رسالة كورنثوس الأولى – الإصحاح ١٠
عبادة الأوثان آنذاك والآن
أولاً. مثال إسرائيل السيء
أ ) الآيات (١-٥): إسرائيل في سفر الخروج: مُباركين بالعديد من الاختبارات الروحية، لكن غير مؤهلون.
١فَإِنِّي لَسْتُ أُرِيدُ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ تَجْهَلُوا أَنَّ آبَاءَنَا جَمِيعَهُمْ كَانُوا تَحْتَ السَّحَابَةِ، وَجَمِيعَهُمُ اجْتَازُوا فِي الْبَحْرِ، ٢وَجَمِيعَهُمُ اعْتَمَدُوا لِمُوسَى فِي السَّحَابَةِ وَفِي الْبَحْرِ، ٣وَجَمِيعَهُمْ أَكَلُوا طَعَامًا وَاحِدًا رُوحِيًّا، ٤وَجَمِيعَهُمْ شَرِبُوا شَرَابًا وَاحِدًا رُوحِيًّا، لأَنَّهُمْ كَانُوا يَشْرَبُونَ مِنْ صَخْرَةٍ رُوحِيَّةٍ تَابِعَتِهِمْ، وَالصَّخْرَةُ كَانَتِ الْمَسِيحَ. ٥لكِنْ بِأَكْثَرِهِمْ لَمْ يُسَرَّ اللهُ، لأَنَّهُمْ طُرِحُوا فِي الْقَفْرِ.
- فَإِنِّي لَسْتُ أُرِيدُ أَيُّهَا الإِخْوَةُ: يستمر بولس في هذا الأصحاح في تناول الموضوع الذي قدمه في الأصحاحين الثامن والتاسع من نفس الرسالة: كيف ينبغي على مؤمني كورنثوس أن يتصرفوا فيما يتعلق بأكل اللحم الذي ذُبح للأوثان؟
- في كورنثوس الأولى ٨، أسس بولس مبدأين. المبدأ الأول: الوثن في الواقع ليس شيئًا، وأنه حسن أن يتصرف مؤمنو كورنثوس الفاهمون وفق هذه المعرفة. أما المبدأ الثاني: المحبة بالنسبة للمؤمنين أهم من العِلم. لذا، على الرغم من أنني قد “أعلم” أن أكل اللحم الذي ذُبح للأوثان ليس شيء بالنسبة لي، إلا أنني لن أفعل ذلك بسبب محبتي للآخرين.
- في كورنثوس الأولى ٩، أوضح بولس مدى أهمية تخلي المؤمنين تمامًا عن “حقوقهم” كما تخلى بولس عن “حقه” في أن تعوله الخدمة، لذلك يجب على بعض مؤمني كورنثوس التخلي أحيانًا عن “حقهم” في أكل اللحم الذي ذُبح للأوثان، استنادًا إلى مبدأ محبة الأخ الأضعف. ففي نهاية أصحاح ٩، أوضح بولس كيف يجب على المؤمن أن يكون مستعدًا للتخلي عن بعض الأشياء – حتى وإن كانت “حسنة” – من أجل فوز السباق الذي وضعه الله أمامنا، وإلا سنصبح غير مؤهلين لسباق حياة الإيمان المسيحي (كورنثوس الأولى ٢٧:٩).
- لَسْتُ أُرِيدُ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ تَجْهَلُوا أَنَّ آبَاءَنَا: كتب بولس عن الحاجة إلى إتمام العمل الذي وضعه الله أمامنا، ومدى خطورة رفض التخلي عن شيء يعيق هذا. والآن، سوف يستخدم بولس تجربة إسرائيل أثناء خروجهم من مصر لتوضيح هذا المبدأ.
- آبَاءَنَا: فكر في كل البركات التي كانت لشعب إسرائيل أثناء خروجهم من مصر!
- أَنَّ آبَاءَنَا جَمِيعَهُمْ كَانُوا تَحْتَ السَّحَابَةِ: ظللت سحابة مجد الشكينه على إسرائيل طوال رحلتهم من مصر إلى أرض الموعد. فخلال النهار، كانت السحابة تقيهم من شمس الصحراء القاسية، وفي الليل، كانت كعمود نار. لقد كان ذلك تذكيرًا دائمًا بمجد الله وحضوره ( خروج ٢١:١٣-٢٢).
- وَجَمِيعَهُمُ اجْتَازُوا فِي الْبَحْرِ،وَجَمِيعَهُمُ اعْتَمَدُوا لِمُوسَى: عبر كل شعب إسرائيل البحر الأحمر ورأوا قوة الله المذهلة عندما شق البحر حتى يعبروا إلى اليابسة. ثم رأوا الله يُرجع البحر إلى حالته لإغراق جيش المصريين ( خروج ٢١:١٤-٣١). ولم يكن هذا مجرد عرض مدهش لمحبة الله وقوته، بل كان أيضًا صورة للمعمودية، فكما ربط “العبور في الماء” كل شعب إسرائيل بموسى، كذلك تربط المياه أيضًا المؤمن بيسوع المسيح ( رومية ٣:٦-٤).
- وَجَمِيعَهُمْ أَكَلُوا طَعَامًا وَاحِدًا رُوحِيًّا: كان توفير الله للطعام والشراب في البرية بطريقة معجزيه عرضًا رائعًا لمحبته لشعب إسرائيل ( خروج ٣٥:١٦ و ٦:١٧). كما أنه كان بمثابة نبوة عن الطعام والشراب الروحيين اللذين نتناولهما على مائدة الرب (كورنثوس الأولى ٢٣:١١-٢٦).
- كانت لدى إسرائيل نسخ قديمة لإثنين من الأسرار المقدسة المسيحية التي نمارسهما حتى يومنا هذا: المعمودية والعشاء الرباني. وقد استُخدمت كلمة ’سر مقدس‘ لتَصِف يمين الولاء الذي يقسمه جنود الفيلق الروماني أمام إمبراطورهم. وقد اعتبر المسيحيون الأوائل أن العشاء الرباني والمعمودية هم بمثابة “يمين الولاء” ليسوع المسيح.
- لأَنَّهُمْ كَانُوا يَشْرَبُونَ مِنْ صَخْرَةٍ رُوحِيَّةٍ تَابِعَتِهِمْ، وَالصَّخْرَةُ كَانَتِ الْمَسِيحَ: حتى شعب إسرائيل كان يتمتع بحضور يسوع المسيح معهم في البرية! فعندما يتحدث بولس هنا عن الصخرة التي تَابِعَتِهِم، فهو يشير إلى التقليد اليهودي الذي يقول أن شعب إسرائيل تزودوا بالماء من صخرة واحدة تَابِعَتِهِمْ طوال مدة سيرهم في البرية. ويناقش بعض علماء الكتاب المقدس اليوم ما إذا كانت الصَّخْرَةُ ذاتها تابعت إسرائيل أم أن الماء فقط هو الذي تابعهم، كما هو الحال مع جداول المياه. وفي كلتا الحالتين إنها نفس الفكرة، وهي أن يسوع المسيح كان حاضرًا مع إسرائيل في البرية يزودهم باحتياجاتهم بطرق معجزية. يا لها من بركة وامتياز!
- لكِنْ بِأَكْثَرِهِمْ لَمْ يُسَرَّ اللهُ: على الرغم من كل هذه البركات والامتيازات الروحية، إلا أن الله لم يُسر بشعب إسرائيل وهُم لم يكونوا ممتنين له أثناء سيرهم في البرية.
- بِأَكْثَرِهِمْ: هذا تصريح شديد اللهجة. فلم يدخل أرض الموعد من الجيل الذي غادر مصر، إلا رجلان فقط، هم كالب ويشوع. بِأَكْثَرِهِمْ فعلًا!
- لأَنَّهُمْ طُرِحُوا فِي الْقَفْرِ: كان استياء الله من بني إسرائيل واضحًا لأنهم لم يدخلوا أرض الموعد أبدًا بل ماتوا في البرية. وعلى الرغم من كل بركاتهم وتجاربهم الروحية، إلا أنهم لم يحصلوا على ما أعده الله من أجلهم.
- بِأَكْثَرِهِمْ لَمْ يُسَرَّ اللهُ: ربما كان مؤمنو كورنثوس يتمتعون بكل أنواع الحريات (مثل تناول الطعام في الهياكل الوثنية مُعثرين إخوتهم)، معتقدين أنهم كانوا “آمنين” بسبب البركات والاختبارات الروحية الماضية، خاصة المعمودية وتناول العشاء الرباني. لذلك يُنذرهم بولس، لأنه كما بارك الله إسرائيل باختبارات روحية، ومع ذلك هلكوا، وهكذا ربما يحدث مع بعض مؤمني كورنثوس أيضًا!
- “يبدو كما لو أن أهل كورنثوس قد افترضوا أن مشاركتهم في طقوس الإنجيل، مثل المعمودية وتناول العشاء الرباني، ستضمن خلاصهم، لهذا اشتركوا في الأعياد الوثنية بما أنه ليس وثن حقيقي في العالم.” كلارك (Clarke)
ب) الآيات (٦-١٠): تجنب مثال إسرائيل السيئ.
٦وَهذِهِ الأُمُورُ حَدَثَتْ مِثَالاً لَنَا، حَتَّى لاَ نَكُونَ نَحْنُ مُشْتَهِينَ شُرُورًا كَمَا اشْتَهَى أُولئِكَ. ٧فَلاَ تَكُونُوا عَبَدَةَ أَوْثَانٍ كَمَا كَانَ أُنَاسٌ مِنْهُمْ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «جَلَسَ الشَّعْبُ لِلأَكْلِ وَالشُّرْبِ، ثُمَّ قَامُوا لِلَّعِبِ». ٨وَلاَ نَزْنِ كَمَا زَنَى أُنَاسٌ مِنْهُمْ، فَسَقَطَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ ثَلاَثَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا. ٩وَلاَ نُجَرِّبِ الْمَسِيحَ كَمَا جَرَّبَ أَيْضًا أُنَاسٌ مِنْهُمْ، فَأَهْلَكَتْهُمُ الْحَيَّاتُ. ١٠وَلاَ تَتَذَمَّرُوا كَمَا تَذَمَّرَ أَيْضًا أُنَاسٌ مِنْهُمْ، فَأَهْلَكَهُمُ الْمُهْلِكُ.
- وَهذِهِ الأُمُورُ حَدَثَتْ مِثَالًا لَنَا: يجب أن نتعلم من فشل الشعب في البرية، لكن كيف فشل شعب إسرائيل؟
- حَتَّى لاَ نَكُونَ نَحْنُ مُشْتَهِينَ شُرُورًا كَمَا اشْتَهَى أُولئِكَ: لقد فشلوا في التصدي لشهواتهم، وبالتالي يجب علينا ألا نشتهي شرورًا كَمَا اشْتَهَى أُولئِكَ. فلم يقدر مؤمنو كورنثوس، الذين أصروا على أكل اللحم الذي ذُبح للأوثان وعثروا آخرين، أن يقولوا “لا” لشهواتهم. لقد اعتبروا أن أكل اللحم شيء جيد أو أنه صفقة رابحة. محبتهم لإخوتهم لم تقمع هذه الشهوة.
- لاَ تَكُونُوا عَبَدَةَ أَوْثَانٍ كَمَا كَانَ أُنَاسٌ مِنْهُمْ: فشل شعب إسرائيل في التركيز على الله، ووهبوا أنفسهم للأوثان (كما في سفر الخروج ١:٣٢-٦ وسفر العدد ١:٢٥-٣). بعض مؤمني كورنثوس لم يقتربوا فقط من الأوثان بل جعلوا من “عِلمهم” و “حقوقهم” أوثانًا.
- وَلاَ نَزْنِ كَمَا زَنَى أُنَاسٌ مِنْهُمْ: استسلم إسرائيل في وثنيته لإغراء الزنا. وتعبير قَامُوا لِلَّعِبِ (المقتبسة من خروج ٦:٣٢) هو طريقة سائغة للإشارة إلى الزنا الفادح بين شعب إسرائيل. ونحن نعلم أن مؤمنو كورنثوس كانوا يعانون من مشكلة الزنا (كورنثوس الأولى ١٨:٦-٢٠)، والسياق هنا يشير إلى أنه مرتبط برغبتهم الأنانية في إرضاء ذواتهم بإصرارهم على “حقهم” في تناول اللحم الذي ذُبح للأوثان.
- “إن الفعل الذي تُرجم ’لَعِبِ‘ يشير إلى ممارسة الجنس في اللغة العبرية… وبالتالي، ربما نفهم أنه يشير إلى العربدة في حفلات السُكر.” كول (Cole) في تفسيره لسفر الخروج.
- فَسَقَطَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ ثَلاَثَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا: يُمثل هذا العدد بعض الصعوبة. فالاقتباس هنا من خروج ٦:٣٢، أما خروج ٢٨:٣٢ فيخبرنا عن سقوط ثلاثة آلاف رجل في ذلك اليوم. ربما مات عدد أكبر لم يسجله الكتاب المقدس أو ربما مات عشرون ألف إمرأة في أعقاب حادثة العجل الذهبي، أو يعتقد البعض أن بولس كان يتكلم عن حادثة لاحقة زنا فيها شعب إسرائيل ( عدد ٩:٢٥). وفي مقطع سفر العدد قيل لنا أن ٢٤٠٠٠ قد ماتوا بسبب قضاء الله، ولكن ربما مات ٢٣٠٠٠ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ.
- “إن الكتاب المقدس كتاب رائع، كُتِب على فترات متباعدة على مدار ١٥٠٠ عام، رغم محاولة استخدام مثل هذه المقاطع التي تُظهر عدم دقة للطعن في كونه معصومًا!” هودج (Hodge)
- وَلاَ نُجَرِّبِ الْمَسِيحَ كَمَا جَرَّبَ أَيْضًا أُنَاسٌ مِنْهُمْ، فَأَهْلَكَتْهُمُ الْحَيَّاتُ. وَلاَ تَتَذَمَّرُوا: يصف سفر العدد ٤:٢١-٩ الحادثة التي أرسل فيها الله على الشعب الحيّات المُحرقة ردًا على شكواهم. ومرة أخرى، تُظهر قلوبهم المتذمرة أنهم يركزون على ذواتهم ويهتمون برغباتهم أكثر من اهتمامهم بمجد الله. وهذه هي نفس الأمور التي تسببت في مشاكل مؤمني كورنثوس الذين لم يتنازلوا عن حقهم في أكل اللحم الذي ذُبح للأوثان من أجل اخوتهم.
- فَأَهْلَكَهُمُ الْمُهْلِكُ: يبدو من التحذير الذي ورد في كورنثوس الأولى ١:١٠-٥، أن مؤمني كورنثوس كانوا يعتقدون أنهم “آمنون” من خطر الهلاك (مثلما هلك إسرائيل) بسبب اختباراتهم وانجازاتهم الروحية السابقة. ولكن تحذير بولس لهم يقول: “إن كان ذلك قد حدث لإسرائيل، فقد يحدث لكم أيضًا، لذلك كونوا يقظين.”
- يبدو أن مؤمني كورنثوس كانوا يرون أن مسألة أكل اللحم الذي ذُبح للأوثان، وبالتالي تعثر اخوهم، هي مسألة “بسيطة.” لذا يريد بولس منهم ومنا أن نعرف أن هذه المسألة تعكس قلبًا أنانيًا يركز على ذاته، وهو نوع القلب الذي حطمه الله بين بني إسرائيل في البرية. قد يكون عَرضًا صغيرًا نسبيًا، لكنه يُخفي وراءه مرض خطير.
ج ) الآيات (١١-١٣): ملخص الدرس المُستفاد من تاريخ إسرائيل: الصمود أمام التجارب.
١١فَهذِهِ الأُمُورُ جَمِيعُهَا أَصَابَتْهُمْ مِثَالاً، وَكُتِبَتْ لإِنْذَارِنَا نَحْنُ الَّذِينَ انْتَهَتْ إِلَيْنَا أَوَاخِرُ الدُّهُورِ. ١٢إِذًا مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ قَائِمٌ، فَلْيَنْظُرْ أَنْ لاَ يَسْقُطَ. ١٣لَمْ تُصِبْكُمْ تَجْرِبَةٌ إِلاَّ بَشَرِيَّةٌ. وَلكِنَّ اللهَ أَمِينٌ، الَّذِي لاَ يَدَعُكُمْ تُجَرَّبُونَ فَوْقَ مَا تَسْتَطِيعُونَ، بَلْ سَيَجْعَلُ مَعَ التَّجْرِبَةِ أَيْضًا الْمَنْفَذَ، لِتَسْتَطِيعُوا أَنْ تَحْتَمِلُوا.
- فَهذِهِ الأُمُورُ جَمِيعُهَا أَصَابَتْهُمْ مِثَالًا: بما أننا أولئك الَّذِينَ انْتَهَتْ إِلَيْنَا أَوَاخِرُ الدُّهُورِ، لدينا مسؤولية أكبر لأننا نستطيع أن نتعلم من أخطاء إسرائيل.
- إِذًا مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ قَائِمٌ، فَلْيَنْظُرْ أَنْ لاَ يَسْقُطَ: لكي يقاوم مؤمنو كورنثوس تجربة الأنانية والتركيز على الذات يجب عليهم أولًا أن يفهموا أنهم ضعفاء. مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ قَائِمٌ لن يبق يقظًا أمام التجربة، وقد يَسْقُط بسهولة.
- تشبه التجارب صخور الميناء؛ عندما يكون المد والجزر منخفضًا يرى الجميع الخطر ويتجنبونه. ولكن خطة الشيطان في التجارب هي رفع المد والجزر وتغطية مخاطر التجربة حتى يجعلك تصطدم بالصخور الغير ظاهرة.
- “أعظم قديس تحت السماء لن يستطيع أن يقف إلا باعتماده على الله وباستمراره في الطاعة بالإيمان. ومن يتوقف عن فعل ذلك سيقع في الخطية وسيكون مُظلِم الفِكر وغليظ القلب.” كلارك (Clarke)
- لَمْ تُصِبْكُمْ تَجْرِبَةٌ إِلاَّ بَشَرِيَّةٌ: غالبًا ما نرغب في تبرير ظروف تجاربنا باعتبارها “فريدة واستثنائية،” لكن الله يذكرنا بأن تجربتنا ليست فريدة، فقد واجه العديد من رجال ونساء الله نفس التجربة أو ما شابهها، ولكنهم استطاعوا التَغلُب عليها بقوة الله.
- وجد آخرون، مِمن أتوا قبلك، قوةً في الرب للتغلب على نفس تجربتك – بل وعلى الأسوأ منها. لذلك أنت تستطيع أن تكون منتصرًا، لكن بقوة يسوع وليس بقوتك الخاصة. نحن نحارب التجربة بقوة يسوع، مثل الفتاة التي شرحت ما فعلته عندما أتى الشيطان بالتجربة إلى باب قلبها قائلة: “أُرسل يسوع ليفتح الباب، وعندما يرى الشيطان يسوع، يقول: عفواً، آسف، لا بد أنني طرقت الباب الخطأ”.
- اللهَ أَمِينٌ، الَّذِي لاَ يَدَعُكُمْ تُجَرَّبُونَ فَوْقَ مَا تَسْتَطِيعُونَ: لقد وعد الله بمراقبة كل التجارب التي تأتينا من العالم أو الجسد أو الشيطان. إنه يعد بوضع حد لها وفقًا لقوة تحملنا، بينما نتكل نحن عليه وليس على أنفسنا.
- يستطيع الشيطان أن يدمرنا في دقيقة واحدة إذا سمح له الله بذلك، كما أراد أن يدمر أيوب (أيوب ٦:١-١٢) وبطرس (لوقا ٢٢:٣١)، لكن الله لن يسمح له بذلك. مثل الأم التي تبقي طفلها بعيدًا عن قسم بيع الحلوى في المتجر لأنها تعلم أن الطفل لن يستطيع أن يتعامل مع هذه التجربة، هكذا يبقينا الله بعيدًا عن الأشياء التي لن نستطيع أن نتعامل معها. ولكن ما يمكننا وما لا يمكننا التعامل معه يتغير عبر السنين.
- سَيَجْعَلُ مَعَ التَّجْرِبَةِ أَيْضًا الْمَنْفَذَ: لقد وعد الله ليس فقط بوضع حد لتجاربنا، بل أيضًا بتوفير مَنْفَذَ وقت التجارب. لن يجبرنا الله أبدًا على استخدام الْمَنْفَذَ، لكنه سيجعله مُتاحًا لنا، ثم يترك الأمر لاختيارنا الشخصي في أن نتخذه أم لا.
- الْمَنْفَذَ ليس هو مُجرد “الراحة” من ضغط التجربة، والتي قد يجدها البعض في استسلامهم للتجربة! فغالبًا ما يوجد طريق خطأ للراحة من التجربة، لكن هذا سيجعلنا نواجه نفس التجارب مرارًا وتكرارًا إلى أن نُظهر للشيطان ولجسدنا أننا نستطيع أن نتحملها.
- يقول باركلي (Barclay) إن كلمة “مَنْفَذَ” تعني في الحقيقة ممر جبلي، بمعنى أن يكون جيش مُحاط بالعدو ثم يرى فجأة طريق للهروب إلى مكان آمن. ليس بالضرورة أن يكون هذا الممر الجبلي، أي المَنْفَذَ، طريقًا سهلًا.
- سَيَجْعَلُ الْمَنْفَذَ: لا يقودنا الْمَنْفَذَ إلى مكان نهرب فيه من كل التجارب (فذلك لن يتحقق إلا في السماء)، بل سيقودنا إلى مكان نستطيع فيه أن نتحمل التجارب.
- نتذكر هنا بأن تعرُضنا للتجربة ليس خطية، بل التمتع بها أو الاستسلام لها هو خطية. فعندما نحتمل التجربة، كثيرًا ما يديننا الشيطان بسبب تعرضنا للتجربة، لكنها إدانة لا يجب على المؤمن قبولها.
- كان صبي صغير يقف في السوق داخل متجر لبيع الحلوى، وبدا وكأنه سوف يضع البعض منها في جيبه ثم يسير خارج الباب. استمر أحد البائعين في مراقبته لمدة طويلة، وفي النهاية تحدث إليه قائلًا: “يبدو أنك تحاول أخذ بعض الحلوى.” فرد الصبي قائلًا: “أنت لست على صواب يا سيدي. بل أنا أحاول ألا آخذها.” حتى هذه اللحظة، كان الصبي قادرًا على تحمل التجربة.
ثانيًا. عودةً إلى مسألة تناول اللحم الذي ذُبح للأوثان: ماذا عن الأكل في مطعم الهيكل الوثني؟
أ ) الآية (١٤): المبدأ المنصوص عليه: اهْرُبُوا مِنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ.
١٤لِذلِكَ يَا أَحِبَّائِي اهْرُبُوا مِنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ.
- لِذلِكَ يَا أَحِبَّائِي اهْرُبُوا مِنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ: توجد أداة التعريف (الـ) قبل كلمة أوثان في اللغة الأصلية، لذا فإن بولس يشير بصفة خاصة إلى عبادة الأوثان في الهياكل الوثنية.
- اهْرُبُوا مِنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ: على الرغم من أن مؤمني كورنثوس لديهم الحرية في شراء اللحم من (الْمَلْحَمَةِ) جِزارة الهيكل الوثني وإعداده في منازلهم، إلا أنه ينبغي عليهم الهروب من عبادة الأوثان التي تتعلق بمطعم الهيكل الوثني. باستخدام مثال إسرائيل، وسقوطهم في الوثنية، يطلب بولس من مؤمني كورنثوس ألا يشتركوا في تناول العشاء المقدم في الهيكل الوثني.
ب) الآيات (١٥-٢٢): سبب ذلك: إن ما يجري بالهيكل الوثني ليس بريئًا كما قد يبدو.
١٥أَقُولُ كَمَا لِلْحُكَمَاءِ: احْكُمُوا أَنْتُمْ فِي مَا أَقُولُ. ١٦كَأْسُ الْبَرَكَةِ الَّتِي نُبَارِكُهَا، أَلَيْسَتْ هِيَ شَرِكَةَ دَمِ الْمَسِيحِ؟ الْخُبْزُ الَّذِي نَكْسِرُهُ، أَلَيْسَ هُوَ شَرِكَةَ جَسَدِ الْمَسِيحِ؟ ١٧فَإِنَّنَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ خُبْزٌ وَاحِدٌ، جَسَدٌ وَاحِدٌ، لأَنَّنَا جَمِيعَنَا نَشْتَرِكُ فِي الْخُبْزِ الْوَاحِدِ. ١٨انْظُرُوا إِسْرَائِيلَ حَسَبَ الْجَسَدِ. أَلَيْسَ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الذَّبَائِحَ هُمْ شُرَكَاءَ الْمَذْبَحِ؟ ١٩فَمَاذَا أَقُولُ؟ أَإِنَّ الْوَثَنَ شَيْءٌ، أَوْ إِنَّ مَا ذُبحَ لِلْوَثَنِ شَيْءٌ؟ ٢٠بَلْ إِنَّ مَا يَذْبَحُهُ الأُمَمُ فَإِنَّمَا يَذْبَحُونَهُ لِلشَّيَاطِينِ، لاَ للهِ. فَلَسْتُ أُرِيدُ أَنْ تَكُونُوا أَنْتُمْ شُرَكَاءَ الشَّيَاطِينِ. ٢١لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَشْرَبُوا كَأْسَ الرَّبِّ وَكَأْسَ شَيَاطِينَ. لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَشْتَرِكُوا فِي مَائِدَةِ الرَّبِّ وَفِي مَائِدَةِ شَيَاطِينَ. ٢٢أَمْ نُغِيرُ الرَّبَّ؟ أَلَعَلَّنَا أَقْوَى مِنْهُ؟
- أَقُولُ كَمَا لِلْحُكَمَاءِ: بما أن مؤمني كورنثوس كانوا يميلون إلى الافتخار “بحكمتهم” فإن بولس يتحداهم – إذا كانوا حكماء فعلًا – أن يفكروا بعناية فيما يقوله هنا.
- كَأْسُ الْبَرَكَةِ… أَلَيْسَ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الذَّبَائِحَ هُمْ شُرَكَاءَ الْمَذْبَحِ؟ ربما يبدو قصد بولس غامضًا بالنسبة لنا، لكنه كان واضحًا لمن كان في تلك الثقافة القديمة. مثلما تدُل ممارسة العشاء الرباني على الوحدة والشرِكة مع يسوع، هكذا تدل هذه المآدب الوثنية المقدمة على شرف الأوثان على الوحدة مع الشياطين الذين استغلوا هذه العبادة المُضللة. بمعنى أنه إذا أكل الشخص على مائدة الهيكل، فهو شريك في مذبح الأوثان.
- كلمة شُرَكَاءَ هي نفس كلمة (koinonia) المستخدمة لكلمة شرِكة في كورنثوس الأولى ١٦:١٠ وشراكة في كورنثوس الأولى ٢٠:١٠.
- في العالم القديم، كان الأكل على نفس المائدة مع شخص ما هو دليل على الصداقة والشرِكة معه. بما أنكم أكلتم خبزًا واحدًا، هكذا أصبحتم جسدًا واحدًا، لأنكم قد اشتركتم في نفس الطعام على نفس المائدة. لذا فإن الأكل على مائدة في مطعم الهيكل الوثني لم يكن بريئا كما يبدو.
- كانت كأس البركة هي آخر كأس تُقَدَم في حفل عيد الفصح؛ وقد كانت هي الكأس التي باركها يسوع في العشاء الأخير، والتي تم تفسيرها بأنها “كأس العهد الجديد بدمي.” فعندما كان المسيحيون الأوائل يمارسون العشاء الرباني، كانوا مُدركين لصلته بعيد الفصح وبالعشاء الأخير الذي مارسه يسوع مع تلاميذه.
- فَمَاذَا أَقُولُ؟ أَإِنَّ الْوَثَنَ شَيْءٌ، أَوْ إِنَّ مَا ذُبحَ لِلْوَثَنِ شَيْءٌ؟ … فَإِنَّمَا يَذْبَحُونَهُ لِلشَّيَاطِينِ: لقد سبق لبولس واعترف أنه لا يوجد وثنٌ حقيقي في العالم (كورنثوس الأولى ٤:٨). فهل يقول الآن أن الأوثان هي في الواقع شياطين؟ لا، لكنه يقول إن الأرواح الشيطانية تستغل عبادة الأوثان لخداع واستعباد الناس. لذا فإن عبدة الأوثان، دون أن يدروا، يمجدون الشياطين في ذبائحهم.
- لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَشْتَرِكُوا فِي مَائِدَةِ الرَّبِّ وَفِي مَائِدَةِ شَيَاطِينَ: عندما يستخدم بولس مصطلح مائدة الرب، فهو يضعها في مقارنة مع “الموائد” المستخدمة في تقديم طعام الأوثان. تقول دعوة أُرسِلت قديمًا لحضور مثل هذه الوجبات ما يلي: “تشيرمون Chairemon يدعوك لتناول وجبة على مائدة الإله سيرابيس Serapis في هيكل سيرابيس Serapis غداً الخامس عشر، من التاسعة صباحًا فصاعدًا.” فإن كان تناول الطعام على مائدة الرب يُعني شيئًا، فبالتالي تناول الطعام على مائدة الشياطين يُعني شيء أيضًا.
- استخدم الروم الكاثوليك هذه الفقرة لدعم فكرةأن القداس هو ذبيحة من أجل غفران الخطايا. لكنه من المُبالغة أن يُقال هنا أن الوجبة المسيحية (العشاء الرباني) هي ذبيحة (كما يُزعم في القداس) لأنها تُقارن بالوجبة المُرتبطة بالذبائح الوثنية والذبائح اليهودية. فالتركيز والتشابه يتعلق بالوجبة، وليس الذبيحة.
- قد يكون لدى أهل كورنثوس فكرتان يريد بولس الرد عليهما:
- فكر مؤمنو كورنثوس قائلين: “نظرًا لأن الوثن ليس حقيقيًا، فلا يهم ما نأكله، ولا يهم أين نأكله.” يرد بولس بموافقته على أن الوثن ليس في حد ذاته شيئًا (كورنثوس الأولى ٤:٨)، ولكنه يوضح الآن أن الشياطين تستغل عبادة الإنسان الجاهلة التي تخدم الذات.
- فكر مؤمنو كورنثوس قائلين: “طالما نشارك في مائدة الرب، فنحن بأمان في المسيح.” يرد بولس بأنهم يهينون مائدة الرب عندما يشتركون مع الأوثان.
- أَمْ نُغِيرُ الرَّبَّ؟: إن الشركة غير المقصودة لبعض مؤمني كورنثوس مع الشياطين، من خلال المشاركة في تناول الطعام في الهياكل الوثنية، سوف تثير غيرة الرب. الله له الحق في كل عبادتنا، وله الحق في أن يشعر بالإهانة بسبب شركتنا مع الشياطين.
- لا يهم أن مؤمني كورنثوس لم يعتزموا عبادة الشياطين في هذه الأعياد الوثنية في هياكل الأوثان. إذا وضع رجل يده في النار، فلا يهم إذا كان يعتزم حرق نفسه أم لا، فهو في كلا الحالتين سوف يحترق.
- إذا قام رجل بمواعدة امرأة، وكانا جادين في علاقتهما، فماذا سيحدث إذا أقام الرجل نفس العلاقة مع امرأة أخرى؟ كيف ستفكر المرأة الأولى؟ لا يستطيع الرجل أن يقول ببساطة، “أنا ما زلت أهتم بك!”
- أَلَعَلَّنَا أَقْوَى مِنْهُ؟ طالب مؤمنو كورنثوس بحقهم في تناول الطعام في هياكل الأوثان لأنهم أقوياء في إيمانهم، لكن هل هم أقوى من الله؟
ثالثًا. العودة إلى مسألة تناول اللحم الذي ذُبح للأوثان: ماذا عن تناول نفس اللحم في مكان آخر؟
أ ) الآيات (٢٣-٢٤): مبدأ للبناء عليه: لا تتجنب فقط ما هو ضار، بل اتبع ما هو صالح.
٢٣«كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي»، لكِنْ لَيْسَ كُلُّ الأَشْيَاءِ تُوَافِقُ. «كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي»، وَلكِنْ لَيْسَ كُلُّ الأَشْيَاءِ تَبْنِي. ٢٤لاَ يَطْلُبْ أَحَدٌ مَا هُوَ لِنَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مَا هُوَ لِلآخَرِ.
- كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي، لكِنْ لَيْسَ كُلُّ الأَشْيَاءِ تُوَافِقُ: ركز مؤمنو كورنثوس على “حقوقهم” و”عِلمهم” ثم طرحوا سؤالًا واحدًا فقط: “كيف سيضرني هذا؟” لكن بدلًا من طرحهم لهذا السؤال كان عليهم أن يسألوا: “ما فائدة هذا بالنسبة لي؟”
- مجرد أن الشيء مسموح به لا يعني أنه مفيد. لم يبحث أهل كورنثوس عن الأشياء التي توافق أو الأشياء التي تبني. وبدلاً من الرغبة في المضي قدمًا مع يسوع، أرادوا أن يعرفوا مدى قدرتهم على الإفلات من الحساب مع بقاءهم مؤمنين. وهذا هو النهج الخاطئ!
- لاَ يَطْلُبْ أَحَدٌ مَا هُوَ لِنَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مَا هُوَ لِلآخَرِ: طرح مؤمني كورنثوس السؤال: “كيف سيضرني هذا”، ولكنهم لم يفكروا في كيف ألحقوا هم الضرر بالآخرين.
- مجرد أن شيئًا ما صالح بالنسبة لي لا يعني أنه ينبغي عليَّ فعله. و”حقوقي” أو ما هو مسموح لي ليست هي المعايير التي أحكم بها على سلوكي. فينبغي أن أفكر في فعل الشيء الذي يدل على المحبة تجاه اخوتي واخواتي في المسيح.
ب) الآيات (٢٥-٣٠): ارشادات عملية
٢٥كُلُّ مَا يُبَاعُ فِي الْمَلْحَمَةِ كُلُوهُ غَيْرَ فَاحِصِينَ عَنْ شَيْءٍ، مِنْ أَجْلِ الضَّمِيرِ، ٢٦لأَنَّ «لِلرَّبِّ الأَرْضَ وَمِلأَهَا». ٢٧وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ يَدْعُوكُمْ، وَتُرِيدُونَ أَنْ تَذْهَبُوا، فَكُلُّ مَا يُقَدَّمُ لَكُمْ كُلُوا مِنْهُ غَيْرَ فَاحِصِينَ، مِنْ أَجْلِ الضَّمِيرِ. ٢٨وَلكِنْ إِنْ قَالَ لَكُمْ أَحَدٌ: «هذَا مَذْبُوحٌ لِوَثَنٍ» فَلاَ تَأْكُلُوا مِنْ أَجْلِ ذَاكَ الَّذِي أَعْلَمَكُمْ، وَالضَّمِيرِ. لأَنَّ «لِلرَّبِّ الأَرْضَ وَمِلأَهَا» ٢٩أَقُولُ «الضَّمِيرُ»، لَيْسَ ضَمِيرَكَ أَنْتَ، بَلْ ضَمِيرُ الآخَرِ. لأَنَّهُ لِمَاذَا يُحْكَمُ فِي حُرِّيَّتِي مِنْ ضَمِيرِ آخَرَ؟ ٣٠فَإِنْ كُنْتُ أَنَا أَتَنَاوَلُ بِشُكْرٍ، فَلِمَاذَا يُفْتَرَى عَلَيَّ لأَجْلِ مَا أَشْكُرُ عَلَيْهِ؟
- كُلُّ مَا يُبَاعُ فِي الْمَلْحَمَةِ: كيف يمكن لبولس أن يقول هذا في ضوء ما قاله في كورنثوس الأولى ٢٠:١٠-٢١ (إن ما يذبحه الأمم فإنما يذبحونه للشياطين… فلست أريد أن تكونوا أنتم شُركاء الشياطين… لا تقدرون أن تشتركوا في مائدة الرب وفي مائدة شياطين)؟ ببساطة لأن اللحم نفسه “لم يفسده الشياطين” وبالتالي يمكن أكله. إن تحذيرات بولس في كورنثوس الأولى ١٥:١٠-٢٢ تتعلق بجو الشَرِكة مع الشياطين في الهيكل الوثني، وهذا ما يجب تجنبه وليس الطعام ذاته.
- تفقِد الذبائح طابعها الديني عند بيعها في الملحمة، لذا كان يُسمح بتناول اللحم الذي ذُبح لوثن على مائدة خاصة.
- غَيْرَ فَاحِصِينَ عَنْ شَيْءٍ: في الملحمة، يكون بعض اللحم قد ذُبح للأوثان، والبعض الآخر ليس كذلك. يقول بولس “إذا كنت لن تشارك في جو الهيكل الوثني، فإن اللحم نفسه لا يهم. لا تسأل، فهذا الأمر لن يزعجك حتى.”
- هذا الكلام موجه إلى مؤمني كورنثوس الذين على علم بالوثن وضميرهم، إذ هو ضعيف، يتنجس (كورنثوس الأولى ٧:٨)، فيقول بولس “لا تسأل حتى!”
- ماذا لو اعترض أحد الإخوة ذو ضمير ضعيف قائلاً: “انتظر لحظة! هذا مذبوح لوثن؟” يجيبه بولس بالاقتباس من مزمور ١:٢٤ “للرب الأرض وملأها.” كانت البقرة تنتمي إلى الرب عندما كانت تقف على حافرها، وهي الآن تنتمي إلى الرب وهي على الشواء! لم يكن الطعام هو القضية، بل جو عبادة الوثن.
- كان يُستخدم هذا الاقتباس من مزمور ١:٢٤ كصلاة بركة عند تناول وجبات الطعام. ويقول بولس أنها تنطبق على هذا الطعام أيضًا.
- وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ يَدْعُوكُمْ… فَكُلُّ مَا يُقَدَّمُ لَكُمْ: إذا دعاك غير مؤمن لتناول العشاء، فلا تدخل معه في جدال حول اللحم. لا تسأل.
- لاحظ أن بولس لا يحظر التواصل الاجتماعي مع غير المؤمنين، لكنه يحظر تناول لحم الشَرِكة في الهياكل الوثنية.
- وَلكِنْ إِنْ قَالَ لَكُمْ أَحَدٌ: «هذَا مَذْبُوحٌ لِوَثَنٍ» فَلاَ تَأْكُلُوا: يقول بولس أنه في حال حذر المضيف غير المؤمن أو المضيف المؤمن ذو الضمير الضعيف من الطعام المقدم، فإن على المؤمن ألا يشترك في أكل اللحم الذي ذُبح للأوثان من أجل الضمير، لَيْسَ ضَمِيرَكَ أَنْتَ، بَلْ ضَمِيرُ الآخَرِ.
- فَإِنْ كُنْتُ أَنَا أَتَنَاوَلُ بِشُكْرٍ: أي إذا كان بإمكاني تناول الطعام بضمير مُستريح ودون إيذاء ضمير أي شخص آخر – فَلِمَاذَا يُفْتَرَى عَلَيَّ؟ نظرًا لأن الطعام في حد ذاته ليس هو المشكلة، فلا ينبغي لأحد أن يحكم على مؤمن آخر يأكل اللحم الذي ذُبح للأوثان، طالما أنه لا يُدنس ضميره أو ضمير أي شخص آخر.
- قد يبدو أن بولس متناقض، لكنه ليس كذلك، بل هو ثابت جدًا على مبدأ واحد: الحرية في حدود المحبة.
ج ) الآيات (٣١-٣٣): مبدأ ختامي: افْعَلُوا كُلَّ شَيْءٍ لِمَجْدِ اللهِ.
٣١فَإِذَا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ أَوْ تَشْرَبُونَ أَوْ تَفْعَلُونَ شَيْئًا، فَافْعَلُوا كُلَّ شَيْءٍ لِمَجْدِ اللهِ. ٣٢كُونُوا بِلاَ عَثْرَةٍ لِلْيَهُودِ وَلِلْيُونَانِيِّينَ وَلِكَنِيسَةِ اللهِ. ٣٣كَمَا أَنَا أَيْضًا أُرْضِي الْجَمِيعَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، غَيْرَ طَالِبٍ مَا يُوَافِقُ نَفْسِي، بَلِ الْكَثِيرِينَ، لِكَيْ يَخْلُصُوا.
- افْعَلُوا كُلَّ شَيْءٍ لِمَجْدِ اللهِ: الغرض من حياتنا ليس أن نرى مقدار ما يمكننا أن نفلت به كمؤمنين؛ بل الغرض هو تمجيد الله. فلو تمسك مؤمن كورنثوس بهذا المبدأ منذ البداية، لكانت الأمور أسهل كثيرًا!
- كُونُوا بِلاَ عَثْرَةٍ: العَثْرَةٍ هي التَصرف الذي يقود شخص آخر نحو الخطية. يقول بولس لا يجب أن يُشجع سلوكنا الآخرين على الخطية.
- لا يتحدث بولس عن انتهاك التَمسك الشكلي بالناموس، وهو أمر لم يخجل من فعله ( غلاطية ١١:٥-١٢).
- كانت رغبة بولس فيما يتعلق بالناس هي أن يَخْلُصُوا. ففي أحيان كثيرة يرتبط السلوك المتدني في الحياة المسيحية بعدم الاهتمام بالنفوس الضائعة. لم يكن بولس يطلب مَا يُوَافِقُ (نَفْسه) بل كان يريد أن يخلص الجميع.