إنجيل متى – الإصحاح ٢٠
يعلم يسوع عن النعمة والعظمة والخدمة
أولًا. مثل الفعلة في الكرم
أ ) الآيات (١-٢): فعلة مالِك الأرض في الصباح الباكر.
١«فَإِنَّ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ يُشْبِهُ رَجُلًا رَبَّ بَيْتٍ خَرَجَ مَعَ الصُّبْحِ لِيَسْتَأْجِرَ فَعَلَةً لِكَرْمِهِ، ٢ فَاتَّفَقَ مَعَ الْفَعَلَةِ عَلَى دِينَارٍ فِي الْيَوْمِ، وَأَرْسَلَهُمْ إِلَى كَرْمِهِ.
- فَإِنَّ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ يُشْبِهُ رَجُلًا رَبَّ بَيْتٍ: مثله مثل العديد من أمثال يسوع، تدور هذه القصة حول صاحب العمل وأولئك الذين يعملون معه. سوف يستخدم يسوع هذه القصة للإجابة على سؤال طرح في إنجيل متى ٢٧:١٩ “هَا نَحْنُ قَدْ تَرَكْنَا كُلَّ شَيْءٍ وَتَبِعْنَاكَ. فَمَاذَا يَكُونُ لَنَا؟” وقد جاء رده على مراحل.
- لِيَسْتَأْجِرَ فَعَلَةً لِكَرْمِهِ: ذهب مالك الأرض إلى السوق حيث يجتمع العُمال. فمن أراد أن يعمل، كان يذهب هناك في الصباح الباكر ومعه أدواته وينتظر حتى يستأجره شخص ما.
- مَعَ الصُّبْحِ: أي “عند الفجر” يُحسب عادةً حوالي الساعة السادسة صباحًا. فهؤلاء العمال الذين تم توظيفهم في بداية يوم العمل وافقوا على العمل مقابل دِينَارٍ فِي الْيَوْمِ، وهو الأجر اليومي المشترك للعامل. كان هذا ترتيبًا طبيعيًا تمامًا.
ب) الآيات (٣-٧): خلال اليوم، يواصل مالك الأرض باستئجار العمال.
٣ ثُمَّ خَرَجَ نَحْوَ السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ وَرَأَى آخَرِينَ قِيَامًا فِي السُّوقِ بَطَّالِينَ، ٤ فَقَالَ لَهُمُ: اذْهَبُوا أَنْتُمْ أَيْضًا إِلَى الْكَرْمِ فَأُعْطِيَكُمْ مَا يَحِقُّ لَكُمْ. فَمَضَوْا. ٥ وَخَرَجَ أَيْضًا نَحْوَ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ وَالتَّاسِعَةِ وَفَعَلَ كَذلِكَ. ٦ ثُمَّ نَحْوَ السَّاعَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ خَرَجَ وَوَجَدَ آخَرِينَ قِيَامًا بَطَّالِينَ، فَقَالَ لَهُمْ: لِمَاذَا وَقَفْتُمْ ههُنَا كُلَّ النَّهَارِ بَطَّالِينَ؟ ٧ قَالُوا لَهُ: لأَنَّهُ لَمْ يَسْتَأْجِرْنَا أَحَدٌ. قَالَ لَهُمُ: اذْهَبُوا أَنْتُمْ أَيْضًا إِلَى الْكَرْمِ فَتَأْخُذُوا مَا يَحِقُّ لَكُمْ.
- ثُمَّ خَرَجَ نَحْوَ السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ: السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ حوالي الساعة التاسعة صباحًا؛ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ حوالي الساعة ١٢ ظهرًا. والسَّاعَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ حوالي الساعة الخامسة مساءً. ذهب مالك الأرض خلال النهار إلى المكان الذي تجمع فيه العمال، ووجد قِيَامًا بَطَّالِينَ (لَا يَعْمَلُونَ شَيْئًا) في السوق، فاستأجرهم للعمل في كرمه.
- “إذا لم يتم تجميع الحصاد قبل أن تتساقط الأمطار، فسوف يعطب؛ فالحصول على الحصاد كان سباق محموم ضد الزمن. وأي عامل كان موضع ترحيب، حتى لو كان بإمكانه إعطاء ساعة واحدة فقط للعمل.” باركلي (Barclay)
- الصورة هي أن مالك الأرض كان لديه إمداد لا ينضب من العمل لأولئك الذين أرادوا العمل. الانطباع هو أن مالك الأرض فوجئ بالعثور على أشخاص بَطَّالِينَ، لأنه كان لديه الكثير من العمل لهم.
- قام سبيرجن (Spurgeon) بتطبيق هذا علينا روحيًا: “لماذا يبقى أي منا خاملًا تجاه الله؟ ليس لديك أي شيء، رغم ذلك يشركك الله في الخدمة المقدسة؟ هل يمكن أن نتجرأ على قول: “لَمْ يَسْتَأْجِرْنَا أَحَدٌ”؟
- فَتَأْخُذُوا مَا يَحِقُّ لَكُمْ: وعد مالك الأرض العمال الأقرب في اليوم بأجر (دِينَارٍ فِي الْيَوْمِ). أما العمال الآخرون الذين تم استئجارهم خلال اليوم فلم يُعِدوا بأجر محدد، فقط مَا يَحِقُّ لَهم. وعد أن يدفع للعمال البطالين بعدل.
ج) الآيات (٨-١٠): مالك الأرض يدفع لعماله.
٨فَلَمَّا كَانَ الْمَسَاءُ قَالَ صَاحِبُ الْكَرْمِ لِوَكِيلِهِ: ادْعُ الْفَعَلَةَ وَأَعْطِهِمُ الأُجْرَةَ مُبْتَدِئًا مِنَ الآخِرِينَ إِلَى الأَوَّلِينَ. ٩ فَجَاءَ أَصْحَابُ السَّاعَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ وَأَخَذُوا دِينَارًا دِينَارًا. ١٠ فَلَمَّا جَاءَ الأَوَّلُونَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ أَكْثَرَ. فَأَخَذُوا هُمْ أَيْضًا دِينَارًا دِينَارًا.
- ادْعُ الْفَعَلَةَ وَأَعْطِهِمُ الأُجْرَةَ مُبْتَدِئًا مِنَ الآخِرِينَ إِلَى الأَوَّلِينَ: هؤلاء هم عمال يوميون، لذا يتم الدفع لهم في نهاية كل يوم. فعندما حان الوقت لدفع الأجرة، تم دفع الأجرة للرجال الذين تم استئجارهم في آخر النهار، أخذوا أجرة يوم عمل كامل!
- من الواضح أن الرجال الذين تم استئجارهم في السَّاعَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ، والذين عملوا لمدة ساعة واحدة فقط، شعروا بسعادة غامرة بشأن الحصول على أجرتهم أولًا، وكانت أجرة يوم كامل.
- ظَنُّوا أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ أَكْثَرَ: رأى الرجال الذين عملوا لمالك الأرض طوال اليوم أن الرجال الذين عملوا لمدة ساعة فقط لا بد سيأخذون أقل بكثير من أجرة اليوم، وظَنُّوا: “إذا كان مالك الأرض يدفع لهؤلاء الأشخاص أجرًا ليوم كامل مقابل العمل لمدة ساعة واحدة، إذًا سنحصل على أكثر من ذلك بكثير.”
- كان ترتيب الدفع مهم. فإذا أخذ العمال الأولين أجرهم أولًا، لما صرفوا الوقت في بناء توقعاتهم لأخذ المزيد من الأجر لأنفسهم. “ربما شعر الأولون بجرح كبريائهم لأنه قد دُفِع لهم بعد الآخرين. لقد استخدموا وقت انتظارهم في التفكير في تفوقهم على المتأخرين.” سبيرجن (Spurgeon)
- فَأَخَذُوا هُمْ أَيْضًا دِينَارًا دِينَارًا: ومع ذلك، فإن الرجال الذين تم تعيينهم أولًا، في وقت مبكر من اليوم، والذين عملوا طوال اليوم، حصلوا على أجرتهم بالضبط كما وعدهم مالك الأرض (دِينَارٍ فِي الْيَوْمِ، متى ٢:٢٠). فقد فعل مالك الأرض بالضبط كما وعد، ولكن افتراضهم الحصول على أجرة أكثر من الوعد كان مخيبًا للآمال.
د ) الآيات (١١-١٥): شكوى العمال الأولين.
١١ وَفِيمَا هُمْ يَأْخُذُونَ تَذَمَّرُوا عَلَى رَبِّ الْبَيْتِ ١٢ قَائِلِينَ: هؤُلاَءِ الآخِرُونَ عَمِلُوا سَاعَةً وَاحِدَةً، وَقَدْ سَاوَيْتَهُمْ بِنَا نَحْنُ الَّذِينَ احْتَمَلْنَا ثِقَلَ النَّهَارِ وَالْحَرَّ! ١٣ فَأجَابَ وَقَالَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ: يَا صَاحِبُ، مَا ظَلَمْتُكَ! أَمَا اتَّفَقْتَ مَعِي عَلَى دِينَارٍ؟ ١٤ فَخُذِ الَّذِي لَكَ وَاذْهَبْ، فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُعْطِيَ هذَا الأَخِيرَ مِثْلَكَ. ١٥ أَوَ مَا يَحِلُّ لِي أَنْ أَفْعَلَ مَا أُرِيدُ بِمَا لِي؟ أَمْ عَيْنُكَ شِرِّيرَةٌ لأَنِّي أَنَا صَالِحٌ؟
- تَذَمَّرُوا عَلَى رَبِّ الْبَيْتِ: بعدما أخذوا أجرتهم، تذمر الرجال الذين تم استئجارهم أولًا على مالك الأرض. لقد شعروا بالإهانة لأن مالك الأرض أعطى الرجال الذين عملوا أقل نفس أجرة من احتملوا ثِقَلَ النَّهَارِ وَالْحَرَّ.
- “تم دفع المال من قبل المشرف، لكنه كان يقف جانبًا ليستمتع بالمشهد.” بروس (Bruce)
- من السهل التعاطف مع هؤلاء الذين عملوا طوال اليوم. لقد عملوا بينما كان الآخرون في وضع الخمول. لقد عملوا في ثِقَلَ النَّهَارِ وَالْحَرَّ بينما ظل آخرون يظللون أنفسهم. ومع ذلك فقد دُفعَ لهم نفس الشيء بالضبط.
- يَا صَاحِبُ، مَا ظَلَمْتُكَ! أَمَا اتَّفَقْتَ مَعِي عَلَى دِينَارٍ؟: ذكّرهم مالك الأرض بأنه كان منصفًا تمامًا لهم. لم يظلمهم، ولم يكسر أي وعد.
- فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُعْطِيَ هذَا الأَخِيرَ مِثْلَكَ: لم يفعل مالك الأرض شيئًا ليشرح موقفه، بخلاف القول ببساطة ’أُرِيدُ.‘ كانت أسباب كَرَم مالك الأرض تكمن في مالك الأرض نفسه، وليس في الذين تلقوا الأجرة.
- أَوَ مَا يَحِلُّ لِي أَنْ أَفْعَلَ مَا أُرِيدُ بِمَا لِي؟ أَمْ عَيْنُكَ شِرِّيرَةٌ لأَنِّي أَنَا صَالِحٌ؟: وبخهم مالك الأرض بسبب الغيرة والاستياء من كَرَمه تجاه الآخرين. كما ادعى بشدة حقه في فعل ما يريد بما كان له.
- كانت “العين الشريرة” تعبيرًا يستخدم للإشارة إلى الغيرة والحسد. فقد سأل مالك الأرض عما إذا كانوا يشعرون بالغيرة لأنه كان كريمًا مع الآخرين. (راجع تثنية ٩:١٥؛ صموئيل الأول ٩:١٨).” كارسون (Carson)
- “كانت العين الشريرة عبارة تستخدم، بين اليهود القدماء، للإشارة إلى رجل مليء بالحسد والطمع؛ رجل يتذمر على ازدهار جاره، ويحب ماله الخاص، ولن يفعل شيئًا في سبيل الصدقة من أجل الله.” كلارك (Clarke)
هـ) الآية (١٦): تطبيق المَثل: مبدأ المكافأة الإلهية.
١٦هكَذَا يَكُونُ الآخِرُونَ أَوَّلِينَ وَالأَوَّلُونَ آخِرِينَ، لأَنَّ كَثِيرِينَ يُدْعَوْنَ وَقَلِيلِينَ يُنْتَخَبُونَ».
- هكَذَا يَكُونُ الآخِرُونَ أَوَّلِينَ وَالأَوَّلُونَ آخِرِينَ: عرف بطرس والتلاميذ أنهم تخلوا عن الكثير في سبيل تبعية يسوع. لذا، أراد بطرس أن يعرف ما الذي سيحصلون عليه في المقابل. فمن خلال هذا المثل، أكد يسوع لبطرس والتلاميذ أنهم سوف يكافئون، ولكن مبدأ الآخِرُونَ أَوَّلِينَ وَالأَوَّلُونَ آخِرِينَ (متى ٣٠:١٩) يعني أن الله قد لا يكافئ كما يتوقع الإنسان، كما وضح المثل.
- يعتقد البعض أن هذا المثل يتحدث عن الطريقة التي يأتي بها الناس إلى الله في مراحل مختلفة من حياتهم. فقد يأتون في بداية حياتهم أو في شبابهم أو في سن البلوغ أو في سن الشيخوخة أو في نهاية العمر. ويعتقد آخرون أن هذا المثل يشير إلى كيفية بزوغ الإنجيل: أولًا مع يوحنا المعمدان ثم خدمة يسوع ثم الكرازة في يوم الخمسين ثم لليهود وأخيرًا إلى الأمم. ولكن من الأفضل فهمه كمثل عن النعمة والمكافأة.
- يجب أن يتوقع التلاميذ المكافأة؛ ولكن لا ينبغي أن يفاجأوا، عندما يتم توزيع المكافآت، إذ يكافئ الله الآخرين بطرق غير متوقعة.
- يَكُونُ الآخِرُونَ أَوَّلِينَ وَالأَوَّلُونَ آخِرِينَ: هذا هو جوهر نعمة الله، عندما يكافئ ويبارك الإنسان وفقًا لإرادته وسروره، وليس بالضرورة وفقًا لما يستحقه الناس.
- من السهل أن نفهم القانون: فنحن نحصل على ما نستحق. ولكن نظام النعمة غريب بالنسبة لنا: فالله يتعامل معنا وفقًا لما هو عليه، وليس وفقًا لما نحن عليه.
- من المهم أن نرى أن مالك الأرض لم يعامل أي شخص بطريقة غير عادلة، على الرغم من أنه كان أكثر كرمًا للبعض من الآخرين. ويمكننا أن نطمئن أن الله لن يكون أبدًا غير منصف لنا، على الرغم من أنه قد يضفي نعمة أكبر على شخص آخر يبدو أقل استحقاقًا من أجل غرضه ورضاه.
- النقطة المهمة ليست أن الجميع لديهم نفس المكافأة، على الرغم من أن جميع شعب الله يذهبون إلى السماء نفسها (حيث سيحصلون على مكافأة في بمقياس مختلف). ولكن النقطة المهمة هي أن الله يكافئ على مبدأ النعمة، وبالتالي علينا أن نتوقع مفاجآت. فالله لن يكون أبدًا أقل من عادل، لكنه يحتفظ بحقه في أن يكون أكثر من عادل كما يحلو له. فنعمة الله تعمل دائمًا وفقًا للعدل.
- ليس هذا أفضل مثل على نعمة الله، بسبب وجود مبدأ العمل والاستحقاق. فنعمة الله لا تعطينا نعمة أكثر مما نستحق، إنها تُنعم علينا بغض النظر عن مبدأ الاستحقاق.
- العيش تحت النعمة هو كسيف ذو حدين. فلا يمكننا تحت النعمة، أن نأتي إلى الله متذمرين: “ألا أستحق أفضل من هذا؟”؛ لأن الله سوف يرد قائلًا: “هل هذا يعني أنك تريد مني حقًا أن أعطيك ما تستحقه؟”
- يجب أن تتجلى النعمة خاصة في خدمتنا؛ لأننا نخدم بالنعمة وليس بالأعمال.
- كل خدمتنا هي بالفعل بسبب الله؛ أنها تخصه.
- القدرة على خدمة الله هي عطية من نعمته.
- الدعوة إلى خدمة الله هي عطية من نعمته.
- كل فرصة للخدمة هي عطية من نعمته.
- كونك في حالة ذهنية صحيحة للقيام بعمل الرب هو عطية من النعمة.
- الخدمة الناجحة لله هي عطية من نعمته.
- “كلامي الأخير لأبناء الله هو هذا: ماذا يهم، بعد كل شيء، سواء كنا أولًا أو إن كنا آخرًا؟ دعونا لا نعول على هذا الأمر كثيرًا، لأننا جميعًا نشارك في الشرف المُعطى لكل منا. فعندما نصبح مؤمنين، نصبح أعضاء في جسد المسيح الحي؛ وبينما ننمو في النعمة، ونحصل على الروح الذي يسكن هذا الجسد، يجب أن نقول، عندما يتم تكريم أي عضو فيه “هذا شرف لي.” فإذا كرم الله أخ لي، عليّ أن أشعر بالفخر تكريمًا له. وإذا بارك الله أخيك، وجعله أكثر فائدة منك بعشرة أضعاف، فعليك أن ترى هذا كبركة لك – فالبركة ليست له فحسب، لكنها لك أيضًا. فإن كانت يدي تمسك بشيء ما، فلن تقول قدمك: “أوه، أنا لم أحصل عليه!” لا، لأنه إذا كانت يدي تحوي شيئًا، فقدمي أيضًا تحويه؛ فهذا الشيء ينتمي إلى جسدي كله.” سبيرجن (Spurgeon)
- لأَنَّ كَثِيرِينَ يُدْعَوْنَ وَقَلِيلِينَ يُنْتَخَبُونَ: قيل هذا في سياق هذا التوضيح للنعمة. فقد أكد يسوع أن كل من الدعوة واختيار الله يعتمد على نعمته – خاصة فيما يتعلق باختياره.
ثانيًا. يسوع يعلم عن مكانة المؤمن في الملكوت
أ ) الآيات (١٧-١٩): يكشف يسوع ثانية عن المصير الذي ينتظره في أورشليم.
١٧وَفِيمَا كَانَ يَسُوعُ صَاعِدًا إِلَى أُورُشَلِيمَ أَخَذَ الاثْنَيْ عَشَرَ تِلْمِيذًا عَلَى انْفِرَادٍ فِي الطَّرِيقِ وَقَالَ لَهُمْ: ١٨«هَا نَحْنُ صَاعِدُونَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَابْنُ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، فَيَحْكُمُونَ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ، ١٩وَيُسَلِّمُونَهُ إِلَى الأُمَمِ لِكَيْ يَهْزَأُوا بِهِ وَيَجْلِدُوهُ وَيَصْلِبُوهُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ».
- هَا نَحْنُ صَاعِدُونَ إِلَى أُورُشَلِيمَ: لم يكن هذا مفاجئًا للتلاميذ. حتى لو لم يخبرهم يسوع بهذا على وجه التحديد، فحركتهم جنوبًا من الجليل في وقت عيد الفصح قد جعل من السهل معرفة أن يسوع والتلاميذ سيكونون في أُورُشَلِيمَ لعيد الفصح.
- وَابْنُ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ: أخبر يسوع التلاميذ مرة أخرى بما ينتظره في أورشليم، ولكننا لا نقرأ عن أي ردَ فعل من التلاميذ. قد يكون رد الفعل متوقعًا بشكل خاص عندما قال يسوع إنه سيُسَلَّمُ.
- “قال هذا الكلام أمام التلميذ الذي سيخونه: ألم يوخزه ضميره البتة؟” سبيرجن (Spurgeon)
- “وما زال خائنًا! إذا مات الإنجيل في إنجلترا، فاكتب على قبره “تمت خيانته.” وإذا فقدت كنائسنا تأثيرها المقدس بين الناس، فاكتب عليها “تمت خيانتها.” ما يهمنا نحن تجاه الجاحدين؟ ما يهمنا نحن تجاه أولئك اللاعنين والمجدفين؟ فلا يمكنهم إيذاء المسيح؛ فالجروح التي تلقاها كانت في منزل أحبائه.” سبيرجن (Spurgeon)
- يبدو أن التلاميذ لم يسمعوا ما قاله يسوع حقًا. فقد تركزت توقعاتهم على إنشاء يسوع لمملكته السياسية الفورية، وكانت هذه الكلمات من يسوع تتناقض تمامًا مع هذا التوقع، ولهذا مرت هذه الكلمات مرور الكرام.
- “قال البشير لوقا: وَأَمَّا هُمْ فَلَمْ يَفْهَمُوا هذَا الْقَوْلَ، وَكَانَ مُخْفىً عَنْهُم.” بوله (Poole)
- “عندما قال ربنا للاثني عشر أنه سيموت، تخيلوا أن ذلك كان مثلًا يخفي غموضًا عميقًا. فنظروا إلى بعضهم البعض، وحاولوا أن يفهموا حيث لم يكن هناك عمق، ولكن تكمن الحقيقة على السطح.” سبيرجن (Spurgeon)
- غالبًا ما يكون التفكير في المستقبل المؤلم أصعب من اختباره في الحقيقة. لقد اعترف يسوع علانيةً بالمعاناة والعذاب الذي ينتظره، وفكر في كيفية تحقيق إرادة أبيه في المستقبل. كان من المهم أن ينظر إلى التجربة القادمة ويقول: “سوف أكمل ما أعطاني أبي للقيام به. سوف أطيع حتى النهاية.”
- يُسَلَّمُ… فَيَحْكُمُونَ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ … َيُسَلِّمُونَهُ إِلَى الأُمَمِ لِكَيْ يَهْزَأُوا بِهِ وَيَجْلِدُوهُ وَيَصْلِبُوهُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ: كان يسوع محدَدًا بشكل خاص في هذا الإعلان عن مصيره، وتنبأ بأشياء كثيرة لم يكن لديه سيطرة واضحة عليها.
- سوف يُسَلَّمُ: كان من الممكن أن يُسلم يسوع إلى السلطات الدينية دون خيانة. وبالتأكيد، لم يرتب خيانته. ومع ذلك قال بثقة إن ذلك سيحدث.
- فَيَحْكُمُونَ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ: تنبأ يسوع بثقة أن القادة الدينيين سيفعلون ذلك؛ لكن هذا لم يكن شيئًا يمكنه التخطيط له.
- يُسَلِّمُونَهُ إِلَى الأُمَمِ: لقد عرف يسوع أن القادة الدينيين لليهود ليس لديهم سلطة لتنفيذ عقوبة الإعدام بأنفسهم؛ لكن في بعض الأحيان أعدموا الناس على الرغم من هذا الحظر (أعمال الرسل ٥٤:٧-٦٠). ومع ذلك، كان يسوع واثقًا من أنه سيتم تسليمه إِلَى الأُمَمِ.
- يَهْزَأُوا بِهِ وَيَجْلِدُوهُ: تنبأ يسوع بهذه الجوانب المحددة من معاناته القادمة، والتي لم يستطع ترتيبها على المستوى الإنساني. “نتفوا شعره، وضربوا خديه، وبصقوا في وجهه. السخرية لا يمكن أن تذهب أبعد من ذلك. لقد كان احتقار قاسٍ ولعين.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَيَصْلِبُوهُ: لم يكن الصلب هو السبيل الوحيد لإعدام المجرمين في عهد الرومانيين، ومع ذلك عرف يسوع أن هذه هي الطريقة التي سيُقتل بها. “هنا هو أول ذكر لطريقة موت يسوع ولدور الأمم فيه (الرومانيون فقط هم القادرون على صلب الناس).” كارسون (Carson)
- الأمر في مجمله هو أن الصورة بأكملها هي معاناة كبيرة.
- المعاناة من ولاء الأصدقاء.
- المعاناة من الظلم.
- المعاناة من الإهانة المتعمدة.
- المعاناة من الألم الجسدي.
- المعاناة من الذل الشديد والتدهور.
- وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ: الأهم من ذلك، كان هذا شيئًا لم يكن لدى السيد المسيح سيطرة واضحة عليه. ومع ذلك أعلن بثقة لتلاميذه أن هذا سيحدث.
ب) الآيات (٢٠-٢١): والدة يعقوب ويوحنا تسأل عن مكانة خاصة لابنيها.
٢٠حِينَئِذٍ تَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ أُمُّ ابْنَيْ زَبْدِي مَعَ ابْنَيْهَا، وَسَجَدَتْ وَطَلَبَتْ مِنْهُ شَيْئًا. ٢١فَقَالَ لَهَا: «مَاذَا تُرِيدِينَ؟» قَالَتْ لَهُ: «قُلْ أَنْ يَجْلِسَ ابْنَايَ هذَانِ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِكَ وَالآخَرُ عَنِ الْيَسَارِ فِي مَلَكُوتِكَ».
- حِينَئِذٍ تَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ أُمُّ ابْنَيْ زَبْدِي: جاءت والدة يعقوب ويوحنا (متى ٢١:٤) بطلب من شأنه أن يجعل الأم فخورة والأبناء سعداء للغاية.
- كانت “عضوًا منتظمًا في مجموعة التلاميذ التي رافقت يسوع (متى ٥٦:٢٧)، لذا فإن مشاركتها في الأفكار الطموحة لأبنائها لم تكن مفاجئة.” فرانس (France)
- قُلْ أَنْ يَجْلِسَ ابْنَايَ: طلبت نيابة عن أبنيها (لاحظ من الذي يرد عليه يسوع في متى ٢٢:٢٠-٢٣)، فقد أرادت مناصب بارزة لهم في إدارة يسوع المسيانية.
- “تشير ’اليد اليمنى‘ و’اليد اليسرى‘ إلى قرب الفرد من شخص الملك وأيضًا إلى أن له نصيب في مكانته وقوته.” كارسون (Carson)
- “إن وعد المذكور في متى ٢٨:١٩ يشكل الخلفية لهذا الطلب؛ “العروش” مضمونة بالفعل، ولم يتبقى سوى مسألة الأسبقية.” فرانس (France)
ج ) الآيات (٢٢-٢٣): رد يسوع على طلبة يعقوب ويوحنا: عندما تسأل عن مكانة خاصة، هل تعرف ما الذي تطلبه؟
٢٢فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ: «لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مَا تَطْلُبَانِ. أَتَسْتَطِيعَانِ أَنْ تَشْرَبَا الْكَأْسَ الَّتِي سَوْفَ أَشْرَبُهَا أَنَا، وَأَنْ تَصْطَبِغَا بِالصِّبْغَةِ الَّتِي أَصْطَبغُ بِهَا أَنَا؟» قَالاَ لَهُ: «نَسْتَطِيعُ». ٢٣ فَقَالَ لَهُمَا: «أَمَّا كَأْسِي فَتَشْرَبَانِهَا، وَبِالصِّبْغَةِ الَّتِي أَصْطَبِغُ بِهَا أَنَا تَصْطَبِغَانِ. وَأَمَّا الْجُلُوسُ عَنْ يَمِيني وَعَنْ يَسَارِي فَلَيْسَ لِي أَنْ أُعْطِيَهُ إِلاَّ لِلَّذِينَ أُعِدَّ لَهُمْ مِنْ أَبِي».
- تَسْتَطِيعَانِ أَنْ تَشْرَبَا الْكَأْسَ الَّتِي سَوْفَ أَشْرَبُهَا أَنَا: يبدو أن إجابتهم (نَسْتَطِيع) جاءت سريعة جدًا. لقد أدرك يسوع أنهم لم يفهموا حقًا، لكنهم سيفعلون ذلك لاحقًا.
- “لكن هؤلاء الرجال ناموا في جثسيماني، وتركوا السيد عندما قُبض عليه، ولكن واحد على الأقل تبعه إلى الصليب. ويمكننا فقط أن نشرب كأس المسيح وصبغته، بعد أن مُنحنا روح يوم الخمسين.” ماير (Meyer)
- أَمَّا كَأْسِي فَتَشْرَبَانِهَا، وَبِالصِّبْغَةِ الَّتِي أَصْطَبِغُ بِهَا أَنَا تَصْطَبِغَانِ: كان يتعين على كل من يعقوب ويوحنا أن يُصبغا بمعاناة يسوع، ولكن “كأسهما” و”صبغتهما” كانا مختلفين. فكان يعقوب أول شهيد بين الرسل، وكان يوحنا هو الرسول الوحيد الذي لم يمت من خلال الاستشهاد، وإن لم يكن بسبب قلة المحاولة.
- كان على يعقوب أن يكون مستعدًا ليكون أول من يموت بين التلاميذ؛ وكان على يوحنا أن يكون مستعدًا للعيش أطول حياة مسيحية شاهدة. “عُثر على قطعة نقدية رومانية تحمل صورة ثور. فكان الثور يواجه شيئين: المذبح والمحراث. والنقش كان كما يلي: “جاهز لأي منهما.” باركلي (Barclay)
- هذا مثال جيد على كلمة “الصبغة” التي لها معنى “الانغماس” أو “الابتلاع.”
- وَأَمَّا الْجُلُوسُ عَنْ يَمِيني وَعَنْ يَسَارِي فَلَيْسَ لِي أَنْ أُعْطِيَهُ: لقد أظهر يسوع هنا تبعية رائعة لأبيه. حتى أنه لم يدّعِ الحق في اختيار كيفية مكافأة عبيده، ولكنه يترك ذلك لأبيه.
- “لم يأتِ ليفعل إرادته، بل إرادة من أرسله، وهكذا يقول بشكل صحيح عن السلطان في ملكوته: لَيْسَ لِي أَنْ أُعْطِيَهُ. فكيف تمكن ربنا أن يأخذ مكان متواضع كهذا من أجلنا! ففي تخليه عن هذا السلطان، يقدم لنا توبيخًا صامتًا لبحثنا عن الذات.” سبيرجن (Spurgeon)
د ) الآيات (٢٤-٢٨): رد فعل التلاميذ؛ يسوع يحدد العظمة الحقيقية.
٢٤فَلَمَّا سَمِعَ الْعَشَرَةُ اغْتَاظُوا مِنْ أَجْلِ الأَخَوَيْنِ. ٢٥ فَدَعَاهُمْ يَسُوعُ وَقَالَ: «أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رُؤَسَاءَ الأُمَمِ يَسُودُونَهُمْ، وَالْعُظَمَاءَ يَتَسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ. ٢٦ فَلاَ يَكُونُ هكَذَا فِيكُمْ. بَلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ عَظِيمًا فَلْيَكُنْ لَكُمْ خَادِمًا، ٢٧ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ أَوَّلًا فَلْيَكُنْ لَكُمْ عَبْدًا، ٢٨ كَمَا أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ».
- اغْتَاظُوا: اعتقد التلاميذ العشرة الآخرون عن طريق الخطأ أن شرفًا فريدًا قد منح للتو ليعقوب ويوحنا. فهم لم يعرفوا أن يسوع كان يمكن أن يعد أي منهم بأن يمر بنفس المعاناة (إذا أرادوا ذلك حقًا!).
- “انبثق سخط العشرة بلا شك ليس من التواضع، بل بالحري من الغيرة والخوف من أن يكونوا قد خسروا شيئًا.” كارسون (Carson)
- فَلاَ يَكُونُ هكَذَا فِيكُمْ: أظهرت رغبتهم في المنصب والمكانة أنهم لم يعرفوا بعد طبيعة يسوع فيما يتعلق بالقيادة والسلطة. كان حكام الأمم يَتَسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ، لكن يجب أن يكون الأمر مختلفًا بين شعب الله.
- فَلاَ يَكُونُ هكَذَا فِيكُمْ هو توبيخ لاذع على الطريقة التي تتطلع بها الكنيسة الحديثة إلى العالم من حيث جوهرها وأسلوبها. فمن الواضح أن الكنيسة لن تعمل بالطريقة التي يعمل بها العالم.
- بَلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ عَظِيمًا فَلْيَكُنْ لَكُمْ خَادِمًا: في مجتمع الملكوت، لا ينبغي أن تكون المكانة أو المال أو الشعبية من المتطلبات الأساسية للقيادة. فالخدمة المتواضعة هي الشرط الأساسي الكبير، كما هو واضح من خدمة يسوع.
- “في العالم الوثني كان التواضع يُنظر إليه ليس كفضيلة بل كرذيلة. فتخيل عبدًا يُمنح القيادة!” كارسون (Carson)
- كَمَا أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ: يتم القيام بالخدمة الحقيقية لصالح من يخدمون وليس لمصلحة الخادم. إذ يوجد الكثير من الأشخاص في الخدمة بسبب ما يمكنهم الحصول عليه (ماديًا أو عاطفيًا) من أفرادهم بدلًا مما يمكنهم تقديمه لهم.
- “لم يتلق شيئًا من الآخرين؛ كانت حياته مليئة بالعطاء والحياة. فلا توجد خدمة أكبر من تخليص الخطاة بموته، ولا توجد خدمة أدنى من الموت بدلًا من الخطاة.” سبيرجن (Spurgeon)
- “لم يأتِ ليُخْدم، بل ليَخدم. ألا يناسبك هذا، أيها الخاطئ المسكين؛ أنت الذي لم تخدمه أبدًا أو الذي لم تستطع، كما أنت، أن تخدمه؟ حسنًا، لم يأتِ للحصول على خدمتك؛ لقد جاء ليعطيك خدماته؛ ليس لأنك قد تكرّمه أولًا، لكن لكي يرحمك.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ: إن موت يسوع (لبْذِلَ نَفْسَهُ) اشترى حرية شعبه. والفكرة هي أن شعبه كانوا تحت العبودية، ولكنه دفع ثمنهم.
- فِدْيَةً: “كانت الأكثر استخدامًا لشراء العبيد.” كارسون (Carson). “إن الكلمة ’ليترون‘ (Lytron) (أو فدية) مع حرف الجر في اليونانية يعني حرفيًا ’بدلًا من‘ وتشيران بوضوح إلى فكرة “أنه أخذ مكاننا.” فرانس (France)
- أدت كلمات يسوع هذه إلى طرح سؤال لاهوتي قديم ومعقد: إلى من دفع يسوع الفدية؟ قال أوريجانوس إنه دفع الفدية للشيطان. واعترض غريغوريوس النيصي قائلًا بأن هذا يضع الشيطان على نفس مستوى الله، ويسمح للشيطان بإملاء الشروط على الله. وقال غريغوريوس الكبير إن يسوع كان يشبه خطافًا يهدف إلى إمساك الشيطان، وقال بيتر اللومباردي إن الصليب كان مثل مصيدة فئران للقبض على الشيطان، وكان الطُعم دم المسيح. وكل هذا يأخذ الصورة البسيطة التي أوضحها يسوع. “الفدية هي شيء يتم دفعه أو إعطاؤه لتحرير إنسان من وضع يستحيل فيه تحرير نفسه.” باركلي (Barclay)
- “لو أن كل المذنبين الذين عاشوا في العالم من قبل كانوا قد سُلموا إلى الجحيم، لما استطاعوا الإيفاء بمطالب العدالة. فلا يزال يتعين عليهم الاستمرار في تحمل عقاب الجريمة التي لم يتمكنوا من التكفير عنها. ولكن ابن الله، الذي مزج جلال ألوهيته اللانهائي مع القدرة الكاملة على المعاناة كإنسان، قد قدم تكفيرًا عن هذه القيمة التي لا تقدر بثمن حتى أنه دفع كامل الدين تمامًا نيابة عن شعبه.” سبيرجن (Spurgeon)
- “لقد أدرك معظم العلماء أيضًا أن كلمة ’كَثِيرِينَ‘ هي إِشارة واضحة إلى ما ذُكر في سفر إشعياء: ’وَعَبْدِي الْبَارُّ بِمَعْرِفَتِهِ يُبَرِّرُ كَثِيرِينَ، وَآثَامُهُمْ هُوَ يَحْمِلُهَا‘ (إشعياء ١١:٥٣)، ’أُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ، وَهُوَ حَمَلَ خَطِيَّةَ كَثِيرِين‘ (إشعياء ١٢:٥٣).” كارسون (Carson)
ثالثًا. يسوع يشفي رجلين أعميين
أ ) الآيات (٢٩-٣١): رجلان أعميان يلفتان انتباه يسوع.
٢٩وَفِيمَا هُمْ خَارِجُونَ مِنْ أَرِيحَا تَبِعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ، ٣٠ وَإِذَا أَعْمَيَانِ جَالِسَانِ عَلَى الطَّرِيقِ. فَلَمَّا سَمِعَا أَنَّ يَسُوعَ مُجْتَازٌ صَرَخَا قَائِلَيْنِ: «ارْحَمْنَا يَا سَيِّدُ، يَا ابْنَ دَاوُدَ!» ٣١ فَانْتَهَرَهُمَا الْجَمْعُ لِيَسْكُتَا، فَكَانَا يَصْرَخَانِ أَكْثَرَ قَائِلَيْنِ: «ارْحَمْنَا يَا سَيِّدُ، يَا ابْنَ دَاوُدَ!»
- فَلَمَّا سَمِعَا أَنَّ يَسُوعَ مُجْتَازٌ: عرفوا أن هذه قد تكون آخر مرة يجتمعون فيها مع يسوع. كان لديهم من اليأس ما يجعلهم يدركون أن اليوم هو يوم الخلاص.
- “إنها نهاية خدمة يسوع التجوالية، وذكر أريحا هنا يشير إلى المدينة التالية على الطريق، أي أورشليم.” فرانس (France)
- ارْحَمْنَا يَا سَيِّدُ، يَا ابْنَ دَاوُدَ!: جدية هذين الرجال كانت رائعة. كانوا يائسيْن للشفاء، وتجاهلا الحشد الذي حاول تهدئتهما (فَكَانَا يَصْرَخَانِ أَكْثَرَ).
- “عندما يبدأ العالم والشيطان في التوبيخ، في هذه الحالة، هذا دليل على أن خلاص الله قريب؛ لذلك، دع مثل هذا الصراخ يصير أكثر صخبًا.” كلارك (Clarke)
- يَا سَيِّدُ، يَا ابْنَ دَاوُدَ: ومع ذلك، في يأسهما، كانوا يمجدان يسوع. أعطوه شرف كامل مع هذا اللقب.
ب) الآيات (٣٢-٣٤): يسوع يشفي الرجلين الأعميين.
٣٢فَوَقَفَ يَسُوعُ وَنَادَاهُمَا وَقَالَ:«مَاذَا تُرِيدَانِ أَنْ أَفْعَلَ بِكُمَا؟» ٣٣ قَالاَ لَهُ:«يَا سَيِّدُ، أَنْ تَنْفَتِحَ أَعْيُنُنَا!» ٣٤ فَتَحَنَّنَ يَسُوعُ وَلَمَسَ أَعْيُنَهُمَا، فَلِلْوَقْتِ أَبْصَرَتْ أَعْيُنُهُمَا فَتَبِعَاهُ.
- فَوَقَفَ يَسُوعُ: لا شيء يمكن أن يمنعه في رحلته إلى أورشليم؛ ومع ذلك، وقف حتى يجيب على نداء مُلحًّا طالبًا الرحمة.
- مَاذَا تُرِيدَانِ أَنْ أَفْعَلَ بِكُمَا؟: هذا سؤال رائع وبسيط لم يتوقف الله عن طرحه. ففي بعض الأحيان لا نحصل على شيء عندما يريد الله أن يعطينا إياه لمجرد أننا لن نجيب على هذا السؤال، فلا نحصل على شي لأننا لا نسأل (يعقوب ٢:٤).
- سأل يسوع هذا السؤال بعلم كامل بأن هذين الرجلين كانا أعميين. لقد كان يعرف ما يحتاجان إليه وما يريدان، لكن الله ما زال يريدنا أن نقول له احتياجاتنا كتعبير دائم عن ثقتنا واعتمادنا عليه.
- فَلِلْوَقْتِ أَبْصَرَتْ أَعْيُنُهُمَا فَتَبِعَاهُ: كانت هذه نتيجة رائعة. لم يقتصر الأمر على شفائهما، لكنهما تبعا أيضًا الشخص الذي فعل أمورًا عظيمة لهما.
- “أيها القارئ، أيًا تكون، توسل لخلاص روحك كما فعل هذان الأعميان لبصرهما، وخلاصك أكيد. أصرخ إلى ابن داود، لا تخسر لحظة؛ إنه بجانبك، وأنت في طريقك نحو الأبدية، وربما لن يكون لديك فرصة سانحة أكثر من الحاضر. أصلي كي يزيد الرب جديتك وإيمانك!” كلارك (Clarke)