إنجيل مرقس – الإصحاح ١٠
تعليم يسوع عن الزواج والغنى والخدمة
أولاً. الزواج والطلاق
أ ) الآيات (١-٢): اختبار من الفريسيين: «هَلْ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ؟»
١وَقَامَ مِنْ هُنَاكَ وَجَاءَ إِلَى تُخُومِ الْيَهُودِيَّةِ مِنْ عَبْرِ الأُرْدُنِّ. فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ جُمُوعٌ أَيْضًا، وَكَعَادَتِهِ كَانَ أَيْضًا يُعَلِّمُهُمْ. ٢فَتَقَدَّمَ الْفَرِّيسِيُّونَ وَسَأَلُوهُ: «هَلْ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ؟» لِيُجَرِّبُوهُ.
- «هَلْ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ؟»: كانت الطلاق أمراً مثيراً للجدل زمن يسوع، وكان هناك منهجان أو مدرستان للفكر في هذا الأمر، واحدة تتبع المعلم هليل صاحب النهج المتساهل والمقبول لدى عامة الناس، وأخرى للمعلم شماي صاحب المنهج الصارم والمتشدد الذي لا يحظى بقبول العامة.
- «هَلْ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ؟»: وضح إنجيل متى الهدف الحقيقي من سؤال الفريسيين: «هَلْ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ لِكُلِّ سَبَبٍ؟» (متى ٣:١٩) يُفهم السؤال: “هَلْ يَحِلّ؟” بالجملة اللاحقة: لِكُلِّ سَبَبٍ.
- يدور الجدل حول ناموس موسى الذي سمح بالطلاق في سفر التثنية ١:٢٤ «إِذَا أَخَذَ رَجُلٌ امْرَأَةً وَتَزَوَّجَ بِهَا، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْهِ لأَنَّهُ وَجَدَ فِيهَا عَيْبَ شَيْءٍ، وَكَتَبَ لَهَا كِتَابَ طَلاَق وَدَفَعَهُ إِلَى يَدِهَا وَأَطْلَقَهَا مِنْ بَيْتِهِ». وقد حاول معلمي اليهود الإجابة على السؤال: “ما الذي يحدد العيب؟”
- فسر المعلم اليهودي شماي العيب هنا بالانحراف الجنسي أو الزنى، وقال إنه السبب الشرعي الوحيد للطلاق. لكن المعلم هليل فسر أن العيب قد يشير إلى أي تصرف لا يراه الزوج مناسباً، فمثلاً قد يعتبر حرق طعام الإفطار سبباً وجيهاً للطلاق.
- وصف ويليم باركلي (William Barclay) تعاليم المعلم هليل حول الطلاق ومعنى كلمة نجاسة المذكورة في سفر التثنية ١:٢٤ كالتالي: قد يعتبر عدم مهارة المرأة في إعداد الطعام عيباً تطلق لأجله، وكذلك إن جالت في الطرقات أو إن تكلمت مع شخص غريب، أو إن تكلمت مع زوجها بطريقة لم تعجبه، أو إن كانت إمرأة تميل للخصام ويسمع صوتها الجيران. بل ذهبت مدرسة المعلم أكيبا إلى أبعد من ذلك، إذ علمت: إن راقت إمرأة أخرى في نظر الزوج فإنه يستطيع أن يطلق زوجته.”
- لِيُجَرِّبُوهُ: حاول الفريسيون أن يجعلوا يسوع يتكلم ضد موسى أو ضد الفكر الشعبي، وحاولوا أن يوقعوه في الفخ.
ب) الآيات (٣-٩): شدد يسوع على الزواج وخطة الله نحو الزواج
٣فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: «بِمَاذَا أَوْصَاكُمْ مُوسَى؟» ٤فَقَالُوا: «مُوسَى أَذِنَ أَنْ يُكْتَبَ كِتَابُ طَلاَق، فَتُطَلَّقُ». ٥فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «مِنْ أَجْلِ قَسَاوَةِ قُلُوبِكُمْ كَتَبَ لَكُمْ هذِهِ الْوَصِيَّةَ، ٦وَلكِنْ مِنْ بَدْءِ الْخَلِيقَةِ، ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمَا اللهُ. ٧مِنْ أَجْلِ هذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، ٨وَيَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا. إِذًا لَيْسَا بَعْدُ اثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ. ٩فَالَّذِي جَمَعَهُ اللهُ لاَ يُفَرِّقْهُ إِنْسَانٌ».
- «بِمَاذَا أَوْصَاكُمْ مُوسَى؟»: أكد يسوع على جوهر الموضوع المذكور في سفر التثنية ١:٢٤. فموسى لم يوصي بالطلاق، بل أَذِنَ به. وهذا لا يتماشى مع تعاليم المعلم هليل التي تقول أن واجب الزوج المقدس هو أن يطلق زوجته إن لم يعجبه تصرفها.
- كان لمعلمي اليهود قول مأثور: “إن كان للرجل زوجة سيئة، فإن واجبه الديني يحتم عليه أن يطلقها.” لكن يسوع عارض هذه الطريقة في التفكير.
- مِنْ أَجْلِ قَسَاوَةِ قُلُوبِكُمْ كَتَبَ لَكُمْ هذِهِ الْوَصِيَّةَ: سمح ناموس موسى بالطلاق مِنْ أَجْلِ قَسَاوَةِ قُلُوبِكُمْ. فالله لم يوصِ بالطلاق أبداً، بل سمح به بسبب قَسَاوَةِ الطرف المذنب (خيانته لشريك الحياة)، وبسبب قَسَاوَةِ الطرف المتضرر (عدم قدرته على المغفرة وتصليح العلاقة).
- أعطيت الوصية في سفر التثنية ١:٢٤ كنوع من الحماية للزوجة المطلقة. “سمح موسى بالطلاق بشرط أن تُعطى الزوجة كِتَابَ طَلاَق، وكان الهدف الرئيسي من هذا حماية المرأة التي تخلى عنها زوجها.” لاين (Lane)
- وَلكِنْ مِنْ بَدْءِ الْخَلِيقَةِ: انتقل يسوع الآن من الحديث عن الطلاق إلى الحديث عن الزواج. فالمشكلة ليست في عدم فهمهم لموضوع الطلاق، بل في عدم فهمهم لقصد الله من الزواج.
- إن أفضل طريقة للحفاظ على الزواج هو التركيز على غاية الله من الزواج وليس التركيز على الطلاق. فالطلاق ليس أفضل خيار عندما تتأزم الأمور. فالزواج يشبه المرآة لأنه يعكس ما نستثمره فيه. وإذا كان الطلاق أمراً وارداً باستمرار، فسيكون الطلاق وشيك الحدوث.
- مِنْ بَدْءِ: من المدهش أن يسوع أرجعنا إلى البداية لمعرفة المزيد عن الزواج. فكثيرين اليوم يفضلون القول: “نحن نعيش في أوقات مختلفة” أو “القواعد تختلف اليوم” أو “نحن بحاجة إلى فهم معاصر.” ومع ذلك، عرف يسوع أن الإجابات كانت في العودة إلى البداية.
- وَلكِنْ مِنْ بَدْءِ الْخَلِيقَةِ، ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمَا اللهُ: “إن غاية الله الحقيقية للزواج لا تتحقق في الطلاق ولكن في رؤية خطة الله الأصلية للزواج. فحينما قال: ’خَلَقَهُمَا الله‘ أكد يسوع على ملكية الله للزواج؛ فالله هو مؤسس الزواج وليس الإنسان، لذا قواعده هي التي تسري.
- وَيَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا: بالرجوع إلى أساس الزواج، وضح يسوع أن على الزوجين ترك العزوبية (يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ) وأن عليهما أن يصبحا جَسَداً وَاحِداً، فهذا هو واقع الزواج وغايته (وَيَكُونُ الاثْنَانِ جَسَداً وَاحِداً. إِذًا لَيْسَا بَعْدُ اثْنَيْنِ).
- “على الزوج أن يلتصق بإمرأته بنفس مقدار التصاقه بنفسه.” تراب (Trapp)
- إن كلمة “جَمَعَهُ” التي استخدمها يسوع هنا تعني حرفياً ربط شيئين معاً، مثل ربط حيوانين معاً واستخدامهما في أعمال الزراعة. فعلى الزوجين أن يعملان معاً ويسيران بنفس الاتجاه كي يجتمعان معاً حسب مقاصد الله.
- الوحدة التي يتكلم عنها يسوع هي وحدة من نوع جديد وينبغي أن تكون هي المهيمنة والأساسية. فالرابط الذي يجمع بين الزوج والزوجة ينبغي أن يكون أقوى من الرابط بين الأهل وأبنائهم. فرابط الزواج ينبغي أن يكون أقوى من رابطة الدم. “فناموس الله لم يشجع الرجل على التخلي عن زوجته كلما أعجبه ذلك، بل بالأحرى، عليه أن يتخلى عن والديه لا زوجته؛ وأن يحب زوجته كجسده.” بوله (Poole)
- “لا يعني هذا أن ينظر إليهما كجسداً واحداً فحسب، بل كروحين في جسد واحد يتمتعان بوحدة في المصالح وشراكة دائمة في كل شيء: الحياة والثروة والراحة والدعم والرغبات والميول والأفراح والأحزان.” كلارك (Clarke)
- فَالَّذِي جَمَعَهُ اللهُ: ذكّر يسوع الفريسيين بعد ذلك بأن الزواج هو عهد روحي يُقطع أمام الله. فالزواج ليس مجرد اتفاق اجتماعي، فالله الذي جمعهما سوف يحافظ عليهما.
- في استخدام التعبيرين ’جَمَعَهُ‘ و’يُفَرِّقْهُ‘ يذكرنا يسوع أن الطلاق في الحقيقة يشبه البتر. ففي بعض الأحيان وفي أقصى الظروف، قد يكون البتر هو الحل الأمثل. ولكن ينبغي أن يحصل المريض أولاً على التشخيص المناسب قبل اللجوء لمثل هذا الحل الصعب.
ج) الآيات (١٠-١٢): يسوع يوضح النقطة للتلاميذ
١٠ثُمَّ فِي الْبَيْتِ سَأَلَهُ تَلاَمِيذُهُ أَيْضًا عَنْ ذلِكَ، ١١فَقَالَ لَهُمْ: «مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَتَزَوَّجَ بِأُخْرَى يَزْنِي عَلَيْهَا. ١٢وَإِنْ طَلَّقَتِ امْرَأَةٌ زَوْجَهَا وَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ تَزْنِي».
- سَأَلَهُ تَلاَمِيذُهُ أَيْضًا عَنْ ذلِكَ: لم يكن هذا كل ما ينبغي معرفته عن الطلاق وعن الزواج ثانية. فمن الواضح أن يسوع استمر في التعليم عن هذا الموضوع في وقت سابق في النص، حيث أشار إلى أن الله سمح (ولم يأمر) بالطلاق في حالة الزنى. وهنا يجيب يسوع على السؤال التالي: “ماذا عن الطلاق بغير علة الزنى؟”
- مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَتَزَوَّجَ بِأُخْرَى يَزْنِي عَلَيْهَا: لا يمكننا أن نفهم هذا المقطع بمعزل عن كُلِّ مَشُورَةِ اللهِ (أعمال الرسل ٢٧:٢٠). ففي إنجيل متى نرى تفاصيل أكثر عن هذا الموضوع، قال يسوع: “وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إِلاَّ بِسَبَب الزِّنَا وَتَزَوَّجَ بِأُخْرَى يَزْنِي، وَالَّذِي يَتَزَوَّجُ بِمُطَلَّقَةٍ يَزْنِي” (متى ٩:١٩). فسّر يسوع بهذه الإجابة معنى كلمة ’عيب‘ المذكورة في تثنية ١:٢٤، مبيناً أن الطلاق (وإمكانية الزواج ثانية) مسموح به فقط في حالة الزنى.
- الكلمة اليونانية القديمة ’زنا‘ هي porneia، وهي كلمة واسعة المعنى جداً وتشمل كل سلوك جنسي غير لائق. فيمكن للشخص في الواقع، أن يكون مذنباً بعلة porneia دون أن يرتكب فعل الزنا.
- أضاف بولس على الإذن بالطلاق حالة الانفصال عن الشريك غير المؤمن (كورنثوس الأولى ١٥:٧).
- لاحظ عدم الانسجام: عدم محبة الشريكين لبعضهم البعض والضرب والتعاسة ليسو أسباباً كافية للطلاق، رغم أنها قد تكون أسباباً سليمة للانفصال والنتيجة الامتناع عن الجنس بين الزوجين (تعفف الزوجين).
- يَزْنِي عَلَيْهَا: السبب الذي يجعل الشخص الذي لم يحصل على طلاق رسمي يَزْنِي عند زواجه ثانية (وكذلك الشريك الجديد) هو لأنهما في نظر الله ليسا مطلقين. وبما أن الزواج القديم لا يزال ساري المفعول، فهم في الواقع مذنبين بتعدد الأزواج وبالزنا.
- علينا أن نستوعب حقيقة أن الزواج، أي الوعد الذي قطعناه أمام الله وأمام الشريك وأمام العالم، هو وعد ملزم، ولا يمكن كسره كما يحلو لنا. فهناك حالات معينة يسمح بها الله بكسر هذا الوعد، ولكن الأمر متروك لله وليس لنا.
- وَإِنْ طَلَّقَتِ امْرَأَةٌ زَوْجَهَا وَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ تَزْنِي: توضح جملة يسوع هنا أهمية الأخذ بمشورة الله حول أي موضوع. فإن كان هذا هو النص الوحيد عن الطلاق والزواج في الإنجيل، إذاً علينا أن نقول أنه إن طلق أحدهم زوجته لأي سبب، فإنه يرتكب الزنا، وبالتالي لن يسمح الله له بالزواج ثانية في حالة الطلاق. ولكن عند النظر إلى الموضوع وفقاً لكُلِّ مَشُورَةِ اللهِ، فمن المستحيل قول ذلك.
- يهمل البعض مشورة الله ويقولون أن الله لا يسمح بالزواج بعد الطلاق إطلاقاً. ولكن عند النظر إلى ما يقوله الكتاب المقدس ككل حول هذا الموضوع، سنعرف أنه إن كان للطلاق سبب كتابي (الزنا أو فراق/ترك غير المؤمن)، فللشخص مطلق الحرية أن يتزوج مرة أخرى.
- إن لم يكن الطلاق سببه ما حدده الكتاب المقدس – وهو نوع الطلاق الذي أشار إليه يسوع هنا – فلا يجوز الزواج مرة أخرى. فالزواج لا يزال قائماً بالنسبة لله، والزواج من شخص آخر يعتبر زنى.
- “هذا يعني أنه عندما ينظر الله إلى أسفل من السماء، فإنه لا يرى ثلاث فئات: أعزب، متزوج، مطلق، بل يرى فئتين: أعزب ومتزوج. إما أن تكون ملزماً بعقد زواج أو أنك لست كذلك. فإن كنت ملزماً، لا يمكنك الزواج بأخرى. وإن كنت غير ملزم، فأنت حر أن تتزوج كما للرب. إن فهم كُلِّ مَشُورَةِ اللهِ في هذا الموضوع تحرر الناس من وصمة ’المطلقين‘ في الكنيسة.
د ) الآيات (١٣-١٦): بارك يسوع الأطفال واستخدمهم كمثال على كيفية قبول ملكوت الله
١٣وَقَدَّمُوا إِلَيْهِ أَوْلاَدًا لِكَيْ يَلْمِسَهُمْ. وَأَمَّا التَّلاَمِيذُ فَانْتَهَرُوا الَّذِينَ قَدَّمُوهُمْ. ١٤فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ ذلِكَ اغْتَاظَ وَقَالَ لَهُمْ: «دَعُوا الأَوْلاَدَ يَأْتُونَ إِلَيَّ وَلاَ تَمْنَعُوهُمْ، لأَنَّ لِمِثْلِ هؤُلاَءِ مَلَكُوتَ اللهِ. ١٥اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ لاَ يَقْبَلُ مَلَكُوتَ اللهِ مِثْلَ وَلَدٍ فَلَنْ يَدْخُلَهُ». ١٦فَاحْتَضَنَهُمْ وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِمْ وَبَارَكَهُمْ.
- وَقَدَّمُوا إِلَيْهِ: تقترح الكلمة اليونانية ’قَدَّمُوا‘ (prosphero) إلى أنهم أحضروا أطفالهم إلى يسوع للتكريس. “اعتادوا استخدام هذه الكلمة للحديث عن الذبيحة، وفي هذه الحادثة تحمل الكلمة فكرة التكريس.” بروس (Bruce)
- دَعُوا الأَوْلاَدَ يَأْتُونَ إِلَيَّ: يحب الأطفال المجيء إلى يسوع، ومحبة الأطفال له ومحبته للأطفال يقول شيئاً عنه. فالأطفال لا يحبون الشخص اللئيم والفظ.
- وَأَمَّا التَّلاَمِيذُ فَانْتَهَرُوا الَّذِينَ قَدَّمُوهُمْ: لأن الأطفال يحبون المجيء إلى يسوع، علينا ألا نقف في طريقهم – أو نفشل في فتح الطريق أمامهم. فنحن نعرف أكثر عن يسوع من النساء اليهوديات. فهل هناك أي سبب وجيه يجعلنا لا نقدم أطفالنا ليسوع؟
- تقديم الأطفال ليسوع هو واجب معلمي مدارس الأحد والأهل خصيصاً. فصلوات وكلمات الأهل سيساهمان كثيراً في خلاص الأولاد. يتذكر تشارلز سبيرجن صلوات والدته في معظم حياته كبالغ: “ثم هناك صلاة الأم، وعلينا ألا ننسى أبداً بعض كلمات تلك الصلوات حتى عندما يصبح شعرنا أبيض. وأتذكر في إحدى المناسبات صلاتها التالية: ’وإذا استمر أولادي في ارتكاب الخطية يا رب، فلن يكون هلاكهم بسبب عدم المعرفة، وروحي ستشهد ضدهم يوم الدينونة إن لم يكن لهم المسيح.‘ ففكرة أن تشهد أمي ضدي، اخترقت كياني وحركت قلبي.”
- من المهم أن نقدم الأطفال إلى يسوع وخاصة عندما نفكر بأن أمامهم عمر بأكمله ليخدموا الله. “هل ستغضب مني إن قلت أن خلاص ولد صغير له قيمة أكثر من خلاص رجل بالغ؟ فمن رحمة الله أن يخلص من هم في السبعين؛ ولكن ماذا يمكنهم أن يفعلوا الآن في نهاية عمرهم؟ فعندما نصل إلى سن الخمسين أو الستين، نشعر بالتعب والإرهاق، وإن صرفنا معظم أيام شبابنا بعمل الشر، فماذا تبقى لله؟ ولكن يمكن لهؤلاء الأولاد والبنات الأعزاء أن يأتوا بنتائج ويكونوا فعالين أكثر. وإن سلموا حياتهم للمسيح، فيمكن أن تكون حياتهم طويلة ومليئة بالسعادة والقداسة ليخدموا الله بصدق. ومن يعلم المجد المُعد لهم من الله؟ ربما تدعوهم شعوب لا تعرف الله بالمباركين، وربما ستستنير أمم بأكملها من خلالهم.” سبيرجن (Spurgeon)
- فَاحْتَضَنَهُمْ وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِمْ وَبَارَكَهُمْ: بَارَكَهُمْ يسوع بكل بساطة واحتضنهم بقوة. هناك تأكيد على الفعل اليوناني، ويعني حرفياً: باركهم بحرارة.
- كيف يمكن للأطفال الحصول على مثل هذه البركة من يسوع؟ لأنهم لا يحاولون إثبات أنهم أهل لتلك البركة أو يتظاهرون بعدم حاجتهم لها. ونحن أيضاً نحتاج لقبول البركة بنفس الطريقة.
- لأَنَّ لِمِثْلِ هؤُلاَءِ مَلَكُوتَ اللهِ: وجود الأطفال لا يقتصر على مباركتهم فقط، بل هو مثال لنا عن كيفية الدخول إلى ملكوت الله بإيمان الأطفال وليس بإيمان طفولي. فعلينا الاقتراب من الله بثقة كاملة كما يثق الابن بأبيه ويترك له كل مشاكله ليتعامل معها.
- لا يتم التشديد هنا على تواضع وبراءة الأطفال، لأنهم ليسوا كذلك أحياناً، بل على حقيقة أن الأطفال يقبلون الأشياء بكل بساطة دون السعي لكسبها. ففي بعض الأحيان كل ما يستطيع الطفل فعله هو تلقي الأشياء وقبولها. فهم مثلاً لا يرفضون الهدايا بدافع الكبرياء. وكذلك نحن، علينا أن نقبل مَلَكُوتَ اللهِ مِثْلَ وَلَدٍ صغير – لأننا بالتأكيد لَنْ ندْخُلَهُ نتيجة أعمالنا أو باستحقاق.
ثانياً. يسوع يُعلم عن الغِنى
أ ) الآيات (١٧-١٨): شخص متحمس يسأل يسوع
١٧وَفِيمَا هُوَ خَارِجٌ إِلَى الطَّرِيقِ، رَكَضَ وَاحِدٌ وَجَثَا لَهُ وَسَأَلَهُ: «أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ، مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ؟» ١٨فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لِمَاذَا تَدْعُونِي صَالِحًا؟ لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحًا إِلاَّ وَاحِدٌ وَهُوَ اللهُ».
- أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ: لم يُستخدم هذا اللقب زمن يسوع لغير معلمي اليهود لأنه يشير إلى حياة خالية من الخطية وصالحة تماماً. لهذا عرف يسوع والجميع أنه دُعيَّ بلقب فريد للغاية.
- “لا يوجد في كل التلمود معلم يهودي حمل لقب ’الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ‘” (بلامر استشهد من جيلدينهيز). فبالنسبة لمعلمي اليهود الله هو الوحيد الصالح.
- لِمَاذَا تَدْعُونِي صَالِحًا؟: لا يعني هذا أن يسوع أنكر ألوهيته، لكنه دعا الشاب للتأمل فيما قاله. وكأنه يقول: “هل تعرف حقاً معنى أنك تَدْعُونِي صَالِحاً؟“
- مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ؟: كان جوهر سؤال الرجل منصباً على: مَاذَا أَعْمَلُ. فقد اعتقد أن الحياة الأبدية مسألة تقوم على المكسب والاستحقاق وليس على وجود علاقة. فركوعه أمام يسوع بهذه الطريقة قربه من تلك العلاقة ومن الخلاص أكثر بكثير من أي شيء آخر يمكن أن يعمله. ولكنه لم يكن يبحث عن يسوع كمخلص له، بل أراد من يسوع أن يظهر له الطريقة ليكون مخلص نفسه.
- لم يعرف الرجل حقيقة نفسه أيضاً. واعتقد أنه شخص تقي وبار ولكنه في الواقع لم يكن يعرف من يكون حقاً. فعندما لا تعرف حقيقة يسوع، لن تعرف حقيقة نفسك أيضاً. فمعرفة يسوع تأتي أولاً.
ب) الآيات (١٩-٢٢): النصيحة التي قدمها يسوع للشاب
١٩أَنْتَ تَعْرِفُ الْوَصَايَا: لاَ تَزْنِ. لاَ تَقْتُلْ. لاَ تَسْرِقْ. لاَ تَشْهَدْ بِالزُّورِ. لاَ تَسْلُبْ. أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ». ٢٠فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، هذِهِ كُلُّهَا حَفِظْتُهَا مُنْذُ حَدَاثَتِي». ٢١فَنَظَرَ إِلَيْهِ يَسُوعُ وَأَحَبَّهُ، وَقَالَ لَهُ: «يُعْوِزُكَ شَيْءٌ وَاحِدٌ: اِذْهَبْ بِعْ كُلَّ مَا لَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتْبَعْنِي حَامِلاً الصَّلِيبَ». ٢٢فَاغْتَمَّ عَلَى الْقَوْلِ وَمَضَى حَزِينًا، لأَنَّهُ كَانَ ذَا أَمْوَال كَثِيرَةٍ.
- أَنْتَ تَعْرِفُ الْوَصَايَا: من الطبيعي كونه يهودي أن يعرف الوصايا جيداً. لذا حرص يسوع على أن يقتبس من تلك الوصايا التي تسمى غالباً بلوح الشريعة الثاني، أي الذي يختص بطريقة تعاملنا مع الآخرين.
- كل واحدة من هذه الوصايا نقية وعادلة وجيدة. وسيكون العالم مكاناً أفضل حتماً إن طبق الجميع الوصايا الخمس التي ذكرها يسوع هنا.
- «يَا مُعَلِّمُ، هذِهِ كُلُّهَا حَفِظْتُهَا مُنْذُ حَدَاثَتِي»: أقنع الشاب نفسه أنه حفظ (طبق) كل الوصايا، وأنه فعل ذلك منذ حداثته. فتطبيق هذه الوصايا كان ممكناً بسبب الطريقة التي اعتادوا فيها تفسيرها، ولكن الواقع أن تطبيقها كان مستحيلاً إذا أحذنا معنى الله الحقيقي لها.
- يقول بولس في رسالته إلى أهل فيلبي ٦:٣ أنه حفظ كل الوصايا كونه يهودياً متديناً. وكتب عن طريقة تفكيره في ذلك الوقت وقال: مِنْ جِهَةِ الْبِرِّ الَّذِي فِي النَّامُوسِ (كان) بِلاَ لَوْمٍ.
- قدم يسوع لنا في الموعظة على الجبل، المعنى الحقيقي للناموس – منبعه القلب وليس التصرفات فقط. فيمكن لقلبك أن يكون مليئاً بالزنا رغم أنك لم ترتكب الزنا يوماً؛ أو مليئاً بالقتل حتى لو لم تفعل ذلك أبداً؛ أو يسرق حتى لو لم تسرق أبداً. فالله ينظر إلى القلب وإلى الأفعال أيضاً.
- كان على الرجل أن يجيب هكذا: “من المستحيل أن أكون قد حفظت ناموس الله بالكامل أو أن أتمكن من حفظه بالكامل. احتاج لمخلص.”
- فَنَظَرَ إِلَيْهِ يَسُوعُ وَأَحَبَّهُ، وَقَالَ لَهُ: تحنن يسوع على هذا الشاب لأن حياته كانت فارغة تماماً. لقد وصل إلى قمة سلم النجاح، لكنه اكتشف أن حياته كانت مبنية على الأشياء الخطأ.
- يُعْوِزُكَ شَيْءٌ وَاحِدٌ: بدلاً من أن يتحدى الشاب الذي قال أنه حفظ كل الناموس (مع أن ليسوع كل الحق أن يفعل ذلك)، تكلم يسوع معه بالطريقة التي يفهمها. “أتريد الشعور بالرضى والخلاص بالأعمال؟ حسناً إذاً، طبقها كلها.” فقد أراد يسوع أن يرى الشاب عدم جدوى الأعمال للحصول على ذلك الشعور بالرضى والخلاص، لكنه للأسف لم يرَ ذلك.
- لقد اختار أن يحب المال أكثر من محبة الله، مع أن يسوع وعده تحديداً بكنوز في السماء، لكنه كان أكثر اهتماماً بالكنوز الأرضية من الكنوز السماوية. كان هذا الشاب في الأساس عابداً للمال، فالمال كان إلهه الحقيقي بدلاً من إله الكتاب المقدس الحقيقي. لقد وضع المال أولاً.
- وَتَعَالَ اتْبَعْنِي حَامِلاً الصَّلِيبَ: كان لدى هذا الشاب، مثل باقي البشر، توجه طبيعي نحو عمل الخير، لهذا سأل: “ مَاذَا أَعْمَلُ؟” فإن كنا حقاً نريد أن نعمل أعمال الله، علينا أن نبدأ بالإيمان بيسوع الذي أرسله الآب (يوحنا ٢٩:٦).
- لم يكن هدف يسوع أن يحزن الشاب؛ ومع ذلك الطريقة الوحيدة ليحظى بها بالسعادة هي أن يفعل كما قال يسوع. لهذا السبب، مَضَى حَزِيناً. فكثيرين يملكون كل شيء تقريباً، ومع ذلك يشعرون بالحزن.”
ج ) الآيات (٢٣-٢٧): عائق الغِنى
٢٣فَنَظَرَ يَسُوعُ حَوْلَهُ وَقَالَ لِتَلاَمِيذِهِ: «مَا أَعْسَرَ دُخُولَ ذَوِي الأَمْوَالِ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ!» ٢٤فَتَحَيَّرَ التَّلاَمِيذُ مِنْ كَلاَمِهِ. فَأَجَابَ يَسُوعُ أَيْضًا وَقَالَ لَهُمْ: «يَا بَنِيَّ، مَا أَعْسَرَ دُخُولَ الْمُتَّكِلِينَ عَلَى الأَمْوَالِ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ! ٢٥مُرُورُ جَمَل مِنْ ثَقْبِ إِبْرَةٍ أَيْسَرُ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ» ٢٦فَبُهِتُوا إِلَى الْغَايَةِ قَائِلِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «فَمَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْلُصَ؟» ٢٧فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ يَسُوعُ وَقَالَ: «عِنْدَ النَّاسِ غَيْرُ مُسْتَطَاعٍ، وَلكِنْ لَيْسَ عِنْدَ اللهِ، لأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ عِنْدَ اللهِ».
- «مَا أَعْسَرَ دُخُولَ ذَوِي الأَمْوَالِ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ!» … فَتَحَيَّرَ التَّلاَمِيذُ مِنْ كَلاَمِهِ: نحن نشبه التلاميذ كثيراً. إذ نجد صعوبة في فهم كيف يمكن للمال أن يعيقنا عن ملكوت الله. ونميل إلى التفكير بأن المال لا يجلب لنا سوى البركة والخير.
- تحير التلاميذ من كلمات يسوع لأنهم افترضوا أن الغِنى كان دائماً علامة على بركة وإحسان الله. وظنوا أن الأغنياء قد حصلوا على الخلاص حتماً.
- ذَوِي الأَمْوَالِ: كثيراً ما نستثني أنفسنا مما قاله يسوع هنا لأننا لا نعتبر أنفسنا أغنياء. ولكن بالمقارنة مع هذا الشاب الغني، نتمتع جميعنا بالرفاهية والراحة أكثر منه بكثير.
- يَا بَنِيَّ، مَا أَعْسَرَ دُخُولَ الْمُتَّكِلِينَ عَلَى الأَمْوَالِ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ!: إن المال يمثل عائقاً لأنه يجعلنا راضين عن هذه الحياة الأرضية بدلاً من الشوق إلى الحياة الأبدية. والصحيح أيضاً أن السعي وراء الغِنى عادة ما يكون على حساب السعي وراء الله.
- يمكننا أن نقارن بين تبعية الطفل واتكاله واستقلالية الغني. وأشار يسوع إلى أنه من المرجح كثيراً أن يرث الطفل ملكوت الله بدلاً من الغني.
- وربما الأهم من ذلك، أن معظم الأغنياء هم أشخاص ناجحين. فقد اشتغلوا بجهد، والنتيجة صاروا أغنياء. فمن السهل جداً بالنسبة لهم أن يعتقدوا أن الخلاص وعلاقتهم بالرب هي أيضاً مسألة تتطلب جهد وعمل، بينما هي في الحقيقة مسأله تتعلق بالقبول المتواضع.
- مُرُورُ جَمَل مِنْ ثَقْبِ إِبْرَةٍ أَيْسَرُ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ: الخلاص بالنسبة للإنسان يشبه مرور جمل من ثقب إبرة. ولكن هذا ممكن مع الله.
- “كان الجمل من أكبر الحيوانات الموجودة في فلسطين. إن المقارنة بين أكبر حيوان وأصغر فتحة تعبر عما هو مستحيل أو سخيف من الناحية الإنسانية.” لاين (Lane)
- “لقد بذلت محاولات كثيرة لتفسير كلمات يسوع عن الجمل وثقب الإبرة: وقالوا أنه يتكلم عن محاولة دخول الجمل عبر بوابة صغيرة أو أن كلمة جمل في اليونانية الأصلية تعني ’حبل‘ وليس ’جمل.‘ ولكن هذه ’التفسيرات‘ مضللة. فقد أساؤوا فهم المعنى الذي قصده يسوع عندما استخدم توضيحاً طريفاً.” موريس (Morris)
- لأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ عِنْدَ اللهِ: غير أن نعمة الله تكفي لتخلص هذا الشاب الغني، ومثال على ذلك كتابياً، أشخاص مثل زكا ويوسف الرامي وبرنابا وكثيرون غيرهم عبر التاريخ.
د ) الآيات (٢٨-٣١): مكافأة المؤمنين وحل مشكلة الغِنى
٢٨وَابْتَدَأَ بُطْرُسُ يَقُولُ لَهُ: «هَا نَحْنُ قَدْ تَرَكْنَا كُلَّ شَيْءٍ وَتَبِعْنَاكَ». ٢٩فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَيْسَ أَحَدٌ تَرَكَ بَيْتًا أَوْ إِخْوَةً أَوْ أَخَوَاتٍ أَوْ أَبًا أَوْ أُمًّا أَوِ امْرَأَةً أَوْ أَوْلاَدًا أَوْ حُقُولاً، لأَجْلِي وَلأَجْلِ الإِنْجِيلِ، ٣٠إِلاَّ وَيَأْخُذُ مِئَةَ ضِعْفٍ الآنَ فِي هذَا الزَّمَانِ، بُيُوتًا وَإِخْوَةً وَأَخَوَاتٍ وَأُمَّهَاتٍ وَأَوْلاَدًا وَحُقُولاً، مَعَ اضْطِهَادَاتٍ، وَفِي الدَّهْرِ الآتِي الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ. ٣١وَلكِنْ كَثِيرُونَ أَوَّلُونَ يَكُونُونَ آخِرِينَ، وَالآخِرُونَ أَوَّلِينَ».
- «هَا نَحْنُ قَدْ تَرَكْنَا كُلَّ شَيْءٍ وَتَبِعْنَاكَ»: “على النقيض من الشاب الغني، ترك التلاميذ كُلَّ شَيْءٍ وتبعوا يسوع؛ فما هي المكافأة؟ من الطبيعي أن يأتي سؤال كهذا من بطرس، فهذا يناسبه تماماً.
- بالطبع سيحظى التلاميذ بتكريم خاص. فسيكون لهم مكانة خاصة فترة الحكم الألفي، ربما من الناحية الإدارية. كما سيحظى التلاميذ بشرف أن تبنى عليهم الكنيسة (أفسس ٢٠:٢)، وسينالون تقديراً خاصاً في أورشليم الجديدة (رؤيا يوحنا ١٤:٢١).
- لَيْسَ أَحَدٌ تَرَكَ بَيْتًا أَوْ إِخْوَةً … إِلاَّ وَيَأْخُذُ مِئَةَ ضِعْفٍ: سيكون هناك شرف عظيم لكل من بذل نفسه من أجل خاطر يسوع. فكل ما قدم إلى يسوع سيرجع مئة ضعف بالإضافة إلى الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ.
- لا بد أن جملة مِئَةَ ضِعْفٍ ليست حرفية. وإلا لوعد يسوع بمئة ضعفٍ من الأمهات والزوجات.
- وَلكِنْ كَثِيرُونَ أَوَّلُونَ يَكُونُونَ آخِرِينَ، وَالآخِرُونَ أَوَّلِينَ: كان هذا التصريح ملائماً تماماً لمكافأة الرسل. فكل من ضحى من أجل الرب سوف يكافأ، لكن طريق الله وتوقيته للمكافأة قد لا يتناسبان مع طريق الشخص وتوقيته. فعندما يكافئ الله، توقع ما هو غير متوقع.
- بينما يستمر النص في متى ١:٢٠-١٦، قال لهم يسوع مَثَلُ عُمَّالِ الكَرْم – وهو مثال قوي لحق الله وقدرته على المكافأة بطرق غير عادية ولكنها عادلة باستمرار.
- “فعند تقديم الحساب في النهاية، سنجد أنه لم يخسر كل من تخلى عن شيء من أجل الرب يسوع المسيح، مع أنه يملك طريقته الخاصة في تحديد من سيكون الأول ومن سيكون الأخير.” سبيرجن (Spurgeon)
هـ) الآيات (٣٢-٣٤): يعلن يسوع ثانية عن المصير الذي سيواجهه في أورشليم
٣٢وَكَانُوا فِي الطَّرِيقِ صَاعِدِينَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَيَتَقَدَّمُهُمْ يَسُوعُ، وَكَانُوا يَتَحَيَّرُونَ. وَفِيمَا هُمْ يَتْبَعُونَ كَانُوا يَخَافُونَ. فَأَخَذَ الاثْنَيْ عَشَرَ أَيْضًا وَابْتَدَأَ يَقُولُ لَهُمْ عَمَّا سَيَحْدُثُ لَهُ: ٣٣«هَا نَحْنُ صَاعِدُونَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَابْنُ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، فَيَحْكُمُونَ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ، وَيُسَلِّمُونَهُ إِلَى الأُمَمِ، ٣٤فَيَهْزَأُونَ بِهِ وَيَجْلِدُونَهُ وَيَتْفُلُونَ عَلَيْهِ وَيَقْتُلُونَهُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ».
- وَكَانُوا يَتَحَيَّرُونَ… وكَانُوا يَخَافُونَ: مع اقترابهم من أورشليم، شعر التلاميذ بخطورة مهمتهم. فكان يسوع رجلاً مطلوباً للعدالة، ومع ذلك كان يَتَقَدَّمُهُمْ. لذلك، تحير التلاميذ من شجاعة يسوع وخافوا من المصير الذي ينتظرهم في أورشليم.
- لا يفكر معظمنا كثيراً بشجاعة يسوع. ولكن عدم تردده في مواجهة مصيره في الجلجثة وسيره أمام التلاميذ هكذا تطلب شجاعة كبيرة. كانت شجاعة يسوع مذهلة بالمقارنة مع جُبن المؤمنين المستمر وخوفهم من الدفاع عنه. لكنه لم يكن خائفاً في الدفاع عنا.
- وَفِيمَا هُمْ يَتْبَعُونَ كَانُوا يَخَافُونَ: في الوقت ذاته، كان على التلاميذ أن يستمروا في اتباع يسوع. صحيح أنهم كانوا خائفين، ولكنهم مع ذلك استمروا في اتباعه.
- فَيَحْكُمُونَ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ، وَيُسَلِّمُونَهُ إِلَى الأُمَمِ: لقد سبق يسوع وأخبر تلاميذه أنه سيصلب ويقوم ثانية في اليوم الثالث (>مرقس ٣١:٨). ولكنها المرة الأولى التي يعلن فيها أنهم سيُسَلِّمُونَهُ إِلَى الأُمَمِ. وكان إهانة وخيانة أكثر.
- “تكشف فكرة أنهم سيسلمونه إلى الأمم عن أنه سوف يحتقر ويُذل من خاصته، لأنّ الأمم هم آخر الناس الذين ينبغي أن يسلم إليهم مسيح الرب.” لاين (Lane)
- فَيَهْزَأُونَ بِهِ وَيَجْلِدُونَهُ وَيَتْفُلُونَ عَلَيْهِ وَيَقْتُلُونَهُ: ذكر يسوع بشكل خاص عار معاناته. لقد عانى يسوع أقصى أنواع الإهانة في موته، وكان هذا تعبيراً عن محبته لنا.
- هذه المشاركة عن الإهانة التي سيتعرض لها كانت العلامة التي ميزت الكنيسة الأولى وكانت برهاناً على التزامها وقوتها. نقرأ في أعمال الرسل ٤١:٥ “وَأَمَّا هُمْ فَذَهَبُوا فَرِحِينَ مِنْ أَمَامِ الْمَجْمَعِ، لأَنَّهُمْ حُسِبُوا مُسْتَأْهِلِينَ أَنْ يُهَانُوا مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ. لا يعني هذا أن التلاميذ فرحوا بالإهانة من أجل اسمه، لأن يسوع نفسه لم يفرح بها (عبرانيين ٢:١٢). بل كانوا فرحين لأنهم تشاركوا مع آلام المسيح ولأنهم حسبوا مستأهلين أن يهانوا من أجله إن اضطروا لذلك.
ثالثاً. العظمة الحقيقية في ملكوت الله
أ ) الآيات (٣٥-٣٧): يعقوب ويوحنا يطلبان مكانة خاصة
٣٥وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ يَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا ابْنَا زَبْدِي قَائِلَيْنِ: «يَا مُعَلِّمُ، نُرِيدُ أَنْ تَفْعَلَ لَنَا كُلَّ مَا طَلَبْنَا». ٣٦فَقَالَ لَهُمَا: «مَاذَا تُرِيدَانِ أَنْ أَفْعَلَ لَكُمَا؟» ٣٧فَقَالاَ لَهُ: «أَعْطِنَا أَنْ نَجْلِسَ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِكَ وَالآخَرُ عَنْ يَسَارِكَ فِي مَجْدِكَ».
- «أَعْطِنَا أَنْ نَجْلِسَ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِكَ وَالآخَرُ عَنْ يَسَارِكَ فِي مَجْدِكَ»: بالرغم من كلامه المستمر عن آلامه القادمة، لا زال التلاميذ يعتقدون أنه عندما يصل يسوع إلى أورشليم، سيقيم مملكة سياسية. لذا قام كل من يعقوب ويوحنا بطلب مناصب عالية في مملكة يسوع التي توقعوا تأسيسها قريباً.
- كانت المكانة الأولى هي الجلوس عن يمين يسوع، والثانية عن يساره (ملوك الأول ١٩:٢، مزمور ١:١١٠). طلبوا أكثر مكانين مرموقين في مملكة يسوع.
- «يَا مُعَلِّمُ، نُرِيدُ أَنْ تَفْعَلَ لَنَا كُلَّ مَا طَلَبْنَا»: كان هذا بلا شك موضوع الحديث الرئيسي المتواصل بين التلاميذ. فكثيراً ما كانوا يتحاججون بعضهم مع بعض في من هو الأعظم (مرقس ٣٣:٩-٣٤). كان كل من يعقوب ويوحنا واثقين تماماً أنهما سيكونا الأعظم، لهذا طلبوا من يسوع أن يؤكد هذا من خلال تعيينهم في مناصب عليا الآن.
ب) الآيات (٣٨-٤١): رد يسوع: فكروا بتقديم الذات لا تمجيدها
٣٨فَقَالَ لَهُمَا يَسُوعُ: «لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مَا تَطْلُبَانِ. أَتَسْتَطِيعَانِ أَنْ تَشْرَبَا الْكَأْسَ الَّتِي أَشْرَبُهَا أَنَا، وَأَنْ تَصْطَبِغَا بِالصِّبْغَةِ الَّتِي أَصْطَبغُ بِهَا أَنَا؟» ٣٩فَقَالاَ لَهُ: «نَسْتَطِيعُ». فَقَالَ لَهُمَا يَسُوعُ: «أَمَّا الْكَأْسُ الَّتِي أَشْرَبُهَا أَنَا فَتَشْرَبَانِهَا، وَبَالصِّبْغَةِ الَّتِي أَصْطَبغُ بِهَا أَنَا تَصْطَبِغَانِ. ٤٠وَأَمَّا الْجُلُوسُ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ يَسَارِي فَلَيْسَ لِي أَنْ أُعْطِيَهُ إِلاَّ لِلَّذِينَ أُعِدَّ لَهُمْ». ٤١وَلَمَّا سَمِعَ الْعَشَرَةُ ابْتَدَأُوا يَغْتَاظُونَ مِنْ أَجْلِ يَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا.
- لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مَا تَطْلُبَانِ: بما أن يعقوب ويوحنا لا يزالان يفكران بطريقة جسدية فيما يتعلق بملكوت الله، لم يكن لديهما أي فكرة ما هو المطلوب ليكونا الأعظم في الملكوت. ولكن السبب لم يكن لأن يسوع لم يخبرهما بالأمر.
- أَتَسْتَطِيعَانِ أَنْ تَشْرَبَا الْكَأْسَ الَّتِي أَشْرَبُهَا أَنَا: هذا ما سيحصل في النهاية، سيشرب كل من يعقوب ويوحنا من الْكَأْسَ وسوف يصْطَبِغَان (يغوصان) في الألم، ولكن بطرق مختلفة.
- كان يعقوب أول شهيد بين الرسل (أعمال الرسل ١:١٢-٢). ووفقاً لتاريخ الكنيسة، لم يستشهد يوحنا، رغم أنه نجا من محاولة القتل عن طريق وضعه في وعاء من الزيت المغلي (وفقاً لتاريخ الكنيسة الموثق).
- “كان الاستخدام اليوناني الشائع لكلمة الصِّبْغَةِ أو المعمودية هو أن يغوص المرء في الآلام أو الخطر، وهو الاستخدام المجازي المماثل في الكتاب المقدس” لاين (Lane). وهناك مقاطع كتابية مثل مزمور ٧:٤٢، ٣:٩٣، ٢:٦٩ تعكس هذه الفكرة.
- أَمَّا الْكَأْسُ الَّتِي أَشْرَبُهَا أَنَا فَتَشْرَبَانِهَا: ربما عندما قال يسوع هذا الكلام ارتسمت ابتسامة عريضة على وجه كل من يعقوب ويوحنا. فقد ظنوا أنهم فازوا بشيء ما، وكذلك فعل التلاميذ الباقين (وَلَمَّا سَمِعَ الْعَشَرَةُ ابْتَدَأُوا يَغْتَاظُونَ مِنْ أَجْلِ يَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا). ولكني لا اعتقد أن يسوع ابتسم لأنه عرف تماماً عن المعمودية التي كانوا يطلبانها. كان يعلم أنها معمودية الآلام.
ج) الآيات (٤٢-٤٥): وصف يسوع للعظمة الحقيقية
٤٢فَدَعَاهُمْ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِينَ يُحْسَبُونَ رُؤَسَاءَ الأُمَمِ يَسُودُونَهُمْ، وَأَنَّ عُظَمَاءَهُمْ يَتَسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ. ٤٣فَلاَ يَكُونُ هكَذَا فِيكُمْ. بَلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَصِيرَ فِيكُمْ عَظِيمًا، يَكُونُ لَكُمْ خَادِمًا، ٤٤وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَصِيرَ فِيكُمْ أَوَّلاً، يَكُونُ لِلْجَمِيعِ عَبْدًا. ٤٥لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ أَيْضًا لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ».
- تَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِينَ يُحْسَبُونَ رُؤَسَاءَ الأُمَمِ يَسُودُونَهُمْ: لقد أظهرت رغبتهم في المكانة والمركز أنهم لم يعرفوا طبيعة يسوع بعد، خاصة فيما يتعلق بالقيادة والسلطة. فأولئك الذين يمارسون الصلاحية أو السلطة في الكنيسة اليوم وكأنهم “يسودون” على الجميع، لا يفهمون بعد أسلوب يسوع في القيادة والحياة.
- إن عبارة: فَلاَ يَكُونُ هكَذَا فِيكُمْ: ما هي إلا توبيخ لاذع للطريقة التي تنظر بها الكنيسة الحديثة إلى العالم من حيث الفحوى والأسلوب. ولكن على الكنيسة ألا تدير شؤونها كما يفعل العالم.
- بَلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَصِيرَ فِيكُمْ عَظِيمًا، يَكُونُ لَكُمْ خَادِمًا: في ملكوت الله، لا تمثل المكانة والمال والشعبية المتطلبات الأساسية للقيادة، بل المطلب الأعظم والوحيد هو الخدمة المتواضعة، على مثال خدمة يسوع.
- لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ أَيْضًا لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ: الخدمة الحقيقية تعمل لمصلحة أولئك الذين يُخدمون، وليس لمصلحة الخادم. فكثيرين يخدمون لتحقيق مكاسب شخصية (مادية أو عاطفية) من شعبهم بدلاً مما يمكن أن يقدموه لهم.
- وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ: هذه من أعظم الإعلانات التي قالها يسوع عن نفسه وعن خدمته. فهو الذي يقف مكان الخطاة ويقدم نفسه كبديل عنهم.
- إن تعبير ’الفدية‘ المجازي يلخص الهدف الذي من أجله قدم يسوع حياته ويعبر عن خدمته. فالمفهوم السائد وراء هذا التعبير هو تخليص الشخص وتحريره عن طريق الشراء، سواء كان ذلك أسير حرب أو عبد. ولأن فكرة التكافؤ أو الاستبدال كانت مناسبة لمفهوم الفدية، أصبحت عنصراً ملازماً لمفردات الفداء في العهد القديم، فهي تتحدث عن التحرير من العبودية أو السجن الذي لا يستطيع الإنسان أن يحصل عليه بنفسه.” لاين (Lane)
د ) الآيات (٤٦-٥٢): شفاء رجل أعمى على الطريق إلى أورشليم
٤٦وَجَاءُوا إِلَى أَرِيحَا. وَفِيمَا هُوَ خَارِجٌ مِنْ أَرِيحَا مَعَ تَلاَمِيذِهِ وَجَمْعٍ غَفِيرٍ، كَانَ بَارْتِيمَاوُسُ الأَعْمَى ابْنُ تِيمَاوُسَ جَالِسًا عَلَى الطَّرِيقِ يَسْتَعْطِي. ٤٧فَلَمَّا سَمِعَ أَنَّهُ يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ، ابْتَدَأَ يَصْرُخُ وَيَقُولُ: «يَا يَسُوعُ ابْنَ دَاوُدَ، ارْحَمْنِي!» ٤٨فَانْتَهَرَهُ كَثِيرُونَ لِيَسْكُتَ، فَصَرَخَ أَكْثَرَ كَثِيرًا: «يَا ابْنَ دَاوُدَ، ارْحَمْنِي!». ٤٩فَوَقَفَ يَسُوعُ وَأَمَرَ أَنْ يُنَادَى. فَنَادَوُا الأَعْمَى قَائِلِينَ لَهُ: «ثِقْ! قُمْ! هُوَذَا يُنَادِيكَ». ٥٠فَطَرَحَ رِدَاءَهُ وَقَامَ وَجَاءَ إِلَى يَسُوعَ. ٥١فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ بِكَ؟» فَقَالَ لَهُ الأَعْمَى: «يَا سَيِّدِي، أَنْ أُبْصِرَ!». ٥٢فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «اذْهَبْ. إِيمَانُكَ قَدْ شَفَاكَ». فَلِلْوَقْتِ أَبْصَرَ، وَتَبِعَ يَسُوعَ فِي الطَّرِيقِ.
- فَصَرَخَ أَكْثَرَ كَثِيرًا: «يَا ابْنَ دَاوُدَ، ارْحَمْنِي!»: لم يتمتع بَارْتِيمَاوُسُ الأَعْمَى بالكثير من اللباقة، لكنه كان مثابراً. حاول الناس إسكاته، لكنهم لم يستطيعوا لأنه أراد فعلاً لمسة من يسوع.
- إن المثابرة والحيوية في صلاة بارتيماوس هي مثال جيد للصلاة. لم يحبط لأنه ما من أحد قادة إلى يسوع. ولم يدع أولئك الذين طلبوا منه الابتعاد أن يثبطوا عزيمته.
- “اِمسك بوابات السماء وهزها بكل قوتك، وكأنك ستخلعها من أساساتها. وقف عند باب الرحمة، ولا تقبل بالرفض. إقرع وإقرع وإقرع ثانية، حتى لو اهتز الكون بأكمله، إلى أن يستمع لصراخك. ’اطرق باب ملكوت السماوات بكل قوتك، فالقوي ينال ما يريد.‘ فالصلوات الباردة لن تصل إلى أذني الله ولن يستجب لها. لذا عليك أن تضرب بكل عزيمتك وأن ترسل سهامك إلى أعلى نقطة ممكنة.” سبيرجن (Spurgeon)
- ارْحَمْنِي!: عرف الأعمى ماذا يريد من يسوع: رحمة. لم يأتي معتقداً أن الله مدين له. كل ما تمناه من يسوع هو الرحمة.
- «مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ بِكَ؟»: يبدو أن احتياج بارتيماوس كان واضحاً جداً. ومع ذلك، كان لدى يسوع هدف واضح من السؤال. فهناك قوة حقيقية في كل من سؤال وجواب يسوع. قد يسألنا الله نفس السؤال، وينبغي علينا أن نكون قادرين على تقديم إجابة تمجده.
- «يَا سَيِّدِي، أَنْ أُبْصِرَ!»: التعبير ’يَا سَيِّدِي‘ (ربوني) هو: “تشديد على كلمة ’رباي‘ (المعلم اليهودي) وتعني ’يا سيدي‘ أو ’يا مولاي‘” لاين (Lane). أعرب بارتيماوس بهذه الكلمات عن خشوعه الكامل ليسوع.
- إن طلبة بارتيماوس المحددة هي مثال جيد لصلواتنا. إن كلمة “ارْحَمْنِي” طلبة عامة، ولكن انتقلت صلاته من الطلبة العامة إلى المحددة عندما قال: «يَا سَيِّدِي، أَنْ أُبْصِرَ!».
- “تأكد أن هذه من أفضل الصلوات بجميع جوانبها، وإن رفعت بكل مثابرة وإخلاص، ستحقق الهدف دوماً. أنت تعرف أن هناك طريقة للصلاة في مخدعك، وأخرى مع الأسرة، حيث لا تطلب شيئاً، بل تصلي مستخدماً كلمات منمقة، وتقدم الكثير من خبرتك، وتراجع كل عقيدة النعمة بتمعن شديد، ولكنك لا تطلب شيئاً محدداً. مثل هذه الصلاة لا تسترعي الانتباه، واعتقد أنها مملة حتى لمن يصليها.” سبيرجن (Spurgeon)
- «اذْهَبْ. إِيمَانُكَ قَدْ شَفَاكَ»: إيمان الرجل الأعمى خلصه لأنه إيمانه كان من نوع خاص.
- كان إيماناً عازماً على الوصول إلى يسوع (فَصَرَخَ أَكْثَرَ كَثِيرًا).
- كان إيماناً يعرف حقيقة يسوع (ابْنَ دَاوُدَ).
- جاء بالإيمان إلى يسوع بكل تواضع (ارْحَمْنِي).
- كان إيماناً خاضعاً بالكامل إلى يسوع (يَا سَيِّدِي).
- كان الإيمان هو الذي أخبر يسوع عما يريد (أَنْ أُبْصِرَ).
- فَلِلْوَقْتِ أَبْصَرَ، وَتَبِعَ يَسُوعَ: بعد أن نال بارتيماوس الأعمى الشفاء والخلاص، تَبِعَ يَسُوعَ. وصار طريق يسوع هو طريقه. وكان هذا مهماً بشكل خاص عندما نفكر في المكان الذي كان ذاهب إليه يسوع في هذا الوقت – إلى أورشليم حيث الصليب ينتظره.
- طلب يسوع من بارتيماوس أولاً أن يذهب في طريقه، ولكن بارتيماوس لم يفعل ذلك، بل تَبِعَ يَسُوعَ. وجعل طريق يسوع طريقه، وصار يتبعه. ربما فكر بارتيماوس بهذه الطريقة: “الآن بما أنني صرت أبصر، أريد أن أرى يسوع دائماً.”
- “ارفعُ طلبتي إلى ابن داود الآن ولن أضيع لحظة؛ فالعظيم سيمر من هنا، وغالباً لن تأتي فرصة أخرى أفضل من هذه.” كلارك (Clarke)