إنجيل متى – الإصحاح ٢
رجالٌ حكماء من المشرق؛ الهروب الى مصر والرجوع
أولًا. رجالٌ حكماء من المشرق يأتون لكي يُكَّرّموا يسوع
أ ) الآيات (١-٢): الرجالُ الحكماء يَصِلون إلى أورشليم.
١وَلَمَّا وُلِدَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ، فِي أَيَّامِ هِيرُودُسَ الْمَلِكِ، إِذَا مَجُوسٌ مِنَ الْمَشْرِقِ قَدْ جَاءُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ ٢قَائِلِينَ: «أَيْنَ هُوَ الْمَوْلُودُ مَلِكُ الْيَهُودِ؟ فَإِنَّنَا رَأَيْنَا نَجْمَهُ فِي الْمَشْرِقِ وَأَتَيْنَا لِنَسْجُدَ لَهُ».
- وَلَمَّا وُلِدَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ لَحْمِ: يُخبرنا متى في الواقع القليلَ عن ولادة يسوع؛ إنجيل لوقا الإصحاح ٢ يسجل هذه التفاصيل المألوفة. فما يخبرنا متى به متصلٌ بشيء قد حدث لَمَّا وُلِدَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ لَحْمِ.
- بَيْتِ لَحْمِ: كانت بيت لحم مسقط رأس داود، الملك العظيم لإسرائيل ومؤسس سلالتهم الملكية، ومع ذلك لم تكن بلدة كبيرة أو ذات أهمية. “إن بيت لحم كانت بلدة صغيرة جدًا، تقعُ حوالي ستة أميال جنوب أورشليم. وكانت تدعى في الأيام الغابرة أفرات أو أَفْرَاتَة.” باركلي (Barclay)
- “حدثت ضجة عند ولادة المسيح. لم ينطق ببنت شفة، ولم يكن يبدو عليه الإعجاز ولم يعلن عن عقيدة بعينها، ولكن عندما وُلِد يسوع في البداية عينها، لم تسمع شيئًا إلا صرخات طفل ولم ترَ أي شيء إلا ضعف طفل، ومع ذلك فإنه تأثيره على العالم كان ظاهرًا. ’عندما وُلد يسوع أتى حكماء من المشرق،‘ وما إلى ذلك. توجد قوة لا متناهية حتى في طفل فادٍ.” سبيرجن (Spurgeon)
- فِي أَيَّامِ هِيرُودُسَ الْمَلِكِ: كان هذا معروفًا باسم هيرودس الكبير وقد كان هيرودس بالحقيقة ذي شأن، وبطريقة ما كان حاكمًا عظيمًا وعمارًا وإداريًا، وفي أحيان أخرى كان بارزًا في السياسة والوحشية.
- “كان ثريًا وموهوبًا سياسيًا ومخلصًا للغاية وإداريًا من الطراز الأول، وذكيًا كفاية كي يبقى على وفاق مع الأباطرة الرومانيين المتعاقبين. وكان حله للمجاعة عبقريًا ومشاريعه المعمارية (بما في ذلك الهيكل الذي بدأ بناءه عام عشرين قبل الميلاد) كانت محط إعجاب حتى أعداءه، ولكنه كان يحب السُلطة فأوقع على الشعب ضرائب ثقيلة بشكل لا يصدق ورفض حقيقة أن كثيرًا من اليهود كانوا يعتبرونه مغتصبًا. وفي سنواته الأخيرة كان يعاني من مرض أدى به إلى جنون العظمة والارتياب، فلجأ إلى الوحشية، وفي نوبات من الحُنق والغِيرة، قتل رفقاءه المقربين.” كارسون (Carson)
- “قال أغسطس، الإمبراطور الروماني، ذات مرة بمرارة، إنه كان أكثر أمانًا إن كنت خنزير هيرودس على أن تكون ابنه (هذا القول في لغته اليونانية الأصلية هو أكثر سخرية؛ إذ أن كلمة ’هوس hus ‘ في اليونانية تعني ’خنزيرًا‘ وكلمة ’هويُس huios ‘ تعني ’ابنًا.‘” باركلي (Barclay)
- يقدم لنا مُلك هيرودس نقطة تاريخية هامة. “وُلِد يسوع قبل موت هيرودس الكبير، وبالتالي يكون التاريخ راجع إلى عام ٤ قبل الميلاد، ولكن التاريخ الدقيق لميلاد المسيح غير معروف.” فرانس (France)
- إِذَا مَجُوسٌ مِنَ الْمَشْرِقِ قَدْ جَاءُوا: هؤلاء المسافرون يُدْعون مَجُوسٌ (أو الحكماء)، وقد جاءت الكلمة في اليونانية القديمة “ماجوي magoi.” وقد كُثرت الاعتقادات الخاطئة والأساطير حول هؤلاء الرجال الحكماء. فهم لم يكونوا ملوكًا لكن رجالًا حكماء، وهذا يعني أنهم كانوا علماء في الفلك. ولم يكونوا ثلاثة فقط، لكنهم على الأرجح كانوا أكثر بكثير. ويبدو أنهم قد أتوا ليس في ليلة الميلاد ولكن من المحتمل بعد شهور عِدة.”
- في القرون اللاحقة خلال أيام العهد الجديد كان المصطلح ’ماجوي magoi‘ يشير على نحو غير دقيق إلى أطياف متعددة من البشر المهتمين بالأحلام والتنجيم والسحر والكُتب التي كان يعتقد أنها تحوي إشارات سرية للمستقبل وما شابه.” كارسون (Carson)
- كونهم مِنَ الْمَشْرِقِ يشير إلى أنهم كانوا من المرجح من اليهود الذين تم سبيهم من يهوذا وإسرائيل منذ قرون. “يوجد شك طفيف أن كثيرًا من اليهود قد تم مزجهم مع هذا الشعب وأن هؤلاء المجوس الشرقيين أو الفلاسفة أو علماء الفلك أو أيًا كانوا، من المرجح أنهم كانوا في الأصل من هذه الفئة، فبخصوص ذلك يوجد مجال للتصديق. ولأنهم كانوا يعرفون موعد مجيء المسيا، كانوا على الأرجح مثل باقي اليهود المؤمنين الذين ينتظرون تعزية إسرائيل.” كلارك (Clarke)
- كان هناك توقعًا عامًا لمسيا أو لإنسان عظيم من اليهودية، ليس بعد ولادة يسوع بكثير. كتب المؤرخ سيتينيوس (Seutonius) قائلًا: “انتشر اعتقاد في الشرق كله، اعتقاد قديم ومُحّقق، أن ذلك الوقت كان محتومًا له لكي يأتي بشرٌ من اليهودية ليحكموا العالم.” وكتب مؤرخ روماني آخر يُدعى تاكيتوس (Tacitus) عن هذه الفترة العامة قائلًا: “كان يوجد اقتناع في ذلك الوقت ذاته أن الشرق سوف ينمو بقوة وسوف يأتي حكام من اليهودية ليَرْسوا قواعد امبراطورية عالمية.” (اقتبسها باركلي Barclay)
- “إن التقليد القائل بأن المجوس كانوا ملوكًا يمكن تتبُعُه رجوعًا إلى ترتليان (Tertullian) (توفى عام ٢٢٥ ميلادية). وهذا الاعتقاد تطور تحت تأثير نصوص العهد القديم التي تفيد بأن ملوكًا سوف يأتون ويعبدون المسيا (قارن مزمور ٢٩:٦٨، ٣١؛ ١٠:٧٢-١١؛ إشعياء ٧:٤٩؛ ١:٦٠-٦).” كارسون (Carson)
- حتى أن تقليد الكنيسة يخبرنا عن أسمائهم. فقد كانوا على ما يُعتقد ملكيور وكاسبر وبلثاسار (Melchior, Caspar, Balthasar). ويمكنك أن ترى الجماجم المفترض بأنها خاصتهم في الكاتدرائية العظيمة بكولون (Cologne) بألمانيا.
- قَدْ جَاءُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ: مقادين بواسطة الظاهرة الفلكية المذكورة لاحقًا، جاءوا الى المنطقة يتوقعون أن يجدوا إجابات في أُورُشَلِيم. وتوقعوا أن قادة وشعب هذه المدينة عاصمة اليهود أن يكونوا أكثر اهتمامًا مما كانوا هم عليه. ولا يخبرنا متى بالتحديد أن النجم قد اقتادهم الى أورشليم.
- “كانت هناك زيارة مشابهة لمجوس من الشرق لنيرون عام ٦٦م. مما يبرهن على إمكانية حدوث هذه القصة.” فرانس (France). “لا يوجد أدنى حاجة أن نفكر أن مجيء هؤلاء المجوس الى مهد المسيح هو أسطورة مُحبَّبة. فهو الأمر الذي كان من السهل حدوثه في العالم القديم.” باركلي (Barclay)
- “من الملاحظ أن الرعاة لم يضلوا طريقهم؛ فقد أتوا إلى المسيح على الفور، بينما الرجال الحكماء، حتى مع النجم الذي يقودهم، تاهوا في الطريق، وذهبوا الى اورشليم بدلًا من بيت لحم واستفسروا عن مكان قصر هيرودس بدلًا من الاستفسار عن المذود الذي ولد فيه المسيح.” سبيرجن (Spurgeon)
- أَيْنَ هُوَ الْمَوْلُودُ مَلِكُ الْيَهُودِ؟: لقد سافروا هذه المسافة الكبيرة لكي يكرموا ملكًا، ولكن يوجد هنا سخرية طفيفة في بذلهم للجهد العظيم لكي يُكرموا مَلِكُ الْيَهُودِ. ففي ذلك الزمان كان الشعب اليهودي مُحْتقرًا ومُهانًا بسبب عاداتهم ومعتقداتهم الفريدة، وأيضًا بسبب نجاحهم ورخائهم. وكان ينظر إليهم على أنهم مُبْتذلون ومثيرون للمتاعب وشعبًا محتلًا. وكان يلاحظ أنهم يُضنون أنفسهم كثيرًا في إكرام مَلِك رضيع، ولا سيما مَلِكُ الْيَهُودِ.
- “قالوا: ’أين المولود ملك اليهود؟‘ ’اليهود؟‘ من يهتم باليهود؟ حتى في تلك الأيام كان اليهود موضع ازدراء؛ لأنهم في وقت سابق كانوا مسبيين في الشرق. وبالرغم من أنهم كانوا طبقة النبلاء الخاصة بالله، شعبه المختار، إلا أن الأمم كانت تنظر لليهود باحتقار.” سبيرجن (Spurgeon)
- من الجوهري قولهم أن هذا قد وُلد مَلِكُ الْيَهُودِ. إنه لأمر غريب لطفل أن يولد ملكًا؛ فمن العادة أن يكونوا أمراء لوقت طويل قبل أن يصبحوا ملوكًا. “إن مكانته الملكية لم تُخوَّل إليه لاحقًا بل بالحري كانت له منذ ولادته.” كارسون (Carson)
- فَإِنَّنَا رَأَيْنَا نَجْمَهُ فِي الْمَشْرِقِ: توجد افتراضات مختلفة للأصل الطبيعي لهذا النجم اللافت للنظر. فالبعض يقول أنه كان اقتران للكوكبين المشتري وزحل. والبعض الآخر يقول أنه كان اقتران لكواكب أخرى، والبعض يقترحون أنه كان مُستعرًا أعظم. والبعض يعتقدون أنه كان نجمًا فريدًا خُلق خصيصًا لتلك المناسبة.
- أيًا كان، فالمغزى هنا هو أن الله قد كلمهم بالوسيلة التي يفهمونها. فقد اقتاد علماء الفلك من خلال نجم، وهذا أيضًا كان تحقيقًا لما جاء في سفر العدد ١٧:٢٤ القائل: “يَبْرُزُ كَوْكَبٌ مِنْ يَعْقُوبَ، وَيَقُومُ قَضِيبٌ مِنْ إِسْرَائِيلَ.” وقد كان هذا معتبرٌ على نطاق واسع من قِبل العلماء اليهود القدماء على أنه نبوة عن مجيء المسيا.
- لاحظ، إنه يقول نَجْمَه. “لقد كان نجمًا خاصًا بالمسيح، ولكنه أيضًا اقتاد آخرين الى المسيح، ولقد فعل هذا الأمر ذاته لأنه قد تحرك في ذلك الاتجاه. وإنه لمِن المُحزن عندما يناور واعظٌ مشيرًا الى الطريق، ولكنه لا يسلك فيه، ويفعل ذلك على مسئوليته الخاصة؛ مثلُ هذا مَثلُ رؤساء الكهنة في أورشليم؛ فلقد عرفوا أين يولد المسيح ولكنهم لم يذهبوا إليه قط لكي يعبدوه؛ وكانوا غير مبالين له ولميلاده بالكُلية. سبيرجن (Spurgeon)
- وَأَتَيْنَا لِنَسْجُدَ لَهُ: لقد أتى المجوس أولًا إلى أورشليم، مفترضين أن قادة اليهود سيكونون مدركين ومتحمسين لمولد المسيا المنتظر. ولكنهم على وشك أن يكتشفوا أن الأمر لم يكن كذلك البتة.
ب) الآية (٣): هيرودس منزعج من الأخبار التي أتى بها المجوس.
٣فَلَمَّا سَمِعَ هِيرُودُسُ الْمَلِكُ اضْطَرَبَ وَجَمِيعُ أُورُشَلِيمَ مَعَهُ.
- فَلَمَّا سَمِعَ هِيرُودُسُ الْمَلِكُ اضْطَرَبَ: كان هيرودس دائمًا متيقظًا ضد التهديدات التي يتعرض لها حكمه، وخاصة من عائلته. وقد اغتال العديد من أفراد الأسرة الذين اشتبه في عدم ولائهم له. فكونه مضطربًا هذا تمامًا في صُلب شخصيته.
- هيرودس، الذي أراد أن يكون مقبولًا من اليهود الذين حكمهم، لم يكن يهوديًا على الإطلاق، بل كان أدوميًا، وقد عهدت إليه روما أن يكون ملكًا تابعًا على اليهودية. وقد خفف اليهود من كراهيتهم الشديدة له بأن أعجبوا بمشاريع بناءه، مثل التحسينات التي أدخلها على الهيكل الثاني.
- يذكرنا باركلي (Barclay) بكم كان هيرودس حاكمًا دمويًا وعنيفًا، قائلًا: “حالما اعتلى العرش بدأ بإبادة السنهدريم، وذبح ثلاثمائة من ضباط البلاط الملكي، وقتل زوجته ماريامنه، وأمها ألكسندرا، وابنه الأكبر أنتيباتر، واثنان أيضًا من أبنائه: ألكساندر وأريسوبوولوس.”
- اضْطَرَبَ وَجَمِيعُ أُورُشَلِيمَ مَعَهُ: حقيقة أن كل أورشليم كانت مضطربة مع هيرودس لها مغزى. وكان هذا إما بسبب حقيقة أن أهل أورشليم كانوا بحق يخافون أيُمّا خوف من ردة فعل هيرودس عند سماعه بولادة ملك منافس، أو بسبب قدر وفخامة هذه القافلة من الشرق.
- هذه الاضطراب هو مجددًا شهادة على عظمة يسوع، حتى عندما كان طفلًا صغيرًا. “إن يسوع الناصري هو الشخص الفعَّال المُؤثر في الألباب، فلم يلبث أن يكون هناك في أقصى حالة من الضعف، ملك مولود لتوّه، حتى يبدأ في ممارسة المُلك؛ وقبل أن يعتلي العرش، يقدم له رعاياه الهدايا، ويدبر أعداؤه المكائد لكي يقتلوه.” سبيرجن (Spurgeon)
ج) الآيات (٤-٦): رؤساء الكهنة والكتبة يُعْلِمونَ هيرودس بشأن مجيء المسيا.
٤فَجَمَعَ كُلَّ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَكَتَبَةِ الشَّعْب، وَسَأَلَهُمْ: «أَيْنَ يُولَدُ الْمَسِيحُ؟» ٥فَقَالُوا لَهُ: «فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ. لأَنَّهُ هكَذَا مَكْتُوبٌ بِالنَّبِيِّ: ٦وَأَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمٍ، أَرْضَ يَهُوذَا لَسْتِ الصُّغْرَى بَيْنَ رُؤَسَاءِ يَهُوذَا، لأَنْ مِنْكِ يَخْرُجُ مُدَبِّرٌ يَرْعَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ».
- كُلَّ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَكَتَبَةِ الشَّعْب: كان هذا أول احتكاك للزعماء الدينيين بيسوع. لقد كانوا يفهمون المعلومات الكتابية بشكل صحيح، لكنهم فشلوا في تطبيقها على حياتهم.
- سيشمل رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ بشكل خاص أولئك الذين شغلوا من قبل منصب رئيس الكهنة؛ وكان هيرودس غالبًا ما يغيّر رئيس الكهنة، لأن ذلك كان منصبًا سياسيًا إلى حد كبير.
- كَتَبَةِ الشَّعْب: “إن معلمي الشريعة أو الكتبة، كما تدعوهم ترجمات أخرى، كانوا خبراء في العهد القديم وفي تقاليده الشفوية الغزيرة. فلم يكن عملهم هو نسخ الكثير من مخطوطات العهد القديم (كما توحي كلمة “الكتبة”) بقدر ما كان تدريس العهد القديم.” كارسون (Carson)
- قَالُوا لَهُ: «فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ»: نقلًا عن (ميخا ٢:٥)، فَهِم رؤساء الكهنة والكتبة أن المسيح سيولد فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ، مميزين إياها عن مدينة أخرى تحمل الاسم نفسه أقصى الشَمال.
- من هذا المقطع في سفر ميخا، فهِموا ليس فقط أن المسيح سيولد فِي بَيْتِ لَحْم، بل أيضًا أنه سيكون مُدَبِّرٌ يَرْعَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ.
- للأسف، كان لدى هؤلاء الخبراء المعلومات الصحيحة، لكنهم أنفسهم يبدون غير مهتمين شخصيًا بمقابلة المسيح.
- “لو كانوا قد قابلوا رعاة بيت لحم، لكانوا قد حصلوا منهم على إخباريات أفضل مما استطاع أن يقدمها لهم الكتبةُ المتعلمون في أورشليم.” تراب (Trapp)
د ) الآيات (٧-٨): وتماشيًا مع طبيعته، حاول هيرودس استخدام المجوس للعثور على الطفل لكي يقتله.
٧حِينَئِذٍ دَعَا هِيرُودُسُ الْمَجُوسَ سِرًّا، وَتَحَقَّقَ مِنْهُمْ زَمَانَ النَّجْمِ الَّذِي ظَهَرَ. ٨ثُمَّ أَرْسَلَهُمْ إِلَى بَيْتِ لَحْمٍ، وَقَالَ: «اذْهَبُوا وَافْحَصُوا بِالتَّدْقِيقِ عَنِ الصَّبِيِّ. وَمَتَى وَجَدْتُمُوهُ فَأَخْبِرُونِي، لِكَيْ آتِيَ أَنَا أَيْضًا وَأَسْجُدَ لَهُ».
- تَحَقَّقَ مِنْهُمْ زَمَانَ النَّجْمِ الَّذِي ظَهَرَ: لأن هيرودس أمر في وقت لاحق بقتل جميع الأولاد من سنتين فما دون في المنطقة، يمكننا أن نفترض أن المجوس الحكماء رأوا النجم لأول مرة قبل عام أو نحو ذلك (في الليلة التي ولد فيها يسوع). وإن رحلتهم من الشرق إلى اليهودية لم تكن سريعة، وربما قد غادروا بمجرد أن سمحت ظروف النقل والتموين.
- لقد حصل هيرودس على دراسة جيدة للكتاب المقدس عن مسقط رأس المسيا، لكنها لم تنفعه. “عندما ينشغل ملك أرضي باللاهوت على سبيل الهواية، فهذا في الواقع لا يبشر بالخير؛ فهيرودس بين الكهنة والكتبة ما زال هيرودس. وقد يتم تعليم بعض الناس تعليمًا لاهوتيًا جيدًا، ومع ذلك يكونون أسوأ ما يكون بالمقارنة مع ما قد اكتشفوه.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَمَتَى وَجَدْتُمُوهُ فَأَخْبِرُونِي، لِكَيْ آتِيَ أَنَا أَيْضًا وَأَسْجُدَ لَهُ: إن المفارقة قوية هنا؛ فقد تظاهر هيرودس بالرغبة في السجود ليسوع، في حين أنه أراد حقًا أن يقتله.
- “لاحظ أن المجوس لم يَعِدوا هيرودس بالعودة؛ ربما قد ظنوا أن كل هذه الحماسة المتلهفة لم تكن نقية تمامًا كما بدت، وصمتهم لم يكن علامة الرضى.” سبيرجن (Spurgeon)
هـ) الآيات (٩-١٢): يقدم المجوس هدايا ليسوع ويغادرون دون إبلاغ هيرودس.
٩فَلَمَّا سَمِعُوا مِنَ الْمَلِكِ ذَهَبُوا. وَإِذَا النَّجْمُ الَّذِي رَأَوْهُ فِي الْمَشْرِقِ يَتَقَدَّمُهُمْ حَتَّى جَاءَ وَوَقَفَ فَوْقُ، حَيْثُ كَانَ الصَّبِيُّ. ١٠فَلَمَّا رَأَوْا النَّجْمَ فَرِحُوا فَرَحًا عَظِيمًا جِدًّا. ١١وَأَتَوْا إِلَى الْبَيْتِ، وَرَأَوْا الصَّبِيَّ مَعَ مَرْيَمَ أُمِّهِ. فَخَرُّوا وَسَجَدُوا لَهُ. ثُمَّ فَتَحُوا كُنُوزَهُمْ وَقَدَّمُوا لَهُ هَدَايَا: ذَهَبًا وَلُبَانًا وَمُرًّا. ١٢ثُمَّ إِذْ أُوحِيَ إِلَيْهِمْ فِي حُلْمٍ أَنْ لاَ يَرْجِعُوا إِلَى هِيرُودُسَ، انْصَرَفُوا فِي طَرِيق أُخْرَى إِلَى كُورَتِهِمْ.
- وَإِذَا النَّجْمُ الَّذِي رَأَوْهُ فِي الْمَشْرِقِ يَتَقَدَّمُهُمْ: استمر النجم في إرشادهم، ويبدو أنه قد ظهر من جديد. ويمكننا أن نستنتج أن النجم قد ظهر قبل بضعة أشهر، ليرشدهم إلى المنطقة العامة، ثم قاموا بزيارة أورشليم للحصول على مزيد من المعلومات. ثم ظهر النَّجْمُ مرة أخرى لتوجيههم على وجه التحديد. وكانت هذه ظاهرة خارقة للطبيعة بشكل واضح.
- “نعتقد أنه كان مظهرًا مشرقًا في عرض السماء؛ ربما كان أقرب ما يكون إلى ما قاد بني إسرائيل خلال البرية، والذي كان سحابة نهارًا وعمود نار ليلًا. ولا يمكننا معرفة ما إذا كان يمكن رؤيته في وضح النهار أم لا.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَوَقَفَ فَوْقُ، حَيْثُ كَانَ الصَّبِيُّ: يقول آدم كلارك (Adam Clarke) إن هذا يعني حرفيًا أنه وقف فوق رأس الطفل. فكلارك Clarke قد رأى أنه كان شيئًا كالنيزك قد قادهم إلى الموضع الذي كان يسوع فيه. ومضى في قوله أن فكرة التألق النجمي المرتبطة برأس يسوع قد أدت إلى ظهور فكرة الهالة المقدسة (halo) في الفن القديم وفن العصور الوسطى.
- “إن عبارة ’جاء ووَقَفَ‘ تعني حرفيًا أن النجم كان يوجه المجوس.” فرانس (France)
- وَرَأَوْا الصَّبِيَّ مَعَ مَرْيَمَ أُمِّهِ: نلاحظ أن يسوع هنا يُطلق عليه اسم الصَّبِيَّ، فمن المحتمل أن يكون عمره بين ستة وثمانية عشر شهرًا. ونلاحظ أيضًا أنه (خلافًا للعُرف) يتم ذكر الصَّبِيَّ قبل أُمِّهِ.
- “ربما كان يوسف في شغله أو بطريقة ما لم يكن في المشهد، خشية أن يحسبه المجوس خطًا أنه الوالد الحقيقي للطفل.” تراب (Trapp)
- ثُمَّ فَتَحُوا كُنُوزَهُمْ وَقَدَّمُوا لَهُ هَدَايَا: ذَهَبًا وَلُبَانًا وَمُرًّا: كان من الشائع – خاصة في الشرق – ألا يظهر أحد أمام الملوك أو أي شخص ذي أهمية، دون تقديم هَدَايَا. وبالنظر إلى من يعتقده هؤلاء المجوس في هذا الصَّبِيَّ، ليس من المُسْتَغرب أن يقدموا مثل هذه الهدايا الفخمة.
- إن فكرة وجود ثلاثة من المجوس تأتي من حقيقة وجود ثلاث هدايا. ويمكننا القول أن الذهب يشير إلى المُلك، والبخور يشير إلى الألوهية، والمُر يشير إلى الموت. ومع ذلك فمن شبه المؤكد أن المجوس قد قدموا هداياهم بدون إدراك لهذه الأمور؛ لقد أرادوا ببساطة تكريم ملك اليهود.
- وَقَدَّمُوا لَهُ هَدَايَا: لم تقدم الهدايا الثمينة إلى مريم أو يوسف، بل إلى يسوع نفسه. ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن الطفل الرضيع يسوع لم يستخدم أو ينفق أيًا من هذه الهدايا الثمينة، لكن والديه استخدماها، بلا شك بحكمة، لصالحه وفائدته.
- بنفس الطريقة، عندما نعطي يسوع اليوم، نحن لا نعطيه مباشرة، ولكننا نعطي شعبه، الذين يستخدمون تلك الهدايا نيابة عنه ولفائدته، ونأمل أن يكون بحكمة.
- “كم كان هذا الذهب مفيدًا ليوسف في الأشهر التالية! فقد ساعده على تحمل تكلفة الرحلة إلى مصر والعودة، وتكلفة المعيشة هناك. لقد عرف الآب السماوي ما ستكون عليه تلك الاحتياجات، وسددها سلفًا.” ماير (Meyer)
- فَخَرُّوا وَسَجَدُوا لَهُ: الأهم من هداياهم هو حقيقة أنهم سجدوا ليسوع. وبالتأكيد كان مشهدًا ملفتًا للأبصار أن ترى تلك الشخصيات البارزة وهم يركعون أمام طفل صغير.
- نرى هنا ردود أفعال ثلاثة مختلفة موجهة ليسوع؛ قد يقول المرء أن كل الناس يستجيبون بإحدى هذه الطرق الثلاث.
- أظهر هيرودس كراهية صريحة وعَداء تجاه يسوع.
- كان رؤساء الكهنة والكتبة غير مبالين بيسوع، مع احتفاظهم بمناصبهم الدينية.
- سعى المجوس وراء يسوع وسجدوا له – حتى لو كان الثمن باهظًا.
- عند مقارنة زيارة المجوس بالزيارة السابقة للرعاة (لوقا ١٥:٢-٢٠)، نرى ما يلي:
- جاء يسوع لليهود أولًا، ثم إلى الأمم.
- أتى يسوع إلى المتواضعين والجُهال أولًا، ثم إلى الشرفاء والمتعلمين.
- جاء يسوع إلى الفقراء أولًا، ثم إلى الأثرياء.
- يجب أن نتعلم من حكمة هؤلاء المجوس.
- لم يكتفوا بالنظر إلى النجم والإعجاب به؛ لقد فعلوا شيئًا بشأن النجم، فقد انطلقوا وتبعوه.
- لقد ثابروا في بحثهم وفي متابعة للنجم.
- لم يثنهم رجال الدين والزعماء الدينيين المثيرين للريبة أثناء بحثهم.
- ابتهجوا بالنجم.
- عندما وصلوا إلى الوجهة التي قادهم إليها النجم، تقدموا للداخل.
- عندما دخلوا، سجدوا.
- شعروا بإلحاح شديد للسجود له الآن وعدم الانتظار حتى وقت لاحق.
- عندما كانوا يعبدون، كان في أيديهم ما يقدمونه؛ فلم تكن عبادتهم بأيدي فارغة.
- نرى نمطًا رائعًا: “أولئك الذين يبحثون عن يسوع سيرونه، وأولئك الذين يرونه حقًا سيعبدونه، وأولئك الذين يعبدونه سيكرسون كل ما لديهم له.” سبيرجن (Spurgeon)
- نرى هنا ردود أفعال ثلاثة مختلفة موجهة ليسوع؛ قد يقول المرء أن كل الناس يستجيبون بإحدى هذه الطرق الثلاث.
- ثُمَّ إِذْ أُوحِيَ إِلَيْهِمْ فِي حُلْمٍ أَنْ لاَ يَرْجِعُوا إِلَى هِيرُودُسَ، انْصَرَفُوا فِي طَرِيق أُخْرَى إِلَى كُورَتِهِمْ: تتجلى عبادتهم أيضًا في طاعتهم. كانوا مطيعين للحلم السماوي، فغادروا دون أن يخدموا هيرودس كمخبرين.
ثانيًا. الرحلة إلى مصر والعودة إلى الناصرة
أ ) الآيات (١٣-١٥): يوسف ومريم ويسوع يجدون ملاذًا في مصر.
١٣وَبَعْدَمَا انْصَرَفُوا، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لِيُوسُفَ فِي حُلْمٍ قَائِلًا: «قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاهْرُبْ إِلَى مِصْرَ، وَكُنْ هُنَاكَ حَتَّى أَقُولَ لَكَ. لأَنَّ هِيرُودُسَ مُزْمِعٌ أَنْ يَطْلُبَ الصَّبِيَّ لِيُهْلِكَهُ». ١٤فَقَامَ وَأَخَذَ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ لَيْلًا وَانْصَرَفَ إِلَى مِصْرَ. ١٥وَكَانَ هُنَاكَ إِلَى وَفَاةِ هِيرُودُسَ. لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ الْقَائِل: «مِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْني».
- قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاهْرُبْ إِلَى مِصْرَ: كان الأمر عاجلًا، وجاء في الوقت المناسب، بَعْدَمَا انْصَرَف المجوس. ولم يكن غريبًا تمامًا على يوسف أن يجدوا ملاذًا في مصر. فكان هناك جالية يهودية كبيرة في مِصْر؛ فلم يكن غريبًا أن يهدي الروح القدس يوسفَ ليأخذ العائلة إلى هناك.
- “كانت مصر مكانًا طبيعيًا للفرار إليه. كانت قريبة، وأيضًا مقاطعة رومانية جيدة التنظيم خارج السلطان القضائي لهيرودس؛ ووفقًا لفيلو (Philo) (كتب حوالي عام ٤٠م) أنه قد بلغ عدد اليهود فيها حوالي مليون يهودي.” كارسون (Carson)
- لأَنَّ هِيرُودُسَ مُزْمِعٌ أَنْ يَطْلُبَ الصَّبِيَّ لِيُهْلِكَهُ: هذا الرد يتوافق مع كلٍ من شخصية هيرودس والإنسانية بشكل عام. فمن غير المنطقي أن تلاحظ الإنسانية أنه عندما أضاف الله الطبيعة الإنسانية إلى ألوهيته وجاء إلى الأرض – بأكثر طريقة غير تهديدية ممكنة – كان رد الفعل الفوري تقريبًا لجزء من البشرية هو محاولة قتله.
- فَقَامَ وَأَخَذَ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ لَيْلًا: إن رحيل يوسف السريع لَيْلًا، في ليلة الحُلم ذاتها، وطاعته الكاملة لهو أمر مثير للإعجاب. فمن غير المرجح أن يتخيل يوسف أن تحدث مثل هذه الأحداث، عندما تم خطبته في البداية لمريم التي من الناصرة.
- “لم يتم إخبارنا إلى أي جزء من مصر قد ذهب يوسف، ولا إلى متى بقي هناك؛ يقول البعض ست أو سبع سنوات؛ وآخرون يقولون ثلاثة أو أربعة أشهر.” بوله (Poole)
- مِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْني: في وسط الأحداث، تحققت نبوءة أخرى. للوهلة الأولى، قد نتساءل كيف تحققت هذه النبوءة من (هوشع ١:١١) في يسوع. لكن البشير متى يوضح أنه كما خرجت إسرائيل كأُمَّة من مصر، هكذا سيفعل ابن الله.
ب) الآيات (١٦-١٨): مذبحة الأبرياء
١٦حِينَئِذٍ لَمَّا رَأَى هِيرُودُسُ أَنَّ الْمَجُوسَ سَخِرُوا بِهِ غَضِبَ جِدًّا. فَأَرْسَلَ وَقَتَلَ جَمِيعَ الصِّبْيَانِ الَّذِينَ فِي بَيْتِ لَحْمٍ وَفِي كُلِّ تُخُومِهَا، مِنِ ابْنِ سَنَتَيْنِ فَمَا دُونُ، بِحَسَب الزَّمَانِ الَّذِي تَحَقَّقَهُ مِنَ الْمَجُوسِ. ١٧حِينَئِذٍ تَمَّ مَا قِيلَ بِإِرْمِيَا النَّبِيِّ الْقَائِلِ: ١٨«صَوْتٌ سُمِعَ فِي الرَّامَةِ، نَوْحٌ وَبُكَاءٌ وَعَوِيلٌ كَثِيرٌ. رَاحِيلُ تَبْكِي عَلَى أَوْلاَدِهَا وَلاَ تُرِيدُ أَنْ تَتَعَزَّى، لأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمَوْجُودِينَ».
- فَأَرْسَلَ وَقَتَلَ جَمِيعَ الصِّبْيَانِ الَّذِينَ فِي بَيْتِ لَحْمٍ وَفِي كُلِّ تُخُومِهَا: رغم عدم وجود تفاصيل دقيقة لهذا الحدث في التاريخ العلماني، إلا أنه يتماشى تمامًا مع ضراوة هيرودس المعهودة.
- “أهو أمر لا يصدق؟ أي شيء يمكن تصديقه من الرجل الذي قتل زوجته وأبنائه. إن هذه الفعلة تصدم المسيحيين، لكنها كانت حادثة صغيرة في مسيرة هيرودس وفي التاريخ المعاصر.” بروس (Bruce)
- خاصة في سنواته الأخيرة، كان هيرودس قاسيًا ونزاعًا إلى الارتياب. فعندما علم أن احتضاره أصبح وشيكًا، اعتقل هيرودس العديد من زعماء اليهود في أورشليم بتهم زائفة. وأمر أنه بمجرد موته، يجب قتلهم جميعًا؛ فقد كان يعلم جيدًا أن أحدًا لن يبكي على مصرعه، لذلك كان مصممًا على زرف بعض الدموع عند موته.
- “في الواقع، تتناغم القصة تمامًا مع ما نعرفه عن شخصية هيرودس في سنواته الأخيرة؛ فلم يكن من الممكن تسجيل موت عدد قليل من الأطفال (ربما العشرات أو نحو ذلك؛ إذ أن عدد سكان بيت لحم لم يكن كبير) في مثل هذه الأوقات العنيفة.” كارسون (Carson)
- صَوْتٌ سُمِعَ فِي الرَّامَةِ، نَوْحٌ وَبُكَاءٌ وَعَوِيلٌ كَثِيرٌ: إن هذا الاقتباس من (إرميا ١٥:٣١) يشير في الأصل إلى نَوح أمهات إسرائيل أثناء غزو وسبي الأُمّة. ورَاحِيل هنا تمثل أمهات بيت لحم.
- لقد تحققت هذه النبوءة حرفيًا عندما تم حَمْل يهوذا إلى السبي، فكان هناك عويل كثير بين سِبطي بنيامين ويهوذا على أطفالهم الذين ذبحوا أو تم سبيهم بعيدًا. وها هي تلك النبوة تتحقق ثانية الآن.” بوله (Poole)
- “كانت راحيل في مخيلة العَبرانيين أمًا لإسرائيل في كل العصور، متعاطفة مع كل مصائب أبنائها.” بروس (Bruce)
ج) الآيات (١٩-٢١): العودة إلى إسرائيل
١٩فَلَمَّا مَاتَ هِيرُودُسُ، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ فِي حُلْمٍ لِيُوسُفَ فِي مِصْرَ ٢٠قَائِلًا: «قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّهُ قَدْ مَاتَ الَّذِينَ كَانُوا يَطْلُبُونَ نَفْسَ الصَّبِيِّ». ٢١فَقَامَ وَأَخَذَ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَجَاءَ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ.
- قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ: تكلم الله مع يوسف مجددًا في حُلم، من خلال مَلاَكُ الرَّبِّ. ونلاحظ أيضًا طاعة يوسف الفورية.
- الصَّبِيَّ… الصَّبِيَّ… الصَّبِيَّ: بشكل متكرر، يتم إعطاء الصَّبِيَّ المركز الأول في الحُسبان.
- وَجَاءَ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ: قد يقضي المسيا بضع سنوات في مصر، لاجئًا من هيرودس القاتل، لكنه سيعود بالتأكيد إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ.
- كان هناك من يُعلم زورًا أن السحرة أو المشعوذين المصريين قد قاموا بالتأثير على يسوع، وأن معجزاته اللاحقة كانت مجرد حيل مصرية. ومن المهم أن نلاحظ أنه لا يوجد دليل على هذه الادعاءات، بل بالحري توجد أدلة جوهرية ضد هذه الادعاءات. وعلى وجه الخصوص، لقد تأثر تعليم وأسلوب خدمة يسوع تمامًا بيهودية العهد القديم، وليس بالتصوّف المصري.
د ) الآيات (٢٢-٢٣): استقرار العائلة شمالًا في الناصرة خوفًأ من ابن هيرودس الشرير (أرخيلاوس)
٢٢وَلكِنْ لَمَّا سَمِعَ أَنَّ أَرْخِيلاَوُسَ يَمْلِكُ عَلَى الْيَهُودِيَّةِ عِوَضًا عَنْ هِيرُودُسَ أَبِيهِ، خَافَ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى هُنَاكَ. وَإِذْ أُوحِيَ إِلَيْهِ فِي حُلْمٍ، انْصَرَفَ إِلَى نَوَاحِي الْجَلِيلِ. ٢٣وَأَتَى وَسَكَنَ فِي مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا نَاصِرَةُ، لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِالأَنْبِيَاءِ: «إِنَّهُ سَيُدْعَى نَاصِرِيًّا»
- وَلكِنْ لَمَّا سَمِعَ أَنَّ أَرْخِيلاَوُسَ يَمْلِكُ عَلَى الْيَهُودِيَّةِ: كان لدى يوسف سبب وجيه ليكون حذرًا بشأن أَرْخِيلاَوُسَ، إذ ثبتَ أن ابن هيرودس هذا كان حاكمًا غير كفء وعنيف، وبناءً على التماس من اليهود في اليهودية، أقاله الرومان بسبب سوء الحكم واستبدلوه بحاكم عينته روما في عام ٦م.
- كان أَرْخِيلاَوُسَ هذا قاسيًا مثل والده هيرودس الكبير، ولكنه لم يملك عظمة أبيه. “إن الرجل ذي الطبيعة المشابهة لأبيه، الميال للارتياب، والمولع بالوحشية (كتاب ’آثار اليهود‘ ليوسيفوس)، لابد للناس أن تخاف منه وتتجنبه بسبب ذلك، مثلما قد فعلوا مع أبيه.” بروس (Bruce)
- “لقد رُوِيَّ عن شقيقه، هيرودس أنتيباس، أنه كان أكثر اعتدالًا، وصاحب المِزاج أكثر هدوءً. ولهذا ذهب يوسف، بتوجيهات من الله، إلى منطقته، التي كانت الجليل.” بوله (Poole)
- وَإِذْ أُوحِيَ إِلَيْهِ فِي حُلْمٍ، انْصَرَفَ إِلَى نَوَاحِي الْجَلِيلِ: مرة أخرى، يتلقى يوسف التوجيه بواسطة حلم إلهي، ويستقر خارج المنطقة الأكثر تدينًا في أورشليم واليهودية، داخل منطقة الْجَلِيلِ المُكتظة بالسكان، والتي كان يقطنها الأمم الذين كان لهم شأن أعظم من أولئك الذين في يهوذا أو أورشليم.
- يوحي شانز (Schanz)، مستعينًا بتلميح من أوغسطينوس، بأن يوسف أراد أن يستقر في أورشليم، معتبرًا أن هذه المدينة هي المنزل الأنسب للمسيا، ولكن الله قضى بأن الجليل المُحْتقر سيكون مدرسة تدريب أفضل للمخلص المستقبلي للعشارين والخاطئين والأمم.” بروس (Bruce)
- وَأَتَى وَسَكَنَ فِي مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا نَاصِرَةُ: كان من اللافت أن يوسف عاد إلى الناصرة، مسقط رأس مريم، ومن المفترض أنها مسقط رأس يوسف أيضًا (لوقا ٢٦:١-٢٧). وكان هذا ملفتًا للنظر لأن الناصرة كانت مدينة غير ملفتة للنظر، ولأنها كانت المكان الذي فيه كان الجميع يعرفُ مريم ويوسف والظروف الغريبة التي احاطت بميلاد ابنهما.
- كانت الناصرة مدينة غير محاطة بأسوارٍ وغير محصنة، ولها سمعة سيئة إلى حد ما، حيث أن نثنائيل قد تساءل عما إذا كان هناك أي صالح يمكن أن يخرج من الناصرة (يوحنا ٤٦:١). وفي خطة الله، جاء يسوع من مكان صغير لا أهمية له، مكان ليس ذائع الصيت؛ فلقد كان موضعًا سيئًا. وهذا هو المكان الذي نشأ فيه يسوع ونضج إلى سن البلوغ.
- لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِالأَنْبِيَاءِ: «إِنَّهُ سَيُدْعَى نَاصِرِيًّا»: من بين كل إشارات البشير متى إلى العهد القديم والأنبياء، هذه هي الإشارة الأكثر إثارة للاهتمام. إذ لا يوجد مقطع محدد موجود في العهد القديم يفيد بما في هذه العبارة “إِنَّهُ سَيُدْعَى نَاصِرِيًّا.”
- يظن البعض أن البشير متى يعني أن المسيح سيكون نذيرًا للرب (Nazirite). والنذير هو من يتعهد بتكريس وفرز نفسه بالكامل لله، كما هو موضح في (سفر العدد ١:٦-٢١). فعندما يكون الناس في عهد النذر، يعتبرون أنفسهم مخلصين بشكل خاص لله، ويتركون شعرهم غير مقصوص ولا يشربون الخمر ولا يتناولون منتجات ثمرة العِنب، ويتجنبون أي نوع من الاتصال بأي شيء ميت. وبالتأكيد كان يسوع رجلًا مكرسًا بشكل ملحوظ، لكن يبدو أن البشير متى يلمح فقط لفكرة النذير، ويركز على الارتباط ببلدة الناصرة.
- ولكن أي نبوءة محددة في العهد القديم تخبرنا بأن المسيح سيأتي من الناصرة؟ يلاحظ فرانس (France) أن هناك شيئًا مميزًا في الطريقة التي صاغ بها متى هذه الإشارة. “تجدر الإشارة إلى أن الصيغة المُعبِرة عن ذلك الاقتباس تختلف عن النمط المُعتاد من ناحيتين: فهي لا تشير إلى نبي واحد بل إلى الأنبياء، ولا تختتم بـ ’قائلًا‘ بل بـ ’أنه.‘ وهذا يشير إلى أنه لا يُقصد بها أن تكون اقتباسًا لمقطع بعينه، بل ملخصًا لموضوع رئيسي من التوقع النبوي. وهكذا فقد أُقْتُرِح أن البشير متى قد رأى في عدم شهرة الناصرة استيفاءَ إشارات العهد القديم للمسيا المتواضع والمرفوض.” فرانس (France)
- إذا كان هناك أي مقطع محدد في ذهن متى، فمن المحتمل أن يكون إشعياء ١:١١ “وَيَخْرُجُ قَضِيبٌ مِنْ جِذْعِ يَسَّى، وَيَنْبُتُ غُصْنٌ مِنْ أُصُولِهِ.” فالكلمة العبرية المترجمة ’غُصْنٌ‘ تنطق (netser) وهي تبدو وكأنها ’نذير Nazir.‘ “اعتقد جيروم – متبِعًا في ذلك العلماءَ اليهود في زمانه – أن الإشارة في المقام الأول هي إلى (إشعياء ١١)، حيث يتم ذكر غُصن ينبثق من أصل يسى؛ فإن لقب الناصري من ثمَّ يعني: “رجل الناصرة، بلدة الفرع الصغير.” بروس (Bruce)
- “لقد كان يعني أن الأنبياء قد وصفوا المسيا بأنه المُهان والمفوض من الناس. وتحدثوا عنه كأمير وكمنتصر عظيم عندما وصفوا مجيئه الثاني، لكنهم قدموا مجيئه الأول عندما تحدثوا عنه كَعِرْق مِنْ أَرْضٍ يَابِسَةٍ، لاَ صُورَةَ لَهُ وَلاَ جَمَالَ فَنَنْظُرَ إِلَيْهِ، وَلاَ مَنْظَرَ فَنَشْتَهِيَهُ. قال الأنبياء إنه سيُطلق عليه لقب حقير، وكان الأمر كذلك، لأن أبناء بلده وصفوه بأنه ناصري.” سبيرجن (Spurgeon)
- “لقد صدر الأمر من الله من خلال عنايته الإلهية الفريدة، أن ذاك المرموز إليه لكل الرموز النذيرين أو النذير الحقيقي أو الشخص المُفرز، أن يتعلم في الناصرة، وهي مدينة فقيرة مُزدرى بها .” بوله (Poole)
- إِنَّهُ سَيُدْعَى نَاصِرِيًّا: في خطة الله الآب، المستوحاة من الله الروح، والمنفذة بواسطة الله الابن، نشأ المسيا في المدينة المحتقرة إلى حد ما. وفي الواقع، سيُعرف يسوع باسم “يسوع الناصري” وأتباعه هم “الناصريون.”
- عندما كشف يسوع عن نفسه لبولس في طريقه إلى دمشق – من الواضح بعد قيامته وصعوده وجلوسه عن يمين الله الآب في المجد – قدَّم نفسه إلى بولس قائلًا: “أَنَا يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ.” (أعمال الرسل ٨:٢٢)
- في (أعمال الرسل ٥:٢٤)، قال متهمي بولس للقاضي: “فَإِنَّنَا إِذْ وَجَدْنَا هذَا الرَّجُلَ مُفْسِدًا وَمُهَيِّجَ فِتْنَةٍ بَيْنَ جَمِيعِ الْيَهُودِ الَّذِينَ فِي الْمَسْكُونَةِ، وَمِقْدَامَ شِيعَةِ النَّاصِرِيِّينَ.”
- “بالتأكيد كان يطلق عليه منذ فترة طويلة ’الناصري‘ من قبل كل من اليهود وغير المؤمنين العنيفين. وكم من مرة كان خصومه الشرسون يبصقون على الأرض من الاشمئزاز، وهم يتهامسون باسم ’الناصري‘ كما لو كان هذا الاسم هو ذروة الازدراء.” سبيرجن (Spurgeon)
- “هناك دائمًا مدينة ما أو قرية أو أخرى يبدو سكانها أنهم محور كل أضحوكة وموضوع الاحتقار. ويُعتقد أن الناس في هذه الأماكن متدنون وغير مثقفين وغير أذكياء كفاية. وهذا هو نوع المكان الذي كانت الناصرة تمثله.” سبيرجن (Spurgeon)
- كان يسوع ينضج في مرحلة الطفولة، ثم في سن البلوغ عندما نشأ في الناصرة. ومن شأنه أن يفي بالمسؤوليات المتوقعة من الابن الأكبر؛ ثم في وقت ما اختفى يوسف من المشهد وأصبح يسوع “رجل الأسرة.” فقد عَمِل في تجارته، ودعَّم عائلته، وأحب إلهه، وأثبّت أنه أمين تمامًا في ألفٍ من الأمور الصغيرة قبل أن ينخرط رسميًا في خدمته المحددة. ومع ذلك، لن يتم ترهيب أحد لمقابلة رجل من الناصرة؛ فقد يميل فكر فرد ما فورًا إلى الاعتقاد في ذاته بأنه أفضل من شخص من الناصرة.