عبرانيين – الإصحاح ٣
يسوع أعظم من موسى
أولاً. من هو يسوع
أ ) الآية (١أ): إِذاً، من نحن في ضوء ما سبق ذكره.
١مِنْ ثَمَّ أَيُّهَا الإِخْوَةُ الْقِدِّيسُونَ، شُرَكَاءُ الدَّعْوَةِ السَّمَاوِيَّةِ…
- مِنْ ثَمَّ: بناء على الحق الذي عرفناه عن المسيح كرئيس كهنتنا السماوي في الأصحاح السابق، هذا بالتالي يقودنا لتناول موقعنا ومركزنا. ففهمنا لمن نحن بناء على مركز يسوع وعمله ضروري ليكون فهمنا لإيماننا سليماً، فهذا الفهم يجنبنا بعض جوانب الفشل والإحباط التي عانى منها مؤمنو رسالة العبرانيين.
- أَيُّهَا الإِخْوَةُ الْقِدِّيسُونَ: فهذا إذاً مركزنا وهذه مكانتنا لأن يسوع يرانا هكذا، لأن رئيس كهنتنا السماوي القدوس لا يخجل من أن يدعونا إخوة (عبرانيين ١١:٢) وهذا ينبغي أن يكون سبب بركة وتشجيع لنا.
- شُرَكَاءُ الدَّعْوَةِ السَّمَاوِيَّةِ: بما أن يسوع وعد بأن يأتي بِأَبْنَاءٍ كَثِيرِينَ إِلَى الْمَجْدِ (عبرانيين ١٠:٢) فنحن إذاً شركاء في هذه الدعوة السماوية، ولا بد أن يكون هذا سبب بركة وتشجيع لنا لكي نمضي قدماً رغم الصعوبات والتجارب.
ب) الآية (١ب): إِذَاً: ماذا يتعين أن نفعل في ضوء الفقرات السابقة.
١… لاَحِظُوا رَسُولَ اعْتِرَافِنَا وَرَئِيسَ كَهَنَتِهِ الْمَسِيحَ يَسُوعَ.
- لاَحِظُوا رَسُولَ: لا تستخدم هذه الكلمة غالبًا للإشارة إلى يسوع، لكنه في الحقيقة رسولنا. والكلمة اليونانية القديمة المترجمة ’رَسُولَ‘ تعني أيضاً ’سفير.‘ وبهذا المعنى يكون يسوع هو السفير الأعلى لله الآب (عبرانيين ١:١-٢). إذ أراد الله الآب أن يبعث لنا برسالة محبة مهمة جدًا فأرسلها بواسطة المسيح يسوع.
- الكلمة اليونانية القديمة التي ترجمت ’لاَحِظُوا‘: “لا تعني مجرد النظر إلى شيء ما أو ملاحظته. إذ يمكن لأي شخص أن ينظر إلى شيء أو أن يلاحظه دون تمعن. لكن الكلمة تعني تركيز الاهتمام على الشيء بحيث يمكن تعلم المعنى أو الدرس الذي وضع هذا الشيء لأجله.” باركلي (Barclay) فهذه الكلمة دعوة جادة للتمعن والتعلم والفهم.
- الرسالة واضحة: لاَحِظُوا أو تأملوا في هذا… تأمل في حقيقة أن الله يحبك حتى أنه أرسل لك الرسول الأعظم الْمَسِيحَ يَسُوعَ، وتأمل أيضًا في أهمية توجيه نظرك إلى ذلك الرَسُول الأعظم الْمَسِيحَ يَسُوعَ.
- اختار الله أيضًا سفراء موثوقين للكنيسة هم الرسل أو التلاميذ الاثني عشر. ولا زال الله يعين سفراء ومرسلين لأمور أخرى، وهكذا نحن جميعًا سفراء لله، ولكن كان يسوع بالتأكيد هو السفير الأعظم للآب.
- لاَحِظُوا … رَئِيسَ كَهَنَتِهِ: يسوع هو من يمثلنا أمام الآب، وهو من يمثل الآب لنا. فالله يحبنا كثيرًا لدرجة أنه جعل الوسيط الأعظم أي رئيس الكهنة وسيطاً بينه وبين الإنسان الخاطئ.
- الرسالة واضحة: تأمل في حقيقة أن الله يحبك لدرجة أنه جعل لك رئيس كهنة مثل هذا. وبما أن لنا رئيس كهنة كهذا فعلينا أن نكرم رئيس كهنتنا يسوع المسيح ونخضع له.
- اعْتِرَافِنَا: يسوع هو سفيرنا وممثلنا ووسيط اعْتِرَافِنَا. فالمسيحية هي اعتراف بواسطة الفم والحياة (متى ٣٢:١٠، رومية ٩:١٠).
- كلمة ’اعتراف‘ تعني الإقرار، أي ’أن تقول ذات الشيء.‘ فحين نعترف بخطايانا فنحن ’نقول ذات الشيء‘ الذي يقوله الله عنها. وبالنسبة للخلاص فهو إقرار أو إعتراف المؤمنين أيضاً بحاجتهم للخلاص وبتدبير الله للخلاص في يسوع.
ب) الآية (٢): لاحظ أمانة يسوع فيما أقامه الآب لأجله.
٢حَالَ كَوْنِهِ أَمِينًا لِلَّذِي أَقَامَهُ، كَمَا كَانَ مُوسَى أَيْضًا فِي كُلِّ بَيْتِهِ.
- كَوْنِهِ أَمِينًا: عندما ننظر إلى أمانة يسوع في الماضي نعلم أنه سيظل أَمِينًا في المستقبل. وكما كان أَمِينًا لله الآب (لِلَّذِي أَقَامَهُ)، فسيكون أَمِينًا لنا، وهذا سبب للبركة والتشجيع.
- كَمَا كَانَ مُوسَى أَيْضًا فِي كُلِّ بَيْتِهِ: كان موسى أميناً في خدمته؛ لكن يسوع كان أميناً إلى المنتهى متفوقاً حتى على موسى.
ثانياً. يسوع أعظم من موسى
أ ) الآية (٣ أ): نال يسوع مجداً أكثر من موسى.
٣فَإِنَّ هذَا قَدْ حُسِبَ أَهْلًا لِمَجْدٍ أَكْثَرَ مِنْ مُوسَى،
- مُوسَى: انعكس مجد الله على موسى بشكل كبير وظهر هذا في وجهه الذي صار يلمع بعد قضاء وقت مع الله (خروج ٢٩:٣٤-٣٥) وفي تبريره أمام مريم وهارون (العدد ٦:١٢-٨) وأمام أبناء قورح (سفر العدد ١٦).
- فَإِنَّ هذَا قَدْ حُسِبَ أَهْلًا لِمَجْدٍ أَكْثَرَ مِنْ مُوسَى: لكن نال يسوع المسيح مجداً أكثر بكثير من الآب في معموديته (متى ١٦:٣-١٧) وفي التجلي (مرقس ٧:٩) وفي قيامته (أعمال الرسل ٢٦:٢-٢٧، ٣١:٢-٣٣).
ب) الآيات (٣ب-٦): موسى الخادم، يسوع الابن.
٣… بِمِقْدَارِ مَا لِبَانِي الْبَيْتِ مِنْ كَرَامَةٍ أَكْثَرَ مِنَ الْبَيْتِ. ٤لأَنَّ كُلَّ بَيْتٍ يَبْنِيهِ إِنْسَانٌ مَا، وَلكِنَّ بَانِيَ الْكُلِّ هُوَ اللهُ. ٥وَمُوسَى كَانَ أَمِينًا فِي كُلِّ بَيْتِهِ كَخَادِمٍ، شَهَادَةً لِلْعَتِيدِ أَنْ يُتَكَلَّمَ بِهِ. ٦وَأَمَّا الْمَسِيحُ فَكَابْنٍ عَلَى بَيْتِهِ. وَبَيْتُهُ نَحْنُ إِنْ تَمَسَّكْنَا بِثِقَةِ الرَّجَاءِ وَافْتِخَارِهِ ثَابِتَةً إِلَى النِّهَايَةِ.
- بِمِقْدَارِ مَا لِبَانِي الْبَيْتِ مِنْ كَرَامَةٍ أَكْثَرَ مِنَ الْبَيْتِ: كان موسى واحداً من عائلة الله، لكن يسوع هو خالق ورب ذلك الْبَيْتِ الذي يستحق المجد الأعظم.
- وفقاً لموريس (Morris)، اعتبر المعلمون اليهود القدامى موسى أعظم رجل على الإطلاق، وأعظم من الملائكة. وكاتب العبرانيين لا ينتقص من موسى لكنه ينظر إلى موسى في ضوء علاقته مع يسوع.
- وَمُوسَى كَانَ أَمِينًا فِي كُلِّ بَيْتِهِ كَخَادِمٍ… وَأَمَّا الْمَسِيحُ فَكَابْنٍ عَلَى بَيْتِهِ: كان موسى خادمًا أميناً لكنه لم ينل أبدًا صفة الابن كما كان يسوع. وهذا يدل على أن يسوع أعظم من موسى.
- وَبَيْتُهُ نَحْنُ إِنْ تَمَسَّكْنَا: نحن أعضاء في بيت يسوع إِنْ تَمَسَّكْنَا. فكاتب العبرانيين يشجع هنا من يفكرون بالتخلي عن الإيمان، ويساعدهم على أن يصمدوا ويتمسكوا حتى النهاية من خلال شرح فوائد الاستمرار في الحياة مع يسوع.
- يظهر الالتزام الحقيقي بالحياة مع يسوع على المدى الطويل وليس فقط في أول الإيمان. “وَاثِقًا بِهذَا عَيْنِهِ أَنَّ الَّذِي ابْتَدَأَ فِيكُمْ عَمَلاً صَالِحًا يُكَمِّلُ إِلَى يَوْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ” (فيلبي ٦:١).
- وَبَيْتُهُ نَحْنُ: الآية في بطرس الأولى ٢: ٤-٥ تقول إننا نبنى بيتًا روحيًا من حجارة حية. فالله يريد أن يبني من خلال شعبه كما يبنى المنزل.
ثالثاً. تطبيق حقيقة تفوق يسوع على موسى
أ ) الآيات (٧-١١): اقتباس من مزمور ٧:٩٥-١١ وأهميته.
٧لِذلِكَ كَمَا يَقُولُ الرُّوحُ الْقُدُسُ: «الْيَوْمَ، إِنْ سَمِعْتُمْ صَوْتَهُ ٨فَلاَ تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ، كَمَا فِي الإِسْخَاطِ، يَوْمَ التَّجْرِبَةِ فِي الْقَفْرِ ٩حَيْثُ جَرَّبَنِي آبَاؤُكُمُ. اخْتَبَرُونِي وَأَبْصَرُوا أَعْمَالِي أَرْبَعِينَ سَنَةً. ١٠لِذلِكَ مَقَتُّ ذلِكَ الْجِيلَ، وَقُلْتُ: إِنَّهُمْ دَائِمًا يَضِلُّونَ فِي قُلُوبِهِمْ، وَلكِنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا سُبُلِي. ١١حَتَّى أَقْسَمْتُ فِي غَضَبِي: لَنْ يَدْخُلُوا رَاحَتِي».
- لِذلِكَ كَمَا يَقُولُ الرُّوحُ الْقُدُسُ: أخبرنا روح الله (من خلال كلمته) أن يسوع المسيح أعظم من موسى، وهذه الحقيقة يجب أن تقود إلى سلوك ما. وفيما يلي سيشجع كاتب العبرانيين ذلك السلوك.
- فَلاَ تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ: إن كانت مسؤولية أولئك الذين تبعوا موسى أن يطيعوا ويثقوا ويتبعوا ذلك القائد الذي عينه الله، فنحن كذلك مسؤولون أكثر بكثير عن فعل الشيء نفسه مع قائد أعظم هو يسوع المسيح.
- الكلام واضح. فحين يتكلم إلينا الروح القدس علينا أن نصغي وألا نسمح أن تقسّى قلوبنا. فالروح يتحدث من خلال الكتاب المقدس وفي قلوب شعبه ومن خلال الذين يدعوهم للخلاص ومن خلال أعماله.
- وكما يتكلم الروح بطرق عديدة، يمكن أيضًا أن تقسّى قلوبنا بعدة طرق.
- تقسّى قلوب البعض من خلال العودة إلى حياة اللامبالاة.
- تقسّى قلوب البعض بعدم الإيمان.
- تقسّى قلوب البعض من خلال طلب آيات أو معجزات أكثر.
- تقسّى قلوب البعض من خلال اعتمادهم الكامل على رحمة الله.
- الْيَوْمَ: هناك إلحاح في دعوتنا للاستماع لصوت الروح القدس. فالروح لا يحثنا على التصالح مع الله غداً أو أن نثق في الأمس – يريدنا الروح القدس أن نتصرف الْيَوْمَ.
- الروح القدس يشدد على كلمة الْيَوْم ليؤكد أن الدعوة حقيقية. ونحن نعلم أن الروح القدس يريد حقًا أن نأتي إلى يسوع لأنه يقول ’الْيَوْمَ.‘ فإن دعاني أحدهم إلى منزله لتناول العشاء دون تحديد يوم أو وقت فسأعلم أن الدعوة ليست جدية. ولكن حين يقول: “تعال في هذا اليوم في هذا الوقت” فسأعلم أنها دعوة حقيقية وأنه يريد مني الحضور وأنه سيكون مستعداً لزيارتي. والروح القدس هنا يحدد وقتًا لدعوته – وهو الْيَوْمَ!
- أشار شارلز سبيرجن (Charles Spurgeon) إلى سبب إلحاح الروح القدس هنا: “يريد الروح أن يقوم بدوره المفضل وهو ’المعزي‘ ولكنه لا يستطيع أن يعزي الأشرار أو أولئك من يقسّون قلوبهم، فتعزية هؤلاء ستؤدي إلى هلاكهم. ولأنه يسّر بكونه المعزي الذي أُرسل من الآب ليعزي شعب الله، فهو يعاين القلوب الكسيرة والأرواح المنكسرة ويشفي جراحها ببلسم جلعاد.”
- لا بد أن يكون لنا نحن أيضاً ذات الشعور بإلحاح الدعوة. “فكر في أقوى شخص تعرفه، وتخيل أن كل ما يتعلق بأبديتك أنت يرتبط بحياة ذلك الشخص وصحته. كم ستقلق حين تسمع عن مرضه؟ وهكذا حالك أيها الخاطئ، فخلاصك يعتمد على نوعية حياتك؟ فهل مصيرك مضمون؟” سبيرجن (Spurgeon)
- كَمَا فِي الإِسْخَاطِ (يَوْمَ تَمَرَّدْتُمْ)، يَوْمَ التَّجْرِبَةِ: يشير يَوْمَ التَّجْرِبَةِ إلى المخاصمة التي حدثت عند عين ماء مريبة في سفر العدد ١:٢٠-١٣. وبشكل عام تشير الكلمة إلى عدم إيمان شعب إسرائيل ورفضهم دخول أرض الميعاد بعد خروجهم من مصر (سفر العدد ٣٠:١٣–١٠:١٤). لم يسرّ الله بعدم إيمانهم وحكَم على ذلك الجيل غير المؤمن بالموت في البرية (سفر العدد ٢٢:١٤-٢٣ و ٢٨:١٤-٣٢).
- نرى هنا استمرارية عمل الله بين شعبه عبر العصور، ومن هذه الحادثة يمكننا أن نتعلم من أخطاء شعب الله في القديم.
- وَأَبْصَرُوا أَعْمَالِي أَرْبَعِينَ سَنَةً: بسبب عدم إيمانهم واجه شعب إسرائيل أخيراً الدينونة التي أعلنت بعد أَرْبَعِينَ سَنَة. وكتب هذا التحذير في العبرانيين بعد نحو أَرْبَعِينَ سَنَةً من رفض اليهود ليسوع. وكان غضب الله سيأتي سريعًا على شعب إسرائيل الذي رفض يسوع وتحقق بتدمير الرومان لأورشليم.
- لِذلِكَ مَقَتُّ ذلِكَ الْجِيلَ: أعلن غضب الله على ذلِكَ الْجِيلَ بسبب عدم إيمانهم إذ رفضوا أن يثقوا أن الله سيفعل الأشياء العظيمة التي وعدهم بها. لهذا لَنْ يَدْخُلُوا الراحة التي أعدها الله لهم، أي أرض كنعان.
ب) الآيات (١٢-١٥): اُنْظُرُوا: لا تكونوا مثل ذلك الجيل الذي فني في البرية.
١٢اُنْظُرُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ لاَ يَكُونَ فِي أَحَدِكُمْ قَلْبٌ شِرِّيرٌ بِعَدَمِ إِيمَانٍ فِي الارْتِدَادِ عَنِ اللهِ الْحَيِّ. ١٣بَلْ عِظُوا أَنْفُسَكُمْ كُلَّ يَوْمٍ، مَا دَامَ الْوَقْتُ يُدْعَى الْيَوْمَ، لِكَيْ لاَ يُقَسَّى أَحَدٌ مِنْكُمْ بِغُرُورِ الْخَطِيَّةِ. ١٤لأَنَّنَا قَدْ صِرْنَا شُرَكَاءَ الْمَسِيحِ، إِنْ تَمَسَّكْنَا بِبَدَاءَةِ الثِّقَةِ ثَابِتَةً إِلَى النِّهَايَةِ، ١٥إِذْ قِيلَ: «الْيَوْمَ، إِنْ سَمِعْتُمْ صَوْتَهُ فَلاَ تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ، كَمَا فِي الإِسْخَاطِ».
- أَنْ لاَ يَكُونَ فِي أَحَدِكُمْ قَلْبٌ شِرِّيرٌ بِعَدَمِ إِيمَانٍ: نرى صرامة في هذه الكلمات كوننا غالباً نستهين بعواقب عدم إيماننا. فرفض الإيمان بالله خطيئة خطيرة تنم عن قلب شرير وعن ابتعاد عن الله الحي.
- “عدم الإيمان ليس هو عدم القدرة على الفهم لكنه عدم الرغبة في الثقة… فالأمر يتعلق بالإرادة وليس الذكاء.” نويل (Newell)
- يمكن للإنسان أن يؤمن بالله كلياً مع بعض الشكوك المزعجة أحياناً، والنفس التي لديها هذه الشكوك تريد وعود الله لكنها تمر بلحظات من ضعف الإيمان. أما عدم الإيمان فليس مجرد ضعف إيمان لكنه معارضة الإيمان.
- “غالباً ما يتم الاستخفاف بالخطيئة العظمى المتمثلة في عدم الإيمان بالرب يسوع المسيح ويتم الحديث عنها كما لو أنها ليست خطيئة على الإطلاق؛ لكن وفقًا للنص الكتابي ووفقًا لروح نص الكتاب المقدس فإن عدم الإيمان هو تكذيب الله، أيوجد أسوأ من هذا؟” سبيرجن (Spurgeon)
- “اسمع يا غير المؤمن، أنت قلت: ’لا يمكنني أن أؤمن،‘ لكنك ستكون أكثر صدقاً مع نفسك إن قلت: ’لن أؤمن.‘ فهذا بيت القصيد. فعدم إيمانك هو خطؤك أنت وليس مجرد حدث عارض. إنه ابتلاء، إنه أيضًا جريمة، وسيكون سبب تعاستك، لكن هذا ما تستحقه جزاء إنكارك البشع لإله الحق.” سبيرجن (Spurgeon)
- “ألم أسمع أحداً يقول: ’آه يا سيد، لقد كنت أحاول أن أؤمن لسنوات.‘ يا له من ادعاء فظيع ويزيد حالك سوءاً! تخيل أنه بعد أن أقول شيئاً يأتي شخص ليقول إنه لم يصدقني رغم أنه يرغب في ذلك. لا بد أني سأشعر بالضيق؛ لكنه سيزيد الأمر سوءًا إن أضاف: ’في الحقيقة منذ سنوات وأنا أحاول أن أصدقك، لكن لا يمكنني ذلك.‘ ماذا يقصد بهذا؟ يقصد أن يقول: إني كاذب لدرجة لا يمكنه فيها أن يصدقني، ورغم أنه يود أن يصدقني، لكنه لا يستطيع. وهكذا، فأي شخص يقول: ’لقد كنت أحاول أن أؤمن بالله،‘ هو في الواقع ينطق بهذه الإهانة في حق الله العليّ.” سبيرجن (Spurgeon)
- اللهِ الْحَيِّ: “هذا اللقب الإلهي له أهمية قصوى، ويبيّن لنا أن شخصية ومكانة الله لا تتغير بالنسبة للمؤمن أو لغير المؤمن.” جريفيث – توماس (Griffith-Thomas)
- بَلْ عِظُوا أَنْفُسَكُمْ كُلَّ يَوْمٍ: إن كنا نريد أن ينمو إيماننا وأن نتجنب ضعف الإيمان علينا أن نكون بصحبة مؤمنين آخرين قادرين على تشجيعنا. وهذا يدل على مسؤوليتنا نحن أيضاً في إعطاء الإرشاد وقبوله من الآخرين أيضاً، وعلى أن نعظ بعضنا البعض يومياً. فمن السهل أن تحكم على الآخرين وتنتقدهم، لكن ليس هذا المقصود بالوعظ هنا.
- إذا كنت لست في شركة مع آخرين فلا يمكنك أن تعظ أحداً ولا لأحد أن يعظك. وبهذا سيكون من السهل أن نُقَسَّى بِغُرُورِ الْخَطِيَّةِ.
- يعتقد البعض أن وصية يسوع بشأن القذى الذي في عين أخينا والخشبة التي في عيننا (متى ٥:٧) تعني أنه ليس علينا أن نعظ بعضنا البعض. ولكن يأمرنا يسوع في الواقع أن نزيل الخشبة التي في عيننا قبل أن نتعامل مع القذى في عين أخينا. فهو لم يطلب منا تجاهل القذى في الآخرين، لكنه طلب منا أن ننتبه للأولويات.
- هذا التأكيد على أهمية الشركة يناقض تفكير المجتمع الذي نعيش فيه. فقد وجدت دراسة أجريت في الولايات المتحدة أن أكثر من ٧٨ ٪ من عامة الناس و٧٠ ٪ ممن يرتادون الكنيسة يعتقدون أنه “يمكنك أن تكون مؤمناً جيدًا دون حضور الكنيسة.” روف وماكني (Roof and McKinney)
- “عليك أن تهتم بإخوتك، وأن تعظوا وتشجعوا بعضكم بعضًا يوميًا، وبالأخص قادة الكنيسة والشيوخ وذوي الخبرة. وانتبه إن تدهور حال أحد إخوتك في الكنيسة أو إن تقسّى قلب أحد الإخوة ووصل درجة عدم الإيمان الذي يقود إلى الهلاك. فمن يشجعك على الانتباه لنفسك لا يريد لك أنانية العناية بنفسك فقط، فتصبح مثل قابيل الذي تجرأ وقال للرب: “أحارس أنا لأخي؟” سبيرجن (Spurgeon)
- لِكَيْ لاَ يُقَسَّى أَحَدٌ مِنْكُمْ: على المؤمنين أن يحرصوا على تجنب قساوة القلب. فبتلك الخطيئة الخفية التي تستمتع بها دون أن يشك أحد فيك لأنها تخفيها جيدًا، أنت تخدع نفسك، معتقداً أنها ليست شيئاً مهماً لأنه يمكنك دائماً أن تطلب المغفرة، وأنه يمكنك دائماً أن تتغلب على هذه الخطية وأن تسلم نفسك ليسوع بالكامل في الأشهر أو السنوات القادمة. لكن ما لا تستطيع رؤيته هو حقيقة أن خطيتك الخفية هذه تقسّي قلبك. وكلما تقسّى قلبك أكثر وصار أقل تحسساً لخطيتك، كلما زاد ابتعادك أكثر فأكثر عن يسوع، وكلما زاد الخطر المحدق بحياتك الروحية.
- بِغُرُورِ الْخَطِيَّةِ: خطيئة عدم الإيمان جذورها متأصلة في الخداع وثمرها الواضح هو القسوة (لِكَيْ لاَ يُقَسَّى أَحَدٌ مِنْكُمْ). فعدم الإيمان والخطية يقومان على الخداع لأننا حين لا نصدق الله فنحن ببساطة نؤمن بكذبة بدلاً من الله.
- أحد أخطر عناصر الخطية هو خداعها (غُرُورِ الْخَطِيَّةِ). فلو ظهرت لنا الخطية بكل تفاصيلها وعواقبها فلن تكون جذابة ولن نسقط فيها، لكن طبيعة الخطية هي الخداع.
- منذ البدء كانت قوة الخطية تكمن في الخداع (الغرور).
- الخطية خادعة في الطريقة التي تراودنا بها.
- الخطية خادعة فيما تعدنا به.
- الخطية خادعة بما تسمي نفسها به.
- الخطية خادعة في مبرراتها، قبل الخطيئة وبعدها.
- شُرَكَاءَ الْمَسِيحِ: المؤمنون – أولئك الذين يبتعدون عن الخطية ومحبة الذات ويضعون ثقتهم في يسوع – يُطلق عليهم اسم شُرَكَاءَ الْمَسِيحِ.
- شُرَكَاءَ الْمَسِيحِ – هذه هي الصورة الكاملة: نحن شركاء في طاعته وشركاء في معاناته وشركاء في موته وشركاء في قيامته وشركاء في انتصاره وشركاء في خطته وشركاء في سلطانه وشركاء في خدمة شفاعته وشركاء في عمله وشركاء في مجده وشركاء في بيته الأبدي، ولهذا عبارة ’شُرَكَاءَ الْمَسِيحِ‘ تعبّر عن كل شيء.
- يمكن أن يوصف اتحاد المؤمن بيسوع بطرق عديدة:
- كالحجر المبني على أساس البيت.
- مثل كرمة متصلة بفروعها.
- مثل علاقة الزوجة بزوجها.
- فَلاَ تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ: أحياناً نقول إن قلوبنا قد تقسّت بسبب ما مررنا به من ظروف أو ما فعله بنا الآخرون، لكن الحقيقة هي أننا نقسّي قلوبنا بإرادتنا نتيجة ما حدث لنا.
ج ) الآيات (١٦-١٩): لا يكفي أن نبدأ بداية جيدة.
١٦فَمَنْ هُمُ الَّذِينَ إِذْ سَمِعُوا أَسْخَطُوا؟ أَلَيْسَ جَمِيعُ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ مِصْرَ بِوَاسِطَةِ مُوسَى؟ ١٧وَمَنْ مَقَتَ أَرْبَعِينَ سَنَةً؟ أَلَيْسَ الَّذِينَ أَخْطَأُوا، الَّذِينَ جُثَثُهُمْ سَقَطَتْ فِي الْقَفْرِ؟ ١٨وَلِمَنْ أَقْسَمَ: «لَنْ يَدْخُلُوا رَاحَتَهُ»، إِلاَّ لِلَّذِينَ لَمْ يُطِيعُوا؟ ١٩فَنَرَى أَنَّهُمْ لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَدْخُلُوا لِعَدَمِ الإِيمَانِ.
- فَمَنْ هُمُ الَّذِينَ إِذْ سَمِعُوا أَسْخَطُوا؟: بدأت إسرائيل بداية جيدة كأمة، فقد تطلب منهم عبور البحر الأحمر إيماناً حقيقياً. ولكن هذا الجيل الأول بأكمله قضى في البرية، باستثناء رجُلا الإيمان يشوع وكالب.
- تأمل في الامتيازات التي حظيا بها:
- شهدا الضربات السبع التي أتت على مصر.
- كشف الله لهما عن خطته.
- خصهما الله بميزة الصبر الكبير.
- نالا رحمة من الله.
- تأمل في الامتيازات التي حظيا بها:
- لَنْ يَدْخُلُوا رَاحَتَهُ: يتحدث كاتب العبرانيين عن دخول الراحة ١١ مرة في الأصحاحين ٣ و ٤. وسيتحدث عن هذه الراحة بالتفصيل في الأصحاح التالي، لكننا نرى هنا أن مفتاح الدخول إلى الراحة هو الإيمان.
- فَنَرَى أَنَّهُمْ لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَدْخُلُوا لِعَدَمِ الإِيمَان: قد نميل للاعتقاد أن المفتاح لدخول الراحة هو الطاعة بالنظر إلى العدد ١٨: ’وَلِمَنْ أَقْسَمَ: «لَنْ يَدْخُلُوا رَاحَتَهُ»، إِلاَّ لِلَّذِينَ لَمْ يُطِيعُوا.‘ لكن عدم الطاعة التي يشير لها النص هنا هي نتيجة عدم الإيمان المذكور في العدد ١٩، أي أن عدم الإيمان كان سبباً في عدم الطاعة.
- عدم الإيمان كان هو سبب عدم دخولهم كنعان، وليس شيئًا آخر:
- خطيتهم لم تؤدي لحرمانهم من دخول كنعان.
- عدم وجود أدلة محسوسة لم يمنعهم من دخول كنعان.
- غياب التشجيع لم يمنعهم من دخول كنعان.
- الظروف الصعبة لم تمنعهم من دخول كنعان.
- في العهد الجديد يتمركز إيماننا على شخصية يسوع المسيح وحقيقة من هو (الإله الكامل والإنسان الكامل)، وعلى عمله الكفاري من أجلنا كرئيس كهنتنا الأمين (عبرانيين ١٧:٢). وحين نؤمن بهذه الحقائق ونجعلها ’غذاء‘ لأرواحنا سندخل راحة الله.
- عدم الإيمان كان هو سبب عدم دخولهم كنعان، وليس شيئًا آخر:
- لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَدْخُلُوا: كان فشل شعب إسرائيل هو في المحافظة على إيمانهم، فبعد أن عبروا البرية وهم واثقين في الله، وبعد أن شهدوا أموراً كثيراً يجب أن تزيد من ثقتهم به، انتهى بهم الأمر بأن ضعف إيمانهم ولم يستمروا في الإيمان بالله وبوعده.
- ذكّرنا يسوع في مثل الزارع أن البذور الملقاة على أرض صخرية وبين الأشواك لن يمكنها أن تبدأ حياة جيدة، فالإيمان الحقيقي يستمر حتى النهاية. أمر رائع أن نبدأ بداية جيدة، ولكن ما ننتهي إليه أهم من كيف نبدأ.
- يحدثنا سي إس لويس (C.S. Lewis) على لسان الشيطان عن صعوبة الثبات والاستمرار: “لقد حماه الله منك خلال أول موجة من التجارب والإغراءات الكبيرة، لكن الوقت في صفك، فسنوات منتصف العمر المزدهرة أو شدائد منتصف العمر ستكون الوقت الأمثل لإعادة الهجوم. هؤلاء البشر يصعب عليهم الاستمرار والمثابرة، فالشدائد التي ستلم بهم والانحسار التدريجي لُحب الشباب وآمال الشباب ومشاعر اليأس الصامتة المؤلمة الناتجة عن الفشل المزمن في التغلب على التجارب التي هزمتهم مرارًا وتكرارًا، والقساوة ومشاعر المرارة التي نضعها في حياتهم – كل هذه ستوفر لنا فرصًا رائعة لإنهاك واستنزاف أرواحهم. أما إن كانت سنوات منتصف العمر تتسم بالرخاء المادي فموقفنا سيكون أقوى. فالرخاء المادي يجعل الإنسان متعلقاً بما في العالم. فيعتقد الإنسان أنه أخيراً يحقق ’مكانه‘ في هذا العالم بينما الواقع هو أن العالم يأخذ ’مكانه‘ في داخله… لهذا السبب علينا دائماً أن نتمنّى لمرضانا هؤلاء طول العمر؛ فسبعون عامًا بالكاد تكفينا لتنفيذ مهمتنا الصعبة المتمثلة في فصل أرواحهم عن السماء وتقوية ارتباطها بالأرض.” من كتاب لسي إس لويس بعنوان: (The Screwtape Letters)
- إن دخلنا في راحة الله، فالسنوات القادمة ستزيد من ثقتنا واعتمادنا على يسوع. وإن أدى عدم الإيمان إلى فشلنا في الدخول، فالسنوات التالية ستبعدنا تدريجياً عن تكوين تلك العلاقة الوطيدة بيسوع.