إنجيل مرقس – الإصحاح ١٣
الموعظة على الجبل
أولاً. دمار الهيكل وتداعياته
أ ) الآيات (١-٢): يسوع يتنبأ عن دمار الهيكل
١وَفِيمَا هُوَ خَارِجٌ مِنَ الْهَيْكَلِ، قَالَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ: «يَامُعَلِّمُ، انْظُرْ! مَا هذِهِ الْحِجَارَةُ! وَهذِهِ الأَبْنِيَةُ!» ٢فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «أَتَنْظُرُ هذِهِ الأَبْنِيَةَ الْعَظِيمَةَ؟ لاَ يُتْرَكُ حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ لاَ يُنْقَضُ».
- يَامُعَلِّمُ، انْظُرْ! مَا هذِهِ الْحِجَارَةُ! وَهذِهِ الأَبْنِيَةُ!: يشبه التلاميذ السياح المنبهرين بمدينة أورشليم، وكانوا محقين في ذلك، فبعدما أعاد هيرودس الأكبر بناء الهيكل، كان من أروع المباني في العالم القديم. وكان الشعب اليهودي مُحِقين في اعتزازهم بهذا المبنى العظيم.
- أول من أعاد بناء هذا الهيكل كان زربابل وعزرا (سفر عزرا ١٥:٦)، ولكن هيرودس هو من قام بتوسيعه وتحسينه كثيراً. وقد كان الهيكل مركز الحياة اليهودية لما يقرب من ١٠٠٠ عام – حتى أنهم اعتادوا القسم بالهيكل متى ١٦:٢٣). وكل من يتكلم ضد الهيكل كان يعتبر مجدفاً (أعمال الرسل ١٣:٦).
- أصبح الهيكل ضخماً للغاية بعدما أنهى هيرودس العمل فيه، ليصبح نحو ٥٠٠ متر طولاً و٤٠٠ متر عرضاً. وقد بدأ هيرودس العمل عام ١٩ قبل الميلاد، ولم يكتمل حتى عام ٦٣م، أي استغرق أكثر من ٨٠ عاماً. تم الانتهاء من هذا المبنى الرائع قبل سبع سنوات فقط من تدميره.
- دونت وثائق رسمية جمال الهيكل القديم بشكل جيد. فقد وصف المؤرخ اليهودي يوسيفوس الصفائح الذهبية التي غطت جزءاً من الواجهة وكيف كانت تلمع بشدة عندما تشرق الشمس تجعل النظر إليها أمراً مستحيلاً. أما باقي الواجهة فكانت من الرخام الأبيض الناصع، وكان يبدو للزوار من مسافة بعيدة وكأنه ثلج.
- إن تعليق التلاميذ: ’انْظُرْ! مَا هذِهِ الْحِجَارَةُ! وَهذِهِ الأَبْنِيَةُ!‘ كان مناسباً نظراً للأحجار الضخمة التي استخدمها هيرودوس في بناء الهيكل. ويستطيع السياح اليوم رؤية بعض من هذه الحجارة الضخمة، أو على الأقل تلك المستخدمة لبناء الجدران الأستنادية للهيكل. أما أحجام الأحجار التي أقيم منها الهيكل فكانت ضخمة جداً فطولها حوالي ٢٠ متراً وارتفاعها ٨ متراً وعرضها أربعة أمتار، بحيث لا تستطيع معظم الرافعات الحديثة رفعها.
- ورغم عظمة الهيكل، لم يتردد يسوع بالقول بأنه أعظم منه (متى ٥:١٢). فبالنسبة للعديد من اليهود في ذلك اليوم، كان الهيكل صنماً، ومع الوقت صار يعني للناس أكثر بكثير من الله نفسه. لقد كان الهيكل شيئاً جيداً، لكن الأشياء الجيدة قد تتحول إلى أصنام. لهذا قد يزيل الله الأشياء الجيدة إن حولناها لأصنام.
- لاَ يُتْرَكُ حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ لاَ يُنْقَضُ: بعد ٤٠ عام من هذا الكلام، قام اليهود بثورة ضد الرومان في كل أرجاء فلسطين، وحاز الثوار في البداية على انتصارات، ولكن سرعان ما سحقت روما التمرد. ودمرت أورشليم بالكامل، بما في ذلك الهيكل، تماماً كما قال يسوع.
- يقال أنه عندما سقطت أورشليم، هرب من تبقى من اليهود من المدينة إلى الهيكل لأنه كان أقوى مكان باقٍ والأكثر أمناً. وعندما حاصر الجند الرومان الهيكل، تسبب أحد الجنود السكارى بحريق التهم المبنى كله، فذابت الزخارف المذهبة من السقف إلى أسفل في الشقوق بين الجدران الحجرية للهيكل، ولكي يستردوا الذهب، أمر القائد الروماني أن يفكك الهيكل حجراً حجراً. وبسبب الدمار الشامل الذي حل بالهيكل، أصبح من الصعب اليوم تحديد موقعه بالضبط.
- وحينما لم يجد الجنود المزيد من الناس ليقتلوهم أو ينهبوهم، أمرهم قيصر بهدم المدينة والهيكل، وكانت تلك النهاية التي حلت بمدينة أورشليم (يوسيفوس، كتاب حروب اليهود). ومن المثير للاهتمام، وفقاً ليوسيفوس، أنه لم يقصد الرومان أبداً تدمير الهيكل ولكنهم فعلوا ذلك بسبب ضراوة التمرد والحريق الذي وقع بالخطأ.
- إن التحقيق الحرفي لهذه النبوة وضع الأساس لباقي النبوات في هذا الأصحاح. إذاً علينا أن نتوقع تحقيقاً حرفياً لباقي النبوات أيضاً.
ب) الآيات (٣-٤): تنبؤات يسوع أثارت سؤاليبن لدى التلاميذ
٣وَفِيمَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ، تُجَاهَ الْهَيْكَلِ، سَأَلَهُ بُطْرُسُ وَيَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا وَأَنْدَرَاوُسُ عَلَى انْفِرَادٍ: ٤«قُلْ لَنَا مَتَى يَكُونُ هذَا؟ وَمَا هِيَ الْعَلاَمَةُ عِنْدَمَا يَتِمُّ جَمِيعُ هذَا؟»
- وَفِيمَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ: جبل الزيتون عبارة عن تلة مرتفعة تطل على جبل الهيكل. ويقع بين جبل الهيكل وجبل الزيتون وادٍ صغير، يدعى وادي قدرون. ويمكنك أن ترى الهيكل بوضوح من جَبَلِ الزَّيْتُونِ.
- قُلْ لَنَا مَتَى يَكُونُ هذَا؟: بينما كان يسوع مع التلاميذ على جبل الزيتون، كان بإمكانهم رؤية الهيكل العظيم، لهذا كان أول ما تبادر لذهن التلاميذ هو السؤال عن دمار الهيكل. فقد قال يسوع أن الهيكل سيدمر، فأرادوا أن يعرفوا متى سيحدث هذا. ولكن لا يسجّل لنا مرقس إجابة يسوع على سؤالهم الأول، لكن لوقا فعل (لوقا ٨:٢١-٢٣).
- وَمَا هِيَ الْعَلاَمَةُ عِنْدَمَا يَتِمُّ جَمِيعُ هذَا؟: نجد الإجابة عن السؤال الثاني في باقي الأصحاح ١٣.
- ربما سألوا هذا السؤال وفي أذهانهم دمار الهيكل الأخير: فدمر الهيكل كان دينونة للشعب اليهودي، وأدى إلى السبي. فإذا دُمر الهيكل، فماذا سيحل بإسرائيل وباليهود؟
ثانياً. التسلسل التاريخي حتى مجيء المسيح الثاني
أ ) الآيات (٥-٨): يصف يسوع حالة العالم في الفترة ما بين صعوده ومجيئه الثاني
٥فَأَجَابَهُمْ يَسُوعُ وَابْتَدَأَ يَقُولُ: «انْظُرُوا! لاَ يُضِلُّكُمْ أَحَدٌ. ٦فَإِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ بِاسْمِي قَائِلِينَ: إِنِّي أَنَا هُوَ! وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ. ٧فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِحُرُوبٍ وَبِأَخْبَارِ حُرُوبٍ فَلاَ تَرْتَاعُوا، لأَنَّهَا لاَبُدَّ أَنْ تَكُونَ، وَلكِنْ لَيْسَ الْمُنْتَهَى بَعْدُ. ٨لأَنَّهُ تَقُومُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ، وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ، وَتَكُونُ زَلاَزِلُ فِي أَمَاكِنَ، وَتَكُونُ مَجَاعَاتٌ وَاضْطِرَابَاتٌ. هذِهِ مُبْتَدَأُ الأَوْجَاعِ.
- انْظُرُوا! لاَ يُضِلُّكُمْ أَحَدٌ: يحذر يسوع من خطر المسحاء الكذبة الذين سيأتون بِاسْمِه. سيدعون أنهم يسوع أو ممثلي عنه، لكنهم لن يكونوا ممثلين حقيقيين عن يسوع.
- بِحُرُوبٍ وَبِأَخْبَارِ حُرُوبٍ: يذكرنا يسوع أنه قبل مجيئه سيكون هناك الكثير من الحروب وتهديدات بالحرب على الأرض. ففي أوقات صعبة، سيفترض الكثيرين أن النهاية قد قربت، ولكن قال يسوع أن حُرُوبٍ وَبِأَخْبَارِ حُرُوبٍ ليست هي علامات النهاية.
- “لم يرَ ربنا أن الصراع بين الأمم في هذا العصر سيتوقف تدريجياً أو أن السلام سيحل في الأرض فجأة بسبب الكرازة بإنجيله.” مورغان (Morgan)
- لأَنَّهَا لاَبُدَّ أَنْ تَكُونَ، وَلكِنْ لَيْسَ الْمُنْتَهَى بَعْدُ: أمور مثل المسحاء الكذبة والحُرُوب والمَجَاعَات والزَلاَزِلُ ميزت تاريخ الإنسان منذ صعود المسيح. وقال يسوع في الواقع إن الكوارث ستحدث من المؤكد ولكنها ليست النهاية بعد.
- اعتقد الإنسان كثيراً بأن هذه الأمور تشير لآخر الأيام، لكن يسوع سيذكر علامة محددة علينا مراقبتها جيداً.
- هذِهِ مُبْتَدَأُ الأَوْجَاعِ: قال يسوع إن هذه الكوارث ليست علامات محددة للمنتهى (أو النهاية)، ولكنها مُبْتَدَأُ الأَوْجَاعِ، والذي يعني حرفياً بداية آلام المخاض. والفكرة هنا إما ولادة عصر جديد أو ربما زيادة شدة وتواتر (تكرار) هذه الأحداث.
ب) الآيات (٩-١٣): يصف يسوع ما يجب أن يتوقعه التلاميذ في الفترة ما بين صعوده ومجيئه الثاني
٩فَانْظُرُوا إِلَى نُفُوسِكُمْ. لأَنَّهُمْ سَيُسَلِّمُونَكُمْ إِلَى مَجَالِسَ، وَتُجْلَدُونَ فِي مَجَامِعَ، وَتُوقَفُونَ أَمَامَ وُلاَةٍ وَمُلُوكٍ، مِنْ أَجْلِي، شَهَادَةً لَهُمْ. ١٠وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْرَزَ أَوَّلاً بِالإِنْجِيلِ فِي جَمِيعِ الأُمَمِ. ١١فَمَتَى سَاقُوكُمْ لِيُسَلِّمُوكُمْ، فَلاَ تَعْتَنُوا مِنْ قَبْلُ بِمَا تَتَكَلَّمُونَ وَلاَ تَهْتَمُّوا، بَلْ مَهْمَا أُعْطِيتُمْ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَبِذلِكَ تَكَلَّمُوا. لأَنْ لَسْتُمْ أَنْتُمُ الْمُتَكَلِّمِينَ بَلِ الرُّوحُ الْقُدُسُ. ١٢وَسَيُسْلِمُ الأَخُ أَخَاهُ إِلَى الْمَوْتِ، وَالأَبُ وَلَدَهُ، وَيَقُومُ الأَوْلاَدُ عَلَى وَالِدِيهِمْ وَيَقْتُلُونَهُمْ. ١٣وَتَكُونُونَ مُبْغَضِينَ مِنَ الْجَمِيعِ مِنْ أَجْلِ اسْمِي. وَلكِنَّ الَّذِي يَصْبِرُ إِلَى الْمُنْتَهَى فَهذَا يَخْلُصُ.
- فَانْظُرُوا إِلَى نُفُوسِكُمْ. لأَنَّهُمْ سَيُسَلِّمُونَكُمْ إِلَى مَجَالِسَ: طلب يسوع من تلاميذه كي يستعدوا للاضطهاد الذي سيمرون به قبل آخر الأيام. ولكن هذا الاضطهاد لن يكن علامة النهاية، بل ينبغي ببساطة توقعه.
- وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْرَزَ أَوَّلاً بِالإِنْجِيلِ فِي جَمِيعِ الأُمَمِ: وعد يسوع أيضاً أنه قبل النهاية ينبغي أن يكرز أولاً بالإنجيل للعالم كله. فالاضطهاد التي تمر به الكنيسة لن يعفيها من هذه المسؤولية.
- فَمَتَى سَاقُوكُمْ لِيُسَلِّمُوكُمْ، فَلاَ تَعْتَنُوا مِنْ قَبْلُ بِمَا تَتَكَلَّمُونَ وَلاَ تَهْتَمُّوا: طلب يسوع من اتباعه ألا يهتموا بما سيقولونه عند الدفاع عن إيمانهم. ففي تلك اللحظة، سيعطيهم الروح القدس الكلمات المناسبة.
- نرى في أعمال الرسل ١:٤-٢٢ مثالاً قوياً على هذا المبدأ، عندما أعلن بطرس وباقي التلاميذ عن إيمانهم بيسوع أمام السنهدريم الذي كان يتربص بهم.
- تكلم يسوع هنا عن الوحي الذي سيأتي لحظة الاضطهاد، وليس أثناء التعليم في الكنيسة. “ليس هناك عذر لواعظ كسول يخفق في تجهيز عظته بحجة اعتماده الخاطئ على الروح القدس.” روبرتسون (Robertson)
- وَسَيُسْلِمُ الأَخُ أَخَاهُ إِلَى الْمَوْتِ: ينبغي على اتباع يسوع أن يتوقعوا أسوأ أنواع الرفض والخيانة إن أرادوا التمسك بإيمانهم من أجل يسوع.
- من السهل علينا أن نستخف بمعاناة المضطهدين. ففي حين يواجه عدد قليل جداً من المؤمنين في الغرب الاضطهاد، يواجه مؤمنون في أجزاء أخرى من العالم هذه التجارب بشكل دائم.
- إن كنت من أسرة يهودية متعصبة، قد يعتبروني مجدفاً أو ميتاً لاختياري يسوع.
- إن كنت من أسرة مسلمة، ربما سأرفض من أهلي وقد أُقتل لاختياري يسوع.
- إن كنت من أسرة هندوسية في الهند، سأرفض وأقتل لاختياري يسوع.
- في الصين، لن يسمح لي بممارسة إيماني إلا في كنيسة ترعاها الحكومة أو سأتعرض للاضطهاد. وقد تكون كنيستي واحدة من ١٥٠٠ كنيسة دمرت أو أغلقت منذ العام ٢٠٠٠.
- في السودان، قد أتعرض للقتل أو استعبد للجيش.
- في إندونيسيا، قد يعطوني المسلمين الخيار: اعتنق الإسلام أو الموت، أو قد يقصفون كنيستي أثناء اجتماع العبادة.
- في باكستان، ربما تضعني الحكومة في السجن.
- وفقاً لديفيد باريت (David B. Barrett) في كتابه بعنوان ’شهداء اليوم،‘ مات أكثر من ١٦٥٠٠٠ مؤمن بسبب إيمانهم في العام ٢٠٠٠. ويقدر الباحثون أنه منذ يوم الخمسين، قتل أكثر من ٤٣ مليون مؤمن بسبب إيمانهم. ونشرت خدمة الأبواب المفتوحة (Open Doors) بقيادة الأخ اندرو قائمة تحتوي على ٢٨ دولة يسود فيها الاضطهاد. ويعاني المؤمنون في ٢٣ دولة أخرى من التمييز الديني ومن والترويع الشديد في بعضٍ منها.
- من السهل علينا أن نستخف بمعاناة المضطهدين. ففي حين يواجه عدد قليل جداً من المؤمنين في الغرب الاضطهاد، يواجه مؤمنون في أجزاء أخرى من العالم هذه التجارب بشكل دائم.
- وَلكِنَّ الَّذِي يَصْبِرُ إِلَى الْمُنْتَهَى فَهذَا يَخْلُصُ: ترجمت كلمة يَصْبِرُ من الكلمة اليونانية القديمة هيبومينو (hupomeno)، وتعني حرفياً ’البقاء تحت.‘ فعندما نمر في التجارب والاضطهادات، لا ينبغي الاستسلام والبحث عن مخرج. بل علينا أن نصبر ونبقى تحتها.
ثالثاً. علامة مجيئه الثاني وانقضاء العالم
أ ) الآيات (١٤أ) العلامة: «رِجْسَةَ الْخَرَابِ» الَّتِي قَالَ عَنْهَا دَانِيآلُ النَّبِيُّ.
١٤فَمَتَى نَظَرْتُمْ «رِجْسَةَ الْخَرَابِ» الَّتِي قَالَ عَنْهَا دَانِيآلُ النَّبِيُّ. قَائِمَةً حَيْثُ لاَ يَنْبَغِي، لِيَفْهَمِ الْقَارِئُ.
- فَمَتَى نَظَرْتُمْ «رِجْسَةَ الْخَرَابِ»: جملة «رِجْسَةَ الْخَرَابِ» مأخوذة من سفر دانيال ٣١:١١ “فَتُهَاجِمُ بَعْضُ قُوَّاتِهِ حِصْنَ الْهَيْكَلِ وَتُنَجِّسُهُ، وَتُزِيلُ الْمُحْرَقَةَ الدَّائِمَةَ، وَتَنْصِبُ الرِّجْسَ الْمُخَرِّبَ (أَيِ الْوَثَنَ).” هذا وصف لتدنيس الهيكل بواسطة أنطيوخس إبيفانوس في الفترة بين العهدين القديم والجديد.
- دنس انطيوخس الهيكل في أورشليم بطريقة مريعة. “دنس الهيكل بتقديم الخنزير كذبيحة على المذبح وأقام بيوت دعارة عامة في ساحات الهيكل المقدسة. ثم أقام تمثالاً كبيراً للإله زيوس وأمر اليهود أن يعبدوه.” باركلي (Barclay) وبالرغم من سوء ما فعله، إلا أنه لم يتمم النبوة عن «رِجْسَةَ الْخَرَابِ»، لأن يسوع قال هذه الكلمات بعد فترة طويلة جداً من حدوثها.
- إن الكلمة العبرية المترجمة «رِجْسَةَ» في دانيال ١١:٣١ هي شيكووتس (shikkoots). وتظهر ٢٩ مرة في العهد القديم، وتحمل فكرة الصنم أو التمثال القذر والمقرف. ومع ذلك، هذا الكلمة تعني أكثر من مجرد صنم أو تمثال. أولاً، وضع التمثال في المكان المقدس في هيكل أورشليم – قَائِم حَيْثُ لاَ يَنْبَغِي، وكما وصفه إنجيل متى: قَائِمَ فِي الْمَكَانِ الْمُقَدَّسِ (متى ١٥:٢٤). ثانياً، كان هذا التمثال مقرف ومثير للاشمئزاز لدرجة أنه جلب الْخَرَابِ، أي دينونة الله الأخيرة.
- من المهم أن نشير إلى أن هذا لم يكن مجرد تمثال أو صنم وضع في هيكل يهودي. فنصوص مثل أرميا ٣٠:٧، ٣٤:٣٢، وحزقيال ١١:٥ تصف أصنام نجسة في الهيكل – لكنهم ليسو الرِجْسَة التي جلبت الْخَرَابِ.
- حدث شيء شبيه كهذا في العام ٤٠م عندما كان كاليجولا إمبراطور روما. فقد كان هذا رجلاً مخبولاً وقرر وضع تمثال له في قدس الأقداس في هيكل أورشليم. فأرسل التمثال بالسفينة إلى أورشليم ، لكنه مات قبل أن يصل، فلم ينصبوا التمثال.
- فَمَتَى نَظَرْتُمْ «رِجْسَةَ الْخَرَابِ»: أي أن رجسة الخراب تشير إلى أقصى تدنيس يمكن أن يحدث للهيكل، أي وجود نجاسة في قدس الأقداس، وهذا ما سيؤدي في النهاية إلى دينونة الله. إنها الرِجْسَة التي جلبت الْخَرَابِ.
- «رِجْسَةَ الْخَرَابِ»: “هو موضوع فساد ديني وكريه له علاقة بالخراب” ويست (Wuest). “إن التعبير الساميّ المستخدم في دانيال يصف فساداً شديداً دفع شعب الله للتخلي عن الهيكل وهذا بدوره أدى إلى خرابه. إن استخدام يسوع لهذا التعبير المميز يشير إلى أن النبوة لم تتحقق بسبب أحداث فترة المكابيين.” لاين (Lane)
- شرح بولس بالتفصيل عن التحقيق الكامل لهذه النبوة في رسالته الثانية إلى أهل تسالونيكي ٣:٢-٤ “احتَرِسُوا مِنْ أنْ يَخْدَعَكُمْ أحَدٌ بِأيَّةِ طَرِيقَةٍ كَانَتْ. أقُولُ هَذَا لِأنَّ يَوْمَ الرَّبِّ لَنْ يَأْتِيَ قَبْلَ أنْ يَأْتِيَ التَّمَرُّدُ الكَبِيرُ أوَّلًا، وَيَظْهَرَ «رَجُلُ المَعصِيَةِ،» الَّذِي سَيُقَاوِمُ كُلَّ مَا يُشَارُ إلَيْهِ عَلَى أنَّهُ «إلَهٌ» أوْ «مَعبُودٌ،» وَيَجْعَلُ نَفْسَهُ فَوقَهَا كُلِّهَا. بَلْ إنَّهُ سَيَدْخُلُ إلَى هَيْكَلِ اللهِ وَيَجْلِسُ هُنَاكَ مُدَّعِيًا أنَّهُ هُوَ نَفْسُهُ اللهُ!” (الترجمة العربية المبسطة)
- يقدم سفر دانيال ١١:١٢ فكرة إضافية: “وَمِنْ وَقْتِ إِزَالَةِ الْمُحْرَقَةِ الدَّائِمَةِ وَإِقَامَةِ رِجْسِ الْمُخَرَّبِ أَلْفٌ وَمِئَتَانِ وَتِسْعُونَ يَوْمًا (حتى نهاية العالم). وعندما يحدث هذا، يمكننا تحديد النهاية، أي سيمر ما يقرب من ثلاث سنوات ونصف السنة قبل عودة يسوع ثانية.
- هذا ليس مفهوماً جديداً لرِجْسَةَ الْخَرَابِ. فقد كتب كاتب مسيحي يدعى إيريناوس في أواخر القرن الثاني ما يلي: “عندما يقوم ضِدُّ الْمَسِيحِ بتدمير العالم، سيحكم ثلاث سنوات وستة أشهر ويجلس في الهيكل في أورشليم، ثم يأتي الرب على السحاب في مجد الآب، ويرسل هذا الرجل واتباعه إلى بحيرة النار؛ ويجلب كل الصدّيقين إلى مملكته.”
- فَمَتَى نَظَرْتُمْ «رِجْسَةَ الْخَرَابِ»: عندما وصف يسوع «رِجْسَةَ الْخَرَابِ»، كان هناك افتراض مسبق على وجود هيكل في أورشليم. إذ لا يمكن أن يكون هناك«رِجْسَةَ الْخَرَابِ» دون الهيكل.
- لقرون عدة، لم يكن هناك سوى مجموعة صغيرة من اليهود في اليهودية وأورشليم. وكان وجودهم في المنطقة واضحاً ومستمراً، ولكن عددهم كان قليلاً جداً. فكان من غير المعقول أن يبني هذا العدد القليل الهيكل. وبالتالي، كان تحقيق هذه النبوة مستبعداً تماماً إلى أن تجمع الشعب ثانية كأمة عام ١٩٤٨. كان رجوع الأمة التي لم يراها العالم لأكثر من ٢٠٠٠ سنة حدثاً رائعاً لتحقيق النبوة الآن وفي المستقبل.
- أحد التطورات الأكثر إثارة في التاريخ الحديث هو الصراع القائم بين اليهود والعرب على الهيكل، ورغبة اليهود في إعادة بناء الهيكل. وتوجد مجموعة صغيرة من اليهود الملتزمين بإعادة بناء الهيكل. ويمكنك اليوم زيارة معهد الهيكل في الحي اليهودي في مدينة القدس القديمة، حيث ستجد مجموعة من اليهود غايتهم تعليم العامة وزيادة الوعي عن الهيكل الجديد. وهم يحاولون عمل نسخة مطابقة تماماً للهيكل، حتى الأواني والقدور المستخدمة للذبيحة.
- من المهم أن نفهم أن معظم اليهود – المتدينين أو العلمانيين – لا يهتمون إطلاقاً ببناء الهيكل. وإن تم بناؤه، سيكون تقديم الذبائح أمراً صعباً في زمن الناشطين في الدفاع عن حقوق الحيوانات! ومع ذلك، هناك مجموعة قليلة قوية ومكرسة تحلم ببناء الهيكل، هيكل سيساعد على تحقيق النبوة.
- يتحمس بعض المؤمنين عندما يرون الجهود المبذولة لإعادة بناء الهيكل. وفي الوقت عينه، علينا أن نفهم أن مجد الله ليس هو الدافع الأساسي وراء بناء الهيكل لتقديم الذبائح عن الخطايا. فالمؤمنون يعرفون جيداً أن التكفير عن الخطايا قد تم في الصليب، وأي ذبيحة أخرى عن الخطية هي إهانة لله، وتنكر عمل يسوع الكامل على الصليب.
- الَّتِي قَالَ عَنْهَا دَانِيآلُ النَّبِيُّ: بمعنى أو بآخر، لم يخبرنا يسوع بشيء جديد هنا، بل يذكرنا بنبوة دانيال. والتعليق ’لِيَفْهَمِ الْقَارِئُ‘ ربما قاله يسوع وليس من كلمات مرقس.
- لِيَفْهَمِ الْقَارِئُ: يقول البعض أن نبوة «رِجْسَةَ الْخَرَابِ» قد تحققت بالفعل عام ٧٠م وقت دمار أورشليم، وأن لهذا علاقة بدمار الهيكل الموعود في مرقس ٢:١٣. وهذه الطريقة من التفسير تضيف معنى روحي لمرقس ١٩:١٣-٢٧، الذي يتكلم عن عودة يسوع ثانية في المجد بعد رجسة الخراب بقليل.
- كان ف.ف. بروس (F. Bruce) مصيباً حين كتب: “في حين يذكر يوسيفوس الذبائح التي قدمها الرومان المنتصرون في الهيكل، لكنه لم يصفها بالنجاسة، مهما كان رأيه الشخصي.” (تاريخ العهد الجديد، صفحة ٣٨٣).
ب) الآيات (١٤ب-١٨): تحذيرات يسوع عما علينا أن نفعله حينما ننظر رجسة الخراب.
فَحِينَئِذٍ لِيَهْرُبِ الَّذِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ إِلَى الْجِبَالِ، ١٥وَالَّذِي عَلَى السَّطْحِ فَلاَ يَنْزِلْ إِلَى الْبَيْتِ وَلاَ يَدْخُلْ لِيَأْخُذَ مِنْ بَيْتِهِ شَيْئًا، ١٦وَالَّذِي فِي الْحَقْلِ فَلاَ يَرْجِعْ إِلَى الْوَرَاءِ لِيَأْخُذَ ثَوْبَهُ. ١٧وَوَيْلٌ لِلْحَبَالَى وَالْمُرْضِعَاتِ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ! ١٨وَصَلُّوا لِكَيْ لاَ يَكُونَ هَرَبُكُمْ فِي شِتَاءٍ.
- لِيَهْرُبِ الَّذِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ إِلَى الْجِبَالِ: وجه يسوع هذا التحذير للشعب اليهودي. وهذا واضحاً بذكره بالتحديد الْيَهُودِيَّةِ والسَّطْحِ (السمة العامة في المباني في منطقة اليهودية القديمة والحديثة). وكأنه يقول لأهل منطقة اليهودية: “عندما ترون رجسة الخراب، اهربوا لأن المتاعب في طريقها إليكم.”
- أدت كلمات يسوع لأن يعتقد البعض أن كل هذا تحقق فعلاً في القرن الأول عندما دمار أورشليم. ورغم أن المؤمنين في العام ٦٦م أخذوا كلام يسوع حرفياً عندما دخلت الجيوش الرومانية أورشليم لأول مرة، وهربوا ففي ذلك الوقت إلى الجبال ونجوا من الدمار الهائل الذي حدث عام ٧٠ م، إلا أن يسوع قال أن هذه الأحداث ستجلب الضيقة العظيمة (مرقس ١٩:١٣) وأن تلك الأيام سوف تتوج بعودة المسيح المنتصر (مرقس ٢٦:١٣-٢٧)، وبما أننا ما زلنا هنا بعد ألفي عام، فهذا يعني أن رجسة الخراب لم تتحقق في القرن الأول.
- وقد أدت كلمات يسوع أن يعتقد البعض أن كل المؤمنين والكنيسة ككل، سيمرون بهذه الفترة المعروفة بالضيقة العظيمة، وأن هذا التحذير يشملنا أيضاً. ومع ذلك، وعد يسوع أنه سيخطف شعبه في السحب وسيلاقيهم في الهواء (تسالونيكي الأولى ١٦:٤-١٨). وطلب منا أيضاً أن نصلي لكي نحسب أهلاً للنجاة من كل هذا (لوقا ٣٦:٢١) ووعد أن يحفظ الأمناء من الدينونة القادمة على الأرض (رؤيا يوحنا ١٠:٣). لقد قدم يسوع هذا التحذير في المقام الأول كنبوة محددة ومذهلة لما سيحدث في المستقبل قبل آلاف السنين من حدوثه، حتى يكون للشعب اليهودي خلال فترة رجسة الخراب شاهد فريد على يسوع وكلمته.
- وَالَّذِي فِي الْحَقْلِ فَلاَ يَرْجِعْ إِلَى الْوَرَاءِ لِيَأْخُذَ ثَوْبَهُ: يظهر هذا جدية التحذير. وهذا يتفق مع مقاطع أخرى في الكتاب المقدس تعد بالاضطهاد الذي سيأتي على الشعب اليهودي خلال الضيقة العظيمة (رؤيا يوحنا ١٣:١٢-١٧).
ج) الآيات (١٩-٢٣): ماذا بعد رجسة الخراب: الضيقة العظيمة
١٩لأَنَّهُ يَكُونُ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ ضِيقٌ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ مُنْذُ ابْتِدَاءِ الْخَلِيقَةِ الَّتِي خَلَقَهَا اللهُ إِلَى الآنَ، وَلَنْ يَكُونَ. ٢٠وَلَوْ لَمْ يُقَصِّرِ الرَّبُّ تِلْكَ الأَيَّامَ، لَمْ يَخْلُصْ جَسَدٌ. وَلكِنْ لأَجْلِ الْمُخْتَارِينَ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ، قَصَّرَ الأَيَّامَ. ٢١حِينَئِذٍ إِنْ قَالَ لَكُمْ أَحَدٌ: هُوَذَا الْمَسِيحُ هُنَا! أَوْ: هُوَذَا هُنَاكَ! فَلاَ تُصَدِّقُوا. ٢٢لأَنَّهُ سَيَقُومُ مُسَحَاءُ كَذَبَةٌ وَأَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ، وَيُعْطُونَ آيَاتٍ وَعَجَائِبَ، لِكَيْ يُضِلُّوا لَوْ أَمْكَنَ الْمُخْتَارِينَ أَيْضًا. ٢٣فَانْظُرُوا أَنْتُمْ. هَا أَنَا قَدْ سَبَقْتُ وَأَخْبَرْتُكُمْ بِكُلِّ شَيْءٍ.
- ضِيقٌ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ مُنْذُ ابْتِدَاءِ الْخَلِيقَةِ … وَلَنْ يَكُونَ: قال يسوع إن هذا سيكون من أكثر الأوقات فظاعة في كل تاريخ البشرية. فعندما نفكر في كل الكوارث التي عانتها البشرية عبر القرون، سنجد أن هذا البيان شديد الرهبة. يصف سفر رؤيا يوحنا هذا الوقت الفظيع عندما يسكب الله غضبه على العالم الذي رفضه.
- انتشر الطاعون في أوروبا في العام ١٣٤٣. وعلى مدار ثماني سنوات، عانى ثلثي سكان أوروبا من الطاعون، مما أدى إلى موت نصفهم، أي ما مجموعه ٢٥ مليون شخص. أما وقت الضيقة العظيمة فسيكون الحال أسوأ بكثير.
- كتب زبيغنيو بريزينسكي (Zbigniew Brzezinski) في كتابه بعنوان ’خارج نطاق السيطرة‘ ما يلي: كان عدد الضحايا الذين ماتوا بسبب النزاعات السياسية والاضطرابات العالمية عشية القرن الحادي والعشرين (١٩٩٣) ما بين ١٦٧ مليون و ١٧٥ مليون نسمة. ومعظم الإحصائيات الأخرى تحمل نفس التقديرات تقريباً. ومع ذلك، قال يسوع إن وقت الضيقة العظيمة سيكون أسوأ بكثير.
- وَلَوْ لَمْ يُقَصِّرِ الرَّبُّ تِلْكَ الأَيَّامَ: إن استمرت الضيقة العظيمة لأجل غير مسمى، فلن تنجو البشرية حتماً. ولكن لأَجْلِ الْمُخْتَارِينَ، ستكون أيامها محدودة.
- حِينَئِذٍ إِنْ قَالَ لَكُمْ أَحَدٌ: هُوَذَا الْمَسِيحُ هُنَا! أَوْ: هُوَذَا هُنَاكَ! فَلاَ تُصَدِّقُوا: سيعرف الجميع أن يسوع قد جاء، فلن ينخدع أحد، ولن يكون الأمر سراً أو خاصاً، ولن يأتي يسوع بشكل مختلف. وفي خضم هذه الضيقة، سيتبع البعض المسحاء الكذبة.
- فَانْظُرُوا أَنْتُمْ. هَا أَنَا قَدْ سَبَقْتُ وَأَخْبَرْتُكُمْ بِكُلِّ شَيْءٍ: قال يسوع هذا لأتباعه كتحذير لكي ينتبهوا جيداً. لم يكن الكلام موجهاً للذين سيؤمنون خلال الضيقة العظيمة، ولم يكن موجهاً لأولئك الذين سيعيشون في نهاية الأيام، بل وجه يسوع كلامه للجميع، وعلينا جميعاً أن نحذر.
- نعيش في عالم متشائم حيث لا يثق الناس بالوعود. وقد شدد المؤمنين عام ١٩٧٠على أهمية الاستعداد لمجيء المسيح الثاني، ولكن شيئاً لم يحدث. فمن السهل علينا الآن أن نفكر هكذا: “لقد انتظرت ٣٠ عاماً، ولم يأتِ يسوع بعد. فلا أحتاج لأن أكون مستعداً أو قلقاً على شيء ربما سيحدث بعد ٣٠ أو ٣٠٠ سنة أخرى.
- من السهل أن نتعاطف مع هذه الطريقة من التفكير، ولكن طلب منا يسوع أن نحذر وننتبه ونتوقع مجيئه القريب للأسباب التالية:
- انتظار مجيئه ينقي حياتنا.
- انتظار مجيئه يمنحنا إحساساً أكبر بإلحاح الأمر.
- انتظار مجيئه يجعلنا أكثر جرأة في الحديث مع العالم الضال.
- انتظار مجيئه يساعدنا على ألا نعتمد على أمور هذا العالم.
- فكر بالأمر بهذه الطريقة: إن استيقظ أحدهم يومياً وقال: ’يسوع آتٍ قريباً وِسأعيش على هذا الأساس،‘ هل برأيك ستتحسن حياته أم تسوء؟
- علينا أن نتذكر أيضاً أن هناك سبب لتوقيت الله. فإن اختطف يسوع الكنيسة عام ١٩٧٨، فكم عدد الذين سيفوتهم الاختطاف؟ وإن عاد بمجده بعد سبع سنوات، أي في العام ١٩٨٥، كم واحد منا سيمر في الضيقة العظيمة؟ فجميعنا يرى أن مجيء الرب قريب جداً؛ وأن تمديد الوقت ما هو إلا نعمة من الله ليقبل المزيد من الناس للإيمان بيسوع قبل الأحداث المروعة التي وصفها في الضيقة العظيمة.
د ) الآيات (٢٤-٢٧): في أعقاب الضيقة العظيمة: سيأتي يسوع المسيح
٢٤وَأَمَّا فِي تِلْكَ الأَيَّامِ بَعْدَ ذلِكَ الضِّيقِ، فَالشَّمْسُ تُظْلِمُ، وَالْقَمَرُ لاَ يُعْطِي ضَوْءَهُ، ٢٥وَنُجُومُ السَّمَاءِ تَتَسَاقَطُ، وَالْقُوَّاتُ الَّتِي فِي السَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ. ٢٦وَحِينَئِذٍ يُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِيًا فِي سَحَابٍ بِقُوَّةٍ كَثِيرَةٍ وَمَجْدٍ، ٢٧فَيُرْسِلُ حِينَئِذٍ مَلاَئِكَتَهُ وَيَجْمَعُ مُخْتَارِيهِ مِنَ الأَرْبَعِ الرِّيَاحِ، مِنْ أَقْصَاءِ الأَرْضِ إِلَى أَقْصَاءِ السَّمَاءِ.
- وَأَمَّا فِي تِلْكَ الأَيَّامِ بَعْدَ ذلِكَ الضِّيقِ: قال يسوع أن الكوارث الكونية التي وصفها هنا ستحدث فِي تِلْكَ الأَيَّامِ، وتلك الأيام لها علاقة بالضيقة العظيمة.
- فَالشَّمْسُ تُظْلِمُ، وَالْقَمَرُ لاَ يُعْطِي ضَوْءَهُ، وَنُجُومُ السَّمَاءِ تَتَسَاقَطُ: قبل مجيء يسوع مباشرة فِي سَحَابٍ بِقُوَّةٍ كَثِيرَةٍ وَمَجْدٍ، سيحل الدمار على العالم بسبب الكوارث الكونية. وبمعنى أو بآخر، كل الخليقة سوف تئن معاً (رومية ٢٢:٨)، وستصل الأمور إلى أوجها قبل مجيء يسوع.
- وصفت هذه الكوارث في العديد من مقاطع العهد القديم مثل إشعياء ٩:١٣-١١، حزقيال ٧:٣٢-٩، يوئيل ٣٠:٢-٣١، عاموس ٩:٨-١٠، وصفنيا ١٤:١-١٥.
- فَيُرْسِلُ حِينَئِذٍ مَلاَئِكَتَهُ وَيَجْمَعُ مُخْتَارِيهِ: بعد الضيقة العظيمة، سيأتي يسوع مع القديسين الذين في السماء إلى هذه الأرض وَيَجْمَعُ الذين آمنوا به أثناء الضيقة ونجوا.
هـ) الآيات (٢٨-٣١): يسوع يتحدث أكثر عن توقيت هذه الأحداث.
٢٨فَمِنْ شَجَرَةِ التِّينِ تَعَلَّمُوا الْمَثَلَ: مَتَى صَارَ غُصْنُهَا رَخْصًا وَأَخْرَجَتْ أَوْرَاقًا، تَعْلَمُونَ أَنَّ الصَّيْفَ قَرِيبٌ. ٢٩هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا، مَتَى رَأَيْتُمْ هذِهِ الأَشْيَاءَ صَائِرَةً، فَاعْلَمُوا أَنَّهُ قَرِيبٌ عَلَى الأَبْوَابِ. ٣٠اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ يَمْضِي هذَا الْجِيلُ حَتَّى يَكُونَ هذَا كُلُّهُ. ٣١اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَنِ، وَلكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ.
- فَمِنْ شَجَرَةِ التِّينِ تَعَلَّمُوا الْمَثَلَ: شَجَرَةِ التِّينِ يتبع نمطاً منتظماً، فبعد ظهور الأوراق يأتي الصيف. وعندما ترى الأوراق، تعلم أَنَّ الصَّيْفَ قَرِيبٌ. وبنفس الطريقة، عندما تظهر هذه العلامات – ولا سيما رجسة الخراب – سيعرف العالم أن مجيء يسوع المنتصر قريب جداً، أَنَّهُ قَرِيبٌ عَلَى الأَبْوَابِ.
- وهذا يتفق تماماً مع النبوة حسب سفر دانيال ١١:١٢ ستأتي النهاية بعد أَلْفٌ وَمِئَتَانِ وَتِسْعُونَ يَوْماً من رجسة الخراب. وبهذه الكلمات، أكد يسوع أن آلام الضيقة العظيمة لن تستمر إلى الأبد، بل سيكون لها نهاية. ويذكر سفر نشيد الأنشاد ١١:٢-١٣ أنه عندما تزهر التينة نعرف أن الشتاء قد مضى وأن الصيف قريب.
- “على النقيض من معظم الأشجار في فلسطين … تخسر شجرة التين أوراقها في فصل الشتاء، وعلى العكس من شجرة اللوز التي تزهر في وقت مبكر جداً من الربيع، تظهر على شجرة التين علامات الحياة في وقت لاحق.” لاين (Lane)
- كان هذا أنسب توضيح من حيث الزمان والمكان. فقد علّم يسوع كل هذا وهو على جبل الزيتون، “حيث اشتهر جبل الزيتون بأشجار التين التي بلغ ارتفاعها في بعض الأحيان ٢٠ أو ٣٠ قدماً” لاين (Lane). وكان التوقيت مثالياً أيضاً لأن يسوع علّم بهذا قبل الفصح، بينما أشجار التين في الحالة الموصوفة في المثل: أغصانها طرية وأوراقها تنبت.
- لاَ يَمْضِي هذَا الْجِيلُ حَتَّى يَكُونَ هذَا كُلُّهُ: من هو الجيل الذي أشار إليه يسوع؟ لا يمكن أن يكون جيل التلاميذ لأنهم لم يروا مجيء يسوع الثاني. إنه بلا شك الْجِيلُ الذي سيرى هذه العلامات – خاصة رجسة الخراب. وهذه الأحداث وعودة يسوع لن تكون على جدول زمني يمتد إلى ١٠٠٠ عام ولكنها ستحدث بالتتابع.
- يمكننا أيضاً أن نفهم كلمة “الْجِيل” على أنها جنس أو شعب. فقد يكون هذا وعداً بعدم هلاك الشعب اليهودي قبل نهاية الأيام.
- اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَنِ، وَلكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ: قدم يسوع هذا الإعلان الرائع عن كلام الله، مما يؤكد على ألوهيته.
و ) الآيات (٣٢-٣٧): التركيز على السهر والاستعداد.
٣٢«وَأَمَّا ذلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ، وَلاَ الْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ، وَلاَ الابْنُ، إِلاَّ الآبُ. ٣٣اُنْظُرُوا! اِسْهَرُوا وَصَلُّوا، لأَنَّكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ مَتَى يَكُونُ الْوَقْتُ. ٣٤كَأَنَّمَا إِنْسَانٌ مُسَافِرٌ تَرَكَ بَيْتَهُ، وَأَعْطَى عَبِيدَهُ السُّلْطَانَ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ عَمَلَهُ، وَأَوْصَى الْبَوَّابَ أَنْ يَسْهَرَ. ٣٥ اِسْهَرُوا إِذًا، لأَنَّكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ مَتَى يَأْتِي رَبُّ الْبَيْتِ، أَمَسَاءً، أَمْ نِصْفَ اللَّيْلِ، أَمْ صِيَاحَ الدِّيكِ، أَمْ صَبَاحًا. ٣٦لِئَلاَّ يَأْتِيَ بَغْتَةً فَيَجِدَكُمْ نِيَامًا! ٣٧وَمَا أَقُولُهُ لَكُمْ أَقُولُهُ لِلْجَمِيعِ: اسْهَرُوا».
- وَأَمَّا ذلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ: يعني ذلك أن علينا أن نحذر ونتيقظ (اُنْظُرُوا)، لأننا قد نواجه خطر عدم الاستعداد.
- وَلاَ الابْنُ، إِلاَّ الآبُ: كيف يمكن ليسوع ألا يعرف اليوم والساعة؟ أليس هو الله كلي المعرفة؟ لم يعرف اليوم أو الساعة، ليس لأنه تخلى عن معرفته الأزلية، فهو الله الثابت، لكنه طوعاً وخضوعاً لله الآب قيّد معرفته لتوقيت هذا الحدث.
- اُنْظُرُوا! اِسْهَرُوا: علينا أن نبقى ساهرين. فالذي يسهر لن يتفاجأ أبداً، والذي لا يسهر لن يكون مستعداً. لا يمكن للتشديد أن يكون أوضح من ذلك:
- وَأَمَّا ذلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ (مرقس ٣٢:١٣).
- لأَنَّكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ مَتَى يَكُونُ الْوَقْتُ (مرقس ٣٣:١٣).
- لأَنَّكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ مَتَى يَأْتِي رَبُّ الْبَيْتِ (مرقس ٣٥:١٣).
- قد يفكر البعض بهذه الطريقة: “لا نعرف متى سيأتي يسوع، إذاً فالأمر لا يهمنا حقاً.” ويقول آخرون: “لا نعرف متى سيأتي يسوع، إذاً علينا أن نعرف ونحدد الوقت بأنفسنا.” ولكن الرد الصحيح هو: “أنا لا أعرف متى سيأتي يسوع، إذاً ينبغي أن اتيَّقظ واستعدَّ لمجيئه.”
- اُنْظُرُوا … وَصَلُّوا: علينا أن نصلي، لِكَيْ تُحْسَبُوا أَهْلاً لِلنَّجَاةِ مِنْ جَمِيعِ هذَا الْمُزْمِعِ أَنْ يَكُونَ (لوقا ٣٦:٢١). فالخبر السارة الذي يقدمه يسوع لنا هو أننا لن نمر في تلك الفترة الصعبة، بل سيأخذ كل من كان مستعداً قبل أن تبدأ هذه الكارثة.
- عندما دمرت أورشليم عام ٧٠م، كل من سمع واطاع كلام يسوع نجا من الخراب الرهيب الذي حل بالمدينة. وعندما يأتي الخراب الأعظم النهائي على الأرض، كل من سمع واطاع يسوع يمكنه أن يهرب من الخراب القادم.
- كَأَنَّمَا إِنْسَانٌ مُسَافِرٌ تَرَكَ بَيْتَهُ: وجه يسوع كلامه الآن إلى التلاميذ واخبرهم عن كيفية العيش حتى مجيئه. فيشبه يسوع إِنْسَانٌ مُسَافِرٌ ترك ثلاثة أمور ليهتم بها خدامه: بَيْتَهُ والسُّلْطَان وعَمَلَهُ، كما أنه عين الْبَوَّابَ ليقوم بالحراسة. ولأنه قد يعود في أي وقت، فهو لا يريد أن يجد عبيده نياماً. والهدف من كل هذا هو: اِسْهَرُوا!
- “حث مثل شجرة التين قديسي الضيقة العظيمة على السهر ومعرفة علامات الأزمنة. ولكن هذا المثل عبارة عن تحذير لنا جميعاً اليوم.” ويرزبي (Wiersbe)
- فكر بما تركه لك يسوع:
- بَيْتَهُ: الكنيسة هي مُلكٌ ليسوع، لكنه أودعها في أيدي المؤمنين.
- السُّلْطَانَ: علينا أن نحيا ونخدم بسلطان يسوع، ومع السلطان هناك دائماً مسؤولية.
- عَمَلَهُ: لكل خادم عَمَلَهُ. ونحن لسنا مسؤولين عن عمل الآخرين بل عن أنفسنا فقط.