إنجيل مرقس – الإصحاح ١٥
صلب يسوع المسيح
أولاً. المحاكمة أمام بيلاطس
أ ) الآيات (١-٥): المثول الأول أمام بيلاطس
١وَلِلْوَقْتِ فِي الصَّبَاحِ تَشَاوَرَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخُ وَالْكَتَبَةُ وَالْمَجْمَعُ كُلُّهُ، فَأَوْثَقُوا يَسُوعَ وَمَضَوْا بِهِ وَأَسْلَمُوهُ إِلَى بِيلاَطُسَ. ٢فَسَأَلَهُ بِيلاَطُسُ: «أَأَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟» فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُ: «أَنْتَ تَقُولُ». ٣وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ يَشْتَكُونَ عَلَيْهِ كَثِيرًا. ٤فَسَأَلَهُ بِيلاَطُسُ أَيْضًا قِائِلاً: «أَمَا تُجِيبُ بِشَيْءٍ؟ اُنْظُرْ كَمْ يَشْهَدُونَ عَلَيْكَ!» ٥فَلَمْ يُجِبْ يَسُوعُ أَيْضًا بِشَيْءٍ حَتَّى تَعَجَّبَ بِيلاَطُسُ.
- تَشَاوَرَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخُ وَالْكَتَبَةُ وَالْمَجْمَعُ كُلُّهُ: كانت هذه المحاكمة الرسمية ليسوع أمام السنهدريم الموصوفة في لوقا ٦٦:٢٢-٧١.
- عقدت هذه المحاكمة لِلْوَقْتِ فِي الصَّبَاحِ لسبب وجيه. “فالاهتمام بتسليم يسوع إلى بيلاطس في الصباح الباكر هو مؤشر هام على حرصهم على اتباع التقليد التاريخي. إذ كان من الضروري للسنهدريم أن يعرضوا قضاياهم لبيلاطس مباشرة بعد طلوع الفجر لأن عمل المسؤول الروماني كان يبدأ عادة في الصباح الباكر. وكانت المحاكم القانونية الرومانية تنعقد عادة بعد وقت قصير من شروق الشمس.” لاين (Lane)
- وَأَسْلَمُوهُ إِلَى بِيلاَطُسَ: أخذ القادة اليهود يسوع إلى بيلاطس لأنهم لا يملكون الحق قانونياً لتنفيذ حكم الإعدام بالمجرمين.
- تجاهل اليهود أحياناً هذه القوانين وقاموا بإعدام أولئك الذين اعتبروهم مجرمين، ومثال على ذلك رجم اسْتِفَانُوسَ (أعمال ٥٧:٧-٦٠). ومع ذلك لم يتولوا الأمور بأنفسهم في قضية يسوع لأنهم عرفوا أنه كان محبوباً من الجموع، وإن أعدمه بيلاطس، فسوف يبعدون أنفسهم عن النتائج السياسية لفعل كهذا.
- وَأَسْلَمُوهُ إِلَى بِيلاَطُسَ: كان لدى القادة اليهود سبب لتوقع نتيجة مؤاتية عندما أرسلوا يسوع إلى بيلاطس. فالتاريخ يبين أن بيلاطس كان شخصاً قاسياً لا يرحم أحداً ولا يراعي مشاعر الآخرين أبداً، لهذا ظنوا أن بِيلاَطُسَ حتماً سيحكم على يسوع بالموت.
- كان هناك شيء يعمل ضد هذا التوقع. فالتاريخ يخبرنا أن بيلاطس لم يحب اليهود، واعتقد أنهم كانوا أناساً عنيدين ومتمردين. وبما أنه كان يشك في اليهود باستمرار، فقد كان دائماً يشتبه بوجود هدف خفي وراء إحضارهم لسجين للحكم عليه.
- ومع ذلك، قبل أن يتخذ بيلاطس قراراً، كان عليه اتباع الإجراءات المعتادة للمحاكمة. وكان هناك إجراء ثابت للمحاكمات الجنائية، إذ عادة ما كانت المحاكمات عامة.
- يقدم المدعي لائحة اتهام ضد المتهم.
- يفحص القاضي كل من التهمة والمتهم.
- كان المصدران الرئيسيان للأدلة هما أقوال المتهم والأدلة التي قدمها الشهود، سواء في مصلحة المتهم أو ضده.
- عند تقديم كل الأدلة، يعلن مسؤول المحكمة عن توفر الأدلة.
- كان يحق للقاضي عندئذ أن يتشاور مع المستشارين، ثم يعلن حكمه، وكان يتم تنفيذ الحكم على الفور.
- كتب مرقس عن الجزء الثاني من محاكمة يسوع. فقد قدموا أولاً التهم إلى بيلاطس (هذا الرجل مذنب بالخيانة لأنه ادعى أنه ملك اليهود معارضاً بذلك قيصر). لهذا السبب قام بيلاطس بفحص المتهم بسؤاله: «أَأَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟»
- «أَأَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟»: عرف القادة اليهود أنهم إذا أحضروا يسوع إلى بيلاطس بتهمة ادعاء الألوهية، فإن بيلاطس لن يهتم، وكان سيقول: “نحن الرومان لدينا مئات الآلهة. فما الضرر من إله آخر؟” ولكن إن أحضروا يسوع أمام بيلاطس بصفته مَلِكُ الْيَهُودِ، فسيأخذ بيلاطس يسوع على محمل الجد وسيعتبره تهديداً سياسياً، لأنه لا يمكن أن يكون هناك ملك إلا قيصر، وكان بيلاطس ممثلاً لقيصر.
- من سخرية الأمر، أنهم اتهموا يسوع بما رفض تماماً أن يفعله، وهو انتقاد سياسة روما.
- يسوع كان فعلاً ملك اليهود، ولكن ليس بالمعنى السياسي أو العسكري. ولهذا السبب رد يسوع بالإيجاب على سؤال بيلاطس، ولكن إجابته كانت بتحفظ (أَنْتَ تَقُولُ)، ولهذا لم يقدم أي تعليق على الاتهامات التي كانت موجهة ضده (وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ يَشْتَكُونَ عَلَيْهِ كَثِيرًا… فَلَمْ يُجِبْ يَسُوعُ أَيْضًا بِشَيْءٍ). فإن وافق يسوع على كلام بيلاطس دون أي تحفظات، لأعلن بيلاطس على الفور أنه كان مذنباً بتهمة الخيانة ضد روما. ولكن لأن يسوع قدم تلك الإجابة (أَنْتَ تَقُولُ) كان الأمر يستحق المزيد من الفحص.
- يخبرنا لوقا ٢:٢٣ المزيد عن تلك الاتهامات. فقالوا أن يسوع كان يحرض الشعب على أعمال الشغب، وأنه طلب منهم ألا يدفعوا ضرائبهم، وأنه عين نفسه ملكاً ليقود المعارضة السياسية ضد روما. ولكن بيلاطس لم يقتنع بكل هذا، لهذا كرر متهموه وشددوا على التهمة الثالثة: «إِنَّهُ يُهَيِّجُ الشَّعْبَ وَهُوَ يُعَلِّمُ فِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ مُبْتَدِئًا مِنَ الْجَلِيلِ إِلَى هُنَا» (لوقا ٥:٢٣).
- وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ يَشْتَكُونَ عَلَيْهِ كَثِيرًا: “لا بد أن أعضاء السنهدريم رؤوا الابتسامة تعلو وجه بيلاطس بما يعني أنه لم يأخذ كلامهم على محمل الجد.” بروس (Bruce)
- تَعَجَّبَ بِيلاَطُسُ: بلا شك، رأى بيلاطس العديد من الرجال يتوسلونه الرحمة. ولا بد أنه حكم على العديد من الرجال كونه كان حاكماً لمقاطعة رومانية. ولكن كان هناك شيء مختلف في يسوع جعل بيلاطس يتعجب.
- “كان هذا الصمت غير عادي على الإطلاق في مثل هذا النوع من المحاكم، فقد أظهر الصمت شخصية وكرامة حيرت الوالي.” لاين (Lane)
- إن لم يقدم المتهم أي دفاع، كان القانون يقف إلى جانب المدعين. فلم يود القضاة الرومان الحكم على شخص دون دفاع، لكنهم في كثير من الأحيان كانوا مضطرون لذلك.
ب) الآيات (٦-١٥): المثول الثاني أمام بيلاطس
٦وَكَانَ يُطْلِقُ لَهُمْ فِي كُلِّ عِيدٍ أَسِيرًا وَاحِدًا، مَنْ طَلَبُوهُ. ٧وَكَانَ الْمُسَمَّى بَارَابَاسَ مُوثَقًا مَعَ رُفَقَائِهِ فِي الْفِتْنَةِ، الَّذِينَ فِي الْفِتْنَةِ فَعَلُوا قَتْلاً. ٨فَصَرَخَ الْجَمْعُ وَابْتَدَأُوا يَطْلُبُونَ أَنْ يَفْعَلَ كَمَا كَانَ دَائِمًا يَفْعَلُ لَهُمْ. ٩فَأَجَابَهُمْ بِيلاَطُسُ: «أَتُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ مَلِكَ الْيَهُودِ؟». ١٠لأَنَّهُ عَرَفَ أَنَّ رُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ كَانُوا قَدْ أَسْلَمُوهُ حَسَدًا. ١١فَهَيَّجَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ الْجَمْعَ لِكَيْ يُطْلِقَ لَهُمْ بِالْحَرِيِّ بَارَابَاسَ. ١٢فَأجَابَ بِيلاَطُسُ أَيْضًا وَقَالَ لَهُمْ: «فَمَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ أَفْعَلَ بِالَّذِي تَدْعُونَهُ مَلِكَ الْيَهُودِ؟» ١٣فَصَرَخُوا أَيْضًا: «اصْلِبْهُ!» ١٤فَقَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: «وَأَيَّ شَرّ عَمِلَ؟» فَازْدَادُوا جِدًّا صُرَاخًا: «اصْلِبْهُ!» ١٥فَبِيلاَطُسُ إِذْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ لِلْجَمْعِ مَا يُرْضِيهِمْ، أَطْلَقَ لَهُمْ بَارَابَاسَ، وَأَسْلَمَ يَسُوعَ، بَعْدَمَا جَلَدَهُ، لِيُصْلَبَ.
- وَكَانَ يُطْلِقُ لَهُمْ فِي كُلِّ عِيدٍ أَسِيرًا وَاحِدًا: عرف بيلاطس أن يسوع كان بريئاً (سجل لوقا ١٤:٢٣ أن بيلاطس أعلن أنه لَمْ يجِدْ فِي هذَا الإِنْسَانِ عِلَّةً). لكنه مع ذلك كان يواجه أزمة سياسية. إذ كان يقف أمام خيارين: إما أن يفعل الصواب (يحرر الرجل البريء) أو يفعل ما هو مناسب سياسياً (تنفيذ حكم الإعدام برجل يتهمه اليهود بالخيانة).
- بالإضافة إلى ذلك، لم يكن بيلاطس صديقاً لليهود، وكان قادراً على تمييز خداعهم، وكان يعرف أَنَّ رُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ كَانُوا قَدْ أَسْلَمُوهُ حَسَدًا. كل هذا زاد من رغبة بيلاطس في إيجاد طريقة لتحرير يسوع.
- فَصَرَخَ الْجَمْعُ وَابْتَدَأُوا يَطْلُبُونَ: لم يعجب هذا الْجَمْعُ أو يثق في بيلاطس على الإطلاق (كان معظم الزوار ينامون في الحقول (لوقا ٢١:١٥) ولم يعتادوا الذهاب إلى مدينة أورشليم في هذا الوقت المبكر من الصباح). فعندما اقترح الإفراج عن واحد من اثنين من السجناء، اختاروا على الفور الشخص الآخر، بهدف معارضة قرار القاضي. فالأمر بالنسبة للحشد كان بسيطاً جداً: قال السنهدريم أن على يسوع أن يموت، لكنه لم يقل شيئاً عن باراباس، وقال القاضي الروماني بأن يسوع كان بريئاً ويجب إطلاق سراحه وأنه يجب إعدام باراباس، فكان من الطبيعي أن ينحاز الجمع إلى السنهدريم ضد القاضي الروماني.
- “إن تساءل أحدهم لماذا انقلب الجمع ضده، قد يتذكر أن هذا الجمع لم يكن هو نفس الجمع الذي تبعه وقت الدخول الانتصاري وفي الهيكل. فقد خطط يهوذا لكل هذا قبل أن يستيقظ الجليليون المتعاطفون مع يسوع.” روبرتسون (Robertson)
- «أَتُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ مَلِكَ الْيَهُودِ؟»: اعتقد بيلاطس في خضم هذا أنه وجد طريقة لفعل الصواب دون أن يدفع الثمن. اعتقد بيلاطس أن يسوع قد ينجو من الموت إن أطلق سراحه وفقاً لعادته في إطلاق سراح سجين في عيد الفصح.
- فكر بيلاطس كالتالي: “إن ادعى هذا الرجل أنه ملك، حتى وإن كان معادياً لروما حتى ولو بنسبة بسيطة، فحينئذ سيحبه الجمع. فالقادة اليهود لا يريدون أن يطلق سراح يسوع، لكن الجمع كان لا يزال متعاطفاً معه.”
- كان مشهداً غريباً: والٍ روماني قاسٍ لا يرحم يحاول إنقاذ حياة رجل يهودي يصنع المعجزات في مواجهة مع ارادة قادة اليهود والجمع.
- فَصَرَخُوا أَيْضًا: «اصْلِبْهُ!»: كان بيلاطس مقتنعاً أن الجمع سيطلب إطلاق سراح يسوع، ولكنهم بدلاً من ذلك اختاروا بَارَابَاسَ مُوثَقًا مَعَ رُفَقَائِهِ فِي الْفِتْنَةِ. تعني كلمة ’الْفِتْنَةِ‘ عادة ’إرهابيين.‘ فالتهمة الموجهة لباراباس بأنه عدو سياسي لروما كانت حقيقية، ليس كالتهمة الزور التي وجهوها ليسوع.
- «فَمَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ أَفْعَلَ بِالَّذِي تَدْعُونَهُ مَلِكَ الْيَهُودِ؟»: ربما أمل بيلاطس أن يرضى الجمع بعقوبة أقل – أن يضرب يسوع ثم يطلق سراحه. لكنه تفاجأ حتماً وارتعب حينما ازداد صراخهم جداً قائلين: «اصْلِبْهُ!».
- رفض الجمع يسوع وتمسكوا باراباس – الذي يعني اسمه “ابن الأب” وكان قاطع طريق وقاتلاً. لقد قبل الجمع ابن الأب المزيف.
- أفضل من يمكنه أن يقول: ’مات يسوع من أجلي‘ هو بَارَابَاسَ إذ كان يعرف تماماً ما يعني أن يموت يسوع بدلاً عنه، البريء مكان المذنب.
- فَازْدَادُوا جِدًّا صُرَاخًا: «اصْلِبْهُ!»: كان بيلاطس في موقف خطير. إذ بدأ الجمع يثور، ولم يكن هذا من مصلحته، فحدوث الشغب كان من أكثر الأمور التي كانت ستوقعه في مشاكل مع رؤسائه الرومان. وبسبب إلحاح كل من الجمع والحكام اليهود على قتل يسوع، لم يشأ بيلاطس معارضتهما، وهكذا بدأ بتنفيذ عملية الإعدام مبتدئاً بجلد يسوع.
- حتى قبل أن يجلد يسوع، كان جسده متعباً. ويمكننا أن نفترض أن يسوع كان في حالة بدنية جيدة حتى ليلة القبض عليه. “قسوة الخدمة (أي السير على الأقدام في جميع أنحاء فلسطين) كان من شأنه أن يمنع أي مرض أو ضعف.” (د. ويليام إدواردز وآخرين في مجلة الجمعية الطبية الأمريكية، ٢١ مارس ١٩٨٦).
- بالإضافة إلى حالة يسوع الحالية كان هناك رعب الجلد. إذ كان الهدف من الجلد إضعاف الضحية لدرجة الانهيار ثم الموت. “وبينما كان الجنود الرومان يجلدون الضحية بكامل قوتهم، كانت الكرات الحديدية تحدث كدمات قوية بينما سيور الجلد وقطع العظام تغور في ظهر المحكوم وتنزع جلده. وباستمرار الجلد، كانت العضلات تتمزق ويحدث نزيف. ثم يدخل الجسم في حالة من الصدمة بسبب الألم والزيف. وكانت حدة النزيف تحدد مدة بقاء الضحية على قيد الحياة.” إدواردز (Edwards)
- “الضرب الشديد والألم والنزيف ترك يسوع على الأغلب في حالة ما قبل الصدمة، وجعل جلده في حالة دامية حساسة للمس. فالإساءة الجسدية والعقلية من قبل اليهود والرومان ونقص الطعام والماء والنوم، كل هذا ساهم في إضعافه جسدياً. وبالتالي، حتى قبل الصلب، كانت حالة يسوع الجسدية خطيرة وحرجة.” إدواردز (Edwards)
- لِيُصْلَبَ: “كان ينبغي أن يتم النطق بالحكم بموجب القانون الروماني، ويمكن الافتراض أن بيلاطس استخدم الجمل التقليدية، مثل: ’ستعلق على صليب‘ أو ’أسلمك إلى الصلب‘ (abi in crucem).” لاين (Lane)
ثانياً. إذلال وموت يسوع
أ ) الآيات (١٦-٢٠): يسوع يتعرض للضرب والسخرية
١٦فَمَضَى بِهِ الْعَسْكَرُ إِلَى دَاخِلِ الدَّارِ، الَّتِي هِيَ دَارُ الْوِلاَيَةِ، وَجَمَعُوا كُلَّ الْكَتِيبَةِ. ١٧وَأَلْبَسُوهُ أُرْجُوَانًا، وَضَفَرُوا إِكْلِيلاً مِنْ شَوْكٍ وَوَضَعُوهُ عَلَيْهِ، ١٨وَابْتَدَأُوا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ قَائِلِينَ: «السَّلاَمُ يَا مَلِكَ الْيَهُودِ!» ١٩وَكَانُوا يَضْرِبُونَهُ عَلَى رَأْسِهِ بِقَصَبَةٍ، وَيَبْصُقُونَ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَسْجُدُونَ لَهُ جَاثِينَ عَلَى رُكَبِهِمْ. ٢٠وَبَعْدَمَا اسْتَهْزَأُوا بِهِ، نَزَعُوا عَنْهُ الأُرْجُوانَ وَأَلْبَسُوهُ ثِيَابَهُ، ثُمَّ خَرَجُوا بِهِ لِيَصْلِبُوهُ.
- وَأَلْبَسُوهُ أُرْجُوَانًا، وَضَفَرُوا إِكْلِيلاً مِنْ شَوْكٍ: كان الملك في تلك الأيام يلبس رداءاً أرجوانياً وإكليلاً مصنوعاً من أوراق الشجر المذهبة. فكان الهدف من اللباس الأرجواني وإكليل الشوك السخرية من هذه الممارسة الشائعة.
- “ربما كانت تلك عباءة عسكرية قرمزية اللون أو قطعة قماش قديمة باهتة لكنها توحي باللون الأرجواني الملكي.” وييزيل (Wessel)
- وَابْتَدَأُوا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ قَائِلِينَ: «السَّلاَمُ يَا مَلِكَ الْيَهُودِ!»: كان من الشائع تحية الإمبراطور بصرخة: ’عاش قيصر!‘ (Ave Caesar!)، ولكن قام هؤلاء المستهزئين بتحويل التحية إلى «السَّلاَمُ يَا مَلِكَ الْيَهُودِ!».
- وَكَانُوا يَضْرِبُونَهُ: يبدو من إنجيل متى ٢٩:٢٧ أن الجنود أعطوا يسوع القَصَبَة أولاً – عصا – ليحملها وكأنها صولجان ملوكي. ثم أخذوا القصبة من يده وضربوه فيها على رأسه، محدثين المزيد من الألم ليسوع.
- علينا أن نتفهم مستوى التوتر الذي كان يشعر به الجنود الرومان خلال عيد الفصح، ففي هذا الموسم تزداد التوقعات بمجيء المسيا بين الشعب اليهودي ويزداد احتمال وقوع أعمال الشغب. فالسخرية من رجل مصاب ينزف وضربه كانت طريقتهم في التخفيف من توترهم.
- كان السجود (يَسْجُدُونَ لَهُ) علامة احترام تقدم عادة للملوك. وبدلاً من القبلة التي تعتبر عن الاحترام الشديد، كانوا يَبْصُقُونَ عَلَيْهِ. وربما أفضل ترجمة لجملة وَيَبْصُقُونَ عَلَيْهِ هو استمرارهم في هذا الفعل دون توقف.
- “انظروا ذلك الرداء القرمزي، كان إزدراءاً بالرداء الأرجواني الذي يلبسه الملوك عادة … انظروا أيضاً إلى التاج الذي كان على رأسه، كان مرصعاً بالياقوت، لكن الياقوت تشكل من قطرات دمه التي نزفت من الأشواك التي انغرست في رأسه. انظروا التكريم الذي قدموه له: كان تكريمهم هو بصاقهم القذر الذي كان ينزل على خديه باستمرار. سجدوا له بالفعل ولكن بسخرية. وحيوه بهتاف: ’عاش ملك اليهود‘ لكنهم قالوها بإزدراء. فهل هناك حزن كهذا؟” سبيرجن (Spurgeon)
- ثُمَّ خَرَجُوا بِهِ لِيَصْلِبُوهُ: بعد ضرب المُدان، كان يُجبر على السير في موكب يقوده قائد المئة راكباً حصان ومنادياً للملأ بجريمة المُدان. كانت تلك طريقة روما في الإعلان عن الصلب، وأيضاً وسيلتهم لتحذير الناس من العصيان ضد روما.
- هذا الموكب هو ما كان يسوع يشير إليه عندما طلب من الناس أن يحملوا الصليب ويتبعوه (مرقس ٣٤:٨).
ب) الآيات (٢١-٢٣): أخذوا يسوع إلى الجلجثة
٢١فَسَخَّرُوا رَجُلاً مُجْتَازًا كَانَ آتِيًا مِنَ الْحَقْلِ، وَهُوَ سِمْعَانُ الْقَيْرَوَانِيُّ أَبُو أَلَكْسَنْدَرُسَ وَرُوفُسَ، لِيَحْمِلَ صَلِيبَهُ.٢٢وَجَاءُوا بِهِ إِلَى مَوْضِعِ «جُلْجُثَةَ» الَّذِي تَفْسِيرُهُ مَوْضِعُ «جُمْجُمَةٍ». ٢٣وَأَعْطَوْهُ خَمْرًا مَمْزُوجَةً بِمُرّ لِيَشْرَبَ، فَلَمْ يَقْبَلْ.
- لِيَحْمِلَ صَلِيبَهُ: كان على يسوع أن يحمل الخشبة الذي سيعلق عليها إلى مكان الصلب، ككل محكوم بالصلب.
- كان وزن الصليب يصل عادة إلى ١٣٦ كيلو. وكان على المجرم أن يحمل الجزء الأفقي الذي كان يزن ما بين ٣٤ إلى ٥٧ كيلو وكان عادة يجرد من ملابسه وكانت يداه تربط إلى الخشبة.
- كان الجزء العامودي يثبت بشكل دائم في مكان واضح خارج أسوار المدينة بجوار طريق رئيسي. ولا بد أن يسوع، قبل ذلك اليوم مر من أمام الخشبة التي سيعلق عليها عدة مرات.
- فَسَخَّرُوا رَجُلاً: كان من عادة الرومان إجبار المجرم على حمل الصليب، لكن في هذه الحالة، كان يسوع ضعيفاً للغاية كي يحمله. إذ كان من الأفضل أن يبقى المجرم حياً حتى صلبه، لأن الصلب العلني كان مفيداً لروما. فعندما سقط يسوع بسبب ثقل الصليب، لم يساعده أي روماني في حمله. وكان يحق لقائد المئة إجبار أي يهودي على حمله، لكن هذا قد يؤدي إلى الصخب أو الشغب. فكان أفضل حل هو إجبار شخص غريب على حمل الصليب، فوجدوا أجنبياً (سِمْعَان الذي من الْقَيْرَوَان التي تقع شمال أفريقيا) لمساعدته.
- ربما كان سمعان يزور أورشليم في عيد الفصح من بلده التي تبعد حوالي ٦٤٥ كيلومتراً، على الجانب الآخر من البحر الأبيض المتوسط. لم يكن سمعان يعرف إلا القليل عن يسوع ولم يكن لديه أي رغبة في أن يرتبط اسمه بهذا الرجل المحكوم عليه بالإعدام.
- ولأن الرومان هم أصحاب السلطة، لم يكن لسمعان أي خيار – فَسَخَّرُوه … لِيَحْمِلَ صَلِيبَهُ. فكثيراً ما تأتينا البركة عندما نُجبر على عمل أمور معينة. فسمعان لم يرغب في حمل هذا الصليب وربما استاء كثيراً عندما طلبوا منه ذلك، غير أن هذا الأمر أصبح فيما بعد من أكثر اللحظات المميزة في حياته.
- أَبُو رُوفُسَ: من الواضح أن روفس كان معروفاً في الكنيسة الأولى وكان مؤمناً. فإن كان رُوفُسَ هو نفسه المذكور في رومية ١٣:١٦، يمكننا أن نستخلص أن سمعان فهم جيداً معنى أن يحمل المرء الصليب ويتبع يسوع. وربما أصبح أبناؤه قادة فيما بعد بين المؤمنين الأوائل.
- “كان اسمه سمعان: ولكن أين كان سمعان الآخر؟ يا له من صمت يحمل توبيخاً شديداً له. سمعان بطرس، سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أين أنت؟ سمعان آخر أخذ مكانك. في بعض الأحيان يكون خدّام الرب في المؤخرة بدلاً من المقدمة، لذلك يبحث الله عن خدام آخرين أثناء ذلك. وإن حدث هذا معنا فينبغي أن نخجل طوال حياتنا. أيها الإخوة والأخوات، احتفظوا بأماكنكم، ولا تسمحوا لسمعان آخر أن يحتل مكانكم.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَجَاءُوا بِهِ: يخبرنا مرقس ٢٠:١٥ أنهم خَرَجُوا بِهِ لِيَصْلِبُوهُ. لكن في مرقس ٢٢:١٥ يتغير الموقف: وَجَاءُوا بِهِ إِلَى مَوْضِعِ «جُلْجُثَةَ». فقد كان بإمكان يسوع أن يمشي عندما ترك بيلاطس، ولكنه كان بالكاد يمشي قبل وصوله الجلجثة، وكان عليهم جلبه هناك.
- “يبدو أن يسوع كان ضعيفاً للغاية بعد أحداث الأيام الأخيرة، وبعد الجلد، أصبح غير قادر على المشي، ناهيك عن حمل صليبه. فصارت الناس تحمله بعد أن كانوا يحملون إليه المرضى (مرقس ٣٢:١)” بروس (Bruce)
- “هاتان الكلمتان هما مجرد عينة بسيطة عن التعب الجسدي الذي شعر به المخلص في ساعة الآلام هذه. فعندما غادر دار الولاية كانوا يقودونه، وعندما وصل إلى الجلجثة كانوا يحملونه.” موريسون (Morrison)
- إِلَى مَوْضِعِ «جُلْجُثَةَ»: كان هناك مكان محدد خارج أسوار مدينة أورشليم كانوا يصلبون فيه المجرمين – حيث مات يسوع من أجل خطايانا، وحيث تمم خلاصنا. كان هذا المكان يسمى «جُمْجُمَةٍ»؛ وكانوا يصلبون فيه المجرمين.
- “هناك بعض الجدل حول الموقع الدقيق للجُلْجُثَة. نعرف أنه كان خارج أسوار المدينة وأنه كان مرتبطاً بموضع اسمهُ «جُمْجُمَةٍ». وقد بنيت كنيسة القيامة الحالية في القرن الرابع على المكان الذي يعتقد أنه الجلجثة، لكن بعض الباحثين يفضلون الموقع المعروف باسم بستان قبر السيد المسيح الذي يقع على تلة تبدو مثل الجمجمة. ويعتبر معظم العلماء أن موقع كنيسة القيامة أكثر دقة، لكن الكثيرين يقولون أن بستان قبر السيد المسيح قد يكون على الأغلب هو الموضع الحقيقي.
- مَوْضِعُ «جُمْجُمَةٍ»: يعتقد البعض أنها سميت الجلجثة لأنها كانت مليئة بجماجم الرجال الذين تم إعدامهم من قبل. واعتقد آخرون أنها سميت الجلجثة لأنها كانت على تلة تشبه الجمجمة. والبعض يعتقد أنها سميت الجلجثة لأن التلة كانت قاحلة ومستديرة السطح مثل الجمجمة.
- فَلَمْ يَقْبَلْ: رفض يسوع أي مخدر للألم. اختار أن يواجه عذاب الصليب بذهنٍ صافٍ ودون مخدر أو دواء.
- “وفقاً لتقليد قديم، كانت النساء المتقدمات في أورشليم يقدمن مشروباً مخدراً للمحكوم عليهم بالإعدام لتخفيف آلامهم… وقد أخذت هذه الممارسة من سفر الأمثال ٦:٣١-٧ ’أَعْطُوا مُسْكِرًا لِهَالِكٍ، وَخَمْرًا لِمُرِّي النَّفْسِ. يَشْرَبُ وَيَنْسَى فَقْرَهُ، وَلاَ يَذْكُرُ تَعَبَهُ بَعْدُ.” لاين (Lane)
- “كانوا يمزجون النبيذ الحامض بالمر ويستخدمونه كمخدر. ولكن يسوع رفض أن يشرب أي مخدر؛ لأنه ينبغي أن يكون واعياً تماماً لمواجهة القادم.” كولي (Cole)
- “هل حبه للألم جعله يرفض كأس النبيذ؟ كلا… المسيح لم يحب الألم على الإطلاق، بل يحب النفوس، لكنه مثلنا لا يريد الألم ولا يحبه. فلماذا تألم إذاً؟ لسببين: لأن هذا الألم الشديد كان ضرورياً لتتميم الكفارة التي ستخلص إلى التمام؛ ولأن هذا الألم الشديد كان ضرورياً لتكميل صفاته كرئيس الكهنة الرحيم الذي سيترأف على النفوس التي عانت وليعين المجربين.” سبيرجن (Spurgeon)
ج) الآيات (٢٤-٢٦): صلب يسوع المسيح
٢٤وَلَمَّا صَلَبُوهُ اقْتَسَمُوا ثِيَابَهُ مُقْتَرِعِينَ عَلَيْهَا: مَاذَا يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ؟ ٢٥وَكَانَتِ السَّاعَةُ الثَّالِثَةُ فَصَلَبُوهُ. ٢٦وَكَانَ عُنْوَانُ عِلَّتِهِ مَكْتُوبًا: «مَلِكُ الْيَهُودِ».
- اقْتَسَمُوا ثِيَابَهُ: كان هذا تتميماً للنبوة في المزمور ٢٢: يَقْسِمُونَ ثِيَابِي بَيْنَهُمْ، وَعَلَى لِبَاسِي يَقْتَرِعُونَ (مزمور ١٨:٢٢).
- “كان الشخص يصُلب عارياً في العادة (Artemidorus II. 61). ولكن بسبب حساسية اليهود، لم يعد الشخص يُصلب عارياً تماماً، والمحكوم عليهم بالرجم كان يسمح لهم بقطعة تغطي المناطق الحساسة ( Sanhedrin VI. 3). ولكن مسألة مراعاة الرومان لمشاعر اليهود لا زالت مسألة غير معروفة.” لاين (Lane)
- فَصَلَبُوهُ: في الأيام التي كُتب فيها العهد الجديد، لم تحتج ممارسة الصلب إلى شرح أو تفسير. وبعد قرون، نستطيع أن نفهم ما يحدث عندما يصلب شخص ما.
- “على الرغم من أن الرومان لم يخترعوا الصلب إلا أنهم أتقنوه وكانوا يستخدمونه كشكل من أشكال التعذيب ولتنفيذ عقوبة الإعدام إذ كان هدف الصلب أن يموت المجرم ببطء وبألم شديد.” إدواردز (Edwards)
- كان الظهر يتمزق أولاً بسبب الجلد، وعندما كانوا ينزعون الملابس عن المجرم، كانت الجروح تفتح مرة أخرى. وعندما يلقى على الأرض لتثبت يديه على الخشبة، تنفتح جراحة ثانية وتتلوث بالتراب. ومع كل نفس يتنفسه المصلوب وهو معلق على الصليب كان الظهر يحتك بخشبة الصليب العامودية مسبباً آلاماً شديدة.
- عندما تدق المسامير عبر المعصمين، كانت تقطع عصب اليد الأوسط، مما يؤدي إلى آلام شديدة في كلتا الذراعين، وإلى تشنج وانقباض يدي الضحية.
- بالإضافة إلى الألم الشديد، كان وضع الجسم على الصليب يجعل من التنفس أمراً صعباً للغاية. فثقل الجسم كله يكون على اليدين والكتفين مما يجعل الشهيق سهلاً ولكن الزفير صعباً. ونقص الأوكسجين كان يؤدي إلى تشنجات حادة في العضلات مما يؤدي إلى صعوبة في التنفس. ولكي يتمكن المصلوب من التنفس، كان عليه أن يرفع جسده مستخدماً الساقين ويثني المرفقين ويسحب من الكتفين. ووضع وزن الجسم على القدمين المثبتة بالمسامير كان يتسبب بألم شديد، وثني المرفقين كان يلف اليدين المعلقة بالمسامير. ورفع الجسم أيضاً من أجل التنفس كان يكشط الجروح التي على الظهر بالخشبة. فكانت كل محاولة للتنفس تتسبب بمزيد من الألم والتعب وتسرع من موت المصلوب.
- “لم يكن من غير المألوف أن تأتي الحشرات على الجروح المفتوحة أو العيون والأذنين وأنف الضحية المحتضرة والضعيفة، وأن تمزق الطيور جسده. وزيادة على ذلك، كان من المعتاد ترك الجثة على الصليب لتلتهمها الحيوانات البرية.” إدواردز (Edwards)
- قد يموت الشخص على الصليب لأسباب عدة:
- صدمة حادة بسبب النزيف.
- عدم القدرة على التنفس بسبب التعب الشديد.
- الجفاف.
- نوبة قلبية ناجمة عن الأجهاد.
- احتقان القلب الذي يؤدي لتمزق الأوردة.
- وإن لم تمت الضحية بسرعة، تكسر الساقين، مما يؤدي إلى صعوبة في التنفس ثم الموت اختناقاً.
- كم كان الصلب سيئاً؟ مصدر الكلمة الإنجليزية ’الألم الشديد‘ (excruciating) هو الكلمة الرومانية ’من الصليب.‘ ” تأمل كم يمقت الله الخطية حتى يطلب مثل هذه الذبيحة!” كلارك (Clarke)
- فَصَلَبُوهُ: في الزمن الذي عاش فيه يسوع، كان معروفاً أن الصلب ممارسة فظيعة، لكن اعتاد الرومان على إعدام العديد من المجرمين الذين لم يكونوا مواطنين رومانيين. فلا يمكن صلب أي مواطن روماني إلا بأمر مباشر من قيصر، وكان الصلب مخصصاً لأسوأ المجرمين وأدنى الطبقات.
- قال رجل الدولة الروماني شيشرون (Cicero): “أليست جريمة أن تربط مواطناً رومانياً، ألا يعتبر جلده عملاً شريراً، ألا يعتبر إعدامه قتلاً؟ ماذا أقول إذاً إن صُلب؟ لا يمكنني العثور على كلمات تعتبر عن هذا الفعل البغيض بشكل كافٍ.” ووصف المؤرخ الروماني تاسيتوس الصلب بأنه “عذاب لا يستحقه إلا العبيد.”
- وَكَانَتِ السَّاعَةُ الثَّالِثَةُ: “هذه مشكلة، لأن يوحنا ١٤:١٩ يقول أنها كانت الساعة السادسة (أي ساعة الظهيرة تقريباً) عندما أعلن بيلاطس حكمه. واعتقد البعض أن يوحنا ومرقس حسبا الوقت بشكل مختلف؛ وقال آخرين أن الاختلاف يرجع إلى خطأ الناسخ؛ والبعض اعتقد أنها إضافة بحسن نية من قبل الناسخ.
- وَكَانَ عُنْوَانُ عِلَّتِهِ مَكْتُوبًا: «مَلِكُ الْيَهُودِ»: كان الغرض من هذه الصياغة توجيه إهانة لليهود والسخرية من محاولات اليهود الاستقلال بمنطقتهم.” لاين (Lane)
- “ربما أنعشت هذه الكلمات الأمل لدى المجرم التائب. وربما تساءل: “إن كان اسمه يسوع، إذاً هو المخلص. إن كان من الناصرة، إذاً سيحسب مع المرفوضين. إن كان له مملكة، فربما سيكون لي معه مكان.” ويرزبي (Wiersbe)
د ) الآيات (٢٧-٣٢): سخروا من يسوع المعلق على الصليب
٢٧وَصَلَبُوا مَعَهُ لِصَّيْنِ، وَاحِدًا عَنْ يَمِينِهِ وَآخَرَ عَنْ يَسَارِهِ. ٢٨فَتَمَّ الْكِتَابُ الْقَائِلُ: «وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ». ٢٩وَكَانَ الْمُجْتَازُونَ يُجَدِّفُونَ عَلَيْهِ، وَهُمْ يَهُزُّونَ رُؤُوسَهُمْ قَائِلِينَ: «آهِ يَا نَاقِضَ الْهَيْكَلِ وَبَانِيَهُ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ! ٣٠خَلِّصْ نَفْسَكَ وَانْزِلْ عَنِ الصَّلِيبِ!» ٣١وَكَذلِكَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَهُمْ مُسْتَهْزِئُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ مَعَ الْكَتَبَةِ، قَالُوا: «خَلَّصَ آخَرِينَ وَأَمَّا نَفْسُهُ فَمَا يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَهَا! ٣٢لِيَنْزِلِ الآنَ الْمَسِيحُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ عَنِ الصَّلِيبِ، لِنَرَى وَنُؤْمِنَ!». وَاللَّذَانِ صُلِبَا مَعَهُ كَانَا يُعَيِّرَانِهِ.
- وَاللَّذَانِ صُلِبَا مَعَهُ كَانَا يُعَيِّرَانِهِ: حتى المجرمان اللذان صلبا مع يسوع سخرا منه، ولكن واحداً منهم آمن بيسوع (لوقا ٣٩:٢٣-٤٣).
- وَكَانَ الْمُجْتَازُونَ يُجَدِّفُونَ عَلَيْهِ: لم يتحمل يسوع السخرية والذل على أيدي الجنود الرومان فحسب، ولكن من القادة الدينيين أيضاً. وَكَذلِكَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَهُمْ مُسْتَهْزِئُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ مَعَ الْكَتَبَةِ، قَالُوا: «خَلَّصَ آخَرِينَ وَأَمَّا نَفْسُهُ فَمَا يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَهَا!».
- يقول الباحث اليوناني روبرتسون (T. Robinson) أن كلمة ’مُسْتَهْزِئُونَ‘ في مرقس ٣١:١٥ تصف “التصرف كالأطفال السذج الذين يحبون الاستهزاء ببعضهم البعض.” من السيء كفاية أن ابن الله جاء إلى أرضنا وقتل على يد الإنسان بأبشع الطرق الممكنة. والأسوأ من هذا كله، أن الإنسان الخاطئ استمتع بذلك.
- لِيَنْزِلِ الآنَ الْمَسِيحُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ عَنِ الصَّلِيبِ، لِنَرَى وَنُؤْمِنَ: ولأنه لم ينزل عن الصليب، صار لنا إيمان به. لقد فعل يسوع ما هو أعظم من من النزول عن الصليب – لقد قام من بين الأموات. ومع ذلك لم يؤمنوا به. ولكن الكثير من الكهنة آمنوا في النهاية: وَجُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنَ الْكَهَنَةِ يُطِيعُونَ الإِيمَانَ. (أعمال الرسل ٧:٦).
- خَلَّصَ آخَرِينَ: “كانت تلك حقيقة لم يستطيعوا إنكارها. ففي كل أورشليم والقرى المحيطة حصل كثيرين على الخلاص.” مورغان (Morgan)
هـ) الآيات (٣٣-٣٧): كلمات يسوع الأخيرة على الصليب
٣٣وَلَمَّا كَانَتِ السَّاعَةُ السَّادِسَةُ، كَانَتْ ظُلْمَةٌ عَلَى الأَرْضِ كُلِّهَا إِلَى السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ. ٣٤وَفِي السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ صَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلاً: «إِلُوِي، إِلُوِي، لِمَا شَبَقْتَنِي؟» اَلَّذِي تَفْسِيرُهُ: إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟ ٣٥فَقَالَ قَوْمٌ مِنَ الْحَاضِرِينَ لَمَّا سَمِعُوا: «هُوَذَا يُنَادِي إِيلِيَّا». ٣٦فَرَكَضَ وَاحِدٌ وَمَلأَ إِسْفِنْجَةً خَلاً وَجَعَلَهَا عَلَى قَصَبَةٍ وَسَقَاهُ قَائِلاً: «اتْرُكُوا. لِنَرَ هَلْ يَأْتِي إِيلِيَّا لِيُنْزِلَهُ!» ٣٧فَصَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَأَسْلَمَ الرُّوحَ.
- كَانَتْ ظُلْمَةٌ عَلَى الأَرْضِ كُلِّهَا: أظهرت تلك الظلمة ألم الخليقة نفسها من معاناة الخالق. “اقتبس كل من أوريجانوس وأوسابيوس من كتابات فيليغون (المؤرخ الروماني) الذي ذكر أن كسوفاً غير عادي غطى الأرض فضلاً عن زلزال وقت الصلب.” جيلدينهيز (Geldenhuys)
- يخبرنا لوقا أن الشمس أظلمت (لوقا ٤٥:٢٣)، ولكن بين مرقس أن الظلمة دامت ثلاث ساعات (كَانَتْ ظُلْمَةٌ عَلَى الأَرْضِ كُلِّهَا إِلَى السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ).
- قال فيليغون (المؤرخ الروماني): في السنة الرابعة من الأولمبياد رقم ٢٠٢، كان هناك كسوف غير عادي لأشعة الشمس: وفي الساعة السادسة، تحول اليوم إلى ليلة مظلمة، بحيث شوهدت نجوم السماء، وكان هناك زلزال.” اقتبسها كلارك (Clarke)
- كان هذا أمراً رائعاً لأنه في ليلة التي يكون فيها القمر مكتملاً – وهي ليلة الاحتفال بعيد الفصح – من المستحيل أن يحدث كسوف طبيعي للشمس. كانت هذه معجزة غير عادية في السماء.
- إِلهِي، إِلهِي: بالاقتباس من مزمور ٢٢، أعلن يسوع أنه أتم ذلك الدرب، في الألم وفي النصرة معاً.
- إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟: أختبر يسوع الألم والعذاب (سواء جسدياً أو عاطفياً) في حياته، لكنه لم يختبر أبداً الانفصال عن أبيه. والآن ها هو يختبر هذا الانفصال. لهذا شعر يسوع بأنه كان فعلاً متروكاً من الله الآب في هذه اللحظة.
- حدث هذا لأَنَّ الله، بمعنى أو بآخر، جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللهِ فِيهِ (كورنثوس الثانية ٢١:٥). فيسوع لم يختبر الإنفصال عن الله فحسب، لكنه احتمل انصباب غضب الله الكامل عليه بدلاً عن البشرية الخاطئة.
- ورغم فظاعة هذا إلا أن يسوع تمم خطة الله الصالحة للخلاص. وبالتالي، يمكن لإشعياء أن يقول: أَمَّا الرَّبُّ فَسُرَّ بِأَنْ يَسْحَقَهُ بِالْحَزَنِ (إشعياء ١٠:٥٣).
- في الوقت ذاته، لا يمكننا القول أن الإنفصال الذي حدث بين الآب والابن عند الصليب كان كاملاً، لأن الرسالة الثانية إلى أهل كورنثوس ١٩:٥ تخبرنا: إِنَّ اللهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحًا الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ.
- وَمَلأَ إِسْفِنْجَةً خَلاً: كان الخل هو النبيذ الممزوج بالمرّ ولم يكن حصة الجندي فقط ولكن للاستخدام اليومي… ويبدو أن هذه مناسبة مختلفة عن العرض السابق للنبيذ المخدر في العدد ٢٣.” كولي (Cole)
- “ذُكر الخل المصنوع من النبيذ الممزوج بالمر في العهد القديم كمشروب منعش (سفر العدد ٣:٦، سفر راعوث ١٤:٢)، ونقرأ في الأدب اليوناني والروماني أنه كان مشروباً شائعاً يفضله العمال والجنود لأنه يروي العطش أكثر من الماء وكان رخيصاً.” لاين (Lane)
- لِنَرَ هَلْ يَأْتِي إِيلِيَّا: للأسف، أسيء فهم يسوع وسخر منه حتى النهاية المريرة. لقد عرف هؤلاء الحاضرين ما يكفي من الكتاب المقدس لإساءة فهم ما جاء فيه، وتكهنوا بطريقة متهورة، واعتقدوا أن إِيلِيَّا قد يأتي وينقذ يسوع.
- بينما كان يسوع معلقاً على الصليب، أساء مستمعيه فهمه بأخذهم جزء بسيط من كلامه. فحينما قال: «إِلُوِي، إِلُوِي، لِمَا شَبَقْتَنِي؟» لم يسؤوا فهم ما سمعوه (قال يسوع ’إِلُوِي‘ وليس ’إِيلِيَّا‘ لقد سمعوا كلمة واحدة فقط من كلامه. وهذا الأمر لا ينفع مع أتباع يسوع الحقيقيين، ولا ينبغي أن نسمع كلمة واحدة من يسوع، بل كل كلمة تخرج من فم الله.
- من أول الأمور التي نعرفها عن يسوع هي أنه أُسيء فهمه باستمرار. فعندما تركه يوسف ومريم في أورشليم، لم يفهموا أنه ينبغي أن يعمل مشيئة أبيه. والآن في نهاية خدمته الأرضية، أسيء فهمة أيضاً وهو معلق على الصليب.
- فَصَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَأَسْلَمَ الرُّوحَ: كان معظم المصلوبين يقضون ساعاتهم الأخيرة في إعياء شديد أو كانوا يفقدون الوعي قبل الموت. لكن لم يحدث هذا ليسوع؛ فعلى الرغم من آلامه الحادة وضعفه، كان واعياً وقادراً على الكلام حتى الرمق الأخير.
- يخبرنا يوحنا ٣٠:١٩ عما قاله يسوع عندما صرخ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «قَدْ أُكْمِلَ»، وهي عبارة عن كلمة واحدة في اللغة اليونانية (tetelestai). تعني هذه الكلمة ’دُفع بالكامل.‘ فهذه هي صرخة المنتصر لأن يسوع دفع بالكامل دين الخطية التي ندين بها وأكمل القصد الإلهي على الصليب.
- في مرحلة ما قبل موته، وقبل أن ينشق الحجاب إلى قسمين، وقبل أن يصرخ «قَدْ أُكْمِلَ»، حدثت صفقة روحية مدهشة: الله الآب وضع على يسوع كل ذنب وغضب خطايانا المستحقة، وقد تحملها يسوع بالكامل، وهكذا أرضى غضب الله تماماً.
- بقدر ما كانت الآلام الجسدية شديدة، إلا أن الآلام الروحية، أي الدينونة التي وقعت عليه بدلاً عن خطايانا، كانت أكثر ما أرعب يسوع في الصليب. لقد خشي يسوع من شرب هذه الكأس – كأس غضب الله المقدس (لوقا ٣٩:٢٢-٤٦، مزمور ٨:٧٥، إشعياء ١٧:٥١، وإرميا ١٥:٢٥). وإذا جاز التعبير، أصبح يسوع عدواً لله حُكم عليه وأرغم على شرب كأس غضب الآب. وقد فعل ذلك كي لا نضطر نحن لشرب تلك الكأس.
- “أيها القارئ العزيز! قطرة واحدة من هذه الكأس من شأنها أن تؤدي إلى هلاك روحك إلى الأبد، وهذه الآلام قادرة على أن تقضي على كل الكون. لقد تألم يسوع بمفرده: ورغم وجود الناس حوله، إلا أنه كان وحيداً؛ فآلامه كفرت عن خطايا العالم: وفي عمل الخلاص لم يكن له معين.” كلارك (Clarke)
- كان موت يسوع على الصليب هو البرهان الأخير على محبة الله نحو البشر (رومية ٨:٥). فالصليب هو قوة الله للخلاص، إلا أنه عِنْدَ الْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ (كورنثوس الأولى ١٨:١). وعلى الصليب، محا يسوع صك خطايانا وتمردنا على الله ورفعه مسمراً إياه بالصليب (كولوسي ١٤:٢). إن لم يحتمل يسوع الصليب، لقلنا أن هناك حدوداً لمحبة الله، وأن هناك شيئاً كان بإمكانه فعله ولكنه لم يكن مستعداً على فعله ليظهر محبته للإنسان.
و ) الآيات (٣٨-٤١): النتائج الواضح والفورية لموت المسيح
٣٨وَانْشَقَّ حِجَابُ الْهَيْكَلِ إِلَى اثْنَيْنِ، مِنْ فَوْقُ إِلَى أَسْفَلُ. ٣٩وَلَمَّا رَأَى قَائِدُ الْمِئَةِ الْوَاقِفُ مُقَابِلَهُ أَنَّهُ صَرَخَ هكَذَا وَأَسْلَمَ الرُّوحَ، قَالَ: «حَقًّا كَانَ هذَا الإِنْسَانُ ابْنَ اللهِ!» ٤٠وَكَانَتْ أَيْضًا نِسَاءٌ يَنْظُرْنَ مِنْ بَعِيدٍ، بَيْنَهُنَّ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ، وَمَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ الصَّغِيرِ وَيُوسِي، وَسَالُومَةُ، ٤١اللَّوَاتِي أَيْضًا تَبِعْنَهُ وَخَدَمْنَهُ حِينَ كَانَ فِي الْجَلِيلِ. وَأُخَرُ كَثِيرَاتٌ اللَّوَاتِي صَعِدْنَ مَعَهُ إِلَى أُورُشَلِيمَ.
- وَانْشَقَّ حِجَابُ الْهَيْكَلِ إِلَى اثْنَيْنِ، مِنْ فَوْقُ إِلَى أَسْفَلُ: كان هذا هاماً للغاية لأنه يعني أنه أصبح للإنسان حرية للدخول إلى عرش النعمة من خلال الصليب وأنه لا ينبغي لأحد أن يفكر ثانية أن الله يسكن في هياكل مصنوعة بأيدي الإنسان.
- وبصورة ملموسة، عندما انْشَقَّ حِجَابُ الْهَيْكَلِ إِلَى اثْنَيْنِ، مِنْ فَوْقُ إِلَى أَسْفَلُ زالت الفجوة التي كانت تفصل بين الله والإنسان. مزقه الله من السماء بدلاً من أن يمزقه الإنسان من الأرض.
- «حَقًّا كَانَ هذَا الإِنْسَانُ ابْنَ اللهِ!»: رأى قائد المئة حقيقة يسوع، كما أنه عكس صورة كل شخص سيؤمن بيسوع من خلال الصليب. فقد رأى الناس أن يسوع على الصليب كان حقاً ابْنَ اللهِ وهذا حقق وعد يسوع: وَأَنَا إِنِ ارْتَفَعْتُ عَنِ الأَرْضِ أَجْذِبُ إِلَيَّ الْجَمِيعَ (يوحنا ٣٢:١٢).
- رأى هذا القائد الكثيرين يصلبون هناك، لكن كان هناك شيء مميز في يسوع جعله يقول شيئاً لم يقلهُ عن أي شخص آخر.
- وَكَانَتْ أَيْضًا نِسَاءٌ يَنْظُرْنَ مِنْ بَعِيدٍ: وأخيراً، تم الكشف عن أكثر المخلصين ليسوع، أتباعه من النساء: مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ، وَمَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ الصَّغِيرِ وَيُوسِي، وَسَالُومَةُ وأُخَرُ كَثِيرَاتٌ.
ز ) الآيات (٤٢-٤٧): دفن يسوع
٤٢وَلَمَّا كَانَ الْمَسَاءُ، إِذْ كَانَ الاسْتِعْدَادُ، أَيْ مَا قَبْلَ السَّبْتِ، ٤٣جَاءَ يُوسُفُ الَّذِي مِنَ الرَّامَةِ، مُشِيرٌ شَرِيفٌ، وَكَانَ هُوَ أَيْضًا مُنْتَظِرًا مَلَكُوتَ اللهِ، فَتَجَاسَرَ وَدَخَلَ إِلَى بِيلاَطُسَ وَطَلَبَ جَسَدَ يَسُوعَ. ٤٤فَتَعَجَّبَ بِيلاَطُسُ أَنَّهُ مَاتَ كَذَا سَرِيعًا. فَدَعَا قَائِدَ الْمِئَةِ وَسَأَلَهُ: «هَلْ لَهُ زَمَانٌ قَدْ مَاتَ؟» ٤٥وَلَمَّا عَرَفَ مِنْ قَائِدِ الْمِئَةِ، وَهَبَ الْجَسَدَ لِيُوسُفَ. ٤٦فَاشْتَرَى كَتَّانًا، فَأَنْزَلَهُ وَكَفَّنَهُ بِالْكَتَّانِ، وَوَضَعَهُ فِي قَبْرٍ كَانَ مَنْحُوتًا فِي صَخْرَةٍ، وَدَحْرَجَ حَجَرًا عَلَى بَابِ الْقَبْرِ. ٤٧وَكَانَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ أُمُّ يُوسِي تَنْظُرَانِ أَيْنَ وُضِعَ.
- يُوسُفُ الَّذِي مِنَ الرَّامَةِ، مُشِيرٌ شَرِيفٌ (عُضْوٌ بَارِزٌ فِي مَجلِسِ اليَهودِ): يبدو أن يوسف هذا كان صامتاً عندما حكم المجلس على يسوع بالموت (مرقس ١:١٥). ربما تراجع في السابق، لكنه الآن لم يعد محرجاً بيسوع في موته.
- “في ساعة الأزمة، غالباً ما يُقسم الأشخاص أمثال بطرس الولاء ليسوع بكل ثقة لكنهم يخيبون الظن، أما أتباع السيد المتكتمين والصامتين (أمثال يوسف ونيقوديموس والنساء) لا يترددون في خدمته بكل محبة ومهما كان الثمن.” جيلدينهيز (Geldenhuys)
- لم يخدم يوسف يسوع بطرق كثيرة، لكنه خدمه بطرق لم يكن لشخص آخر أن يقدمها. فلم يكن من الممكن لبطرس أو يعقوب أو يوحنا أو حتى العديد من النساء اللواتي خدمن يسوع أن يوفروا له قبراً، لكن يوسف استطاع وفعل. ينبغي أن نخدم الله بأي طريقة ممكنة.
- دَخَلَ إِلَى بِيلاَطُسَ وَطَلَبَ جَسَدَ يَسُوعَ: كانت جثث المصلوبين عادة تترك لتتعفن أو لتأكلها الحيوانات البرية. ولكن اليهود لم يرغبوا ببقاء هذا المشهد المروع أثناء عيد الفصح، ومن المعروف أن الرومان لا يرفضون تسليم الجثث للأصدقاء أو الأقارب لدفنهم كما يليق.
- “في العصور القديمة لم يكن إعدام المجرم هو نهاية إذلاله. فالمجرم الذي مات صلباً وفقاً للقانون الروماني يخسر كرامته في الموت، وحتى حق الدفن كان يحدد بموجب قرار قضائي… ولم يكن من غير المألوف أن تترك الجثث على الصليب إما للتعفن أو لتأكلها الطيور أو الحيوانات البرية” لاين (Lane). ولم يكن من غير المعتاد إعطاء الجثة لصديق أو قريب لدفنه، ولكن كان عليهم أن يطلبوا الجثة من القاضي الروماني. فحتى مصير الجثة كان بين يديه.
- خاطر يوسف بالكثير طبعاً بهذا الطلب. خاطر بعداء بيلاطس أو استهزائه، لكن الأمر لم يكن مهماً بالنسبة له. “ألا تملك أنت الشجاعة المقدسة؟ أيعقل بعد أن تعامل الله معك بكل خير ووثق بك أن تكافؤه بإنكار ابنه وتسكت ضميرك وتتغاضى عن الحق كي لا تخسر مكانتك في المجتمع؟ أنا أعلم إن رفض المجتمع لك أو أن يحتقرك الآخرين أو يستهزوا بك هو أمر صعب، لكن الإنحناء لهذا الرعب الأناني أمر غير مناسب لأي رجل، ولا سيما المؤمن.” سبيرجن (Spurgeon)
- فَتَعَجَّبَ بِيلاَطُسُ أَنَّهُ مَاتَ كَذَا سَرِيعًا: الموت على الصليب عادة يكون مؤلماً وبطيئاً للغاية – لكن يسوع مات في غضون ساعات قليلة. ومع ذلك، يمكننا أن نتأكد أنه مات لأن موته قد تأكد بعد فحص دقيق من شهود العيان (يوحنا ٣١:١٩-٣٦).
- وَلَمَّا عَرَفَ مِنْ قَائِدِ الْمِئَةِ: قام بيلاطس بالتحقيق شخصياً في مسألة موت يسوع وسمع شهادة موثوقة من شاهد عيان أي قَائِدِ الْمِئَةِ الذي شهد ربما مئات من عمليات الصلب وكان يعرف تماماً إن كان المحكوم ميتاً أم لا. “لقد رأى القائد الروماني الكثير من الوفيات ليكون غير متأكد بشأن حقيقة كهذه.” كولي (Cole)
- وَكَفَّنَهُ بِالْكَتَّانِ: بسبب اقتراب يوم السبت، لم يكونوا قادرين على إعداد جسد يسوع بالشكل اللائق، ولهذا وضعوا جثة يسوع في قبر مستعار.
- وَوَضَعَهُ فِي قَبْرٍ: مثل هذه القبور كانت باهظة الثمن، وكان تضحية كبيرة من يوسف الرامي أن يتبرع به. ولكن يسوع كان بحاجة إلى قبر لبضعة أيام فقط.