سفر الجامعة – الإصحاح ٢
الحياة في ضوء الموت
أولًا. امتحان السعي وراء المتعة، واكتشاف عجزها ونقصها
أ ) الآية (١): المُلخَّص.
١قُلْتُ أَنَا فِي قَلْبِي: «هَلُمَّ أَمْتَحِنُكَ بِالْفَرَحِ فَتَرَى خَيْرًا». وَإِذَا هذَا أَيْضًا بَاطِلٌ.
١. قُلْتُ أَنَا فِي قَلْبِي: هَلُمَّ أَمْتَحِنُكَ: رأينا في القسم السابق سليمان وهو يبحث عن معنى الحياة بالحكمة، الحكمة كما تُفهم من دون منظور الأبدية. ولم يجد معنىً في الحياة الحكيمة والماهرة ’تَحْتَ الشَّمْسِ.‘ والآن، استمرّ في بحثه عن المعنى، وامتحن حياة المتعة والتسلية.
• “لا يمتحن الواعظ (سليمان) الفرح بقدر امتحانه نفسه.” إيتون (Eaton)
٢. هَلُمَّ أَمْتَحِنُكَ بِالْفَرَحِ فَتَرَى خَيْرًا: امتحن سليمان معنى الحياة بِالْفَرَحِ والمتعة (خَيْرًا). امتحن النظرية التي يعيش بها كثيرون اليوم، وهي أن معنى الحياة موجود في مزيدٍ من المتع والتسليات والانفعالات المتنوعة.
٣. وَإِذَا هذَا أَيْضًا بَاطِلٌ: سيشرح الواعظ بعدَ قليل كيف وصل إلى هذا الاستنتاج، ولكنّه يُخبِرنا بنتيجة الامتحان في البداية.
ب) الآيات (٢-٣): البحث عن المعنى في المتعة.
٢لِلضَّحْكِ قُلْتُ: «مَجْنُونٌ» وَلِلْفَرَحِ: «مَاذَا يَفْعَلُ؟». ٣اِفْتَكَرْتُ فِي قَلْبِي أَنْ أُعَلِّلَ جَسَدِي بِالْخَمْرِ، وَقَلْبِي يَلْهَجُ بِالْحِكْمَةِ، وَأَنْ آخُذَ بِالْحَمَاقَةِ، حَتَّى أَرَى مَا هُوَ الْخَيْرُ لِبَنِي الْبَشَرِ حَتَّى يَفْعَلُوهُ تَحْتَ السَّمَاوَاتِ مُدَّةَ أَيَّامِ حَيَاتِهِمْ.
١. لِلضَّحْكِ قُلْتُ: «مَجْنُونٌ» وَلِلْفَرَحِ: «مَاذَا يَفْعَلُ؟»: امتحن سليمان الحياة التي تُعاش لأجل الضحك والمتعة والتسلية. فشابه المشاهير المعاصرين في انتقاله من حفلٍ إلى حفل، ومن تسلية إلى تسلية. وفي النهاية، حكم بأن كل ذلك خَبَل أي «مَجْنُونٌ»، ولا إنجاز حقيقي فيه.
• لِلضَّحْكِ: “المرح السطحي الذي يأتي من متعة اللعب (أمثال ١٠: ٢٣) أو الحفلات (جامعة ١٠: ١٩)، أو ’الاستهزاء‘ الذي عاناه إرميا (إرميا ٢٠: ٧).” إيتون (Eaton)
• لِلْفَرَحِ: “المتعة المدروسة، أو فرح الأعياد الدينية (سفر العدد ١٠: ١٠؛ قضاة ١٦: ٢٣)، أو الامتنان في خدمة الرب (تثنية ٢٨: ٤٧)، أو إعلان ملكٍ (١ملوك ١: ٤٠).” إيتون (Eaton)
• ومع هذا، فإن إيتون (Eaton) حريص على أن يُضيف قائلًا: “لا يمكن دائمًا التمييز بين الأمرين تمييزًا تامًّا.”
• كتب كلارك (Clarke) عن ’لِلضَّحْكِ‘ و’لِلْفَرَحِ‘: “إنّه يقول للضحك بوجهه إنه ’مجنون،‘ ولكنّه يقول للفرح إنّه أمرٌ لا يجتذب ملاحظته، وبأنه يشير إليه مجرّد إشارة، ثم للفور يتجاهله.”
٢. اِفْتَكَرْتُ فِي قَلْبِي أَنْ أُعَلِّلَ جَسَدِي بِالْخَمْرِ… وَأَنْ آخُذَ بِالْحَمَاقَةِ: عاش الواعظ حياة مُمتلئة ومُشبَعة بمُتَع الخمر والتسليات الطائشة التافهة. فقد أراد أن يرى مَا هُوَ الْخَيْرُ لِبَنِي الْبَشَرِ حَتَّى يَفْعَلُوهُ إنْ كانت هذه الحياة هي كل ما هنالك.
ج) الآيات (٤-٨): البحث عن المعنى في العمل والإنجازات.
٤فَعَظَّمْتُ عَمَلِي: بَنَيْتُ لِنَفْسِي بُيُوتًا، غَرَسْتُ لِنَفْسِي كُرُومًا. ٥عَمِلْتُ لِنَفْسِي جَنَّاتٍ وَفَرَادِيسَ، وَغَرَسْتُ فِيهَا أَشْجَارًا مِنْ كُلِّ نَوْعِ ثَمَرٍ. ٦عَمِلْتُ لِنَفْسِي بِرَكَ مِيَاهٍ لِتُسْقَى بِهَا الْمَغَارِسُ الْمُنْبِتَةُ الشَّجَرَ. ٧قَنَيْتُ عَبِيدًا وَجَوَارِيَ، وَكَانَ لِي وُلْدَانُ الْبَيْتِ. وَكَانَتْ لِي أَيْضًا قِنْيَةُ بَقَرٍ وَغَنَمٍ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ الَّذِينَ كَانُوا فِي أُورُشَلِيمَ قَبْلِي. ٨جَمَعْتُ لِنَفْسِي أَيْضًا فِضَّةً وَذَهَبًا وَخُصُوصِيَّاتِ الْمُلُوكِ وَالْبُلْدَانِ. اتَّخَذْتُ لِنَفْسِي مُغَنِّينَ وَمُغَنِّيَاتٍ وَتَنَعُّمَاتِ بَنِي الْبَشَرِ، سَيِّدَةً وَسَيِّدَاتٍ.
١. فَعَظَّمْتُ عَمَلِي: لم يبحث الواعظ عن المعنى في أمور التسلية فقط، بل وفي الإنجازات العظيمة المشروعة أيضًا. حاول أن يعطي الحياة معنى من خلال الشبع الذي يأتي ببناء بيئة الإنسان وتنظيمها وتحسينها.
• “ولو كانت ردّة فعله مبالغًا بها في توجُّهه إلى المُتَع الباطلة، فإنّه الآن يكرِّس نفسه لأفراح الإبداع.” كيدنر (Kidner)
٢. جَنَّاتٍ وَفَرَادِيسَ… عَبِيدًا وَجَوَارِيَ… بَقَرٍ وَغَنَمٍ… فِضَّةً وَذَهَبًا: لو كان البناء والتحسين وجمع الغِنى العظيم والإنجازات يُعطي معنىً حقيقيًا للحياة، لكان الواعظ قد وجده.
• خُصُوصِيَّاتِ الْمُلُوكِ وَالْبُلْدَانِ: “١. الضرائب التي تتم جبايتها من رعاياه. ٢. الجزية التي يعطيها ملوك الممالك المجاورة. كلا هذين الأمرين يؤلِّفان خُصُوصِيَّاتِ الْمُلُوكِ، أي الضرائب والجزية.” كلارك (Clarke)
• تَنَعُّمَاتِ بَنِي الْبَشَرِ: “يمكن أن يشير الشيء الأخير في القائمة إلى زوجات سليمان وسَرارِيّه، ولكنّ الكلمة العبرية الواردة هنا لا ترد في مكان آخر” رايت (Wright). تنقلها ترجمة NIV إلى ’حريم.‘ وترجمة RSV إلى ’سَرارِيّ.‘ يمكن أن تكون الكلمة مرتبطة بالكلمة العبرية ’ثدي.‘ بحسب رايت (Wright)، ثمة كلمة كنعانية شبيهة تُستخدَم لترجمة الكلمة العبرية ’سريّة.‘ ولكن الترجمة العبرية التقليدية هي ’أدوات موسيقية‘ أو تَنَعُّمَاتِ بَنِي الْبَشَرِ.
د ) الآيات (٩-١١): تحليل يعتمد على البحث.
٩فَعَظُمْتُ وَازْدَدْتُ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلِي فِي أُورُشَلِيمَ، وَبَقِيَتْ أَيْضًا حِكْمَتِي مَعِي. ١٠وَمَهْمَا اشْتَهَتْهُ عَيْنَايَ لَمْ أُمْسِكْهُ عَنْهُمَا. لَمْ أَمْنَعْ قَلْبِي مِنْ كُلِّ فَرَحٍ، لأَنَّ قَلْبِي فَرِحَ بِكُلِّ تَعَبِي. وَهذَا كَانَ نَصِيبِي مِنْ كُلِّ تَعَبِي. ١١ثُمَّ الْتَفَتُّ أَنَا إِلَى كُلِّ أَعْمَالِي الَّتِي عَمِلَتْهَا يَدَايَ، وَإِلَى التَّعَبِ الَّذِي تَعِبْتُهُ فِي عَمَلِهِ، فَإِذَا الْكُلُّ بَاطِلٌ وَقَبْضُ الرِّيحِ، وَلاَ مَنْفَعَةَ تَحْتَ الشَّمْسِ.
١. فَعَظُمْتُ وَازْدَدْتُ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلِي فِي أُورُشَلِيمَ: إنجازات سليمان رفعته إلى مكانةٍ بارزة، وحصل في حياته على كل ما تعنيه كلمة ’شهرة.‘
٢. وَبَقِيَتْ أَيْضًا حِكْمَتِي مَعِي: في كل ما عمله سليمان، لم يفقد حكمته أو قدرته على التقييم الصادق للمعنى والإنجاز، على الأقل في إطار ’تَحْتَ الشَّمْسِ.‘
٣. وَمَهْمَا اشْتَهَتْهُ عَيْنَايَ لَمْ أُمْسِكْهُ عَنْهُمَا. لَمْ أَمْنَعْ قَلْبِي مِنْ كُلِّ فَرَحٍ: وهذه الكلمات لها معنى أكبر إذ تأتي من سليمان، الذي كانت لديه الموارد العظيمة لمنح عينيه ما ترغبان به، وكل متعةٍ يريدها قلبه.
• “كم هم الذين ماتوا بسبب ألم الحصول على كل ما يرونه بعيونهم!” تراب (Trapp)
٤. لأَنَّ قَلْبِي فَرِحَ بِكُلِّ تَعَبِي: يمكننا القول إن الواعظ عاش هذه الفترة كشخصٍ يسعى وراء المتعة، ولكنّ كشخصٍ ذكيّ. بحث عن مسرّات ومُتَع ’مشروعة‘ في الحياة، مثل المتعة التي يحصِّلها الإنسان في إنجازات العمل الجاد (نَصِيبِي مِنْ كُلِّ تَعَبِي).
٥. ثُمَّ الْتَفَتُّ أَنَا إِلَى كُلِّ أَعْمَالِي الَّتِي عَمِلَتْهَا يَدَايَ… فَإِذَا الْكُلُّ بَاطِلٌ وَقَبْضُ الرِّيحِ: فحص سليمان حياته التي عاشها لأجل المتعة – حتى المُتَع والمسرّات المشروعة – ورأى أن هذه أيضًا بلا معنى. الْكُلُّ بَاطِلٌ. لم يكن هناك إحساسٌ باقٍ أبديّ بالمعنى لحياة تُعاش لأجل هذه المسرّات والمتع والإنجازات الأرضية.
• “هذا الموقف حديث بقدر إحساس الملل (الشعور بعدم الشبع والرضى والنفع) الموجود في كل نفسٍ إنسانية تطلب المعرفة والمرح والغنى والحياة، وتنسى الله.” مورجان (Morgan)
ثانيًا. يقينية الموت وقسوته
أ ) الآيات (١٢-١٧): يساوي الموت بين الحكماء والحمقى.
١٢ثُمَّ الْتَفَتُّ لأَنْظُرَ الْحِكْمَةَ وَالْحَمَاقَةَ وَالْجَهْلَ. فَمَا الإِنْسَانُ الَّذِي يَأْتِي وَرَاءَ الْمَلِكِ الَّذِي قَدْ نَصَبُوهُ مُنْذُ زَمَانٍ؟ ١٣فَرَأَيْتُ أَنَّ لِلْحِكْمَةِ مَنْفَعَةً أَكْثَرَ مِنَ الْجَهْلِ، كَمَا أَنَّ لِلنُّورِ مَنْفَعَةً أَكْثَرَ مِنَ الظُّلْمَةِ. ١٤اَلْحَكِيمُ عَيْنَاهُ فِي رَأْسِهِ، أَمَّا الْجَاهِلُ فَيَسْلُكُ فِي الظَّلاَمِ. وَعَرَفْتُ أَنَا أَيْضًا أَنَّ حَادِثَةً وَاحِدَةً تَحْدُثُ لِكِلَيْهِمَا. ١٥فَقُلْتُ فِي قَلْبِي: «كَمَا يَحْدُثُ لِلْجَاهِلِ كَذلِكَ يَحْدُثُ أَيْضًا لِي أَنَا. وَإِذْ ذَاكَ، فَلِمَاذَا أَنَا أَوْفَرُ حِكْمَةً؟» فَقُلْتُ فِي قَلْبِي: «هذَا أَيْضًا بَاطِلٌ». ١٦لأَنَّهُ لَيْسَ ذِكْرٌ لِلْحَكِيمِ وَلاَ لِلْجَاهِلِ إِلَى الأَبَدِ. كَمَا مُنْذُ زَمَانٍ كَذَا الأَيَّامُ الآتِيَةُ: الْكُلُّ يُنْسَى. وَكَيْفَ يَمُوتُ الْحَكِيمُ كَالْجَاهِلِ! ١٧فَكَرِهْتُ الْحَيَاةَ، لأَنَّهُ رَدِيءٌ عِنْدِي، الْعَمَلُ الَّذِي عُمِلَ تَحْتَ الشَّمْسِ، لأَنَّ الْكُلَّ بَاطِلٌ وَقَبْضُ الرِّيحِ.
١. ثُمَّ الْتَفَتُّ لأَنْظُرَ الْحِكْمَةَ وَالْحَمَاقَةَ وَالْجَهْلَ: استمرّ الواعظ في البحث عن المعنى والحياة، وتبع مسارات الْحِكْمَةَ وَالْحَمَاقَةَ وَالْجَهْلَ أكثر، حتى آخر نقطةٍ فيها.
٢. فَمَا الإِنْسَانُ الَّذِي يَأْتِي وَرَاءَ الْمَلِكِ: تكلَّم سليمان عن نفسه هنا بصفته ابن داود (جامعة ١: ١)، ومع هذا، فقد تكلَّم أيضًا عن الإِنْسَانُ الَّذِي يَأْتِي وَرَاءَ الْمَلِكِ، أي خليفته (الذي تبين أنه رحبعام، ١ ملوك ١١: ٤٣). وقد فهم سليمان بشأن نفسه وخليفته أن الملكَ الجديد فَلَيسَ مِنْ جَدِيدٍ يَفعَلُهُ. فحتى بالنسبة للملك، ليس من شيءٍ جديدًا تَحْتَ الشَّمْس (جامعة ١: ٩).
٣. لِلْحِكْمَةِ مَنْفَعَةً أَكْثَرَ مِنَ الْجَهْلِ… وَعَرَفْتُ أَنَا أَيْضًا أَنَّ حَادِثَةً وَاحِدَةً تَحْدُثُ لِكِلَيْهِمَا: رأى الواعظ تفاهة حتى العيش بحكمة والمتعة والإنجازات في الحياة التي تُعاش تَحْتَ الشَّمْسِ من دون معرفة أن الأبدية حقيقية وأن الله مهمّ.
• مهما كان مقدار حكمة الإنسان أو جهلة، ومهما كان مقدار ما ينجزه أو لا ينجزه، ومهما كان مقدار المتعة التي يملكها الإنسان أو لا يملكها، حَادِثَةً وَاحِدَةً تَحْدُثُ لِكِلَيْهِمَا: فالجميع سيموتون. وبأخذ افتراض الواعظ في الاعتبار، بأن الأبدية والله غير مهمّين، فإن هذا هو الاستنتاج الوحيد الممكن.
• “يمكن لكلّ شيءٍ أن يُخبِرنا أن الحكمة ليست على مستوى واحد مع الحماقة، وأن الصلاح ليس على مستوى واحد مع الشر. ولكنّ هذا غير مهم، فإن كان الموت هو نهاية الطريق، فمهما كان اختيارنا (الحكمة والصلاح أو الحماقة والشر) لن يكون هو صاحب الكلمة الأخيرة.” كيدنر (Kidner)
٤. كَمَا يَحْدُثُ لِلْجَاهِلِ كَذلِكَ يَحْدُثُ أَيْضًا لِي أَنَا. وَإِذْ ذَاكَ، فَلِمَاذَا أَنَا أَوْفَرُ حِكْمَةً: إن كان الموت ينهي كلّ شيء، فإن هذه الحياة مسلوبة من المعنى الحقيقي. فحتى الإنجازات الصالحة والعظيمة في هذا العالم مؤقّتة بصورة لا تُصدَّق، وبالتالي فهي في النهاية بلا معنى وتافهة. الْحَكِيم يموت مثل الْجَاهِل. أصاب الواعظ حين نظر إلى هذا وقال: «هذَا أَيْضًا بَاطِلٌ».
٥. فَكَرِهْتُ الْحَيَاةَ… لأَنَّ الْكُلَّ بَاطِلٌ وَقَبْضُ الرِّيحِ: بالتسليم بما افترضه سليمان بشأن الحياة تَحْتَ الشَّمْس، كَرِهْ الْحَيَاةَ، لأنّها تافهة بلا معنى (الْكُلَّ بَاطِلٌ وَقَبْضُ الرِّيحِ).
• يقول آدم كلارك (Adam Clarke) إن الترجمة الحرفية لكلمة الْحَيَاةَ هي ’حيوات.‘ “حيوات الحكماء والحمقى والجهّال. وتشمل كل مراحل الحياة: الطفولة والرجولة والشيخوخة. ليس فيها ما يستحقّ السعي وراءه، وليس من فترة تستحقّ أن تعاش ثانيةً، وليس من رجاء أنّه لو كان هذا ممكنًا فيمكنني أن أعيشها بنجاح أكبر.”
• فَكَرِهْتُ الْحَيَاةَ: “إن كان الكذب مركز الوجود، والهراء نهايته، فمن لديه الجرأة للاستفادة منه في أيّ شيء؟” كيدنر (Kidner)
• “لم تكن لديه أوهام، وبالتأكيد ينبغي لنا نحنُ أيضًا ألا تكون لدينا أوهام، نحنُ الذين سمعنا من اللادينيين قولهم إن كوكبنا ينازع الحياة.” كيدنر (Kidner)
ب) الآيات (١٨-٢٣): الموت يهزم كل الإنجازات.
١٨فَكَرِهْتُ كُلَّ تَعَبِي الَّذِي تَعِبْتُ فِيهِ تَحْتَ الشَّمْسِ حَيْثُ أَتْرُكُهُ لِلإِنْسَانِ الَّذِي يَكُونُ بَعْدِي. ١٩وَمَنْ يَعْلَمُ، هَلْ يَكُونُ حَكِيمًا أَوْ جَاهِلًا، وَيَسْتَوْلِي عَلَى كُلِّ تَعَبِي الَّذِي تَعِبْتُ فِيهِ وَأَظْهَرْتُ فِيهِ حِكْمَتِي تَحْتَ الشَّمْسِ؟ هذَا أَيْضًا بَاطِلٌ. ٢٠فَتَحَوَّلْتُ لِكَيْ أَجْعَلَ قَلْبِي يَيْئَسُ مِنْ كُلِّ التَّعَبِ الَّذِي تَعِبْتُ فِيهِ تَحْتَ الشَّمْسِ. ٢١لأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ إِنْسَانٌ تَعَبُهُ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَعْرِفَةِ وَبِالْفَلاَحِ، فَيَتْرُكُهُ نَصِيبًا لإِنْسَانٍ لَمْ يَتْعَبْ فِيهِ. هذَا أَيْضًا بَاطِلٌ وَشَرٌّ عَظِيمٌ. ٢٢لأَنَّهُ مَاذَا لِلإِنْسَانِ مِنْ كُلِّ تَعَبِهِ، وَمِنِ اجْتِهَادِ قَلْبِهِ الَّذِي تَعِبَ فِيهِ تَحْتَ الشَّمْسِ؟ ٢٣لأَنَّ كُلَّ أَيَّامِهِ أَحْزَانٌ، وَعَمَلَهُ غَمٌّ. أَيْضًا بِاللَّيْلِ لاَ يَسْتَرِيحُ قَلْبُهُ. هذَا أَيْضًا بَاطِلٌ هُوَ.
١. فَكَرِهْتُ كُلَّ تَعَبِي… حَيْثُ أَتْرُكُهُ لِلإِنْسَانِ الَّذِي يَكُونُ بَعْدِي: لم يكره سليمان الحياة فحسب بسبب هذا التفكير (جامعة ٢: ١٧)، بل كره أيضًا إنجازاته، قائلًا عنها: هذَا أَيْضًا بَاطِلٌ.
• بدا أن فكرة إمكانية أن يترك سليمان كل تعبه وثروته المادية لجَاهِل تسبِّب له الإزعاج. وقد كان هذا الخوف في مكانه، لأنّه بعد موت سليمان، اتّضح أن رحبعام كان جَاهِلًا في نواحٍ كثيرة (١ملوك ١٢؛ ١ملوك ١٤: ٢١-٣١).
• “مؤسف أن سليمان، أحكم كل البشر، استخدم حكمته بأسوأ صورة، إذ مع أنه كانت لديه سبع مئة زوجة وثلاث مئة سريّة، لم يتركَ ابنًا واحدًا وراءه يمتلك ما حصّله وعرشه، فمن ارتقى عرشه كان أسخف الحمقى والجهّال!” كلارك (Clarke)
٢. لأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ إِنْسَانٌ تَعَبُهُ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَعْرِفَةِ وَبِالْفَلاَحِ، فَيَتْرُكُهُ نَصِيبًا لإِنْسَانٍ لَمْ يَتْعَبْ فِيهِ: بحسب الافتراض الذي قدَّمه سليمان، كانت أفكار الموت تطارده، ليس بمعنى خوفه من الموت، بل بسبب يأسه وحزنه من كيف يجعل الموت (إن كان الموت ينهي الوجود) كل شيء تافهًا وبلا معنى.
• فَتَحَوَّلْتُ لِكَيْ أَجْعَلَ قَلْبِي يَيْئَسُ مِنْ كُلِّ التَّعَبِ الَّذِي تَعِبْتُ فِيهِ تَحْتَ الشَّمْسِ: “الاستنتاج الوحيد هو أنّ كل شيءٍ بلا قيمة. ينتج عن هذا جحيم من نتائج اليأس. سليمان ’سمح لقلبه بأن ييأس‘ (وهو المعنى الذي نفهمه للفعل العبري). وهذه إحدى أكثر نقاط العهد القديم تأثيرًا، وهي ضدّ فكرة العهد الجديد بأن تعبنا ’ليس باطلًا في الرب‘ (١ كورنثوس ١٥: ٥٨).” إيتون (Eaton)
٣. لأَنَّ كُلَّ أَيَّامِهِ أَحْزَانٌ، وَعَمَلَهُ غَمٌّ. أَيْضًا بِاللَّيْلِ لاَ يَسْتَرِيحُ قَلْبُهُ: إن كان القلب يسلب عملنا معناه، فإن الحياة تكون أَحْزَانٌ وعملنا يكون ثقيلًا و غَمًّا، وليس من راحة (لاَ يَسْتَرِيحُ) من يأس تفاهة الحياة. هذَا أَيْضًا بَاطِلٌ.
• في الحقيقة، الأمر أسواء من البَاطِل. فقد لاحظ الواعظ أنّه تَحْتَ الشَّمْسِ، هذا الأمر شَرٌّ عَظِيمٌ.
• يلمِّح الواعظ إلى سؤال حيوي: لماذا يزعجنا هذا الأمر هكذا؟ فإن كان هذا نصيب الإنسان، وكان هذا هو الحال دائمًا، وإن كانت كل فكرة بشأن معنى أبدي للحياة أمنية ومجرَّد خيال، فلماذا تسبِّب هذه الفكرة عدم الرضى وعدم الاكتفاء في معظم الناس؟ قد يتمنّى الإنسان أن يطير مثل عصفور، ولكنّ ثمة معنى بسيط من التفاهة في قلب الرجل أو المرأة لأنه لا يستطيع أن يطير مثل العصفور. سبب هذا هو أن الإنسان لم يُصمَّم ليطير كالعصفور، بل هو مصمَّم للأبدية.
• “بصورة غير مقصودة، هذه الاستجابة المُرّة شهادة على قدرتنا على مراقبة حالتنا وتقييمها. غضبنا على ما هو سائد عالميًا ولا يمكن تجنُّبه يشير إلى نوعٍ من عدم الرضا الإلهي، ويلمِّح إلى ما يدعوه القول العظيم في جامعة ٣: ١١ بـ’الأبدية‘ في قلب الإنسان.” كيدنر (Kidner)
ثالثًا. كيف نعيش الحياة تَحْتَ الشَّمْسِ
أ ) الآيات (٢٤-٢٥): الاحتفاظ بموقف سليم بالرغم من اليأس.
٢٤لَيْسَ لِلإِنْسَانِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ وَيُرِيَ نَفْسَهُ خَيْرًا فِي تَعَبِهِ. رَأَيْتُ هذَا أَيْضًا أَنَّهُ مِنْ يَدِ اللهِ. ٢٥لأَنَّهُ مَنْ يَأْكُلُ وَمَنْ يَلْتَذُّ غَيْرِي؟
١. لَيْسَ لِلإِنْسَانِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ: هذه الفكرة مهمة وبارزة في سفر الجامعة، وتتكرَّر حوالي خمس مرّات. يبدو أن سفر الجامعة ينصحنا بأن نستفيد بأفضل صورة من الأوضاع السيئة. فإن كانت الحياة مسبِّبة لليأس وتافهة حقًا، كما أظهر الكاتب، فعلينا ببساطة أن نقبل فكرة أنّه يستحيل إيجاد المعنى الحقيقي، وأن نجد ببساطة الرضا والشبع في المُتَع والمسرّات المعتدلة والمتّسمة بالمسؤولية.
• يسود هذا التفكير عالمنا اليوم. قليلون هم الذين يعيشون لأجل المعنى الحقيقي والأبدي في حياتهم، ولذا يعيشون بقواعد تَحْتَ الشَّمْسِ. إنّهم يجتهدون للتمتُّع بالحياة وللهو، وليكونوا لطفاء، ولئلا يعلقوا في عمل الشرّ، ويحاولون ألا يؤذوا أحدًا.
• قد ينجح هذا التفكير في تحسين وضعٍ سيّئ، ولكنّه لا يعطي معنى حقيقيًا للحياة في ضوء الأبدية.
• “يبدو أن هذا يحمل نكهة الإبيقورية (اِنْغِماسٌ في الشَّهَوات)، مثلما نرى أيضًا في بعض المقاطع التالية في السِفر. لهذا السبب كان بعض المُعلِّمين اليهود القدماء يميلون إلى إبعاد هذا السِفر عن الناس، وعدم السماح لعامّة الناس بأن يروه في ما بعد.” تراب (Trapp)
٢. رَأَيْتُ هذَا أَيْضًا أَنَّهُ مِنْ يَدِ اللهِ: نرى ثانيةً أن الواعظ لم يكن ملحدًا، فمؤكَّد أنّه يؤمن بالله. ولكنّ إله الواعظ ليس الإله الذي يهتمّ ويعطي معنى للحياة في صِلاتها بالأبدية. فإله الواعظ ببساطة يعلِّمنا أن نستفيد بأكبر قدرٍ ممكن من الأوضاع السيّئة.
• “كل شيءٍ باطل. العيش تَحْتَ الشَّمْسِ هو أن نُقرِّر أخيرًا أن الأمر الطبيعي لنا بأن نعمله هو أن نقبل ما يأتي إلينا. وهكذا، يكون محتومًا أن تصير الماديّة قدريةً.” مورجان (Morgan)
٣. لأَنَّهُ مَنْ يَأْكُلُ وَمَنْ يَلْتَذُّ غَيْرِي: بأخذ افتراض ومنظور الواعظ في الاعتبار، ينبغي لحياته أن تكون الفضلى في عالمٍ تافهٍ بلا معنى. يمكنه أن يستمتع بعالم اليأس هذا بصورة أفضل من أيِّ شخصٍ آخر. ومع هذا، كانت حياته أفقر بصورة غير محدودة من أوضع حياة تُعاش بمعنى حقيقي.
ب) الآية (٢٦): ربما يكون ما يبدو ظُلمًا في هذا العالم لخير الإنسان.
٢٦لأَنَّهُ يُؤْتِي الإِنْسَانَ الصَّالِحَ قُدَّامَهُ حِكْمَةً وَمَعْرِفَةً وَفَرَحًا، أَمَّا الْخَاطِئُ فَيُعْطِيهِ شُغْلَ الْجَمْعِ وَالتَّكْوِيمِ، لِيُعْطِيَ لِلصَّالِحِ قُدَّامَ اللهِ. هذَا أَيْضًا بَاطِلٌ وَقَبْضُ الرِّيحِ.
١. لأَنَّهُ يُؤْتِي الإِنْسَانَ الصَّالِحَ قُدَّامَهُ حِكْمَةً وَمَعْرِفَةً وَفَرَحًا: تأمَّل سليمان بكيف يبدو أحيانًا أن ما جمعه الْخَاطِئ قد أُعطي لِلصَّالِحِ قُدَّامَ اللهِ. قد يبدو هذا غير مُنصِف، ولكن حتّى تَحْتَ الشَّمْسِ يبدو أن الظُلم يكون لخير الإنسان.
• “حقيقة أنّ ما جمعه الخاطئ يذهب في النهاية للبار ليست سوى مفارقة ساخرة مع ما بدا في أي حالةٍ ’باطلًا‘ و’قبض الريح.‘” كيدنر (Kidner)
٢. هذَا أَيْضًا بَاطِلٌ وَقَبْضُ الرِّيحِ: عرف الواعظ أن ما بدا إعادة توزيع من يد الله لم يكن كافيًا لإعطاء معنى حقيقي لحياة تُعاش تَحْتَ الشَّمْسِ.