رسالة كورنثوس الأولى – الإصحاح ١٢
التنوع والوحدة في المواهب الروحية
أولاً. الروح القدس هو مصدر المواهب
أ ) الآيات (١-٣): مقدمة لموضوع الْمَوَاهِبِ الرُّوحِيَّةِ.
١وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْمَوَاهِبِ الرُّوحِيَّةِ أَيُّهَا الإِخْوَةُ، فَلَسْتُ أُرِيدُ أَنْ تَجْهَلُوا. ٢أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ أُمَمًا مُنْقَادِينَ إِلَى الأَوْثَانِ الْبُكْمِ، كَمَا كُنْتُمْ تُسَاقُونَ. ٣لِذلِكَ أُعَرِّفُكُمْ أَنْ لَيْسَ أَحَدٌ وَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِرُوحِ اللهِ يَقُولُ: «يَسُوعُ أَنَاثِيمَا». وَلَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَقُولَ: «يَسُوعُ رَبٌّ» إِلاَّ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ.
- أَمَّا مِنْ جِهَةِ الْمَوَاهِبِ الرُّوحِيَّةِ: أُضيفَت كلمة “الْمَوَاهِبِ” من قِبل المترجمين. حرفيًا، يتحدث بولس هنا عن الروحانيات، بعد مناقشة جميع الأمور الجسدية المتعلقة بكورنثوس. ولكن إضافة كلمة الْمَوَاهِبِ لها ما يبررها في السياق.
- يُعرِّف كلارك (Clarke) الْمَوَاهِبِ الرُّوحِيَّةِ بأنها “الهبات الكريمة التي تقود إلى نتائج معجزية… والتي تأتي جميعًا من خلال تأثيرات الروح القدس الرائع”.
- فَلَسْتُ أُرِيدُ أَنْ تَجْهَلُوا: إن هذا التذكير لمؤمني كورنثوس هو مهم بالنسبة لنا نحن أيضًا، فلا يصح لنا أن نجهل أمور تتعلق بالْمَوَاهِبِ الرُّوحِيَّةِ.
- يذكر بولس في رسائله ثلاثة أشياء لا يريد أن يجهلها المؤمنون:
- لا تجهل خطة الله لإسرائيل (رومية ٢٥:١١).
- لا تجهل المواهب الروحية (كورنثوس الأولى ١:١٢).
- لا تجهل المجيء الثاني ليسوع والحياة الأبدية (تسالونيكي الأولى ١٣:٤).
- للأسف، يجهل الكثير من المؤمنين هذه النقاط على وجه التحديد.
- يذكر بولس في رسائله ثلاثة أشياء لا يريد أن يجهلها المؤمنون:
- أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ أُمَمًا مُنْقَادِينَ إِلَى الأَوْثَانِ الْبُكْمِ: أراد بولس أن يلفت نظر مؤمنو كورنثوس إلى أن ماضيهم الوثني وخلفيتهم الأممية لم تُعِدَّهم لفهم دقيق للمواهب الروحية.
- ربما تسببت تعاليمنا وخبراتنا السابقة في تشويه أفكارنا عن الروح القدس ومواهبه. فمن السهل علينا أن نبني فهمنا للمواهب الروحية على أشياء مادية أو خرافية.
- لِذلِكَ أُعَرِّفُكُمْ أَنْ لَيْسَ أَحَدٌ وَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِرُوحِ اللهِ يَقُولُ: «يَسُوعُ أَنَاثِيمَا»: يضع بولس هنا مبدأً واسعاً لتمييز الأمور المتعلقة بالمواهب الروحية – أحكم على الأمور من خلال علاقتها بيسوع المسيح. فهل الموهبة المزعومة تُمجّده؟ هل تُعلِّي اسم يسوع الحقيقي أم يسوع مُزيّف؟
- لقد أوضح يسوع ذلك قائلاً إنه متى جاء الروح القدس فَهُوَ يَشْهَدُ لِي (يوحنا ٢٦:١٥) وذَاكَ يُمَجِّدُنِي، لأَنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ ( يوحنا ١٤:١٦). إن خدمة الروح القدس ليست تعزيز نفسه أو أي إنسان، بل تمجيد يسوع. لذلك، يمكننا أن نثق في أن خدمة الروح القدس الحقيقية ستكون وفقًا لطبيعة يسوع.
ب) الآيات (٤-٦): تنوع ووحدة المواهب.
٤فَأَنْوَاعُ مَوَاهِبَ مَوْجُودَةٌ، وَلكِنَّ الرُّوحَ وَاحِدٌ. ٥وَأَنْوَاعُ خِدَمٍ مَوْجُودَةٌ، وَلكِنَّ الرَّبَّ وَاحِدٌ. ٦وَأَنْوَاعُ أَعْمَال مَوْجُودَةٌ، وَلكِنَّ اللهَ وَاحِدٌ، الَّذِي يَعْمَلُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ.
- فَأَنْوَاعُ مَوَاهِبَ مَوْجُودَةٌ: يستمر بولس في سرد تسع مواهب روحية في الآيات التالية، كما أنه سيسرد المزيد في أماكن أخرى. فهناك بالفعل أنواع مختلفة من المواهب، لكن المانح هو واحد فقط.
- فَأَنْوَاعُ مَوَاهِبَ مَوْجُودَةٌ، وَلكِنَّ الرُّوحَ وَاحِدٌ: هناك أنواع مختلفة من المواهب، وأنواع مختلفة من الخدمات، وأنواع مختلفة من الأعمال. ولكن الرُّوحَ وَاحِد، والرَّبَّ وَاحِدٌ واللهَ وَاحِدٌ الذي يعمل من خلال المواهب والخِدم والأعمال.
- تتضمن الخِدم “رُتَب المواهب” الموجودة بالكنيسة؛ مثل الرُسُل والأنبياء والمُبشرين والرعاة المُعلمين، كما وصفها بولس في أفسس ٤. ففكرة بولس واضحة: رغم وجود رُتَب مختلفة، إلا أن الذي يوجه الخدمة هو واحد.
- الكلمة اليونانية لـ ’أَعْمَال‘ هي (energemata) والتي تأتي منها كلمات مثل: طاقة وحيوي، وهي تحمل معنى قوة نَشِطة معجزية. والأعمال هي نفس الكلمة التي تُستخدم في كورنثوس الأولى ١٠:١٢ (عَمَل قوات). فالأعمال المتنوعة تعني أن الله هو نفس الإله الذي يُظهر قوته المعجزية ويسكُبها بطرق مختلفة.
- مَوَاهِبَ، خِدَمٍ، أَعْمَال: ما هي الاختلافات بين المواهب والخِدم والأعمال وإِظْهَارُ الرُّوحِ (كورنثوس الأولى ٧:١٢)؟ كلها مواهب، لكن البعض منها خِدَم – أي رُتب أو وظائف في الكنيسة. والبعض الآخر أعمال – بمعنى أحداث معجزية أو سكب للروح في وقت ومكان معين (مثل إظهار الروح المذكور في (كورنثوس الأولى ٧:١٢).
- مَوَاهِبَ، خِدَمٍ، أَعْمَال: من السهل علينا أن نُركز على ما لدينا من المواهب أو الخِدم أو الأعمال ونعتقد أن أولئك الذين لديهم مواهب أو خِدم أو أعمال أخرى لا يسيرون أو يعملون حقًا مع الله. ولكن الله الواحد لديه تنوع رائع في طريقة عمله للأشياء. ويجب ألا نتوقع أبدًا أن يكون كل شيء وفقًا لما يروق لنا.
- الرُّوحَ، الرَّبَّ، اللهَ: تُعلن هذه الفقرة أيضًا عن الثالوث في تسلسل مثالي ودقيق بما يتفق مع العهد الجديد. فالمواهب هي عمل الروح القدس والرب يسوع والله الآب.
ج ) الآيات (٧-١١): تنوع إظهارات الروح.
٧وَلكِنَّهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ يُعْطَى إِظْهَارُ الرُّوحِ لِلْمَنْفَعَةِ. ٨فَإِنَّهُ لِوَاحِدٍ يُعْطَى بِالرُّوحِ كَلاَمُ حِكْمَةٍ، وَلآخَرَ كَلاَمُ عِلْمٍ بِحَسَبِ الرُّوحِ الْوَاحِدِ، ٩وَلآخَرَ إِيمَانٌ بِالرُّوحِ الْوَاحِدِ، وَلآخَرَ مَوَاهِبُ شِفَاءٍ بِالرُّوحِ الْوَاحِدِ. ١٠وَلآخَرَ عَمَلُ قُوَّاتٍ، وَلآخَرَ نُبُوَّةٌ، وَلآخَرَ تَمْيِيزُ الأَرْوَاحِ، وَلآخَرَ أَنْوَاعُ أَلْسِنَةٍ، وَلآخَرَ تَرْجَمَةُ أَلْسِنَةٍ. ١١وَلكِنَّ هذِهِ كُلَّهَا يَعْمَلُهَا الرُّوحُ الْوَاحِدُ بِعَيْنِهِ، قَاسِمًا لِكُلِّ وَاحِدٍ بِمُفْرَدِهِ، كَمَا يَشَاءُ.
- يُعْطَى إِظْهَارُ الرُّوحِ: الروح القدس حاضر دائمًا في المؤمنين. قال يسوع عن الروح القدس أنه يمكُث معكم إلى الأبد (يوحنا ١٦:١٤). ومع ذلك، فإن الروح القدس قد يختار أن يكون حضوره أكثر وضوحًا منه في أوقات أخرى.
- لكن يجب ألا نظن أبدًا أن الروح القدس يكون “أكثر” حضورًا من خلال المواهب. فالروح القدس حاضر دائمًا مع المؤمنين، لكنه في بعض الأحيان يُعْطَى إِظْهَارُ الرُّوح بصورة أوضح.
- يُعْطَى لِلْمَنْفَعَةِ: إن الغرض من إظهار الروح هو صالح أسرة الكنيسة بأكملها، وليس لفرد معين.
- إِظْهَارُ الرُّوحِ: بدأ بولس حديثه عن إِظْهَارات الرُّوحِ بذكر كَلاَمُ حِكْمَةٍ. أي القدرة الفريدة على التكلم بحكمة خاصة في المواقف الصعبة، كما حدث مع استفانوس (أعمال الرسل ٧) وبولس (أعمال الرسل ٢٣).
- كَلاَمُ عِلْمٍ: هو القدرة الفريدة على إعلان العلم الذي لا يمكن الكشف عنه إلا بطريقة فائقة للطبيعة، كما حدث مع يسوع (متى ٢٤:١٧-٢٧) أو مع بولس (أعمال الرسل ١٠:٢٧، ٢٣:٢٧-٢٦). نال تشارلز سبيرجن (Charles Spurgeon) الخلاص أثناء عظة وجهت إليه كشاب، فتكلم الواعظ بكلام مباشر ولمس احتياجات سبيرجن القلبية. هذا مثال آخر لكَلاَمُ العِلْمٍ.
- من الجيد أن نفهم الفرق بين كلام الحكمة وكلام العلم. فقد يكون لشخص علم عظيم، بل وربما علم فائق للطبيعة، ولكن ليس لديه حكمة من الله في تطبيق ذلك العلم.
- كذلك يجب أن يكون لدينا دائمًا التمييز عند تلقي كلام العلم، متذكرين أن الله ليس هو المصدر الوحيد للعلم الفائق للطبيعة. حتى لو كان الكلام صحيح، فهذا لا يعني أنه من الله وأن الشخص الذي يتحدث به يمثل الله حقًا.
- موهبة الإيمان: رغم أن الإيمان جزء أساسي من حياة كل مؤمن، إلا أن موهبة الإيمان هي القدرة الفريدة على الثقة بالله في كل الظروف، كما فعل بطرس عندما خرج من القارب إلى الماء (إنجيل متى ٢٢:١٤-٣٣). مثال عظيم آخر لموهبة الإيمان نجده في القائد المؤمن الصالح جورج مولر (George Mueller)، الذي زوَّد آلاف الأيتام في إنجلترا بالطعام في القرن التاسع عشر مستخدمًا الصلاة فقط دون أن يجمع أي تبرعات.
- مَوَاهِبُ شِفَاءٍ: هذه هي قوة الله للشفاء، سواء كانت ممنوحة أو مُستقبَلَة، وقد تم توثيقها مرارًا وتكرارًا في العهد الجديد ومنذ ذلك الحين.
- يُعلق آدم كلارك (Adam Clarke) على مَوَاهِبُ الشِفَاءٍ قائلًا: “إنها القوة التي استقبلها الرُسُل من الروح القدس في أوقات معينة لعلاج الأمراض؛ وهي قوة لم تكن ساكنة فيهم بشكلٍ دائم؛ لأن بولس لم يستطع أن يشفي تيموثاوس أو أن يزيل الشوكة التي في الجسد؛ لقد كانت تُعطى فقط في مناسبات غير عادية، على الرغم من أنها كانت تُمنح أكثر من المواهب الأخرى بشكلٍ عام.”
- عَمَلُ قُوَّاتٍ: تعني حرفيًا (Dynameis) أو “أعمال قوة” أي عندما يختار الروح القدس أن “يتجاوز” قوانين الطبيعة (كالطيار الذي قد يستخدم أدوات التحكم اليدوي)، عاملًا في أو من خلال شخص مُتاح.
- غالبًا ما تَعمَل مواهب الشفاء والقوات بالإشتراك مع موهبة الإيمان، كما في أعمال الرسل ١:٣-٨. لا تتم هذه الأمور بناءً على هوى الفرد، كما لو كانت القدرة على الشفاء أو عمل المعجزات تحت تصرفه الدائم، لكنها تَعمَل من خلال شخص مدفوع من الله وممنوح الإيمان للقيام بمثل هذا العمل (مثال آخر على ذلك في أعمال الرسل ٨:١٤-١٠).
- نُبُوَّةٌ: الإخبار برسالة الله في موقف معين عادةً ما يكون وفقًا لكلمته وعمله الحالي. وفي بعض الأحيان يكون لهذا طابع التنبؤ بالمستقبل، كما في أعمال الرسل ١٠:٢١-١١ و أعمال الرسل ٢١:٢٧-٢٦.
- كثيرًا ما نجد أن الذين يعتقدون أن المواهب المعجزية قد انتهت من الكنيسة، يرغبون في تعريف نُبُوَّةٌ على أنها “الوعظ.” ورغم أن هذا أمر شائع، إلا أنه غير دقيق. فهناك كلمة يونانية للوعظ وكلمة يونانية أخرى للكلام الموحى به من الله. ويستخدم بولس كلمة نُبُوَّةٌ قاصدًا الكلام الموحى به من الله وليس الوعظ. وعلى الرغم من أن الوعظ الجيد الممسوح بالروح غالبًا ما يستخدم موهبة النُبُوَّةٌ التلقائية، إلا أنه من غير الدقيق أن يتم تعريف النُبُوَّةٌ بأنها “الوعظ الجيد”.
- تَمْيِيزُ الأَرْوَاحِ: القدرة على معرفة الفرق بين العقيدة الحقيقية والعقيدة الزائفة وبين ما هو في الروح القدس وما هو ليس كذلك (أعمال الرسل ١٨:٨-٢٣ و ١٦:١٦-١٨).
- يظهر الشيطان كملاك نور (كورنثوس الثانية ١٤:١١). فهو يخدع برسالة إغواء وتضليل (تكوين ١٦:٢-٥:٣). ويمكن أن تكون هناك أرواح كذب في أفواه الأنبياء (ملوك الأول ٢١:٢٢-٢٣ و أخبار أيام الثانية ٢٠:١٨-٢٢). ويستطيع الشيطان أن يتكلم مباشرةً بعد أن يتكلم الله (إنجيل متى ٢٣:١٦). وأحيانًا، الأشخاص الذين يبدو أنهم يقولون أشياء صحيحة، هم حقًا من الشيطان (أعمال الرسل ٦:١٣-١٢ و ١٦:١٦-١٨). فمن المهم أن نمتحن كلمة أي شخص يدَّعي أنه يتكلم من قِبَل الله ( يوحنا الأولى ١:٤-٣). ويستطيع الشيطان أن يعمل معجزات خادعة (تسالونيكي الثانية ٩:٢-١٠ والوحي ١١:١٣-١٤). وسيحاول الشيطان التسلل إلى الكنيسة بمعلمين كَذَبَة (يهوذا ٤ و بطرس الثانية ١:٢-٢). كم نحتاج إلى موهبة التمييز في الكنيسة اليوم!
- موهبة الأَلْسِنَةٍ هي لغة شخصية للصلاة يمنحها الله، حيث يمكن للمؤمن أن يتواصل مع الله خارج حدود العلم والفهم (كورنثوس الأولى ١٤:١٤-١٥). فاللغة هي اتفاق بين أطراف على أن بعض الأصوات تمثل أشياء أو أفكار معينة، وهكذا عند استخدام موهبة الألسنة، نحن نتفق مع الله أن الروح القدس يصلي من خلالنا، وبالرغم من أننا قد لا نفهم ما نُصلّيه، فإن الله يفهم.
- الألسنة لها مكان مهم في حياة المؤمن، ولكن لها حيز صغير في الكنيسة (كورنثوس الأولى ١٨:١٤-١٩)، وخاصة في الاجتماعات “العامة” (كورنثوس الأولى ٢٣:١٤).
- يجب التحكم بعناية في الألسنة عندما تُمارس في الكنيسة، وألا تكون أبدًا بدون ترجمة مُعطاة من الروح القدس (كورنثوس الأولى ٢٧:١٤-٢٨).
- إن القدرة على الصلاة بلغة غير معروفة ليست موهبة تُعطى لكل مؤمن ( كورنثوس الأولى ٢٠:١٢).
- إن القدرة على الصلاة بلسان ليست دليلًا على ملء الروح القدس؛ فقد قاد هذا الفكر الناس إلى طلب موهبة الألسنة (والإدعاء بامتلاكها) لمجرد الإثبات، لأنفسهم ولغيرهم، أنهم ممتلئون بالفعل بالروح القدس.
- يَعتقد الكثيرون أن موهبة الألسنة قد انتهت بموت الرسل. ومن الغريب أن العديد من هؤلاء يُعَرّفون موهبة الألسنة على أنها مجرد القدرة على التحدث بلغات أخرى بغرض نشر الإنجيل بتلك اللغات. ومع أن هذا الاحتياج لم يتغير ولو قليلاً منذ أيام الرسل، إلا أن الكتاب المقدس يقول بوضوح أن موهبة الألسنة مخصصة لتواصل الفرد مع الله، وليس مع الإنسان ( كورنثوس الأولى ٢:١٤). حتى في يوم الخمسين، عندما تكلم التلاميذ بألسنة لم يكن ذلك عند وعظهم للجمع (فَعَل بطرس ذلك باللغة اليونانية التي كانت معروفة لهم جميعًا). لكنهم كانوا يسبحون الله (متحدثين بألسنتنا عن أعمال الله الرائعة، أعمال الرسل ١١:٢)، واستمع الجمع في يوم الخمسين إلى التلاميذ الذين يسبحون الله بفرح.
- غالبًا ما يستهزأ من يُنكرون موهبة الألسنة بمن يتحدثون بها اليوم، متهمين إياهم بأنهم يتكلمون “رطانة” أي بكلام غير مفهوم. ويُستخدم الأصحاح الثاني من سفر أعمال الرسل بشكل خاطئ لدعم هذا الفكر، لأن هذا الأصحاح يخبرنا أن الذين تحدثوا بألسنة في يوم الخمسين كانوا يتحدثون بلغات واضحة يفهمها آخرون، لكنه لا يخبرنا إن كل الـ ١٢٠ أو نحو ذلك العدد الذين تحدثوا بألسنة قد تحدثوا بلغات يمكن فهمها. ولا ينبغي لنا أن نفترض أن أولئك الذين لم يفهمهم المتفرجون على الفور كانوا يتكلمون “رطانة.” ربما سبحوا الله بلغة غير معروفة تمامًا، لكنها بشرية (كيف تبدو لغة شعب الأزتيك في مسامع الرومان؟) أو بلغة فريدة تمامًا مُعطاة من الله ومفهومة من الله وحده. قفي النهاية، هدف التكلم بالألسنة هو التواصل مع الله لا مع الإنسان ( كورنثوس الأولى ٢:١٤). لا يعني تكرار العبارات البسيطة غير المفهومة، والتي أحيانًا تكون بلا معنى بالنسبة للمشاهدين من البشر، أن هذا الكلام “رطانة.” فقد يكون تسبيح الله بسيط ومتكرر، وجزء من طبيعة الألسنة هو أن المتكلم قد يجهل ما يقول ( كورنثوس الأولى ١٤:١٤)، لكنها مفهومة من الله، والله وحده.
- موهبة تَرْجَمَةُ أَلْسِنَةٍ: تسمح هذه الموهبة لموهبة الألسنة بأن تكون مفيدة لآخرين بخلاف المُتكلم، حيث أنهم يصبحون قادرين على سماع وفهم كلمات المتحدث بلسان إلى الله، والاتفاق معها.
- رغم أننا نميل إلى التركيز في هذه الآيات على قائمة المواهب، إلا أن بولس لا يفعل ذلك. نظرًا لأنه لا يقدم وصفًا تفصيليًا لكل موهبة، فمن المحتمل أن مؤمني كورنثوس كانوا على دراية بها جميعًا. ما شدد عليه بولس هو أن كل موهبة هي بواسطة ومن خلال نفس الروح، مكررًا الفكرة خمس مرات ومُختتمًا بعبارة “هذِهِ كُلَّهَا يَعْمَلُهَا الرُّوحُ الْوَاحِدُ بِعَيْنِهِ“.
- من الواضح أن الميل إلى الانقسام بين مؤمني كورنثوس قد جعلهم يفكرون في المواهب بشكل منفصل أو تنافسي. ربما اعتقد “المتكلمون بالألسنة” أنهم أعلى من “الذين لديهم نُبُوة”، كما لو أن المواهب جاءت من إلهين مختلفين! يؤكد بولس لهم أن هذِهِ كُلَّهَا يَعْمَلُهَا الرُّوحُ الْوَاحِدُ بِعَيْنِهِ، لذلك ينبغي أن يعكسوا نفس الوحدة بينهم.
- قَاسِمًا لِكُلِّ وَاحِدٍ بِمُفْرَدِهِ، كَمَا يَشَاءُ: ها هو سبب آخر للوحدة، وضد أي شعور بالتعالي فيما يتعلق بالمواهب، وهو أنها لا يتم تقسيمها وفق إرادة الإنسان، بل حسب مشيئة الله – كَمَا يَشَاءُ.
- لأن المواهب تُقسَّم كَمَا يَشَاءُ، وأحيانًا إن لم يكن كثيرًا، تختلف مشيئة الله وحكمته عن إرادتنا وحكمتنا ( إشعياء ٨:٥٥-٩)، يجب ألا نفترض أبدًا أن المواهب تُقسَّم بالطريقة التي كنا لنقسمها نحن.
- غالبًا ما نفترض أن المواهب الروحية تُعطى لأن الشخص ناضج روحيًا بشكل خاص أو لأنه أقرب إلى الله، ولكن قد لا يكون هذا هو الحال على الإطلاق. يجب ألا نفترض أبداً أن الموهبة ترتبط بالنضج. يستطيع الله، بل إنه قد يُقسّم المواهب الروحية على غير الناضجين روحيًا وغير القريبين منه، وهو يفعل ذلك لمجده وغرضه الخاص. لهذا فإن المواهب الروحية ليست أبدًا المعيار لمناصب القيادة بين المؤمنين، بل النضج والشخصية ( تيموثاوس الأولى ١:٣-١٣ و تيطس ٥:١-٩). يستطيع الله أن يمنح أي شخص مواهب روحية رائعة في لحظة، لكن الشخصية والنضج يستغرقان وقتًا طويلاً للبناء.
- إذا كان الروح يُقسّم لِكُلِّ وَاحِدٍ بِمُفْرَدِهِ كَمَا يَشَاءُ، فلماذا اختار أن يعطي موهبة خاصة في لحظة معينة؟ قد لا تكون الأسباب واضحة، لكن هدف عمل الروح القدس هو دائمًا تمجيد يسوع وبناء طبيعته وشخصيته فينا. إن هدف الروح لا يكون أبدًا لإدهاشنا ولا لتشويشنا، بل لبناء ثمر الروح فينا، لذلك فهو يستخدم أو لا يستخدم أي موهبة يراها مناسبة لتحقيق ذلك الهدف.
- قَاسِمًا كَمَا يَشَاءُ: على الرغم من أن اظهارات الروح تُعطى كما يشاء الروح، إلا أن المؤمن يجب أن يستقبلها بالإيمان. هو يُقسّم ونحن نستقبل، وغالباً ما يكون الاستقبال والممارسة أمرًا طبيعيًا جدًا.
ثانيًا. هل بعض مواهب الروح لم تعُد تُمنح للكنيسة في هذه الأيام؟
أ ) مزقت هذه القضية جسد المسيح لاهوتيًا وروحيًا إلى حدٍ كبير. فيعتقد البعض أن الذين يؤمنون بأن كل المواهب هي لوقتنا هذا (أي من يُطلق عليهم عادة اسم “الكاريزماتيين” أو “الخمسينيين”) قد خدعهم الشيطان. ويعتقد البعض الآخر أن من يؤمنون بأن بعض المواهب لم تعد تُعطى في هذه الأيام، هم غير روحيين وأموات في مسيرتهم مع الله.
- كثيرًا ما تُحترم بعض الكنائس المحلية من أجل توازنها الكتابي فيما يتعلق بمواهب الروح القدس ومكانتها في حياة الكنيسة. وفي بعض الأحيان، يُنظر إلى تلك الكنائس على أنها “خمسينية جدًا بالنسبة للمعمدانيين، ومعمدانية جدًا بالنسبة للخمسينيين.”
- ومع ذلك، فإن التوازن لا معنى له ما لم يكن توازنًا كتابيًا. لا نريد تحقيق توازن بين البدعة والحق.
ب) لا يعتقد كل مؤمن فعلياً أن جميع مواهب الروح قد توقفت في الكنيسة اليوم. يعتقد جميع المؤمنين أن مواهب التعليم والإدارة ما زالت تُعطى وأن الكنيسة بحاجة إليها اليوم. أما المواهب التي لها طبيعة معجزية فهي محل جدل.
- لذلك، يقسم الناس المواهب إلى فئات مختلفة: تواصلية (صريحة) وإدارية ومعجزية. ثم يقولون في كثير من الأحيان أن المواهب المعجزية قد انتهت بموت الرُسُل أو عندما تم تجميع العهد الجديد. ولكن من المهم أن نلاحظ أن هذه التقسيمات والفئات ليست كتابية. فلم يُصنّف أي من كُتاب الكتاب المقدس المواهب بهذه الطريقة أو قال إن البعض منها سيبقى ولكن البعض الآخر سيتوقف.
- لذا، بصورة أكثر دقة، سيكون السؤال: “هل جميع مواهب الروح القدس هي لهذه الأيام؟ هل توقف الله عن منح بعض المواهب؟” فأولئك الذين يُعلمون ضد مواهب الروح المعجزية يعتقدون بالتأكيد أن لديهم موهبة التعليم، وأن الله لا يزال يعطي هذه الموهبة اليوم.
ج ) ماذا يقول الكتاب المقدس عن استمرار كل مواهب الروح؟
- لقد وعد يسوع في مرقس ١٧:١٦-١٨ قائلًا: وَهذِهِ الآيَاتُ تَتْبَعُ الْمُؤْمِنِينَ: يُخْرِجُونَ الشَّيَاطِينَ بِاسْمِي، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ جَدِيدَةٍ. يَحْمِلُونَ حَيَّاتٍ، وَإِنْ شَرِبُوا شَيْئًا مُمِيتًا لاَ يَضُرُّهُمْ، وَيَضَعُونَ أَيْدِيَهُمْ عَلَى الْمَرْضَى فَيَبْرَأُونَ.
- الوعد في هذا السياق مباشر وبسيط، فهو مُعطى لأولئك الذين يشاركون في نشر الإنجيل – فلن يستطيع أحد أن يوقفهم، وسيستخدم الله المعجزات لحمايتهم وجعلهم أكثر فاعلية.
- في أعمال الرسل ٣٣:٢، ٣٩: وَإِذِ ارْتَفَعَ بِيَمِينِ اللهِ، وَأَخَذَ مَوْعِدَ الرُّوحِ الْقُدُسِ مِنَ الآبِ، سَكَبَ هذَا الَّذِي أَنْتُمُ الآنَ تُبْصِرُونَهُ وَتَسْمَعُونَهُ… لأَنَّ الْمَوْعِدَ هُوَ لَكُمْ وَلأَوْلاَدِكُمْ وَلِكُلِّ الَّذِينَ عَلَى بُعْدٍ، كُلِّ مَنْ يَدْعُوهُ الرَّبُّ إِلهُنَا. إن وعد الروح القدس، خاصة الذي يتضمن المواهب الروحية، هو وعد لجميع الأجيال.
- كورنثوس الأولى ١٢:١٤ هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا، إِذْ إِنَّكُمْ غَيُورُونَ لِلْمَوَاهِبِ الرُّوحِيَّةِ، اطْلُبُوا لأَجْلِ بُنْيَانِ الْكَنِيسَةِ أَنْ تَزْدَادُوا. إن الغرض من المواهب الروحية، حتى المواهب المعجزية، هو بناء جسد المسيح والمؤمنين كأفراد؛ وهذا الاحتياج لا يزال قائمًا اليوم.
- الشهادة الطبيعية الثابتة للعهد الجديد هي أن المواهب المعجزية المذكورة في العهد الجديد لم تنتهِ. فلا يمكن لأي شخص قرأ الكتاب المقدس حديثًا أن يتوصل أبدًا إلى هذا الفهم.
- لا يوجد أي مؤشر على أن المواهب المعجزية ستنتهي بموت الرُسُل.
- لا يوجد فارق بين “الآيات” و”المعجزات” وغيرها من المواهب في العهد الجديد؛ فهي دائمًا تأتي كحُزمة.
- لم يقال سوى القليل عن استمرار جميع المواهب لأنها حقيقة كانت واضحة بالنسبة للرسل. فهذا يشبه سؤال أحدهم: “أين هو الدليل الكتابي على أن شخص يمكن أن يخلص بعد وقت الرسل؟” سيكون من الصعب على المرء أن يجد آية واحدة قاطعة لدحض الحجة، لأنها ببساطة حقيقة معروفة.
د ) لماذا يعتقد بعض المؤمنين أن الله لم يعُد يُعطِي بعض مواهب الروح القدس في هذه الأيام؟
- لديهم فهم خاطئ للتاريخ، وهم يعتقدون أن المواهب المعجزية قد توقفت تاريخيًا بموت الرُسُل (أو ربما قبل ذلك).
- لديهم فهم خاطئ لما جاء في كورنثوس الأولى ٨:١٣، والذي يقول أن الألسنة ستتوقف (كما هو مُفسر في الملاحظات الخاصة بكورنثوس الأولى ١٣).
- لديهم فهم خاطئ لما جاء في عبرانيين ٣:٢-٤، والذي يقول بأن الله شهد بآيات وعجائب ومعجزات متنوعة بواسطة مواهب الروح القدس لتوثيق الوحي، ولم تعد هناك حاجة لذلك. وأنه كانت هناك ثلاثة حقب تاريخية رئيسية للوحي أراد فيها الله توثيق الوحي عن طريق المعجزات (زمن موسى، إيليا وأليشع، وزمن العهد الجديد).
- ولكن إذا كانت المعجزات قد حدثت في أوقات معينة فقط من الوحي، فهناك إذًا قدر كبير من الوحي غير موثق بالمعجزات – كل شيء بدءًا من القضاة إلى نشيد الأنشاد.
- إذا كانت المعجزات تُوثّق الوحي، فنحن إذًا في مأزق، لأن الأنبياء الكذبة يستطيعون ويعملون بالفعل معجزات موثِّقة ( خروج ١١:٧-١٢، ٢٢:٧، ٧:٨، تثنية ١:١٣-٣، و تسالونيكي الثانية ٩:٢-١٠).
- إن الهدف الأساسي للمعجزات، خاصة بالشكل الذي كانت عليه في العهد الجديد، لم يكن لإضفاء الشرعية على رُسُل الله، على الرغم من أن هذا هو هدف ثانوي، إلا أن الهدف الأساسي للمعجزات كان لتسديد احتياجات الناس.
- في متى ٣٨:١٢-٤٠، أدان يسوع أولئك الذين سعوا إلى توثيق الوحي بآيات معجزية؛ ولم يقدم لهم أي آية معجزية أخرى سوى قيامته، كما جاء في يوحنا ١٨:٢-١٩. وفي يوحنا ٢٩:٦-٣٦، بعد إطعام الخمسة آلاف نفس، تبع الناس يسوع لمجرد الحصول على المزيد من الخبز المعجزي، وقد وبخهم يسوع لرفضهم الإيمان به. وفي كورنثوس الأولى ٢٢:١، عندما ذكر بولس أن اليهود يطلبون آية، لم يكن يقصد هذا بالمعنى الإيجابي!
- ليست المعجزات دليل كاف على صِدق الوحي بالنسبة لقلب غير المؤمن، لأنه سيطلب دائمًا المزيد من المعجزات “للبرهان.” وَمَعَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ صَنَعَ أَمَامَهُمْ آيَاتٍ هذَا عَدَدُهَا، لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ (يوحنا ٣٧:١٢).
- نحن نتفق على أن المعجزات لها هدف في إقناع المؤمنين وغير المؤمنين بقوة الله، لكن من الواضح أن هذا هو هدفها الثانوي. إذا كان هذا هو الغرض الأساسي للمعجزات، فقد يعترض أحدهم قائلًا “بما أن لدينا الآن الوحي المكتمل لكلمة الله، فلن نحتاج بعد ذلك إلى المعجزات لتوثيق المزيد من الوحي.”
- إنهم يطبقون الحق تطبيقًا خاطئًا، فيكون التحدث بألسنة على سبيل المثال له نظير شيطاني، وليس مقتصرًا على المسيحية. وهذا صحيح بالتأكيد ومعترف به في الكتاب المقدس؛ لكن وجود شبيه زائف يميل إلى إثبات وجود الأصل.
هـ) هل يُبرهن تاريخ المسيحية على أن بعض المواهب قد انتهت؟ إذا كان الأمر كذلك، فمتى وكيف؟
- رغم أن القضية قد حُلت أخيرًا وفقًا لما يقوله الكتاب المقدس، إلا أن صوت التاريخ أيضًا مُلزم. أولئك الذين يعتقدون أن المواهب المعجزية قد توقفت يدَّعون أن شهادة التاريخ تدعمهم.
- على سبيل المثال، كتب جون ماكآرثر (John MacArthur) في كتابه The Charismatics أنه بحلول القرن الثاني، رحل الرسل وتغيرت الأمور. قال ألفا ماكلين (Alva McClain): “عندما ظهرت الكنيسة في القرن الثاني، كان الوضع فيما يتعلق بالمعجزات قد تغير كثيرًا حتى بدا الأمر وكأننا في عالم آخر… كان العصر الرسولي فريداً وقد انتهى. لقد قالها التاريخ، وقالها يسوع، وقالها اللاهوت، والعهد الجديد نفسه يشهد على هذا الحق.”
- لكن للتاريخ شهادة أخرى، وإذا تركناه يتحدث فسوف يخبرنا أكليمندس الروماني وإغناطيوس وجاستين مارتير وإريناوس وترتوليان جميعًا عن وجود مواهب معجزية للروح القدس في أيامهم.
- في الواقع، لم تظهر فكرة أن مواهب الله المعجزية قد توقفت بعد الرسل في الكنيسة حتى منتصف القرن الرابع (٣٥٠م أو نحو ذلك). وفي وقت لاحق، في نهاية القرن الرابع وحتى العصور الوسطى، قيل إن المواهب قد توقفت، وقد تم إهمالها بالتأكيد. ولكن لم يكن ذلك هو ما يريده الله، بل نتيجة لقناعات أشخاص بأن عمل الروح القدس الخارق للطبيعة كان يُشكل “خطرًا” كبيرًا على الكنيسة المؤسسية. وبالطبع كان هناك عوامل أخرى معنية أيضًا. ولكن إذا كُنت لتقول لمؤمن يعيش عام ٢٥٠ م أن المواهب الروحية المعجزية قد توقفت بموت الرسل، فقد يرد قائلًا: “أنت لا تعرف ما الذي تتحدث عنه”.
ثالثًا. تنوع ووحدة مواهب الروح القدس.
أ ) الآيات (١٢-١٤): حقيقة الوحدة: ينتمي جميع المؤمنين إلى وحدة أكبر، وهي جسد يسوع المسيح.
١٢لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْجَسَدَ هُوَ وَاحِدٌ وَلَهُ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ، وَكُلُّ أَعْضَاءِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ إِذَا كَانَتْ كَثِيرَةً هِيَ جَسَدٌ وَاحِدٌ، كَذلِكَ الْمَسِيحُ أَيْضًا. ١٣لأَنَّنَا جَمِيعَنَا بِرُوحٍ وَاحِدٍ أَيْضًا اعْتَمَدْنَا إِلَى جَسَدٍ وَاحِدٍ، يَهُودًا كُنَّا أَمْ يُونَانِيِّينَ، عَبِيدًا أَمْ أَحْرَارًا، وَجَمِيعُنَا سُقِينَا رُوحًا وَاحِدًا. ١٤فَإِنَّ الْجَسَدَ أَيْضًا لَيْسَ عُضْوًا وَاحِدًا بَلْ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ.
- كُلُّ أَعْضَاءِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ إِذَا كَانَتْ كَثِيرَةً هِيَ جَسَدٌ وَاحِدٌ… لأَنَّنَا جَمِيعَنَا بِرُوحٍ وَاحِدٍ أَيْضًا اعْتَمَدْنَا إِلَى جَسَدٍ وَاحِدٍ: ليست وحدة “الجسد الواحد” للمؤمنين هدف يجب تحقيقه؛ بل هي حقيقة يجب إدراكها. يقول بولس بوضوح جَمِيعَنَا بِرُوحٍ وَاحِدٍ أَيْضًا اعْتَمَدْنَا إِلَى جَسَدٍ وَاحِدٍ.
- قادت مثل هذه الفقرات الكثيرين إلى اعتبار أن المعمودية هي “الحفل الافتتاحي للانضمام إلى المجتمع المسيحي.” ومع أن هذا قد يكون حقًا أحد جوانب المعمودية، إلا أنه ليس الجانب الرئيسي. فالفكرة الأساسية وراء المعمودية هي تحديد هوية المؤمن – أي “غمره” immersion في يسوع المسيح ( رومية ٣:٦-٥). اعتبار أن أساس المعمودية هو كونها حفل افتتاحي للانضمام للكنيسة، أدى إلى ظهور وتعزيز أفكار غير كتابية، مثل معمودية الأطفال (فبناءً على هذا التفكير، “من الذي يريد استبعاد الأطفال من الكنيسة؟”).
- لا يعني بولس هنا معمودية الماء بقدر ما يعني معمودية الروح: لأَنَّنَا جَمِيعَنَا بِرُوحٍ وَاحِدٍ أَيْضًا اعْتَمَدْنَا إِلَى جَسَدٍ وَاحِدٍ. ويكتب بولس عن “الغمر” المشترك الذي يجمع كل المؤمنين معًا في الروح القدس وفي يسوع، وهو “غمر” يجمعهم إِلَى جَسَدٍ وَاحِدٍ.
- الْجَسَدَ هُوَ وَاحِدٌ.. وأَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ: يستخدم بولس المثال التوضيحي الرائع للجسد البشري للحديث عن عمل جماعة المؤمنين. فبالرغم من أن كل خلية في جسم الإنسان يتم اتصالها بأساس واحد مشترك (DNA مشترك)، إلا أن أجزاء الجسم (أَعْضَاءٌ) تبدو مختلفة وتُعَامل بشكل مختلف، كما أنها تعمل بشكل مختلف لتُنجز أغراضًا مختلفة. بالمثل، هناك تنوع كبير في جسد يسوع المسيح، من حيث المظهر والوظيفة، ولكن كل الأعضاء يشتركون في أساس واحد وهدف واحد.
- يَهُودًا كُنَّا أَمْ يُونَانِيِّينَ، عَبِيدًا أَمْ أَحْرَارًا: نظرًا لحقيقة ديناميكية “الجسد” فإن الحدود الفاصلة التي وضعها مؤمنو كورنثوس كانت مصطنعة تمامًا. فلم يعد يهم إن كان يهودي أم يوناني، عبد أم حر، لأنهم كانوا جميعًا في جسد واحد.
ب) الآيات (١٥-٢٠): مزيد من شرح الفكرة بمثال جسد الإنسان.
١٥إِنْ قَالَتِ الرِّجْلُ: «لأَنِّي لَسْتُ يَدًا، لَسْتُ مِنَ الْجَسَدِ». أَفَلَمْ تَكُنْ لِذلِكَ مِنَ الْجَسَدِ؟ ١٦وَإِنْ قَالَتِ الأُذُنُ: «لأِنِّي لَسْتُ عَيْنًا، لَسْتُ مِنَ الْجَسَدِ». أَفَلَمْ تَكُنْ لِذلِكَ مِنَ الْجَسَدِ؟ ١٧لَوْ كَانَ كُلُّ الْجَسَدِ عَيْنًا، فَأَيْنَ السَّمْعُ؟ لَوْ كَانَ الْكُلُّ سَمْعًا، فَأَيْنَ الشَّمُّ؟ ١٨وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ وَضَعَ اللهُ الأَعْضَاءَ، كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا فِي الْجَسَدِ، كَمَا أَرَادَ. ١٩وَلكِنْ لَوْ كَانَ جَمِيعُهَا عُضْوًا وَاحِدًا، أَيْنَ الْجَسَدُ؟ ٢٠فَالآنَ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ، وَلكِنْ جَسَدٌ وَاحِدٌ.
- إِنْ قَالَتِ الرِّجْلُ: إذا شعرت الرِّجْلُ أو أعلنت أنها ليست جزءًا من الجسم لأنها لَيسْتُ يَدًا، فستكون الرِجلُ حمقاء ومُخطئة، لأن التنوع لا يستبعد عضوًا من أعضاء الجسم.
- يضع بولس هنا السؤال في فم الشخص الذي يشعر بأنه مستبعد من الجسد. كما لو قال بعض مؤمني كورنثوس: “بما أنني لا أملك هذه الموهبة الروحية المعينة، فأنا لست جزءًا من جسد يسوع المسيح.” قد تبدو اليدان والعينان أكثر أهمية وأكثر”بريقًا “من الرِجلين والأذنين، لذا يريد بولس من هؤلاء المؤمنين الذين شعروا بأنهم مستبعدون من الجسد، أن يعرفوا أنهم بالفعل أعضاء في الجسد وأن احساسهم هذا كان بنفس قدر حماقة الرِجل أو الأذن.
- يمكن تطبيق نفس المبدأ على أولئك الذين يريدون استبعاد الآخرين من الجسد. كان بإمكان بولس أن يقول أيضًا: “لا تستطيع اليد أن تقول إن الرِجل ليست من الجسد لأنها ليست يد”. يريد بولس من المؤمنين أن يدركوا حقيقة الوحدة ومكانة كل عضو في الجسد.
- لَوْ كَانَ كُلُّ الْجَسَدِ عَيْنًا، فَأَيْنَ السَّمْعُ؟ التنوع في جسد يسوع المسيح ليس مقبولًا فحسب، بل هو أساسي أيضًا. لا يمكن للجسد أن يعمل بشكل صحيح إذا كانت جميع أعضائه أيدي أو إن كانت جميعها عيون. يجب أن يكون للجسد أجزاء ومواهب مختلفة، حتى يعمل معًا بفاعلية.
- كَمَا أَرَادَ: لماذا الرِجل رِجل واليد يد؟ لأن هذا ما يريده المُصمم. لذلك، لا يمكن لليد أن “تشعر بالفخر” لكونها يد، ولا يمكن للرِجل أن “تشعر بالخزى” لكونها رِجل. فكلٍ منهما يخدم الغرض الذي وضعه المُصمم.
- نرى حكمة المُصمم في التصميم: كل شخص لديه شيء؛ ولا أحد لديه كل شيء.
ج ) الآيات (٢١-٢٦): المزيد من الشرح، لبيان أن الأجزاء الأقل “جاذبية” في الجسم لها نفس القدر من الأهمية.
٢١لاَ تَقْدِرُ الْعَيْنُ أَن تَقُولَ لِلْيَدِ: «لاَ حَاجَةَ لِي إِلَيْكِ!». أَوِ الرَّأْسُ أَيْضًا لِلرِّجْلَيْنِ: «لاَ حَاجَةَ لِي إِلَيْكُمَا!». ٢٢بَلْ بِالأَوْلَى أَعْضَاءُ الْجَسَدِ الَّتِي تَظْهَرُ أَضْعَفَ هِيَ ضَرُورِيَّةٌ. ٢٣وَأَعْضَاءُ الْجَسَدِ الَّتِي نَحْسِبُ أَنَّهَا بِلاَ كَرَامَةٍ نُعْطِيهَا كَرَامَةً أَفْضَلَ. وَالأَعْضَاءُ الْقَبِيحَةُ فِينَا لَهَا جَمَالٌ أَفْضَلُ. ٢٤وَأَمَّا الْجَمِيلَةُ فِينَا فَلَيْسَ لَهَا احْتِيَاجٌ. لكِنَّ اللهَ مَزَجَ الْجَسَدَ، مُعْطِيًا النَّاقِصَ كَرَامَةً أَفْضَلَ، ٢٥لِكَيْ لاَ يَكُونَ انْشِقَاقٌ فِي الْجَسَدِ، بَلْ تَهْتَمُّ الأَعْضَاءُ اهْتِمَامًا وَاحِدًا بَعْضُهَا لِبَعْضٍ. ٢٦فَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يَتَأَلَّمُ، فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ تَتَأَلَّمُ مَعَهُ. وَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يُكَرَّمُ، فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ تَفْرَحُ مَعَهُ.
- لاَ تَقْدِرُ الْعَيْنُ أَن تَقُولَ لِلْيَدِ: يكتب بولس هنا لمن يغريهم الفخر والشعور بالأفضلية بسبب مواهبهم أو مكانهم في الجسد، إذ لا يمكنهم أن يقولوا لمثل هذه الأعضاء، “لاَ حَاجَةَ لِي إِلَيْكِ!”
- أَعْضَاءُ الْجَسَدِ الَّتِي تَظْهَرُ أَضْعَفَ هِيَ ضَرُورِيَّةٌ: غالبًا ما نعتبر جزءًا من جسدنا غير ضروري أو ذي أهمية أقل، حتى يصاب بأذى – فنُدرك كم هو مهم! قد تبدو اليد أو العين أكثر أهمية، وقد يكون لها “بريق” أكبر في موضعها، ولكنها ليست أكثر أهمية أو ضرورة من الأجزاء الأخرى في الجسد.
- أَنَّهَا بِلاَ كَرَامَةٍ نُعْطِيهَا كَرَامَةً أَفْضَلَ: غالبًا ما تُعتبر أجزاء أجسادنا التي تغطيها الملابس بِلاَ كَرَامَةٍ، لكننا نُعْطِيهَا كَرَامَةً أَفْضَلَ عندما نغطيها بعناية فائقة.
- يُعلق كلارك (Clarke) على الأجزاء التي بِلاَ كَرَامَةٍ قائلًا: “يبدو أنه يعني الأحشاء الأساسية، مثل القلب والرئتين والمعدة والقناة المعوية. هذه الأجزاء، مقارنةً بالذراعين والأطراف، تكون ضعيفة نسبيًا؛ ويعتبر بعضها في حد ذاته قبيح وأقل كرامة؛ ومع ذلك، فهي ضرورية للحياة أكثر من أي من الأجزاء الأخرى.”
- ومع ذلك، فإن اللهَ مَزَجَ الْجَسَدَ، مُعْطِيًا النَّاقِصَ كَرَامَةً أَفْضَلَ: إذا شعر أحدهم أنه عضو “خفي” أو “غير فاتن” في جسد يسوع المسيح، فإن الله يعلم كيف يمنحه كرامة.
- لِكَيْ لاَ يَكُونَ انْشِقَاقٌ فِي الْجَسَدِ: إذا نظرنا إلى الجسد من منظور الله، فلن نجد أبدًا أي سبب لحدوث انْشِقَاقٌ فِي الْجَسَدِ. يتم فحص ومراجعة عضو الجسد الذي له “الافتخار” و”الكرامة” تمامًا مثل عضو “الخزي” و”الكرامة الأقل.
- تَهْتَمُّ الأَعْضَاءُ اهْتِمَامًا وَاحِدًا بَعْضُهَا لِبَعْضٍ: وصلت وجهة نظر بولس اللاهوتية حول طبيعة جسد يسوع إلى تطبيق عملي للغاية. يجب على مؤمني كورنثوس أن يهتموا اهتمامًا واحدًا بعضهم لبعض لأنهم جميعًا أعضاء في جسد واحد.
- تعمل أجزاء الجسد معًا. فالعيون والآذان لا تخدم نفسها فقط، بل الجسد كله. الأيدي لا تطعم وتدافع عن نفسها فقط، بل الجسد كله. لا يضُخ القلب الدم لنفسه فحسب، بل للجسد كله. حينما يعيش جزء من جسدنا ليخدم نفسه فقط، ولا يساهم بأي شيء لبقية الجسد، ويستخدم كل ما يحصل لإطعام ونمو نفسه فقط، يُسمى هذا الجزء بالسرطان.
- “أريد أن يكون كل عضو في هذه الكنيسة عاملاً. نحن لا نريد طائرات بدون طيار. إذا أراد أحد منكم أن يأكل ويشرب دون أن يخدم، فهناك الكثير من الأماكن الأخرى التي يمكنه فيها القيام بذلك؛ هناك مقاعد كثيرة فارغة، اذهب واملأها، لاننا لا نريدك. كل مؤمن ليس نحلة بل دبور. أكثر الأشخاص مشاكسة هم عديمي الفائدة، والأكثر سعادة هم المسالمون، وهم بشكلٍ عام من يفعلون الأكثر من أجل المسيح.” سبيرجن (Spurgeon)
- اهْتِمَامًا وَاحِدًا بَعْضُهَا لِبَعْضٍ: كان يمكن لبولس أن يقول اهتموا بعضكم بالبعض، متجاهلًا الأساس الروحي الحقيقي لمثل هذا الاهتمام، فالبعض اليوم يطالبونه بالقول: “يا بولس، لا تُزعجنا باللاهوت. فقط أخبرنا ماذا نفعل وكفانا.” لكن بولس لا يريد من مؤمني كورنثوس أن يأتوا بنتائج دون فهم. فهو يعرف أن أفضل النتائج تعتمد في النهاية على الفهم!
- إِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يَتَأَلَّمُ: يشرح بولس هنا الاهتمام الواحد المذكور في الآية السابقة. فهو يعني أن نكون رحماء وعطوفين مع أعضاء الجسد الواحد، برغم الاختلاف.
د ) الآيات (٢٧-٣١): الله يوزع المواهب والدعوات حسب مشيئته.
٢٧وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجَسَدُ الْمَسِيحِ، وَأَعْضَاؤُهُ أَفْرَادًا. ٢٨فَوَضَعَ اللهُ أُنَاسًا فِي الْكَنِيسَةِ: أَوَّلاً رُسُلاً، ثَانِيًا أَنْبِيَاءَ، ثَالِثًا مُعَلِّمِينَ، ثُمَّ قُوَّاتٍ، وَبَعْدَ ذلِكَ مَوَاهِبَ شِفَاءٍ، أَعْوَانًا، تَدَابِيرَ، وَأَنْوَاعَ أَلْسِنَةٍ. ٢٩أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ رُسُلٌ؟ أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ أَنْبِيَاءُ؟ أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ مُعَلِّمُونَ؟ أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ أَصْحَابُ قُوَّاتٍ؟ ٣٠أَلَعَلَّ لِلْجَمِيعِ مَوَاهِبَ شِفَاءٍ؟ أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ؟ أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ يُتَرْجِمُونَ؟ ٣١وَلكِنْ جِدُّوا لِلْمَوَاهِبِ الْحُسْنَى. وَأَيْضًا أُرِيكُمْ طَرِيقًا أَفْضَلَ.
- وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجَسَدُ الْمَسِيحِ، وَأَعْضَاؤُهُ أَفْرَادًا: يلخص بولس نقطته السابقة هنا. فكما يتحد الجسد البشري معًا بأجزائه المختلفة، هكذا أيضًا جسد يسوع المسيح. والآن سوف يكتب بولس عن الأجزاء المختلفة للجسد.
- “يمكن أن تدعو شخص ما عين بسبب ملاحظته الحادة للناس والأشياء وقدرته على التمييز في حالات الضمير والأسرار الإلهية. وقد تدعو آخر يد بسبب مجهوداته الشاقة في الكنيسة. وآخر رِجل، لأسفاره الكادحة لنشر معرفة المسيح المصلوب في الخارج: وهكذا آخرين .” كلارك (Clarke).
- رُسُلٌ: هؤلاء هم “سفراء مميزين” للكنيسة. كان بولس وآخرون في أيامه يتمتعون بسُلطة رسولية فريدة لن تتكرر أبدًا لأن أساس الكنيسة كان قد وُضع بالفعل ( أفسس ٢٠:٢). ومع ذلك، لا يزال لدى الله “سفراء مميزون” في الكنيسة اليوم، ولكن ليس بنفس سلطة الرسل الأصليين.
- أَنْبِيَاءُ: هؤلاء هم المدعوون بشكل خاص للتحدث عن الله من خلال موهبة النبوة. كانت هناك سلطة فريدة تأسيسية لهذه الموهبة أيضًا ( أفسس ١٩:٢-٢٠). ومع ذلك، فإن الله يرفع أولئك الذين يتحدثون إلى الكنيسة والعالم معطيًا إياهم بركة وقوة خاصة.
- ومع ذلك، إذا كان أحد سيطالب أو سيحصل على لقب “نبي” اليوم، فليخضع لمعايير النبي: دقة تامة في كل كلمة ( تثنية ٢٠:١٨-٢٢).
- أَصْحَابُ قُوَّاتٍ: أي أولئك الذين يستخدمهم الله للقيام بمعجزات. ومع ذلك فإن نمط الكتاب المقدس للمعجزات هو أنها تتم بمبادرة من الروح القدس، وليس بمبادرة الفرد.
- أَعْوَانًا: تُشير هذه الكلمة إلى أولئك الذي يساعدون الآخرين في القيام بعمل الرب. وقد تم استخدام المصطلح في السياق اليهودي هكذا: “دُعِيَ اللاويين من قِبل كُتّاب التلمود أعوان الكهنة.” كلارك (Clarke)
- يعلق سبيرجن على أولئك الذين لديهم موهبة المعونة قائلًا: “ما يُذهلني أن هؤلاء لم يكونوا أشخاصاً لهم أي مكانة رسمية، لكنهم كانوا يتحركون فقط من خلال الدافع الطبيعي والحياة الإلهية بداخلهم لفعل أي شيء وكل شيء من شأنه أن يساعد أي معلم أو قس أو شماس في عمل الرب. هم ذلك النوع من الإخوة الذين يساعدون أينما كانوا والذين يستطيعون دائمًا أن يقفوا في الثغر ويفرحون بتقديم أي خدمات لكنيسة الله.”
- في كتاب “سياحة مسيحي” لجون بانيان (John Bunyan)، جاء “المعونة” للمسيحي عندما كان غارقًا في “مستنقع اليأس.” وهذا هو الموضع الذي غالبًا ما تكون المعونة فيه مفيدة للغاية. “يجب أن تكون اليد التي ساعدتنا على الخروج من عُمق المستنقع عزيزة علينا. بينما يعود كل المجد لإله النعمة، إلا أننا لا يسعنا إلا أن نُحب بشدة الأداة التي أرسلها الله لتكون وسيلة خلاصنا.” سبيرجن (Spurgeon)
- يصف سبيرجن أيضًا الشخص الذي لديه موهبة المعونة كالتالي:
- قلب رقيق، يقدم اهتمام حقيقي.
- عين سريعة لرؤية احتياج الأخرين.
- قدَم سريعة الوصول إلى المُحتاجين.
- وجه محب يُضفي البهجة عليهم ويباركهم.
- قدم ثابتة حتى لا تُسقِط أنت نفسك.
- يد قوية تُمسك بالمحتاجين.
- انحناء يصل إلى الشخص المحتاج.
- قام واعظ قديم بتقديم عظة رائعة عن عبارة “وَ بَرْثُولَمَاوُسُ” التي وردت في متى ٣:١٠. كانت وجهة نظره أن برثولماوس لم يُذكر اسمه مُنفردًا أبدًا، ولكنه يُذكر دائمَا بعبارة “وَ بَرْثُولَمَاوُسُ.” أي أن الكتاب يُتحدث دائمًا عن قيامه بعمل شيء جيد مع شخص آخر. لم يكن أبدًا القائد، ولكنه كان دائمًا المساعد.
- أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ؟ يعني بولس ببساطة أن موهبة الألسنة ليست لكل مؤمن، تمامًا كما أن مواهب الرُسُلٌ والأَنْبِيَاءُ والمُعَلِّمينَ وعمل الْقُوَّاتٍ والشِفَاء وما إلى ذلك، ليست لكل مؤمن. لقد عانت الكنيسة بشكل كبير بسبب الترويج لموهبة لألسنة وكأنها ضرورة حتمية لكل مؤمن أو كدليل جلي على حضور الروح القدس. وقد تسبب هذا في سعي الكثيرين للحصول على موهبة الألسنة أو “لتزييفها”، فقط كتأكيد لأنفسهم أو للآخرين أنهم حقًا ممتلئون بالروح القدس.
- بما أن الألسنة هي موهبة تواصلية، تستخدم في التحدث إلى الله، فيجب أن تكون مرغوبة عندما يشعر الفرد بنقص في قدرته على التواصل مع الله. فعندما يشعر المرء بأنه غير قادر على الحديث مع الله باستخدام لغته، يمكنه بل ويجب عليه أن يطلب من الله المعونة للتواصل معه بلغة يفهمها الله، ولكنها تفوق فهم الشخص نفسه. وإذا شعر الشخص بالرضا عن قدرته على التواصل مع الله، فليست هناك حاجة إلى موهبة الألسنة.
- جِدُّوا لِلْمَوَاهِبِ الْحُسْنَى: على الرغم من أن الروح القدس هو الذي يهب المواهب، إلا أنه من الجيد والسليم أن نُبدي رغبة فيها وأن نطلبها، ولكن في خضوع تام لخطة الله.
- سيشرح بولس طَرِيقًا أَفْضَلَ في كورنثوس الأولى ١٣، مع التركيز على المحبة وليس على المواهب ذاتها. إن المواهب ليست إلا وسائل للتعبير عن محبة الله ومحبتنا بعضنا للبعض. إنها مجرد “حاويات” ولكن المحبة التي بداخلها هي الأهم. يُقال أن “متجرًا مليء بالبراميل لا يُثري، ما لم تكن البراميل مملوءة بالسلع.” تراب (Trapp)