رسالة كورنثوس الأولى – الإصحاح ١٤
الألسنة والنُبوَّة والعبادة
أولاً. التباين بين الألسنة والنُبوَّة
أ ) الآية (١): المبادئ الارشادية.
١اِتْبَعُوا الْمَحَبَّةَ، وَلكِنْ جِدُّوا لِلْمَوَاهِبِ الرُّوحِيَّةِ، وَبِالأَوْلَى أَنْ تَتَنَبَّأُوا.
- اِتْبَعُوا الْمَحَبَّةَ: أعلن بولس لمؤمني كورنثوس بطريقة رائعة وبوحي من الروح القدس عن تفوُّق المحبة في الأصحاح ١٣. والآن، بما أن المحبة هي الأعظم، يوصينا قائلاً: اِتْبَعُوا الْمَحَبَّةَ.
- جِدُّوا (اسْعَوْا) لِلْمَوَاهِبِ الرُّوحِيَّةِ: ليس هناك خطأ في سعي مؤمني كورنثوس وراء المواهب الروحية، لكن سعيهم تحول إلى هوس. لقد سعوا وراء المواهب بدلًا من السعي وراء الْمَحَبَّةَ.
- بِالأَوْلَى أَنْ تَتَنَبَّأُوا: في كورنثوس الأولى ١٢، تكلم بولس عن النُبوَّة وعن موهبة الألسنة في سياق مواهب الروح الأخرى. أما الآن، فسوف يركز على موهبتي النُبوَّة والألسنة، وكيف يجب أن تعملا في جسد الكنيسة. فمن الواضح أنه كان هناك تركيز أكثر على الألسنة من النُبُوَّة.
- أَنْ تَتَنَبَّأُوا: ماذا يعني أن يتنبأ شخص ما؟ كثير ممن يعتقدون أن المواهب لم تعد تُمنح مِن قِبل الله ينظرون إلى النُبوَّة باعتبارها مجرد “وعظ موحى به” فالنبوات انتهت.
- سوف يخبرنا بولس أكثر عن النُبوَّة في هذا الأصحاح. ومع ذلك، نحن نعرف أنه لا يقصد أن النُبُوَّة تتطابق مع الوعظ، لأن بولس لم يستخدم الكلمة اليونانية القديمة للوعظ (kerusso) في هذا السياق.
- “الوعظ هو في الأساس هو دمج لموهبتي التعليم والنُصح، أما النُبوَّة فتتكون من العناصر الأساسية للتنبؤ والإعلان.” فارنيل (Farnell) مقتبس من كيستميكر (Kistemaker)
ب) الآيات (٢-٣): التباين بين موهبتا النبوة والتكلم بالألسنة: من هو المُخاطب.
٢لأَنَّ مَنْ يَتَكَلَّمُ بِلِسَانٍ لاَ يُكَلِّمُ النَّاسَ بَلِ اللهَ، لأَنْ لَيْسَ أَحَدٌ يَسْمَعُ، وَلكِنَّهُ بِالرُّوحِ يَتَكَلَّمُ بِأَسْرَارٍ. ٣وَأَمَّا مَنْ يَتَنَبَّأُ، فَيُكَلِّمُ النَّاسَ بِبُنْيَانٍ وَوَعْظٍ وَتَسْلِيَةٍ.
- مَنْ يَتَكَلَّمُ بِلِسَانٍ لاَ يُكَلِّمُ النَّاسَ بَلِ اللهَ: التكلم بألسنة هو وسيلة للتخاطب مع اللهَ وليس النَّاسَ. وتجاهل هذا المبدأ والاعتقاد بأن الألسنة هي وسيلة للتواصل بين “الإنسان والإنسان” سيؤدي حتمًا إلى أسوأ فهم لموهبة الألسنة.
- إذا أسأنا فهم هذا المبدأ، فنحن نسيئ فهم الإصحاح الثاني من أعمال الرسل وسنعتقد أن التلاميذ قد وعظوا الجمع مستخدمين الألسنة في يوم الخمسين. ولكنهم كانوا يسبحون الله، والجمع الحاضر هناك، المتعدد الجنسيات، سمع تسبيحهم لله. تقول الآية في أعمال الرسل ١١:٢ نَسْمَعُهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا بِعَظَائِمِ اللهِ! وفي وقت لاحق، تتكلم الآية في أعمال الرسل ٤٦:١٠ عن سماع موهبة الألسنة: كَانُوا يَسْمَعُونَهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ وَيُعَظِّمُونَ اللهَ.
- إذا أسأنا فهم هذا، فنحن نسيء فهم ما يحدث بالفعل عندما يحاول شخص ما ترجمة لسان وتوجيه رسالته إلى الناس. فالترجمة الحقيقية لموهبة الألسنة تكون لكلمات موجهة إلى الله، وليس إلى الناس. سوف تكون صلاة أو تسبيح أو أي شكل آخر للتواصل مع الله.
- إذا أسأنا فهم هذا، قد نعتقد أن موهبة الألسنة هي مجرد القدرة على التحدث بلغة أخرى. وكل ما يقصده بولس هنا هو ترجمة كلام الواعظ إلى لغة مفهومة لأن الله لا يحتاج إلى ترجمة لعظة موجهة إليه.
- إذا أسأنا فهم هذا، قد نستخدم موهبة الألسنة بطريقة تجذب الانتباه لأنفسنا. فالله لا يعطي أي شخص موهبة الألسنة من أجل منفعة الآخرين بشكل مباشر (بالرغم من إمكانية بناء الآخرين بشكل غير مباشر)، بل للمنفعة الشخصية.
- مَنْ يَتَكَلَّمُ بِلِسَانٍ لاَ يُكَلِّمُ النَّاسَ بَلِ اللهَ: الكثير ممن يعتقدون أن موهبة الألسنة قد انتهت وأنها مجرد لغة يخترعها البشر من أجل المنفعة الشخصية، يواجهون مشكلة مع هذه الآية. حتى أن البعض يحاول الادعاء بأن بولس يتحدث بسخرية وأنه ينتقد مؤمني كورنثوس لاستخدامهم موهبة الألسنة للتحدث إلى الله بدلاً من الناس.
- يستخدم بولس أسلوب التهكُّم بكثرة في رسالتي كورنثوس، لكن ليس هذه المرة بالتأكيد. وإذا قلنا أن بولس قصد عكس المعنى الدقيق للكلمات هنا، فنحن نقف على أرضية خطرة. لماذا لا نطبق نفس المبدأ التفسيري (“إنه يقصد العكس”) على أجزاء أخرى من الكتاب المقدس؟
- لأَنْ لَيْسَ أَحَدٌ يَسْمَعُ: يوضح بولس هنا السبب البسيط وراء عدم فهم أحد لمن يتكلم بألسنة: فالهدف من موهبة الألسنة هو التكلُّم مع الله وليس الإنسان. لذلك، لا بأس إذا لم يفهم أحد (لَيْسَ أَحَدٌ يَسْمَعُ) لأن الله يفهمه.
- ترجمة اللسان علانية هي الطريقة الوحيدة التي تستثنى فيها قاعدة: لَيْسَ أَحَدٌ يَسْمَعُ (مَا مِنْ أحَدٍ يَفْهَمُ مَا يَقُولُهُ). وحتى في هذه الحالة، يبقى اللسان غامضًا للجميع، لكن الترجمة تكشف معناه.
- بِالرُّوحِ يَتَكَلَّمُ بِأَسْرَارٍ: عدم فهم اللسان لا يعني أنها ليست لغة حقًا أو أن الشخص يتكلم “رطانة” فقط؛ بل يعني أنه يتكلم بِالرُّوحِ وأنه يتكلم بِأَسْرَارٍ.
- قام الكثيرون بتحليل لغوي للألسنة واستنتجوا أنها ليست لغة “حقيقية” وأن المتكلمين يثرثرون فقط. بالطبع، يبدو اللسان هراءً للآذان البشرية، لأنه لم يكن يستهدفها أبدًا. يقول بولس بوضوح بِالرُّوحِ يَتَكَلَّمُ بِأَسْرَارٍ.
- لكن هذا لا يعني أن كل الكلام الواضح يشير إلى أن الشخص يملك فعلاً موهبة الألسنة. فبعض الذين لا يفهمون الموهبة يحاولون تقليدها أو ادعائها، لمجرد “إثبات” شيء ما.
- هل تشير كلمة بالروح إلى روح المتكلم أم إلى الروح القدس؟ يمكن أن يكون أي منهما، لأن كلاهما صحيح. فيعتقد مُترجمو نسخة الملك جيمس الجديدة NKJV أن المقصود هو روح المتكلم، لأنهم لم يستخدموا الكلمة التي تشير إلى الروح القدس.
- وَأَمَّا مَنْ يَتَنَبَّأُ، فَيُكَلِّمُ النَّاسَ: على عكس موهبة الألسنة، فإن موهبة النُبوَّة مُوجهة للناس، حيث يتحدث الله إلى الناس بطريقة معجزية مستخدمًا أناس آخرين.
- وَأَمَّا مَنْ يَتَنَبَّأُ، فَيُكَلِّمُ النَّاسَ بِبُنْيَانٍ وَوَعْظٍ وَتَسْلِيَةٍ: موهبة النُبوَّة ليست موجهة للناس فحسب، لكن أيضًا إيجابية. فالكلام السلبي عادة ليس مصدره الله. وإن كان الكلام سلبياً، يكون عادة موجه لشخص واحد فقط، وليس للجميع.
- البِبُنْيَانٍ: إنه مصطلح يعني أننا “نُبنى” في الرب. فكلمة النُبُوَّة تعمل على بناء الشخص، وليس هدمه.
- الوَعْظ بمعنى التشجيع. ويشبه هذا حديث المدرب مع الفريق قبل بدء المباراة، فهو يزيد من حماسهم ويشجعهم على بذل أفضل ما عندهم. ستعمل كلمة النُبُوَّة على تشجيع الشخص، وليس احباطه.
- التَسْلِيَة: تحمل فكرة المواساة والتعزية والتعضيد. فهي لا تبكي فقط عندما يتألم الشخص، بل تضع ذراعيها حوله وتُقويه ليتحمل العبء. تعمل كلمة النُبوَّة على تقوية الشخص، وليس إضعافه.
ج ) الآيات (٤-٥): التباين بين موهبتا النبوة والتكلم بالألسنة: من المستفيد.
٤مَنْ يَتَكَلَّمُ بِلِسَانٍ يَبْنِي نَفْسَهُ، وَأَمَّا مَنْ يَتَنَبَّأُ فَيَبْنِي الْكَنِيسَةَ. ٥إِنِّي أُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَكُمْ تَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ، وَلكِنْ بِالأَوْلَى أَنْ تَتَنَبَّأُوا. لأَنَّ مَنْ يَتَنَبَّأُ أَعْظَمُ مِمَّنْ يَتَكَلَّمُ بِأَلْسِنَةٍ، إِلاَّ إِذَا تَرْجَمَ، حَتَّى تَنَالَ الْكَنِيسَةُ بُنْيَانًا.
- مَنْ يَتَكَلَّمُ بِلِسَانٍ يَبْنِي نَفْسَهُ: لقد ظن البعض خطأً أن بولس يقول هذا على سبيل الانتقاد. وكانت فكرتهم أن بولس كان يعني شيئًا مثل: “أنتم يا مؤمني كورنثوس الأنانيين تستخدمون الألسنة لبناء أنفسكم فقط، بينما يجب أن تستخدموها لبنيان الآخرين!” وهذا خطأ. فبولس يذكر هنا ببساطة طبيعة موهبة الألسنة. وبما أن من يتكلم بلسان لا يُكلم الناس بل الله (كورنثوس الأولى ٢:١٤)، فهي موهبة لبنيان الذات في المقام الأول، وليس لبنيان الكنيسة.
- مَنْ يَتَنَبَّأُ فَيَبْنِي الْكَنِيسَةَ: لأن النُبُوَّة عادة تكون مفهومة للجميع، فالنُبُوَّة الحقيقية تبني الجميع.
- أُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَكُمْ تَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ: بسبب لهجة هذا الأصحاح، قد نعتقد أن بولس كان يُفكر “سلبيًا” فيما يتعلق بموهبة الألسنة، لكن هذا ليس صحيحًا على الإطلاق. كان بولس يُقدِّر موهبة الألسنة في حياته الخاصة، وقد أشار إلى ذلك عندما كتب في كورنثوس الأولى ١٨:١٤ “أَشْكُرُ إِلهِي أَنِّي أَتَكَلَّمُ بِأَلْسِنَةٍ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِكُمْ.” وتوضح هذه العبارة أن بولس أراد أيضًا أن يتكلم المؤمنين الآخرين بألسنة مثلما كان يفعل هو.
- لماذا أراد بولس أن يتكلم الجميع بألسنة؟ لا شك لأنه كان يعرف قيمتها في حياته الخاصة. فقد استطاع بولس، عندما تكلم بالروح بأسرار، أن يحرر روحه من الأعباء أمام الله بطريقة تتجاوز اللغة البشرية والعقل. فهو يستطيع أن يصلي ويُسبح ويتشفع فوق قدرته على الفهم والتعبير. لذلك أراد بولس من كل مؤمن أن يختبر هذه البركة ذاتها.
- وَلكِنْ بِالأَوْلَى أَنْ تَتَنَبَّأُوا: رغم نفع موهبة الألسنة، يرى بولس أن النُبُوَّة أفضل بالنسبة للكنيسة ككل. لماذا؟ لأن مَنْ يَتَكَلَّمُ بِلِسَانٍ يَبْنِي نَفْسَهُ، وَأَمَّا مَنْ يَتَنَبَّأُ فَيَبْنِي الْكَنِيسَةَ. والتركيز هنا على أن تَنَالَ الْكَنِيسَةُ بُنْيَانًا أكثر من الفرد.
- ركز بولس في هذا الإصحاح على ما يفعله مؤمنو كورنثوس عندما يجتمعون ككنيسة أكثر مما يفعلونه في عبادتهم الخاصة. فهناك أشياء جيدة على المؤمن أن يفعلها أثناء عبادته الخاصة، ولكنها تكون مُدمرة أو مزعجة أو ممجدة للذات إذا مارسها في الكنيسة. وموهبة الألسنة هي واحدة من تلك الممارسات. وبما أن بولس يركز على اجتماع مؤمني كورنثوس معًا ككنيسة، فهذا يوضح لماذا يعتبر موهبة النُبوَّة أعظم.
- إذا سؤِل بولس “أيهما أعظم لعبادة الفرد الشخصية: موهبة الألسنة أم موهبة النُبوَّة؟” فهو بلا شك سيقول “موهبة الألسنة” لأنه من الذي ستتنبأ له عندما تصلي بمفردك داخل مخدعك؟
د ) الآية (٦): كان بولس يتكلم حتى يستفيد الجميع.
٦فَالآنَ أَيُّهَا الإِخْوَةُ، إِنْ جِئْتُ إِلَيْكُمْ مُتَكَلِّمًا بِأَلْسِنَةٍ، فَمَاذَا أَنْفَعُكُمْ، إِنْ لَمْ أُكَلِّمْكُمْ إِمَّا بِإِعْلاَنٍ، أَوْ بِعِلْمٍ، أَوْ بِنُبُوَّةٍ، أَوْ بِتَعْلِيمٍ؟
- إِنْ جِئْتُ إِلَيْكُمْ مُتَكَلِّمًا بِأَلْسِنَةٍ، فَمَاذَا أَنْفَعُكُمْ: قال بولس في كورنثوس الأولى ١٨:١٤ “أَشْكُرُ إِلهِي أَنِّي أَتَكَلَّمُ بِأَلْسِنَةٍ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِكُم.” وهذا يعني أنه كان يُدرك قيمة موهبة التكلُم بألسنه بالنسبة له، لكنه كان يعرف أيضًا أن لا قيمة لها في وجود الآخرين لأنهم لن يتمكنوا من فهمه، وبالتالي لن تبنيهم.
- إِنْ لَمْ أُكَلِّمْكُمْ إِمَّا بِإِعْلاَنٍ، أَوْ بِعِلْمٍ، أَوْ بِنُبُوَّةٍ، أَوْ بِتَعْلِيمٍ؟ يصف بولس هنا الطرق المُختلقة للتواصل والتي من شأنها بناء الآخرين.
- إِعْلاَن: قد يتحدث بولس عن إدراكه للوحي الفريد الذي كان له كرسول. وربما كانت هناك أوقات عرف فيها بولس، من خلال سلطته الرسولية، أن كلماته كانت من الله مباشرة ومعصومة.
- عِلْمٍ: ربما يتحدث بولس عن علمه الخاص أو عن العلم المُعطى من الروح القدس. أيهما كان، فإن العِلم يتم توصيله باللغة المعروفة للجميع لكي ينتفع منه الجميع.
- نُبُوَّةٍ: عرف بولس أنه يستطيع التكلم بوحي الروح القدس، بمعنى أن أفكاره وكلماته كانت تُقاد وتُبارَك من الروح القدس.
- تَعْلِيمٍ: استطاع بولس أيضًا أن ينفع الآخرين من خلال التكلم إليهم من الكتاب المقدس نفسه وتعليمهم كما كان يفعل في الكنائس التي أسسها (أعمال الرسل ٣٥:١٥، ١١:١٨، ٣١:٢٨).
هـ) الآيات (٧-٩): أمثلة توضح أهمية التكلم بكلام واضح ليعود بالفائدة على الجميع.
٧اَلأَشْيَاءُ الْعَادِمَةُ النُّفُوسِ الَّتِي تُعْطِي صَوْتًا: مِزْمَارٌ أَوْ قِيثَارَةٌ، مَعَ ذلِكَ إِنْ لَمْ تُعْطِ فَرْقًا لِلنَّغَمَاتِ، فَكَيْفَ يُعْرَفُ مَا زُمِّرَ أَوْ مَا عُزِفَ بِهِ؟ ٨فَإِنَّهُ إِنْ أَعْطَى الْبُوقُ أَيْضًا صَوْتًا غَيْرَ وَاضِحٍ، فَمَنْ يَتَهَيَّأُ لِلْقِتَالِ؟ ٩هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا إِنْ لَمْ تُعْطُوا بِاللِّسَانِ كَلاَمًا يُفْهَمُ، فَكَيْفَ يُعْرَفُ مَا تُكُلِّمَ بِهِ؟ فَإِنَّكُمْ تَكُونُونَ تَتَكَلَّمُونَ فِي الْهَوَاءِ!
- إِنْ لَمْ تُعْطِ فَرْقًا لِلنَّغَمَاتِ، فَكَيْفَ يُعْرَفُ مَا زُمِّرَ أَوْ مَا عُزِفَ بِهِ؟ ما لم تَستخدم الآلات الموسيقية إيقاعات وطبقات مُحددة، لن تُصدِر نغمات يُمكن للمستمع أن يفهمها ويتفاعل معها، وينطبق الشيء ذاته على البوق الذي يعطي صَوْتًا غَيْرَ وَاضِحٍ، يكون عديم النفع.
- قد يستمتع الطفل بالعزف على البيانو، ولكن الصوت الذي يُصدره ما هو إلا ضجيج غير مُمتع بالنسبة للمُستمع الآخر. وهكذا، يتبارك الشخص عندما يتحدث إلى الله بالألسنة، لكن هذا لا يُفيد الآخرين. لذلك، إذا قام شخص بإصدار صَوْتًا غَيْرَ وَاضِحٍ (يتكلم بألسنة أمام الله)، فليفعل ذلك بمفرده، وليس في حضور الآخرين.
- فَإِنَّكُمْ تَكُونُونَ تَتَكَلَّمُونَ فِي الْهَوَاءِ: إن التحدث بألسنة في اجتماع الكنيسة لا ينفع أي شخص آخر؛ فهو ببساطة بلا معنى ولا يصل لقلوب وعقول الآخرين.
- قد يُرضي فضول الشخص أن يستمع لشخص آخر وهو يتكلم بألسنه، لكنه لا يُبنى روحيًا.
و ) الآيات (١٠-١١): يمكن فهم جميع اللغات إذا عرفنا المعنى.
١٠رُبَّمَا تَكُونُ أَنْوَاعُ لُغَاتٍ هذَا عَدَدُهَا فِي الْعَالَمِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا بِلاَ مَعْنىً. ١١فَإِنْ كُنْتُ لاَ أَعْرِفُ قُوَّةَ اللُّغَةِ أَكُونُ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ أَعْجَمِيًّا، وَالْمُتَكَلِّمُ أَعْجَمِيًّا عِنْدِي.
- وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا بِلاَ مَعْنىً: يُمكننا التواصل من خلال استخدام اللغات التي وهبها الله لنا لأننا خُلقنا على صورته.
- أَنْوَاعُ لُغَاتٍ هذَا عَدَدُهَا فِي الْعَالَم: يَعرف اللُغويون المعاصرون أن اللغة لا يمكن أن تكون من اختراع الإنسان، تمامًا كما يعرفوا أن جهاز الدورة الدموية ليس من اختراع الإنسان. فمعظم اللغويين الرافضين لوجود لله يعتقدون أن استخدام الإنسان للغة هو جزء من عملية تطور فريدة، مع أن الأكثر منطقية هو أن نعتقد أن هذه القدرة الفريدة، هي جزء من خلق الله للإنسان على صورته.
- لا يمكن أن تكون اللغة هي نتاج جمع الإنسان لبعض الأصوات بمفرده. فهناك العديد من الأصوات البشرية المتعارف عليها عالميًا مع أنها ليست جزءًا من أي لغة بشرية، مثال بعض الأصوات التي نصدرها بأفواهنا. فإذا كان الإنسان هو الذي اخترع اللغة بنفسه، فسيكون من المنطقي أن تستخدم بعض اللغات تلك الأصوات.
- اللغات معقدة للغاية لأنها موجودة كنظم متكاملة، وليس كأجزاء صغيرة تم تجميعها معًا. ويعتقد معظم اللغويين المعاصرين أن جميع اللغات قد نشأت من لغة أصلية واحدة.
- أَنْوَاعُ لُغَاتٍ هذَا عَدَدُهَا فِي الْعَالَمِ: بما أننا نعرف أن اللغة هي موهبة من الله، وبما أن جميع اللغات لها معنى، لذلك فإن التكلم بألسنة هو استخدام لغة يفهمها الله، حتى لو لم يستطع أي شخص آخر أن يفهمها – بما فيهم نحن.
ز ) الآيات (١٢-١٤): لماذا تكون طبيعة موهبة الألسنة سببًا في جعلها أقل استخدامًا في بناء الكنيسة ككل.
١٢هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا، إِذْ إِنَّكُمْ غَيُورُونَ لِلْمَوَاهِبِ الرُّوحِيَّةِ، اطْلُبُوا لأَجْلِ بُنْيَانِ الْكَنِيسَةِ أَنْ تَزْدَادُوا. ١٣لِذلِكَ مَنْ يَتَكَلَّمُ بِلِسَانٍ فَلْيُصَلِّ لِكَيْ يُتَرْجِمَ. ١٤لأَنَّهُ إِنْ كُنْتُ أُصَلِّي بِلِسَانٍ، فَرُوحِي تُصَلِّي، وَأَمَّا ذِهْنِي فَهُوَ بِلاَ ثَمَرٍ.
- اطْلُبُوا لأَجْلِ بُنْيَانِ الْكَنِيسَةِ أَنْ تَزْدَادُوا: يجب أن تكون المنفعة المتبادلة هي الهدف الأساسي في اجتماعات الكنيسة. إذا لزم التكلُّم بألسنة، فيجب أن يكون هناك ترجمة، حتى يكون استخدام هذه الموهبة للبنيان.
- إذا كانت الألسنة هدفها التحدث إلى الله، فكيف يمكن أن تكون ترجمتها لبينان الآخرين؟ الترجمة سوف تبنينا ككنيسة كما تفعل قراءتنا للمزامير أو عندما يصلي أحدهم أو يسبح.
- لِذلِكَ مَنْ يَتَكَلَّمُ بِلِسَانٍ فَلْيُصَلِّ لِكَيْ يُتَرْجِمَ: يشير بولس هنا إلى ترجمة الألسنة وليس إلى الألسنة نفسها. ويقترح على من يتكلم بلغة أخرى أن يصلي طالباً موهبة تفسير اللغة أيضًا. إذاً، ليس من الضروري أن تسمع الكنيسة الصوت غير الواضح المذكور في كورنثوس ٨:١٤، فما يهم في النهاية هو بنيان الكنيسة وهذا سيحدث بترجمة اللسان.
- رُوحِي تُصَلِّي، وَأَمَّا ذِهْنِي فَهُوَ بِلاَ ثَمَرٍ: التكلم بالألسنة هو التواصل مع الله بطريقة تتجاوز إدراكنا المحدود. فذهني لا ينتفع شيئًا عندما أتكلم بألسنة (فَهُوَ بِلاَ ثَمَر)، ولكن رُوحِي تُصَلِّي.
- بقوله رُوحِي تُصَلِّي، يؤكد بولس مجددًا على الهدف الأساسي لموهبة الألسنة هو التواصل مع الله وليس الإنسان.
- بالنسبة للبعض، لا يعد تجاوُز الذهن أمرًا مرغوبًا فيه، فهم لا يبغون أبدًا التواصل مع الله إلا من خلال أذهانهم. وبينما نُقدّر عقولنا وأذهاننا، ونكرس أنفسنا لمحبة الله بكل فكرنا (متى ٣٧:٢٢)، إلا أننا نُقدّر أيضًا حدود الذهن، ونشكر الله على وجود طريقة للتواصل معه تتجاوز محدودية العقل.
- إذا كان الشخص راضيًا تمامًا بقدرته على التواصل مع الله من خلال ذهنه، فهو لا يحتاج حقًا إلى موهبة الألسنة.ولكن إذا جاء اليوم الذي رغب فيه في التواصل مع الله بما يتجاوز قدرة ذهنه، فعليه أن يطلب موهبة الألسنة من الله.
- إذا كان ذِهْننا بِلاَ ثَمَرٍ، فكيف يتكلم المرء بألسنة؟ قد يختلف قليلًا اختبار كل شخص عن الآخر، لكن بشكلٍ عام، يمكننا تقديم بعض الملاحظات عن التكلُّم بألسنة:
- لا يحدث ذلك بمجرد أن يفتح المرء فمه.
- لا يحدث ذلك بمجرد تحريك لسانه ثم يعطيه الله لسان.
- لا يحدث ذلك عندما يُكرر كلمة أو عبارة لا معنى لها بشكل سريع إلى أن يعطيه الله لسان.
- في الواقع، تعمل لغة الألسنة تمامًا مثل اللغات التي نفهمها، حيث تأتي الكلمة أو الصوت إلى أذهاننا فنتلفظ بها، ثم يواصل المرء ببساطة نطق الكلمات والأصوات التي تأتي في ذهنه، واثقًا أن الله يفهم ما يقوله وأن ما يُقال في الروح مناسب تمامًا لتلك اللحظة.
- هل من الممكن أن يتكلم المرء بألسنة فينطق بكلمات تجديف رهيبة دون أن يدري؟ لا، ليس هذا ممكنًا. يبدأ بولس كل هذا الجزء عن المواهب الروحية بمبدأ: “لِذلِكَ أُعَرِّفُكُمْ أَنْ لَيْسَ أَحَدٌ وَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِرُوحِ اللهِ يَقُولُ: «يَسُوعُ أَنَاثِيمَا». وَلَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَقُولَ: «يَسُوعُ رَبٌّ» إِلاَّ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ.” (كورنثوس الأولى ٣:١٢). وكما ذكّرنا يسوع: “لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْأَلُ يَأْخُذُ، وَمَنْ يَطْلُبُ يَجِدُ، وَمَنْ يَقْرَعُ يُفْتَحُ لَهُ. فَمَنْ مِنْكُمْ، وَهُوَ أَبٌ، يَسْأَلُهُ ابْنُهُ خُبْزًا، أَفَيُعْطِيهِ حَجَرًا؟ أَوْ سَمَكَةً، أَفَيُعْطِيهِ حَيَّةً بَدَلَ السَّمَكَةِ؟ أَوْ إِذَا سَأَلَهُ بَيْضَةً، أَفَيُعْطِيهِ عَقْرَبًا؟ فَإِنْ كُنْتُمْ وَأَنْتُمْ أَشْرَارٌ تَعْرِفُونَ أَنْ تُعْطُوا أَوْلاَدَكُمْ عَطَايَا جَيِّدَةً، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ الآبُ الَّذِي مِنَ السَّمَاءِ، يُعْطِي الرُّوحَ الْقُدُسَ لِلَّذِينَ يَسْأَلُونَهُ؟».” (لوقا ١٠:١١-١٣). فلا حاجة للخوف من أننا سنجد الشيطان أثناء سعينا بصدق لطلب الله.
- هناك مبدأ عام آخر يتعلق بمواهب الروح القدس: وَأَرْوَاحُ الأَنْبِيَاءِ خَاضِعَةٌ لِلأَنْبِيَاءِ. (كورنثوس الأولى ٣٢:١٤). فلن يجعل الروح القدس شخصًا يصرخ أو يتكلم بألسنة بطريقة غريبة. وعلى الرغم من أن الشخص قد يفعل ذلك بمبادرته الشخصية، لكن لا ينبغي أن يُنسِب هذا للروح القدس.
ح ) الآيات (١٥-١٩): النتيجة: متى نستخدم أو لا نستخدم موهبة الألسنة.
١٥فَمَا هُوَ إِذًا؟ أُصَلِّي بِالرُّوحِ، وَأُصَلِّي بِالذِّهْنِ أَيْضًا. أُرَتِّلُ بِالرُّوحِ، وَأُرَتِّلُ بِالذِّهْنِ أَيْضًا. ١٦وَإِلاَّ فَإِنْ بَارَكْتَ بِالرُّوحِ، فَالَّذِي يُشْغِلُ مَكَانَ الْعَامِّيِّ، كَيْفَ يَقُولُ «آمِينَ» عِنْدَ شُكْرِكَ؟ لأَنَّهُ لاَ يَعْرِفُ مَاذَا تَقُولُ! ١٧فَإِنَّكَ أَنْتَ تَشْكُرُ حَسَنًا، وَلكِنَّ الآخَرَ لاَ يُبْنَى. ١٨أَشْكُرُ إِلهِي أَنِّي أَتَكَلَّمُ بِأَلْسِنَةٍ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِكُمْ. ١٩وَلكِنْ، فِي كَنِيسَةٍ، أُرِيدُ أَنْ أَتَكَلَّمَ خَمْسَ كَلِمَاتٍ بِذِهْنِي لِكَيْ أُعَلِّمَ آخَرِينَ أَيْضًا، أَكْثَرَ مِنْ عَشْرَةِ آلاَفِ كَلِمَةٍ بِلِسَانٍ.
- فَمَا هُوَ إِذًا؟ أُصَلِّي بِالرُّوحِ، وَأُصَلِّي بِالذِّهْنِ أَيْضًا. أُرَتِّلُ بِالرُّوحِ، وَأُرَتِّلُ بِالذِّهْنِ أَيْضًا: يستخدم بولس موهبة الألسنة بكثرة سواء في الصلاة أو في الترتيل. وَلكِنْ، فِي كَنِيسَةٍ، أُرِيدُ أَنْ أَتَكَلَّمَ خَمْسَ كَلِمَاتٍ بِذِهْنِي.. أَكْثَرَ مِنْ عَشْرَةِ آلاَفِ كَلِمَةٍ بِلِسَانٍ. لذلك، كان استخدام بولس للألسنة فقط أثناء عبادته الشخصية للرب.
- يشير بولس هنا إلى كيفية الترتيل بالروح. فقد يمنحنا الله لسان مع لحن أثناء العبادة. ولكن، استنادًا إلى المبادئ الواردة في هذا الأصحاح، إذا حدث ذلك، فلا ينبغي أن يكون بطريقة تجذب الانتباه أو تُشتت الآخرين.
- وَإِلاَّ فَإِنْ بَارَكْتَ بِالرُّوحِ، فَالَّذِي يُشْغِلُ مَكَانَ الْعَامِّيِّ، كَيْفَ يَقُولُ «آمِينَ» عِنْدَ شُكْرِكَ؟: إذا لم يفهم أحد شكري لله، فلن يستطيع أن يقول معي “«آمِينَ». فعندما اجتَمع مع مؤمنين آخرين، لا يجب أن أفعل شيء خاص بي لمجرد أنه يباركني، يجب أن أهتم بمشاعر من حولي أيضًا.
- على ما يبدو، كانت العادة في الكنيسة الأولى أن يُقال «آمِينَ» عندما يصلي شخص أو ربما أثناء العظة. “لقد كان شائعًا أن يُعربوا عن استحسانهم في وسط الاجتماعات العامة بقول آمين. فهذه الممارسة، التي تتم في تقوى وورع، قد تكون ذات فائدة كبيرة في كنيسة المسيح.” كلارك (Clarke)
- وفقًا لكلارك (Clarke)، اعتقد بعض اليهود قديمًا أنه من المهم جدًا أن يقولوا «آمِينَ» لدرجة أنهم “وعدوا بغفران جميع الخطايا وإبطال حكم الإدانة، وفتح بوابة السماء لأولئك الذين يقولون آمين بحرارة.”
- من المؤكد أنه لا يوجد خطأ في قول جماعة المُصليين لكلمة «آمِينَ» طالما أنها لبركة الجميع وليس لقائلها فقط!
- فَإِنَّكَ أَنْتَ تَشْكُرُ حَسَنًا، وَلكِنَّ الآخَرَ لاَ يُبْنَى: يستمر بولس في تأكيده على توجيه الألسنة إلى الله وليس الناس. فيوضح في هذه الفقرة ما يجب أن نفعله بموهبة الألسنة: أن نصلي ونُرتّل ونبارك ونشكر.
- أَشْكُرُ إِلهِي أَنِّي أَتَكَلَّمُ بِأَلْسِنَةٍ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِكُمْ: بينما نفهم هنا قيمة موهبة الألسنة بالنسبة لحياة بولس التعبدية أمام الرب، إلا أن اهتمامه أثناء الاجتماعات كان بالمؤمنين الآخرين. فلم يسعي لنوال البركة الشخصية، بقدر أن يكون هو نفسه بركة.
ط ) الآيات (٢٠-٢٥): موهبة الألسنة وغير المؤمنين في اجتماعات الكنيسة.
٢٠أَيُّهَا الإِخْوَةُ، لاَ تَكُونُوا أَوْلاَدًا فِي أَذْهَانِكُمْ، بَلْ كُونُوا أَوْلاَدًا فِي الشَّرِّ، وَأَمَّا فِي الأَذْهَانِ فَكُونُوا كَامِلِينَ. ٢١مَكْتُوبٌ فِي النَّامُوسِ: «إِنِّي بِذَوِي أَلْسِنَةٍ أُخْرَى وَبِشِفَاهٍ أُخْرَى سَأُكَلِّمُ هذَا الشَّعْبَ، وَلاَ هكَذَا يَسْمَعُونَ لِي، يَقُولُ الرَّبُّ». ٢٢إِذًا الأَلْسِنَةُ آيَةٌ، لاَ لِلْمُؤْمِنِينَ، بَلْ لِغَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ. أَمَّا النُّبُوَّةُ فَلَيْسَتْ لِغَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، بَلْ لِلْمُؤْمِنِينَ. ٢٣فَإِنِ اجْتَمَعَتِ الْكَنِيسَةُ كُلُّهَا فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ، وَكَانَ الْجَمِيعُ يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ، فَدَخَلَ عَامِّيُّونَ أَوْ غَيْرُ مُؤْمِنِينَ، أَفَلاَ يَقُولُونَ إِنَّكُمْ تَهْذُونَ؟ ٢٤وَلكِنْ إِنْ كَانَ الْجَمِيعُ يَتَنَبَّأُونَ، فَدَخَلَ أَحَدٌ غَيْرُ مُؤْمِنٍ أَوْ عَامِّيٌّ، فَإِنَّهُ يُوَبَّخُ مِنَ الْجَمِيعِ. يُحْكَمُ عَلَيْهِ مِنَ الْجَمِيعِ. ٢٥وَهكَذَا تَصِيرُ خَفَايَا قَلْبِهِ ظَاهِرَةً. وَهكَذَا يَخِرُّ عَلَى وَجْهِهِ وَيَسْجُدُ للهِ، مُنَادِيًا: أَنَّ اللهَ بِالْحَقِيقَةِ فِيكُمْ.
- لاَ تَكُونُوا أَوْلاَدًا فِي أَذْهَانِكُمْ: لقد أظهر أهل كورنثوس أنهم أَوْلاَدًا غير ناضجين بسبب رغبتهم الأنانية في بناء أنفسهم على حساب الآخرين أثناء الاجتماعات. لذلك، يوجههم بولس إلى دعوة أسمى.
- مَكْتُوبٌ فِي النَّامُوسِ: يقتبس بولس هنا من إشعياء ١١:٢٨-١٢، حيث يعلن النبي إشعياء الدينونة على بني إسرائيل لأنهم لم يتقبلوا كلمة الأنبياء الذين كلموهم بلغتهم، لذلك فهم سوف يسمعون صوت ذَوِي أَلْسِنَةٍ أُخْرَى وَشِفَاهٍ أُخْرَى. فتحدث الغزاة الآشوريين بلغة لم يستطع بني إسرائيل فهمها، وكانت بمثابة دينونة عليهم. “وَلاَ هكَذَا يَسْمَعُونَ لِي” يَقُولُ الرَّبُّ.
- إِذًا الأَلْسِنَةُ آيَةٌ: بحسب إشعياء ٢٨، كانت الألسنة آية للدينونة على بني إسرائيل عندما تكلم الغزاة بألسنة غير معروفة بالنسبة لهم. ويشير بولس إلى أن الأَلْسِنَةُ آيَةٌ ليومنا هذا أيضًا.
- في إشعياء ٢٨، لم تكن الألسنة الغريبة بركة بل لعنة. فيُحذّر بولس قائلًا: “احذر من ألا يكون الأمر كذلك الآن: أنه، من خلال الاسترسال في الموهبة، يُنسى الواهب، وما كان مُصممًا ليكون بركة، قد يصبح لك لعنة… قد يلعن الله بركاتك.” كلارك (Clarke)
- لاَ لِلْمُؤْمِنِينَ، بَلْ لِغَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ. أَمَّا النُّبُوَّةُ فَلَيْسَتْ لِغَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، بَلْ لِلْمُؤْمِنِينَ: تقدم القراءة المباشرة للنص هنا واحدة من أصعب فقرات العهد الجديد. يقول بولس بوضوح أن الألسنة هي آية لِغَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، والنُبوَّة هي آية لِلْمُؤْمِنِينَ.
- تظهر المشكلة عندما نراجع ما يقوله بولس في كورنثوس الأولى ٢٣:١٤-٢٥. أولًا، إذا سمع غير المؤمنين ألسنة في اجتماع، فلن يُباركوا بل يَقُولُونَ إِنَّكُمْ تَهْذُونَ. ثانيًا، إذا وبخت النبوة قلب غير المؤمن، فقد يكون رد فعله أن يَخِرُّ عَلَى وَجْهِهِ وَيَسْجُدُ للهِ، مُنَادِيًا: أَنَّ اللهَ بِالْحَقِيقَةِ فِيكُمْ. فيبدو أن بولس يُشير إلى عدم فائدة الألسنة لغير المؤمنين، وبالمقابل، فائدة النبوة بالنسبة لغير المؤمنين. إذًا، كيف يمكن أن تكون الألسنة آية لِغَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، وتكون النُبُوَّة آية لِلْمُؤْمِنِينَ؟ يبدو كما لو أن هناك تناقضًا بين كورنثوس الأولى ٢٢:١٤ و ٢٣:١٤-٢٥.
- ربما يقول بولس أن الألسنة هي بالفعل آية لغير المؤمنين لكنها ليس آية إيجابية بل آية للدينونة، كما كانت ألسنة الآشوريين في أيام إشعياء. وهكذا، فإن الألسنة تكون في الواقع آية لإدانة لغير المؤمنين، لأنهم يعتبرون أن المُتكلمين بألسنة يهذون.
- اعتقد البعض الآخر أن المشكلة هنا ترجع إلى خطأ في نسخ الآية حدث في وقت مبكر جدًا من تاريخ الكتاب المقدس. فعلى سبيل المثال، يعتقد المترجم المُوقّر ج. ب. فيليبس (JB Phillips) أن كاتبًا قديمًا قام بخلط ترتيب كلمات بولس في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس ٢٢:١٤، فكان من المفروض أن تُقرأ الآية هكذا: إذًا الألسنة آية لقوة الله، لا لغير المؤمنين، بل للمؤمنين. أما الوعظ بكلمة الله، فمن ناحية أخرى، هو آية لقوة الله لغير المؤمنين، لا للمؤمنين. ومن المهم أن نلاحظ أن فيليبس لا يُنسِب الخطأ للروح القدس، بل لناسخ كلمات الوحي.
- مبدأ جيد لفهم الكتاب المقدس هو دائمًا تفسير ما يصعب فهمه في ضوء ما هو أسهل فهمًا. فتبدو الآية في كورنثوس الأولى ٢٣:١٤-٢٥ أسهل فهمًا، لأنه من السهل أن نرى كيف يمكن لغير المؤمن الذي يسمع المؤمنين المُتكلمين بألسنة أن يقول إِنّهُمْ يَهْذُونَ. ومن السهل أيضًا أن نرى أن النُبُوَّة يمكن أن تدين قلب غير المؤمن، فتقوده إلى التوبة، فيَخِرُّ عَلَى وَجْهِهِ وَيَسْجُدُ للهِ، مُنَادِيًا: أَنَّ اللهَ بِالْحَقِيقَةِ فِيكُمْ. لذا، في حين أننا قد لا نفهم بالضبط ما يعنيه بولس بقوله أن الأَلْسِنَةُ آيَةٌ، لاَ لِلْمُؤْمِنِينَ، بَلْ لِغَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، نحن نعرف أنه لا يعني أن الألسنة “تخدم” أو تبني غير المؤمن ولا تقربه من الله؛ بل قد تُبعده.
- يمكننا أيضًا أن نفهم أن الهدف الرئيسي لموهبة الألسنة ليس أن تكون آية لغير المؤمنين. فحتى على افتراض أن هذا هو ما كتبه بولس في الأساس بوحي من الروح القدس، فلدى بولس الكثير ليقوله عن دور الألسنة في تواصل المؤمن الشخصي مع الله. وربما يقول بولس شيئًا كهذا: “إذا كنت تُصِر على التكلم بألسنة في اجتماعات كنيستك، بدلاً من أن تفعل ذلك في عبادتك الشخصية، فإن الشيء الجيد الوحيد الذي ينتج عن تلك الآية هو إدانة غير المؤمنين. لأنهم يعتقدون أنك مجنون عندما يسمعونك تتكلم بألسنة، فهذا يدل ببساطة على أنهم لا يفهمون أمور الله وأنهم مُتجهون نحو الدينونة. ولكن كم من الأفضل أن تُركز على النُبُوَّة بدلاً من الألسنة، عندئذٍ يمكن أن يُبارَك الجميع، المؤمن وغير المؤمن معًا!”
- هكَذَا تَصِيرُ خَفَايَا قَلْبِهِ ظَاهِرَةً: يمكن أن يحدث هذا من خلال موهبة النُبوَّة بشكل واضح ومباشر أو عن طريق كلمات الوعظ أو التعليم التي قد تخفي في طياتها رسالة تقود الكثيرين إلى الإيمان بفعل عمل الروح القدس.
ثانيًا. تطبيق هذه المبادئ على العبادة العامة
أ ) الآية (٢٦): مبدأ عام لقيادة اجتماعات الكنيسة: فَلْيَكُنْ كُلُّ شَيْءٍ لِلْبُنْيَانِ
٢٦فَمَا هُوَ إِذًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ؟ مَتَى اجْتَمَعْتُمْ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ لَهُ مَزْمُورٌ، لَهُ تَعْلِيمٌ، لَهُ لِسَانٌ، لَهُ إِعْلاَنٌ، لَهُ تَرْجَمَةٌ. فَلْيَكُنْ كُلُّ شَيْءٍ لِلْبُنْيَانِ.
- مَتَى اجْتَمَعْتُمْ: يكتب بولس هنا، كما في الجزء السابق من الأصحاح، عن سلوك مؤمني كورنثوس مَتَى اجْتَمَعوا للشَرِكة وسماع الكلمة.
- فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ لَهُ مَزْمُورٌ، لَهُ تَعْلِيمٌ، لَهُ لِسَانٌ، لَهُ إِعْلاَنٌ، لَهُ تَرْجَمَةٌ: يرى بولس أن اجتماع الكنيسة هو وقت يأتي فيه الناس للمشاركة وتبادل العطاء، وليس فقط للأخذ.
- يمكننا أن نتصوُّر بسهولة كيف كان يجب أن تعمل هذه الديناميكية بين مؤمني كورنثوس. فقد كانوا يجتمعون، بدافع الضرورة، في البيوت في كل أنحاء مدينة كورنثوس. فكان من الضروري أن تكون هناك حرية في الإجتماعات وأن يأخذ كل شخص دور ما أثناء العبادة. فقد يعطي الشخص من خلال قراءة أو ترتيل مزمور أو تَعْلِيم أو صلاة بلِسَانٌ، لَهُ تَرْجَمَةٌ، وقد يكون لشخص آخر إِعْلاَنٌ؛ أي كلمة من قلب وفكر الله إلى الكنيسة المجتمعة. هذا ما يجب أن تكون عليه الكنيسة.
- عندما يجتمع المزيد من الأشخاص معًا، تكون المشاركة أصعب. ففي مجموعة مكونة من عشرة أشخاص، تَسهُل المشاركة مع كل الحاضرين. لكن بين ثلاثين أو ستين أو مائة شخص، ليس هناك متسع من الوقت يسمح بمشاركة الجميع. بالإضافة إلى ذلك، يميل البعض في المجموعة الأكبر إلى لفت الإنتباه لأنفسهم. إذا كان هذا يحدث بين عشرة أشخاص، فكم بالحري بين مائة شخص! لهذا السبب، يُبَارك الكثيرون ويجدون نموًا روحيًا كبيرًا من خلال المجموعات المنزلية لأنها توفر البيئة المثالية لأن يقوم كل فرد بمشاركة أمرٍ ما مع الآخرين. وقد أدى الجوع لهذا النوع من المشاركة إلى نمو كبير للكنيسة المنزلية في جيلنا.
- في الوقت نفسه، هناك مخاطر محتملة لهذا النهج. فمن السهل لذوي العقيدة الهزيلة أو الشخصية الضعيفة السيطرة على المجموعة. ومن السهل على المجموعة ألا تركز على حق الكلمة ولكن على كيفية “شعور” المرء بها. وصف سبيرجن (Spurgeon) ذات مرة رجلاً قادمًا من أحد هذه الاجتماعات، وقابل صديقًا سأله: ’كيف كان الاجتماع؟‘ أجاب الرجل: ’كان رائعًا. لم يكن أي منا يعرف شيئًا فعَلَّمنا بعضنا البعض!‘
- يصح أن نقول إنه عندما يتعلق الأمر بمسألة “الكنيسة المنزلية” أو “الكنيسة العامة” لا يوجد “صواب” أو “خطأ.” لقد استخدم الله، ولا زال يستخدم، وسوف يستخدم كلتاهما، لأن كل منهما ضروري ومطلوب بشدة لصحة وقوة جسد المسيح كله اليوم.
- في نفس الوقت، يمكن أن يكون لك شركة مع الجميع في كنيستك المحلية. وكل ما عليك فعله هو أن تصلي كي أن يفتح الله أمامك الفرصة لبركة الآخرين. ويمكنك أن تفعل هذا قبل اجتماع الكنيسة أو بعده، فالأمر لن يستغرق طويلاً، بل سيكون هذا أفضل وأروع وقت للخدمة. فمن الخطأ أن يعتقد الشخص أنه لا يستطيع أن يبارك الآخرين ما لم يعتلي المنبر ليُلقي كلمة. يمكننا مباركة الآخرين عندما نبحث عن فرصة للصلاة مع الناس أو لتشجيعهم ومساعدتهم ومقابلتهم ومحبتهم في كل مرة يأتون فيها إلى الكنيسة.
- فَلْيَكُنْ كُلُّ شَيْءٍ لِلْبُنْيَانِ: إن الهدف من التجمع ككنيسة ليس هو التسلية، ولا حتى أن نكون “سعداء بالبركة.” فنحن نجتمع لِلْبُنْيَانِ، من أجل البناء الروحي الذي نحتاج إليه لكي نعيش حياة تُمجّد يسوع المسيح خارج جدران الكنيسة. كما قال بولس في أفسس ١٢:٤، إن الهدف هو تكميل القديسين لعمل الخدمة، لبُنيان جسد المسيح. نحن نحصل على القوة، والبناء، والاكتمال عندما نجتمع معًا كعائلة كنسية، ثم نخرج لكي نعيش حياتنا المسيحية في الخارج.
- عبارة فَلْيَكُنْ كُلُّ شَيْءٍ لِلْبُنْيَانِ تنظر إلى خارج الذات، فهي لا تعني أن يكون كل ما يُفعَل هو لبنياني الشخصي، بل أن الجميع يأتون إلى الكنيسة بقلب يبغي بناء الآخرين.
- “يُعد التَرَف الروحي شر جسيم؛ ولكننا نراه في كل مكان حولنا. ففي أيام الأحد، يجب تغذية هؤلاء المتكاسلين بشكل جيد. فهم يبحثون عن تلك العظات التي تُغذي أرواحهم، ولا يفكرون مُطلقًا في أنه يجب القيام بشيء آخر بجانب حصولهم على التغذية.” سبيرجن (Spurgeon)
ب) الآيات (٢٧-٢٨): تعليمات خاصة بالتكلم بألسنة علانية.
٢٧إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَتَكَلَّمُ بِلِسَانٍ، فَاثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، أَوْ عَلَى الأَكْثَرِ ثَلاَثَةً ثَلاَثَةً، وَبِتَرْتِيبٍ،وَلْيُتَرْجِمْ وَاحِدٌ. ٢٨وَلكِنْ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَرْجِمٌ فَلْيَصْمُتْ فِي الْكَنِيسَةِ، وَلْيُكَلِّمْ نَفْسَهُ وَاللهَ.
- إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَتَكَلَّمُ بِلِسَانٍ: يجب أن نتذكر أن بولس كان يفكر في المقام الأول في الإجتماعات البيتية، ومع أنه لم يمنع التكلم بألسنة، لأن ترجمتها قد تكون بركة للآخرين، إلا أنه لم يُشجعها أيضًا.
- لذا، يجب ضبط الألسنة بعناية في اجتماع الكنيسة.
- اثْنَيْنِ أَوْ عَلَى الأَكْثَرِ ثَلاَثَةً: إذا كان عليك التكلم بألسنة في الكنيسة، فلا تصرف الكثير من الوقت على ذلك. لا تُركّز على الألسنة.
- بِتَرْتِيبٍ: لا ينبغي أن يتكلم أكثر من شخص في نفس الوقت.
- وَلْيُتَرْجِمْ وَاحِدٌ: لا تتكلم بألسنة على الإطلاق – حتى لو اثْنَيْنِ، أَوْ عَلَى الأَكْثَرِ ثَلاَثَةً أو لو بِتَرْتِيبٍ – ما لم يكن هناك ترجمة.
- إن التكلم بألسنة في الكنيسة دون مراعاة هذه الإرشادات الكتابية يعد أمرًا خاطئًا. قد يكون الدافع جيد ومن قلب صالح، لكنه لا يزال خطأ، لأنه يتعارض مع تعاليم الإنجيل البسيطة.
- كيف تبرر بعض الكنائس ممارستهم لتكلُّم الجميع بألسنة في نفس الوقت، وبصوت عالٍ؟ يخطئ الكثيرون في التمييز بين التكلم بألسنة وبين استخدام لغة غريبة في الصلاة. قد يقول البعض أن بولس يُنظّم هنا التكلم بألسنة، لكن ليس هناك تنظيم للصلاة. وهذا تمييز مُضلِل وعذر لعدم إطاعة الكتاب المقدس.
- ماذا عن المناسبات التي تكلم فيها كثيرون بألسنة في نفس الوقت وبدون ترجمة، مثلما حدث يوم الخمسين في أعمال الرسل ٢؟ نستطيع القول بأنهم في حماستهم وفرحتهم، تجاوزوا الترتيب الكتابي، ولكن بدون أن يحدث أي ضرر، على الرغم من أن غير المؤمنين اعتقدوا أن المتكلمين باللسان كانوا في حالة سُكر. لا يجب أن نخشى من التجاوز البسيط الذي يُمكن توجيهه بحسب ترتيب الكتاب المقدس. إذا بالغنا في الخوف، لن نُقاد أبدًا بحرية بواسطة الروح القدس، بل سيكون لنا “ترتيب” الجسد الميت. قد يكون هذا أكثر أمانًا، ولكن بدون حياة.
- إِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَرْجِمٌ فَلْيَصْمُتْ فِي الْكَنِيسَةِ: يوضح بولس هنا أن موهبة الألسنة هي تحت سيطرة الشخص الذي يملُكها. فهو ليس “مُجبرًا” من الروح القدس على التكلم بألسنة. إذا لم يكن هناك مترجم، يكون المُتكلم بألسنة قادر تمامًا على الَصَمت فِي الْكَنِيسَةِ.
- فَلْيَصْمُتْ فِي الْكَنِيسَة: تُذكرنا هذه العبارة بأن بولس يتحدث عن استخدام موهبة الألسنة في الكنيسة وليس أثناء العبادة الشخصية.
- وَلْيُكَلِّمْ نَفْسَهُ وَاللهَ: ليست المسألة هي إذا كان يمكن لأي شخص أن يتكلم بألسنة أثناء اجتماع الكنيسة أم لا، بل إذا كان يمكنه التكلم بألسنة علنًا أثناء اجتماع الكنيسة. إن له الحرية في التكلم بألسنة مع نَفْسَهُ وَاللهَ.
- مرة أخرى، تعبير ليُكلّم الله يُذكرنا بأن جمهور المتكلم بالألسنة هو الله وليس الناس. وعلى الرغم من أنه قيل أن الألسنة هي آية للناس (كورنثوس الأولى ٢٢:١٤)، فإن هذا لا يعني أنها موجهة إلى الناس على الإطلاق أو أنهم معنيين بها في الأساس. فعندما يتكلم المرء بألسنة فهو يُكلم الله.
ج ) الآيات (٢٩-٣٣): يجب أن تتم النُبُوَّة أيضًا بترتيب.
٢٩أَمَّا الأَنْبِيَاءُ فَلْيَتَكَلَّمِ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ، وَلْيَحْكُمِ الآخَرُونَ. ٣٠وَلكِنْ إِنْ أُعْلِنَ لآخَرَ جَالِسٍ فَلْيَسْكُتِ الأَوَّلُ. ٣١لأَنَّكُمْ تَقْدِرُونَ جَمِيعُكُمْ أَنْ تَتَنَبَّأُوا وَاحِدًا وَاحِدًا، لِيَتَعَلَّمَ الْجَمِيعُ وَيَتَعَزَّى الْجَمِيعُ. ٣٢وَأَرْوَاحُ الأَنْبِيَاءِ خَاضِعَةٌ لِلأَنْبِيَاءِ. ٣٣لأَنَّ اللهَ لَيْسَ إِلهَ تَشْوِيشٍ بَلْ إِلهُ سَلاَمٍ، كَمَا فِي جَمِيعِ كَنَائِسِ الْقِدِّيسِينَ.
- فَلْيَتَكَلَّمِ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ: مثلما يجب تنظيم الألسنة في الكنيسة، هكذا أيضًا يجب تنظيم موهبة النُبوَّة. لا يجب أن يُترك الاجتماع بأكمله للنُبوَّة، ولكن يجب أن يَتَكَلَّمِ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ فقط في أي اجتماع.
- رغم أن بولس يميل إلى استخدام موهبة النُبوَّة في الكنيسة أكثر من استخدام موهبة الألسنة، إلا أنه لا يزال يعتقد بضرورة ترتيب إعلان النُبُوَّة. فلا يجب أبدًا أن تكون مواهب الروح محور حياة الجماعة. فالعبادة والكلمة هما محور التركيز، والمواهب تتدفق بتوجيه من الله، حول محور العبادة والكلمة.
- وَلْيَحْكُمِ الآخَرُونَ: بينما يتكلم أنبياء، يجب أن يحكُم آخرون. لا يجب تلقّي “كلمة من الله” بدون الفحص اللازم من قِبل قادة الكنيسة الحاضرين في الاجتماع. كما قال يوحنا في رسالته الأولى ١:٤ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لاَ تُصَدِّقُوا كُلَّ رُوحٍ، بَلِ امْتَحِنُوا الأَرْوَاحَ: هَلْ هِيَ مِنَ اللهِ؟ لأَنَّ أَنْبِيَاءَ كَذَبَةً كَثِيرِينَ قَدْ خَرَجُوا إِلَى الْعَالَمِ.
- بالفعل كتب بولس في رسالته إلى أهل غلاطية ٨:١ وَلكِنْ إِنْ بَشَّرْنَاكُمْ نَحْنُ أَوْ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ بِغَيْرِ مَا بَشَّرْنَاكُمْ، فَلْيَكُنْ «أَنَاثِيمَا»! حتى إذا جاء ملاك من السماء برسالة، فيجب امتحانه والحكم عليه.
- ما هي معايير الحُكم على نُبُوَّة؟ أولًا، يجب أن يكون الحكم عليها وفقًا لكلمة الله الثابتة المُعلنة. فالله لن يُناقض نفسه أبدًا. وأيضًا لن يعطي نفس القدرة على استقبال النبوة والوحي التي أعطاها للرسل والأنبياء الذين كتبوا العهد الجديد ووضعوا أسس الكنيسة (أفسس ٢٠:٢). من الخطأ أن نفترض أن أي شخص يسمع الله على نحوٍ كاملٍ، وكذلك من الخطأ أن نضع الكثير من الثقة والإيمان في نُبُوَّة. ربما تكون فكرة سيئة أن نسجلها ونتأمل بها. شكرًا لله على البُنيان والوعظ والتسلية الذي ينتج عن النُبُوَّة (كورنثوس الأولى ٣:١٤)، لكن لا تدعها تحجُب كلمة الله الأبدية.
- يتحدث توم ستايب (Tom Stipe) في مقدمة كتاب’النهضة الزائفة‘ عن مشكلة النُبُوَّة التي تحجب الكلمة: بعد بضع سنوات فقط، بدا أن الأنبياء يتحدثون إلى كل الناس عن كل الأشياء تقريبًا. تلقى المئات من الأعضاء “موهبة” النُبوَّة وبدأوا يتاجرون بها بين كلٍ من القادة والرعية. بدأ الناس في حمل مُفكّرات مليئة بالنبوَّات التي وصلتهم من الأنبياء والعرَّافين، كما توافدوا إلى مؤتمرات النُبُوَّة التي بدأت تظهر في كل مكان. يندفع جموع حَمَلة المُفكّرات إلى الأمام على أمل أن يتم اختيارهم لتلقّي المزيد من النُبُوَّات لإضافتها إلى يومياتهم النبوية. لم يمض وقت طويل حتى أصبحت “نُبُوَّة اليوم” هي المصدر الرئيسي للتوجيه، فقد بدأت جموع المؤمنين المُدمَرين في الاصطفاف خارج مكاتبنا الرعوية الخاصة بالمشورة. فالشباب الذي تم وعده بالنجاح والنجومية من خلال النُبوَّة، تُرِكوا يُلملمون أجزاء آمالهم المُحطمة لأن الله، على ما بدا لهم، قد أخفق في تحقيق وعوده. وقد استقبل القادة طوفان من أعضاء الكنيسة الغاضبين الذين تلقوا نُبُوّات عن الخدمات العظيمة التي كان من المُفترض أن يقوموا بها، لولا أنها أُبطِلت من قِبل قادة الكنيسة المحلية الذين فشلوا في إدراك و”تيسير” “مِسحتهم الجديدة.” بعد اتباع نظام حِمية ثابت للتنبؤ، سريعًا ما أصبح بعض الناس أميين من جهة الكتاب المقدس، واختاروا لحياتهم أسلوب “اتصل بنبي” بدلاً من أن تدرس كلمة الله. لقد تُرِك الكثيرون ليحيوا حياتهم ما بين “ورطة” نبوية وأخرى، وكان رجاؤهم دائمًا مُعرَّض لخطر الفشل لأن صوت الله الذي كان محددًا جدًا في الإعلان، أصبح مُحير جدًا عند التحقيق. فامتلاك رقم هاتف نبي كان أشبه بامتلاك مخزن من التوجيهات الثمينة. لقد استُبدِلت قراءة الكتاب المقدس في اجتماعات الكنيسة بقراءة المُفكِرات الصغيرة التي تشبث بها البعض.
- هناك معيار آخر للحكم على النُبُوَّة وهو معيار الاتفاق. يُعلن بولس في رسالته الثانية لأهل كورنثوس ١:١٣ مبدأ قد تكرر ست مرات على الأقل في الكتاب المقدس: «عَلَى فَمِ شَاهِدَيْنِ وَثَلاَثَةٍ تَقُومُ كُلُّ كَلِمَةٍ». فالله سيؤكد كلمته للقادة في الاجتماع. لذلك، قد يتم الحكم على “نُبُوَّة” على أنها ليست من عند الله، ليس لأنها تتناقض مع الكتاب المقدس، ولكن لأن القيادة حكمت بأنها ليست ما أراد الله أن يقوله لجسد الكنيسة في ذلك الوقت.
- ماذا يكون التصرف تجاه شخص تكلم بنُبُوَّة حُكِم عليها بأنها ليست من عند الله؟ ينبغي أن تُعلن قيادة الكنيسة بلطف إنها لا تُصَدِق على تلك الكلمة. وبافتراض أن قلب هذا الشخص مستقيم، لا يجب اعتباره أبدًا “نبيًا كاذبًا” أو خطرًا. فربما أخذ شيئًا هو فقط المعني به أو يخص شخص آخر فقط، لكنه نقله للمجموعة كلها أو ربما أنقص أو أضاف إلى ما أراد ألله أن يقوله، وهكذا تغيرت الرسالة بشكل كبير. فإن كان قلب الشخص مستقيم، ينبغي أن يتشجع لأخذ خطوات سريعة في الإيمان والثقة بأن الله يريد أن يستخدمه. أما إذا كان للشخص قلب خاطئ أو يتحدث دائمًا بكلمات نبوة غير صحيحة، فهو بحاجة للإرشاد.
- إذا استُخدِمت موهبة النُبُوَّة بشكل صحيح، يمكن أن تكون سبب بركة عظيمة للكنيسة. عندئذ لن تعمل الموهبة فقط من تلقاء نفسها من خلال الوعظ، بل ستأتي أيضًا من خلال أفراد عائلة الكنيسة. في أواخر القرن الثاني وبداية القرن الثالث، يصف قائد الكنيسة الأول ترتليان Tertullian (١٦٠-٢١٥) كيف نجحت الموهبة في اجتماعات كنيستهم: بيننا الآن، أخت قد منحها الله مواهب رؤيا متعددة تختبرها بفرح في الروح وسط الشعائر المقدسة ليوم الرب في الكنيسة؛ إنها تتحدث مع الملائكة، وأحيانًا مع الرب؛ إنها ترى وتسمع اتصالات غامضة. كما أنها تفهم بعض قلوب الناس، ولأولئك المحتاجون تقوم بتقديم العلاج. يُتاح لها أن ترى رؤى أثناء كل الخدمات الدينية مثل قراءة الكتاب المقدس أو ترتيل المزامير أو في العظات أو في الصلوات… بعد انصراف الناس، في ختام الخدمات المقدّسة، أصبحت في العادة تقوم بإبلاغنا بكل ما رأته في رؤياها؛ وجميع اتصالاتها يتم فحصها بأقصى تدقيق ممكن، حتى تنكشف حقيقتها… وقد تنبأ الرسول بكل تأكيد بأن هناك مواهب روحية في الكنيسة (كورنثوس الأولى ١:١٢-١١). (ترتليان Tertullian، “أطروحة عن الروح Treatise on the Soul “، الفصل التاسع آباء ما قبل نيقيه -Ante Nicean Fathers، المجلد الثالث، صفحة ١٨٨).
- تصف كلمات ترتليان ممارسة مواهب الروح التي تتماشى مع الكتاب المقدس. لاحظنا واحدةً تتنبأ. فهي تسمع صوت الرب وترى رؤى وتتحدث بكلمات علم وتشجيع. وتجدر الإشارة إلى أنها لم تصرخ مُعلنة “رؤاها” أثناء الاجتماع، لكنها قدمتها بتواضع لقيادة الكنيسة بعد انتهاء الاجتماع العام. لم تستقبل قيادة الكنيسة أقوالها بالشك، بل حكمت عليها بحكمة وتمييز. لا يزال الله يتكلم بهذه الطريقة.
- فَلْيَسْكُتِ الأَوَّلُ.. تَقْدِرُونَ جَمِيعُكُمْ أَنْ تَتَنَبَّأُوا وَاحِدًا وَاحِدًا.. وَأَرْوَاحُ الأَنْبِيَاءِ خَاضِعَةٌ لِلأَنْبِيَاء: يوضح بولس هنا أن النُبُوَّة لا “تغمر” الأشخاص. فهم لا يزالون يسيطرون على الموهبة حتى عندما يتحرك الروح فيهم. لا يتحكم الروح القدس فيهم مثلما يفعل الشيطان.
- كيف نفسر تصرفات أولئك الذين يصرخون ويتلوون ويقفزون أو يتصرفون بشكل غريب، بافتراض أنهم يفعلون ذلك بواسطة الروح القدس؟ في كثير من الأحيان، هم في الواقع يقاومون الروح القدس، وهذا يؤدي إلى الإجهاد الذي يجد منفذاً في تلك الأفعال الغريبة.
- لِيَتَعَلَّمَ الْجَمِيعُ وَيَتَعَزَّى الْجَمِيعُ: هذا هو الهدف الذي أُعطيت المواهب من أجله. فليس الغرض أبدًا هو وجود لسان أو نُبُوَّة في اجتماع. يمكن أن يكون لديك مئة لسان أو ألف نبُوَّة، لكن إذا لم يتعلم أو يتعزى أحد، فلا فائدة من ذلك. قد يختار الله أن يأتي بالتعليم والتعزية بعيدًا عن إظهار موهبة النُبوَّة أو الألسنة؛ إن الأمر متروك له. نحن لا نحكم على نجاح اجتماع من خلال وجود ألسنة أو نُبُوَّة، بل بمقدار تعليم وتعزية وبناء وإعداد شعب الله.
- اللهَ لَيْسَ إِلهَ تَشْوِيشٍ: إذا كان هناك تشويش واضطراب في اجتماع الكنيسة، فذلك ليس من الله. قد يفعل الله أشياء لا نفهمها، وأشياء قد تبدو غريبة أو غير متوقعة بالنسبة لنا، لكن لن يكون هناك جو عام من التشويش أو الغرابة.
- في تبريرهم لممارساتهم الغريبة وغير الكتابية في اجتماعات الكنيسة، أعلن البعض هذا المبدأ الروحي: “لا يمكن أن يصل الله إلى القلب دون أن يُهين العقل.” وهذا هراء غير كتابي ينتج عنه الفكر المغلوط الذي يقول بأنه كلما زاد التشويش والجنون والغرابة، كلما كان هذا تأكيد من الله. كم يختلف هذا عن تعليم بولس هنا!
د ) الآية (٣٤-٣٥): يجب على المرأة ألا تحكم على النُبوَّة أو تُعطِّل الاجتماعات.
٣٤لِتَصْمُتْ نِسَاؤُكُمْ فِي الْكَنَائِسِ، لأَنَّهُ لَيْسَ مَأْذُونًا لَهُنَّ أَنْ يَتَكَلَّمْنَ، بَلْ يَخْضَعْنَ كَمَا يَقُولُ النَّامُوسُ أَيْضًا. ٣٥وَلكِنْ إِنْ كُنَّ يُرِدْنَ أَنْ يَتَعَلَّمْنَ شَيْئًا، فَلْيَسْأَلْنَ رِجَالَهُنَّ فِي الْبَيْتِ، لأَنَّهُ قَبِيحٌ بِالنِّسَاءِ أَنْ تَتَكَلَّمَ فِي كَنِيسَةٍ.
- لِتَصْمُتْ نِسَاؤُكُمْ فِي الْكَنَائِسِ: لقد أعلن بولس من قبل أن للمرأة الحق في الصلاة أو النُبُوًّة علانيةً (كما جاء في كورنثوس الأولى ١:١١-١٦). لكنه ربما يقصد هنا أنه ليس للنساء الحق في الحكم على النُبوَّة، لأنه أمر يقتصر على القيادة الذكورية في الكنيسة.
- بدلاً من الحكم على النُبوَّة، يجب أن يَخْضَعْنَ النساء لحكم قيادة الكنيسة فيما يتعلق بهذا الأمر.
- إِنْ كُنَّ يُرِدْنَ أَنْ يَتَعَلَّمْنَ شَيْئًا، فَلْيَسْأَلْنَ رِجَالَهُنَّ فِي الْبَيْتِ: قديمًا، كما هو الحال في بعض الثقافات الحديثة، يجلس النساء والرجال في مجموعات مختلفة في الكنيسة. يبدو أنه كانت هناك مشكلة بين مؤمني كورنثوس تتعلق بثرثرة النساء أو بتعطيلهن الاجتماعات بالأسئلة. يقول بولس، “لا تعطلن الاجتماع. اطرحن أسئلتكن في البيت.”
- كان الرجال يجلسون بعيدًا عن النساء في المجامع اليهودية، لكن إذا تحدثت امرأة أو نادت على زوجها الذي يجلس بعيدًا، يتم التعامل معها بشدة. ربما تبنَّت كنيسة كورنثوس نفس هذا الترتيب في الجلوس، لذا أراد بولس أن نعلم النساء اللواتي أتين من خلفيات أممية كيف يتصرفن أثناء الاجتماع في الكنيسة.
- قَبِيحٌ بِالنِّسَاءِ أَنْ تَتَكَلَّمَ فِي كَنِيسَةٍ: مرة أخرى، لأن بولس افترض حق المرأة في الصلاة والنُبُوًّة بالخضوع للسلطة الصحيحة، في كورنثوس الأولى ١:١١-١٦، فإن السياق يوضح أن كلمة تَتَكَلَّمَ تشير إما إلى الحُكم على النُبوَّة (شيء على قيادة الكنيسة القيام به) أو إلى الكلام الهدَّام.
- يشير آلان ريدباث (Alan Redpath) إلى أن بولس يستخدم الفعل اليوناني القديمlaleo ، والذي يعني ’التكلُّم أو التساؤل أو الجدال أو التصريح أو الدردشة.‘ يقول ريدباث: “لا علاقة لهذا بالنُبُوَّة أو الصلاة؛ إنه في هذه الحالة ليس التكلُّم علانية.”
هـ) الآيات (٣٦-٣٨): يؤكد بولس على سلطته في هذه الأمور.
٣٦أَمْ مِنْكُمْ خَرَجَتْ كَلِمَةُ اللهِ؟ أَمْ إِلَيْكُمْ وَحْدَكُمُ انْتَهَتْ؟ ٣٧إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْسِبُ نَفْسَهُ نَبِيًّا أَوْ رُوحِيًّا، فَلْيَعْلَمْ مَا أَكْتُبُهُ إِلَيْكُمْ أَنَّهُ وَصَايَا الرَّبِّ. ٣٨وَلكِنْ إِنْ يَجْهَلْ أَحَدٌ، فَلْيَجْهَلْ!
- أَمْ مِنْكُمْ خَرَجَتْ كَلِمَةُ اللهِ؟ يتساءل بولس ما إذا أراد بعض مؤمني كورنثوس أن يُجادلوه في هذه الأمور. إذا كان الأمر كذلك، فلن يقبل بولس بمجادلتهم. فإن كلمة الله لم تأتِ مِنْ مؤمني كورنثوس؛ بل من بولس. إنهم بحاجة إلى الجلوس والاستماع وأن يكونوا قابلين للتعلُّم بدلاً من مُجادلة الرسول.
- إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْسِبُ نَفْسَهُ نَبِيًّا أَوْ رُوحِيًّا: ربما نتخيل أنه في الاجتماع التالي، سوف يقف شخص ويقول لكنيسة كورنثوس أن لديه كلمة من الرب، وهي إن بولس مخطئ! يُحذرهم بولس بأنه إن كان أحدهم نبيًا أو روحيًّا، فسيتفق معه.
- يعتقد بعض الناس أنهم إذا كانوا روحيين حقًا، فهم ليسوا مُضطرين أن يطيعوا كلمة الله في هذه الأمور وأن هذه القواعد لا تنطبق عليهم. لكن إذا كنا روحيين حقًا، فسوف نتمسك بكلمة الله، ولن نتجاوزها.
- إِنْ يَجْهَلْ أَحَدٌ، فَلْيَجْهَلْ: يصف بولس مؤمني كورنثوس الذين يجادلوه بشأن هذه الأمور بأنهم جاهلون.
و ) الآيات (٣٩-٤٠): مُلخص مناسب للأصحاح.
٣٩إِذًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ جِدُّوا لِلتَّنَبُّؤِ، وَلاَ تَمْنَعُوا التَّكَلُّمَ بِأَلْسِنَةٍ. ٤٠وَلْيَكُنْ كُلُّ شَيْءٍ بِلِيَاقَةٍ وَبِحَسَبِ تَرْتِيبٍ.
- جِدُّوا لِلتَّنَبُّؤِ: عندما تجتمعوا معًا ككنيسة، من الأفضل كثيرًا أن تكونوا بركة الواحد للآخر؛ لذلك فإن النُبُوَّة أكثر نفعًا من الألسنة.
- لاَ تَمْنَعُوا التَّكَلُّمَ بِأَلْسِنَةٍ: على الرغم من أن بولس ينظم بعناية، ومع أنه لا يُشجع استخدام الألسنة في الكنيسة، إلا أنه لن يمنعها. في الوقت ذاته، إنه يشجع استخدامها إلى حد كبير في العبادة الشخصية.
- لا يجب احتقار موهبة الألسنة، لأن هناك قيمة كبيرة لها في العبادة الشخصية. ولكن يجب على الكنيسة أن تركز على النُبوَّة والبركة المتبادلة.
- لْيَكُنْ كُلُّ شَيْءٍ بِلِيَاقَةٍ وَبِحَسَبِ تَرْتِيبٍ: لأن الله إله ترتيب وسلام، فهو يريد أن تتسم الكنيسة بالترتيب في اجتماعاتها معًا. فعندما يتم التركيز على مواهب الروح بأسلوب غير كتابي، فإن ذلك يُشوه العمل الحقيقي للروح القدس، وغالبًا ما يؤدي إلى إنكار الناس للمواهب لأنهم يرون فيها تجاوزًا غير كتابي.
- “كم يُفسد ويُشوَّه عمل الله بسبب حماقة الإنسان! إن الطبيعة الخاطئة والشيطان سيحاولان دائمًا الاختلاط، بقدر استطاعتهما، بالعمل الحقيقي للروح من أجل تشويهه وتدميره.” كلارك (Clarke)
- لْيَكُنْ كُلُّ شَيْءٍ بِلِيَاقَةٍ وَبِحَسَبِ تَرْتِيبٍ: ومع ذلك، فإن التَرْتِيبٍ ينبغي أن يكون دائمًا ترتيب الأحياء وليس الأموات! رعى البعض جواً من الكآبة والاكتئاب بين المؤمنين تحت اسم “لْيَكُنْ كُلُّ شَيْءٍ بِلِيَاقَةٍ وَبِحَسَبِ تَرْتِيبٍ.”
- “لماذا أيها الإخوة، يدق التسبيح الحقيقي أجراس القلب ويرفع راياته.لا تُنكّس رايتك أبدًا وأنت تُسبح الله؛ بل اجعلها تنطلق بكل الألوان، دع كل راية ترفرف في الهواء، ودع كل قوى وعواطف روحك تتهلل وتفرح بالله مُخلصك. نحن بالفعل نخاف من أن نكون في غمرة الفرح. فيعتقد بعض المؤمنين أن البهجة حماقة خطيرة، إن لم تكن رذيلة مُدمرة.” سبيرجن (Spurgeon)
- “يعترض المتزمتون بشدة على تسبيح الميثوديين؛ وكانت بعض العقول الضعيفة ترى أن صيحاتهم العالية وصرخاتهم بهلليلويا صادمة جدًا. لكنني لن أشارك في هذه الإدانة لئلا أُعد مع الفريسيين الذين قالوا “يا مُعلم، انتهر تلاميذك.” أتمنى لو كان هناك عدد أكبر من الناس في جدية وحماسة الميثوديين الأوائل. ففي الكنيسة من الطبيعي أن نرى الناس يعبرون عن الفرح الذي بداخلهم؛ ولا اعتقد أنهم عبروا عن هذا الفرح بصمت، بل بصيحات حماسية قوية.” سبيرجن (Spurgeon)