رسالة تسالونيكي الأولى – الإصحاح ٣
مَوْضُوعُونَ للضيق
أولًا. مَوْضُوعُونَ للضيق
أ ) الآيات (١-٣): سبب إرسال بولس تيموثاوس إلى أهل تسالونيكي.
١لِذلِكَ إِذْ لَمْ نَحْتَمِلْ أَيْضًا اسْتَحْسَنَّا أَنْ نُتْرَكَ فِي أَثِينَا وَحْدَنَا. ٢فَأَرْسَلْنَا تِيمُوثَاوُسَ أَخَانَا، وَخَادِمَ اللهِ، وَالْعَامِلَ مَعَنَا فِي إِنْجِيلِ الْمَسِيحِ، حَتَّى يُثَبِّتَكُمْ وَيَعِظَكُمْ لأَجْلِ إِيمَانِكُمْ، ٣كَيْ لاَ يَتَزَعْزَعَ أَحَدٌ فِي هذِهِ الضِّيقَاتِ. فَإِنَّكُمْ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّنَا مَوْضُوعُونَ لِهذَا.
- أَرْسَلْنَا تِيمُوثَاوُسَ… حَتَّى يُثَبِّتَكُمْ… لِأَجْلِ إِيمَانِكُمْ: أوضح بولس في الإصحاح السابق مدى رغبته في زيارة أهل تسالونيكي في وقت محنتهم (تسالونيكي الأولى ١٧:٢-١٨). ولكن نظرًا لأنَّ بولس عجز عن الحضور عند أهل تسالونيكي بنفسه، لجأ إلى ثاني أفضل الحلول: أرسل إليهم تِيمُوثَاوُسَ، رفيقه الموثوق به وزميله العامل معه.
- ٱسْتَحْسَنَّا أَنْ نُتْرَكَ فِي أَثِينَا وَحْدَنَا: من أجل أهل تسالونيكي، كان بولس على استعداد أنْ يُتْرَكَ فِي أَثِينَا وَحْدَه. لقد تكلّف كُلفة كبيرة حين أرسل تيموثاوس إلى أهل تسالونيكي، وكان يستحسن دفع هذه الكُلفة (رآى أنَّها تستحقّ).
- أَخَانَا، وَخَادِمَ ٱللهِ: “ليس لقب «الخادم» لقبًا رسميًا ولا يعني «قسّيسًا» بحسب المعنى الحديث للكلمة. إنَّما تدلّ الكلمة على شخص يقدّم خدمة ما لشخص آخر. والمقصود بها التشديد على نشاطه في الخدمة.” هيبرت (Hiebert)
- “كانت الكلمة في الأصل تدلّ على خدمة النادل (القائم على خدمة الموائد)، ومن هنا صارت تشير إلى الخدمة المتواضعة من أي نوع. وغالبًا ما كان المسيحيّون الأوائل يستخدمونها للتعبير عن الخدمة المطلوب منهم تقديمها لكل من الله والناس. وفي حين تركّز كلمة مثل ’عبد‘، التي تستخدم غالبًا للدلالة على المؤمنين، على العلاقة الشخصيّة، تلفت هذه الكلمة النظر إلى عمل الخدمة الذي يتمّ تقديمه.” موريس (Morris)
- حَتَّى يُثَبِّتَكُمْ وَيَعِظَكُمْ لِأَجْلِ إِيمَانِكُمْ: أراد بولس من تيموثاوس أن يفعل شيئين: تثبيت ووعظ (تشجيع) أهل تسالونيكي. وكلاهما ضروريّ، لكنَّ التثبيت (التأسيس) يأتي أوّلًا. فلا يمكن أن يأتي التشجيع حقًّا إلَّا بعد تثبيتنا على المسار الصحيح؛ وإلاَّ قادنا هذا التشجيع إلى المسار الخطأ.
- “عندما أرسل بولسُ تيموثاوسَ إلى تسالونيكي، لم يكن الهدف من ذلك تقصي أوضاع الكنيسة بقدر ما كان لمساعدتها.” باركلي (Barclay)
- كَيْ لَا يَتَزَعْزَعَ أَحَدٌ فِي هَذِهِ ٱلضِّيقَاتِ: بينما يتم تثبيت وتشجيع أهل تسالونيكي، لن تزعزعهم هذه الضيقات. فخدمة تيموثاوس ستساعدهم على تحمّل شدائدهم الحاليّة.
- ترتبط الكلمة اليونانيّة المترجمة يَتَزَعْزَعَ بفكرة الكلب الذي يهزّ ذيله. “يغريك الشيطان بالتملّق والإطراء، مَثَلُه مَثَل الكلب المتملّق، الذي يحرّك ذيله، ويعدك بمزيد من الراحة إذا اتّخذت مسارًا معاكسًا. فهو لا يفعل إلَّا ما يفعله الكلب القذر، أي ينجّسك بتملّقه إياك.” تراب (Trapp)
- من دون فهم جيّد لحقيقة وجود الألم في حياتنا كمؤمنين، نتعرّض لخطر زعزعة إيماننا.
- هَذِهِ ٱلضِّيقَاتِ. فَإِنَّكُمْ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّنَا مَوْضُوعُونَ لِهَذَا: أراد بولس أنْ يعلم أهل تسالونيكي أنَّ وقت ضيقاتهم الحاليّة تحت سيطرة الله. فهذه ضيقات هم مَوْضُوعُونَ (مُعيّنون) لها. وكجزء من حياتهم المسيحيّة الطبيعيّة، لا بد للمؤمنين المرور في الضيقات.
- يعتقد البعض أنَّ المؤمنين لا ينبغي أن يتعرّضوا للضيقات والآلام وأنّ الله يريد أن يعلّمنا بكلمته فقط، لا بواسطة الضيقات أو التجارب. صحيح أنَّنا نستطيع أن نتجنّب الكثير من الألم بمجرد طاعة كلمة الله، والله يريد أن يجنّبنا تلك الآلام. وبما أن الألم كان جيّدًا بما يكفي لتعليم يسوع (عبرانيين ١٠:٢، ٨:٥)، فهو يكفي لتعليمنا أيضًا. فالله يعلّم المؤمن المثابرة والطاعة وكيف يعزّي الآخرين ويعمّق شركته مع يسوع أثناء التجارب.
- يعتقد البعض أنَّ النوع الوحيد من الضيق الذي يجب على المؤمن أنْ يتعرّض له هو الاضطهاد بسبب الإيمان. وفي الحقيقة هناك كلمتان يونانيّتان تُستَخدمان لترجمة مفهوم الألم، ولا تُستَخدَم أيّ منهما بشكل حصري للدلالة على الاضطهاد. فكانت كلمة Thilipsis (ثيليپسيس) تُستَخدَم للدلالة على أمور مثل الألم الجسماني والشدائد العاطفية والألم تحت ضغط الإغراء. وكلمة Pasko (پاسكو) كانت تُستَخدَم للدلالة على أمور مثل الآلام الجسديّة غير المرتبطة بالاضطهاد، ولا تحت ضغط الإغراء، ولا المتاعب بالمعنى العامّ.
- يعتقد البعض أنَّ الآلام (الضيقات) تعني أنَّ الله غاضب على المؤمن. والحقيقة هي أنَّ الآلام تعني أنَّ الله يحبّنا بما يكفي لإعطائنا الأفضل بينما نرغب نحن في الأسهل. لهذا، رمز المسيحيّة صليب، وليس سريرًا من ريش النعام. فالضيقات هي مُجرَّد جزء من مسيرنا وراء يسوع؛ لذلك أدرك بولس أنَّ المؤمنين موضوعون للضيقات.
- “بعد استعراضه للحركة المسيحيّة بأكملها، رأى الآلام في كل مكان كنتيجة للإخلاص في الإيمان. وهو لم يعتبره مُجرَّد شيء ينبغي تحمّله. بل رأى الله مسيطرًا على الكلّ، وكان يعلم أنَّ طريق الألم هذا مُعيَّن من الله.” مورغان (Morgan)
ب) الآية (٤): يجب ألَّا تفاجئ الضيقاتُ المؤمنَ أبدًا.
٤لِأَنَّنَا لَمَّا كُنَّا عِنْدَكُمْ، سَبَقْنَا فَقُلْنَا لَكُمْ: إِنَّنَا عَتِيدُونَ أَنْ نَتَضَايَقَ، كَمَا حَصَلَ أَيْضًا، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ.
- لَمَّا كُنَّا عِنْدَكُمْ، سَبَقْنَا فَقُلْنَا لَكُمْ: عندما كان بولس عند أهل تسالونيكي (قبل بضعة أشهر فقط من كتابة هذه الرسالة) حذّرهم من أنَّهم سوف يتعرّضون للضيقات. ومع أنَّه قضى معهم بضعة أسابيع فقط، إلَّا أنَّه علّمهم عن قيمة الألم في الحياة المسيحيّة.
- إِنَّنَا عَتِيدُونَ أَنْ نَتَضَايَقَ: في مَثَل يسوع عن أنواع التربة (متى ١:١٣-٢٣)، وصف الطريقة التي يرتدّ بها البعض عندما يظهر الضيق أو الاضطهاد بسبب الكلمة. أي أنَّ المؤمن سيتعرّض للضيق والاضطهاد لا محالة. وبهذا يتمّ امتحان إيمانه. ولأن بولس كان يعلم ذلك جيدًا، وكراعٍ صالح، حذّر أهل تسالونيكي من الضيقات.
ج) الآية (٥): بولس يُسرع في إرسال تيموثاوس إلى أهل تسالونيكي.
٥مِنْ أَجْلِ هَذَا إِذْ لَمْ أَحْتَمِلْ أَيْضًا، أَرْسَلْتُ لِكَيْ أَعْرِفَ إِيمَانَكُمْ، لَعَلَّ ٱلْمُجَرِّبَ يَكُونُ قَدْ جَرَّبَكُمْ، فَيَصِيرَ تَعَبُنَا بَاطِلًا.
- إِذْ لَمْ أَحْتَمِلْ أَيْضًا: كاد بولس ألاَّ يحتمل فكرة أنَّ إيمان أهل تسالونيكي قد ينهار تحت وطأة فترة الضيق هذه، لذا أرسل تيموثاوس ليقف على حالهم وليساعدهم أيضًا.
- “يبدو أنَّ خدمة بولس الضعيفة في كورنثوس قبل رجوع سيلا وتيموثاوس (أعمال الرسل ٥:١٨) تشير إلى أنَّ بولس كان يعاني من اكتئاب شديد بسبب عدم معرفته بنتيجة إرساليته في تسالونيكي.” هيبرت (Hiebert)
- لَعَلَّ ٱلْمُجَرِّبَ يَكُونُ قَدْ جَرَّبَكُمْ: لقد أدرك بولس أن المجرِّب – أي الشيطان – أراد أن يستغل فترة الألم هذه. كما حدث مع أيوب، أراد الشيطان أن يجرب أهل تسالونيكي ويدفعهم للتخلِّي عن الله.
- فَيَصِيرَ تَعَبُنَا بَاطِلًا: إذا تردّد أهل تسالونيكي في إيمانهم، لاعتبر بولس أنَّ تعبه (عمله) بينهم بَاطِلًا (بلا جدوى). ففي مثل البذار (متى ١:١٣-٢٣) وصف يسوع البذرة التي ذبلت تحت وطأة حرارة التجربة. وإذا ذبل أهل تسالونيكي، فإنَّ عمل بولس الشاقّ كزارع بينهم لن ينتج أيّ حصاد.
- لقد بادر بولس بعمل شيء للمساعدة في منع أهل تسالونيكي من الانهيار تحت وطأة الضيقة. فأرسل إليهم تيموثاوس، لأنَّ أولئك الذين يعانون من الآلام يحتاجون إلى مساعدة من الآخرين.
ثانيًا. تقرير تيموثاوس المُشجِّع
أ ) الآية (٦): الخبر السار من تيموثاوس.
٦وَأَمَّا ٱلْآنَ فَإِذْ جَاءَ إِلَيْنَا تِيمُوثَاوُسُ مِنْ عِنْدِكُمْ، وَبَشَّرَنَا بِإِيمَانِكُمْ وَمَحَبَّتِكُمْ، وَبِأَنَّ عِنْدَكُمْ ذِكْرًا لَنَا حَسَنًا كُلَّ حِينٍ، وَأَنْتُمْ مُشْتَاقُونَ أَنْ تَرَوْنَا، كَمَا نَحْنُ أَيْضًا أَنْ نَرَاكُمْ.
- بَشَّرَنَا بِإِيمَانِكُمْ وَمَحَبَّتِكُمْ: لَمَّا رجع تيموثاوس من زيارته إلى أهل تسالونيكي، جاء بأخبار سارّة (بَشَّرَنَا). فكان أهل تسالونيكي يزدادون في الإيمان والمحبّة، وقد ساعدهم بولس كثيرًا بكتابة هذه الرسالة لهم.
- كتب كالفن (Calvin) عن الإيمان والمحبّة ما يلي: “في هاتين الكلمتين، يُعلِن بإيجاز عن المجموع الكلي للتقوى. فكل من يصوّبون على هذا الهدف المزدوج، يتجاوزون خطر الضلال طيلة حياتهم.”
- “يجد جميع القساوسة في هذا تذكارًا لنوعية العلاقة التي يجب أن توجد بينهم وبين الكنيسة. فعندما تسير الأمور على ما يرام مع الكنيسة، يجب أن يفرحوا، حتّى وإن كانوا في جوانب أخرى محاطين بضيقات كثيرة. ولكن من ناحية أخرى، إذا رأوا المبنى الذي بنوه يتهدّم، فإنهم يموتون حزنًا وأسىً، على الرغم من وجود جوانب جيّدة من النجاح والازدهار.” كالفن (Calvin)
- وَبِأَنَّ عِنْدَكُمْ ذِكْرًا لَنَا حَسَنًا كُلَّ حِينٍ: لقد أحضر تيموثاوس أيضًا أخبارًا سارّة تفيد بأنّ أهل تسالونيكي لم يصدّقوا الشائعات المضلّلة والخطيرة عن بولس.
ب) الآيات (٧-٩): تأثير الخبر السار على بولس.
٧فَمِنْ أَجْلِ هذَا تَعَزَّيْنَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ مِنْ جِهَتِكُمْ فِي ضِيقَتِنَا وَضَرُورَتِنَا، بِإِيمَانِكُمْ. ٨لأَنَّنَا الآنَ نَعِيشُ إِنْ ثَبَتُّمْ أَنْتُمْ فِي الرَّبِّ. ٩لأَنَّهُ أَيَّ شُكْرٍ نَسْتَطِيعُ أَنْ نُعَوِّضَ إِلَى اللهِ مِنْ جِهَتِكُمْ عَنْ كُلِّ الْفَرَحِ الَّذِي نَفْرَحُ بِهِ مِنْ أَجْلِكُمْ قُدَّامَ إِلهِنَا؟
- فَمِنْ أَجْلِ هَذَا تَعَزَّيْنَا… فِي ضِيقَتِنَا وَضَرُورَتِنَا: كتب بولس هذه الرسالة من كورنثوس، وقد تميّز مجيئه إلى تلك المدينة بالصعوبة. فقد قال عن مجيئه إلى كورنثوس: «كُنْتُ عِنْدَكُمْ فِي ضَعْفٍ، وَخَوْفٍ، وَرِعْدَةٍ كَثِيرَةٍ» (كورنثوس الأولى ٣:٢). ولكن بعد أن عاد تيموثاوس بالأخبار السارة، تجدّدت طاقة بولس وسرت في أوصاله الحياة (ٱلْآنَ نَعِيشُ). إذ أشعر ذلك بولسَ بتحسُّن كبير طالما أنَّ أهل تسالونيكي بخير.
- “لا يمتلئ خادم الله أبدًا بالبهجة مثل امتلائه عندما يرى أنَّ الروح القُدُس يفتقد سامعيه، ويعرّفهم بالربّ، ويثبّتهم في هذه المعرفة السماويّة. ومن ناحية أخرى، إذا لم يبارك الله كلمة عبيده، فهذا أشبه بالموت لهم. فالوعظ بدون بركة يسبّب الغمّ للقلوب. مثل المركبة التي بلا عجلات، لا تكاد تتحرك، فهي لا تملك القوّة ولا الحرّيّة.” سبيرجن (Spurgeon)
- لِأَنَّهُ أَيَّ شُكْرٍ نَسْتَطِيعُ أَنْ نُعَوِّضَ إِلَى ٱللهِ مِنْ جِهَتِكُمْ: فاض بولس بـالشكر والفرح لأنَّه كان يعلم أنهم ثابتون في الربّ. ويسهل على البعض الفرح بالرخاء الماديّ في حياة الآخرين، لكنَّ بولس كان يفرح فعلًا بالرخاء الروحيّ للآخرين.
ج) الآية (١٠): صلاة بولس من أجل أهل تسالونيكي.
١٠طَالِبِينَ لَيْلًا وَنَهَارًا أَوْفَرَ طَلَبٍ، أَنْ نَرَى وُجُوهَكُمْ، وَنُكَمِّلَ نَقَائِصَ إِيمَانِكُمْ.
- طَالِبِينَ لَيْلًا وَنَهَارًا أَوْفَرَ طَلَبٍ: سمع بولس أخبارًا سارة من تيموثاوس، لكنَّ ذلك لم يكن كافيا. فأراد أن يرى عائلة الكنيسة في تسالونيكي وجهًا لوجه. وهو كان يريد ذلك إلى درجة أنَّه كان يصلّي لَيْلًا وَنَهَارًا… حتّى يسمح له الله برؤيتهم.
- أَوْفَرَ طَلَبٍ: “هناك طرق مختلفة للتعبير عن فكرة الوفرة، ورُبَّما كانت هذه التركيبة المزدوجة (أَوْفَرَ طَلَبٍ) هي الأشد تأكيدًا على الإطلاق.” موريس (Morris)
- وَنُكَمِّلَ نَقَائِصَ إِيمَانِكُمْ: في غَمرة كل هذا الفرح، لفت بولس النظر إلى حقيقة أنَّهم لم يزالوا ناقصين. فعلى الرغم من أنَّ الرسول مدحهم مرارًا وتكرارًا (تسالونيكي الأولى ٣:١، ٧:١، ١٣:٢، ١٩:٢-٢٠ و ٦:٣)، إلاَّ أنَّه كان حريصًا أيضًا على أن يُكمل نَقَائِصَ إيمانهم.
- كان بولس يؤمن بأنّ حضوره الشخصيّ سيكون بمثابة معونة لأهل تسالونيكي. “رغم أنَّ رسائله قد تُعين على ذلك، إلَّا أن حضوره الشخصيّ سيفعل المزيد. فهناك بركة خاصّة تصاحب سماع الوعظة، أكثر من قراءتها.” بوله (Poole)
ثالثًا. صلاة بولس بخصوص ما هو ناقص في أهل تسالونيكي
أ ) الآية (١١): بولس يصلّي كي يتمّ لمّ شمله على أهل تسالونيكي في القريب العاجل، لأنَّهم كانوا في حاجة إلى السلطان والنفوذ الرسوليّ لتعويض ما ينقصهم.
١١وَٱللهُ نَفْسُهُ أَبُونَا وَرَبُّنَا يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ يَهْدِي طَرِيقَنَا إِلَيْكُمْ.
- وَٱللهُ نَفْسُهُ أَبُونَا: هذا يبيّن أنَّ بولس يبدأ مقطعًا من الصلاة المكتوبة، يخبر به أهل تسالونيكي بما صلّى به من أجلهم.
- ينوّه هيبرت (Hiebert) إلى أنَّ هذه ليست صلاة بالمعنى المفهوم. “ينبغي الإقرار بأنّ هذه الآيات من حيث الصياغة الفعلية تشكّل صلاة موجَّهة مباشرةً إلى الله. إنَّها بالأحرى أمنية أو طلبة ورعة… والنغمة الجليلة لطلبة الصلاة القويّة هذه تقترب من لغة الصلاة وهي بمثابة صلاة.”
- وَرَبُّنَا يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ: “شخصان يُنظر إليهما على أنَّهما واحد (راجع إنجيل يوحنا ٣٠:١٠) ويملكان القوّة لشقّ الطريق أمامه لزيارة أهل تسالونيكي ثانية؛ ’ٱللهُ نَفْسُهُ أَبُونَا وَرَبُّنَا يَسُوعُ‘ هو فاعل مُركَّب لفعل بصيغة المُفرَد… رُبَّما كان مُؤشِّرًا على وحدانية اللاهوت.” توماس (Thomas)
- يَهْدِي طَرِيقَنَا إِلَيْكُمْ: تشجّع بولس بالوضع الراهن لأهل تسالونيكي وبالثمار التي حقّقتها خدمة تيموثاوس هناك. ومع ذلك كان لا يزال يصلّي لكي يَهْدِي (يوجّه) الله طريقه إلى أهل تسالونيكي. وهذا يدلّ على أنَّه، على الرغم من تقدير بولس للخدمة التي قام بها الآخرون في وسطهم، إلاَّ أنَّه كان يظنّ أنَّهم لم يزالوا في حاجة إلى تعليم وتشجيع من مصدر مُعتمَد وموثوق به، وهو ما لا يقدر عليه سوى الرسل فقط.
- رغم صحّة هذا القول، إلاَّ أننا بحاجة أيضًا إلى الخضوع للسلطان الرسوليّ. فقد انتقل بولس وباقي الرسل إلى المجد، لكنَّ كتاباتهم لا تزال بين أيدينا. وقد حافظ الله على تعاليم الرسل لنا في العهد الجديد.
- الكنيسة مُؤسَّسة على الرسل، والمسيح نفسه حجر الزاوية (رسالة أفسس ٢٠:٢). وأساس أورشليم الجديدة هو الرسل الاثنا عشر (رؤيا يوحنا ١٤:٢١). فهناك شيء فريد من نوعه في رسل وأنبياء القرن الأوَّل، وهذه الخدمة الفريدة محفوظة لنا في العهد الجديد.
ب) الآية (١٢): لتعويض ما هو مفقود، يجب أن يزدادوا في المحبّة.
١٢وَٱلرَّبُّ يُنْمِيكُمْ وَيَزِيدُكُمْ فِي ٱلْمَحَبَّةِ بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ وَلِلْجَمِيعِ، كَمَا نَحْنُ أَيْضًا لَكُمْ.
- وَٱلرَّبُّ يُنْمِيكُمْ وَيَزِيدُكُمْ فِي ٱلْمَحَبَّةِ: لم تكن هذه كنيسة خالية من المحبّة، إنَّما كان هناك مُتّسع للنمو في المحبّة، لأنَّ المحبّة هو علامة أساسيّة على الإيمان المسيحيّ.
- تكلّم يسوع عن المكانة الجوهرية للمحبة كعلامة مميِّزة للمؤمن: «بِهَذَا يَعْرِفُ ٱلْجَمِيعُ أَنَّكُمْ تَلَامِيذِي: إِنْ كَانَ لَكُمْ حُبٌّ بَعْضًا لِبَعْضٍ» (يوحنا ٣٥:١٣). وقد أكّد الرسول يوحنا أيضًا على هذا المبدأ: «إِنْ قَالَ أَحَدٌ: ’إِنِّي أُحِبُّ ٱللهَ‘ وَأَبْغَضَ أَخَاهُ، فَهُوَ كَاذِبٌ. لِأَنَّ مَنْ لَا يُحِبُّ أَخَاهُ ٱلَّذِي أَبْصَرَهُ، كَيْفَ يَقْدِرُ أَنْ يُحِبَّ ٱللهَ ٱلَّذِي لَمْ يُبْصِرْهُ؟» (رسالة يوحنا الأولى ٢٠:٤)
- فِي ٱلْمَحَبَّةِ بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ وَلِلْجَمِيعِ: تمنّى بولس أنْ يُظهِر مؤمنو تسالونيكي المحبّة بعضهم للبعض وللجميع. فهذه المحبة تبدأ في عائلة الله، لكن يجب أن تتخطّاها. لقد قال لنا يسوع إن محبّتنا قليلة وسطحية إن كنا نحب من يحبوننا فقط (متى ٤٦:٥-٤٧).
- كَمَا نَحْنُ أَيْضًا لَكُمْ: قد تجاسر بولس ووضع نفسه كمعيار للمحبّة يمكنهم اتّباعه. وعلينا نحن أيضًا أن نعيش حياة مسيحيّة تمكّننا من إخبار المؤمنين الجدد: ’أحبوا الآخرين بالطريقة التي أحبّكم بها.‘
ج) الآية (١٣): لتعويض ما ينقصهم، كانوا يحتاجون إلى قلوب راسخة في القداسة.
١٣لِكَيْ يُثَبِّتَ قُلُوبَكُمْ بِلَا لَوْمٍ فِي ٱلْقَدَاسَةِ، أَمَامَ ٱللهِ أَبِينَا فِي مَجِيءِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ مَعَ جَمِيعِ قِدِّيسِيهِ.
- لِكَيْ يُثَبِّتَ قُلُوبَكُمْ بِلَا لَوْمٍ فِي ٱلْقَدَاسَةِ: كان بولس يعلم أنَّ الله يريد أن تكون قلوب أهل تسالونيكي راسخة بِلَا لَوْمٍ فِي ٱلْقَدَاسَةِ. إنَّ الفكرة التي تكمن وراء ٱلْقَدَاسَةِ هي أن نكون منفصلين عن العالم ومُكرَّسين لله. فالشخص المُقَدَّس حقًّا منفصل عن سيطرة الخطيّة والنفس والعالم، ومُخصَّص لله.
- قُلُوبَكُمْ بِلَا لَوْمٍ فِي ٱلْقَدَاسَةِ: يجب أن يتقدّس القلب أوّلًا. فالشيطان يريد أن نطوّر ظاهرًا مُقَدَّسًا مع إهمال الباطن، فنكون مثل القبور المُبيَّضة (بالكلس) من الخارج، المليئة بالموت من الداخل (متى ٢٧:٢٣).
- بِلَا لَوْمٍ فِي ٱلْقَدَاسَةِ، أَمَامَ ٱللهِ أَبِينَا فِي مَجِيءِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ: خطرت عودة يسوع ببال بولس، لأنَّه ما من شيء يشجّعنا على القداسة مثل تذكّر أن يسوع قد يعود اليوم.
- أكّدت صلاة بولس من أجل أهل تسالونيكي على ثلاثة أمور مهمّة لكل مؤمن اليوم: – أراد أوّلًا أن يكون معهم، حتّى يستطيعوا الانتفاع بحكمته وسلطانه الرسوليّ. – أرادهم أن يزيدوا في المحبّة. – أراد أن يرسخوا في قداسة القلب الحقيقيّة.
- جَمِيعِ قِدِّيسِيهِ: “من الأفضل فهم ’القِدّيسين‘ على أنَّهم جميع الكائنات المنيرة الذين يشكّلون حاشيته، سواء كانوا ملائكة أو القِدّيسين من البشر الذين سبقونا.” موريس (Morris)