إنجيل مرقس – الإصحاح ٤
أمثال الملكوت وسلطان الملكوت
أولاً. مَثَل الزّارِعُ والغرض من الأمثال
أ ) الآيات (١-٩): تقديم مَثَلُ الزّارِع
١وابتَدأَ أيضًا يُعَلِّمُ عِندَ البحرِ، فاجتَمَعَ إليهِ جَمعٌ كثيرٌ حتَّى إنَّهُ دَخَلَ السَّفينَةَ وجَلَسَ علَى البحرِ، والجَمعُ كُلُّهُ كانَ عِندَ البحرِ علَى الأرضِ.٢فكانَ يُعَلِّمُهُمْ كثيرًا بأمثالٍ. وقالَ لهُمْ في تعليمِهِ: ٣«اسمَعوا! هوذا الزّارِعُ قد خرجَ ليَزرَعَ، ٤وفيما هو يَزرَعُ سقَطَ بَعضٌ علَى الطريقِ، فجاءَتْ طُيورُ السماءِ وأكلَتهُ. ٥وسَقَطَ آخَرُ علَى مَكانٍ مُحجِرٍ، حَيثُ لَمْ تكُنْ لهُ تُربَةٌ كثيرَةٌ، فنَبَتَ حالًا إذ لَمْ يَكُنْ لهُ عُمقُ أرضٍ. ٦ولكن لَمّا أشرَقَتِ الشَّمسُ احتَرَقَ، وإذ لَمْ يَكُنْ لهُ أصلٌ جَفَّ. ٧وسَقَطَ آخَرُ في الشَّوْكِ، فطَلَعَ الشَّوْكُ وخَنَقَهُ فلَمْ يُعطِ ثَمَرًا. ٨وسَقَطَ آخَرُ في الأرضِ الجَيِّدَةِ، فأعطَى ثَمَرًا يَصعَدُ ويَنمو، فأتَى واحِدٌ بثَلاثينَ وآخَرُ بسِتّينَ وآخَرُ بمِئَةٍ». ٩ثُمَّ قالَ لهُمْ: «مَنْ لهُ أُذُنانِ للسَّمعِ، فليَسمَعْ».
- دَخَلَ السَّفينَةَ (القَارِبِ) وجَلَسَ علَى البحرِ: كثيراً ما استخدم يسوع القوارب كمنبر (مرقس ٩:٣). فالقارب كان يساعده على التحدث مع الناس مبتعداً عن الازدحام، وعلى الأرجح كان إضافة جميلة.
- فكرة استخدام يسوع للقارب كانت جديدة. ولكن قد يقول بعض النقاد: “لا يمكنك فعل ذلك! فالتعليم يجب أن يكون في المجمع أو في مكان ملائم.” وسيكون من السهل عليهم أن يعترضوا باستخدام الحجج التالية: “قد يمرض الناس من رطوبة البحر” أو “هناك الكثير من البعوض عند الشاطئ” أو “قد يغرق أحدهم في البحر.” ولكن يسوع عرف جيداً أن التعليم من القارب كان مناسباً تماماً لأهدافه.
- فكانَ يُعَلِّمُهُمْ كثيرًا بأمثالٍ: تأتي كلمة ’أمثال‘ من مقارنة الشيء أو تشبيهه بشيء آخر.‘ وقد استخدم يسوع الأمثال لتوضيح حقائق روحية سماوية من خلال تشبيهها أو مقارنتها بأمور الحياة العادية.
- هوذا الزّارِعُ قد خرجَ ليَزرَعَ: وصف يسوع في هذا المثل شيئاً مألوفاً للناس – فَلَّاحٌ خَرَجَ لِيَبْذُرَ، وبينما هو يَبْذُرُ، وَقَعَت البِذَارِ على أنواع مختلفة من التربة.
- وفيما هو يَزرَعُ: وقعت البذار على ثلاثة مناطق مختلفة، ولكنها لم تدم طويلاً: إلى جانب الطريق (علَى الطريقِ)، على أرضٍ صخرية (مَكانٍ مُحجِرٍ)، وبين الأشواك (في الشَّوْكِ). ولكن وقعت بذورٌ أخرى في الأرضِ الجَيِّدَةِ.
- لم يفعل المزارع ذلك من غباء أو لا مبالاة. وقد تسقط بعض البذور على الطريق خطأً (سقَطَ بَعضٌ علَى الطريقِ)، لكن معظم البذور كانت عادة تبذر في أرض لم تحرث بعد، ولذلك لم يكن مكان الصخور أو الأشواك معروفاً بعد.
- على الرغم من أن هذا المثل اشتهر باسم مثل الزارع، إلا أن الإسم الأنسب له هو مثل التربة. فالاختلاف ليس في البذرة، بل في نوعية التربة التي سقطت عليه.
- فأتَى واحِدٌ بثَلاثينَ وآخَرُ بسِتّينَ وآخَرُ بمِئَةٍ: كل بذرة سقطت في الأرض الجيدة أعطت ثمر – ولكن الثمر كان بدرجات متفاوتة.
ب) الآيات (١٠-١٢): الغرض من الأمثال
١٠وَلَمَّا كَانَ وَحْدَهُ سَأَلَهُ ٱلَّذِينَ حَوْلَهُ مَعَ ٱلِٱثْنَيْ عَشَرَ عَنِ ٱلْمَثَلِ، ١١فَقَالَ لَهُمْ: «قَدْ أُعْطِيَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا سِرَّ مَلَكُوتِ ٱللهِ. وَأَمَّا ٱلَّذِينَ هُمْ مِنْ خَارِجٍ فَبِٱلْأَمْثَالِ يَكُونُ لَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ، ١٢لِكَيْ يُبْصِرُوا مُبْصِرِينَ وَلَا يَنْظُرُوا، وَيَسْمَعُوا سَامِعِينَ وَلَا يَفْهَمُوا، لِئَلَّا يَرْجِعُوا فَتُغْفَرَ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ».
- سَأَلَهُ ٱلَّذِينَ حَوْلَهُ مَعَ ٱلِٱثْنَيْ عَشَرَ عَنِ ٱلْمَثَلِ: لم يفهم الاثنا عشر على الفور المعنى الروحي للمثل، لهذا سألوه عَنِ ٱلْمَثَلِ.
- قَدْ أُعْطِيَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا سِرَّ مَلَكُوتِ ٱللهِ: كان يسوع سيجيب على سؤال التلاميذ بشأن المثل، ولكنه كان يريد أولاً أن يشرح لهم لماذا استخدم الأمثال.
- قد أعطيَ للتلاميذ، الذين يهتمون بأمور الله، أن يعرفوا سِرَّ مَلَكُوتِ ٱللهِ، لذلك كان بالإمكان التحدث معهم بوضوح. أما الآخرين فقد علمهم كثيراً بأمثال.
- السر في الكتاب المقدس ليس أمراً لا يمكنك معرفته أو فهمه، بل شيئاً لن تعرفه ما لم يعلنه الله لك. فوفقاً للمنظور الكتابي، قد تعرف تماماً ما هو السر، ومع ذلك يبقى سراً حتى يعلنه الله.
- لاحظ أن التلاميذ أنفسهم لم يفهموا المثل، رغم أنه كان مثلاً بسيطاً للغاية (ممرقس ١٠:٤، ١٣، ٣٣، ٣٤).
- وَأَمَّا ٱلَّذِينَ هُمْ مِنْ خَارِجٍ فَبِٱلْأَمْثَالِ يَكُونُ لَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ، لِكَيْ يُبْصِرُوا مُبْصِرِينَ وَلَا يَنْظُرُوا: تشبه الأمثال الروحية اللغز أو الأحجية مقارنة برسم توضيحي سهل الفهم. ويمكن أن يفهمهم فقط من يملكون ’المفتاح‘ الصحيح.
- لا يشبه المثل الرسم التوضيحي. فيمكن للمعلم الماهر أن يقول حقيقة ما ثم يوضح معناها باستخدام قصة أو تشبيه. ولكن الأمر مختلف تماماً مع يسوع، فعندما كان يستخدم الأمثال، لم يبدأها بقول حق ما، بل كان يستخدمها كمدخل لحق كتابي. فإن كان الواقفين عند المدخل غير مهتمين، يبقوا في الخارج. أما إن كانوا مهتمين، فكان بإمكانهم الدخول من المدخل والتأمل في الحق الموجود في المثل وما يعني لحياتهم.
- لن تفهم المثل إن لم تفهم مفتاحه (مفتاح المثل). ويمكننا أن نتخيل كيف قد يفكر بعض الحاضرين بعد سماع المثل دون توضيح.
- المزارع: “إنه يشير إلى الطريقة التي ألقي بها البذار. أعتقد أني كنت أضيع الكثير.”
- السياسي: “إنه يخبرني عن ضرورة البدء ببرنامج تعليمي زراعي لمساعدة المزارعين على إلقاء البذار بصورة فعالة أكثر. هذا سيفيد كثيراً في حملتي الانتخابية.”
- المراسل الصحفي: “إنه يلفت إنتباهي إلى قصة مثيرة هنا: ’مشكلة الطيور وتأثيرها على المجتمع الزراعي…‘ يا لها من فكرة رائعة لسلسلة من المقالات.”
- صاحب العمل: “إنه يؤيد عملي في بيع الأسمدة. يمكنني الآن أن أساعد هذا المزارع أكثر مما يتخيل إن استخدم منتجاتي الخاصة.”
- لم يفهموا المعنى الروحي للمثل حتى شرح يسوع المفتاح لهم: اَلزَّارِعُ يَزْرَعُ ٱلْكَلِمَةَ (مرقس ١٤:٤). إن لم تفهم مفتاح المثل، فسيفوتك المعنى المقصود وراء المثل. إن كنت تعتقد أن البذرة هي المال، فلن تفهم المعنى الحقيقي للمثل. وإن كنت تعتقد أن البذرة هي الحب أو العمل الشاق، فحتماً سيفوتك المعنى الحقيقي للمثل. لن تتمكن من فهم المثل إن لم تفهم المفتاح: اَلزَّارِعُ يَزْرَعُ ٱلْكَلِمَةَ.
- “من الصعب عليك أن تفهم المثل دون أن تفهم المفتاح، فالأمثال تكشف حقائق الملكوت باستخدام تعابير من عالم آخر. فالأمثال لن تكون مفهمومة دون معرفة وبصيرة روحية.” روبرتسون (Robertson)
- لِئَلَّا يَرْجِعُوا فَتُغْفَرَ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ: بالاقتباس من إشعياء ٩:٦، شرح يسوع لماذا استخدم الأمثال. فقد حث يسوع مستمعيه من خلال الأمثال على البحث عن الحق أو غض النظر عنه ليصبح مجرد قصة شيقة، وهكذا يتجنبون دينونة رفضهم الحق الواضح.
- لم يقدم يسوع الأمثال للعميان، بل لأنهم كانوا عميان. “لم يستخدم يسوع الأمثال ليسبب لهم العمى، بل ليجعلهم يبصروا ثانية؛ ولم يستخدم الأمثال ليبعد عنهم الغفران، بل ليجذبهم نحو اهتمام جديد.” مورغان (Morgan)
- “وحتى لا يزداد إثمهم، لم يعد الرب يعلمهم بوضوح في الفترة التي سبقت صلبه، بل علمهم بأمثال.” جيلدنهيز (Geldenhuys)
- وفي ضوء ذلك، طوبى لأولئك الذين يفهمون أمثال يسوع. ليس لأنهم يستفيدون من الحق الإلهي المعلن فحسب، بل لأنهم يظهرون تجاوبهم مع عمل الروح أيضاً.
ج) الآيات (١٣-٢٠): تفسير مثل الزارع
١٣ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: «أَمَا تَعْلَمُونَ هَذَا ٱلْمَثَلَ؟ فَكَيْفَ تَعْرِفُونَ جَمِيعَ ٱلْأَمْثَالِ؟ ١٤اَلزَّارِعُ يَزْرَعُ ٱلْكَلِمَةَ. ١٥وَهَؤُلَاءِ هُمُ ٱلَّذِينَ عَلَى ٱلطَّرِيقِ: حَيْثُ تُزْرَعُ ٱلْكَلِمَةُ، وَحِينَمَا يَسْمَعُونَ يَأْتِي ٱلشَّيْطَانُ لِلْوَقْتِ وَيَنْزِعُ ٱلْكَلِمَةَ ٱلْمَزْرُوعَةَ فِي قُلُوبِهِمْ. ١٦وَهَؤُلَاءِ كَذَلِكَ هُمُ ٱلَّذِينَ زُرِعُوا عَلَى ٱلْأَمَاكِنِ ٱلْمُحْجِرَةِ: ٱلَّذِينَ حِينَمَا يَسْمَعُونَ ٱلْكَلِمَةَ يَقْبَلُونَهَا لِلْوَقْتِ بِفَرَحٍ، ١٧وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُمْ أَصْلٌ فِي ذَوَاتِهِمْ، بَلْ هُمْ إِلَى حِينٍ. فَبَعْدَ ذَلِكَ إِذَا حَدَثَ ضِيقٌ أَوِ ٱضْطِهَادٌ مِنْ أَجْلِ ٱلْكَلِمَةِ، فَلِلْوَقْتِ يَعْثُرُونَ. ١٨وَهَؤُلَاءِ هُمُ ٱلَّذِينَ زُرِعُوا بَيْنَ ٱلشَّوْكِ: هَؤُلَاءِ هُمُ ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَ ٱلْكَلِمَةَ، ١٩وَهُمُومُ هَذَا ٱلْعَالَمِ وَغُرُورُ ٱلْغِنَى وَشَهَوَاتُ سَائِرِ ٱلْأَشْيَاءِ تَدْخُلُ وَتَخْنُقُ ٱلْكَلِمَةَ فَتَصِيرُ بِلَا ثَمَرٍ. ٢٠وَهَؤُلَاءِ هُمُ ٱلَّذِينَ زُرِعُوا عَلَى ٱلْأَرْضِ ٱلْجَيِّدَةِ: ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَ ٱلْكَلِمَةَ وَيَقْبَلُونَهَا، وَيُثْمِرُونَ: وَاحِدٌ ثَلَاثِينَ وَآخَرُ سِتِّينَ وَآخَرُ مِئَةً».
- أَمَا تَعْلَمُونَ هَذَا ٱلْمَثَلَ؟ فَكَيْفَ تَعْرِفُونَ جَمِيعَ ٱلْأَمْثَالِ؟: اعتبر يسوع هذا المثل ضرورياً لكي يفهموا الأمثال الأخرى.
- اَلزَّارِعُ يَزْرَعُ ٱلْكَلِمَةَ: قال يسوع أن كلمة الله تشبه البذرة التي تزرع في القلوب وقد تأتي بثمر. ولكن ليس كل بذرة تنمو وتأتي بثمر، فنوع التربة هو الذي يُحدث هذا الفرق.
- من الطبيعي جداً أن ينتقد المستمعين الواعظ. ولكننا نرى هنا أن يسوع هو من انتقد مستمعيه. فالمسألة لا تتعلق بمهارة الواعظ بل بكيف يستقبل المستمعون الكلمة.
- نتعلم شيئاً آخر هنا: نزرع البذرة من خلال الكرازة أو الوعظ. فيمكنك دراسة وتصنيف وتحليل ومعرفة البذرة، ويمكنك حتى أن تحبها بشكل رائع، ولكن إن لم تزرعها، فلن تنمو أبداً.
- إن كانت البذرة هي ٱلْكَلِمَةَ، فعلى كل كارز أو واعظ أن يستخدم البذرة الجيدة. “من أكبر الإهانات الموجهة للرب هي تغيير بذرة السيد أو خلطها بشيء آخر أو زرع بذرة سيئة مكانها.” كلارك (Clarke)
- وَهَؤُلَاءِ هُمُ ٱلَّذِينَ عَلَى ٱلطَّرِيقِ حَيْثُ تُزْرَعُ ٱلْكَلِمَةُ: يشبه البعض الطريق. كانت تلك أرض صلبة وناشفة وتحولت إلى طريق أو ممر بسبب سير الناس عليها. فهؤلاء قلوبهم قاسية، فلا يستقبلون كلمة الله ولا يسمحون لها أن تنغرس فيهم.
- “يسمع البعض الكلمة، ولكنهم لا يتفكرون فيها ولا تقبلها قلوبهم ولا تستعيدها ذاكرتهم مرة أخرى.” بوله (Poole)
- يَأْتِي ٱلشَّيْطَانُ لِلْوَقْتِ وَيَنْزِعُ ٱلْكَلِمَةَ ٱلْمَزْرُوعَةَ فِي قُلُوبِهِمْ: من المهم أن نرى كيف لا يسمح الشيطان لكلمة الله أن تتأصل في قلب الإنسان. ومثل الطائر الذي ينزع البذرة من الأرض، يريد أن ’ينزع‘ بذرة الكلمة من ’تربة‘ قلب الإنسان. وهذه هي النتيجة المفضلة للشيطان. إنه يريد أن يمنع سكنى الكلمة في حياة الإنسان حتى لا يكون مثمراً لله.
- “علينا أن نحرث القلوب القاسية قبل أن تتمكن من استقبال البذرة، ويمكن لهذه العملية أن تكون مؤلمة (ارميا ٣:٤، هوشع ١٢:١٠).” ويرزبي (Wiersbe)
- ٱلَّذِينَ زُرِعُوا عَلَى ٱلْأَمَاكِنِ ٱلْمُحْجِرَةِ: ٱلَّذِينَ حِينَمَا يَسْمَعُونَ ٱلْكَلِمَةَ يَقْبَلُونَهَا لِلْوَقْتِ بِفَرَحٍ، وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُمْ أَصْلٌ فِي ذَوَاتِهِمْ، بَلْ هُمْ إِلَى حِينٍ: يشبه البعض الأرض الصخرية المغطاة بطبقة من التربة الزراعية. تسقط بذرة الكلمة عليهم، يشعرون بحماس مؤقت يفقدونه سريعاً.
- فَبَعْدَ ذلِكَ إِذَا حَدَثَ ضِيقٌ أَوِ اضْطِهَادٌ مِنْ أَجْلِ الْكَلِمَةِ، فَلِلْوَقْتِ يَعْثُرُونَ: لا يهاجم الشيطان مباشرة أولئك الذين يشبهون ٱلْأَمَاكِنِ ٱلْمُحْجِرَةِ، ولكن من خلال ضِيقٌ أَوِ اضْطِهَادٌ. وقد عرف يسوع أن الكثيرين سيتجاوبون فوراً مع كلمة الله، ولكنهم سيتخلون عنها بسرعة عندما يصبح اتباع المسيح أمراً صعباً.
- وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُمْ أَصْلٌ فِي ذَوَاتِهِمْ: بعض المؤمنين ليس لهم جذور في أنفسهم، بل جذورهم في آبائهم أو في أصدقائهم المؤمنين أو في رعاتهم أو في الأجواء الحماسية. “الطريقة الوحيدة التي يحافظ فيها الكثيرون على إيمانهم هي البقاء في الأجواء الحماسية. وكأنهم اعتمدوا في مياه مغلية. وإن لم يتم الحفاظ على نفس درجة الحرارة، سوف يتركون الإيمان… فالإيمان المبني على الحماسة أو الإثارة سوف يموت عندما تنتهي الإثارة.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَهؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ زُرِعُوا بَيْنَ الشَّوْكِ: هؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ الْكَلِمَةَ، وَهُمُومُ هذَا الْعَالَمِ وَغُرُورُ الْغِنَى وَشَهَوَاتُ سَائِرِ الأَشْيَاءِ تَدْخُلُ وَتَخْنُقُ الْكَلِمَةَ فَتَصِيرُ بِلاَ ثَمَرٍ: بعض الناس يشبهون البذور التي سقطت بين الأشواك. يستقبلون الكلمة لكنهم يسمحون لهُمُومَ الحَيَاةِ وَإغرَاءتِ وَشَّهوَاتِ هذا العالم أن تخنق الكلمة.
- يمكننا القول إن هذه الأرض خصبة جداً. كلمة الله تنمو فيها، ولكن هناك أشياء اخرى تنمو فيها أيضاً. وسرعان ما ستبدأ تلك الأشياء بمزاحمة كلمة الله.
- وَهؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ زُرِعُوا عَلَى الأَرْضِ الْجَيِّدَةِ: الَّذِينَ يَسْمَعُونَ الْكَلِمَةَ وَيَقْبَلُونَهَا، وَيُثْمِرُونَ: وَاحِدٌ ثَلاَثِينَ وَآخَرُ سِتِّينَ وَآخَرُ مِئَةً: ويشبه البعض الأرض الجيدة، فيقبلون الكلمة ويأتون بثمر وهكذا يحققون الغرض من البذرة.
- يوضح هذا المثل أنه عندما يقبل الإنسان الكلمة كما ينبغي، يحدث شيء ما: يأتي الإنسان بثمر. وإن لم يحدث شيء، فالكلمة لم تُقبل كما ينبغي.
- “يتعامل هذا المثل مع أهم مشكلة بالنسبة للإنسان العقلاني: كيف يمكن للكتبة والفريسيين أن يقدموا صورة مضللة عنه؟ وكيف يمكن أن يعجز أقرباؤه وتلاميذه عن فهمه؟ ولماذا لا يؤدي الاستماع إلى تعاليم يسوع إلى ذات النتيجة في كل قلب؟” كولي (Cole)
- “لم يتحسن الفريسيون ولو قليلاً بعد سماعهم العظات الرائعة التي قالها مخلصنا، بل في الواقع، صاروا أسوأ بكثير.” تراب (Trapp)
ثانياً. مسؤولية الذين يفهمون كلمة الله
أ ) الآيات (٢١-٢٣): مسؤوليتهم كشف الحق وإعلانه – أي كلمة الله
٢١ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: «هَلْ يُؤْتَى بِسِرَاجٍ لِيُوضَعَ تَحْتَ الْمِكْيَالِ أَوْ تَحْتَ السَّرِيرِ؟ أَلَيْسَ لِيُوضَعَ عَلَى الْمَنَارَةِ؟ ٢٢لأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ خَفِيٌّ لاَ يُظْهَرُ، وَلاَ صَارَ مَكْتُومًا إِلاَّ لِيُعْلَنَ. ٢٣إِنْ كَانَ لأَحَدٍ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ، فَلْيَسْمَعْ»
- لأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ خَفِيٌّ لاَ يُظْهَرُ: إن النور، بحكم طبيعته، المفترض أن يكون واضحاً. تماماً مثل الحق، فقد وعد الله أن الحق سوف يظهر.
- إِلاَّ لِيُعْلَنَ: علينا ألا نخفي النور. إن كان الحق الإلهي بداخلك، فمسؤوليتك هي نشر هذا الحق في أي فرصة يعطيها لك الله. فأنت تشبه من يملك العلاج لمرض يهدد الحياة، وأنت ملزم أخلاقياً على نشر هذا العلاج. فالله لم يضئ مصباحك ليبقى في الخفاء.
ب) الآيات (٢٤-٢٥): كلما سمعنا كلمة الله، كلما خضعنا لمساءلة أكبر؛ فعلينا أن ننتبه جيداً لما نسمعه
٢٤وَقَالَ لَهُمُ: «انْظُرُوا مَا تَسْمَعُونَ! بِالْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ وَيُزَادُ لَكُمْ أَيُّهَا السَّامِعُونَ. ٢٥لأَنَّ مَنْ لَهُ سَيُعْطَى، وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ لَهُ فَالَّذِي عِنْدَهُ سَيُؤْخَذُ مِنْهُ».
- انْظُرُوا مَا تَسْمَعُونَ!: على المؤمنين اختيار معلمين جيدين يعلمون الحق الكتابي. فهناك عوامل كثيرة ستساعدك على اختيار كنيسة ما، ولكن أهمها هو: “طلب مني يسوع أن انتبه جيداً لما اسمع، وأنا أعرف أن هذه الكنيسة تعلم الحق الكتابي.”
- بِالْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ: وهنا تكمن أهمية أن ننتبه جيداً لما نسمع. فالله سوف يستجيب لنا كما نستجيب نحن له ولكلمته.
- قال تشارلز سبيرجن (Charles Spurgeon): “إن سامع الإنجيل سيأخذ من الحق قدر ما يطلب، وهو من سيحدد الكمية التي يريد.” وهكذا تسير الأمور. فالشخص الذي لا يهتم بالإنجيل، ستبدو الكرازة أمراً غير مثير للاهتمام بالنسبة له. وبالنسبة للشخص الذي يبحث عن الأخطاء في الكنيسة أو في الواعظ، فسيجد الكثير من الأخطاء. أما من الناحية الأخرى، فطالما هناك من يبحثون عن الطعام الروحي الحقيقي ويسعون للحق الكتابي فهؤلاء دوماً سيجدونه في أي خدمة أمينة.
- وَيُزَادُ لَكُمْ أَيُّهَا السَّامِعُونَ: عندما نسمع كلمة الله ونقبلها بفرح، سيعطينا الله من غناه الروحي.
- وَيُزَادُ لَكُمْ: ماذا سيزاد لنا؟ رغبة أكثر في الاستماع. فهم أعمق لما نسمعه. المزيد من البركات الشخصية التي تسمع عنها.
- وَيُزَادُ لَكُمْ: يذكرنا يسوع أن نمونا الروحي يعتمد على نشاطنا سواء كان إيجابياً أم سلبياً. فعندما نكّون عادات روحية سليمة لقبول الكلمة وتطبيقها على حياتنا، نحصل على أكثر من ذلك بكثير. وعندما نهمل تلك العادات ونفقدها، فمن الصعب للغاية استرجاعها.
ثالثاً. مثلين آخرين عن الملكوت
أ ) الآيات (٢٦-٢٩): مَثَلُ نُمُوِّ بِذرَةِ القَمْحِ
٢٦وَقَالَ: «هكَذَا مَلَكُوتُ اللهِ: كَأَنَّ إِنْسَانًا يُلْقِي الْبِذَارَ عَلَى الأَرْضِ، ٢٧وَيَنَامُ وَيَقُومُ لَيْلاً وَنَهَارًا، وَالْبِذَارُ يَطْلُعُ وَيَنْمُو، وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ كَيْفَ، ٢٨لأَنَّ الأَرْضَ مِنْ ذَاتِهَا تَأْتِي بِثَمَرٍ. أَوَّلاً نَبَاتًا، ثُمَّ سُنْبُلاً، ثُمَّ قَمْحًا مَلآنَ فِي السُّنْبُلِ. ٢٩وَأَمَّا مَتَى أَدْرَكَ الثَّمَرُ، فَلِلْوَقْتِ يُرْسِلُ الْمِنْجَلَ لأَنَّ الْحَصَادَ قَدْ حَضَرَ».
- كَأَنَّ إِنْسَانًا يُلْقِي الْبِذَارَ: عندما يزرع المزارع البذار، تنمو البذار لَيْلاً وفي النهار يرى الثمر، وكأنه يعمل مع الله. فالإنسان فعل ما بوسعه كإنسان: زرع البذرة، والله فعل ما يستطيع وحده أن يفعل: نمى البذرة.
- يبين لنا هذا أن كلمة الله تعمل سراً بداخلنا. فقد وعد الله بأن كلمته لن ترجع إليه فارغة، بل ستنجز مقاصده وستنجح في عمل ما أرسلها لتعمله (إشعياء ١١:٥٥). فعندما تسمع الكلمة، فإنها تعمل فيك – حتى وأنت نائم. إنها تعمل بداخلك روحياً بطريقة لا يمكنك أن تراها بعيونك.
- “سر النمو هو في البذرة، وليس في التربة ولا في الطقس ولا في الحراثة. كلها أمور تساعد طبعاً، ولكن البذرة في النهاية تعمل وفقاً لطبيعتها.” روبرتسون (Robertson)
- وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ كَيْفَ: لا يعلم المزارع كيف تنمو البذرة، فالأمر لعز بالنسبة له. ورغم أنها تنمو بطريقة لا يراها أو يفهمها، إلا أنه يؤمن بأنها ستنمو. وهكذا الحال مع ملكوت الله: نحن نعمل مع الله كشركاء، ولكن نتائج العمل معتمدة عليه، نحن نؤمن بالطريقة التي سيخلص بها الناس رغم أننا لا نراها أو نفهمها.
- لأن يسوع قال أن مثال الزارع هو المفتاح لفهم الأمثال الأخرى (مرقس ١٣:٤)، نستطيع القول بأن البذرة التي يتحدث عنها هنا تمثل كلمة الله، تماماً كمثل الزارع. وقد أظهر يسوع بهذا المثل الطريقة التي تعمل بها كلمة الله، فهي تعمل بقوة خفية وغامضة من الداخل، تماماً كالبذرة.
- الكتاب المقدس ليس مجرد دليل أو قائمة من الوصايا علينا اتباعها، لكنه حياة تعمل بداخلنا. والفكرة بأن الواعظ يعطي حياة لكلمة الله هي فكرة خاطئة تماماً؛ الشيء الوحيد الذي يعطيه الواعظ للكلمة هو الصوت. ومثل البذرة، كلمة الله لها قوة خفية وغامضة.
- الْحَصَادَ قَدْ حَضَرَ: فكما لا يمكنك رؤية المحصول في الحقل عند زراعته، ولا يمكنك تجاهله عندما ينمو ويكبر، هكذا الحال مع ملكوت الله. له بدايات صغيرة وجذوره قد تكون صغيرة وضعيفة، ولكن عندما ينمي الله العمل لا يمكنك إلا أن تلاحظه.
- هذا هو مجد عمل يسوع فينا. قالت عنه النبوة: قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ، وَفَتِيلَةً خَامِدَةً لاَ يُطْفِئُ (إشعياء ٣:٤٢). يأخذ يسوع شيئاً صغيراً وتافهاً مثل البذرة ويدفنها ويقيمها لتصبح شيئاً عظيماً. ولهذا، لا ينبغي أن نزدري بِيَوْمِ الأُمُورِ الصَّغِيرَةِ (زكريا ١٠:٤).
ب) الآيات (٣٠-٣٤): مَثَلُ حبة الخردل
٣٠ وَقَالَ: «بِمَاذَا نُشَبِّهُ مَلَكُوتَ اللهِ؟ أَوْ بِأَيِّ مَثَل نُمَثِّلُهُ؟ ٣١ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَل، مَتَى زُرِعَتْ فِي الأَرْضِ فَهِيَ أَصْغَرُ جَمِيعِ الْبُزُورِ الَّتِي عَلَى الأَرْضِ. ٣٢ وَلكِنْ مَتَى زُرِعَتْ تَطْلُعُ وَتَصِيرُ أَكْبَرَ جَمِيعِ الْبُقُولِ، وَتَصْنَعُ أَغْصَانًا كَبِيرَةً، حَتَّى تَسْتَطِيعَ طُيُورُ السَّمَاءِ أَنْ تَتَآوَى تَحْتَ ظِلِّهَا». ٣٣ وَبِأَمْثَال كَثِيرَةٍ مِثْلِ هذِهِ كَانَ يُكَلِّمُهُمْ حَسْبَمَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَسْمَعُوا، ٣٤ وَبِدُونِ مَثَل لَمْ يَكُنْ يُكَلِّمُهُمْ. وَأَمَّا عَلَى انْفِرَادٍ فَكَانَ يُفَسِّرُ لِتَلاَمِيذِهِ كُلَّ شَيْءٍ.
- وَلكِنْ مَتَى زُرِعَتْ تَطْلُعُ وَتَصِيرُ أَكْبَرَ جَمِيعِ الْبُقُولِ، وَتَصْنَعُ أَغْصَانًا كَبِيرَةً: يعتبر البعض أن هذا المثل صورة رائعة وجميلة للكنيسة التي تنمو وتتوسع وتوفر مأوى للعالم. ولكن الشجرة التي نبتت من حبة الخردل نمت بشكل كبير وصارت تأوي حتى طُيُورُ السَّمَاءِ – والطيور في الأمثال عادة تمثل وكلاء الشيطان، كما نرى في مثل الزارع الأساسي (مرقس ١٣:٤).
- “لن يؤدي نمو الكنيسة بالضرورة إلى خلاص العالم. بل قد يعطي في الواقع الفرصة لإبليس للدخول والعمل في وسطها.” ويرزبي (Wiersbe)
- يذكرنا يسوع، عند التفكير في الخدمة، أن الحجم والحالة لن يفيدا عمل الله بالضرورة. فالمسيحية الفاسدة كانت لعنة على العالم، كونها تقدم شكل التقوى دون قوتها.
- وَأَمَّا عَلَى انْفِرَادٍ فَكَانَ يُفَسِّرُ لِتَلاَمِيذِهِ كُلَّ شَيْءٍ: قال أحد المفسرين: “لا يعني هذا بالضرورة أن الحشد لم يفهم شيئاً، بل أن يسوع فسر للتلاميذ لاحقاً على انفراد كي يفهموا بصورة أوضح ما قال.”
رابعاً. يسوع يهدئ العاصفة على بحر الجليل
أ ) الآيات (٣٥-٣٩): انتهر يسوع بحر الجليل العاصف
٣٥ وَقَالَ لَهُمْ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ لَمَّا كَانَ الْمَسَاءُ: «لِنَجْتَزْ إِلَى الْعَبْرِ». ٣٦ فَصَرَفُوا الْجَمْعَ وَأَخَذُوهُ كَمَا كَانَ فِي السَّفِينَةِ. وَكَانَتْ مَعَهُ أَيْضًا سُفُنٌ أُخْرَى صَغِيرَةٌ. ٣٧ فَحَدَثَ نَوْءُ رِيحٍ عَظِيمٌ، فَكَانَتِ الأَمْوَاجُ تَضْرِبُ إِلَى السَّفِينَةِ حَتَّى صَارَتْ تَمْتَلِئُ. ٣٨ وَكَانَ هُوَ فِي الْمُؤَخَّرِ عَلَى وِسَادَةٍ نَائِمًا. فَأَيْقَظُوهُ وَقَالُوا لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، أَمَا يَهُمُّكَ أَنَّنَا نَهْلِكُ؟» ٣٩ فَقَامَ وَانْتَهَرَ الرِّيحَ، وَقَالَ لِلْبَحْرِ: «اسْكُتْ! اِبْكَمْ!». فَسَكَنَتِ الرِّيحُ وَصَارَ هُدُوءٌ عَظِيمٌ.
- «لِنَجْتَزْ إِلَى الْعَبْرِ»: قطع يسوع وعداً لتلاميذه. فلم يقل: “دعونا نهلك وسط بحر الجليل” بل وعد تلاميذه أنهم سيجتازن إلى العبر.
- “بلغ طول بحيرة الجليل ٢٩ كيلومتراً وعرضها ١٣ كيلومتراً. وكانوا يبعدون عن الشاطئ حوالي ٨ كيلومتراً عندما هبت العاصفة.” باركلي (Barclay)
- “دخل يونان في عاصفة بسبب عصيانه، أما التلاميذ فدخلوا في عاصفة بسبب طاعتهم للرب.” ويرزبي (Wiersbe)
- وَأَخَذُوهُ كَمَا كَانَ فِي السَّفِينَةِ: عَلَمَ يسوع الحشد من قارب قبالة شاطئ بحر الجليل. وعندما انتهى، لم يرجع إلى الشاطئ بل قال لتلاميذه: «لِنَجْتَزْ إِلَى الْعَبْرِ».
- “انتهى يسوع من فترة التعليم الآن، وكان متعباً للغاية وبأمس الحاجة لفترة من الراحة، لهذا طلب من تلاميذه عبور البحيرة. وهذه هي اللحظة التي يشير إليها النص هنا – أخذوه كما كان. لم ينتظروا حتى إحضار أية ملابس، ولم يرسلوا رسولاً أمامهم إلى الشاطئ. كان يسوع متعباً وربما جائعاً، ولكنهم أخذوه كما كان.” موريسون (Morrison)
- علينا نحن أيضاً أن نأخذ يسوع كما هو.
- ليس كما نريده أن يكون.
- ليس كما يقدمه الآخرون.
- ليس كما تراه في حياة الآخرين.
- فَحَدَثَ نَوْءُ رِيحٍ عَظِيمٌ: اشتهر بحر الجليل بعواصفه المفاجئة والعنيفة. وتظهر شدة هذه العاصفة من خلال ردة فعل التلاميذ (أَنَّنَا نَهْلِكُ). كان معظم التلاميذ صيادين متمرسين في هذه البحيرة بالذات، ومع ذلك، خافوا من الموت بسبب هذه العاصفة.
- وَكَانَ هُوَ فِي الْمُؤَخَّرِ عَلَى وِسَادَةٍ نَائِمًا: يُظهر نوم يسوع على القارب طبيعته البشرية. فعند شعوره بالتعب، كان أحياناً يأخذ قسطاً من النوم في أي مكان متاح.
- فكر في كل الهموم التي من شأنها أن تبقي يسوع مستيقظاً. كان بإمكانه أن يقلق بشأن القادة الدينيين والسياسيين الذين تآمروا ضده. كان بإمكانه أن يقلق بشأن عائلته الذين اعتقدت أنه مجنون. كان بإمكانه أن يقلق بشأن الحشد الكبير ومن احتياجاته التي لا تنتهي. كان بإمكانه أن يقلق بشأن التلاميذ الذين اختارهم. كان بإمكانه أن يقلق من المستقبل، لأنه كان يعرف مصيره. ولكن يسوع بالرغم من كل هذا، لم يشعر بالقلق على الإطلاق، بل كان نائماً بسلام على قارب.
- “لم يكن نوم الرب نوم الشخص المتعب بل كان نوم الشخص الواثق والمطمئن لإيمانه، فلدى المؤمن دائماً سكينة الإيمان التي تنتظر، وعين الإيمان التي تراقب.” كولي (Cole)
- فَأَيْقَظُوهُ: لم توقظه الريح أو جدل التلاميذ أو الماء الذي كان يدخل القارب، بل استيقط حال سماعه صراخ تلاميذه. فيسوع يشبه الأم التي تنام رغم كل الضوضاء حولها، ولكنها تستيقظ على الفور إن سمعت ولو همسة بسيطة من طفلها.
- «يَا مُعَلِّمُ، أَمَا يَهُمُّكَ أَنَّنَا نَهْلِكُ؟»: لاحظ كلمة ’ أَنَّنَا‘ هنا. وكأنهم يقولون: “أنت معنا في هذه الأزمة يا يسوع. فربما من الأفضل لك أن تستيقظ وتأخذ دلواً وتساعدنا في إخراج الماء من القارب لأننا على وشك أن نهلك.”
- “لم يكن هذا طلباً منه ليفعل شيئاً ما، بل كان احتجاجاً منهم على عدم اكتراثه الواضح.” مورغان (Morgan)
- كان التلاميذ خائفين ولكنهم كانوا في ذات الوقت يشعرون بالراحة قليلاً بسبب وجود العديد من الصيادين ذوي الخبرة بينهم. وقد عرفوا أنهم في خطر (لوقا ٢٣:٨) لكنهم شعروا أنهم يستطيعون التصرف. فعملوا بجد على إخراج الماء من القارب، وقاموا بالتجديف لقيادته في اتجاه معين. لهذا كانوا منزعجين من يسوع لأنه لم يساعدهم.
- “قد تظن أن المسيح نائم أو أن الكنيسة نائمة، لكن لا يمكن للمسيح أو كنيسته أن يهلكا. فإن كان ربنا نائماً، فهو نائم بالقرب من الدفة – وكل ما عليه فعله هو أن يرفع يده ويوجه القارب في الحال. قد يكون نائماً، لكنه سيبقى نائماً إلى أن يسمعنا نصرخ ونطلبه. فعندما نتعرض للضيقات والمشاكل ونعجز عن مساعدة أنفسنا ونعلم أن علينا الاتكال عليه، حينها سيكشف لنا قوته وسلطانه. “سبيرجن (Spurgeon)
- فَقَامَ وَانْتَهَرَ الرِّيحَ: لم يهدئ يسوع الريح والبحر فحسب، بل انْتَهَرَ الرِّيحَ والْبَحْرِ. ما يحصل هنا، بالإضافة إلى خوف التلاميذ وما سيلاقي يسوع عندما الوصول إلى الشاطئ، يمنحنا الشعور بأن للشيطان يد في العاصفة.
- انْتَهَرَ … «اسْكُتْ! اِبْكَمْ!»: استخدم يسوع نفس الكلمات التي استخدمها حينما كان ينتهر الشياطين ويسكتها. كانت العاصفة معركة روحية بقدر ما هي أزمة جوية. “خاطب يسوع الريح وكأنها ’قوة‘ تهدده وتهدد التلاميذ. أخضع يسوع البحر وأسكته بكلمة سلطانه.” لاين (Lane)
- بالإضافة لذلك، يخبرنا مرقس أنه كان مَعَهُ أَيْضاً سُفُنٌ أُخْرَى صَغِيرَةٌ. عندما اسكت (هدأ) يسوع بحر الجليل العاصف، لم ينقذ نفسه والتلاميذ فحسب، بل كل السفن الأخرى التي كانت معهم.
ب) الآيات (٤٠-٤١): يسوع يوبخ التلاميذ
٤٠وَقَالَ لَهُمْ: «مَا بَالُكُمْ خَائِفِينَ هكَذَا؟ كَيْفَ لاَ إِيمَانَ لَكُمْ؟» ٤١فَخَافُوا خَوْفًا عَظِيمًا، وَقَالُوا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «مَنْ هُوَ هذَا؟ فَإِنَّ الرِّيحَ أَيْضًا وَالْبَحْرَ يُطِيعَانِهِ!».
- «مَا بَالُكُمْ خَائِفِينَ هكَذَا؟ كَيْفَ لاَ إِيمَانَ لَكُمْ؟»: لم يقل يسوع: “يا لها من عاصفة!” بل سألهم: “كَيْفَ لاَ إِيمَانَ لَكُمْ؟” فالعاصفة لم تزعزع سلام يسوع، ما أزعجه حقاً كان عدم إيمان التلاميذ به.
- لم ينتقد يسوع عدم إيمانهم بسبب خوفهم من العاصفة. فمن الطبيعي أن يشعر المرء بالخوف إن كان في قارب صغير وسط عاصفة هوجاء كبيرة كهذه. ولكن ما اختار التلاميذ أن يفعلوا بهذه المخاوف هو الذي أحدث كل الفرق.
- قال يسوع إنهم بلا إيمان لأنهم لم يثقوا بكلامه. فجميعهم سمعوه يقول: «لِنَجْتَزْ إِلَى الْعَبْرِ» (مرقس ٢٢:٤). فلم يقل يسوع: “لنفعل ما بوسعنا، حتى وإن غرقنا جميعنا،” كلا، بل وعدهم برحلة آمنة، وكان بإمكان التلاميذ أن يثقوا بهذا الوعد، لكنهم اختاروا ألا يفعلوا ذلك. وبهذا المعنى لم يكن لهم أي إيمان.
- قال يسوع إنهم بلا إيمان لأنهم اتهموه بعدم الاهتمام بهم، وقالوا عندما أيقظوه: مَا يَهُمُّكَ أَنَّنَا نَهْلِكُ؟ (مرقس ٣٨:٤) فعندما نعتقد أن يسوع لا يهمه أمرنا، فإننا نعكس عدم إيماننا به وأننا لا نصدق الحق عنه. فالثقة بيسوع النائم تطلب إيماناً كبيراً. والإيمان هو اليقين بأنه يهتم ويعمل لمصلحتنا حتى عندما لا يبدو الأمر كذلك. ولكن هذه هي الثقة الذي يريد الله أن يبنيها فينا.
- قال يسوع إنهم بلا إيمان لأنهم نسوا الصورة الأكبر. كان ينبغي على التلاميذ أن يعلموا أن الله لن يسمح بهلاك المسيا في قارب يعبر بحر الجليل. هل يمكن أن تنتهي قصة يسوع بغرقه في حادث قارب في بحر الجليل؟ “كثيراً ما تكون مخاوفنا سخيفة للغاية، وعندما نتغلب عليها ونفكر بها ثانية، نشعر بالخجل لأننا تصرفنا بحماقة. لهذا تغاضى ربنا عن عدم إيمانهم لأنه لم يكن معقولاً.” سبيرجن (Spurgeon)
- يمكننا بحق أن نركز على السؤال: كَيْفَ لاَ إِيمَانَ لَكُمْ؟ فمن بين كل الناس، كان ينبغي على تلاميذ يسوع أن يتحلوا بإيمان أكبر. قهل سيسألنا يسوع نفس السؤال؟ “بعد كل ما صنعت لأجلكم جميعاً، كَيْفَ لاَ إِيمَانَ لَكُمْ؟“
- فَخَافُوا خَوْفًا عَظِيمًا: كان ينبغي أن يتمتعوا بسلام كامل بعد هدوء العاصفة، ولكنهم بدلاً من ذلك، كانوا خائفين تماماً كما لو كانوا في وسطها.
- «مَنْ هُوَ هذَا؟ فَإِنَّ الرِّيحَ أَيْضًا وَالْبَحْرَ يُطِيعَانِهِ!»: سأل التلاميذ سؤالاً مهماً: مَنْ هُوَ هذَا؟ لا بد أنه الرب، يهوه، الذي يملك كل القوة والسلطان. “يَا رَبُّ إِلهَ الْجُنُودِ، مَنْ مِثْلُكَ؟ قَوِيٌّ، رَبٌّ، وَحَقُّكَ مِنْ حَوْلِكَ. أَنْتَ مُتَسَلِّطٌ عَلَى كِبْرِيَاءِ الْبَحْرِ. عِنْدَ ارْتِفَاعِ لُجَجِهِ أَنْتَ تُسَكِّنُهَا” (مزمور ٨:٨٩-٩).
- خلال تلك اللحظات، أتيحت للتلاميذ فرصة رؤية يسوع بكامل إنسانيته وبكامل ألوهيته. لقد رأوا يسوع على حقيقته: الإله والإنسان
- كل هذا يظهر رعاية يسوع الدائمة لشعبه. “يعتقد الكثير من المؤمنين اليوم أن القارب يغرق. وقد تعبت من تذمر بعض أصدقائي الذين يؤمنون بهذا الرأي. ولكن من المستحيل أن يغرق القارب، لأن يسوع فيه.” مورغان (Morgan)