع الله أمر ثمين. إنه نفس ما قاله بولس في رومية ١٦:٨ “اَلرُّوحُ نَفْسُهُ أَيْضًا يَشْهَدُ لِأَرْوَاحِنَا أَنَّنَا أَوْلَادُ ٱللهِ.”
- فَلَنَا ثِقَةٌ مِنْ نَحْوِ ٱللهِ: ما أثمن هذه الثقة التي لنا من نحو يسوع المسيح. فهنالك ثقة زائفة، ثقة بالنفس أو بالأوهام. لكن توجد أيضًا ثِقَة مجيدة بيسوع المسيح.
- “إن الكلمة المترجمة إلى “ثقة” هنا كانت تستخدم في بلاد الإغريق للإشارة إلى أقدس حق للمواطن في دولة حرة في أن يعبّر عن نفسه من دون إعاقة أو إحساس بالخوف أو الخجل.” باركر (Barker) مقتبسًا كلام دود (Dodd)
د ) الآية (٢٢): تعني الشركة في محبة الله توكيدًا لصلاة مستجابة.
٢٢وَمَهْمَا سَأَلْنَا نَنَالُ مِنْهُ، لأَنَّنَا نَحْفَظُ وَصَايَاهُ، وَنَعْمَلُ الأَعْمَالَ الْمَرْضِيَّةَ أَمَامَهُ.
- مَهْمَا سَأَلْنَا: إن من يسلك في نوع الطاعة والمحبة اللتين تحدث يوحنا عنهما سيختبر استجابة لصلواته. وليس هذا لأن طاعته ومحبته أكسبتْه الحق في الحصول على ما يطلبه، بل لأن طاعته ومحبته تنبعان من الشركة التي تمثّل مفتاح الصلاة المستجابة.
- يبدو أن يوحنا يقتبس كلام يسوع في يوحنا ٧:١٥ “إِنْ ثَبَتُّمْ فِيَّ وَثَبَتَ كَلَامِي فِيكُمْ تَطْلُبُونَ مَا تُرِيدُونَ فَيَكُونُ لَكُمْ.”
- لِأَنَّنَا نَحْفَظُ وَصَايَاهُ: إنّ حفظ وصايا الله أمر مهم للصلاة المستجابة. ولكن ينبغي أن نفرق بين صلاة المؤمن وصرخة قلب يطلب الرحمة من الله من خلال يسوع. فبالنسبة للخاطئ الذي يأتي إلى يسوع في الصلاة ويطلب الرحمة، فإن الشرط الوحيد هو إخلاص القلب. فالله لا يطالبنا بالطاعة قبل أن يخلّصنا.
- إنّ مفتاح الصلاة هي أن نكون في شركة وثيقة مع الله بحيث نصلّي من أجل أمور عزيزة على قلبه. ونتبنّى أجندته بطلباتنا وتشفّعنا.
- روح الصلاة الحقيقة هي: لتكن لا إرادتي، بل إرادتك. فنحن نلجأ إلى الصلاة لنستدعي عملًا يرغب فيه الله، عالمين أن بعض الأشياء التي يرغب فيها الله ستفيدنا بشكل مباشر وشخصي.
- وَنَعْمَلُ ٱلْأَعْمَالَ ٱلْمَرْضِيَّةَ أَمَامَهُ: يريد المؤمن الذي في شركة مع الله الأشياء ٱلْمَرْضِيَّةَ أَمَامَهُ. فيفترض أن تكون لدينا قلوب تريد أن ترضي الله في كل شيء نفعله.
- نحتاج إلى أن نلقي نظرة على حياتنا لنرى مقدار ما نفعله لإرضاء أنفسنا ومقدار ما نفعله لإرضاء الله. ولا ينبغي أن نعتقد أن الاثنين متناقضان. فالله يتمجد عندما نستمتع بصلاحه وخيره. ولكن الحياة التقية تركز على إرضاء الله رغم أنها ربما لا ترضينا جدًّا في هذه اللحظة.
هـ) الآيات (٢٣-٢٤): وصية يسوع.
٢٣وَهذِهِ هِيَ وَصِيَّتُهُ: أَنْ نُؤْمِنَ بِاسْمِ ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَنُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا كَمَا أَعْطَانَا وَصِيَّةً. ٢٤وَمَنْ يَحْفَظْ وَصَايَاهُ يَثْبُتْ فِيهِ وَهُوَ فِيهِ. وَبِهذَا نَعْرِفُ أَنَّهُ يَثْبُتُ فِينَا: مِنَ الرُّوحِ الَّذِي أَعْطَانَا.
- وَهَذِهِ هِيَ وَصِيَّتُهُ: أدت فكرة حفظ وصايا الله في الآية السابقة بيوحنا إلى الحديث عن “وَصِيَّتِهِ” على نحو خاص. فعلينا ببساطة أَنْ نُؤْمِنَ بِٱسْمِ ٱبْنِهِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، وَنُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا.
- لا يشير يوحنا هنا إلى جانبين من الطاعة كوصيتين، بل كوصية واحدة. ربما لا يكون هذا دقيقًا من زاوية لغوية، لكنه صحيح تمامًا من زاوية روحية. هاتان الوصيتان واحدة. فعندما تحدث يسوع عن أعظم وصية، قال: “تُحِبُّ ٱلرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ. هَذِهِ هِيَ ٱلْوَصِيَّةُ ٱلْأُولَى وَٱلْعُظْمَى. وَٱلثَّانِيَةُ مِثْلُهَا: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ.” (متى ٣٧:٢٢-٣٩). فهناك وصيتان، لكن من الواضح أنهما تشبه إحداهما الأخرى.
- أَنْ نُؤْمِنَ بِٱسْمِ ٱبْنِهِ: مرة أخرى، يبدو أن يوحنا يقتبس كلام يسوع في إنجيل يوحنا ٢٩:٦ “هَذَا هُوَ عَمَلُ ٱللهِ: أَنْ تُؤْمِنُوا بِٱلَّذِي هُوَ أَرْسَلَهُ.” فأول وصية وأعظم عمل يمكن أن نعمله هو أن نؤمن بيسوع.
- لا يعني هذا مجرد الإيمان بحقيقة وجود يسوع أو حتى الإيمان بأشياء فعلها مثل الموت على الصليب. فالإيمان بِٱسْمِ يسوع يعني أن تضع إيمانك فيه وأن تثق به وأن تتكل عليه وأن تتمسك به. فليست المسألة مسألة معرفة ذهنية أو فهمٍ ذهني. فالمسألة هي مسألة ثقة واتكال.
- وَنُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا: الوصية الثانية هي اقتباس آخر من كلام يسوع في إنجيل يوحنا ١٢:١٥ “هَذِهِ هِيَ وَصِيَّتِي أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ.” فليست محبة الإخوة خيارًا لبعض المؤمنين، بل هي وصية للجميع.
- يَثْبُتْ فِيهِ: يعرف الذين يثبتون في يسوع أنهم ثابتون فيه بفضل حضور الروح القدس وشهادته فيهم. ومرة أخرى، يقدم يوحنا نفس الفكرة المذكورة في رومية ١٦:٨ “اَلرُّوحُ نَفْسُهُ أَيْضًا يَشْهَدُ لِأَرْوَاحِنَا أَنَّنَا أَوْلَادُ ٱللهِ.”
- تخبرنا رومية ٩:٨ أن كل من ينتمي إلى يسوع يسكن الروح القدس فيه، ويعطيه هذا الروح القدس الساكن توكيدًا. فلا يمكنك أن تثبت في يسوع وأنت لا تعلم ذلك، رغم أنه قد تهاجمك الشكوك من حين إلى آخر.
- إن من لا يحفظ وصايا الله لا يمتلك أرضية الثقة للثبات في يسوع. وفضلًا عن ذلك، فإنه لا يمتلك توكيدًا أن الروح القدس ساكن في حياته.
- تحتاج إلى تمييز روحي لكي تعرف إن كنت تمتلك هذا التوكيد حقًّا، وهذا هو ما يتناوله يوحنا في الآية التالية. لكن الله سبق أن أعطى أساسًا آخر للتوكيد: إن كان يحب بعضنا بعضًا (يوحنا الأولى ١٩:٣).