رسالة كورنثوس الأولى – الإصحاح ٣
المؤمنون الجسديون والخدام الأتقياء
أولاً. كنيسة كورنثوس يتصرفون كجسديين
أ ) الآية (١): مواجهة بولس لهم.
١وَأَنَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أُكَلِّمَكُمْ كَرُوحِيِّينَ، بَلْ كَجَسَدِيِّينَ كَأَطْفَال فِي الْمَسِيحِ.
- وَأَنَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ: هؤلاء الأشخاص هم جزء من عائلة الله (فهو يدعوهم إِخْوَةُ)، وتلك هي المشكلة. فعلى الرغم من أن لديهم الروح القدس (بخلاف الإنسان الطبيعي في كورنثوس الأولى ١٤:٢)، فهم لا يسلكون كَرُوحِيِّينَ، بَلْ كَجَسَدِيِّينَ – أي مؤمنين غير ناضجين (أَطْفَال فِي الْمَسِيحِ).
- هناك جدل هام يدور حول إمكانية وجود ما يُسمّى بالمؤمن الجسدي. فيقول البعض أنه تناقض في المصطلحات؛ وأن بولس يعني أن هؤلاء الجسديين ليسوا مؤمنين على الإطلاق. ومع ذلك، فهو يدعوهم بوضوح إخوة ويصفهم بأنهم أَطْفَال فِي الْمَسِيحِ. فكيف يمكنه استخدام مثل هذه المصطلحات مع شخص غير مؤمن؟
- هؤلاء المؤمنون، إلى حد ما، يفكرون ويتصرفون حسب الجسد وليس حسب الروح. وبالطبع، لا يسيطر الجسد على كل جانب من جوانب حياتهم، وإلا فلن يكون لديهم أي دليل على أنهم مولودون ثانيةً. ولكن يتناول بولس هنا قضايا محددة يرى فيها أنهم يفكرون ويتصرفون بطريقة جسدية واضحة.
- “المؤمن الجسدي هو ابن لله وهو مولود ثانيةً وذاهب إلى السماء، لكنه مسافر من الدرجة الثالثة.” ريدباث (Redpath). ونرى في رومية ٧ صورة للمؤمن الجسدي الذي يسكن فيه الروح ولكنه خاضع للجسد.
- لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أُكَلِّمَكُمْ كَرُوحِيِّينَ، بَلْ كَجَسَدِيِّينَ: هناك فرق بين أن تكون جسديًا (كلمة sarkinos، المستخدمة في كورنثوس الثانية ٣:٣) وبين أن تكون جسديًا (الكلمة اليونانية sarkikos، المستخدمة هنا في هذه الفقرة).
- كلمة “جسدي” تُعني ببساطة أنه شيء مصنوع من “اللحم”؛ وقد تُشير إلى ضعف الإنسان الساقط.
- عندما تُستخدم كلمة “جسدي” لتصف شخص ما فهي تعني أنه “يتميز بالجسدية.” وتشير إلى الشخص الذي يستطيع، بل ويجب عليه، أن يتصرف بشكل مختلف لكنه لا يفعل. فيقول بولس أن أهل كورنثوس كانوا جسديين (sarkikos).
- رُوحِيِّينَ… جَسَدِيِّينَ: يتحدث بولس عن ثلاث فئات من الناس. الإنسان الطبيعي (كورنثوس الأولى ١٤:٢) وهو محاكاة لنمط آدم ويرفض أمور الروح؛ والإنسان الروحي (كورنثوس الأولى ١٥:٢) الذي يعرف أمور الله؛ والإنسان الجسدي الذي يعرف أمور الله لكنه في بعض النواحي الهامة يتميز بأنه جسدي. أيهم أنت؟
ب) الآية (٢): كيف عامل بولس المؤمنين الجسديين.
٢سَقَيْتُكُمْ لَبَنًا لاَ طَعَامًا، لأَنَّكُمْ لَمْ تَكُونُوا بَعْدُ تَسْتَطِيعُونَ، بَلِ الآنَ أَيْضًا لاَ تَسْتَطِيعُونَ.
- سَقَيْتُكُمْ لَبَنًا: كان بولس يُعلم بالأساسيات على الرغم من نظرتهم المبالغ فيها لروحانياتهم. فقد اعتقدوا أنهم مستعدون “للأمور الأكثر عمقاً” لكنهم لم يعيشوا بعمق الأمور الأساسية التي قد وعظهم بها.
- سَقَيْتُكُمْ لَبَنًا لاَ طَعَامًا: الفرق بين اللبن والطعام يتعلق بالمرحلة العمرية وليس بالنوع. فكل العقائد التي يمكن أن تُعلّم في كلية اللاهوت يمكن تعليمها للأطفال، لكن لا يمكنك استخدام نفس الكلمات.
- لا يوجد إنجيلان، واحد للمتعلمين وآخر لغير المتعلمين؛ وغير مسموح لنا بإخفاء أي جزء من الإنجيل عن الناس.
- لأَنَّكُمْ لَمْ تَكُونُوا بَعْدُ تَسْتَطِيعُونَ: لم يكن أن الله منعهم من الحصول على الطعام الذي قدمه بولس. فالمشكلة الحقيقية تكمُن في انجذاب أهل كورنثوس إلى “الوجبات الروحية السريعة” المبنية على حكمة الإنسان وبلاغته. فقد كانوا “ممتلئين” جدًا بهذا “الطعام السريع” لدرجة أنهم لَمْ يَكُونُوا بَعْدُ يَسْتَطِيعُونَ تناول الطعام الروحي الذي يقدمه لهم بولس.
- يَسعَد بعض “مؤمني الوجبات الروحية السريعة” عند تناولهم وجبة الطعام الروحي، لكن البعض، لا يستطيعون تذوق الطعام الروحي لأن “براعم التذوق” لديهم متكيفة فقط مع الطعام السريع.
ج ) الآيات (٣-٤): الدليل على كونهم جسديين.
٣لأَنَّكُمْ بَعْدُ جَسَدِيُّونَ. فَإِنَّهُ إِذْ فِيكُمْ حَسَدٌ وَخِصَامٌ وَانْشِقَاقٌ، أَلَسْتُمْ جَسَدِيِّينَ وَتَسْلُكُونَ بِحَسَبِ الْبَشَرِ؟ ٤لأَنَّهُ مَتَى قَالَ وَاحِدٌ: «أَنَا لِبُولُسَ» وَآخَرُ: «أَنَا لأَبُلُّوسَ» أَفَلَسْتُمْ جَسَدِيِّينَ؟
- لأَنَّكُمْ بَعْدُ جَسَدِيُّونَ. فَإِنَّهُ إِذْ فِيكُمْ حَسَدٌ وَخِصَامٌ وَانْشِقَاقٌ، أَلَسْتُمْ جَسَدِيِّينَ: كان مؤمنو كورنثوس يرون أنهم روحيون، لكن الانشقاقات التي كانت بينهم تُظهر أنهم في الحقيقة جسديون.
- أظهرت المشاكل التي كانت لديهم في العلاقات وجود خطأ في علاقتهم مع الله. فهذه المشاكل كانت دليلاً على كونهم جسديين وعلى أنهم يُفكرون ويعيشون بطريقة جسدية.
- لم يكن الحَسَدٌ والَخِصَامٌ والَانْشِقَاقٌ بين المؤمنين هم العلامات الوحيدة على كونهم جسديين، لكنهم الأكثر وضوحًا بين أهل كورنثوس.
- أَلَسْتُمْ جَسَدِيِّينَ وَتَسْلُكُونَ بِحَسَبِ الْبَشَرِ؟ لم يقل بولس أنهم كانوا مجرد بَشَرِ (أي، غير مُخلصين)، بل أنهم كانوا فقط يَسْلُكُونَ بِحَسَبِ الْبَشَر. إن المؤمنين لديهم دعوة أعلى من مجرد العيش مثل بقية البشر.
- “الروحيون يجب أن يسلكوا بالروح، وإن فعلوا غير ذلك، فهم “دنيويون” ومدعوون للكف عن ذلك، فالبقاء هكذا ليس خياراً.” فيي (Fee)
- لأَنَّهُ مَتَى قَالَ وَاحِدٌ: «أَنَا لِبُولُسَ» وَآخَرُ: «أَنَا لأَبُلُّوسَ» أَفَلَسْتُمْ جَسَدِيِّينَ؟ قد نعتقد أن بولس سيكون أكثر لطفًا في مخاطبة “حزب مُعجبيه،” لكنه بدلاً من ترك ثناءهم يهاجم جسده، أدان بولس حتى أنصاره.
ثانياً. كيف تنظر إلى قادة الكنيسة
أ ) الآيات (٥-٧): جهالة تمجيد قادة الكنيسة.
٥فَمَنْ هُوَ بُولُسُ؟ وَمَنْ هُوَ أَبُلُّوسُ؟ بَلْ خَادِمَانِ آمَنْتُمْ بِوَاسِطَتِهِمَا، وَكَمَا أَعْطَى الرَّبُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ: ٦أَنَا غَرَسْتُ وَأَبُلُّوسُ سَقَى، لكِنَّ اللهَ كَانَ يُنْمِي. ٧إِذًا لَيْسَ الْغَارِسُ شَيْئًا وَلاَ السَّاقِي، بَلِ اللهُ الَّذِي يُنْمِي.
- فَمَنْ هُوَ بُولُسُ؟ أنت لم تؤمن ببولس وأبلوس من أجل الخلاص؛ هم فقط مَن أحضرا يسوع إليك. هما خَادِمَانِ قد آمَنْتُمْ بِوَاسِطَتِهِمَا وليسا من آمنتم بهما.
- “إذاً ما فائدة الصراع على أن يكون أحد اللاشيئين هو الأعظم؟” مكلارين (Maclaren)
- أَنَا غَرَسْتُ وَأَبُلُّوسُ سَقَى: المؤمنون العاملون لديهم وظائف مختلفة ويشهدون نتائج مختلفة، لكن الله هو الذي يُنجز العمل، اللهَ الَّذِي يُنْمِي.
- عندما يغرس الزارع بذرة ويسقيها ليس هو حقاً من يجعلها تنمو، معجزة الحياة هي التي تفعل ذلك. فكل ما يمكن للزارع القيام به هو توفير البيئة المناسبة للنمو والثقة في معجزة الحياة. ونحن نفعل الشيء نفسه حينما نكرز للآخرين عن يسوع.
- يشعر البعض بالإحباط لأنهم يريدون سقي الزرع بينما دعاهم الله للغرس أو العكس. وآخرون يشعرون بالإحباط لأنهم يبغون إحداث النمو بينما لا يستطيع أحد أن يحقق ذلك إلا الله وحده. فالإثمار الحقيقي يحدث في الخدمة عندما نكون راضين بما دعانا الله للقيام به.
- أَنَا غَرَسْتُ وَأَبُلُّوسُ سَقَى: فعل ’غَرَسْتُ‘ وفعل ’سَقَى‘ في اللغة اليونانية القديمة هما أفعال في الماضي التام. أما فعل ’يُنْمِي‘ هو في الماضي الناقص ويشير إلى عمل الله المستمر.
ب) الآيات (٨-٩): المؤمنون يعملون معًا، لكن أجرتهم تكون بحسب تعبهم.
٨وَالْغَارِسُ وَالسَّاقِي هُمَا وَاحِدٌ، وَلكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ سَيَأْخُذُ أُجْرَتَهُ بِحَسَبِ تَعَبِهِ. ٩فَإِنَّنَا نَحْنُ عَامِلاَنِ مَعَ اللهِ، وَأَنْتُمْ فَلاَحَةُ اللهِ، بِنَاءُ اللهِ.
- وَالْغَارِسُ وَالسَّاقِي هُمَا وَاحِدٌ: في محاربة رغبة أهل كورنثوس في تقسيم القادة، يُذكرهم بولس بأنهم جميعًا في نفس الفريق.
- كم هو سخيف أن نقول: “الزارع هو الأهم، أما الساقي فقد أضاع فرصته.” أو نقول: “الساقي هو الأهم، أما الزارع فعليه أن يحدد أولوياته.” ولكن الواقع هو أن الزارع والساقي كلاهما ضروري، وكلٍ منهما يحتاج إلى الآخر، وهما يعملان معاً لتحقيق نفس الغاية.
- كُلَّ وَاحِدٍ سَيَأْخُذُ أُجْرَتَهُ: الكل يعمل معاً، لكن كل واحد سيُكافأ على حدة. فالمواهب لا تمنح بحسب المواهب أو حتى بحسب النجاح، لكن بِحَسَبِ التَعَب.
- الله يعلم كيف يكافئ بعدلٍ. ولكن على الأرض، قد يحصل بعض الخدام على أجرٍ أكثر جداً مما يستحقونه أو أقل جداً مما يستحقونه.
- “إن الخادم أو المُبشر الأمين المُجتهد الذي يعمل في الخفاء بدون ثمار جلية سيحصل على أجر يفوق أجر الخادم الذي لا ينكر ذاته ولا يعمل باجتهاد، وصار الأداة لتحقيق نتائج عظيمة.” هودج (Hodge)
- اعتاد الواعظون من الشباب أن يسألوا كامبل مورغان ( Campbell Morgan) عن سر نجاحه في الوعظ. فكان رده: “أقول لهم دائمًا نفس الشيء: العمل؛ والعمل الشاق؛ ومرة أخرى.. العمل!”
- نَحْنُ عَامِلاَنِ مَعَ الله: الله يعطينا فرصة رائعة للعمل معه. فلا يمكننا العمل بدونه، ويمكننا القول بشكلٍ عام أن الله لن يعمل بدوننا. فالله يريدك أن تكون شريكه في العمل.
- عندما تفكر في كل الطرق التي يُمكن لله أن يستخدمها لإتمام عمله ستندهش جدًا لمعرفة أنه يرغب في أن نُشاركه عمله.
- أَنْتُمْ فَلاَحَةُ (حَقلُ) اللهِ، بِنَاءُ الله: كان بولس يعمل مع الله ’على‘ شعب الله. فقد كانوا ’حَقل‘ الله (باستخدام صورة الزارع الذي يغرس ويسقي)، وكانوا ’ بِنَاء‘ الله (مستخدماً صورة الباني).
ج ) الآيات (١٠-١٥): الكنيسة كبناء
١٠حَسَبَ نِعْمَةِ اللهِ الْمُعْطَاةِ لِي كَبَنَّاءٍ حَكِيمٍ قَدْ وَضَعْتُ أَسَاسًا، وَآخَرُ يَبْنِي عَلَيْهِ. وَلكِنْ فَلْيَنْظُرْ كُلُّ وَاحِدٍ كَيْفَ يَبْنِي عَلَيْهِ. ١١فَإِنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَضَعَ أَسَاسًا آخَرَ غَيْرَ الَّذِي وُضِعَ، الَّذِي هُوَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ. ١٢وَلكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدُ يَبْنِي عَلَى هذَا الأَسَاسِ: ذَهَبًا، فِضَّةً، حِجَارَةً كَرِيمَةً، خَشَبًا، عُشْبًا، قَشًّا، ١٣فَعَمَلُ كُلِّ وَاحِدٍ سَيَصِيرُ ظَاهِرًا لأَنَّ الْيَوْمَ سَيُبَيِّنُهُ. لأَنَّهُ بِنَارٍ يُسْتَعْلَنُ، وَسَتَمْتَحِنُ النَّارُ عَمَلَ كُلِّ وَاحِدٍ مَا هُوَ. ١٤إِنْ بَقِيَ عَمَلُ أَحَدٍ قَدْ بَنَاهُ عَلَيْهِ فَسَيَأْخُذُ أُجْرَةً. ١٥إِنِ احْتَرَقَ عَمَلُ أَحَدٍ فَسَيَخْسَرُ، وَأَمَّا هُوَ فَسَيَخْلُصُ، وَلكِنْ كَمَا بِنَارٍ.
- حَسَبَ نِعْمَةِ اللهِ: يبدأ بولس بإعلان النِعْمَةِ في وصفه لعمله بين أهل كورنثوس. فقد عرف بولس أن وضعه كخادم في حقل أو بناء الله يستند إلى صلاح الله الذي لا يستحقه ولا يستند على جدارته.
- إنه لأمر مجيد أن تكون شريك الله في عمله، لكن الله لا يختار الأشخاص ذوي الشأن الرفيع ليقوموا بعمله. فلا شيء فيهم يجعلهم مستحقون لهذا العمل، لكن الاختيار يكون بحَسَبَ نِعْمَةِ اللهِ.
- قَدْ وَضَعْتُ أَسَاسًا: عندما أسس بولس الكنيسة في كورنثوس (أعمال الرسل ١٨) وضع الأساس الوحيد الضروري – شخص يسوع المسيح وعمله. ومع ذلك كان يعلم أن آخرين سيأتون بعده ويبنون على الأساس الذي وضعه هو.
- لذا، لْيَنْظُرْ كُلُّ وَاحِدٍ كَيْفَ يَبْنِي عَلَيْهِ. يوجد أساس واحد فقط للكنيسة. فإن لم تؤسس الكنيسة على شخص يسوع المسيح، فهي ليست كنيسة على الإطلاق. لذلك لا يمكن للمرء البناء على أي أساس آخر؛ لكن يمكنه أن يبني عن غير استحقاق على هذا الأساس الواحد.
- فَعَمَلُ كُلِّ وَاحِدٍ سَيَصِيرُ ظَاهِرًا: سوف يمتحن الله أعمال البناء التي قام بها جميع شركائه في العمل، فَعَمَلُ كُلِّ وَاحِدٍ سَيَصِيرُ ظَاهِرًا. فالبعض يبني بأشياء ثمينة مثل الذَهَب والفِضَّةً والحِجَارَةً الكَرِيمَةً؛ والبعض الآخر يبني بمواد غير ملائمة مثل الخَشَب والعُشْب والقَش.
- باستخدام تشبيهات الذَهَب والفِضَّةً والحِجَارَةً الكَرِيمَةً، يبدو أن بولس كان يفكر في مواد البناء المستخدمة في بناء الهيكل (أخبار الأيام الأولى ١٤:٢٢، ١٦:٢٢، ٢:٢٩). فالبناء هو ما يبنيه الله في شعبه بمساعدة شركائه في العمل.
- الحِجَارَةً الكَرِيمَةً لا تعني المجوهرات بل المواد الحجرية الجميلة مثل الرخام والجرانيت. إن خلط حكمة الإنسان بحكمة الله في بناء الكنيسة يشبه استخدام طبقات بديلة من القش والرخام في البناء. قد يكون القش جيد حينما يُستخدم في الحظيرة، لكنه مادة غير ملائمة للبناء. وهكذا أيضاً، قد يكون للحكمة البشرية والمغريات مكان في الحياة، ولكن ليس في بناء الكنيسة.
- سَتَمْتَحِنُ النَّارُ عَمَلَ كُلِّ وَاحِدٍ مَا هُوَ: عندما يختبر الله عملنا سيُسْتَعْلَنُ نوع العمل. ومثلما تدمر النار الخَشَب والعُشْب والقَش، ولكن ليس الذَهَب والفِضَّةً والحِجَارَةً الكَرِيمَةً؛ هكذا سيُستعلن عمل البعض كلا شيء في ذلك اليوم.
- لاحظ أن حجم العمل لن يتم تقييمه (على الرغم من أن له بعض الأهمية). يقول بولس إنه سيتم امتحان عَمَلَ كُلِّ وَاحِد. قإذا قام المرء بالكثير من العمل الخاطئ، فسيكون الأمر كما لو أنه لم يفعل شيئًا. وسوف يتم حرق عمله وسيختفي إلى الأبد. قال مودي (Moody) بحكمة إن المؤمنين الجدد يجب أن يتم وزنهم واحصائهم.
- أشار بولس أيضًا إلى هذا الامتحان العظيم في كورنثوس الثانية ١٠:٥ ’لأَنَّهُ لاَبُدَّ أَنَّنَا جَمِيعًا نُظْهَرُ أَمَامَ كُرْسِيِّ الْمَسِيحِ، لِيَنَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مَا كَانَ بِالْجَسَدِ بِحَسَبِ مَا صَنَعَ، خَيْرًا كَانَ أَمْ شَرًّا.‘ فعندما يُمتحن عملنا أمام الرب، سنُكافأ بحسب ما تبقى.
- يا لها من فكرة مخيفة: الكثير من الناس الذين يعتقدون أنهم يخدمون الله بطريقتهم أو “بمواد” لا تليق سيجدون في الأبدية أنهم لم يفعلوا شيئًا للرب. فالبعض سيخلُص، لكن بحياة قد تم اهدارها ودون الحصول على أي اكليل يقدمونه ليسوع ولمجده (كما في رؤيا يوحنا ١٠:٤-١١). فَسَيَخْلُصُ، وَلكِنْ كَمَا بِنَارٍ تشير إلى أن البعض بالكاد يخلصون بعد أن يكونوا قد خسروا كل شيء.
- إِنِ احْتَرَقَ عَمَلُ أَحَدٍ: لا تُطهّر النار العامل، بل تمتحن عمله. وتستخدم كنيسة الروم الكاثوليك هذه الآيات في تعليمها عن الَمطهر، وهو المكان الذي نذهب إليه بعد الموت ليتم فيه تطهيرنا بالنار قبل الذهاب إلى السماء. ولكن لا علاقة لفكرة الَمطهر بهذه الآيات ولا علاقه لها بأي آية أخرى في الكتاب المقدس. فالمَطهر هو اختراع بشري ينكر عمل يسوع التام من أجل المؤمن.
- تنطبق هذه الفقرة أولًا على القادة المؤمنين، لأن هذا هو موضوع بولس في السياق، لكن التطبيق يمتد ليشمل جميع خدام الله.
د ) الآيات (١٦-١٧): الكنيسة باعتبارها هيكلاً.
١٦أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ، وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟ ١٧إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُفْسِدُ هَيْكَلَ اللهِ فَسَيُفْسِدُهُ اللهُ، لأَنَّ هَيْكَلَ اللهِ مُقَدَّسٌ الَّذِي أَنْتُمْ هُوَ.
- أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ: سيتحدث بولس لاحقًا (في كورنثوس الأولى ١٩:٦-٢٠) عن المؤمن باعتباره هيكل. ولكن ينصب تركيز بولس هنا على الكنيسة ككل (مع أنه يحتوي على تطبيق للأفراد أيضاً).
- عندما يدعو بولس الكنيسة هيكلًا، لا تظن أنه يستخدم مجرد تشبيه. فالهيكل المادي كان التشبيه؛ وسُكنى الله فينا هو الواقع.
- أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ، وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ: ما الذي يجعل الكنيسة هيكلًا؟ رُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ. وتشير الكلمة اليونانية القديمة المستخدمة لكلمة هَيْكَلُ (naos) إلى الحَرَم المقدس الذي هو مكان سُكنى الإله، على نقيض من كلمة (hieron) الأوسع التي كانت تعني منطقة الهيكل بشكل عام.
- إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُفْسِدُ هَيْكَلَ اللهِ: إذا قمت بإفساد الكنيسة، سيدمرك (فَسَيُفْسِدُهُ) الله. فهيكل الله، أي كنيسته، هو مكان مُقَدَّس، والله يهتم بكيفية تعاملنا مع هيكله المقدس.
ثالثاً. كيف تُمجد الله
أ ) الآيات (١٨-٢٠): تمجيد الله من خلال السعي وراء الحكمة الحقيقية.
١٨لاَ يَخْدَعَنَّ أَحَدٌ نَفْسَهُ. إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَظُنُّ أَنَّهُ حَكِيمٌ بَيْنَكُمْ فِي هذَا الدَّهْرِ، فَلْيَصِرْ جَاهِلاً لِكَيْ يَصِيرَ حَكِيمًا! ١٩لأَنَّ حِكْمَةَ هذَا الْعَالَمِ هِيَ جَهَالَةٌ عِنْدَ اللهِ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «الآخِذُ الْحُكَمَاءَ بِمَكْرِهِمْ». ٢٠وَأَيْضًا: «الرَّبُّ يَعْلَمُ أَفْكَارَ الْحُكَمَاءِ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ».
- إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَظُنُّ أَنَّهُ حَكِيمٌ بَيْنَكُمْ: يستخدم بولس هنا أسلوب فيه بعض السخرية. بالطبع كان أهل كورنثوس يعتبرون أنفسهم حكماء فِي هذَا الدَّهْرِ! وهذه كانت إحدى مشكلاتهم، حبهم للحكمة الدنيوية.
- فَلْيَصِرْ جَاهِلًا لِكَيْ يَصِيرَ حَكِيمًا: ما الذي يجب على المرء فعله إن كان حَكِيم فِي هذَا الدَّهْرِ؟ إن كان حكيمًا بحسب المقاييس البشرية للحكمة؟ عليه أن يَصِير جَاهِلًا لِكَيْ يَصِيرَ حَكِيمًا.
- يطلب بولس منهم أن يتخلوا عن كل حكمة دنيوية وكل فلسفة بشرية (الفلسفة المتمركزة حول الإنسان) حتى وإن كان ذلك يعني أن يصيروا جهلاء. فإن لم يكن المرء على استعداد لأن يُعتبر جَاهِلًا بواسطة أولئك الذين يُقدرون الحكمة البشرية فقط، فلن يتمكن أبدًا من أن يصبح حكيماً حقًا.
- الرَّبُّ يَعْلَمُ أَفْكَارَ الْحُكَمَاءِ: لقد قيّم الله حِكْمَةَ هذَا الْعَالَمِ، واعتبرها جَاهِلَةٌ ومَاكرِه وبَاطِلَةٌ. فهل سنتفق مع تقييم الله أم لا؟
ب) الآيات (٢١-٢٣): تمجيد الله من خلال رؤية خدامه بالمنظور الصحيح.
٢١إِذًا لاَ يَفْتَخِرَنَّ أَحَدٌ بِالنَّاسِ! فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ لَكُمْ: ٢٢أَبُولُسُ، أَمْ أَبُلُّوسُ، أَمْ صَفَا، أَمِ الْعَالَمُ، أَمِ الْحَيَاةُ، أَمِ الْمَوْتُ، أَمِ الأَشْيَاءُ الْحَاضِرَةُ، أَمِ الْمُسْتَقْبِلَةُ. كُلُّ شَيْءٍ لَكُمْ. ٢٣وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلِلْمَسِيحِ، وَالْمَسِيحُ للهِ.
- لاَ يَفْتَخِرَنَّ أَحَدٌ بِالنَّاسِ: كم نحن ميالون للإفتخار بالناس! فنحن نتحمس أكثر عندما نكون مع أشخاص مؤثرين ومشهورين في هذا العالم أكثر من كوننا مع الله. ونحن نقدر مواهب الناس وامتيازاتهم أكثر من المواهب والامتيازات التي يهبها الله. كم نحتاج أن نسمع الجملة: لاَ تفْتَخِرَ بِالنَّاسِ!
- فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ لَكُمْ: أن أقول: ’أنا لبولس‘ أو ’أنا لأبلوس‘ يعني أن رؤيتي ضيقة ومحدودة جدًا. فكلٍ من بولس وأبلوس ينتمي إليك؛ بل الكون كله ملك لك في المسيح.
- حتى الْمَوْتُ ’مُلُكُنا‘ فهو خادمنا وليس سيدنا! قد يكون الموت بالنسبة لنا كالملاك الذي ضرب جنب بطرس في أعمال الرسل ١٢ فسقطت السلسلتان من يديه وقاده عبر بوابة فُتحت من تلقاء ذاتها إلى حرية حقيقية.
- كُلُّ شَيْءٍ لَكُمْ: هذه هي الحرية المسيحية. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلِلْمَسِيحِ: هذه هي المسئولية المسيحية.