إنجيل مرقس – الإصحاح ٣
اختِيَارُ الاثْنَا عَشَر
أولاً. يسوع: مكروه ومحبوب ويتبعه كثيرون
أ ) الآيات (١-٦): رب السبت يشفي يوم السبت
١ثُمَّ دَخَلَ أيضًا إلَى المَجمَعِ، وكانَ هناكَ رَجُلٌ يَدُهُ يابِسَةٌ. ٢فصاروا يُراقِبونَهُ: هل يَشفيهِ في السَّبتِ؟ لكَيْ يَشتَكوا علَيهِ. ٣فقالَ للرَّجُلِ الّذي لهُ اليَدُ اليابِسَةُ: «قُمْ في الوَسطِ!». ٤ثُمَّ قالَ لهُمْ: «هل يَحِلُّ في السَّبتِ فِعلُ الخَيرِ أو فِعلُ الشَّرِّ؟ تخليصُ نَفسٍ أو قَتلٌ؟». فسكَتوا. ٥فنَظَرَ حَوْلهُ إليهِمْ بغَضَبٍ، حَزينًا علَى غِلاظَةِ قُلوبهِمْ، وقالَ للرَّجُلِ: «مُدَّ يَدَكَ». فمَدَّها، فعادَتْ يَدُهُ صَحيحَةً كالأُخرَى. ٦فخرجَ الفَرّيسيّونَ للوقتِ مع الهيرودُسيّينَ وتَشاوَروا علَيهِ لكَيْ يُهلِكوهُ.
- وكانَ هناكَ رَجُلٌ يَدُهُ يابِسَةٌ: كانت يد الرجل مَشلُولَة، ولكن رحمة الله منحته قدمين سليمتين ليستخدمهما للذهاب لعبادة الله في المجمع حيث تقابل مع يسوع وشفاه. فلسنا بأفضل حال، لكن حالنا قد يكون أسوأ منه.” كلارك (Clarke)
- فصاروا يُراقِبونَهُ: هل يَشفيهِ في السَّبتِ؟: توقع منتقدو يسوع أن يشفي يسوع هذا الرجل، وبتوقعهم هذا اعترفوا أنه يملك سلطان لصنع المعجزات. ولأنهم كانوا يعرفون هذا عنه، صاروا يُراقِبونَهُ… لكَيْ يَشتَكوا علَيهِ. فرغم معرفتهم بسلطان يسوع، إلا أنهم لم يؤمنوا به. ويشبه الأمر شخصاً يستطيع قيادة الطائرات، لكن السلطات تريد أن تعرف إن كان لديه رخصة طيار.
- راقب القادة الدينيون يسوع جيداً ولكن بعيون النقد لا المحبة. عرفوا الكثير عن يسوع، ولكنهم لم يختبروه شخصياً.
- عرفوا أيضاً أن يسوع سيتدخل عندما يرى احتياج هذا الرجل. وبهذا المعنى، كان هؤلاء النقاد يملكون إيماناً أعظم من الكثيرين منا لأننا أحياناً كثيرة نشك في قدرة يسوع على تسدد احتياجات الآخرين.
- هل يَحِلُّ في السَّبتِ فِعلُ الخَيرِ أو فِعلُ الشَّرِّ؟ تخليصُ نَفسٍ أو قَتلٌ؟: في سؤاله للقادة الدينيين، شدد يسوع على حقيقة يوم السبت: لا يوجد يوم سيء (غير مناسب) أبداً لفعل الخير.
- وفقاً لتقاليدهم الخاصة بيوم السبت: إن جرحت إصبعك يمكنك وقف النزيف، ولكنك لا تستطيع وضع المرهم على الجرح. وهكذا، يمكنك وقف النزيف، ولكنك لا تستطيع معالجته.
- فنَظَرَ حَوْلهُ إليهِمْ بغَضَبٍ، حَزينًا علَى غِلاظَةِ قُلوبهِمْ: هذه واحدة من المرات القليلة التي ذُكر فيها غضب يسوع، والسبب كان غِلاظَةِ قُلوبهِمْ.
- غضب يسوع لأن هؤلاء المشتكون عليه أضاعوا الفرصة الرائعة لتغيير أفكارهم عنه وعن تقاليدهم. ولكنهم عوضاً عن ذلك رفضوا تغيير أفكارهم ورفضوا يسوع. وهكذا يمكننا أن نرى أن يسوع استخدم هذه المناسبة عن قصد لحثهم على التجاوب. فقد كان بإمكان يسوع أن يصنع المعجزة في اليوم التالي وكان بإمكانه أن يفعل ذلك في مكان خاص وليس علناً، لكنه اختار أن يفعل ذلك في هذا المكان وهذا الوقت بالتحديد.
- «مُدَّ يَدَكَ»: أمر يسوع الرجل بهذه الكلمات أن يفعل المستحيل، أي أن يحرك يده المشلولة. وعندما بذل الرجل كل جهد ممكن، اهتم الله بالباقي. فالله لا يطالبنا بعمل شيء دون أن يؤهلنا له.
- “كان بإمكان هذا الرجل أن يستجيب هكذا: ’يا رب، يدي مشلولة، فكيف تريدني أن أمدها؟ اشفني أولاً وعندها سأفعل ما تريد.‘ قد يبدو هذا منطقياً، ولكن في حالته يبدو حماقة. ولأن الرب أمره، بذل الرجل كل ما بوسعه، وهكذا نال الشفاء.” كلارك (Clarke)
- فخرجَ الفَرّيسيّونَ للوقتِ مع الهيرودُسيّينَ وتَشاوَروا علَيهِ لكَيْ يُهلِكوهُ: لم يرتكب يسوع أي خطأ، بل صنع معجزة رائعة، وكانت النتيجة أن مجموعتين (الفَرّيسيّونَ مع الهيرودُسيّينَ) تآمرتا معاً على شيء واحد هو: لكَيْ يُهلِكوهُ.
- “لم يكن الهيرودسيون حزباً دينياً، بل مجموعة من اليهود موالين للملك هيرودس ويدعمون حكمه.” ويرزبي (Wiersbe)
ب) الآيات (٧-١٢): أتى جَمعٌ كثيرٌ إلى يسوع
٧فانصَرَفَ يَسوعُ مع تلاميذِهِ إلَى البحرِ، وتَبِعَهُ جَمعٌ كثيرٌ مِنَ الجَليلِ ومِنَ اليَهوديَّةِ ٨ومِنْ أورُشَليمَ ومِنْ أدوميَّةَ ومِنْ عَبرِ الأُردُنِّ. والّذينَ حَوْلَ صورَ وصَيداءَ، جَمعٌ كثيرٌ، إذ سمِعوا كمْ صَنَعَ أتَوْا إليهِ. ٩فقالَ لتلاميذِهِ أنْ تُلازِمَهُ سفينَةٌ صَغيرَةٌ لسَبَبِ الجَمعِ، كيْ لا يَزحَموهُ، ١٠لأنَّهُ كانَ قد شَفَى كثيرينَ، حتَّى وقَعَ علَيهِ ليَلمِسَهُ كُلُّ مَنْ فيهِ داءٌ. ١١والأرواحُ النَّجِسَةُ حينَما نَظَرَتهُ خَرَّتْ لهُ وصَرَخَتْ قائلَةً: «إنَّكَ أنتَ ابنُ اللهِ!». ١٢وأوصاهُمْ كثيرًا أنْ لا يُظهِروهُ.
- مِنْ أورُشَليمَ ومِنْ أدوميَّةَ ومِنْ عَبرِ الأُردُنِّ… صورَ وصَيداءَ: جمع كثير أتى من أماكن بعيدة إلى يسوع بالقرب من بحر الجليل. ولكن يبدو أنهم تبعوا يسوع بدرجة أكبر بسبب معجزاته لا بسبب تعاليمه (إذ سمِعوا كمْ صَنَعَ أتَوْا إليهِ).
- من الرائع أن ينجذب الناس إلى يسوع. ولكن إن كان جل تركيزهم على ما يمكنه أن يفعل لأجلهم بدلاً من التركيز عليه شخصياً، فلن يتبعوه لمدة طويلة.
- خَرَّتْ لهُ وصَرَخَتْ قائلَةً: «إنَّكَ أنتَ ابنُ اللهِ!»: “خاطبت الأرواح يسوع بصفته ابن الله في محاولة فاشلة لإضعافه. فهذه الاعترافات كان هدفها السيطرة عليه وتجريده من سلطانه، وفقاً للاعتقاد السائد بأن معرفة اسم أو نوعية الروح ستمكن الشخص من السيطرة عليه.” لاين (Lane)
ج) الآيات (١٣-١٥): يسوع يختار الاثني عشر تلميذاً
١٣ثُمَّ صَعِدَ إلَى الجَبَلِ ودَعا الّذينَ أرادَهُمْ فذَهَبوا إليهِ. ١٤وأقامَ اثنَيْ عشَرَ ليكونوا معهُ، وليُرسِلهُمْ ليَكرِزوا، ١٥ويكونَ لهُمْ سُلطانٌ علَى شِفاءِ الأمراضِ وإخراجِ الشَّياطينِ.
- ثُمَّ صَعِدَ إلَى الجَبَلِ: كانت هذه فترة حرجة في خدمة يسوع. ولكي يواجه كل ما يقاومه أمضى ليلة كاملة في الصلاة (لوقا ١٢:٦) وقام باختيار التلاميذ الاثني عشر.
- تآمر القادة الدينيون على قتله لأنه أستهان بتقاليدهم.
- تبعه جمع كثير، ولكنهم لم يكونوا مهتمين بالأمور الروحية ومن الوارد جداً أن ينقلبوا ضده بأي لحظة.
- تجاوباً مع كل هذا، صرف يسوع وقتاً في الصلاة وقام باختيار قادة لتدريبهم.
- وأقامَ اثنَيْ عشَرَ: من ناحية، كانت هذا أهم عمل قام به يسوع قبل الصليب. فهؤلاء الرجال سيكملون ما بدأه، ومن دونهم لن تمتد خدمة يسوع إلى العالم أجمع. ولهذا اختارهم بحكمة إلهية: ودَعا الّذينَ أرادَهُمْ فذَهَبوا إليهِ.
- ودَعا إليهِ: يشبه التلميذ الطالب ولكن دون فصل دراسي أو محاضرات. فالتلميذ يتعلم ببقاءه مع معلمه وسماعه لتعاليمه. التلميذ شخص يتدرب ويتعلم من معلمه مباشرة.
- وأقامَ اثنَيْ عشَرَ ليكونوا معهُ: اختار يسوع هؤلاء من ضمن المجموعة الكبيرة التي تبعته، ودعاهم ليكونوا معهُ. فأول وظيفة للتلميذ هي ببساطة التواجد مع يسوع، والتعلم من البقاء في محضره. والهدف الثاني من اختياره لهم هو ليُرسِلهُمْ ليَكرِزوا.
- يصبح الكارز مفيداً أكثر ليسوع عندما يصرف وقتاً معه. فلن تُثمر خدمة الكارز أبدياً إن لم يتمتع بعلاقة حقيقية وشخصية مع يسوع المسيح.
- “التلميذ هو طالب العلم، وخلال القرن الأول لم يدرس التلميذ موضوعاً معيناً فقط، بل كان يتبع المعلم أيضاً. فهناك عنصر شخصي في ’التلميذ‘ لا نجده في ’الطالب.‘” موريس (Morris)
- وليُرسِلهُمْ ليَكرِزوا، ويكونَ لهُمْ سُلطانٌ علَى شِفاءِ الأمراضِ وإخراجِ الشَّياطينِ: إن كان أحدهم مع يسوع لفترة ومن ثم أُرسل للخدمة، يمكنه أن يتوقع من يسوع أن يمنحه السُلطان، وهذا السلطان يشمل صنع المعجزات (شِفاءِ الأمراضِ وإخراجِ الشَّياطينِ).
- “إن مهمة خدام المسيح هي: أولاً الكرازة بالإنجيل، وثانياً شفاء الأرواح، وثالثاً شن حرب ضد الشيطان وتدمير مملكته.” كلارك (Clarke)
د ) الآيات (١٦-١٩): ذكر اسماء التلاميذ
١٦وجَعَلَ لسِمعانَ اسمَ بُطرُسَ. ١٧ويعقوبَ بنَ زَبدي ويوحَنا أخا يعقوبَ، وجَعَلَ لهُما اسمَ بوانَرجِسَ أيِ ابنَيِ الرَّعدِ. ١٨وأندَراوُسَ، وفيلُبُّسَ، وبَرثولَماوُسَ، ومَتَّى، وتوما، ويعقوبَ بنَ حَلفَى، وتَدّاوُسَ، وسِمعانَ القانَويَّ، ١٩ويَهوذا الإسخَريوطيَّ الّذي أسلَمَهُ. ثُمَّ أتَوْا إلَى بَيتٍ.
- بُطرُسَ… ويعقوبَ… ويوحَنا: لا نعرف الكثير عن هؤلاء الاثني عشر. نعرف بعض الشيء عن بُطرُسَ ويعقوبَ ويوحَنا ويَهوذا، أما الباقين فلا نعرف سوى اسماءهم. فسيرتهم محفوظة في السماويات حيث سور مدينة الله له اثنا عشَرَ أساساً، وعلَيها أسماءُ الِاثنَيْ عشَرَ (رؤيا يوحنا ١٤:٢١).
- يقدر الكتاب المقدس الشهرة (السمعة/الصيت الحسن)، ولكنه يقدر أكثر الشهرة التي ستدوم في السماء. فهؤلاء لم يكونوا من المشاهير بالمعنى الذي نتصوره في القرن العشرين. فعلينا أن نتعلم كيف نقدر ونحترم الشهرة السماوية لا الشهرة الأرضية الحديثة.
- هناك ترابط مثير للانتباه بين هؤلاء الرجال. فهناك الإخوة (يعقوبَ ويوحَنا، بُطرُسَ وأندَراوُسَ)، وشركاء في العمل (بُطرُسَ ويعقوبَ ويوحَنا كانوا جميعاً صيادين)، والمعارضين السياسيين (مَتَّى جامع الضرائب الذي يعمل لصالح الرومان، وسِمعانَ الغيور الذي يكره الرومان)، وهناك من سيخون يسوع (يَهوذا الإسخَريوطيَّ).
- قدم مرقس ملاحظة للأمم عندما ترجم اسم بوانَرجِسَ الذي يعني ابنَيِ الرَّعدِ، وربما فعل ذلك أيضاً كإشارة لردة الفعل العنيفة التي أظهرها كل من يعقوب ويوحنا في إنجيل لوقا ٥٤:٩ «يَا رَبُّ، أتُرِيدُنَا أنْ نَأمُرَ بِأنْ تَنْزِلَ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ وَتُدَمِّرَهُمْ؟».
- القانَويَّ كلمة عبرية معناها ’الغيور‘ وهذا ما كان يميز سمعان كونه عضواً في حزب متطرف ضد روما.
- “يشير اسم يهوذا الثاني ’الإسخريوطي‘ إلى أنه كان من قرية قَرْيُوت: ويبدو أنه كان اليهودي الوحيد بين الإثني عشر.” جلدينهيز (Geldenhuys)
- يبدو أنه كلما وردت أسماء التلاميذ تم ترتيبها بشكل ثنائي. “منذ أن أرسل يسوع كل اثنين معاً، أصبحت تلك الطريقة المنطقية لتعدادهم.” ويرزبي (Wiersbe)
- بُطرُسَ وأندَراوُسَ.
- يعقوبَ ويوحَنا.
- فيلُبُّسَ وبَرثولَماوُسَ (وَدُعِيَ أيضاً ’نَثَنَائِيل‘ في يوحنا ٤٥:١).
- توما (اسمه يعني التوأم) ومَتَّى (اللاوي).
- يعقوبَ بنَ حَلفَى وتَدّاوُسَ (ودُعيَ أيضاً يهوذا ابن يعقوب في يوحنا ٢٢:١٤).
- سِمعانَ القانَويَّ (أو الغيور) ويَهوذا الإسخَريوطيَّ.
- ويَهوذا الإسخَريوطيَّ الّذي أسلَمَهُ: كان اختيار يهوذا بنفس أهمية اختيار أي تلميذ آخر، ولكن يتساءل البعض لماذا اختاره يسوع.
- لم يكن ذلك لأن يسوع لم يعرف كيف ستؤول الأمور مع يهوذا. فقد سبق وأخبر التلاميذ أنه اختارهم وهو يعلم أن واحد منهم شيطان.
- لم يكن ذلك لأن يسوع لم يعرف آخرين ليختار منهم. فقد كان بإمكانه أن يجعل من الحجارة تلاميذاً له، لذا كان بإمكانه بسهولة أن يجد شخصاً آخر.
- لم يكن ذلك لأن يسوع أراد شخصاً يثير المشاكل أو يتمتع بسمعة سيئة – فطوال خدمة يسوع لم نسمع بأي سوء عن يهوذا، بل في الواقع، فعل باقي التلاميذ أمورٍ أكثر حماقة من يهوذا في السنوات الثلاثة التي قضوها مع يسوع.
- سأل شخص مرةٍ معلم لاهوتي: “لماذا اختار يسوع يهوذا الإسخريوطي ليكون تلميذه؟” أجابه المعلم: “لا أعلم، ولكن عندي لك سؤال أصعب: لماذا اختارني يسوع؟”
ثانياً. رد يسوع على الاتهامات
أ ) الآيات (٢٠-٢١): أقرباء يسوع يتحاملون عليه
٢٠فاجتَمَعَ أيضًا جَمعٌ حتَّى لَمْ يَقدِروا ولا علَى أكلِ خُبزٍ. ٢١ولَمّا سمِعَ أقرِباؤُهُ خرجوا ليُمسِكوهُ، لأنَّهُمْ قالوا: «إنَّهُ مُختَلٌّ!».
- حتَّى لَمْ يَقدِروا ولا علَى أكلِ خُبزٍ: القصد من ذلك هو أن حشداً كبيراً جداً اجتمع حوله وحول التلاميذ حتى إنهم لم يجدوا وقتاً ليأكلوا.
- أقرِباؤُهُ: يشير هذا إلى عائلة يسوع والأصدقاء المقربين. فقبل حصوله على شعبية واسعة، عرف الناس في منطقة الجليل يسوع لأنه تربى هناك وخدم فيها.
- «إنَّهُ مُختَلٌّ!»: كان هناك على الأقل بعض الأسباب التي جعلت أقرِباؤُهُ يقولون إنَّهُ مُختَلٌّ.
- ترك مهنة ناجحة ومُربحة ليصبح واعظاً متنقلاً.
- تآمر القادة الدينيين والسياسيين على قتله، ورغم هذا لم يتراجع (مرقس ٦:٣). كانوا قلقين عليه.
- لأن الحشود الكبيرة بدأت تتبع يسوع، عرفوا مدى تأثير الشهرة والنجومية على أي شخص (مرقس ٧:٣-٨).
- أظهر قوة وسلطان في خدمته الحالية لم يظهرهما من قبل في حياته (مرقس ٩:٣-١١). كان هناك خطبٌ ما؟
- شككوا في حُكمه على الأمور بسبب اختياره هذه المجموعة الغريبة من التلاميذ (ممرقس ١٣:٣-١٩).
- ولكن ربما كان هناك قشة أخيرة قصمت ظهر البعير: ضغوط هذه الخدمة الرائعة جعلته ينسى الأكل (لَمْ يَقدِروا ولا علَى أكلِ خُبزٍ).
- واجه يسوع باستمرار رفض القادة الدينيين والسياسيين في ذلك اليوم، وكان كرههم ليسوع منطقياً نوعاً ما – فقد هدد في الواقع وضعهم الراهن. ولكن بلا شك كان رفض أقرِباؤُهُ له أصعب وأقسى بالنسبة ليسوع. ليس من السهل أن يسيء الآخرين فهمك بينما تحاول السير في رضى الله. “ربما عندما قال الرب: ’فَيَكُونَ أعْدَاءُ الإنْسَانِ هُمْ أهْلُ بَيْتِهِ!‘ (متى ٣٦:١٠) كان يتحدث عن تجربته المريرة.” كولي (Cole)
- لم يؤمن إخوة يسوع به إلا بعد القيامة، ولكنهم كانوا أثناء خدمته يحثونه باستمرار على إثبات نفسه (يوحنا ٣:٧-٥).
ب) الآية (٢٢): اتهام القادة الدينيين
٢٢وأمّا الكتبةُ الّذينَ نَزَلوا مِنْ أورُشَليمَ فقالوا: «إنَّ معهُ بَعلَزَبولَ! وإنَّهُ برَئيسِ الشَّياطينِ يُخرِجُ الشَّياطينَ».
- الكتبةُ الّذينَ نَزَلوا مِنْ أورُشَليمَ: كان هذا هو الوفد الرسمي من معلمي الشريعة الذين جاءوا مِنْ أورُشَليمَ إلى الجليل لمراقبة وتقييم خدمة يسوع. وكان لرأي هؤلاء الكتبةُ ثقله على العديد من الأشخاص.
- “من الممكن أن يكون هؤلاء مبعوثين رسميين من السنهدريم جاؤوا لفحص معجزات يسوع، ولتحديد ما إذا كانت مدينة كفرناحوم أصبحت مدينة ضالّة بعد وقوعها تحت تأثير المعلم المضل يسوع.” لاين (Lane)
- إنَّ معهُ بَعلَزَبولَ!: اتهموا يسوع بأن به شيطان. قال أحد المفسرين: “’إنَّ فِيهِ بَعلَزَبُولَ‘ تعني أن يسوع يعمل كوكيل أو كممثل عن بعلزبول. فالتعبير المستخدم لا يعني مجرد التعامل مع الشياطين لكنه يعني أن الشياطين تمتلكه بالكامل.”
- لم يقولوا أن يسوع به روح، بل أن الشيطان نفسه كان يسكنه. وكما قال أحد المفسرين: “كان هذا اعترافاً غير مقصود بسلطان يسوع العجيب وعظمته.”
- لم تكن تلك المرة الأولى التي تعرض فيها يسوع للإهانة بهذا الشكل.
- “بِهِ شَيْطَانٌ وَهُوَ يَهْذِي. لِمَاذَا تَسْتَمِعُونَ لَهُ؟” (يوحنا ٢٠:١٠)
- “أَلَسْنَا نَقُولُ حَسَنًا: إِنَّكَ سَامِرِيٌّ وَبِكَ شَيْطَانٌ؟” (يوحنا ٤٨:٨)
- “إِنَّنَا لَمْ نُولَدْ مِنْ زِنًا.” (يوحنا ٤١:٨)
- “هُوَذَا إِنْسَانٌ أَكُولٌ وَشِرِّيبُ خَمْرٍ، مُحِبٌّ لِلْعَشَّارِينَ وَٱلْخُطَاةِ.” (لوقا ٣٤:٧)
- “بِكَ شَيْطَانٌ.” (يوحنا ٢٠:٧)
- لم يقولوا أن يسوع به روح، بل أن الشيطان نفسه كان يسكنه. وكما قال أحد المفسرين: “كان هذا اعترافاً غير مقصود بسلطان يسوع العجيب وعظمته.”
- وإنَّهُ برَئيسِ الشَّياطينِ يُخرِجُ الشَّياطينَ: تخبرنا الآية في لوقا ٤:١١ أنهم أتهموه بهذه التهمة رداً على إخراجه للروح الشريرة. نسب القادة الدينيين عمل يسوع إلى الشيطان نفسه (بَعلَزَبولَ).
- كل ما فعله أقرباء يسوع هو أنهم أساؤوا فهمه، أما الكتبةُ الّذينَ نَزَلوا مِنْ أورُشَليمَ فقد هاجموه وسخروا منه. وبسبب موقفهم هذا، بدأوا يتشاورون عليه لكي يهلكوه كما رأينا في مرقس ٦:٣. ولكن قبل أن يتمكنوا من قتله، كان عليهم أولاً أن يشككوا بمصداقية يسوع في نظر الناس.
- بَعلَزَبولَ: يشير هذا الاسم بوضوح إلى الشيطان، ولكن من الصعب تفسيره. ربما اخترعوا الاسم لأنه يشبه التعبير العبري للعبارة: “ملك الذباب.”
- “من المفترض أن هذا الصنم هو نفسه بعلزبول، إله الذبابة، الذي كان يُعبد في عقرون… وقد تغير اسمه بعد ذلك من قبل اليهود ليصبح ’بعلزبول‘ أي إله الروث، وهو لقب مهين للغاية.” كلارك (Clarke)
ج ) الآيات (٢٣-٢٧): رد يسوع على تهمة أنه يعمل لصالح الشيطان
٢٣فَدَعَاهُمْ وَقَالَ لَهُمْ بِأَمْثَالٍ: «كَيْفَ يَقْدِرُ شَيْطَانٌ أَنْ يُخْرِجَ شَيْطَانًا؟ ٢٤وَإِنِ ٱنْقَسَمَتْ مَمْلَكَةٌ عَلَى ذَاتِهَا لَا تَقْدِرُ تِلْكَ ٱلْمَمْلَكَةُ أَنْ تَثْبُتَ. ٢٥وَإِنِ ٱنْقَسَمَ بَيْتٌ عَلَى ذَاتِهِ لَا يَقْدِرُ ذَلِكَ ٱلْبَيْتُ أَنْ يَثْبُتَ. ٢٦وَإِنْ قَامَ ٱلشَّيْطَانُ عَلَى ذَاتِهِ وَٱنْقَسَمَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَثْبُتَ، بَلْ يَكُونُ لَهُ ٱنْقِضَاءٌ. ٢٧لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَ قَوِيٍّ وَيَنْهَبَ أَمْتِعَتَهُ، إِنْ لَمْ يَرْبِطِ ٱلْقَوِيَّ أَوَّلًا، وَحِينَئِذٍ يَنْهَبُ بَيْتَهُ.
- كَيْفَ يَقْدِرُ شَيْطَانٌ أَنْ يُخْرِجَ شَيْطَانًا؟: بين يسوع أنه لو كان فعلاً وكيلاً للشيطان وأعماله تقاوم الشيطان، فلا بد أن مملكة الشيطان لن تثبت لأنها تتصارع فيما بينها. قال يسوع هذا ليبين لهم أنه لا يمكن للشيطان أن يعمل ضد نفسه.
- لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَ قَوِيٍّ وَيَنْهَبَ أَمْتِعَتَهُ: كان هذا هو رد يسوع على الادعاء بأنه متحالف مع الشيطان وقال: “أنا لا أعمل تحت إمرة الشيطان، بل أبرهن لكم أني أقوى منه.”
- إِنْ لَمْ يَرْبِطِ ٱلْقَوِيَّ أَوَّلًا: يصف هذا المثل الشيطان وكأنه رجل قوي يحرس أمتعته. فخدمة يسوع كانت تهزم هذا الرجل القوي، سواء حينما أخرج الروح النجسة من الرجل الأخرس أو حينما كان يخدم بشكل عام بالمعنى الأوسع.
- وَحِينَئِذٍ يَنْهَبُ بَيْتَهُ: نظر يسوع إلى كل نفس خلصها من بَراثِن الشيطان وقال: “أنا أنهب من مملكة الشيطان نفس بعد الأخرى في كل مرة.” ينبغي أن نتحرر بالكامل من سيطرة الشيطان على حياتنا. فالذي يَرْبِطِ ٱلْقَوِيَّ ويَنْهَبُ بَيْتَهُ هو ربنا المقام.
د ) الآيات (٢٨-٣٠): حذر يسوع القادة الدينيين من الخطية التي لن تغفر أبداً
٢٨اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ جَمِيعَ ٱلْخَطَايَا تُغْفَرُ لِبَنِي ٱلْبَشَرِ، وَٱلتَّجَادِيفَ ٱلَّتِي يُجَدِّفُونَهَا. ٢٩وَلَكِنْ مَنْ جَدَّفَ عَلَى ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ فَلَيْسَ لَهُ مَغْفِرَةٌ إِلَى ٱلْأَبَدِ، بَلْ هُوَ مُسْتَوْجِبٌ دَيْنُونَةً أَبَدِيَّةً». ٣٠لِأَنَّهُمْ قَالُوا: «إِنَّ مَعَهُ رُوحًا نَجِسًا».
- وَلَكِنْ مَنْ جَدَّفَ عَلَى ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ فَلَيْسَ لَهُ مَغْفِرَةٌ إِلَى ٱلْأَبَدِ: التجديف على الروح القدس أمر جدي للغاية، والمجدف سيكون مُسْتَوْجِبٌ دَيْنُونَةً أَبَدِيَّةً. وصفت الأناجيل الأخرى (مثل لوقا ١٠:١٢) هذه الخطية على أنها خطية لَا تُغْفَرُ أبداً.
- لِأَنَّهُمْ قَالُوا: «إِنَّ مَعَهُ رُوحًا نَجِسًا»: كان القادة الدينيون معرضون لخطر التجديف على الروح القدس لأنهم شاهدوا عمل الله الرائع والكامل في يسوع وقالوا أنه من الشيطان. وهذا الرفض القلبي الكامل لعمل يسوع هو دليل على التجديف على الروح القدس.
- “لاحظ أن هؤلاء الرجال لم يرتكبوا بعد الخطيّة التي لا تغتفر، وإلا لما حذرهم يسوع. وقال بكلماته الخاصة: لا منفعه من تحذير شخص ارتكب الخطية التي لا تغتفر، فقد تخطى مرحلة المساعدة.” ستيدمان (Steadman)
- مَنْ جَدَّفَ عَلَى ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ فَلَيْسَ لَهُ مَغْفِرَةٌ إِلَى ٱلْأَبَدِ: يتساءل الكثيرون عمّا يعنيه التجديف على الروح القدس، ويتساءل آخرون عما إذا كانوا قد ارتكبوا هذه الخطية فعلاً. إن تحذير يسوع يجعلنا ندرك الخطر الكبير الناتج عن التجديف على الروح القدس وأهمية أن نبتعد عن هذه الخطية وأن نحفظ قلوبنا من هجومها مهما كان الثمن.
- نستطيع أن نفهم ما هو التجديف على الروح القدس عندما نفهم أولاً خدمة الروح القدس. وصف يسوع خدمة الروح القدس كالتالي: وَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُبَكِّتُ ٱلْعَالَمَ عَلَى خَطِيَّةٍ وَعَلَى بِرٍّ وَعَلَى دَيْنُونَةٍ (يوحنا ٨:١٦)، وأنه سيَشْهَدُ له (يوحنا ٢٦:١٥).
- عندما نرفض باستمرار عمل الروح القدس في حياتنا، ونرفض الإصغاء لكلامه عن يسوع، نحن نجدف على الروح القدس.
- خطية التجديف على الروح القدس لن تغتفر أبداً – ليس لأنها خطية يصعب على الله أن يغفرها، بل لأنها تعبر عن حالة القلب الذي لا يهتم بمغفرة الله. لا تغتفر لأنها لا تريد المغفرة وفقاً لطريقة الله.
- ليس المقصود من هذه الكلمات تعذيب القلوب التي تسعى بصدق إلى معرفة المسيح، بل لتكون إشارة للتحذير من خطر الاستمرار في رفض شهادة الروح عن المسيح مما يؤدي بضمير الإنسان للتوقف عن التجاوب مع رسالة الإنجيل. ايرونسايد (Ironside)
هـ) الآيات (٣١-٣٥): وصف يسوع علاقته بأسرته الحقيقية
٣١فجاءَتْ حينَئذٍ إخوَتُهُ وأُمُّهُ ووقَفوا خارِجًا وأرسَلوا إليهِ يَدعونَهُ. ٣٢وكانَ الجَمعُ جالِسًا حَوْلهُ، فقالوا لهُ: «هوذا أُمُّكَ وإخوَتُكَ خارِجًا يَطلُبونَكَ». ٣٣فأجابَهُمْ قائلًا: «مَنْ أُمّي وإخوَتي؟». ٣٤ثُمَّ نَظَرَ حَوْلهُ إلَى الجالِسينَ وقالَ: «ها أُمّي وإخوَتي، ٣٥لأنَّ مَنْ يَصنَعُ مَشيئَةَ اللهِ هو أخي وأُختي وأُمّي».
- إخوَتُهُ وأُمُّهُ: ربما جاء هؤلاء الأقارب لتنفيذ الخطة المذكورة في مرقس ٢١:٣، ليُمسِكوا يسوع لأنهم اعتقدوا أنه فقد عقله.
- «مَنْ أُمّي وإخوَتي؟»: قد نتوقع أن تحظى عائلة يسوع ببعض الامتيازات الخاصة، ولكننا نُفاجأ بأن الأمر لم يكن هكذا. كما أن إخوة يسوع لم يدعموا خدمة يسوع قبل موته وقيامته (يوحنا ٥:٧).
- إخوَتُهُ: كان ليسوع إخوة دون شك. فعقيدة الكنيسة الكاثوليكية حول بتولية مريم أم يسوع تتناقض تماماً مع الكتاب المقدس. والواقع أن بعض المخطوطات الموثوقة تضيف كلمة ’أخواته‘ إلى إخوَتُهُ وأُمُّهُ. قال المفسرون: “وفقاً لقراءة العديد من التفاسير، شمل هذا أخوات يسوع أيضاً.”
- لأنَّ مَنْ يَصنَعُ مَشيئَةَ اللهِ هو أخي وأُختي وأُمّي: يُنهي مرقس الإصحاح الثالث بمقارنة كبيرة. فمن جهة نرى القادة اليهود الذين يواجهون الدينونة، ومن جهة أخرى نرى دعوة للانضمام لعائلة يسوع.