إنجيل متى – الإصحاح ٢٧
محاكمة يسوع وموته ودفنه
أولًا. موت يهوذا
أ ) الآيات (١-٢): تسليم يسوع إلى بيلاطس.
١وَلَمَّا كَانَ الصَّبَاحُ تَشَاوَرَ جَمِيعُ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَشُيُوخُ الشَّعْب عَلَى يَسُوعَ حَتَّى يَقْتُلُوهُ، ٢فَأَوْثَقُوهُ وَمَضَوْا بِهِ وَدَفَعُوهُ إِلَى بِيلاَطُسَ الْبُنْطِيِّ الْوَالِي.
- تَشَاوَرَ جَمِيعُ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَشُيُوخُ الشَّعْبِ عَلَى يَسُوعَ حَتَّى يَقْتُلُوهُ: كان هذا هو التجمع الرسمي للسنهدريم في أعقاب الجلسة المسائية غير الرسمية (وغير القانونية)، الموصوفة أيضًا في لوقا ٦٦:٢٢-٧١. وكما يوضح لوقا، كانت محاكمة الصَّبَاح هذه هي نفسها المحاكمة السابقة غير الرسمية.
- “لكن بما أن محاكمة شخص ليلًا تتعارض مع كل أشكال القانون، يبدو أنهما تفرقوا لبضع ساعات، ثم في الصباح الباكر، اجتمعوا ثانية، متظاهرين بإدارة أعمالهم وفقًا للقانون.” كلارك (Clarke)
- وَمَضَوْا بِهِ وَدَفَعُوهُ إِلَى بِيلاَطُسَ الْبُنْطِيِّ: أسلم السنهدريم المسيح إلى بِيلاَطُسَ الْبُنْطِيِّ الوالي الروماني المعين على اليهودية، لأنه لم يكن لديهم السلطة لقتله.
- “تم تعيين بيلاطس في الواقع واليًا أو حاكمًا من قِبل طيباريوس قيصر في العام ٢٦م. وكان الولاة يحكمون مناطق صغيرة مضطربة؛ وفي المسائل القضائية، كانوا يتمتعون بسلطات مثل تلك التي يتمتع بها الحكام والممثلون الأكثر قوة؛ وباختصار، كانت لديهم سُلطة التحكم بالحياة والموت.” كارسون (Carson)
- “كان الولاة عادة يقيمون في قيصرية، على ساحل البحر، ولكن كان من المعتاد أن يكونوا في أورشليم فترة عيد الفصح مع مفرزة من الجنود، للحفاظ على السلام العام.” بروس (Bruce)
- وصف فيلو (Philo)، العالم اليهودي القديم من الإسكندرية، بيلاطس بقوله: “كان فاسدًا ومتعجرفًا ويسلب الناس ويهينهم باستمرار، كما وكان قاسيًا ويأمر بإعدام الناس دون أي محاكمة عادلة أو حتى إدانة. وحشيته لا تنتهي.” باركلي (Barclay)
- كان لدى القادة اليهود سبب لتوقع نتيجة إيجابية عندما ذهبوا إلى بيلاطس. فالتاريخ العلماني يُظهر لنا أنه كان رجلًا قاسيًا لا يرحم، ولا يراعي مشاعر الآخرين. وبالتأكيد، لقد ظنوا أن بِيلاَطُسَ سوف يحكم على يسوع هذا بالموت.
- بيلاطس لن يكون مهتمًا بتهمة التجديف ضد يسوع، معتبرًا أن ذلك أمرًا دينيًا لا يهم روما. ولذلك جلب جَمِيعُ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَشُيُوخُ الشَّعْب يسوع إلى بيلاطس بثلاثة تهم كاذبة: أن يسوع كان ثوريًا؛ وأنه حرض الناس على عدم دفع ضرائبهم؛ وأنه ادعى أنه ملك مناهض لقيصر (لوقا ٢:٢٣).
ب) الآيات (٣-١٠): نهاية يهوذا البائسة.
٣حِينَئِذٍ لَمَّا رَأَى يَهُوذَا الَّذِي أَسْلَمَهُ أَنَّهُ قَدْ دِينَ، نَدِمَ وَرَدَّ الثَّلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخِ ٤قَائِلًا: «قَدْ أَخْطَأْتُ إِذْ سَلَّمْتُ دَمًا بَرِيئًا». فَقَالُوا: «مَاذَا عَلَيْنَا؟ أَنْتَ أَبْصِرْ!» ٥فَطَرَحَ الْفِضَّةَ فِي الْهَيْكَلِ وَانْصَرَفَ، ثُمَّ مَضَى وَخَنَقَ نَفْسَهُ. ٦فَأَخَذَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ الْفِضَّةَ وَقَالُوا: «لاَ يَحِلُّ أَنْ نُلْقِيَهَا فِي الْخِزَانَةِ لأَنَّهَا ثَمَنُ دَمٍ». ٧فَتَشَاوَرُوا وَاشْتَرَوْا بِهَا حَقْلَ الْفَخَّارِيِّ مَقْبَرَةً لِلْغُرَبَاءِ. ٨لِهذَا سُمِّيَ ذلِكَ الْحَقْلُ «حَقْلَ الدَّمِ» إِلَى هذَا الْيَوْمِ. ٩حِينَئِذٍ تَمَّ مَا قِيلَ بِإِرْمِيَا النَّبِيِّ الْقَائِلِ: «وَأَخَذُوا الثَّلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ، ثَمَنَ الْمُثَمَّنِ الَّذِي ثَمَّنُوهُ مِنْ بَني إِسْرَائِيلَ، ١٠وَأَعْطَوْهَا عَنْ حَقْلِ الْفَخَّارِيِّ، كَمَا أَمَرَنِي الرَّبُّ».
- نَدِمَ وَرَدَّ الثَّلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ: كان يهوذا ممتلئًا بالندم لا بالتوبة. فعلى الرغم من أنه كان يعرف بالضبط ما فعله (قَدْ أَخْطَأْتُ إِذْ سَلَّمْتُ دَمًا بَرِيئًا)، إلا أن يهوذا كان أكثر أسفًا لنتيجة خطيته من الخطيئة نفسها. فهناك فرق كبير بين الندم عن الخطيئة، والندم على الخطيئة نفسها.
- من خلال إلقاء يهوذا قطع الفضة في الْهَيْكَلِ (“الهيكل أي القدس الداخلي ’ناووس naos‘ حيث كان يُسمح للكهنة فقط بالدخول” وفقًا لفرانس (France))، أراد يهوذا توريط الكهنة في جريمته. وكانت هذه طريقته للقول: “أنتم أيضًا مذنبون في هذا.”
- “تصرف رجل يائس، مُصر على أن يأخذوا المال، وربما يأمل أن يكون هذا نوعًا من التكفير عن خطيئته.” بروس (Bruce)
- كل هذا حدث لَمَّا رَأَى يَهُوذَا الَّذِي أَسْلَمَهُ أَنَّهُ قَدْ دِينَ. “ربما توقع يهوذا أن يخلص يسوع نفسه بأعجوبة من خاطفيه؛ وعندما رأى أنه قد أدين، استولى عليه الندم، وعاد إلى زملائه المجرمين ثمنَ عاره المُشين.” سبيرجن (Spurgeon)
- دَمًا بَرِيئًا: “كان يهوذا برفقة الرب في الأماكن العامة والخاصة. وإذا كان قد وجد خللًا في شخصية المسيح، فقد يكون هذا هو الوقت المناسب لذكره؛ لكن حتى الخائن، في كلماته الأخيرة قبل موته، أعلن أن يسوع كان ’بَرِيئًا‘.” سبيرجن (Spurgeon)
- لاَ يَحِلُّ أَنْ نُلْقِيَهَا فِي الْخِزَانَةِ لأَنَّهَا ثَمَنُ دَمٍ: كان نفاق رؤساء الكهنة جليًا. فهم لا يريدون أن يدَنَسوا أنفسهم بثمن الدم، رغم أنه كان الثمن الذي دفعوه هم أنفسهم.
- عامل القادة الدينيون خادمهم يهوذا معاملة سيئة. “المُجرب ليس معزيًا جيد. فأولئك الذين هم أدوات الشيطان، لقيادة أو لإغراء أو لجذب الناس للخطيئة، لن يقدموا أي تعزية عندما يصبحون مضطربين بسبب ما فعلوه.” بوله (Poole)
- “منع الله، في سفر التثنية ١٨:٢٣، دخول أُجْرَة زانية أو كلب إلى الهيكل؛ هذا ما فسروه من كل مكسب قذر.” بوله (Poole)
- “الخزانة، ربما المصدر الذي جاء منه المال الذي دفع ليهوذا، ستكون المكان الطبيعي لوضع المال الذي تركه يهوذا في الهيكل، ولكن لأنه المال كان ثمن حياة إنسان فوضعه فيها كان سيجعلها نجسة. أما المقبرة (مكان غير نظيف في حد ذاته) ستكون المكان المناسب لوضع المال فيها.” فرانس (France)
- وَانْصَرَفَ ثُمَّ مَضَى وَخَنَقَ نَفْسَهُ: بضميره غير التائب وبؤسه، انتحر يهوذا. وكونه ابن الهلاك (يوحنا ١٢:١٧)، ونحن متأكدون أنه ذهب إلى عقاب أبدي.
- يرى البعض أن رواية إنجيل متى عن موت يهوذا تتعارض مع ما جاء في سفر أعمال الرسل ١٨:١-١٩، الذي يقول إن يهوذا سقط في الحقل، وانشق من الوسط، فانسكبت أحشاؤه كلها. وفق المعظم هاتين الفكرتين بالقول بأن يهوذا شنق نفسه، ثم أُلقيت جثته على الأرض فانسكبت أحشاؤه.
- “إذا شنق يهوذا نفسه، فلن يرغب أي يهودي في أن يُنجس نفسه في عيد الفطير عن طريق دفن الجثة؛ والشمس الحارقة قد تسببت في التحلل السريع حتى سقط الجسم على الأرض وانسكبت الأحشاء.” كارسون (Carson)
- حِينَئِذٍ تَمَّ مَا قِيلَ بِإِرْمِيَا النَّبِيِّ: كان هناك الكثير من الأسئلة حول الاقتباس المنسوب إلى إِرْمِيَا، لأنه موجود في سفر زكريا ١٢:١١-١٣. قال متى: مَا قِيلَ بِإِرْمِيَا النَّبِيِّ، رغم أننا نجدها مكتوبة في زكريا.
- يعتقد البعض أنه يمكن أن يكون هذا خطأ الناسخ. فربما كتب متى زكريا، ولكن الناسخ كاب إِرْمِيَا عن طريق الخطأ بدلًا من ذلك، وتكرر هذا الخطأ النادر في النسخ اللاحقة.
- يعتقد البعض أن إِرْمِيَا تكلم بهذه النبوة وأن زكريا سجلها، فالكلمات خرجت من فم إِرْمِيَا النَّبِيِّ، لكن زكريا سجلها.
- يعتقد البعض أن البشير متى يشير إلى لفافة إِرْمِيَا، والتي كانت تتضمن سفر زكريا.
ثانيًا. يسوع يقف أمام بيلاطس
أ ) الآيات (١١-١٤): يسوع يُدهش بيلاطس.
١١فَوَقَفَ يَسُوعُ أَمَامَ الْوَالِي. فَسَأَلَهُ الْوَالِي قِائِلًا: «أَأَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟» فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنْتَ تَقُولُ». ١٢وَبَيْنَمَا كَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخُ يَشْتَكُونَ عَلَيْهِ لَمْ يُجِبْ بِشَيْءٍ. ١٣فَقَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: «أَمَا تَسْمَعُ كَمْ يَشْهَدُونَ عَلَيْكَ؟» ١٤فَلَمْ يُجِبْهُ وَلاَ عَنْ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، حَتَّى تَعَجَّبَ الْوَالِي جِدًّا.
- فَوَقَفَ يَسُوعُ أَمَامَ الْوَالِي: يُظهر التاريخ لنا أن بيلاطس كان رجلًا قاسيًا لا يرحم، غير لطيف مع اليهود ويزدري بكل شيء تقريبًا ما عدا القوة الغاشمة. ولكنه لا يبدو هنا على طبيعته في طريقة تعامله مع يسوع. يبدو أن يسوع قد أثر عليه بشدة.
- يلخص إنجيل متى القصة بأكملها، ويخبرنا فقط عن مثول يسوع الثاني أمام بيلاطس. ويمكننا أن نجد أول مثول ليسوع أمام بيلاطس في إنجيل لوقا ١:٢٣-٦. فقد أراد بيلاطس أن يتجنب إصدار حكم بشأن يسوع، فأرسله إلى هيرودس، حاكم الجليل (لوقا ٦:٢٣-١٢). ولكن رفض يسوع أن يقول شيئًا لهيرودس، لذا عاد إلى بيلاطس كما هو موصوف هنا في إنجيل متى.
- أَأَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟: عندما أحضروه إلى بيلاطس، كانت التهمة التي وجهها قادة اليهود ضد يسوع أنه ادّعى أنّه ملك يريد أن يتحدى قيصر (لوقا ٢:٢٣). فأرادوا أن يبدو يسوع وكأنه ثوريًا خطيرًا ضد الإمبراطورية الرومانية. لذلك، سأل بيلاطس يسوع هذا السؤال البسيط.
- “يكشف السؤال عن الشكل الذي قدم به أعضاء السنهدريم اتهامهم.” بروس (Bruce)
- بالطبع، لا يمكننا إلا أن نتساءل عما فكر به بيلاطس عندما رأى يسوع لأول مرة، عندما رأى هذا الرجل المنهك والمغطى بالدماء أمامه. فيسوع لم يبدو ملكيًا أو مهيبًا بشكل خاص عندما وقف أمام بيلاطس، لذلك ربما كان الْوَالِي الروماني ساخرًا أو مستهزئًا عندما سأل يسوع: “أَأَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟”
- “من الواضح أن بيلاطس لم ينزعج من التهمة الموجهة ضد يسوع. لماذا؟ ربما من النظرة الأولى رأى أن الرجل الذي يقف أمامه لا يمكن أن يكون نبيلًا أو يدعي ذلك بأي شكل من الأشكال ليتعب نفسه به. فالصيغة التأكيدية للكلمة [أَأَنْتَ] في الآية ١١ تقترح ما يلي: أأنت ملك اليهود !” بروس (Bruce)
- أَنْتَ تَقُولُ: لا دفاع مهيب، ولا معجزة فورية لإنقاذ حياته. وبدلًا من ذلك، أعطى يسوع بيلاطس نفس الرد البسيط الذي قدمه لرئيس الكهنة (متى ٦٤:٢٦). مما أدهش بيلاطس، وجعله يسأل: “أَمَا تَسْمَعُ كَمْ يَشْهَدُونَ عَلَيْكَ؟” فبيلاطس لم يصدق أن رجل كهذا قوي ومحترم – المضروب ومليء بالدماء – يلتزم الصمت إزاء هذه الاتهامات… تَعَجَّبَ الْوَالِي جِدًّا.
- هناك دائمًا وقت مناسب للدفاع عن النفس أو للدفاع قضية ما، ولكن هذه الأوقات نادرة. فعندما نكون في موقف للدفاع عن أنفسنا، سنكون في العادة أفضل حالًا إن التزمنا بالصمت ووضعنا ثقتنا في الله للدفاع عنا.
- “أوضح سبيرجن (Spurgeon) لماذا ’تَعَجَّبَ الْوَالِي جِدًّا‘: “لقد رأى في اليهود الذين تم القبض عليهم مسبقًا الجراءة والشجاعة في الدفاع عن تعصبهم، ولكنه لم يرَ هذا في المسيح. كما رأى في الكثير من السجناء استعدادهم لقول أو فعل أي شيء ممكن، مهما كان حقيرًا، للإفلات من الموت؛ لكنه لم يرَ شيئًا كهذا في ربنا، بل بالحري رأى فيه اللطف والتواضع غير العاديين جنبًا إلى جنب مع كرامة مهيب. بل رأى أنه يجمع ما بين الخضوع والبراءة.”
ب) الآيات (١٥-١٨): بيلاطس يأمل في الإفراج عن يسوع.
١٥وَكَانَ الْوَالِي مُعْتَادًا فِي الْعِيدِ أَنْ يُطْلِقَ لِلْجَمْعِ أَسِيرًا وَاحِدًا، مَنْ أَرَادُوهُ. ١٦وَكَانَ لَهُمْ حِينَئِذٍ أَسِيرٌ مَشْهُورٌ يُسَمَّى بَارَابَاسَ. ١٧فَفِيمَا هُمْ مُجْتَمِعُونَ قَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: «مَنْ تُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ؟ بَارَابَاسَ أَمْ يَسُوعَ الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ؟» ١٨لأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُمْ أَسْلَمُوهُ حَسَدًا.
- وَكَانَ الْوَالِي مُعْتَادًا فِي الْعِيدِ أَنْ يُطْلِقَ لِلْجَمْعِ أَسِيرًا وَاحِدًا مَنْ أَرَادُوهُ: نظرًا لأنه رأى شيء مختلف في يسوع وعلم أنه بريء، أعرب بيلاطس عن أمله في أن تساعد عادة إطلاق سراح سجين في العيد في حل المشكلة.
- أَسِيرٌ مَشْهُورٌ يُسَمَّى بَارَابَاسَ: يخبرنا إنجيل مرقس ٧:١٥ ما الذي جعل باراباس أَسِيرٌ مَشْهُور. فقد كان واحدًا من العديد من المتمردين، الذين ارتكبوا جرائم قتل وتمرد. ونحن نعتبر شخص مثل باراباس اليوم كإرهابي.
- لأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُمْ أَسْلَمُوهُ حَسَدًا: أدرك بيلاطس حقيقة الأمر ولم ينخدع بكلام القادة الدينيين المليء بالتلاعب. كان يعلم أن دافعهم الوحيد كان الحسد، لا شيء آخر.
- حَسَدًا: “دعنا نتذكر أن الحقد ينشأ عادة من الحسد وأيضًا من الغضب.” كلارك (Clarke)
ج) الآيات (١٩-٢٠): بيلاطس يتأثر بكل من زوجته والقادة الدينيين.
١٩وَإِذْ كَانَ جَالِسًا عَلَى كُرْسِيِّ الْوِلاَيَةِ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ امْرَأَتُهُ قَائِلَةً: «إِيَّاكَ وَذلِكَ الْبَارَّ، لأَنِّي تَأَلَّمْتُ الْيَوْمَ كَثِيرًا فِي حُلْمٍ مِنْ أَجْلِهِ». ٢٠وَلكِنَّ رُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخَ حَرَّضُوا الْجُمُوعَ عَلَى أَنْ يَطْلُبُوا بَارَابَاسَ وَيُهْلِكُوا يَسُوعَ.
- وَإِذْ كَانَ جَالِسًا عَلَى كُرْسِيِّ الْوِلاَيَةِ: عندما جلس بيلاطس ليحكم على يسوع، فشل في منح المتهمَ العدالةَ. كان لدى بيلاطس كل الأدلة التي يحتاجها لفعل الشيء الصحيح وهو إطلاق سراح يسوع.
- رأى القوة والمهابة في يسوع، وكان يعلم أنه ليس مجرمًا أو ثوريًا.
- كان يعلم أنه لم تكن هناك تهمة حقيقية تستوجب وقوف يسوع أمام كرسيه – بل كان ذلك بسبب حسد القادة الدينيين.
- رأى أن يسوع أنه كان رجلًا في سلام مع الله، وأنه لم يكن بحاجة للرد على اتهام واحد.
- أعلن أن يسوع كان رجلًا بريئًا (إِنِّي لاَ أَجِدُ عِلَّةً فِي هَذَا الإِنْسَانِ، لوقا ٤:٢٣).
- أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ امْرَأَتُهُ قَائِلَةً: بالإضافة لكل ذلك، جاء لبيلاطس أيضًا رسول فريد ومميز: حُلْمٍ زوجته. ويمكننا فقط تخمين ما رأت في هذا الحلم. ربما رأت يسوع، الرجل البريء، متوجًا بالشوك ومصلوبًا. ربما رأته آتيًا في المجد على سحاب السماء. ربما رأته جالسًا على العرش الأبيض العظيم، وهي وزوجها يقفون أمامه.
- نحن نعلم أن رؤية يسوع في حلمها جعلتها تعاني (لأَنِّي تَأَلَّمْتُ الْيَوْمَ كَثِيرًا فِي حُلْمٍ مِنْ أَجْلِهِ). “مهما كان، فقد عانت من مشاعر مؤلمة متكررة في الحلم، واستيقظت خائفة ومرتبكة.” سبيرجن (Spurgeon)
- كان حدثًا ملحوظًا. استيقظت في وقت متأخر من الصباح، منزعجة من الحلم. سألت عن مكان زوجها، وأخبرها الحاضرون أنه تم استدعاؤه مبكرًا ليحكم على سجين أرسله قادة إسرائيل الدينيين إليه. وعلى الفور، طلبت من رسول الذهاب إلى زوجها لإنبائه عن حلمها.
- “معظمنا ينسى الأحلام تمامًا. وقليل منهم فقط نذكره، ولكن بين الحين والآخر نتأثر بأحد الأحلام ويبقى معنا لسنوات عدة. ونادرًا ما كان لدى أي منكم حلم جعلك ترسل رسالة إلى قاضٍ في المحكمة.” (Spurgeon)
- بسبب كل هذا، كان هناك إلحاح كبير حول رسالتها إلى بيلاطس. كانت جريئة لإرسالها، وقد ناشدته ببساطة ألا يكون له علاقة بهذا الرجل يسوع. “دعه يذهب. أطلق سراحه. لا تعاقبه حتى ولو قليلًا.” لقد كان هذا تحذيرًا مهمًا لكنه تجاهله بشكل مأساوي. وكل هذا كان رسالة رحمة وجهها الله إلى بيلاطس، ولكنه رفضها.
- وَلَكِنَّ رُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخَ حَرَّضُوا الْجُمُوعَ عَلَى أَنْ يَطْلُبُوا بَارَابَاسَ وَيُهْلِكُوا يَسُوعَ: عرف القادة الدينيون أفضل طريقة للتأثير على بيلاطس. ليس من خلال حكمه على يسوع، وليس من خلال زوجته، وليس من خلال القادة الدينيين أنفسهم مباشرة. أفضل طريقة لدفع بيلاطس في اتجاه معين كان من خلال صوت الْجُمُوع.
- نرى هنا إنسان يعرف الشيء الصحيح الذي ينبغي عمله – ويعرف ذلك من خلال عدة طرق مقنعة. ومع ذلك يختار أن يفعل الشيء الخطأ، وهو أمر فظيع، طاعةً لرغبة الْجُمُوع.
- “لكن يبدو أنهم فعلوا هذا بتحريض من رؤساء الكهنة. إذ نرى هنا مدى خطورة الرعاة الأشرار على كنيسة المسيح؛ فعندما يكون الرعاة فاسدين، فإنهم قادرون على تحفيز قطيعهم على تفضيل باراباس عن يسوع والعالم عن لله والملذات المادية عن خلاص أرواحهم.” كلارك (Clarke)
د ) الآيات (٢١-٢٣): الحشد يطالب بالإفراج عن باراباس وصلب يسوع.
٢١فَأجَابَ الْوَالِي وَقَالَ لَهُمْ: «مَنْ مِنْ الاثْنَيْنِ تُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ؟» فَقَالُوا: «بَارَابَاسَ!». ٢٢قَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: «فَمَاذَا أَفْعَلُ بِيَسُوعَ الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ؟» قَالَ لَهُ الْجَمِيعُ: «لِيُصْلَبْ!» ٢٣فَقَالَ الْوَالِي: «وَأَيَّ شَرّ عَمِلَ؟» فَكَانُوا يَزْدَادُونَ صُرَاخًا قَائِلِينَ: «لِيُصْلَبْ!»
- «مَنْ مِنَ الاِثْنَيْنِ تُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ؟» فَقَالُوا: «بَارَابَاسَ»: إن صوت الحشد ليس صوت الله دائمًا. لم يرد الغوغاء على طلب بيلاطس الحصول على أدلة أو دليل عندما سأل: “وَأَيَّ شَرٍّ عَمِلَ؟” بل استمروا في الصراخ طالبين موت يسوع. لقد دعوا إلى أكثر من موته – لقد دعوا إلى إعدامه بالتعذيب من خلال صلبه (لِيُصْلَبْ!).
- “أن يطالب جمهور من اليهود بعقوبة الصلب كان أمرًا ملحوظًا، لأن الصلب كان عقابًا رومانيًا وبغيضًا لمعظم اليهود.” فرانس (France)
- قَالَ لَهُ الْجَمِيعُ: “لم يكن في الحشد من يتعاطف بصمت مع المُخَلص؛ بل قالوا جميعًا: “’لِيُصْلَبْ.‘” سبيرجن (Spurgeon)
- عندما اختار الحشد باراباس بدلًا من يسوع، عكس هذا الطبيعة الساقطة للبشرية جمعاء. فاسم ’باراباس‘ يشبه ’ابن الأب.‘ لقد اختاروا ابنًا زائفًا عنيفًا للأب بدلًا من الابن الحقيقي للآب. وهذا إشارة مسبقة لما سيحدث في المستقبل عندما يتمسك الناس في نهاية الأيام بشخص يشبه باراباس – أو ما يسمى شعبيًا المسيح الدجال.
- “أقيم دعواي ضد الإنسانية على غبائها؛ لأنه في صلب المسيح، صُلب أفضل صديق لها. فلم يكن يسوع المسيح صديقًا للإنسان فحسب، لأنه أخذ الطبيعة الإنسانية، بل لأنه كان صديقًا للخطاة، فجاء إلى العالم ليطلب ويخلص ما قد هلك.” سبيرجن (Spurgeon)
- لا يزال الناس اليوم يرفضون يسوع ويختارون آخر. إن باراباسهم قد يكون شهوة، وقد يكون إدمان، وقد يكون محبة الذات ووسائل الراحة في الحياة. “هذا الخيار المجنون يتم كل يوم، في حين أن الناس يفضلون شهوات جسدهم عن حياة أرواحهم.” تراب (Trapp)
- فَقَالُوا: «بَارَابَاسَ!»: باراباس ربما يكون هو أكثر شخص يفهم فعلًا معنى أن يسوع مات بدلًا عنه. لقد كان إرهابيًا وقاتلًا، إلا أنه أطلق سراحه بينما صلب يسوع. فالصليب الذي علق عليه يسوع ربما كان في الأصل مخصصًا لباراباس.
- يمكننا أن نتخيل باراباس، في زنزانة مظلمة مع نافذة صغيرة، في انتظار أن يصلب. ومن خلال النافذة، استطاع أن يسمع الحشود التي تجمعت أمام بيلاطس، ليس بعيدًا عن قلعة أنطونيا حيث سجن. ربما لم يستطع سماع بيلاطس يسأل: “مَنْ مِنَ الاِثْنَيْنِ تُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ؟” لكنه بالتأكيد سمع الحشد يصرخ: “بَارَابَاسَ.” وربما لم يسمع صوت بيلاطس وهو يسأل: “فَمَاذَا أَفْعَلُ بِيَسُوعَ الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ؟” لكنه بالتأكيد سمع هدير الحشد ردًا على ذلك “لِيُصْلَبْ.” فإذا كان كل ما سمعه باراباس من زنزانته اسمه يُصرخ به من قِبل الغوغاء، وكلمة: “لِيُصْلَبْ”، فحتمًا اعتقد عندما جاء الجنود إلى زنزانته، أنه حان الوقت ليموت معذبًا. ولكن عندما قال الجنود: “باراباس، أنت رجل مذنب – لكن سيتم إطلاق سراحك لأن يسوع سيموت في مكانك،” عرف باراباس معنى الصليب أفضل من المعظم. ولكننا نتساءل عما إذا كان قد أخذ الأمر على محمل الجد.
هـ) الآيات (٢٤-٢٥): يحاول بيلاطس تجنب مسؤولية الحكم على مصير يسوع.
٢٤فَلَمَّا رَأَى بِيلاَطُسُ أَنَّهُ لاَ يَنْفَعُ شَيْئًا، بَلْ بِالْحَرِيِّ يَحْدُثُ شَغَبٌ، أَخَذَ مَاءً وَغَسَلَ يَدَيْهِ قُدَّامَ الْجَمْعِ قَائِلاً: «إِنِّي بَرِيءٌ مِنْ دَمِ هذَا الْبَارِّ! أَبْصِرُوا أَنْتُمْ!». ٢٥فَأَجَابَ جَمِيعُ الشَّعْب وَقَالُوا: «دَمُهُ عَلَيْنَا وَعَلَى أَوْلاَدِنَا».
- فَلَمَّا رَأَى بِيلاَطُسُ أَنَّهُ لاَ يَنْفَعُ شَيْئًا بَلْ بِالْحَرِيِّ يَحْدُثُ شَغَبٌ: رضوخ بيلاطس بهذه الطريقة للقادة الدينيين والحشد لا تعكس طبيعته أبدًا. إذ كان بمقدوره أن يختار بشكل مختلف.
- أَخَذَ مَاءً وَغَسَلَ يَدَيْهِ قُدَّامَ الْجَمْعِ: غسل بيلاطس يديه قائلًا: “لقد خرج الأمر عن سيطرتي. أنا شخصيًا لا أتمنى أن يصاب يسوع بالأذى، ولكن هذه الأمور تحدث.” ومع ذلك فإن مسؤولية ما يجب فعله بيسوع تقع عليه. أن يقول: “لا أجد فيه علة” لم يكن كافيًا. والبحث عن حل ذكي لإطلاق سراح سجين في عيد الفصح لم يكن حلًا. وغسلُ يديه كان بلا معنى. لذلك لم يستطع الهروب من المسؤولية، وهو الآن مرتبط بجريمة صلب يسوع إلى الأبد، ويتردد صدى ما فعله عبر التاريخ في قانون الإيمان (صُلِب عنا على عهد بيلاطس البُنطي).
- “آهٍ، يا لجرأة بيلاطس، في نظرة الله، فهو ارتكب الجريمة ثم أنكرها. هناك اختلاط غريب من الجبن والشجاعة في الكثير من الناس؛ إنهم يخافون الإنسان، لكنهم لا يخافون الله الأبدي الذي يستطيع أن يهلك الجسد والروح في جهنم.” سبيرجن (Spurgeon)
- إِنِّي بَرِيءٌ مِنْ دَمِ هَذَا الْبَارِّ: إن محاولة بيلاطس لتبرير ذاته هي إعلان عن براءة يسوع. فعندما دعا يسوع ’هَذَا الْبَارِّ،‘ فإنه يعترف بأن يسوع كان إنسانًا بريئًا – وليس بيلاطس. ولمجرد أن بيلاطس قال: ’إِنِّي بَرِيءٌ‘ لا يعني أنه بَرِيءٌ.
- الغريب أنه في فترات لاحقة من معاداة السامية المسيحية، حاول بعض المسيحيين إعادة تأهيل بيلاطس، راغبين في إلقاء اللوم على اليهود. حتى أن البعض قال إن بيلاطس وزوجته أصبحا مسيحيين، “وحتى يومنا هذا، تصنف الكنيسة القبطية بيلاطس وزوجته كقديسيْن.” باركلي (Barclay)
- دَمُهُ عَلَيْنَا وَعَلَى أَوْلاَدِنَا: لم يفهموا حقًا ما طلبوه. لم يفهموا مجد دم يسوع الطاهر، وكم سيكون رائعًا أن يكون دَمُهُ عَلَيْنَا وَعَلَى أَوْلاَدِنَا. كما أنهم لم يفهموا جسامة جريمة الدعوة إلى قتل ابن الله البار، والدينونة التي ستقع على أولادهم لاحقًا بعد أربعين عامًا بتدمير أورشليم.
- هذا واحد من المقاطع التي يتم استخدامها خطًأ كمبرر للمؤمنين الأشرار والمضللين الذين اضطَهدوا أو سَمحوا باضطهاد اليهود. فهم لم يفهموا أنه حتى لو كان هذا قد وضع هؤلاء الناس وذريتهم تحت لعنة، فلم يكن من واجب الكنيسة أن تضع هذه اللعنة على اليهود. بل في الواقع، كما وعد الله إبراهيم، أبارك مباركيك ولاعنك ألعنه (تكوين ٣:١٢). فهؤلاء المؤمنون الأشرار والحمقى الذين لعنوا اليهود قد لعنهم الله بطريقة أو بأخرى.
ثالثًا. آلام يسوع المسيح
أ ) الآية (٢٦): الجلد: مقدمة مألوفة للصلب.
٢٦حِينَئِذٍ أَطْلَقَ لَهُمْ بَارَابَاسَ وَأَمَّا يَسُوعُ فَجَلَدَهُ وَأَسْلَمَهُ لِيُصْلَبَ.
- وَأَمَّا يَسُوعُ فَجَلَدَهُ: جاءت الضربات من سيور جلدية وفي نهايتها قطع من العظام أو المعدن، كانت السيور تغور في اللحم لتصل العظم، ولم يكن من غير المألوف أن يموت المجرم جراء الجلد، حتى قبل صلبه.
- “كان الجلد إجراء قانونى أولي لكل إعدام روماني، وكانت النساء والشيوخ أو الجنود الرومان فقط (باستثناء حالات الفرار من الجُندية) كانوا معفيين منه.” (د. ويليام إدواردز Dr. William Edwards في مقالة بعنوان “الموت الجسدي ليسوع المسيح” من المجلة الجمعية الطبية الأمريكية، ٣/٢١/١٩٨٦).
- كان الهدف من هذا الجلد هو إضعاف الضحية لدرجة الانهيار ثم الموت. “بينما كان الجنود الرومان يجلدون الضحية مرارًا وتكرارًا بكامل قوتهم، كانت الكرات الحديدية تحدث كدمات عميقة، بينما السيور الجلدية وقطع العظام تغور في ظهر الضحية وتنزع جلده. ومع استمرار الجلد، كانت العضلات تتمزق ويحدث نزيف. الألم وفقدان الدم بشكل عام يمهدان الطريق لدخول الجسم في حال من الصدمة. وحدة النزيف كانت تحدد مدى بقاء الضحية على الصليب.” إدواردز (Edwards)
- “الضرب الشديد والألم والنزيف ترك يسوع على الأغلب في حالة ما قبل الصدمة، وجعل جلده في حالة دامية حساسة للمس. فالإساءة الجسدية والعقلية من قبل اليهود والرومان ونقص الطعام والماء والنوم، كل هذا ساهم في إضعافه جسدياً. وبالتالي، حتى قبل الصلب، كانت حالة يسوع الجسدية خطيرة وحرجة.” إدواردز (Edwards)
- فَجَلَدَهُ: عادةً تقل عدد الضربات إذا اعترف المجرم بجرائمه. لكن يسوع بقي صامتًا، ولم يعترف بأي جريمة، لذلك استمر الضرب بقوة كاملة.
ب) الآيات (٢٧-٣١): يسوع يتعرض للضرب والسخرية.
٢٧فَأَخَذَ عَسْكَرُ الْوَالِي يَسُوعَ إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ وَجَمَعُوا عَلَيْهِ كُلَّ الْكَتِيبَةِ، ٢٨فَعَرَّوْهُ وَأَلْبَسُوهُ رِدَاءً قِرْمِزِيًّا، ٢٩وَضَفَرُوا إِكْلِيلاً مِنْ شَوْكٍ وَوَضَعُوهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَقَصَبَةً فِي يَمِينِهِ. وَكَانُوا يَجْثُونَ قُدَّامَهُ وَيَسْتَهْزِئُونَ بِهِ قَائِلِينَ: «السَّلاَمُ يَا مَلِكَ الْيَهُودِ!» ٣٠وَبَصَقُوا عَلَيْهِ، وَأَخَذُوا الْقَصَبَةَ وَضَرَبُوهُ عَلَى رَأْسِهِ. ٣١وَبَعْدَ مَا اسْتَهْزَأُوا بِهِ، نَزَعُوا عَنْهُ الرِّدَاءَ وَأَلْبَسُوهُ ثِيَابَهُ، وَمَضَوْا بِهِ لِلصَّلْبِ.
- وَجَمَعُوا عَلَيْهِ كُلَّ الْكَتِيبَةِ: احتاجوا فقط إلى العدد الطبيعي للجنود الذي يتألف عادة من أربعة جنود لتنفيذ حكم الإعدام. ولكنهم جَمَعُوا عَلَيْهِ كُلَّ الْكَتِيبَةِ. لم يكن هذا لمنع هروبه، ولم يكن لمنع الحشد المعادي من إنقاذه، ولم يكن لإبعاد التلاميذ.
- “انتبه من ارتكاب الإثم بسبب الحشد. أيها الشاب، تخلَّ عن فكرة أنه يمكنك أن تخطئ مع الحشد. احذر من فكرة أنه نظرًا لأن الكثيرين يفعلون ذلك، فذلك يكون أقل ذنبًا لأي منهم.” سبيرجن (Spurgeon)
- “كان جنود الحاكم عادة هم من الجنود الاحتياط لا من الجنود الرومان، ويتم تجنيدهم من السكان غير اليهود في المناطق المحيطة (مثل الفينيقيين والسوريين وربما السامريين).” فرانس (France)
- الكتيبة: “كانت الكتيبة تسمى ’سبيرا (speira)‘، وكانت تتألف من ست مئة رجل. لكن ليس من المحتمل أن مثل هذا العدد كان موجودًا في أورشليم. فقد كان هؤلاء الجنود هم حرس بيلاطس الوالي الذين رافقوه من قيصرية حيث مقره الدائم.” باركلي (Barclay)
- وَيَسْتَهْزِئُونَ بِهِ قَائِلِينَ: السَّلاَمُ يَا مَلِكَ الْيَهُودِ!: كل شيء في هذا كان يهدف إلى إذلال يسوع. سبق للقادة اليهود وأن سخروا من يسوع باعتباره المسيا (متى ٦٧:٢٦-٦٨). والآن سخرت القوى الرومانية منه كملك.
- فَعَرَّوْهُ: عندما كان يُصلب أحد السجناء، كان يُسَّمر على الصليب عاريًا، وذلك ببساطة لزيادة إهانتهم. لم يصلب يسوع بعد، لكن أهانته قد بدأت، وتم تجريده من ملابسه علانية.
- أَلْبَسُوهُ رِدَاءً قِرْمِزِيًّا: كان الملوك والحكام يرتدون رِدَاءً قِرْمِزِيًّا في كثير من الأحيان، لأن الأصباغ التي تنتج هذا اللون كانت باهظة الثمن. وكان الهدف من الرداء القرمزي السخرية القاسية.
- وَضَفَرُوا إِكْلِيلًا مِنْ شَوْكٍ: الملوك يلبسون التيجان، لكن ليس تيجان بهدف التعذيب. الأشواك في تلك المنطقة طويلة وحادة وقاسية. وذلك التاج جرح وثقب وأدمى رأس الملك الذي ارتداه.
- قَصَبَةً فِي يَمِينِهِ: كان الملوك يحملون صولجان، لكن صولجان مجيد ومزخرف، يرمز إلى قوتهم. وفي سخريتهم من يسوع، قدموا له صولجانًا على شكل قَصَبَةً رقيقة ضعيفة.
- وَكَانُوا يَجْثُونَ قُدَّامَهُ: يتم عادة تكريم الملوك، ولهذا سجدوا بسخرية لهذا الملك.
- السَّلاَمُ يَا مَلِكَ الْيَهُودِ!: يُرحب بالملوك عادة بألقاب ملكية، لذلك سخروا من يسوع بهذا اللقب. وكان المقصود به إذلال يسوع، وإذلال اليهود أيضًا، لأنه يقول: “هذا أفضل ملك يمكنهم تقديمه.”
- قد نقول في المقابل: يقول يسوع لملوك وحكام هذا العصر أن ألقابهم كاذبة وأن تيجانهم هشة.
- يمكننا أيضًا أن نقرر القيام بعكس ما فعله هؤلاء بيسوع. “آهٍ، لقد شابهنا نصف ما فعله هؤلاء الجنود بملكنا في عدم تقديم الشرف اللائق له. دعونا نقدم للمسيح التكريم الحقيقي الذي كان على هؤلاء البشر تقديمه له.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَبَصَقُوا عَلَيْهِ وَأَخَذُوا الْقَصَبَةَ وَضَرَبُوهُ عَلَى رَأْسِهِ: لقد تحولوا الآن من السخرية إلى القسوة. أخذوا صولجان السخرية، وخلعوا الرداء الملكي الساخر، وبدأوا في البصق عليه وضربه على رأسه.
- “لقد بصقوا عليه وضربوه بالقصبة، رمز سلطته الملكية، مرارًا وتكرارًا (راجع الزمن الناقص للفعل).” كارسون (Carson)
- حتى الأيدي التي سمرت يديه على الصليب لم تفعل سوى ما أُمروا به. ومع ذلك، بصقوا في وجهه للمتعة فقط. “لكن، يا اخوتي، رغم شر الإنسان، ولكن شره ليس شيئًا بقدر ما فعله بيسوع. فقد ملء فمه بكل حقده وكبريائه وشهوته ورفضه وشره البغيض، وبصق في وجه ابن الله نفسه.” سبيرجن (Spurgeon)
- حتى في هذا، وقف يسوع في مكان الخطاة. يريد الإنسان المتمرد أن يكون ملكًا، لكنه مع الأسف ملك بائس. وعلى الرغم من ذلك، تحمل يسوع الملك الحقيقي هذا النوع من السخرية الملكية من هذا الإنسان البائس.
- من الممكن أن نسخر من يسوع اليوم بالطريقة التي نعيش بها. “لقد سخرت منه من خلال عبادتك المزيفة، وبالتالي وضعت رداءً أرجوانيًا عليه. لأن هذا الثوب الأرجواني يعني أنهم جعلوه ملكًا اسميًا، ملكًا لم يكن في الحقيقة ملكًا، بل مجرد عرض. فذهابك إلى الكنيسة يوم الأحد، الإيمان الذي تنساه خلال الأسبوع، هو الصولجان الذي ليس له لا حول ولا قوة، بل مجرد خدعة. لقد سخرت منه وشتمته حتى في تراتيلك وصلواتك، لأن تدينك مجرد تمثيل، تدين بلا قلب؛ عشقته بعشق كاذب، واعترفت اعتراف لم يكن اعترافًا، وصليت صلاة لم تكن صلاة. أليس كذلك؟” سبيرجن (Spurgeon)
- تساءل سبيرجن (Spurgeon) كيف عرف البشير متى بتاج الأشواك والسخرية. وتساءل إذا كان ذلك بواسطة أحد الجنود الذين آمنوا فيما بعد. “رغم أن وجه ربنا كان مشوهًا، إلا أنه كان وجهًا حليمًا أثر على شخص كان يحدق به وشعر بقوته الغامضة، وشعر أن قوة تحمله ليست طبيعية، فقبِل المخلص الذي توج بالأشواك ربًا وملكًا.”
- وَمَضَوْا بِهِ لِلصَّلْبِ: لقد كانت المسيرة لمكان الصلب بمثابة إعلان مفيد لروما، لتحذير مثيري الشغب المحتملين بأن هذا سيكون مصيرهم إذا تحدوا روما. وعادة ما كان قائد المئة يقود الموكب جالسًا على ظهر الخيل، جاهرًا بجريمة المُدان.
- “كان الجنود عادة يختارون أطول الطرق الممكنة إلى مكان الصلب، حتى يتمكن أكبر عدد ممكن من الناس رؤية الموكب، ليأخذوا حذوهم من هول ما يرون.” باركلي (Barclay)
- كان على يسوع – مثل معظم ضحايا الصلب – أن يحمل الخشبة التي سيعلق عليها. وكان وزن الصليب بأكمله عادة ٣٠٠ رطلًا. تحمِلُ الضحيةُ العارضة فقط، التي تزن حوالي ٧٥ إلى ١٢٥ رطلًا. وعندما كانت الضحية تحمل العارضة، كان يُعرى من ملابسه عادةً، وغالبًا ما كانت يداه تُربط بالخشبة.
- عادة ما يتم تثبيت القوائم العمودية للصليب بشكل دائم في مكان مرئي خارج أسوار المدينة، بجانب طريق رئيسي. ومن المحتمل أنه في مناسبات عديدة، مر يسوع بجانب القائمة التي كان سيصلب عليها.
- عندما قال يسوع: إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي (متى ٢٤:١٦)، هذا هو بالضبط المشهد الذي كان يدور في ذهنه. فالجميع كان يعلم ما هو الصليب – أداة موت لا هوادة فيها وتستخدم للموت فقط. فالصليب لم يكن جزءً من الطقوس الدينية أو من التقاليد أو المشاعر الروحية. كان الصليب وسيلة لإعدام الناس. ولكن في هذه القرون العشرين بعد موت يسوع، جملنا الصليب وجعلناه طقسيًا. كيف يمكن أن نقبله إن قال يسوع عنه: “سر يوميًا في الطريق إلى الإعدام واتبعني؟” فحمل الصليب ليس رحلة ذهابًا وإيابًا، إنه رحلة باتجاه واحد فقط.
ج ) الآيات (٣٢-٣٤): في الطريق إلى جُلْجُثَةُ (في اللاتينية، الجمجمة).
٣٢وَفِيمَا هُمْ خَارِجُونَ وَجَدُوا إِنْسَانًا قَيْرَوَانِيًّا اسْمُهُ سِمْعَانُ، فَسَخَّرُوهُ لِيَحْمِلَ صَلِيبَهُ. ٣٣وَلَمَّا أَتَوْا إِلَى مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ جُلْجُثَةُ، وَهُوَ الْمُسَمَّى «مَوْضِعَ الْجُمْجُمَةِ» ٣٤أَعْطَوْهُ خَلاً مَمْزُوجًا بِمَرَارَةٍ لِيَشْرَبَ. وَلَمَّا ذَاقَ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَشْرَبَ.
- إِنْسَانًا قَيْرَوَانِيًّا اسْمُهُ سِمْعَانُ: ربما كان هذا الرجل يزور أورشليم، حيث كان هناك يهودًا مخلصون للاحتفال بعيد الفصح. وعند زيارته لأورشليم، كان بعيدًا عن قَيْرَوَانِ التي تقع في شمال إفريقيا (على بعد حوالي ٨٠٠ ميل / ١٣٠٠ كيلومتر).
- فَسَخَّرُوهُ لِيَحْمِلَ صَلِيبَهُ: لم يكن سمعان يعرف شيئًا عن يسوع هذا، ولم يكن لديه أي رغبة في الارتباط بهذا الرجل الذي أدين بالقتل كمجرم. ولأن الرومان هم أصحاب السلطة، لم يكن لسمعان خيار آخر. فَسَخَّرُوهُ لِيَحْمِلَ صَلِيبَهُ. وربما تم اختياره لأنه كان واضحًا بأنه غريب.
- وبشكل رائع، لدينا سبب للاعتقاد بأن سمعان قد عرف جيدًا معنى أن يحمل المرء الصليب ويتبع يسوع. وهناك بعض الأدلة التي تشير إلى أن أبنائه أصبحوا قادة بين المسيحيين الأوائل (مرقس ٢١:١٥؛ رومية ١٣:١٦).
- “كم سيكون حمل الصليب سهلًا لو عرف يسوع كما عرفه بعد ذلك!” ماير (Meyer)
- إِلَى مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ جُلْجُثَةُ وَهُوَ الْمُسَمَّى «مَوْضِعَ الْجُمْجُمَةِ»: كان هناك مكان محدد خارج أسوار مدينة أورشليم، ولكنه قريب، يتم فيه الصلب. وفي مَوْضِعَ الْجُمْجُمَةِ هذا، مات يسوع من أجل خطايانا وتمم خلاصنا.
- كلمة ’جُلْجُثَةُ‘ في اللاتينية تعني «مَوْضِعَ الْجُمْجُمَةِ» (لوقا ٣٣:٢٣). وكان يطلق عليه هكذا لأنه كان المكان الذي يتم فيه صلب المجرمين. ولأنه مكان للموت القاسي والمهين، كان الموضع خارج أسوار المدينة، ولكن على الأرجح بالقرب من الطريق العام. وقد يكون أيضًا أن التلة نفسها تشبه الجمجمة.
- أَعْطَوْهُ خَلًا مَمْزُوجًا بِمَرَارَةٍ لِيَشْرَبَ. وَلَمَّا ذَاقَ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَشْرَبَ: كان من المعتاد إعطاء أولئك الذين سيصلبون مشروبًا يخدرهم من الألم ولتخفيف من حدة الألم الذي ينتظرهم. ولكن يسوع رفض أي مخدر. واختار مواجهة الرعب الروحي والجسدي بذهنٍ صافٍ.
- “ربما كان النبيذ هو النبيذ الحامض أو ما يُسمى ’بوسكا posca‘ التي كان الجنود الرومانيون يستخدمونه لهذا الغرض. وفي إنجيل مرقس يرفض يسوع أن يشرب هذا المشروب، ولا حتى أن يتذوقه، رغبة في المعاناة بكامل قواه العقلية.” بروس (Bruce)
د ) الآية (٣٥أ): صلب يسوع.
٣٥وَلَمَّا صَلَبُوهُ…
- وَلَمَّا صَلَبُوهُ: لم نر بعد تصويرًا دقيقًا وكاملًا للصلب في وسائل الإعلام الحديثة. وإن تم تصويره يومًا ما، فسيكون مقصورًا على البالغين، بسبب الرعب الشديد والوحشية.
- الكتاب المقدس يجنبنا الأوصاف المرعبة لعذاب يسوع الجسدي، ببساطة يقول: ’وَلَمَّا صَلَبُوهُ.‘ وذلك لأن الجميع في زمن البشير متى كانوا على دراية جيدة برعب الصلب، ولكن بشكل خاص لأن الجانب الأهم من آلام يسوع كان الجانب الروحي وليس الجسدي.
- “نشأت هذه العقوبة في بلاد فارس؛ وأصله جاء من حقيقة أن الأرض قد اعتبرت مقدسة للإله أورموزد، فيتم رفع المجرم عن الأرض حتى لا ينجس الأرض التي يملكها هذا الإله.” باركلي (Barclay)
- في عام ١٩٨٦، كتب الدكتور ويليام إدواردز (William Edwards) مقالة رائعة في المجلة المرموقة للجمعية الطبية الأمريكية بعنوان: “الموت الجسدي ليسوع المسيح.” فيما يلي بعض ملاحظات الدكتور إدواردز وشركائه. تنتمي الاقتباسات إلى المقالة، وتم إعادة صياغة جزء كبير آخر منها.
- “على الرغم من أن الرومان لم يخترعوا الصلب، إلا أنهم أتقنوه وكانوا يستخدمونه كشكل من أشكال التعذيب ولتنفيذ عقوبة الإعدام التي صُممت لكي يموت المجرم ببطء وبأقصى قدر من الألم والمعاناة.”
- كان الظهر يتمزق أولاً بسبب الجلد، وعندما كانوا ينزعون الملابس عن المجرم، كانت الجروح تفتح مرة أخرى. وعندما يلقى على الأرض لتثبت يديه على الخشبة، تنفتح جراحة ثانية وتتلوث بالتراب. ومع كل نفس يتنفسه المصلوب وهو معلق على الصليب كان الظهر يحتك بخشبة الصليب العامودية مسبباً آلاماً شديدة.
- عندما تدق المسامير عبر المعصمين، كانت تقطع عصب اليد الأوسط، مما يؤدي إلى آلام شديدة في كلتا الذراعين، وإلى تشنج وانقباض يدي الضحية.
- بالإضافة إلى الألم الشديد، كان وضع الجسم على الصليب يجعل من التنفس أمراً صعباً للغاية. فثقل الجسم كله يكون على اليدين والكتفين مما يجعل الشهيق سهلاً ولكن الزفير صعباً. ونقص الأوكسجين كان يؤدي إلى تشنجات حادة في العضلات مما يؤدي إلى صعوبة في التنفس. ولكي يتمكن المصلوب من التنفس، كان عليه أن يرفع جسده مستخدماً الساقين ويثني المرفقين ويسحب من الكتفين. ووضع وزن الجسم على القدمين المثبتة بالمسامير كان يتسبب بألم شديد، وثني المرفقين كان يلف اليدين المعلقة بالمسامير. ورفع الجسم أيضاً من أجل التنفس كان يكشط الجروح التي على الظهر بالخشبة. فكانت كل محاولة للتنفس تتسبب بمزيد من الألم والتعب وتسرع من موت المصلوب.
- “لم يكن من غير المألوف أن تأتي الحشرات على الجروح المفتوحة أو العيون والأذنين وأنف الضحية المحتضرة والضعيفة، وأن تمزق الطيور جسده. وعلاوة على ذلك، كان من المعتاد ترك الجثة على الصليب لتلتهمها الحيوانات البرية.”
- قد يموت الشخص على الصليب لأسباب عدة: صدمة حادة بسبب النزيف، أو عدم القدرة على التنفس بسبب التعب الشديد أو الجفاف أو نوبة قلبية ناجمة عن الإجهاد، أو احتقان القلب الذي يؤدي لتمزق الأوردة. وإن لم تمت الضحية بسرعة، تكسر الساقين، مما يؤدي إلى صعوبة في التنفس ثم الموت اختناقًا.
- لا يمكن صلب المواطن الروماني إلا بأمر قيصر المباشر؛ وكان الصلب عقوبة محفوظة لأسوأ المجرمين وأقل الطبقات. فلا عجب ما قاله رجل الدولة الروماني شيشرون عن الصلب: “أليست جريمة أن تربط مواطناً رومانياً، ألا يعتبر جلده عملاً شريراً، ألا يعتبر إعدامه قتلاً؟ ماذا أقول إذاً إن صُلب؟ لا يمكنني العثور على كلمات تعتبر عن هذا الفعل البغيض بشكل كافٍ.” ووصف المؤرخ الروماني تاسيتوس الصلب بأنه “عذاب لا يستحقه إلا العبيد” – فالصلب يصلح لهم باعتبارهم مخلوقات دون البشر.
- كم كان الصلب سيئاً؟ مصدر الكلمة الإنجليزية ’الألم الشديد‘ (excruciating) هو الكلمة الرومانية ’من الصليب.‘ ” تأمل كم يمقت الله الخطية حتى يطلب مثل هذه الذبيحة!” كلارك (Clarke)
- وَلَمَّا صَلَبُوهُ: من المهم أن نتذكر أن يسوع لم يكن ضحية للظروف، بل كان متحكمًا في كل شيء. قال يسوع عن حياته في إنجيل يوحنا ١٨:١٠ “لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي. لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضًا.” إنه لأمر فظيع أن تُجبر على تحمل مثل هذا التعذيب، ولكن اختياره بحرية بدافع الحب هو أمر مذهل. هل يمكن أن نشك بحق في محبة الله لنا مرة أخرى؟ ألم يذهب إلى نهاية الطريق لإظهار هذا الحب؟
هـ ) الآيات (٣٥ب-٣٧): الجنود الرومان أثناء صلب يسوع.
٣٥…اقْتَسَمُوا ثِيَابَهُ مُقْتَرِعِينَ عَلَيْهَا، لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِالنَّبِيِّ: «اقْتَسَمُوا ثِيَابِي بَيْنَهُمْ، وَعَلَى لِبَاسِي أَلْقَوْا قُرْعَةً». ٣٦ثُمَّ جَلَسُوا يَحْرُسُونَهُ هُنَاكَ. ٣٧وَجَعَلُوا فَوْقَ رَأْسِهِ عِلَّتَهُ مَكْتُوبَةً: «هذَا هُوَ يَسُوعُ مَلِكُ الْيَهُودِ».
- قْتَسَمُوا ثِيَابَهُ… مُقْتَرِعِينَ عَلَيْهَا: فقد يسوع حتى ملابسه على الصليب. كان مسمرًا على الصليب عريان ومُهان.
- لقد تنازل يسوع تمامًا ليتمم خلاصنا. لقد ترك كل شيء – حتى ملابسه – وافتقر تمامًا من أجلنا، لنصبح نحن أغنياء تمامًا فيه.
- لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ: وسط كل هذه الخطيئة والألم والعذاب والظلم وجه الله كل شيء لتحقيقه إرادته. قد يبدو أن يسوع فقد السيطرة على الأمور، ولكن يد الله الخفية وجهتها لتحقيق نبوءات محددة.
- ثُمَّ جَلَسُوا يَحْرُسُونَهُ هُنَاكَ: كان هذا لمنع أي شخص يحاول إنقاذ يسوع من الصليب. “فقد عاش بعض المصلوبين بعد إنزالهم عن الصليب.” كارسون (Carson)
- هَذَا هُوَ يَسُوعُ مَلِكُ الْيَهُودِ: نقرأ في إنجيل يوحنا ٢١:١٩ أن القادة الدينيين اعترضوا على هذا اللقب. لقد شعروا أن هذا خطأ، لأنهم لم يؤمنوا أن يسوع كان مَلِكُ الْيَهُودِ. لقد اعتقدوا أيضًا أن هذا كان مهينًا، لأنه يظهر قدرة روما على إذلال وتعذيب حتى ’ مَلِكُ الْيَهُودِ.‘ ومع ذلك، لم يغير بيلاطس اللافتة، وعندما طُلب منه إنزالها، أجاب: ’مَا كَتَبْتُ قَدْ كَتَبْتُ.‘ (يوحنا ٢٢:١٩).
- كان التهمة (أو تيتولوس titulus) تكتب عادة على لافتة وترفع أمام المجرم في طريقه إلى الإعدام، أو تُعلق حول عنقه، ثم يتم تثبيتها على صليبه، مما يعزز الأثر الرادع للعقوبة.” فرانس (France)
- “جعلوا اللافتة فوق رأسه يؤكد على أن صليب يسوع كان شكل (t) التقليدي، وليس شكل (T) الذي يستخدم باستمرار.” فرانس (France)
و ) الآيات (٣٨-٤٤): الاستهزاء بيسوع المعلق على الصليب.
٣٨حِينَئِذٍ صُلِبَ مَعَهُ لِصَّانِ، وَاحِدٌ عَنِ الْيَمِينِ وَوَاحِدٌ عَنِ الْيَسَارِ. ٣٩وَكَانَ الْمُجْتَازُونَ يُجَدِّفُونَ عَلَيْهِ وَهُمْ يَهُزُّونَ رُؤُوسَهُمْ ٤٠قَائِلِينَ: «يَا نَاقِضَ الْهَيْكَلِ وَبَانِيَهُ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، خَلِّصْ نَفْسَكَ! إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ فَانْزِلْ عَنِ الصَّلِيبِ!». ٤١وَكَذلِكَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ أَيْضًا وَهُمْ يَسْتَهْزِئُونَ مَعَ الْكَتَبَةِ وَالشُّيُوخِ قَالُوا: ٤٢«خَلَّصَ آخَرِينَ وَأَمَّا نَفْسُهُ فَمَا يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَهَا! إِنْ كَانَ هُوَ مَلِكَ إِسْرَائِيلَ فَلْيَنْزِلِ الآنَ عَنِ الصَّلِيب فَنُؤْمِنَ بِهِ! ٤٣قَدِ اتَّكَلَ عَلَى اللهِ، فَلْيُنْقِذْهُ الآنَ إِنْ أَرَادَهُ! لأَنَّهُ قَالَ: أَنَا ابْنُ اللهِ!». ٤٤وَبِذلِكَ أَيْضًا كَانَ اللِّصَّانِ اللَّذَانِ صُلِبَا مَعَهُ يُعَيِّرَانِهِ.
- حِينَئِذٍ صُلِبَ مَعَهُ لِصَّانِ وَاحِدٌ عَنِ الْيَمِينِ وَوَاحِدٌ عَنِ الْيَسَارِ: في صلبه، وقف يسوع وسط الإنسانية الخاطئة. ومع سخرية المجرمين، اكتمل رفض يسوع من قِبل شعبه. فحتى المجرمين رفضوه.
- “لقد وضعه اليهود بين هذين اللصين، ربما لكي يشيروا أنه كان أسوأ مجرم من بين الثلاثة.” كلارك (Clark)
- أحد هؤلاء اللصوص تاب وآمن بيسوع، ولكن الآخر لم يفعل (لوقا ٣٩:٢٣-٤٣).
- وَكَانَ الْمُجْتَازُونَ يُجَدِّفُونَ عَلَيْهِ وَهُمْ يَهُزُّونَ رُؤُوسَهُمْ: في خضم إظهاره المذهل للمحبة، لم يتم تكريم يسوع. بل كَانَ الْمُجْتَازُونَ يُجَدِّفُونَ عَلَيْهِ وأعداؤه يسخرون منه ويقولون: “إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللَّهِ فَانْزِلْ عَنِ الصَّلِيبِ!
- “لا شيء يعذب الإنسان عندما يكون في الألم أكثر من السخرية. فعندما أراد يسوع المسيح كلمات الشفقة ونظرات اللطف، شتمه المارة وهزوا رؤوسهم.” سبيرجن (Spurgeon)
- الملفت للانتباه أنهم سخروا من حقيقة يسوع.
- سخروا منه كمخلص.
- سخروا منه كملك.
- سخروا منه كمؤمن وثق بالله.
- سخروا منه باعتباره ابن الله.
- لقد تصرفوا وكأنهم سيؤمنون به إن فعل ما أرادوا. ولكن لأنه لم يخلص نفسه استطاع أن يخلص الآخرين. فالذي أبقى يسوع معلقًا على الصليب لم يكن المسامير بل المحبة! لقد فعل يسوع ما هو أعظم من النزول عن الصليب؛ لقد قام من بين الأموات، وحتى بعد القيامة، لم يؤمنوا به.
- أظهر لنا يسوع أيضًا كيف ينبغي أن ننظر إلى ازدراء وسخرية هذا العالم – علينا ألا نهتم أبدًا. “سخرية! دعونا نزدري بازدرائهم. هل يضحك العالم علينا؟ دعونا نضحك على ضحك العالم، ونقول له: “هل تحتقرنا؟ إنه ليس نصف ما نحتقرك به. احتقر آباؤنا سيفك، أيها العالم، وزنزاناتك، وعذاباتك، ومشانقك، ونيرانك على الأوتاد، وأنت تعتقد أننا سنرتعش من سخريتك واستهزائك؟” سبيرجن (Spurgeon)
- وَبِذَلِكَ أَيْضًا كَانَ اللِّصَّانِ اللَّذَانِ صُلِبَا مَعَهُ يُعَيِّرَانِهِ: كان هناك العديد من النقاط المتدنية في آلام يسوع على الصليب، لكن هذه بالتأكيد واحدة من أدنى الأمور، فحتى بين الرجال الثلاثة المصلوبين، وضع يسوع في “أدنى” موضع.
- كان الصليب أعظم تمثيل لمحبة الله للإنسان: لقد تحمل الصليب من أجل خلاصنا. لكن الصليب كان أيضًا أعظم تمثيل لكراهية الإنسان لله. لقد جاء الله إلى الأرض، وهذا ما فعله الإنسان به.
- كان على يسوع أن يعاني من هذا بمفرده، خارج البوابة. كان معزولًا عن المجتمع، لكي نتمكن من الانضمام إلى مجتمعه، ولكي نستفيد من تجاربنا في العزلة ونحولها إلى فرص للشركة معه.
رابعًا. موت يسوع
أ ) الآية (٤٥): ظلام غير عادي على الأرض.
٤٥وَمِنَ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ كَانَتْ ظُلْمَةٌ عَلَى كُلِّ الأَرْضِ إِلَى السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ.
- وَمِنَ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ… إِلَى السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ: من الحساب الروماني للوقت، كان ذلك تقريبًا من الساعة ١٢:٠٠ ظهرًا وحتى ٣:٠٠ بعد الظهر. استمر هذا الظلام غير العادي لمدة ثلاث ساعات، وهذا أطول بكثير من أي كسوف طبيعي للشمس.
- لم يكن يسوع على الصليب طوال هذا الوقت، لكن في الجزء الأخير من ذلك الوقت. فوفقًا لإنجيل مرقس ٢٥:١٥ و٣٤:١٥، يمكننا أن نفترض أن يسوع عُلِقَّ على الصليب لمدة ٦ ساعات (تقريبًا بين الساعة ٩:٠٠ صباحًا و ٣:٠٠ بعد الظهر).
- كانت الساعات الثلاث الأولى من آلام يسوع على الصليب في وضح النهار الطبيعي، حتى يتمكن الجميع من رؤية أن يسوع هو من كان على الصليب وليس بديلًا أو دجالًا.
- لقد كان هذا الظلام ملحوظًا لأنه حدث أثناء اكتمال القمر – وقت عيد الفصح – ومن المستحيل خلال اكتمال القمر، أن يكون هناك كسوف طبيعي للشمس.
- كَانَتْ ظُلْمَةٌ عَلَى كُلِّ الأَرْضِ: أظهرت الظُلْمَة الملحوظة في جميع أنحاء الأرض معاناة الخليقة نفسها بسبب معاناة الخالق.
- “الظلام هو رمز غضب الله الذي وقع على من ذبح ابنه الوحيد. كان الله غاضبًا، وغضبه حجب ضوء النهار. ويخبرنا الرمز أيضًا بما تحمله ربنا يسوع المسيح. كانت الظلمة التي تحيطه تمثل الظلمة التي كانت بداخله. ففي جثسيماني سقط الظلام الدامس على روح ربنا.” سبيرجن (Spurgeon)
- كان هناك دليل حديث على هذا الظلام غير العادي. “نقل كل من أوريجانوس ويوسابيوس كلمات من فليغون (مؤرخ روماني) ذكر فيها هذا الكسوف الاستثنائي للشمس، وأيضًا الزلزال الذي وقع وقع وقت الصلب.” تفسير جيلدينهويس (Geldenhuys) لإنجيل لوقا.
- كتب فليغون (Phlegon) المؤرخ الروماني: “في السنة الرابعة من الأولمبياد رقم ٢٠٢، كان هناك كسوف غير عادي للشمس: في الساعة السادسة، تحول اليوم إلى ليلة مظلمة، حتى شوهدت النجوم في السماء؛ وحدث أيضًا زلزال.” استشهِدَ به في كلارك (Clarke)
ب) الآيات (٤٦-٤٩): صرخة ألم رفعها يسوع للآب.
٤٦وَنَحْوَ السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ صَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلاً: «إِيلِي، إِيلِي، لِمَا شَبَقْتَنِي؟» أَيْ: إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟ ٤٧فَقَوْمٌ مِنَ الْوَاقِفِينَ هُنَاكَ لَمَّا سَمِعُوا قَالُوا: «إِنَّهُ يُنَادِي إِيلِيَّا». ٤٨وَلِلْوَقْتِ رَكَضَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَأَخَذَ إِسْفِنْجَةً وَمَلأَهَا خَلاً وَجَعَلَهَا عَلَى قَصَبَةٍ وَسَقَاهُ. ٤٩وَأَمَّا الْبَاقُونَ فَقَالُوا: «اتْرُكْ. لِنَرَى هَلْ يَأْتِي إِيلِيَّا يُخَلِّصُهُ!».
- إِلَهِي إِلَهِي: في اقتباس من مزمور ٢٢، أعلن يسوع تحقيقه لتلك النبوءة، في كل من عذابها وغبطتها. فيستمر المزمور في القول: “اسْتَجِبْ لِي… أُخْبِرْ بِاسْمِكَ إِخْوَتِي. فِي وَسَطِ الْجَمَاعَةِ أُسَبِّحُكَ.” (مز ٢١:٢٢ب-٢٢).
- الاحتمال الأكبر هو أن يسوع تكلم باللغة العبرية. وبكل تأكيد لم يفهم المراقبون ما قاله، لأن الكلام لم يكن يعنيهم.” بروس (Bruce)
- “صرخ (أي ’أناباأو‘ anaboao، التي استخدمت فقط في العهد الجديد) هو فعل قوي يدل على عاطفة قوية أو نداء إلى الله.” فرانس (France)
- “هذه، بشكل ملحوظ، هي المرة الوحيدة في الأناجيل الإزائية حيث خاطب يسوع الله دون أن يناديه ’يا أبتاه.‘” فرانس (France)
- لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟: كان يسوع يعرف جيدًا معنى الألم والمعاناة (الجسدية والعاطفية) خلال حياته. ومع ذلك لم يختبر الانفصال عن أبيه. ولكن في هذه اللحظة، أختبر ما لم يختبره قط. فقد شعر يسوع بحق أن الآب قد تركه في هذه اللحظة.
- “كان حزنه وأنينه يتعلقان بإلهه فقط. فهو لم يقل: لماذا تخلى بطرس عني؟ أو لماذا خانني يهوذا؟ مع أن هذا مؤلم، ولكن فكرة أن أبيه تخلى عنه كانت مؤلمة أكثر. فهذا كان يعصره عصرًا.” سبيرجن (Spurgeon)
- في هذه اللحظة، حدثت صفقة مقدسة. الله الآب اعتبر الله الابن كما لو كان آثمًا. وكما كتب الرسول بولس لاحقًا: “لأَنَّهُ جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللهِ فِيهِ.” (كورنثوس الثانية ٢١:٥).
- لم يتحمل يسوع الانفصال عن شركة الآب فحسب، بل تحمل أيضًا انسكاب غضب الآب عليه كبديل عن الإنسانية الخاطئة.
- بقدر ما كان هذا فظيعًا، لكنه استوفى خطة الله الصالحة والمليئة بالمحبة لفداء الإنسان. ولهذا تمكن إشعياء من القول: “أَمَّا الرَّبُّ فَسُرَّ بِأَنْ يَسْحَقَهُ بِالْحُزْنِ.” (إشعياء ١٠:٥٣).
- في نفس الوقت، لا يمكننا القول أن هذا الانفصال بين الآب والابن عند الصليب كان كاملًا. فقد أوضح بولس هذا في رسالته الثانية إلى أهل كورنثوس ١٩:٥ قائلًا: “أَيْ إِنَّ اللهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحًا الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ.”
- “حتى إنني أجرؤ على القول إنه لو كان من الممكن أن يحب الله ابنه بصورة أعظم، لكان قد سُر به أكثر من أي وقت مضى عندما وقف كممثل عن خطايا شعبه المختار.” سبيرجن (Spurgeon)
- لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟: الألم في هذه الصرخة كانت مهمة. فنادرًا ما يحزن الإنسان عندما ينفصل عن الله أو يعرف أنه يستحق غضب الله، ومع ذلك كان هذا هو الألم الحقيقي الذي شعر به يسوع على الصليب. ففي مرحلة ما قبل موته، وقبل أن ينشق الحجاب على قسمين، وقبل أن يصرخ «قَدْ أُكْمِلَ»، حدثت صفقة روحية رائعة: وضع الله الآب على الله الابن كل الذنب والغضب التي استحقتها خطايانا، وقد تحملها يسوع بالكامل، وهكذا أرضى غضب الله تمامًا.
- قدر ما كانت الآلام الجسدية التي تعرض لها يسوع شديدة، إلا أن الآلام الروحية، أي الدينونة التي وقعت عليه بدلًا عن خطايانا، كانت أكثر ما روَّع يسوع في الصليب. لقد خشي يسوع من شرب هذه الكأس – كأس غضب الله المقدس – (لوقا ٣٩:٢٢-٤٦، مزمور ٨:٧٥، إشعياء ١٧:٥١، وإرميا ١٥:٢٥). وإذا جاز التعبير، أصبح يسوع عدوًا لله وحُكم عليه وأرغم على شرب كأس غضب الآب. وقد فعل ذلك كي لا نضطر نحن لشرب تلك الكأس.
- سفر إشعياء يصور الأمر بقوة: “مُحْتَقَرٌ وَمَخْذُولٌ مِنَ النَّاسِ رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ الْحُزْنِ وَكَمُسَتَّرٍ عَنْهُ وُجُوهُنَا مُحْتَقَرٌ فَلَمْ نَعْتَدَّ بِهِ. لَكِنَّ أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا. وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَابًا مَضْرُوبًا مِنَ اللَّهِ وَمَذْلُولًا. وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا.” (إشعياء ٣:٥٣-٥).
- “الآن جفف أبوه السماوي ذلك الجدول المقدس من التواصل الممتلئ بالسلام والشركة المتسمة بالمحبة الذي تدفق طوال حياته الأرضية… أما نحن، فلا نفقد إلا قطرات قليلة عندما نفقد خبرتنا المفرحة بشركتنا السماوية، ومع ذلك تكون الخسارة قاتلة. ولكن بالنسبة لربنا يسوع المسيح فقد جف البحر، أي بحر شركته اللامتناهية مع الله الآب.” سبيرجن (Spurgeon)
- يمكننا أن نتخيل الإجابة على سؤال يسوع: ’لماذا تركتني؟‘ كالتالي: “لأنك يا ابني، اخترت أن تقف في مكان الخطاة المذنبين. أنت، الذي لم تعرف الخطيئة قط، قدمت أروع ذبيحة وصرت خطية وحملت غضبي العادل على الخطية والخطاة. وقد فعلت هذا بسبب محبتك الكبيرة، وبسبب محبتي الكبيرة.” وربما بعد هذا، أعطى الآب الابن لمحة عن مكافأته – جمهور شعبه المتسربلين بالبر في شوارع السماء الذهبية، “كلهم يغنون لمخلصهم ولله حمدًا وهم يهتفون باسم الرب والحمل. وكان هذا جزءًا من إجابة سؤاله.” سبيرجن (Spurgeon)
- معرفة كم تألم ابن الله على الصليب يجب أن تؤثر على نظرتنا للخطيئة: “يا سادة، إذا قُتل أخي العزيز، فماذا سيكون رأيكم بي إن قدّرت السكين الذي تم قتله به والملطخ بدمه؟ ماذا ستفكرون بي لو صرت صديقًا ورفيقًا يوميًا لذاك الذي طْعنَ الخنجرِ في قلب أخي؟ إن فعلت ذلك، سأكون بالطبع شريكًا في الجريمة! الخطيئة قتلت المسيح، فهل ستكون صديقًا لها؟ الخطيئة اخترقت قلب الله المتجسد، فهل ستحبها؟” سبيرجن (Spurgeon)
- إِنَّهُ يُنَادِي إِيلِيَّا: للأسف، أسيء فهم يسوع وسُخِر منه حتى في النهاية المريرة. أعتقد هؤلاء المراقبون أنها ستكون فرصة جيدة لمعرفة ما إذا كان إِيلِيَّا سيأتي بالفعل.
- عندما كان يسوع معلقًا على الصليب، أساء مستمعوه فهمه من فصل الجزء من الكل. قال: «إِيلِي، إِيلِي، لِمَا شَبَقْتَنِي؟» فهم لم يسؤوا ما سمعوه فقط (قال يسوع، ’إِيلِي‘ وليس ’إِيلِيَّا‘)، لكنهم أيضًا سمعوا كلمة واحدة فقط مما قال. وهذا لن يحدث مع أتباع يسوع الحقيقيين؛ فنحن لا نسمع كلمة واحدة فقط من يسوع، بل كل كلمة تخرج من فم الله.
- أحد أول الأشياء التي نعرفها عن يسوع هو أنه أسيء فهمه باستمرار. فعندما تركه يوسف ومريم في أورشليم، لم يفهموا أنه يجب أن يهتم بأعمال أبيه. والآن في نهاية خدمته الأرضية، يُساء فهمه أيضًا على الصليب.
- لقد عرف يسوع معنى أن يساء فهم دوافعه. شفى الناس، وقالوا إنه فعل ذلك بقوة الشيطان. مد يده إلى الخطاة، ودعاه الناس خنزير مخمور. وأتباع يسوع أيضًا قد يساء فهم دوافعهم أحيانًا.
- عرف يسوع معنى أن يساء فهم كلماته. قال، “انقضوا هذا الهيكل وفي ثلاث أيام أقيمه،” وبلا شك كان يتحدث عن جسده. ومع ذلك، أصر الناس على أنه تحدث عن الهيكل الحرفي في أورشليم. وفي مناسبة أخرى، علم أن لعازر قد مات، لكنه أخبر الآخرين أن لعازر كان نائمًا. لقد أساءوا فهم يسوع واعتقدوا أنه كان يعني أن لعازر يحصل على الراحة التي يحتاجها بشدة. وأتباع يسوع أيضًا قد يساء فهم كلامهم أحيانًا.
- لقد عرف يسوع معنى أن يساء فهم صمته. فعندما ظهر للمرة الأولى أمام بيلاطس، أرسله بيلاطس إلى هيرودس. وعندما سأل هيرودس يسوع، لم يجبه بكلمة. لقد أساء هيرودس فهم صمت يسوع وأعتبره ضعفًا وعجزًا. كان هيرودس أعمى ولم يرى قوة وعظمة يسوع في صمته. وأتباع يسوع أيضًا قد يساء فهم صمتهم أحيانًا.
ج ) الآية (٥٠): موت يسوع.
٥٠صَرَخَ يَسُوعُ أَيْضًا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَأَسْلَمَ الرُّوحَ.
- صَرَخَ يَسُوعُ أَيْضًا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: يقضي معظم المصلوبين ساعاتهم الأخيرة في حالة من التعب الشديد أو يفقدون الوعي قبل الموت. لكن يسوع لم يكن هكذا. فعلى الرغم من آلامه وضعفه الشديد، فقد كان واعيًا وقادرًا على الكلام حتى لحظة موته.
- “وجد الآباء في الصراخ دليلًا على أن يسوع مات طوعًا، وليس من الإرهاق البدني. وبعض المفسرين المعاصرين، على العكس من ذلك، يعتبرون أن سبب هذا الصراخ هو احتقان عضلة القلب.” بروس (Bruce)
- يخبرنا إنجيل يوحنا ٣٠:١٩ أن يسوع قال: «قَدْ أُكْمِلَ»، وهي كلمة واحدة في اليونانية القديمة (’تيتليستاي‘ tetelestai) وتعني: “دُفع بالكامل.” فكانت هذه صرخة المنتصر، لأن يسوع دفع الدين بالكامل عن الخطيئة التي كنا نحن مدينون بها، وأنهى الغرض الأبدي للصليب.
- وَأَسْلَمَ الرُّوحَ: لم يأخذ أحد منه حياته. فيسوع، على عكس أي إنسان آخر، أَسْلَمَ الرُّوحَ. فلم يكن للموت أي سلطان على ابن الله الذي لم يفعل خطية. لقد وقف في مكان الخطاة، لكنه لم يكن أو يصبح خاطئًا. وبالتالي لم يمت إلا عندما أَسْلَمَ الرُّوحَ.
- كما قال يسوع، “لِهَذَا يُحِبُّنِي الآبُ لأَنِّي أَضَعُ نَفْسِي لِآخُذَهَا أَيْضًا. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي. لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضًا. هَذِهِ الْوَصِيَّةُ قَبِلْتُهَا مِنْ أَبِي.” (يوحنا ١٧:١٠-١٨)
- “كل إنسان، منذ السقوط، لم يكن عرضة للموت فحسب، بل كان يستحقه أيضًا؛ إذ فقد الكل حياتهم بسبب الخطيئة. أما يسوع المسيح، فقد ولد طاهرًا، ولم يخطئ أبدًا، ولم يفقد حياته، وبالتالي يمكن اعتباره خالدًا بطريقة طبيعية وتامة.” كلارك (Clarke)
- “لقد تخلى عن حياته لأنه أراد ذلك، وعندما أراد، وكما أراد.” أغسطينوس (Augustine)
د ) الآيات (٥١-٥٦): النتائج الفورية لموت يسوع.
٥١وَإِذَا حِجَابُ الْهَيْكَلِ قَدِ انْشَقَّ إِلَى اثْنَيْنِ، مِنْ فَوْقُ إِلَى أَسْفَلُ. وَالأَرْضُ تَزَلْزَلَتْ، وَالصُّخُورُ تَشَقَّقَتْ، ٥٢وَالْقُبُورُ تَفَتَّحَتْ، وَقَامَ كَثِيرٌ مِنْ أَجْسَادِ الْقِدِّيسِينَ الرَّاقِدِينَ ٥٣وَخَرَجُوا مِنَ الْقُبُورِ بَعْدَ قِيَامَتِهِ، وَدَخَلُوا الْمَدِينَةَ الْمُقَدَّسَةَ، وَظَهَرُوا لِكَثِيرِينَ. ٥٤وَأَمَّا قَائِدُ الْمِئَةِ وَالَّذِينَ مَعَهُ يَحْرُسُونَ يَسُوعَ فَلَمَّا رَأَوْا الزَّلْزَلَةَ وَمَا كَانَ، خَافُوا جِدًّا وَقَالُوا: «حَقًّا كَانَ هذَا ابْنَ اللهِ!». ٥٥وَكَانَتْ هُنَاكَ نِسَاءٌ كَثِيرَاتٌ يَنْظُرْنَ مِنْ بَعِيدٍ، وَهُنَّ كُنَّ قَدْ تَبِعْنَ يَسُوعَ مِنَ الْجَلِيلِ يَخْدِمْنَهُ، ٥٦وَبَيْنَهُنَّ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ، وَمَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ وَيُوسِي، وَأُمُّ ابْنَيْ زَبْدِي.
- وَإِذَا حِجَابُ الْهَيْكَلِ قَدِ انْشَقَّ إِلَى اثْنَيْنِ: كان الحجاب هو الذي يفصل القدس عن قدس الأقداس في الهيكل. لقد كان الحجاب تمثيل حي للإنفصال الذي كان بين الله والإنسان. والجدير بالذكر أن حجاب الهيكل انْشَق من فَوْقُ إِلَى أَسْفَلُ، وكان الله هو الذي مزقه.
- “كما لو كان مصدومًا لمقتل ربه المخزي، شق الهيكل ثيابه، لذعره من رؤية أبشع جريمة ممكنة.” سبيرجن (Spurgeon)
- يخبرنا سفر أعمال الرسل ٧:٦ أنه في أيام الكنيسة الأولى آمن الكثير من الكهنة. ربما أظهر لهم هذا الحجاب الممزق عظمة عمل يسوع، فقد سمع الجميع عن الحجاب الذي أنشق إلى اثنين.
- “لم ينشق الحجاب قليلًا بحيث لا نرى سوى القليل منه. لكنه انشق من الأعلى إلى الأسفل. فقد صار هناك مدخل لدخول أكبر الخطاة. إذا كان هناك ثقب صغير فقط، فقد يتسلل المخالفون الأقل؛ ولكن يا لها من رحمة كبيرة أن ينشق الحجاب من الوسط، ومن الأعلى إلى الأسفل، حتى يجد أشقى الخطاة ممرًا واسعًا!” سبيرجن (Spurgeon)
- وَالأَرْضُ تَزَلْزَلَتْ وَالصُّخُورُ تَشَقَّقَتْ: اهتزت الطبيعة نفسها بموت ابن الله.
- “قلوب الناس لم تستجب للصرخات المؤلمة للمخلص المحتضر، لكن الصخور استجابت: الصخور كانت تتشقق. لم يمت من أجل الصخور. ومع ذلك كانت الصخور أكثر رقة من قلوب الناس الذين أراقوا دمه.” سبيرجن (Spurgeon)
- ربما يجب أن يكون هناك فاصل بين نهاية الآية ٥١ وبداية الآية ٥٢ من إصحاح ٢٧. فلا ينبغي أن نفترض أن الزلزال الذي حدث والصخور التي تشققت أثناء الصلب فتحت أيضًا قبورًا لبعض الأموات القديسين؛ أي الذين انتظروا في القبور المفتوحة لمدة ثلاثة أيام حتى يخرجوا مِنَ الْقُبُورِ بَعْدَ قِيَامَتِهِ. فمن الأفضل أن نفهم أن البشير متى قصد أن نرى أن الزلزال وقع يوم صلب يسوع. ثم، في اليوم الذي قام فيه، كانت قوة الحياة الجديدة عظيمة جدًا لدرجة أنها أعادت إحياء بعض القديسين.
- وَخَرَجُوا مِنَ الْقُبُورِ بَعْدَ قِيَامَتِهِ: هذا أحد أغرب المقاطع في إنجيل متى. فنحن لا نعرف عن هذا الحدث من أي مصدر آخر، والبشير متى لا يخبرنا الكثير عن الأمر، لذلك نحن لا نعرف حقًا معناه، ولكن يبدو أن هؤلاء القديسين الذين قاموا من الأموات، ماتوا ثانية، فقيامتهم تشبه قيامة لعازر – لم يقوموا ليحيوا حياة القيامة، بل ليموتوا ثانية.
- لقد قاموا من الأموات، “لا للحديث مع الناس، بل لمرافقة المسيح الذي رفعهم إلى السماء؛ ولكي يكونوا دليل على قوة المسيح.” تراب (Trapp)
- “هذه المعجزات الأولى المرتبطة بموت المسيح كانت نموذجية للعجائب الروحية التي ستستمر إلى أن يجيء – القلوب الصخرية تتشقق، وقبور الخطيئة تتفتح، والذين ماتوا في الذنوب والخطايا ودفنوا في قبور الشهوة والشر، خرجوا من بين الأموات وذهبوا إلى المدينة المقدسة، أورشليم الجديدة.” سبيرجن (Spurgeon)
- حَقًّا كَانَ هَذَا ابْنَ اللَّهِ: كان المشهد في صلب يسوع مذهلًا لدرجة أنه حتى قائد المئة الروماني المتصلب أعترف قائلًا: حَقًّا كَانَ هَذَا ابْنَ اللَّهِ. لقد أشرف هذا الرجل على موت المئات من الرجال عن طريق الصلب، لكنه كان يعلم أن هناك شيء مميز في يسوع.
- حَقًّا كَانَ هَذَا ابْنَ اللَّهِ: الشيء الوحيد الخطأ في جملته هو زمن الفعل؛ فيسوع هو ابْنَ اللَّهِ وليس كان ابن الله. يبدو أن قائد المئة افترض أنه لم يعد ابن الله.
- “هناك من يظن أن هؤلاء الجنود، جلادو مخلصنا، آمنوا بسبب المعجزات التي رأوها، تبعًا لصلاة المسيح من أجلهم في لوقا ٣٤:٢٣.” تراب (Trapp)
- وَكَانَتْ هُنَاكَ نِسَاءٌ كَثِيرَاتٌ يَنْظُرْنَ مِنْ بَعِيدٍ وَهُنَّ كُنَّ قَدْ تَبِعْنَ يَسُوعَ مِنَ الْجَلِيلِ يَخْدِمْنَهُ: لم يؤثر يسوع فقط على الرجال القساة والمتصلّبين مثل قائد المئة الروماني، بل كان له تأثير أيضًا على النساء، حتى النساء مثل مَرْيَم الْمَجْدَلِيَّة (المرأة التي كان يسكنها الشيطان والتي تبعت يسوع من الجليل، وفقًا لما جاء في إنجيل لوقا ٢:٨).
- نِسَاءٌ كَثِيرَاتٌ: “أظهرت النساء شجاعة ومحبة لسيدهن أكثر بكثير من التلاميذ الذين وعدوا بالموت معه بدلًا من التخلي عنه.” كلارك (Clarke)
- فكر بمن كان هناك عند الصليب.
- الرجال والنساء.
- اليهود والأمم.
- الأغنياء والفقراء.
- الدرجة العالية والدُنيا.
- المتدينون وغير المتدينين.
- المذنب والبريء.
- كارهي يسوع ومحبي يسوع.
- الظالم والمظلوم.
- الباكي والساخر.
- المتعلمون وغير المتعلمين.
- الشغوفون وغير المباليين.
- أعراق مختلفة، جنسيات مختلفة، لغات مختلفة، فئات مختلفة.
- “هذا الحشد المختلط كان بالتأكيد نبوءة. فجميع أنواع وظروف الناس قد اجتذبت من قِبل هذا الصليب.” مورجان (Morgan)
خامسًا. دفن يسوع
أ ) الآيات (٥٧-٦١): يوسف الرامي يضع يسوع في قبره الخاص.
٥٧وَلَمَّا كَانَ الْمَسَاءُ، جَاءَ رَجُلٌ غَنِيٌّ مِنَ الرَّامَةِ اسْمُهُ يُوسُفُ، وَكَانَ هُوَ أَيْضًا تِلْمِيذًا لِيَسُوعَ. ٥٨فَهذَا تَقَدَّمَ إِلَى بِيلاَطُسَ وَطَلَبَ جَسَدَ يَسُوعَ. فَأَمَرَ بِيلاَطُسُ حِينَئِذٍ أَنْ يُعْطَى الْجَسَدُ. ٥٩فَأَخَذَ يُوسُفُ الْجَسَدَ وَلَفَّهُ بِكَتَّانٍ نَقِيٍّ، ٦٠وَوَضَعَهُ فِي قَبْرِهِ الْجَدِيدِ الَّذِي كَانَ قَدْ نَحَتَهُ فِي الصَّخْرَةِ، ثُمَّ دَحْرَجَ حَجَرًا كَبِيرًا عَلَى بَاب الْقَبْرِ وَمَضَى. ٦١وَكَانَتْ هُنَاكَ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ الأُخْرَى جَالِسَتَيْنِ تُجَاهَ الْقَبْرِ.
- فَهَذَا تَقَدَّمَ إِلَى بِيلاَطُسَ وَطَلَبَ جَسَدَ يَسُوعَ: كانت جثث المصلوبين عادة تترك لتتعفن أو لتأكلها الحيوانات البرية. ولكن اليهود لم يرغبوا ببقاء هذا المشهد المروع أثناء عيد الفصح، ومن المعروف أن الرومان لا يرفضون تسليم الجثث للأصدقاء أو الأقارب لدفنهم كما يليق.
- وَلَفَّهُ بِكَتَّانٍ نَقِيٍّ: اتبع يوسف عادات الدفن في ذلك اليوم – قدر استطاعته، لأنه لم يملك سوى القليل من الوقت لأن السبت كان يقترب (لوقا ٥٤:٢٣).
- وَوَضَعَهُ فِي قَبْرِهِ الْجَدِيدِ: لقد جاء إلى العالم من رحم عذراء، وخرج منه من قبر جديد. لم يوضع أحد في هذا القبر من قبل، فعندما قام الجسد وكان القبر فارغًا، لم يكن هناك أي شك بشأن الجسد الذي قام.
- “لقد كان قبرًا جديدًا، إذ لم توضع فيه أي رفات من قبل، وبالتالي إذا خرج منه، فلن يكون هناك شك في أن آخرًا قد قام، ولن يتخيل أحد أنه قام لأنه لمس عظام نبي قديم، مثل الذي وُضع في قبر أليشع.” سبيرجن (Spurgeon)
- ثُمَّ دَحْرَجَ حَجَرًا كَبِيرًا عَلَى بَابِ الْقَبْرِ: كانت هذه هي الطريقة المعتادة لإغلاق قبر ثمين. ربما كان لرجل غني مثل يوسف الرامي قبر منحوت في الصخر؛ فهذا القبر كان في حديقة بالقرب من مكان الصلب (يوحنا ٤١:١٩). عادة ما يكون للقبر مدخل صغير وربما مقصورة واحدة أو أكثر حيث يتم وضع الجثث بعد تكفينها إلى حد ما بالحنوط والزيوت وشرائط الكتان. وجرت العادة أن يترك اليهود هذه الجثث لبضع سنوات حتى يتحلل الجلد ويبقى العظم، ثم كانت العظام توضع في صندوق حجري صغير وتبقى في القبر مع رفات أفراد الأسرة الآخرين.
- عادة ما يكون باب القبر مصنوعًا من حجر ثقيل دائري الشكل، يعمل في أخدود ويستقر في قناة، لذلك لا يمكن تحريكه إلا من قِبل العديد من الرجال الأقوياء. وقد تم ذلك لضمان ألا يزعج الرفات أحد.
- ثُمَّ دَحْرَجَ حَجَرًا كَبِيرًا عَلَى بَابِ الْقَبْرِ: “هذا هو الوضع المعتاد لإغلاق باب أي قبر؛ ودعاه اليهود ’جولال (golal) أو الحجر المستدير.” بروس (Bruce)
- تخبرنا الآية في يوحنا ٤٢:١٩ على وجه التحديد أن قبر يوسف الرامي الذي وضع فيه يسوع كان بالقرب من مكان صلب يسوع (وكل من المكانين المقترحين لموت يسوع وقيامته يشهدان بذلك). ومن المحتمل أن يوسف لم يعجبه أن قيمة قبر عائلته انخفض لأن الرومان قرروا أن يصلبوا الناس في مكان قريب – ومع ذلك يذكرنا هذا أن خطة الله والصليب وقوة القيامة ترتبط دائمًا وبشكل دائم.
- وكانت المقابر مثل هذه مكلفة للغاية. لقد كانت تضحية كبيرة من يوسف الرامي أن يتخلى عن القبر – لكن يسوع كان سيستخدمها لبضعة أيام فقط!
ب) الآيات (٦٢ -٦٦): القبر يُختم ويُحرس.
٦٢وَفِي الْغَدِ الَّذِي بَعْدَ الاسْتِعْدَادِ اجْتَمَعَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْفَرِّيسِيُّونَ إِلَى بِيلاَطُسَ ٦٣قَائِلِينَ: «يَا سَيِّدُ، قَدْ تَذَكَّرْنَا أَنَّ ذلِكَ الْمُضِلَّ قَالَ وَهُوَ حَيٌّ: إِنِّي بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَقُومُ. ٦٤فَمُرْ بِضَبْطِ الْقَبْرِ إِلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ، لِئَلاَّ يَأْتِيَ تَلاَمِيذُهُ لَيْلاً وَيَسْرِقُوهُ، وَيَقُولُوا لِلشَّعْبِ: إِنَّهُ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ، فَتَكُونَ الضَّلاَلَةُ الأَخِيرَةُ أَشَرَّ مِنَ الأُولَى!» ٦٥فَقَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: «عِنْدَكُمْ حُرَّاسٌ. اِذْهَبُوا وَاضْبُطُوهُ كَمَا تَعْلَمُونَ». ٦٦فَمَضَوْا وَضَبَطُوا الْقَبْرَ بِالْحُرَّاسِ وَخَتَمُوا الْحَجَرَ.
- يَا سَيِّدُ: لقد أعطوا بيلاطس لقب الشرف والاحترام. لكن في اليوم السابق رفض نفس هؤلاء القادة ملك الملوك. لقد سخروا من يسوع واحتقروه وازدوا به علانية، لكنهم كرموا بيلاطس.
- وَفِي الْغَدِ: “يجب أن يعني ذلك أن رؤساء الكهنة والفريسيين جاؤوا فعلًا إلى بيلاطس يوم السبت بطلبهم. وإذا فعلوا ذلك، فمن الواضح أنهم خرقوا قانون السبت بشكل جذري. باركلي (Barclay).
- تَذَكَّرْنَا أَنَّ ذَلِكَ الْمُضِلَّ قَالَ وَهُوَ حَيٌّ: إِنِّي بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَقُومُ: من المفارقات أن أعداء يسوع تذكروا وعده بالقيامة أفضل مما تذكر تلاميذه.
- وَهُوَ حَيٌّ: في هذا، يعترف أعداء يسوع بأن يسوع قد مات. فهم لم يصدقوا ’نظرية الإغماء،‘ وهي تخمين ينكر القيامة، قائلين إن يسوع لم يمت أبدًا، بل ’أغمى عليه‘ فقط على الصليب، وفي القبر تم إنعاشه من جديد بطريقة مذهلة.
- رسالة مضحكة أرسلت إلى محرر مجلة مسيحية هدفها تقييم ’نظرية الإغماء‘: عزيزي إيوتيخوس (Eutychus): قال الراعي، في عيد الفصح، أن يسوع قد أغمى عليه على الصليب وأن التلاميذ قاموا برعايته حتى تحسّنت صحته. على صحته. فما رأيك؟ مع خالص التقدير، المُحتار. فكان الرد: عزيزي المُحتار: امسك راعي كنيستك واجلده ٣٩ جلدة وسمره على صليب ودعه معلقًا عليه تحت الشمس لمدة ٦ ساعات، ثم اضرب جنبه بحربة حتى تخترق قلبه، وضعه في قبر لا هواء فيه لمدة ٣٦ ساعة وانظر النتيجة. مع خالص تقديري، إيوتيخوس
- لِئَلَّا يَأْتِيَ تَلاَمِيذُهُ لَيْلًا وَيَسْرِقُوهُ: لا يمكن أن يكونوا خائفين من التلاميذ. فقد عرفوا أنهم وعرفوا أنهم كانوا خائفين ومختبئين، وعرفوا أنهم لم يكونوا عند الصليب. فقد أخبرتهم مصادرهم الخاصة بأن التلاميذ كانوا مرعوبين. بدلًا من ذلك، كانوا مرعوبين من قوة يسوع.
- ولإثبات ذلك، استمع إلى ما قالوه: يَقُولُوا لِلشَّعْبِ إِنَّهُ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ. فإن حدث ذلك بالفعل، فلماذا لم يسألوا التلاميذ: “إذًا، أين هو يسوع؟ هاتوا الجسد المفترض أنه حي لربكم المقام!” لقد أدركوا أن سرقة جسد يسوع لن يفيد التلاميذ بشيء، لأنهم لن يستطيعوا تقديم جثة ميتة والتظاهر بأنه حي. فهذا لن يثبت شيء في النهاية. ما كانوا يخشونه حقًا هو قوة قيامة يسوع.
- من المحزن أن يخاف القادة الدينيون من قوة قيامة يسوع، لكنهم على الأقل آمنوا بصحتها. ففي صباح يوم السبت، كان رؤساء الكهنة والفريسيون يبشرون بعظمة القيامة أفضل مما فعل التلاميذ.
- يقول جاستن (Justin) إن مثل هذه القصص كانت لا تزال تنشر بنشاط في منتصف القرن الثاني (Dialogues 108). وتشير حقيقة نشر هذه الأكاذيب إلى أنه لا يمكن إنكار أن القبر فارغ؛ ما تم سؤاله فعلًا هو كيف أصبح فارغًا.” فرانس (France)
- فَمُرْ بِضَبْطِ الْقَبْرِ… عِنْدَكُمْ حُرَّاسٌ اذْهَبُوا وَاضْبُطُوهُ: هذا يدل على أن كل من القادة اليهود والرومان كانوا على دراية بضرورة حماية القبر وأنهم اتخذوا جميع التدابير اللازمة لتأمين ذلك. لقد أعطت هذه الإجراءات الأمنية ببساطة شهادة أكبر لمعجزة القيامة. فإذا كان قبر يسوع بدون حراسة، فقد يقترح المرء أن شخصًا أو أشخاص مجهولين سرقوا الجسد، وسيكون من الصعب دحضه. ولكن نظرًا لأن القبر كان تحت حراسة مشددة، فيمكننا التأكد من أن جسده لم يُسرق.
- عِنْدَكُمْ حُرَّاسٌ: كان وعد بيلاطس بتزويدهم بحراس رومانيين. “من غير المحتمل أن يحتاج اليهود إلى إذن بيلاطس على الإطلاق لنشر شرطتهم الخاصة؛ علاوة على ذلك، فإن كلمة ’حُرَّاسٌ‘ (كلمة فريدة في العهد الجديد) هي ترجمة حرفية للكلمة اللاتينية ’كاستوديا (custodia).‘ ولذلك فمن الأرجح أن قوات بيلاطس هي التي استخدمت. القادة اليهود يسعون لتحقيق أقصى درجات الأمن.” فرانس (France)
- “أيها الأغبياء! وكأن القوة التي أقامت الموتى لن تتمكن من إزالة الحجر وتجاوز الحراس. فباهتمامهم المفرط، بدلًا من منع قيامة المسيح، كما قصدوا، أكدوا على حقيقة القيامة للعالم كله.” بوله (Poole)
- فَمَضَوْا وَضَبَطُوا الْقَبْرَ بِالْحُرَّاسِ وَخَتَمُوا الْحَجَرَ: هذا يصف التدابير المتخذة لتأمين قبر يسوع.
- تم تأمين القبر بحجر، وهو عقبة مادية. فكانت هذه الحجارة كبيرة توضع في قناة مائلة. كانت هذه عقبة حقيقية. وبالتأكيد، لا يمكن لف الحجر من الداخل. وكان يمكن للتلاميذ، إذا كان هناك ما يكفي منهم، أن يدحرجوا الحجر – ولكن ليس بهدوء. بالإضافة إلى ذلك، سيتعين عليهم العمل معًا لتحريكه، وهذا لا يبدو مرجحًا.
- تم تأمين القبر بختم، وهو عقبة تمثل السلطة البشرية. كان الختم عبارة عن حبل، يلف على الحجر الذي يغطي مدخل القبر. على جانبي الباب، كان هناك كتلة من الشمع تؤمن الحبل فوق الحجر. فلا يمكنك تحريك الصخرة دون كسر الختم. كان من المهم أن يشاهد الحراس الختم، لأنهم كانوا مسؤولين عما يتم ختمه. وكان هؤلاء الحراس الرومانيون يراقبون بعناية بينما كان الحجر مختومًا، لأنهم يعرفون أن حياتهم المهنية، وربما حياتهم كانت على المحك. فالختم الروماني له سلطة قانونية. وكان أكثر من مجرد شريط أصفر يحاصر مسرح جريمة حديثًا. وكسر ختم روماني كان تحديًا للسلطة الرومانية نفسها. تم تأمين هذا الحجر من قبل سلطة الإمبراطورية الرومانية.
- تم تأمين القبر من قبل الحُراس، وهم عقبة تمثل قوة الإنسان. كان الحراسة الروماني النموذجية أربعة جنود. يسهر اثنان بينما يستريح الآخران. ولكن ربما كان هناك أكثر من ذلك عند القبر. وعادة يكون الجنود مجهزون بالكامل: سيف، ودرع، ورمح، وخنجر. يجب أن نتذكر أيضًا أن هؤلاء كانوا جنودًا رومانيين، فهم لم يهتموا بالسيد المسيح أو القوانين أو الطقوس اليهودية، وتم استدعائهم لتأمين قبر مجرم. بالنسبة لهم، فإن الشيء المقدس الوحيد في هذا القبر هو الختم الروماني، لأنه إذا تم كسره، فإن حياتهم المهنية قد تدمرت وقد يُعدمون. الجنود القساة الذين اقترعوا بكل برود على ملابس رجل يموت، لم يكونوا من النوع الذي يخدعه تلاميذ يرتجفون، أو لن يعرضوا أعناقهم للخطر بالنوم في مراكز حراستهم.
- ليس لأي من هذه العقبات أي أهمية، فجميعها تسقط أمامه!
- العقبات المادية لا تقف أمام قيامة يسوع.
- السلطة البشرية لا تقف أمام قيامة يسوع.
- القوة البشرية لا تقف أمام قيامة يسوع.