رسالة بطرس الأولى ـ الإصحاح ٢
مجد شعب الله وواجبه
أوّلًا. المجيء إلى يسوع بواسطة كلمته
أ ) الآيات (١-٣): كيف نستجيب لكلمة الله الأبديّة.
١فَاطْرَحُوا كُلَّ خُبْثٍ وَكُلَّ مَكْرٍ وَالرِّيَاءَ وَالْحَسَدَ وَكُلَّ مَذَمَّةٍ، ٢وَكَأَطْفَال مَوْلُودِينَ الآنَ، اشْتَهُوا اللَّبَنَ الْعَقْلِيَّ الْعَدِيمَ الْغِشِّ لِكَيْ تَنْمُوا بِهِ، ٣إِنْ كُنْتُمْ قَدْ ذُقْتُمْ أَنَّ الرَّبَّ صَالِحٌ.
- فَـ (لذلك): قد بيّن بطرس لتوّه مجد كلمة الله وطبيعتها الأبديّة. أمَّا الآن فَــعلى ضوء قيمة كلمة الله عندنا، ينبغي أن نقبل كلمته، أي نقبلها بموقف قلبيّ معيَّن.
- كَأَطْفَالٍ مَوْلُودِينَ ٱلْآنَ، ٱشْتَهُوا ٱللَّبَنَ ٱلْعَقْلِيَّ ٱلْعَدِيمَ ٱلْغِشِّ: لكلمة ٱشْتَهُوا وقع شديد. تُستخدَم هذه الكلمة في الترجمة السبعينية (الترجمة اليونانيّة للعهد القديم) دلالةً على أعمق أشواق الإنسان تجاه الله: «كَمَا يَشْتَاقُ ٱلْإِيَّلُ إِلَى جَدَاوِلِ ٱلْمِيَاهِ، هَكَذَا تَشْتَاقُ نَفْسِي إِلَيْكَ يَا ٱللهُ» (مزمور ١:٤٢). إنَّها تعني الرغبة التي ينبغي أن تكون لكل مؤمن نحو كلمة الله.
- كَأَطْفَالٍ… ٱشْتَهُوا: المولود الجديد الصحيح بدنيًّا يشتهي ويتلهف لبن أمه. وعندما يكون الطفل طبيعيًا، لا نحتاج إلى تشجيعه على طلب اللبن.
- أمَّا العجز عن إشتهاء أو قبول هذا ٱللَّبَنَ ٱلْعَقْلِيَّ (للكلمة) ٱلْعَدِيمَ ٱلْغِشِّ فهو السبب في كثير من المشاكل في الحياة المسيحيّة الفردية والجماعية على حدٍّ سواء. “الحالة المَرَضِيّة عند العديد من المؤمنين تدلّ على سواء التغذية التي يتلقّونها. ناهيكم عن الطعام الصلب، هم لا يحصلون حتّى على اللبن. وبالتالي تشبه كنيسة الله عنابر مستشفى الأطفال.” ماير (Meyer)
- لِكَيْ تَنْمُوا بِهِ: كلمة الله ضروريّة لنمو المؤمن. فعلينا جميعًا أن نشتهي ٱللَّبَنَ ٱلْعَقْلِيَّ ٱلْعَدِيمَ ٱلْغِشِّ. ورغم أنَّ بولس ينتهر أهل كورنثوس على كونهم غير قادرين إِلَّا على قبول اللبن فقط (كورنثوس الأولى ١:٣-٢)، إلا أنه لا ينبغي للمؤمن أن يمل أبدًا من حقائق الإنجيل المقدَّمة بطريقة بسيطة.
- فمن هم هؤلاء الأطفال حديثو الولادة؟ هذا ينطبق – نوعًا ما – علينا جميعًا. “إنَّ الأكثر تقدمًا بيننا، من حيث المعرفة والإنجازات، هم مُجرَّد أطفال، مقارنةً بما يجب أن يكونوا.” ماير (Meyer)
- “معنى شرب لبن الكلمة هو أنْ «تتذوّقه» مرارًا وتكرارًا، لأنَّه عند سماع كلام الرب، يختبر المؤمنون فرحة الشركة الشخصيّة مع الرب نفسه.” غرودِم (Grudem)
- فَٱطْرَحُوا كُلَّ خُبْثٍ وَكُلَّ مَكْرٍ وَٱلرِّيَاءَ وَٱلْحَسَدَ وَكُلَّ مَذَمَّةٍ: هذا يصف الموقف القلبيّ الذي يقبل الكلمة وينمو بالكلمة. فهذا قلب متواضع وصادق ومستعدّ لعمل ما تأمر به كلمة الله.
- مَذَمَّةٍ: هذه الكلمة اليونانيّة معناها القيل والقال، أي اغتياب الآخرين وتشويه سمعتهم بالكلام الدنيء والخبيث.
- إِنْ كُنْتُمْ قَدْ ذُقْتُمْ أَنَّ ٱلرَّبَّ صَالِحٌ: إذا كنا قد قبلنا من الله وذُقْنا (أي اختبرنا شخصيًّا) أَنَّ ٱلرَّبَّ صَالِح (مُنعِم وخيِّر)، فحينئذٍ عندنا سبب ومسؤولية لقبول الكلمة بنفس الشوق الذي يقبل به الأطفال اللبن.
ب) الآيات (٤-٥): المجيء إلى يسوع.
٤الَّذِي إِذْ تَأْتُونَ إِلَيْهِ، حَجَرًا حَيًّا مَرْفُوضًا مِنَ النَّاسِ، وَلكِنْ مُخْتَارٌ مِنَ اللهِ كَرِيمٌ، ٥كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا مَبْنِيِّينَ كَحِجَارَةٍ حَيَّةٍ بَيْتًا رُوحِيًّا، كَهَنُوتًا مُقَدَّسًا، لِتَقْدِيمِ ذَبَائِحَ رُوحِيَّةٍ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ اللهِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ.
- ٱلَّذِي إِذْ تَأْتُونَ إِلَيْهِ، حَجَرًا حَيًّا: الصورة الذي يرسمها بطرس هنا هي أنَّ الله يبني هيكلًا روحيًّا (بَيْتًا رُوحِيًّا) مستخدمًا حجارة حيّة (المؤمنين)، أي أولئك الذين جاءوا إلى الحجر الحي الوحيد (يسوع).
- يوضّح هذا البيت الروحيّ أنه مثلما كان لإسرائيل هيكل، فإن للمؤمنين هيكل أيضًا. ومع ذلك، فإنّ الهيكل المسيحيّ روحيّ، وهم أنفسهم هذا الهيكل.
- يُدعَى يسوع أوَّلًا بالحجر الحيّ؛ ثم نُدعَى نحن بـالحجارة الحيّة. فنحن أحياء لأننا مرتبطون به، بمصدر الحياة. “إنهم يحيون بسبب اتحادهم معه، ويتجاوبون مع غاية تجديدهم؛ وكالحجارة في المبنى التي لا فائدة لها إِلَّا إذا أخذت مكانها المناسب في المبنى واستقرّت على الأساس.” كلارك (Clarke)
- مُخْتَارٌ مِنَ ٱللهِ كَرِيمٌ: مثلما اختار الله إسرائيل، اختار الكنيسة أيضًا. ومثلما كان لإسرائيل كهنوت، فإن المؤمنين هم الكهنوت المُقدَّس. وكما كان على إسرائيل تقديم الذبائح، هكذا يقدّم المؤمنون ذَبَائِحَ رُوحِيَّةٍ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ ٱللهِ.
- كَهَنُوتًا مُقَدَّسًا: المؤمن كاهن عن نفسه أمام الله. فهو لا يحتاج إلى أي وسيط، فيما عدا رئيس كهنته العظيم يسوع. “لم يعد هناك كهنوت خاصّ يستأثر بأحقية الوصول إلى الله أو بامتيازات خاصّة في العبادة أو في الشركة مع الله.” غرودِم (Grudem)
- ليست فكرة بطرس أنَّ الله قد تخلّى عن إسرائيل أو أنّه ليس لها مكان في خطته الفدائية، بل أنَّ المسيحيّة ليست أقل من اليهودية بأي حال من الأحوال.
- لِتَقْدِيمِ ذَبَائِحَ رُوحِيَّةٍ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ ٱللهِ بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ: الله هو القائم بالبناء (مَبْنِيِّينَ)، لكننا نحن الذين نقوم بتقديم الذبائح التي ترضيه، عندما نأتي إلى يسوع كما نحن – حجارة حيّة، من صُنعه.
- الحجر الحي لا يستطيع أن يبني شيئًا عظيمًا لله لأنه جالس بمفرده. أمَّا ما يصنعه الله فينا معًا فهو المهمّ. إنَّه يبني كيانًا واحدًا منا معًا.
- لا يمكننا أن نخدم ككهنة إِلَّا عندما نفعل ذلك من خلال يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ. فنحن لا نملك سلطة كهنوتية في ذواتنا، بل في يسوع فقط.
ج) الآيات (٦-٨): مجد حجر الزاوية الرئيسي.
٦لِذلِكَ يُتَضَمَّنُ أَيْضًا فِي الْكِتَابِ: «هنَذَا أَضَعُ فِي صِهْيَوْنَ حَجَرَ زَاوِيَةٍ مُخْتَارًا كَرِيمًا، وَالَّذِي يُؤْمِنُ بِهِ لَنْ يُخْزَى». ٧فَلَكُمْ أَنْتُمُ الَّذِينَ تُؤْمِنُونَ الْكَرَامَةُ، وَأَمَّا لِلَّذِينَ لاَ يُطِيعُونَ، «فَالْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ، هُوَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ» ٨«وَحَجَرَ صَدْمَةٍ وَصَخْرَةَ عَثْرَةٍ. الَّذِينَ يَعْثُرُونَ غَيْرَ طَائِعِينَ لِلْكَلِمَةِ، الأَمْرُ الَّذِي جُعِلُوا لَهُ»
- هَأَنَذَا أَضَعُ فِي صِهْيَوْنَ حَجَرَ زَاوِيَةٍ: إذا كنا مبنيّين في بيت روحيّ، فنحن نعرف تمامًا من هو حجر زاويتنا الرئيسي. وعلى الرغم من أن البشر رفضوا يسوع، ألا أنه أصبح حجر الزاوية في عملية بناء الكنيسة.
- يسوع المسيح هو حجر الزاوية في مزمور ١١٨، وحجر العثرة في إشعياء ٨، وحجر الأساس في إشعياء ٢٨، والحجر الفائق للطبيعة في دانيال ٢، والصخرة التي منحت إسرائيل الماءَ في البرية بطريقة معجزية (كورنثوس الأولى ٤:١٠).
- فَلَكُمْ أَنْتُمُ ٱلَّذِينَ تُؤْمِنُونَ ٱلْكَرَامَةُ (أي هوَ حَجَرٌ كَرِيمٌ عِنْدَكُمْ أنْتُمْ يَا مَنْ تُؤمِنُونَ): على الرغم من أن حجر الأساس هذا رُفِض من قِبَل غَيْر الطَّائِعِينَ وغير المؤمنين، فهو بلا شك كريم (ثمين) في نظر أولئك الذين يؤمنون. ومن الوسائل التي تعرف بها إذا كان الشخص يتمتّع بإيمان كتابيّ حقيقي هو أنْ ترى إذا كان يسوع كريمًا (ثمينًا) فعلًا في نظره.
- عندما بلغ تشارلز سبيرجن (Charles Spurgeon) من العمر ١٦ عامًا، وعظ عظته الأولى في كوخ ريفي لحفنة من الفقراء، وكان النصّ الذي اختاره: رسالة بطرس الأولى ٧:٢ “فَهوَ حَجَرٌ كَرِيمٌ عِنْدَكُمْ أنْتُمْ يَا مَنْ تُؤمِنُونَ.” قال سبيرجن إنَّه لم يعتقد أنّه يستطيع أن يعظ عن أي مقطع آخر من الكتاب المُقدَّس: “كان المسيح غاليًا على قلبي وكنت ولهان وفي بداية إيماني، فلم أستطع الصمت عندما كان يسوع الغالي موضوع الحديث.” سبيرجن (Spurgeon)
- “هل يسوع حجر كريم وثمين على قلبك؟ تذّكر أنَّ حالتك تعتمد على إجابتك لهذا السؤال. إن كنت مؤمنًا، فهو كريم بالنسبة لك، ولكن إن لم يكن كريمًا، فأنت لست مؤمنًا، بل مُدان لأنك لا تؤمن بابن الله.” سبيرجن (Spurgeon)
- المسيح كريم في جوهره.
- المسيح كريم في ذاته.
- المسيح كريم بالمقارنة.
- المسيح كريم بما لا يقاس.
- المسيح كريم بما يتناسب مع حاجة المؤمن.
- هذا صحيح؛ علق ج. كامبل مورغان (G. Campbell Morgan) على الآية: ’فَلَكُمْ أَنْتُمُ ٱلَّذِينَ تُؤْمِنُونَ ٱلْكَرَامَةُ‘ هكذا: “إنَّه لا يصرّح بأنَّ المؤمنين يعرفون كرامة المسيح؛ بل بالأحرى أنّهم يشتركون فيها… فصفات المسيح التي تخلق كرامته وقيمته الثمينة ومجده هي تحت تصرّف المؤمن.”
- الكرامة هي لكم يا من تؤمنون؛ أي كرامة كونكم جزءًا من هذا المبنى، وأنكم حصلتم على الخلاص بدم الحمل، وصرتم أبناء وبنات الله القدير.” كلارك (Clarke)
- فَٱلْحَجَرُ ٱلَّذِي رَفَضَهُ ٱلْبَنَّاؤُونَ، هُوَ قَدْ صَارَ رَأْسَ ٱلزَّاوِيَةِ: أولئك الذين يرفضون حجر الزاوية ويرفضون البناء عليه، يعثرون فيه. وبدلًا من أن يكون يسوع هو خلاصهم، يصبح بالنسبة إليهم صَخْرَةَ عَثْرَةٍ.
- اقتبس يسوع هذا المقطع من المزمور ١١٨ الذي يشير إلى نفسه (متى ٤٢:٢١). إن رَأْسَ ٱلزَّاوِيَةِ هو نقطة انطلاق أي مبنى؛ فكل شيء يجري تنسيقه على حسب ارتباطه بـحجر الزاوية الرئيسي. ونظرًا لكونه في الزاوية (الركن)، فنفس الحجر هو نقطة الانطلاق لبناء جدارَين.
- وهكذا فإنّ يسوع حدّد المسار لانضمام كلٍّ من اليهود والأمم في بيت واحد مجيد لله. وكان هذا في حد ذاته حَجَرَ صَدْمَةٍ وَصَخْرَةَ عَثْرَةٍ لليهود، الذين كان يعتقدون أنّه لا ينبغي أن يتساوى الأمم باليهود في بيت الله العظيم.
- بحسب تفكير العديد من اليهود في ذلك الوقت، كان يجب على الله أَلاَّ يبني مبنًا جديدًا يشتمل على كلٍّ من اليهود والأمم. بل كان ينبغي له ببساطة تجديد الهيكل اليهودي الحالي (بإضافة يسوع باعتباره المسيّا) ودعوة الأمم للمجيء إلى هذا الهيكل. ولكنَّ الله فعل شيئًا مختلفًا، فكان ذلك حَجَرَ صَدْمَةٍ وَصَخْرَةَ عَثْرَةٍ لكثيرين من اليهود في القرن الأول.
- وبالتالي، تنطبق هذه الألقاب العظيمة في بطرس الأولى ٩:٢-١٠ على جميع المؤمنين الآن، يهودًا كانوا أو أممًا، في حين كانت تنطبق قبلًا على الشعب اليهودي فقط باعتبارهم شعب عهد الله.
- ٱلَّذِينَ يَعْثُرُونَ غَيْرَ طَائِعِينَ لِلْكَلِمَةِ، ٱلْأَمْرُ ٱلَّذِي جُعِلُوا لَهُ: مصير غَيْرَ طَائِعِينَ لِلْكَلِمَةِ: يَعْثُرُونَ في يسوع.
- عندما تحدّث يسوع عن نفسه كحجر اقتباسًا من مزمور ١١٨، تحدّث عن مصير (ٱلْأَمْرُ ٱلَّذِي جُعِلُوا لَهُ) أولئك الذين رفضوه: “وَمَنْ سَقَطَ عَلَى هَذَا ٱلْحَجَرِ يَتَرَضَّضُ، وَمَنْ سَقَطَ هُوَ عَلَيْهِ يَسْحَقُهُ!” (متى ٤٤:٢١)
د ) الآيات (٩-١٠): مكانة شعب الله المميَّزة.
٩وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجِنْسٌ مُخْتَارٌ، وَكَهَنُوتٌ مُلُوكِيٌّ، أُمَّةٌ مُقَدَّسَةٌ، شَعْبُ اقْتِنَاءٍ، لِكَيْ تُخْبِرُوا بِفَضَائِلِ الَّذِي دَعَاكُمْ مِنَ الظُّلْمَةِ إِلَى نُورِهِ الْعَجِيبِ. ١٠الَّذِينَ قَبْلاً لَمْ تَكُونُوا شَعْبًا، وَأَمَّا الآنَ فَأَنْتُمْ شَعْبُ اللهِ. الَّذِينَ كُنْتُمْ غَيْرَ مَرْحُومِينَ، وَأَمَّا الآنَ فَمَرْحُومُونَ.
- وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجِنْسٌ مُخْتَارٌ: الامتيازات التي كانت تخصّ إسرائيل فقط – أي اختيارهم (جِنْسٌ مُخْتَارٌ)، والكهنوت، والدعوة لم تعد قَصرًا على إسرائيل وحدها؛ إنها الآن مِلك لكل مؤمن، ونحن نتمتّع بها بمعنى روحيّ أعظم.
- نحن كَهَنُوتٌ مُلُوكِيٌّ. كان منصب الملك ومنصب الكهنوت منفصلين في إسرائيل. ولكنَّ يسوع، وهو ملكنا وكاهننا، جمعهما من أجل شعبه.
- شَعْبُ ٱقْتِنَاءٍ (شعب خصوصيّ أو مميَّز): نحن شَعْبُ ٱقْتِنَاءٍ (مميَّزون) لأننا نخصّ الله. فقد يمتلئ المتحف بأشياء عادية جدًّا: من قبعات، وعصي، وأحذية، وما إلى ذلك. لكنها قد تكون مهمّة لأنها كانت ذات يوم تخصّ شخصًا مشهورًا. فالله يأخذ الناس العاديين، ولأنه يعمل فيهم، يصبحون شَعْب ٱقْتِنَاءٍ (مميَّز).
- كانت هذه الألقاب عينها تنطبق على إسرائيل (خروج ٥:١٩-٦،تثنية ٢٠:٤،تثنية ٦:٧، وإشعياء ٤٣:٢٠-٢١). أمَّا الآن في يسوع، فنحن ننتمي إلى الله باعتبارنا شَعْب ٱقْتِنَاءٍ (شعبه الخاصّ).
- “وصف الكنيسة منهجي وشامل. الكنيسة عرق، وهذا يحدِّد مبدأ حياتها. الكنيسة كهنوت، ولها حق الوصول إلى الله. الكنيسة شعب، ومن ثَمَّ تحت حكمه. الكنيسة اقتناء (ملكية خاصّة)، ولذلك فهو في الواقع يسكن فيها.” مورغان (Morgan)
- ٱلَّذِينَ قَبْلًا لَمْ تَكُونُوا شَعْبًا، وَأَمَّا ٱلْآنَ فَأَنْتُمْ شَعْبُ ٱللهِ: كنّا قبلًا بدون هذه الامتيازات، ولم نكن شعبًا لله. ولم نشهد رحمة الله، أمَّا ٱلْآنَ فَــنحن مَرْحُومُونَ.
- في ثقافتنا المسيحيّة، نحن لا نفهم بسهولة الإحساس العظيم بالامتياز والراحة الذي صار من نصيب الأُمَم حين شاركوا في العهد الجديد مع إله إسرائيل. رسالة بطرس رائعة: ’أنتم لم تكونوا منتمين لله، ولكنكم الآن تنتمون إليه ومحسوبون ضمن شعب الله.‘
- لِكَيْ تُخْبِرُوا بِفَضَائِلِ ٱلَّذِي دَعَاكُمْ مِنَ ٱلظُّلْمَةِ إِلَى نُورِهِ ٱلْعَجِيبِ: ليس الغرض من هذه الامتيازات السامية أن نفتخر، بل أنْ نُخبر بِفَضَائِلِ ٱلَّذِي قام بعمل هذه الأمور العظيمة لأجلنا.
- نظرًا لأن المؤمنين حصلوا على مبدأ جديد للحياة (جِنْسٌ مُخْتَارٌ)، وإمكانية جديدة للوصول إلى الله (كَهَنُوتٌ مُلُوكِيٌّ)، وحكومة جديدة (أُمَّةٌ مُقَدَّسَةٌ)، ومالك جديد (شَعْبُ ٱللهِ)، فسيؤثّر ذلك على الطريقة الذي يمارس بها المؤمنين حياتهم. وهذا التأثير يوصف في الآيات التالية.
ثانيًا. كيف ينبغي أنْ يعيش أولئك الذين أتوا إلى يسوع
أ ) الآيات (١١-١٢): عندما نأتي إلى يسوع، يجب علينا الامتناع عن شهوات الجسد.
١١أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، أَطْلُبُ إِلَيْكُمْ كَغُرَبَاءَ وَنُزَلاَءَ، أَنْ تَمْتَنِعُوا عَنِ الشَّهَوَاتِ الْجَسَدِيَّةِ الَّتِي تُحَارِبُ النَّفْسَ، ١٢وَأَنْ تَكُونَ سِيرَتُكُمْ بَيْنَ الأُمَمِ حَسَنَةً، لِكَيْ يَكُونُوا، فِي مَا يَفْتَرُونَ عَلَيْكُمْ كَفَاعِلِي شَرّ، يُمَجِّدُونَ اللهَ فِي يَوْمِ الافْتِقَادِ، مِنْ أَجْلِ أَعْمَالِكُمُ الْحَسَنَةِ الَّتِي يُلاَحِظُونَهَا.
- أَنْ تَمْتَنِعُوا عَنِ ٱلشَّهَوَاتِ ٱلْجَسَدِيَّةِ: لا يمكننا إلاَّ أَنْ نَمْتَنِع عَنِ ٱلشَّهَوَاتِ ٱلْجَسَدِيَّةِ بينما نعيش كَغُرَبَاءَ وَنُزَلَاءَ، كأناس يدركون أنَّ هذا العالم ليس وطنهم، وأنّ لديهم وطنًا ومواطنة (جنسية) في السماء.
- ٱلَّتِي تُحَارِبُ ٱلنَّفْسَ: يفهم بطرس أنَّ هذه الشهوات الجسديّة… تُحَارِبُ ٱلنَّفْسَ. ولكي تكون مؤمنًا يجب أنْ تحارب وتجاهد ضد شهوات الجسد، والمعركة تستمر طالما نحن نعيش في هذا الجسد.
- من السهل أن نرى كيف أنَّ السعي وراء الشهوات الجسديّة يمكن أن يدّمر أجسامنا المادية. فكلّ ما عليك عمله هو أنْ تسأل مُدمنًا على الخمور يموت من تلف الكبد، أو شخصًا فاسقًا مصابًا بالإيدز أو واحدًا من الـ ٣٥٠.٠٠٠ شخص على وجه البسيطة الذين أصيبوا بمرض جنسي في الـ ٢٤ ساعة الماضية. ولكنَّ بطرس يذكّرنا بأنَّ الشهوات الجسديّة هي أيضًا حرب ضد النفس. فيهرب البعض من المرض الذي يصيب أجسامهم عندما يخطئون، لكنَّ مرض الإنسان الباطن وموته عقاب لا يهرب منه كلّ من تمادى في إشباع ملذّات الجسد.
- وَأَنْ تَكُونَ سِيرَتُكُمْ بَيْنَ ٱلْأُمَمِ حَسَنَةً: هذا النوع من الحياة التقية يجعل سيرتنا (سلوكنا) حَسَنَةً بين أولئك الذين لا يعرفون الله بعد. صحيح أنّهم قد يتهمونكم بعمل الشر (يَفْتَرُونَ عَلَيْنا كَفَاعِلِي شَرٍّ)، إلاَّ أنه بالإمكان جعلهم يُمَجِّدُونَ ٱللهَ حين يشاهدون سيرتنا المُقدَّسة.
- قد اتُّهِم المسيحيّون (المؤمنون) زورًا بارتكاب جرائم بشعة في الكنيسة الأولى. إذ قال الوثنيّون إنَّ المسيحيّين يأكلون لحم طفل ويشربون دمه أثناء طقوسهم الوحشية. وقالوا أيضًا إنَّ ’احتفالات الأغابي‘ المسيحيّة ما هي إِلَّا حفلات عربدة ماجنة. وقالوا إنَّ المسيحيّين معادون للمجتمع لأنَّهم لا يشاركون في وسائل الترفيه المنافية للأخلاق السائدة في المجتمع. وقالوا إنَّ المسيحيّين ملحدون لأنَّهم لا يتعبّدون للأوثان.
- ولكن بمرور الوقت، اتّضح أن المسيحيّين (المؤمنين) ليسوا عديمي الأخلاق – فقد ظهر ذلك في حياتهم. “الحقيقة التاريخية المذهلة هي أن المسيحيّين، بحياتهم، أثبتوا بطلان افتراءات الوثنيّين. ففي أوائل القرن الثالث قام كيلسُس (Celsus) بشن أشهر وأشد هجوم على المسيحيّين، حيث اتهمهم بالجهل والحماقة والاعتقاد بالخرافات وما إلى ذلك – ولكنّه لم يتّهمهم بالفجور على الإطلاق.” باركلي (Barclay)
- يَوْمِ ٱلِٱفْتِقَادِ: رُبَّما كان هذا إشارة إلى لقائهم الأخير مع الله، إمّا عندما يذهبون للقائه أو عندما يأتي للقائهم. والمقصود هو أنّه يمكن إقناع الأُمَم بأن يصبحوا مؤمنين بواسطة رؤية حياة المؤمنين الآخرين، فـيُمَجِّدُونَ ٱللهَ عندما يلاقونه بدلًا من الارتعاد أمام دينونته المُقدَّسة.
- “واضح من سفر إشعياء ١٠: ٣ أنَّ يوم الافتقاد يعني الوقت الذي يوقع فيه الله العقاب: ’وَمَاذَا تَفْعَلُونَ فِي يَوْمِ ٱلْعِقَابِ (الافتقاد)، حِينَ تَأْتِي ٱلتَّهْلُكَةُ مِنْ بَعِيدٍ؟ إِلَى مَنْ تَهْرُبُونَ لِلْمَعُونَةِ، وَأَيْنَ تَتْرُكُونَ مَجْدَكُمْ؟‘” كلارك (Clarke)
ب) الآيات (١٣-١٧): عندما نأتي إلى يسوع، علينا أن نتحلَّى بالخضوع اللائق للحكومة.
١٣فَاخْضَعُوا لِكُلِّ تَرْتِيبٍ بَشَرِيٍّ مِنْ أَجْلِ الرَّبِّ. إِنْ كَانَ لِلْمَلِكِ فَكَمَنْ هُوَ فَوْقَ الْكُلِّ، ١٤أَوْ لِلْوُلاَةِ فَكَمُرْسَلِينَ مِنْهُ لِلانْتِقَامِ مِنْ فَاعِلِي الشَّرِّ، وَلِلْمَدْحِ لِفَاعِلِي الْخَيْرِ. ١٥لأَنَّ هكَذَا هِيَ مَشِيئَةُ اللهِ: أَنْ تَفْعَلُوا الْخَيْرَ فَتُسَكِّتُوا جَهَالَةَ النَّاسِ الأَغْبِيَاءِ. ١٦كَأَحْرَارٍ، وَلَيْسَ كَالَّذِينَ الْحُرِّيَّةُ عِنْدَهُمْ سُتْرَةٌ لِلشَّرِّ، بَلْ كَعَبِيدِ اللهِ. ١٧أَكْرِمُوا الْجَمِيعَ. أَحِبُّوا الإِخْوَةَ. خَافُوا اللهَ. أَكْرِمُوا الْمَلِكَ.
- فَٱخْضَعُوا لِكُلِّ تَرْتِيبٍ بَشَرِيٍّ: كمؤمنين يجب أن نكون مواطنين صالحين، خاضعين للحكومة. وهذا يختلف تمامًا عن حال أولئك اليهود الغيورين في أيّام بطرس الذين لم يعترفوا بالملك، بل الله وحده، ولم يدفعوا الضرائب لأحد إلاَّ لله.
- كتب بطرس هذا الكلام في عهد الإمبراطورية الرومانية، التي لم تكن ديمقراطية ولم تعتبر المسيحيّين أصدقاء. ومع ذلك فقد اعترف بطرس بالسلطة الشرعية للحكومة الرومانية.
- “يبدو أنَّ قصد القديس بطرس هو ما يلي: لقد اعتقد اليهود أنّه من غير القانوني أنْ يطيعوا أي حاكم أجنبي. لكنَّ الرسول يوصيهم بضرورة طاعة الحاكم المدني، مهما كان جنسه، سواء كان يهوديًا أو أمميًا، والسماح له بالقيام بأعباء الحكومة مهما كان شكلها.” كلارك (Clarke)
- مِنْ أَجْلِ ٱلرَّبِّ: هذا هو السبب في طاعتنا للحكومة. ونظرًا لأن الحكومات تتمتع بسلطة شرعية من الله، فنحن ملزمون بطاعتها – ما لم تأمرنا، بالطبع، بأن نفعل شيئًا يخالف شريعة الله. حينئذٍ نحن مُكلَّفون بطاعة الله قبل الناس (أعمال الرسل ١٩:٤).
- “إن الله، بوصفه الحاكم الأعلى لهم، يُريهم أنَّ مشيئته هي أن يتصرّفوا باستقامة وطاعة على الدوام، وبالتالي يُفحِمون جهل الأغبياء، المستعدّين للنيل من دينهم والادّعاء بأَنَّه السبب في كونهم مواطنين أردياء.” كلارك (Clarke)
- فَكَمُرْسَلِينَ مِنْهُ: يُجزِم بطرس أيضًا أنَّ الحكام مُرسَلون منه؛ أي مُرسَلون من الله. فالحكومات مُرسَلة من الله لِلِٱنْتِقَامِ مِنْ فَاعِلِي ٱلشَّرِّ ومجازاة فاعلي الخير.
- يستخدم الله السلطات الحاكمة كرادع لرغبات البشر وميولهم الشريرة. فالحكومات أداة مفيدة في كبح جِماح آثار الطبيعة الساقطة للإنسان. وبناءً على ما كتبه بولس في رومية ١٣، يجوز القول إنَّ أعظم جريمة يمكن للحكومة أن ترتكبها هي عدم معاقبة الأشرار أو مكافأة الأشرار بسبب الفساد.
- أَنْ تَفْعَلُوا ٱلْخَيْرَ فَتُسَكِّتُوا جَهَالَةَ ٱلنَّاسِ ٱلْأَغْبِيَاءِ: كان بطرس يعرف أنَّ سلوكنا وسيلة للدفاع عن الإنجيل. فقد كان يعلم أنَّ من لا يقرأون الكتاب المُقدَّس سوف يقرأون حياتنا، لذلك فإنَّه بفضل فعل الخير نُسَكِّت جَهَالَةَ ٱلنَّاسِ ٱلْأَغْبِيَاءِ.
- كَأَحْرَارٍ، وَلَيْسَ كَٱلَّذِينَ ٱلْحُرِّيَّةُ عِنْدَهُمْ سُتْرَةٌ لِلشَّرِّ، بَلْ كَعَبِيدِ ٱللهِ: يحذّرنا الرسول من استعمال ٱلْحُرِّيَّة التي لنا في يسوع كذريعة (سُتْرَة) للخطية. بدلًا من ذلك نستخدم ٱلْحُرِّيَّة في يسوع لإظهار هذا النوع من المحبّة والاحترام الذي يدعو إليه بطرس.
ج) الآيات (١٨-٢٠): عندما نأتي إلى يسوع، علينا أن نتحلَّى بالخضوع اللائق لأصحاب العمل.
١٨أَيُّهَا الْخُدَّامُ، كُونُوا خَاضِعِينَ بِكُلِّ هَيْبَةٍ لِلسَّادَةِ، لَيْسَ لِلصَّالِحِينَ الْمُتَرَفِّقِينَ فَقَطْ، بَلْ لِلْعُنَفَاءِ أَيْضًا. ١٩لأَنَّ هذَا فَضْلٌ، إِنْ كَانَ أَحَدٌ مِنْ أَجْلِ ضَمِيرٍ نَحْوَ اللهِ، يَحْتَمِلُ أَحْزَانًا مُتَأَلِّمًا بِالظُّلْمِ. ٢٠لأَنَّهُ أَيُّ مَجْدٍ هُوَ إِنْ كُنْتُمْ تُلْطَمُونَ مُخْطِئِينَ فَتَصْبِرُونَ؟ بَلْ إِنْ كُنْتُمْ تَتَأَلَّمُونَ عَامِلِينَ الْخَيْرَ فَتَصْبِرُونَ، فَهذَا فَضْلٌ عِنْدَ اللهِ.
- أَيُّهَا ٱلْخُدَّامُ، كُونُوا خَاضِعِينَ… لِلسَّادَةِ: الأمر بالخضوع للسادة لا يسري على أولئك الذين يعملون لسادة صَالِحِينَ مُتَرَفِّقِينَ فقط، ولكن على أولئك الذين سادتهم عُنَفَاء (قساة) أيضًا. فإن كان علينا أنْ نتحمّل الشدائد بسبب معاييرنا المسيحيّة، فهذا فَضْلٌ (أمر يستحق الثناء) عند الله.
- لِأَنَّهُ أَيُّ مَجْدٍ (فضل) هُوَ إِنْ كُنْتُمْ تُلْطَمُونَ مُخْطِئِينَ فَتَصْبِرُونَ؟ إذا عوقبنا على أخطائنا فهذا ليس مَجْدًا (فضلًا) لنا. ولكن عندما نعاقَب على فعل الخير فـنتحمّل بصبر، حينئذٍ يُحسَب هذا لنا فَضْلًا عِنْدَ اللهِ.
- “يبدو من ذلك أنَّ المؤمنين المساكين، لاسيَّما الذين آمنوا وهم بعد عبيد، كثيرًا ما كانوا يتعرّضون للإيذاء الشديد؛ فقد كانوا يُضرَبون لأنَّهم مسيحيّون ولأنهم لا يشاركون في عبادة الأوثان.” كلارك (Clarke)
- “حالتنا تشبه حالة المجرم الذي يُستَحسَن أن يتحمّل بهدوء العقاب على جريمة لم يرتكبها، لِئَلاَّ يثير – باعتراضه وارتفاع صوته – التحقيق في قائمة الجرائم التي لم تُوجَّه ضده، لأنها غير معروفة.” ماير (Meyer)
د ) الآيات (٢١-٢٥): مثال يسوع.
٢١لأَنَّكُمْ لِهذَا دُعِيتُمْ. فَإِنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا تَأَلَّمَ لأَجْلِنَا، تَارِكًا لَنَا مِثَالاً لِكَيْ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِهِ. ٢٢«الَّذِي لَمْ يَفْعَلْ خَطِيَّةً، وَلاَ وُجِدَ فِي فَمِهِ مَكْرٌ»، ٢٣الَّذِي إِذْ شُتِمَ لَمْ يَكُنْ يَشْتِمُ عِوَضًا، وَإِذْ تَأَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يُهَدِّدُ بَلْ كَانَ يُسَلِّمُ لِمَنْ يَقْضِي بِعَدْل. ٢٤الَّذِي حَمَلَ هُوَ نَفْسُهُ خَطَايَانَا فِي جَسَدِهِ عَلَى الْخَشَبَةِ، لِكَيْ نَمُوتَ عَنِ الْخَطَايَا فَنَحْيَا لِلْبِرِّ. الَّذِي بِجَلْدَتِهِ شُفِيتُمْ. ٢٥لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ كَخِرَافٍ ضَالَّةٍ، لكِنَّكُمْ رَجَعْتُمُ الآنَ إِلَى رَاعِي نُفُوسِكُمْ وَأُسْقُفِهَا.
- فَإِنَّ ٱلْمَسِيحَ أَيْضًا تَأَلَّمَ لِأَجْلِنَا، تَارِكًا لَنَا مِثَالًا: يسوع هو مثالنا على اعتبار أنّه تحمّل العقاب ظلمًا. فعندما شُتِمَ يسوع، لَمْ يَكُنْ يَشْتِمُ عِوَضًا، بل في معاناته، كَانَ يُسَلِّمُ (الأمر أو نفسه) للآب.
- “لقد تألّم، ولكن ليس بسبب أي شر فعله أو قاله. بل كان طاهرًا في الفعل والقول، ومع ذلك تعرّض للآلام. فتوقّعوا الشيء نفسه، وعندما يحدث ذلك، تحمّلوه بنفس الروح.” كلارك (Clarke)
- “أي ساعة من آلام الرب، من جثسيماني إلى الجلجثة، ستكون منقوشة بعمق في ذاكرة بطرس يا ترى؟ من المؤكَّد أنّها الفترة الزمنية التي سُخِر فيها منه وضُرِب في قاعة رئيس الكهنة، عندما كان بطرس جالسًا يتدفّأ عند النار، وهو يشاهد سيّده يتعرّض لسوء المعاملة، وكان يخشى الاعتراف بأنه تلميذ له، ومن شدّة رُعبه أنكره وابتدأ يلعن: «أنا لا أعرف الرجل». طالما بقي الرسول حيًّا، سيتذكّر التصرّف الوديع والهادئ لسيده المتألّم.” سبيرجن (Spurgeon)
- ٱلَّذِي حَمَلَ هُوَ نَفْسُهُ خَطَايَانَا فِي جَسَدِهِ عَلَى ٱلْخَشَبَةِ: من الواضح أنَّ آلام يسوع هو مثال نحتذي به؛ لكنّه أكثر بكثير من مجرَّد مثال. لقد حَمَلَ عنا خَطَايَانَا أيضًا، ووفّر لنا الشفاء (ٱلَّذِي بِجَلْدَتِهِ شُفِيتُمْ).
- من الواضح أنَّ بطرس قصد بكلمة ’ٱلْخَشَبَة‘ صليب يسوع. فقد حَمَلَ خَطَايَانَا فِي جَسَدِهِ عَلَى الخشبة – أي عود الصليب. وبطرس يصرّح بذلك هنا لتذكير المؤمنين باستمرار بعمل يسوع العظيم على الصليب، وكذلك لبيان أنّه كما أنجزت آلام يسوع الكثير، هكذا يمكن لله أنْ يستخدم آلامهم أيضًا.
- لِكَيْ نَمُوتَ عَنِ ٱلْخَطَايَا فَنَحْيَا لِلْبِرِّ: يذكّرنا بطرس أنّه عندما مات يسوع على الصليب، مات عَن خَطَايَانا أيضًا. لقد تغيّرت حياتنا بشكل دائم عندما تمثلنا بيسوع على الصليب ومتنا عن الخطية، تمامًا كما وصف الرسول بولس في رومية ٦.
- لقد مُتنا عَنِ ٱلْخَطَايَا، بمعنى أنَّ دَيْن خطيتنا وشعورنا بالذنب قد سدّدته ذبيحة يسوع على الصليب. فعندما مُتنا عَنِ ٱلْخَطَايَا مع يسوع على الصليب، فهذا يعني أنّه سدّد ديوننا. فلا نُزعِج أنفسنا بديوننا طالما أنّه تم تسديدها. “الذي حمل خطاياي في جسده على الخشبة، أخذ كل ديوني وسدّدها، فأنا الآن ميّت عن تلك الديون، أي أنّه ليس لها سلطة عليَّ. أنا ميت عن خطاياي؛ فالمسيح قد تألّم بدلًا مني، وليس لي أي علاقة بها. لم تعد موجودة، كما لو كنت لم أرتكبها.” سبيرجن (Spurgeon)
- لقد مُتنا عَنِ ٱلْخَطَايَا، بمعنى أنَّ حياتنا الآن تمتلئ بشغف أعظم – شغف بالرب يسوع المسيح أعظم بكثير من شغفنا السابق بالخطيّة. فالبخيل قد يموت عن العديد من الملذات والمغريات في هذا العالم، لكنه حيّ لمحبة المال. لذلك يجب أن نكون أمواتًا للخطيّة ولكن أحياءً ليسوع.
- ٱلَّذِي بِجَلْدَتِهِ شُفِيتُمْ: بطرس يقتبس من سفر إشعياء ٥٣: ٥، الذي يشير في المقام الأول إلى الشفاء الروحيّ، ولكنه يشمل أيضًا الشفاء الجسديّ. توفير شفائنا (الجسديّ والروحيّ) كان بفضل آلام يسوع (بِجَلْدَتِهِ). أمَّا الجانب المادي من شفائنا فنناله جزئيًّا الآن، ولكنه لا يكتمل إِلَّا بقيامتنا.
- نرى في هذا السياق أنَّ المغزى الرئيسي لبطرس هو أنَّ السيد البشري إذا ظلمنا، فلا ينبغي أنْ نخشى أي أذى يُسبّبه. لأنَّه يمكن شفاؤنا واسترداد عافيتنا من خلال آلام يسوع لأجلنا.
- لِأَنَّكُمْ كُنْتُمْ كَخِرَافٍ ضَالَّةٍ، لَكِنَّكُمْ رَجَعْتُمُ ٱلْآنَ إِلَى رَاعِي نُفُوسِكُمْ وَأُسْقُفِهَا: لولا تحمُّل يسوع بصبّر لاضطهاد الأشرار، لكنا كَخِرَافٍ ضَالَّةٍ. ولكن بفضل ما عمله من أجلنا، رجعنا إلى راعي (قِس) نفوسنا وَأُسْقُفِهَا (ناظرها والمشرف عليها).