تفسير رسالة تيموثاوس الثانية – الإصحاح ١
روح المجاهرة
أولًا. التحيات والمقدمة
أ ) الآية (١): رسالة من بولس.
١بُولُسُ، رَسُولُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ بِمَشِيئَةِ اللهِ، لأَجْلِ وَعْدِ الْحَيَاةِ الَّتِي فِي يَسُوعَ الْمَسِيحِ.
- بُولُسُ، رَسُولُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ بِمَشِيئَةِ اللهِ: إن مقدمة بولس هنا مشابهة لها في رسائله الأخرى، حيث تبدأ بتصريح مباشر عن أنه رَسُول بحسب مَشِيئَةِ اللهِ، وليس بحسب طموحه الشخصي أو مشيئة البشر.
- بولس لديه دور يلعبه ضمن خطة الله لإيصال بشارة الإنجيل إلى العالم لأجل يسوع المسيح، ودوره هذا أن يكون رسولاً وأن يكون سفيراً فريداً مبعوثاً من الله إلى العالم. فكل شخص منا لديه دور يلعبه، وكل منا يحقق دوره بِمَشِيئَةِ اللهِ.
- لأَجْلِ وَعْدِ الْحَيَاةِ: هذه العبارة هي فريدة بالمقارنة مع تحيات بولس في رسائله الأخرى. ويتناسب وجودها هنا مع إعادة سجن بولس في روما وتوقعه أن يتم إعدامه (تيموثاوس الثانية ٦:٤). لذا، فعبارة ’وَعْدِ الْحَيَاةِ‘ كانت بالنسبة لبولس ثمينة بشكل خاص.
- صحيح أن الكتاب المقدس لا يخبرنا بأية تفاصيل، ولكن يبدو أن بولس بعد إطلاق سراحه من سجنه الروماني المذكور في نهاية سفر أعمال الرسل، قد تمتع بالحرية لبضعة سنوات أخرى إلى أن تم اعتقاله وسجنه مرة ثانية في روما.
- يمكن للمرء في يومنا الحاضر الذهاب إلى روما ورؤية المكان الذي يقال أن بولس قد سجن فيه. كانت زنزانة باردة حقاً، بل مجرد كهف داخل الأرض له جدران مكشوفة وفتحة صغيرة في السقف يتم إسقاط الطعام منها. فلم يكن لها نوافذ، بل هي مجرد زنزانة باردة صغيرة غير مريحة خاصة في فصل الشتاء.
- لقد كتب بولس هذه الرسالة من سجنه الروماني الثاني، وبعد فترة قصيرة من كتابة هذه الرسالة تمت إدانته وإعدامه في روما بأوامر من نيرون. فقد كان بولس يشعر أثناء كتابة الرسالة باقتراب إعدامه، لذا فإن رسالة تيموثاوس الثانية ليست فقط آخر ما لدينا من رسائل بولس، بل نلاحظ أيضاً في رسالته وجود نوع من الإلحاح والعاطفة التي قد نتوقعها من شخص عرف أنه سيتم إعدامه قريباً.
ب) الآيات (٢-٥): تقديم التحيات وإحياء ذكرى سعيدة.
٢إِلَى تِيمُوثَاوُسَ الابْنِ الْحَبِيبِ: نِعْمَةٌ وَرَحْمَةٌ وَسَلاَمٌ مِنَ اللهِ الآبِ وَالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا. ٣إِنِّي أَشْكُرُ اللهَ الَّذِي أَعْبُدُهُ مِنْ أَجْدَادِي بِضَمِيرٍ طَاهِرٍ، كَمَا أَذْكُرُكَ بِلاَ انْقِطَاعٍ فِي طَلِبَاتِي لَيْلاً وَنَهَارًا، ٤مُشْتَاقًا أَنْ أَرَاكَ، ذَاكِرًا دُمُوعَكَ لِكَيْ أَمْتَلِئَ فَرَحًا، ٥إِذْ أَتَذَكَّرُ الإِيمَانَ الْعَدِيمَ الرِّيَاءِ الَّذِي فِيكَ، الَّذِي سَكَنَ أَوَّلاً فِي جَدَّتِكَ لَوْئِيسَ وَأُمِّكَ أَفْنِيكِي، وَلكِنِّي مُوقِنٌ أَنَّهُ فِيكَ أَيْضًا.
- إِلَى تِيمُوثَاوُسَ الابْنِ الْحَبِيبِ: كان بولس يفكر كثيراً في عائلته الروحية – تِيمُوثَاوُسَ الابْنِ الْحَبِيبِ، وكان يفكرفي أَجْدَادِه الحقيقيين، أولئك اليهود الذين عاشوا قبل زمن بولس والذين تبعوا الله حقاً بقلب نقي وليس بحسب البر الذاتي للفريسيين.
- نِعْمَةٌ وَرَحْمَةٌ وَسَلاَمٌ: يستخدم سبيرجن (Spurgeon) هذه الآية جنباً إلى جنب مع الآية في تيموثاوس الثانية ١:٢ والآية في تيطس ٤:١ لإظهار حاجة الخدام للرحمة أكثر من سواهم. ففي مقدمة كل رسالة كتبها للكنائس بشكل عام، نرى أن بولس استخدم كلمتي النعمة والسلام فقط في تحياته (رومية ٧:١، كورنثوس الأولى ٣:١، كورنثوس الثانية ٢:١، غلاطية ٣:١، أفسس ٢:١، فيلبي ٢:١، كولوسي ٢:١، تسالونيكي الأولى ١:١، تسالونيكي الثانية ٢:١). ولكنه عند كتب للرعاة مثل تيموثاوس وتيطس فإنه شعر بالحاجة لتحيتهم باستخدام الكلمات: نِعْمَةٌ وَرَحْمَةٌ وَسَلاَمٌ.
- “هل سبق لك أن لاحظت بأن الخدام يحتاجون رحمة أكثر من سواهم؟ ورغم أن كل إنسان يحتاج إلى الرحمة، لكن الخدام يحتاجونها أكثر من غيرهم. ونحن كذلك نحتاجها، لأننا إذا لم نكن أمناء فخطيتنا أعظم من خطايا مستمعينا. لهذا نحتاج إلى النعمة لنبقى أمناء وإلى الرحمة لتغطى عيوبنا. لذا فسوف آخذ هذه الأشياء الثلاثة لنفسي، النعمة والرحمة والسلام. أنت قد تأخذ الإثنتين، “النعمة والسلام” لكني احتاج إلى الرحمة أكثر من أي واحد منكم. لذا فسوف أتناولها من يد الرب المحبة، وسأثق ولن أخاف على الرغم من كل عيوبي وضعفاتي وتخبطي وأخطائي في مسيرة خدمتي كلها.” سبيرجن (Spurgeon)
- أَذْكُرُكَ بِلاَ انْقِطَاعٍ فِي طَلِبَاتِي لَيْلاً وَنَهَارًا: كان تيموثاوس على لائحة صلوات بولس. فقد واظب بولس على الصلاة بانتظام وبحوذته لائحة تحمل أسماء الأعزاء عليه.
- فِي طَلِبَاتِي لَيْلاً وَنَهَارًا: تُظهر العبارة أيضاً كم كان بولس يصلي: كان يصلي كلما حل الليل، ويصلي كلما طلع النهار. وبالطبع يمكن للمرء أن يقول أن الصلاة كانت أمراً سهلاً على بولس لأنه كان في السجن، لكن هذا النوع من الصلوات لم تكن سهلة أبدًا.
- إن بولس شخص يثير الإعجاب لرغبته في بذل قصارى جهده لأجل يسوع كلما كان ذلك في وسعه. فإذا لم يتمكن من الوعظ فإنه سوف يقوم بالصلاة.
- ذَاكِرًا دُمُوعَكَ: إن هذه الدموع التي يذكرها بولس ربما تكون هي الدموع التي ذرفها تيموثاوس عند فراقهم الأخير.
- أَمْتَلِئَ فَرَحًا، إِذْ أَتَذَكَّرُ الإِيمَانَ الْعَدِيمَ الرِّيَاءِ الَّذِي فِيكَ: كان بولس يشعر بسعادة حقيقية (أَمْتَلِئَ فَرَحًا) كلما تذكر إيمان الأشخاص الأمناء أمثال تيموثاوس، الذين يحبون ويخدمون يسوع وشعبه.
- الَّذِي سَكَنَ أَوَّلاً فِي جَدَّتِكَ لَوْئِيسَ وَأُمِّكَ أَفْنِيكِي: يعود الفضل في إيمان تيموثاوس الحقيقي (الْعَدِيمَ الرِّيَاءِ) إلى نشأته على التقوى تحت تأثير جدته ووالدته.
- ينحدر تيموثاوس وعائلته من مدينة لسترة القديمة التي قام بولس بزيارتها في رحلته التبشيرية الأولى (أعمال الرسل ١٦:١٤-٢٠). فعندما كان بولس وتيموثاوس هناك استخدم الله بولس في شفاء الرجل المقعد، وابتدأ شعب المدينة بالسجود لبولس وبرنابا وكأنهم آلهة يونانية من جبل أولمبوس، وبدأوا بتقديم الثيران كذبائح لهم. وبالكاد استطاع بولس كَفَّهم عن فعل ذلك، وبعد هذا بفترة قصيرة، قام أعداء الإنجيل بتحويل الجمهور ضد المبشرين الإنجيليين، فأخرجوا بولس ورموه خارج المدينة ورجموه. ولكن الله حفظ حياة بولس بأعجوبة، ومن ثم تابع خدمته.
- لقد أتى بولس في رحلته التبشيرية الثانية إلى لسترة مرة ثانية وهناك تقابل مع شاب سبق وآمن بيسوع، ثم تَكرَّس لخدمة الرب (أعمال الرسل ١:١٦-٥). وكان هذا الشاب هو تيموثاوس، الذي يوصف بأن أمه كانت مؤمنة بينما أبوه كان يونانياً.
- وهكذا فقد كانت جدة تيموثاوس وأمه مؤمنتان، ولكن أبوه لم يكن مؤمناً (على الأقل ليس في البداية). فقد كان للآباء في العالم الروماني سلطان مطلق على العائلة، ونظراً لأن أبو تيموثاوس لم يكن مسيحياً، فإن وضع تيموثاوس في المنزل كان أقل من مثالي (رغم أنه لم يكن بالضرورة فظيعاً). ولكن ما حدث هو، إما أن والدة تيموثاوس وجدته قادتاه للإيمان أو أنشأوه على الإيمان المسيحي. فالله يريد استخدام الآباء والأجداد لينقلا إرثاً أبدياً لأولادهم وأحفادهم.
- عندما غادر بولس مدينة لسترة أخذ معه تيموثاوس (أعمال الرسل ٣:١٦-٤). ومن هنا بدأت علاقة المرشد مع تلميذه التي لمست العالم بأسره.
- وَلكِنِّي مُوقِنٌ أَنَّهُ فِيكَ أَيْضًا: لا يكفي أن يكون الإيمان الحقيقي موجوداً في جدة تيموثاوس وأمه، بل ينبغي أن يكون موجوداً في تيموثاوس أَيْضًا. فمتى بلغ أولادنا سن المُساءلة أمام الله، ينبغي أن يكون لهم علاقتهم الشخصية مع يسوع المسيح. فعلاقة الأم والأب مع الله لا تجلب لأولادهم حياة أبدية.
- الإِيمَانَ الْعَدِيمَ الرِّيَاءِ: تعني الإيمان بلا رياء، و الإيمان الخالي من التمثيل أو التظاهر، إنه إيمان حقيقي وليس مجرد. وهذه هي الفكرة المهمة هنا.
ثانيًا. بولس يشجع تيموثاوس كي يكون جريئاً
أ ) الآية (٦): أُذَكِّرُكَ أَنْ تُضْرِمَ أَيْضًا مَوْهِبَةَ اللهِ الَّتِي فِيكَ
٦فَلِهذَا السَّبَبِ أُذَكِّرُكَ أَنْ تُضْرِمَ أَيْضًا مَوْهِبَةَ اللهِ الَّتِي فِيكَ بِوَضْعِ يَدَيَّ
- فَلِهذَا السَّبَبِ أُذَكِّرُكَ أَنْ تُضْرِمَ أَيْضًا مَوْهِبَةَ اللهِ: كان تيموثاوس شخصاً موهوباً، ذو قيمة لملكوت الله، ولكن يبدو أنه كان يجتاز فترة من التردد والخوف. لهذا السبب، كان بولس غالباً ما يشجعه ليكون قوياً وجريئاً.
- قد يكون تيموثاوس خائفاً ومتردداً نوعاً ما، ولكن الصحيح أيضاً أنه كان يتحمل مسؤولية كبيرة وثقيلة كمشرف على عمل الله في أفسس والمنطقة الأوسع منها. فقد كانت هناك العديد من الاجتماعات في كل المنطقة (أعمال الرسل ٩:١٩-١٠ و ١٧-٢٠). فربما كان تيموثاوس شخصاً ذو شجاعة عادية وقع على عاتقه تحمل مسؤوليات ضخمة.
- فلو كان صحيحاً أن تيموثاوس هو من نوع الأشخاص الذين يتجنبون المواجهة، فرؤيته لبولس كقدوة كان ذا فائدة له. فقد كان بولس رجلاً ذو محبة عميقة، ولكنه أيضاً رجل لا يهاب المواجهة أبداً. ولدينا مثالاً مهماً في توبيخه للرسول بطرس (غلاطية ١١:٢-٢١). فكان تيموثاوس بالفعل يمتلك قلب الراعي نحو رعيته. ولذلك أراد بولس أن يُطوِّر في داخله الجرأة اللازمة حقاً لقيادة وحماية القطيع.
- يوجد ما لا يقل عن ٢٥ مكاناً مختلفاً في رسالتي تيموثاوس الأولى والثانية يشجع فيها بولس تيموثاوس بأن يكون جريئاً وأن لا يخشى المواجهة، بل أن يمارسها حين تدعوا الضرورة لذلك، وأن يكون قوياً. وهذا ما يحتاج تيموثاوس لسماعه بناء على شخصيته ومسؤولياته التي عليه أن يتحملها.
- لِهذَا السَّبَبِ أُذَكِّرُكَ: كل منا وضعه مختلف في هذه الحياة. فبالنسبة للبعض فإن آخر ما يتوقعون سماعه هو:”يجب أن تكون أكثر جرأة” لأن هذه ليست مشكلتهم. وآخرون كثيرون يحتاجون لسماع القول: “أضرم موهبة الله التي فيك” كن جريئاً، تابع المسير وانطلق إلى هدفك. وقد كان تيموثاوس من هذا النوع الثاني من الأشخاص.
- إن بعض الأشخاص الذين يبدون شجاعة، هم في الواقع يجيدون فقط التظاهر بها. فهم يستخدمون موقف المواجهة وجهاً لوجه كقناع يخفون ورائه الكثير من الألم وعدم الأمان. وهم يحتاجون لأن يصبحوا في الحقيقة جريئين وآمنين في الرب بدلاً من التظاهر بذلك والاختفاء وراء قناع الشجاعة المزيفة.
- أذَكِّرُكَ أَنْ تُضْرِمَ أَيْضًا مَوْهِبَةَ اللهِ الَّتِي فِيكَ: لا يمكن لتيموثاوس أن يكون سلبياً، ويكتفي بمجرد ترك كل الأمور تحدث من تلقاء نفسها. بل يحتاج أن يكون جريئاً وأن يضرم موهبة الله التي فيه. فالبعض منحهم الله مواهب لكنها مهملة. وهم يحتاجون لأن يضرموها ويستخدموها عملياً.
- يذكرنا هذا الكلام بأن الله لا يمارس مواهبه من خلالنا كما لو كنا رجالاً آليين. فحتى عندما يمنح المواهب لرجل أو لامرأة فهو يترك لهم كامل السيطرة على الإرادة والرغبة والاندفاع لتحقيق مقاصده.
- البعض ينتظرون بخمول من الله أن يستخدمهم، لكن الله ينتظر منهم إضرام المواهب التي في داخلهم. والبعض ينتظرون من الله مسحة جديدة ومثيرة، ولكن الله ينتظر منهم إضرام ما قد سبق ومنحهم إياه.
- أَنْ تُضْرِمَ: تحمل هذه الكلمة فكرة إضرام النار لإبقائها مشتعلة وقوية، فلو تركت النار لوحدها فإنها ستخبوا وتنطفأ، لكن الله يريدنا أن نبقي مواهبنا مشتعلة وقوية لأجله.
- “إن الكلمة اليونانية “أنازوبوريو (anazopureo)” (تضرم) تعني إما أن توقد من جديد أو أن تُبقي اللهيب مضطرماً. لذا فلا داعي للاقتراح بأن تيموثاوس قد فَقَد ناره المبكرة، على الرغم أنه بلا شك مثل كل مؤمن فهو بحاجة إلى مُحفِّز للمحافظة على النيران مشتعلة بلهيب كامل.” غثري (Guthrie)
- الَّتِي فِيكَ بِوَضْعِ يَدَيَّ: لقد استخدم الله وضع الأيدي للتواصل مع تيموثاوس في منحه المواهب الروحية. وهي ليست الطريقة الوحيدة التي يَتَّبعُها الله في منح المواهب، ولكنها طريقة شائعة ويجب ألا نهملها. إنه لأمر جيد أن يصلي الآخرون لأجلنا لكي يمنحنا الله مواهب يمكن استخدامها لمباركة وبنيان عائلة الله.
- “لا يجوز لنا الافتراض بأن الأيدي قد وُضِعَت مرة واحدة على تيموثاوس. فسفر أعمال الرسل يذكر حدوث هذه المناسبات مرتين في حياة القديس بولس (أعمال الرسل ١٧:٩، ٣:١٣). ويُحتَمَل وجود مناسبات آخرى غيرها.” وايت (White)
ب) الآية (٧): يستطيع تيموثاوس أن يكون جريئاً في استخدام المواهب التي منحها الله له: لأن الله قد منحه رُوحَ الْقُوَّةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالنُّصْحِ.
٧لأَنَّ اللهَ لَمْ يُعْطِنَا رُوحَ الْفَشَلِ، بَلْ رُوحَ الْقُوَّةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالنُّصْحِ.
- اللهَ لَمْ يُعْطِنَا رُوحَ الْفَشَلِ: لقد رأى بولس الفشل أو الجبن الذي في تيموثاوس. اختبر تيموثاوس الفشل أو الجبن الذي شعر به بولس أحياناً. فالله يريد لتيموثاوس أن يعرف أن الإله الذي يخدمه ليس هو مصدر هذا الفشل، وأن هذا الإله لَمْ يُعْطِنَا رُوحَ الْفَشَلِ.
- جميعنا نواجه مواقف نشعر فيها بالخوف والرهبة. فالبعض يخشون التكلم أمام الآخرين، والبعض الآخر يخشون المواجهة، وآخرون يخشون أن يظهروا للناس أنهم حمقى. والبعض الآخر يخشون الرفض، فجميعنا نتعامل مع الخوف من الفشل.
- الخطوة الأولى في التعامل مع مثل تلك المخاوف هي فهم أنها لا تأتينا من الله. فمن المهم أن نقول: “ليس الله هو من يجعلني أشعر بمثل هذه المشاعر، فهو لم يعطيني هذ الشعور بالفشل أو الخوف.” فربما كان مصدر هذا الشعور هو شخصيتي أو ربما كان ضعفاً من الجسد والطبيعة القديمة أو ربما بسبب هجوم شيطاني، ولكنه ليس من الله.
- بَلْ رُوحَ الْقُوَّةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالنُّصْحِ: الخطوة الثانية في التعامل مع الفشل أو الخوف هي فهم ما أعطانا إياه الله، وهو رُوحَ الْقُوَّةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالنُّصْحِ.
- لقد أعطانا الله روح الْقُوَّةِ: فعندما نقوم بعمله وننادي بكلمته ونعلن ملكوته، نجد أن كل قوته تسندنا، فنحن في آمان في يديه.
- وأعطانا الله روح الْمَحَبَّةِ: هذا الكلام يخبرنا الكثير عن القوة التي منحها لنا. فيظن الكثيرون بأن القوة تعني قدرتنا على التحكّم بحياة الآخرين، لكن قوة الله المذكورة هنا، تعني قدرتنا على محبة الآخرين وخدمتهم. ففي الليلة التي سبقت صلبه، يَسُوعُ وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّ الآبَ قَدْ دَفَعَ كُلَّ شَيْءٍ إِلَى يَدَيْهِ – ماذا فعل بكل تلك القوة؟ لقد غسل أرجل تلاميذه بتواضع (يوحنا ١:١٣-١١).
- وأعطانا الله روح النُّصْحِ: إن الكلمة اليونانية القديمة المستخدمة هنا تحمل فكرة الهدوء والذهن المسيطر عليه من قبل شخص ضابط لنفسه، وذلك على عكس الذعر والارتباك الناجم عن الشعور بالخوف.
- لَمْ يُعْطِنَا رُوحَ الْفَشَلِ، بَلْ رُوحَ الْقُوَّةِ وَالْمَحَبَّةِ: لا داعي لقبول ما لَمْ يُعْطِنَا إياه الله (رُوحَ الْفَشَلِ)، بل نحتاج أن نقبل ما أعطانا إياه ونسلك فيه بتواضع (رُوحَ الْقُوَّةِ وَالْمَحَبَّةِ والنُّصْحِ).
- يكتب بولس هذا إلى تيموثاوس لأن الجرأة هي أمر مهم، فبدونها لا يمكننا تحقيق غاية الله لحياتنا. فغاية الله لنا هي أكثر من الحصول على المال وترفيه أنفسنا وشعورنا بالراحة، إن غايته لكل منا هي استخدام المواهب التي منحنا إياها لنبارك شعبه ونساعد العالم المحتاج.
- إن الخوف والتردد سوف يمنعنا من استخدام ما يعطينا الله من مواهب. فالله يريد لكل واحد منا الحصول على محبته ونُصحه وقوته للتغلب على مشاعر الفشل والخوف والتردد كي يستخدمنا بكل ما منحنا من مواهب.
ج) الآية (٨): استخدام الجرأة التي يمنحها الله، لا تخجل بالرسول السجين.
٨فَلاَ تَخْجَلْ بِشَهَادَةِ رَبِّنَا، وَلاَ بِي أَنَا أَسِيرَهُ، بَلِ اشْتَرِكْ فِي احْتِمَالِ الْمَشَقَّاتِ لأَجْلِ الإِنْجِيلِ بِحَسَبِ قُوَّةِ اللهِ.
- فَلاَ: لقد فرغ بولس لتوه من إخبار تيموثاوس عن روح القوة والمحبة والنصح مع الشجاعة، فهذا هو الحق الشرعي لكل مؤمن في يسوع المسيح. ويتابع الآن فَيُعلِّم تيموثاوس كيف يدع ما منحه إياه الله يقود تفكيره.
- فَلاَ تَخْجَلْ بِشَهَادَةِ رَبِّنَا: لو تَحلَّى تيموثاوس بالشجاعة التي منحه الله إياها، لما شعر بالخجل بِشَهَادَةِ رَبِّنَا. ونحن غالباً ما نفشل في فهم أن قضية اتباع سيد مصلوب ليست بالأمر السهل.
- لقد قمنا في يومنا الحاضر بعملية تعقيم وتطهير ليسوع والصليب وجعلهما آمنين. ولكن في وقت كتابة بولس لهذا الكلام كان سيبدو غريباً حقاً أن تتبع شخصاً مصلوباً وتطلق عليه لقب مخلص.
- تأمل في تعاليم يسوع التي تقول: إذا أردت أن تكون عظيماً فعليك أن تكون خادماً للجميع، فكونوا مثل الأطفال ومثل العبيد واختاروا المرتبة الأخيرة بدلاً من الأولى. لهذا قد يخجل البعض بمثل هذا النوع من الشَهَادَةِ.
- لقد عرف بولس أن خطة الله في يسوع المسيح تبدو للكثيرين أنها حماقة، لكنه عرف أيضاً أن خطة الله هي قوة الله الحية الفعالة لخلاص النفوس وتغيير الحياة. فبولس لم يخجل بهذه الشهادة، ويجب ألا يخجل تيموثاوس بها، وألا نخجل نحن بها في يومنا الحاضر.
- وَلاَ بِي أَنَا أَسِيرَهُ: إن مساندة رسول أَسِير ليست بالأمر السهل، فلو تَحلَّى تيموثاوس بالشجاعة التي منحه إياها الله فلن يخجل ببولس السجين.
- لاحظ أن بولس يعتبر نفسه سجيناً ليسوع (وَلاَ بِي أَنَا أَسِيرَهُ). فلم يرى بولس نفسه سجيناً لروما بل سجيناً لله. لقد رأى بولس الله هو َرَبْ لكل الظروف، فإذا كان حراً فسوف يكون رجل الرب الحر، وإذا كان مسجوناً فهو سجين للرب.
- بَلِ اشْتَرِكْ: لم يكتفِ بولس بأن يطلب من تيموثاوس بألا يخجل به وبقيوده، بل دعاه أيضاً للاشتراك في كل هذه الأمور.
- علينا أن نشْتَرِكْ فِي احْتِمَالِ الْمَشَقَّاتِ بنفس الطريقة التي تكلم عنها بولس في رسالة رومية ١٥:١٢ “فَرَحًا مَعَ الْفَرِحِينَ وَبُكَاءً مَعَ الْبَاكِينَ.” فنحن نتوحد مع إخوتنا المتألمين في جميع أنحاء العالم من خلال الصلاة والاهتمام والمساعدة.
- بِحَسَبِ قُوَّةِ اللهِ: لقد تألم بولس فعلاً بِحَسَبِ قُوَّةِ اللهِ. فقوة الله دائماً حاضرة ولكنها ليست دائماً حاضرة لإزالة المصاعب. وأحياناً تكون حاضرة كي ترافقنا وتعضدنا وسط المصاعب.
- كان من الغريب بمعنى ما أن يكتب بولس السجين عن قوة الله. فقوة روما تبدو في بعض النواحي أكثر واقعية. ولكن قوة الله قد تبرهنت من خلال التاريخ، فقد اختفت الامبراطورية الرومانية ولكن إنجيل يسوع المسيح الذي عاش بولس ليكرز به ما زال حياً.
د ) الآيات (٩-١٠): إن الرسالة التي يجب ألا يخجل بها تيموثاوس: هي خطة الله للخلاص.
٩الَّذِي خَلَّصَنَا وَدَعَانَا دَعْوَةً مُقَدَّسَةً، لاَ بِمُقْتَضَى أَعْمَالِنَا، بَلْ بِمُقْتَضَى الْقَصْدِ وَالنِّعْمَةِ الَّتِي أُعْطِيَتْ لَنَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ قَبْلَ الأَزْمِنَةِ الأَزَلِيَّةِ، ١٠وَإِنَّمَا أُظْهِرَتِ الآنَ بِظُهُورِ مُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي أَبْطَلَ الْمَوْتَ وَأَنَارَ الْحَيَاةَ وَالْخُلُودَ بِوَاسِطَةِ الإِنْجِيلِ.
- الَّذِي خَلَّصَنَا وَدَعَانَا: نحن آمنا لأننا تجاوبنا مع دعوة الله لنا. فلسنا نحن المبادرين في البحث عن الله، ولسنا نحن من وجد الله، بل هو الذي وجدنا، لذلك يجب أن نتجاوب مع دعوته عندما ندركها.
- لاَ بِمُقْتَضَى أَعْمَالِنَا، بَلْ بِمُقْتَضَى الْقَصْدِ: هذه العبارة تشرح سبب دعوة الله لنا. فليس السبب هو أي شيء عظيم فينا أو أي شيء عظيم فعلناه، لكن السبب هو توافق دعوته لنا مع قصده، لأنه هو أراد ذلك.
- وَالنِّعْمَةِ الَّتِي أُعْطِيَتْ لَنَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ قَبْلَ الأَزْمِنَةِ الأَزَلِيَّةِ: لقد وجه الله عمل رحمته نحونا عندما وُجِدْنَا فقط كحقيقة في علم الله. فالله قد سبق فخطط لأجلنا تماماً كما يخطط الزوجان بمحبة قبل ولادة الطفل.
- تذكرنا عبارة قَبْلَ الأَزْمِنَةِ الأَزَلِيَّةِ بأن الزمن هو شيء خلقه الله لإضفاء النظام والترتيب على عالمنا الحاضر، فالزمن ليس أمراً جوهرياً لوجود الله. فهو موجود قبل خلق الزمن وسوف يبقى بعد انتهاء الزمن، ونحن سنحيا معه طوال الأبدية.
- وَإِنَّمَا أُظْهِرَتِ الآنَ بِظُهُورِ مُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ: إن ظهور يسوع قد أعلن قصد الله ونعمته. فيسوع قد تمم خطة الله الأزلية، وقد أظهر لنا حقاً من هو الله، وما هو القصد من خطته. لهذا السبب لا نستطيع أبداً معرفة الكثير عن يسوع، بل دائماً نحتاج إلى المزيد من معرفته.
- الَّذِي أَبْطَلَ الْمَوْتَ: بعد ظهور يسوع المقام لم يعد الموت موتاً، بل صار يدعى بالنسبة للمؤمنين رقاداً أو نوماً، ليس لأننا نكون به في حالة من اللاوعي، بل لأننا نكون في حالة من البهجة والسلام. فالمؤمن لا يخسر بموته شيئاً، بل يرتقي في تَدَرُّجه إلى مرحلة الأمجاد.
- اقترح أحدهم بأنه لا مكان على قبر المسيحي لكتابة عبارة “رقد في سلام” لأنها ليست مناسبة لوصف مصيرنا الأبدي. وقد اقترحوا استبدالها بعبارة: “المسيح أبطل الموت.”
- وَأَنَارَ الْحَيَاةَ وَالْخُلُودَ بِوَاسِطَةِ الإِنْجِيلِ: لقد ازدادت معرفتنا عن الحياة والخلود أكثر مما قبل بسبب ظهور يسوع المقام. كان فهم الحياة بعد الموت في العهد القديم ضبابياً في أحسن الأحوال، ولكن يسوع زاد معرفتنا عن السماء وجهنم أكثر من أي شخص آخر.
- لقد أحيا يسوع حقيقة حالتنا الأبدية الخالدة من خلال قيامته، وأرانا كيف ستبدو أجسادنا الخالدة، وطمأننا عن حقيقة امتلاكنا لها. لذا فإن يسوع هو الناطق الرسمي الموثوق به عن عالم الآخرة من أي شخص آخر.
- بِوَاسِطَةِ الإِنْجِيلِ: يمكن تصور الأخبار السارة عن هوية يسوع وما عمله لأجلنا كسلسلة جميلة من الأحداث المترابطة تعكس عمل الله.
- لقد بدأت خطة الله لخلاصنا قبل بدء الزمن، قَبْلَ الأَزْمِنَةِ الأَزَلِيَّةِ.
- واستمرت بِظُهُورِ مُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ.
- وقد صرنا جزءًا منها عندما خَلَّصَنَا وَدَعَانَا.
- واستمر عملها فينا بينما نتمم الدَعْوَةً المُقَدَّسَةً.
- وسوف تنكشف تفاصيلها ذات يوم في الْخُلُود – أي الحياة الأبدية.
- عندما نفكر في عظمة هذه الرسالة فلا عجب في أن يدعوها بولس الإِنْجِيلِ أي الأخبار السارة. إنها لأخبار سارة أن يفكرالله بك ويحبك حتى قبل أن توجد، وإنها لأخبار سارة أن يأتي يسوع ليظهر لنا الله تماماً، وإنها لأخبار سارة أنه قد دعانا وخلصنا، وأنه يدعونا دعوة مقدسة، ويرينا ويعطينا الحياة الأبدية.
- هذه الرسالة بالنسبة للرسول بولس تستحق أن يسجن لأجلها.
هـ) الآيات (١١-١٢): الخدمة المعينة لبولس، والثقة التي منحته إياها خدمته.
١١الَّذِي جُعِلْتُ أَنَا لَهُ كَارِزًا وَرَسُولاً وَمُعَلِّمًا لِلأُمَمِ. ١٢لِهذَا السَّبَبِ أَحْتَمِلُ هذِهِ الأُمُورَ أَيْضًا. لكِنَّنِي لَسْتُ أَخْجَلُ، لأَنَّنِي عَالِمٌ بِمَنْ آمَنْتُ، وَمُوقِنٌ أَنَّهُ قَادِرٌ أَنْ يَحْفَظَ وَدِيعَتِي إِلَى ذلِكَ الْيَوْمِ.
- الَّذِي جُعِلْتُ أَنَا لَهُ كَارِزًا: يمكننا تقريباً أن نشعر بأن بولس كان ينمو بالقوة بينما هو يخط هذه الكلمات، فقد فهم مرة أخرى أن معاناته لأجل هذا الإنجيل العظيم هي امتياز لبولس أبعد ما يكون عن شعوره بالخجل. فالألم والمعاناة هما في الواقع تكريمٌ له.
- بينما بولس يكتب هذه الكلمات كانت تومض في ذهنه تلك العظات التي وعظها (كَارِزًا) والكنائس التي أسسها وقادها (رَسُولاً) والأمم التي جلبها ليسوع المسيح (مُعَلِّمًا لِلأُمَمِ). ولا شك أنه قد شكر يسوع وهو يفكر في كل واحدة منها.
- لِهذَا السَّبَبِ أَحْتَمِلُ هذِهِ الأُمُورَ أَيْضًا: لقد عرف بولس أنه على الرغم من أنه قَدَّم في عظاته رسائل رائعة، إلَّا أن ذلك قد كلفه غالياً على طول الطريق. فتعيينه السماوي للخدمة هو السبب وراء معاناته للآلام الحالية في السجن.
- لأَنَّنِي عَالِمٌ بِمَنْ آمَنْتُ: يُفسِّر لنا هذا الكلام سبب جرأة بولس في خدمته، وكيف استطاع الشعور بأنه مُكرَّم وسط الظروف التي قد تجعل الآخرين يشعرون بالعار. فيقول بولس إن السر وراء ذلك هو: لأَنَّنِي عَالِمٌ بِمَنْ آمَنْتُ. فبولس يعرف من هو الإله الذي يثق به ويخدمه.
- يجب أن نعرف ما نؤمن به، ولكن الأهم من ذلك هو معرفة بمن نؤمن. فحين نعرف مقدار عظمة الله، وحين يصبح مجد الله أعظم حقيقة في حياتنا، عندها نمتلك شجاعة حقيقية.
- “يقول الفيلسوف الوثني: ’إعرف نفسك.‘ وهذا حسن، ولكن تلك المعرفة قد تقود الشخص فقط إلى جهنم. أما الفيلسوف المسيحي فيقول: ’إعرف المسيح. وعندما تعرفه سوف تعرف نفسك،‘ وهذه المعرفة سوف تقودك بالتأكيد إلى السماء، لأن معرفة المسيح يسوع هي معرفة تخلص.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَمُوقِنٌ أَنَّهُ قَادِرٌ أَنْ يَحْفَظَ وَدِيعَتِي: هذا الكلام هو سبب ثاني يُفسِّر شجاعة بولس. فقد سلم بولس حياته ليسوع وهو عالم أن يسوع قادر تماماً أن يحفظها.
- ما هي يا ترى تلك الوديعة التي سَلَّمها بولس لله؟ بالتأكيد، إن أول ما يدور في ذهن بولس هو حياته. إذ أن بولس عالم أنه لا يستطيع المحافظة على حياته، وقد عرف أن الله وحده يستطيع ذلك. إن الله قادر، أما بولس فعاجز. إن معرفة هذا الأمر جعلت بولس ممتلئاً بالشجاعة، لكنها لم تكن شجاعة من نفسه، بل شجاعة من الله.
- لم تكن حياة بولس هي فقط ما أودعه لله. فقد استودع بولس كل شيء للمسيح: حياته وجسده وشخصيته وسمعته وخدمته في الحياة وكل ما هو ثمين لديه.
- إِلَى ذلِكَ الْيَوْمِ: يدور هنا في ذهن بولس أمران، إما اليوم الذي سيرى فيه يسوع أو اليوم الذي سيأتي فيه يسوع إلى بولس. فقد عاش كل من بولس وتيموثاوس للحظة لقاء يسوع في ذلِكَ الْيَوْمِ لدرجة أن بولس لم يكن بحاجة إلى تحديده أكثر من ذلك.
- كان ذلِكَ الْيَوْمِ ثميناً لبولس لأنه قد استودع كل شيء في يدي يسوع. وبمقدار ما نستودع حياتنا وكل ما نحن عليه وما نملكه في يدي يسوع، بمقدار ما يكون ذلِكَ الْيَوْمِ ثميناً بالنسبة لنا.
ثالثًا. بولس يحذر تيموثاوس لكي يبقى أميناً للحق
أ ) الآية (١٣-١٤): إن الأمانة هي مسألة مهمة، فتمسك بالحق.
١٣تَمَسَّكْ بِصُورَةِ الْكَلاَمِ الصَّحِيحِ الَّذِي سَمِعْتَهُ مِنِّي، فِي الإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. ١٤اِحْفَظِ الْوَدِيعَةَ الصَّالِحَةَ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ السَّاكِنِ فِينَا.
- تَمَسَّكْ بِصُورَةِ الْكَلاَمِ الصَّحِيحِ: بعد كتابته عن أهمية الجرأة، يدعو بولس تيموثاوس (وكل الخدام الأتقياء) لأن يكونوا أمناء لحق الله، الذي هو صُورَةِ الْكَلاَمِ (التَّعلِيمِ) الصَّحِيحِ.
- توحي كلمة ’تَمَسَّكْ‘ بأن أحداً أو شيئاً سيحاول أن يأخذ الحق من تيموثاوس. وبالتالي، ما لم يتمسك تيموثاوس بأمانته فإن الحق سوف ينتزع منه.
- إن التمسك بالحق يلزمه فعلياً رجلاً خاصاً (أو امرأة) ليس ’محمولاً بكل ريح تعليم بحيلة الناس.‘ (أفسس ١٤:٤)
- هذا مقياس مهم لكل راعي، فكل راعي يجب أن يتمسك بالتعليم الصحيح (بِصُورَةِ الْكَلاَمِ الصَّحِيحِ). ويجب ألا يكون مقياسه الأولي هو الفكاهة أو الإثارة أو قوة الشخصية أو الجاذبية. إن بعض الذين يَدَّعون أن لديهم قلباً تبشيرياً نجدهم يَتَخلُّون عن صُورَةِ الْكَلاَمِ الصَّحِيحِ ويظهرون عدم أمانتهم للرب ولدعوتهم.
- صُورَةِ الْكَلاَمِ الصَّحِيحِ: توحي هذه العبارة بأن التعليم الحقيقي وفقاً لحق الله له نمط معين. ويمكن اكتشاف النمط (الصُورَةِ) بواسطة القلب المُمَيِّز.
- الَّذِي سَمِعْتَهُ مِنِّي: إن صورة الكلام الصحيح الذي يجب على تيموثاوس أن يتمسك به قد تلقاها من بولس الرسول. فقد استخدم الله أدوات بشرية لإيصال حقائقه الأبدية.
- يجب أن نحذر دوماً من الشخص الذي يرفض كل المعلمين ويقول: “أنا لا أتفق مع أي أحد سوى مع تفسيري الشخصي لكتابي المقدس.” فقد استخدم الله بولس لإيصال صُورَةِ الْكَلاَمِ الصَّحِيحِ، وكان متوقعاً من تيموثاوس أن يكون أميناً لصورة التعليم هذه. وقد يستخدم الله رجالاً ونساءً آخرين للتواصل مع الناس من خلال نفس هذا الحق في يومنا الحاضر.
- فِي الإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ: ينبغي أن يتم اختبار أمانة تيموثاوس فِي الإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. فبعض الناس يستخدمون كلمة الله معتبرين إياها فقط مسألة فكرية، ويتجاهلون الإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ.
- تصف عبارة الإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ كيفية التمسك بالحق. فنحن نتمسك بالحق بالإِيمَانِ، فنؤمن به حقاً ونبني حياتنا عليه. ونتمسك به بمَحَبَّة ليس بالغرور والكبرياء أو التفوق الذي يسعى إلى تحقيق الذات.
- فلو ظن المرء أنه أمين للحق، ولم يظهر الإِيمَانِ والْمَحَبَّةِ في حياته، فهو قد لا يرتقي إلى أكثر من فَرِّيسي. فقد كان الفريسيون في أيام يسوع جماعة مكرسة جداً في تمسكها بتعاليم معينة، ولكنهم فشلوا في إظهار أية ثمار تبرهن على الإِيمَانِ والْمَحَبَّةِ في حياتهم.
- اِحْفَظِ الْوَدِيعَةَ الصَّالِحَةَ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ السَّاكِنِ فِينَا: لقد أودع الله في تيموثاوس شيئاً ما سماه بولس الْوَدِيعَةَ الصَّالِحَةَ، وبدون شك المقصود بها الإنجيل وحق الله. لذا فتيموثاوس تعوزه الأمانة لحْفَظِ هذا الشيء الصالح.
- لقد استودع الله فينا العديد من الأشياء الصالحة، ويجب أن نكون أمناء في المحافظة عليها. إن كلمة “اِحْفَظِ” تحمل أكثر من مجرد فكرة التمسك بشيء ما، إنها تعني أيضاً أن تحرس ذلك الشيء وتستخدمه بحكمة. لقد أعطانا الله كلمته وأعطانا العلاقات العائلية والوقت والمواهب والموارد والثقافة، وغيرها من الأمور. فيجب أن نكون أمناء في المحافظة على هذه الأشياء الصالحة بطريقة تجلب المجد والفضل ليسوع.
- إننا نعيش في زمن نتوقع فيه فقط التحلي بالأمانة طالما أنها تخدم مصالحنا الخاصة. فعندما تكف الأمانة عن خدمة مصالحهم المباشرة يشعر العديد من الناس بالرضى في التخلي عن مسؤوليتهم، ولكن هذا لا يكرم الله.
- أن تكون أميناً لله يعني امتلاك القلب الذي يشاء فعل ما هو صواب حتى عندما لا يبدو القيام به أنه في مصلحتنا. ” وَيُكرِمُونَ مَنْ يَهَابُونَ اللهَ. الَّذِينَ يَفُونَ بِوُعُودِهِمْ، حَتَّى وَإنْ ضَرَّهُمْ ذَلِكَ.” (مزمور ٤:١٥). فالأمانة الحقيقية تظهر عندما يكلفنا موقف الأمانة ثمناً ما.
- إن الله أمين على ما نستودعه له (تيموثاوس الثانية ١٢:١). فهل سنكون نحن أمناء على ما استودعه لنا؟
- اِحْفَظِ الْوَدِيعَةَ الصَّالِحَةَ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ السَّاكِنِ فِينَا: هذا هو مفتاح الأمانة. وهو أن الله يطلب منا أمانة أعظم مما نستطيع تحقيقه بمواردنا الخاصة. فما لم نمتلىء بالروح القدس ونسلك حسب الروح، لا يمكننا أن نبقى أمناء على ونحافظ على الوديعة الصالحة.
ب) الآية (١٥): مثال عن الأشخاص غير الأمناء.
١٥أَنْتَ تَعْلَمُ هذَا أَنَّ جَمِيعَ الَّذِينَ فِي أَسِيَّا ارْتَدُّوا عَنِّي، الَّذِينَ مِنْهُمْ فِيجَلُّسُ وَهَرْمُوجَانِسُ.
- جَمِيعَ الَّذِينَ فِي أَسِيَّا ارْتَدُّوا عَنِّي (هَجَرُونِي): عاش بولس الرسول وحيداً في أواخر حياته الرائعة كمبشر. لم يكن محط مديح من العالم، ولم يكن حتى يحظى باهتمام كبير في أوساط المؤمنين الآخرين.
- لو كان هناك محطة راديو مسيحية في ذلك الزمن لما رغب أحد في إجراء لقاء مع بولس. وكذلك الأمر، لو كانت هناك مجلة مسيحية في ذلك الزمن، لما طبعت على غلافها صورة بولس. ولواجه بولس صعوبة في إيجاد دار للنشر لطباعة الكتب التي كتبها. فكان بولس يبدو بالنسبة للعديد من المؤمنين في ذلك الزمن متطرفاً جداً أو ملتزماً جداً، ولم يكن شخصاً يخطف الأبصار أو مشهوراً بما فيه الكفاية. حتى أن مؤمني أَسِيَّا، الذين قام بولس بخدمة عظيمة في وسطهم (أعمال الرسل ١٩)، ابتعدوا (ارْتَدُّوا) عن بولس.
- بالنسبة لجغرافية زمن العهد الجديد، فإن منطقة أَسِيَّا لا يقصد بها القارة الموجودة في أقصى الشرق كما في يومنا الحاضر. بل يقصد بها مقاطعة أَسِيَّا الرومانية، أي تركيا في يومنا الحاضر.
- فِيجَلُّسُ وَهَرْمُوجَانِسُ: كان هذان الشخصان البارزان من بين أولئك الذين ابتعدوا عن بولس ولم يكونوا مخلصين له ولم يثبتوا في إيمانهم.
- لم يكن هذان الشخصان الوحيدان، لكن بولس وجد أنه من الضروري الإشارة إلى فِيجَلُّسُ وَهَرْمُوجَانِسُ على وجه الخصوص: “إنه يسمي إثنين من الذين هجروه، وربما هما الأكثر شهرة، ليضع حدًا لتلك الهجمات الافترائية. لأن ما يحدث عادة هو أن من يهجرون الحرب المسيحية يسعون لتبرير سلوكهم المخزي باختراع أية اتهامات يجدونها ضد خدام الإنجيل الأمناء والمستقيمين.” كالفن (Calvin)
- نحن لا نعرف الكثير عن فِيجَلُّسُ وَهَرْمُوجَانِسُ، فهذا هو المكان الوحيد المذكورين فيه في الكتاب المقدس. إنه لأمر فظيع أن يُسجل اسمك في كلمة الله كمثال عن عدم الأمانة.
ج ) الآيات (١٦-١٨): مثال عن الأشخاص الأمناء.
١٦لِيُعْطِ الرَّبُّ رَحْمَةً لِبَيْتِ أُنِيسِيفُورُسَ، لأَنَّهُ مِرَارًا كَثِيرَةً أَرَاحَنِي وَلَمْ يَخْجَلْ بِسِلْسِلَتِي، ١٧بَلْ لَمَّا كَانَ فِي رُومِيَةَ، طَلَبَنِي بِأَوْفَرِ اجْتِهَادٍ فَوَجَدَنِي. ١٨ لِيُعْطِهِ الرَّبُّ أَنْ يَجِدَ رَحْمَةً مِنَ الرَّبِّ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ. وَكُلُّ مَا كَانَ يَخْدِمُ فِي أَفَسُسَ أَنْتَ تَعْرِفُهُ جَيِّدًا.
- لِيُعْطِ الرَّبُّ رَحْمَةً لِبَيْتِ أُنِيسِيفُورُسَ: لقد كان أُنِيسِيفُورُسَ شخصاً مختلفاً في نوعيته عن فِيجَلُّسُ وهَرْمُوجَانِسُ، فهو كان أميناً لبولس في ظروفه الصعبة. لذلك يصلي بولس طالباً رَحْمَةً لأُنِيسِيفُورُسَ ولكل أفراد عائلته.
- نحن لا نعرف الكثير عن أُنِيسِيفُورُسَ، ما عدا أنه قد عاش قريباً من تيموثاوس، نعرف ذلك لأن بولس طلب من تيموثاوس في ختام الرسالة أن يوصل تحياته إلى بيت أُنِيسِيفُورُسَ.
- أُنِيسِيفُورُسَ: لقد وصف بولس العديد من الأشياء التي جعلته مميزاً.
- لأَنَّهُ مِرَارًا كَثِيرَةً أَرَاحَنِي: لقد بارك أُنِيسِيفُورُسَ بولس كثيرًا وشجع بولس باستمرار الذي بدوره قد فعل الكثير لخدمة الآخرين.
- وَلَمْ يَخْجَلْ بِسِلْسِلَتِي: لقد أظهر أُنِيسِيفُورُسَ نفسه كصديق حقيقي لبولس أثناء وجوده في السجن.
- طَلَبَنِي بِأَوْفَرِ اجْتِهَادٍ فَوَجَدَنِي: كان هناك العديد من السجون في روما، لذلك فربما كان من الصعب على أُنِيسِيفُورُسَ أن يجد بولس، لكنه وجده.
- أَنْ يَجِدَ رَحْمَةً مِنَ الرَّبِّ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: كانت هذه صلاة خاصة لأجل أُنِيسِيفُورُسَ. فإذا كان خادم أمين مثل أُنِيسِيفُورُسَ يحتاج إلى مثل هذه الصلاة، فكم بالأحرى نحتاجها أكثر نحن البقية.
- أَنْتَ تَعْرِفُهُ جَيِّدًا: على ما يبدو فقد كان أُنِيسِيفُورُسَ أميناً للغاية في خدمته، التي كانت رائعة لدرجة نالت شهرة جعلت بولس يقول لتيموثاوس ببساطة: أَنْتَ تَعْرِفُهُ جَيِّدًا وتعرف كيف خدم بصورة رائعة.
- لقد عاش أُنِيسِيفُورُسَ بما يتوافق مع معنى اسمه، الذي يعني “الذي يجلب العون.”