تفسير رؤيا يوحنا رسالة يوحنا الثالثة
التمثّل بالقدوة الحسنة
“أهمل القُرّاء كلاً من كتب الأنبياء الصغار والرسائل القصيرة بصورة عامّة، فالعديدين منهم يعتقدون أنَّ الحجم هو كل شيء. فإن صَغُر الحجم، قلّت قيمة السِّفر.” – آدم كلارك (Adam Clarke)، عن أسفار الكتاب المقدس القصيرة.
أولاً. تحية ومقدمة
أ ) الآية (١): الكاتب والقارئ
١اَلشَّيْخُ، إِلَى غَايُسَ ٱلْحَبِيبِ ٱلَّذِي أَنَا أُحِبُّهُ بِٱلْحَقِّ.
- اَلشَّيْخُ: يعرّف كاتب هذه الرسالة عن نفسه ببساطة مستخدماً كلمة: اَلشَّيْخُ.ومن المفترض أنَّ القُرّاء الأوائل كانوا يعرفون من هو، وقد فهم المؤمنون منذ العصور الأولى أنَّ هذه رسالة هي من كتابات يوحنا الرسول، وهو نفس يوحنا الذي كتب إنجيل يوحنا ورسالتي يوحنا الأولى والثانية وسفر الرؤيا.
- رُبَّما لا يشير الكاتب مباشرةً إلى نفسه للسبب عينه الذي منعه من الإشارة لنفسه في رسالته الثانية – ولعلّه كان من غير الحكمة الإفصاح عن هويّته بصورة مباشرة بسبب التهديد بالاضطهاد.
- إِلَى غَايُسَ ٱلْحَبِيبِ: لا نعلم إن كان غَايُس هذا مرتبط بالرجال الآخرين الذين يحملون هذا الاسم في العهد الجديد (أعمال الرسل ٢٩:١٩، ٤:٢٠؛ كورنثوس الأولى ١٤:١؛ رومية ٢٣:١٦).
- يصعب تحديد هوية غَايُس لأنَّ هذا الاسم كان شائعًا جدًا في الإمبراطورية الرومانيّة.
ب) الآيات (٢-٤): بركة لغايس الأمين.
٢أَيُّهَا الْحَبِيبُ، فِي كُلِّ شَيْءٍ أَرُومُ أَنْ تَكُونَ نَاجِحًا وَصَحِيحًا، كَمَا أَنَّ نَفْسَكَ نَاجِحَةٌ. ٣لأَنِّي فَرِحْتُ جِدًّا إِذْ حَضَرَ إِخْوَةٌ وَشَهِدُوا بِالْحَقِّ الَّذِي فِيكَ، كَمَا أَنَّكَ تَسْلُكُ بِالْحَقِّ. ٤لَيْسَ لِي فَرَحٌ أَعْظَمُ مِنْ هذَا: أَنْ أَسْمَعَ عَنْ أَوْلاَدِي أَنَّهُمْ يَسْلُكُونَ بِالْحَقِّ.
- أَيُّهَا ٱلْحَبِيبُ، فِي كُلِّ شَيْءٍ أَرُومُ أَنْ تَكُونَ نَاجِحًا: تعني كلمة ’نَاجِحًا‘ حرفيًا: ’أن يتمتّع المرء برحلة مُوفَّقة.‘ وتعني مجازًيّا: ’النجاح أو الازدهار.‘ وكأنه يقول: “أتمنّى لك كل التوفيق.”
- “تنتمي الكلمتان ’نَاجِحًا‘ و’صَحِيحًا‘ إلى لغة كتابة الرسائل اليومية.” ستوت (Stott). ومن كثرة استعمال هذه العبارة كانوا يلخّصونها أحيانًا بالأحرف الأولى فقط، وكان الجميع يعرفون قصد الكاتب من هذه الأحرف الأولى.
- أمَّا الاختصار المستخدم في اللاتينية فكان SVBEEV، وتفصيله: Si vales, bene est; ego valeo (إذا كنت بخير، فهذا حسن؛ أنا بخير).
- أَرُومُ أَنْ تَكُونَ نَاجِحًا وَصَحِيحًا، كَمَا أَنَّ نَفْسَكَ نَاجِحَةٌ: استعمل يوحنا هذه العبارة الشائعة للتعبير عن أمنياته وبركاته لغَايس. وقد أساء البعض فهم العبارة واعتبروها ضمانًا للمؤمن بالثروة الدائمة والصحة التامة.
- بالطبع، يجب أن نتذكر دائمًا أنَّ الله يريد الأفضل لنا ولا يدبّر لنا إِلَّا الخير. وغالبًا ما كان النجاح المادي والصحة الجسدية جزءًا من هذا الخير الذي عنده لنا – وهو قد وعد بهذا النجاح وهذه الصحة كمصير نهائي لجميع المؤمنين.
- ومع ذلك، فقد يسمح الله في الوقت الحاضر – وفقًا لخطته الحكيمة – عدم تمتّعنا بالرخاء المادي والصحة الجسدية لدعم نوع أهمّ من الرخاء والصحة على نطاق الأبدية.
- غير أنَّ البعض يعيشون في فقر ومرض لمجرد أنهم لا يلتمسون أفضل ما عند الله، ولا يتّبعون مبادئ الله، ولا يسلكون في الإيمان. وهناك من يقولون أيضًا إننا يجب أَلاَّ نستخدم وعود الله العامة بالبركة كوسيلة لإشباع الرغبة الجسدية في الراحة والرخاء والرفاهية.
- كَمَا أَنَّ نَفْسَكَ نَاجِحَةٌ: عقد يوحنا هنا مقارنة بين حالتنا الصحية وحالتنا الروحية. فإن كانت حالة المؤمن الصحية في نفس حالته الروحية، فمعظم المؤمنين سيصابون بالمرض الشديد على الفور.
- لَيْسَ لِي فَرَحٌ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا: أَنْ أَسْمَعَ عَنْ أَوْلَادِي أَنَّهُمْ يَسْلُكُونَ بِٱلْحَقِّ: إنَّ رضا يوحنّا عن غايُس ينبع من عِلمه بأَنَّه يسلك في الحق. فلا شيء يُفرّح قلب يوحنا أكثر من أن يعلم أن أَوْلَاده … يَسْلُكُونَ بِٱلْحَقِّ.
- كان يوحنّا يعلم أن غايُس يسلك بالحقّ لأنَّه حَضَرَ إِخْوَةٌ وَشَهِدُوا بِٱلْحَقِّ ٱلَّذِي في غايُس. فقد لاحظ الآخرون سلوكه بالحقّ، واستطاعوا التحدث عن ذلك لأنهم شاهدوه بأعينهم.
- أَسْمَعَ عَنْ أَوْلَادِي أَنَّهُمْ يَسْلُكُونَ بِٱلْحَقِّ: المقصود بالحقّ هنا أكثر من السير بحسب العقيدة الصحيحة. فما المقصود بـ “السلوك بالحقّ؟” إنَّه ليس السلوك في الحق، وإلا لافترض البعض أنَّ يوحنّا فرح جدًّا لأنَّهم كانوا أصحاب عقيدة سليمة، ولم يهمّه أي شيء آخر من أمرهم. غير أنَّ أسباب فرحته لم تشتمل على استقامة عقيدتهم، وإنما امتدّت إلى ما هو أبعد من ذلك.” سبيرجن (Spurgeon)
- السلوك بِٱلْحَقِّ معناه السلوك بما يتّفق مع الحقّ الذي تؤمن به. فإذا كنت تؤمن بأنك إنسان خاطئ وساقط، فاسلك بحذر متجنباً الوقوع في الخطية. وإذا كنت تؤمن بأنك ابن لله، فلتسلك كابن لله. وإذا كنت تؤمن أنك قد غُفِر لك، فلتسلك كشخص قد غُفِرت خطاياه.
- السلوك بِٱلْحَقِّ معناه السلوك بصدق وأمانة، دون أي تزييف للحقيقة أو التكتُّم عليها.
ثانيًا. التعلم من القدوة الحسنة والسيئة
أ ) الآيات (٥-٨): غايُس: قدوة حسنة
٥أَيُّهَا الْحَبِيبُ، أَنْتَ تَفْعَلُ بِالأَمَانَةِ كُلَّ مَا تَصْنَعُهُ إِلَى الإِخْوَةِ وَإِلَى الْغُرَبَاءِ، ٦الَّذِينَ شَهِدُوا بِمَحَبَّتِكَ أَمَامَ الْكَنِيسَةِ. الَّذِينَ تَفْعَلُ حَسَنًا إِذَا شَيَّعْتَهُمْ كَمَا يَحِقّ للهِ، ٧لأَنَّهُمْ مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ خَرَجُوا، وَهُمْ لاَ يَأْخُذُونَ شَيْئًا مِنَ الأُمَمِ. ٨فَنَحْنُ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَقْبَلَ أَمْثَالَ هؤُلاَءِ، لِكَيْ نَكُونَ عَامِلِينَ مَعَهُمْ بِالْحَقِّ.
- أَنْتَ تَفْعَلُ بِٱلْأَمَانَةِ كُلَّ مَا تَصْنَعُهُ إِلَى ٱلْإِخْوَةِ وَإِلَى ٱلْغُرَبَاءِ: مدح يوحنّا غايُسَ على كرم ضيافته. وقد يبدو هذا تافهًا نوعًا ما بالنسبة إلينا، لكن ليس بالنسبة إلى الله. فهذا في الواقع، تنفيذ عملي للوصية الأساسية: أن نحب بعضنا البعض. فهذه هي المحبة العاملة.
- ’أَنْتَ تَفْعَلُ بِٱلْأَمَانَةِ كُلَّ مَا تَصْنَعُهُ‘ يا لها من مجاملة رائعة. فكل ما يعطينا الله أن نفعله، ينبغي أن نفعله بِٱلأَمَانَةِ. وقد قال يسوع إننا عندما نراه وجهًا لوجه، سوف يسمع البعض الكلمات: نِعِمَّا أَيُّهَا ٱلْعَبْدُ ٱلصَّالِحُ وَٱلْأَمِينُ! كُنْتَ أَمِينًا فِي ٱلْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى ٱلْكَثِيرِ. اُدْخُلْ إِلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ (متى ٢١:٢٥). قيل عن العبد الصالح إنَّه أمين.
- إِذَا شَيَّعْتَهُمْ كَمَا يَحِقُّ لِلهِ: في تلك الأيّام، كان المؤمنون المسافرون عمومًا والكارزون المتجولون على وجه الخصوص يعتمدون – إلى حد كبير – على كرم غيرهم من المؤمنين. وقد عرف يوحنّا أنَّه عندما يساعد المؤمنين الخدام المتجولين الذين يجاهدون في الدفاع عن الحقّ، فإنَّهم يصبحون بدورهم عَامِلِينَ مَعَهُمْ بِٱلْحَقِّ.
- إنَّ مكافأة هؤلاء الأشخاص الداعمين هي نفس المكافآة الممنوحة للمتواجدين على خط الجبهة. ويوضّح سفر صموئيل الأول ٢١:٣٠-٢٥ هذا المبدأ، حيث يتم توزيع الغنائم بالتساوي بين الذين قاتلوا والذين قدّموا الدعم. وقد فهم الملك داود أنَّ خطوط الإمداد على نفس قدر أهمية الجنود، وأن الله سوف يكافئ الجنود والداعمين كما يحقّ وبسخاء.
- وعد يسوع أنه حتى لو قدمت كأس مَاءٍ بَارِدٍ لأحد أولاده فلن تُحرَم من المكافأة (متى ٤٢:١٠).
- هذا يفسّر أيضًا سبب صلاة يوحنا من أجل نجاح غايُس: فقد استخدم غايس موارده بطريقة تقيّة، فكان بركة للآخرين. فإنْ باركه الله بالمزيد، فإنّ الآخرين يُبارَكون أيضًا.
- وَهُمْ لَا يَأْخُذُونَ شَيْئًا مِنَ ٱلْأُمَمِ: كان العالم القديم، زمن الكنيسة الأولى، مليئًا بالكارزين والوعّاظ من مختلف الديانات، وكثيرًا ما كانوا يعولون أنفسهم بأخذ تبرّعات من عامة الناس. ولكنَّ يوحنّا قال إنَّ هؤلاء الكارزين المؤمنين يجب أَلاَّ يأخذوا شَيْئًا مِنَ ٱلْأُمَمِ (غير المؤمنين). وبدلًا من طلب المال من عامة الشعب، عليهم أنْ يتوقّعوا الدعم من إخوانهم المؤمنين.
- كَمَا يَحِقُّ لِلهِ: المؤمنون ليسوا مدعوين للمساعدة فقط، ولكن للمساعدة كَمَا يَحِقُّ لِلهِ (أو بِمَا يُرضِي اللهَ). إذ علينا أنْ نبذل قصارى جهدنا لمساعدة الآخرين على أكمل وجه.
- يجب على المؤمنين أن يحرصوا أولًا أنَّ يكون ما يفعلونه داعمًا لنشر الإنجيل. ويجب عليهم أيضاً أن يحرصوا على أن يفعلوا ذلك كَمَا يَحِقُّ لِلهِ. فالله يدعو كلّ واحد منا أن يقوم بدور في المأمورية العظمى، حيث أمر يسوع في متى ١٩:٢٨ ’فَٱذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ ٱلْأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِٱسْمِ ٱلْآبِ وَٱلِٱبْنِ وَٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ.‘ ويمكن للمؤمن أن يكون له دور إمّا بأن يذهب للكرازة أو بتقديم المساعدة، ولكن كل مؤمن له دور ويجب عليه أن يؤدّيه كما ينبغي.
- قال يسوع: ’مَنْ يَقْبَلُكُمْ يَقْبَلُنِي، وَمَنْ يَقْبَلُنِي يَقْبَلُ ٱلَّذِي أَرْسَلَنِي. مَنْ يَقْبَلُ نَبِيًّا بِٱسْمِ نَبِيٍّ فَأَجْرَ نَبِيٍّ يَأْخُذُ، وَمَنْ يَقْبَلُ بَارًّا بِٱسْمِ بَارٍّ فَأَجْرَ بَارٍّ يَأْخُذُ‘ (متى ٤٠:١٠-٤١). ويجب أن يجعلنا هذا نفكّر في كيفية قبولنا ومساعدتنا أولئك الذين يبشّرون بالإنجيل.
ب) الآيات (٩-١١): دِيُوتْرِيفِس: قدوة سيّئة
٩كَتَبْتُ إِلَى الْكَنِيسَةِ، وَلكِنَّ دِيُوتْرِيفِسَ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ الأَوَّلَ بَيْنَهُمْ لاَ يَقْبَلُنَا. ١٠مِنْ أَجْلِ ذلِكَ، إِذَا جِئْتُ فَسَأُذَكِّرُهُ بِأَعْمَالِهِ الَّتِي يَعْمَلُهَا، هَاذِرًا عَلَيْنَا بِأَقْوَال خَبِيثَةٍ. وَإِذْ هُوَ غَيْرُ مُكْتَفٍ بِهذِهِ، لاَ يَقْبَلُ الإِخْوَةَ، وَيَمْنَعُ أَيْضًا الَّذِينَ يُرِيدُونَ، وَيَطْرُدُهُمْ مِنَ الْكَنِيسَةِ. ١١أَيُّهَا الْحَبِيبُ، لاَ تَتَمَثَّلْ بِالشَّرِّ بَلْ بِالْخَيْرِ، لأَنَّ مَنْ يَصْنَعُ الْخَيْرَ هُوَ مِنَ اللهِ، وَمَنْ يَصْنَعُ الشَّرَّ، فَلَمْ يُبْصِرِ اللهَ.
- وَلَكِنَّ دِيُوتْرِيفِس: وبّخ يوحنّا هذا الرجل علنًا، بل وبّخه بالاسم. ولأنه رسول المحبة، فهذا لا يعني أنه تصرّف على خلاف ما تقتضي المحبة، لكنه بالأحرى طبق أمر الكتاب المقدس الواضح (رومية ١٧:١٦) واتبع مثال الرسل الآخرين (تيموثاوس الثانية ١٤:٤-١٥).
- ومع ذلك، يجب أَلاَّ يحدث مثل هذا التوبيخ العلني إِلَّا عند الضرورة، ويجب أن نكون حذرين حتى لا نحكم على الأخ بمعيار يختلف عن المعيار الذي نحكم فيه على أنفسنا (متى ١:٧-٢).
- قدم دِيُوتْرِيفِس نفسه بوصفه ’قائدًا مسيحيًا بارزًا‘ (في مخيلته على الأقل)، وهذا عرّضه للنقد العام – تمامًا كما كان يفعل مع الرسول يوحنا ومعاونيه وينتقدهم علنًا (هَاذِرًا عَلَيْنَا بِأَقْوَالٍ خَبِيثَةٍ).
- ٱلَّذِي يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ٱلْأَوَّلَ بَيْنَهُمْ: كانت مشكلة دِيُوتْرِيفِس ببساطة هي الكبرياء. وفي كبريائه لم يَقْبَل رسول مثل يوحنا. وكان هذا على عكس كرم ضيافة غايُس المتواضع، الذي كان يسلك بالحقّ.
- نستطيع أن نتخيل رجلًا مثل دِيُوتْرِيفِس، قائدًا لكنيسة في مدينة ما، ينظر إلى يوحنّا ويقول لنفسه: “لماذا يجب أن يتمتّع هؤلاء الرسل ’المشهورين‘ بكل الاهتمام والشرف؟ انظروا إلى خدمتي! أليست على نفس القدر من الأهمية؟” فيقوده الكبرياء، مَثَله مَثَل كثيرين غيره، إلى الهلاك.
- كتب بويس (Boice) تعليقاً على ’ٱلَّذِي يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ٱلْأَوَّلَ بَيْنَهُمْ‘ كالتالي: “هذه هي الخطية الأصلية وهي أعظم من كل الخطايا. إنها خطية الشيطان، الذي لم يشأ أن يكون ما خلقه الله ليكونه، إنّما أراد أن يكون «مثل العلي» (إشعياء ١٤:١٤). وهذا عكس طبيعة المسيح الذي «إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ ٱللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلًا لِلهِ. لَكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ».”
- هَاذِرًا عَلَيْنَا بِأَقْوَالٍ خَبِيثَةٍ: لم يرفض دِيُوتْرِيفِس استقبال يوحنا وغيره من الرسل فحسب، بل اتهمهم بكلمات خبيثة أيضًا. وقد أظهرت ثرثرته الخبيثة ضد الرسل أخلاقه على حقيقتها.
- “الفعل اليوناني الذي يُترجم هنا ’هاذرًا‘ مُشتقّ من جذر يُستَخدَم في وصف الماء عند غليانه وصعود الفقاعات إلى السطح. ونظرًا لأن الفقاعات فارغة وغير مجدية، صار الفعل في نهاية المطاف يعني التمادي في حديث فارغ أو غير مُجدٍ. وهذه هي طبيعة الكلمات التي استخدمها دِيُوتْرِيفِس، كلمات خبيثة صحيح، غير أنَّها بلا أساس من الصحة.” بويس (Boice)
- “تعبر الكلمة عن النطق بكلام فارغ كالفقاعات… وهي استعارة مأخوذة من القِدر إذ غلى وتصاعدت رغوته؛ أو من المعدة إذا انتفخت واحتاجت إلى التجشُّؤ”. تراب (Trapp)
- وَيَطْرُدُهُمْ مِنَ ٱلْكَنِيسَةِ: لم يستخدم دِيُوتْرِيفِس نفوذه لمنع الآخرين من استضافة يوحنا أو شركائه فقط، بل حاول حرمان من حاولوا استضافتهم من عضوية الكنيسة أيضًا.
- “بادئ ذي بدء، استحوذ رجل يُدعَى دِيُوتْرِيفِس على السلطة دون وجه حقّ في الكنيسة، إلى درجة أنّه وقت كتابة هذه الرسالة كان قد طعن في سلطة يوحنّا نفسه وطرد من الكنيسة المحلية كل من تعاطفوا معه. وعلاوة على ذلك، وبسبب هذا الصراع، عومل المبشرون المتنقلون بوقاحة، ورُبَّما من ضمنهم وفد رسمي من طرف يوحنا.” بويس (Boice)
- يوضّح مَثَل دِيُوتْرِيفِس أن ٱلَّذِي يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ٱلْأَوَّلَ يحب أيضًا استخدام أي سلطة يعتقد أنه يمتلكها كسيف على رقاب الآخرين.
- لَا تَتَمَثَّلْ بِٱلشَّرِّ بَلْ بِٱلْخَيْرِ: أعطانا يوحنّا مثالين واضحين، واحدًا حسنًا (غَايُس) والآخر سيئًا (دِيُوتْرِيفِس)، والآن يصل إلى مرحلة التطبيق: تمثَّل بالخير، لأننا نخدم إله الخير ومن يتبعونه لابُدَّ أنْ يصنعوا الخير مثله.
- يوحنا لم يحرم دِيُوتْرِيفِس، رغم أنه كرسول كان يملك السلطة لعمل ذلك. وإنما ببساطة فضحه – وكان يثق في أن أصحاب التمييز من المؤمنين سيتجنّبون دِيُوتْرِيفِس كما ينبغي.
ج ) الآية (١٢): ديمتريوس: قدوة حسنة
١٢دِيمِتْرِيُوسُ مَشْهُودٌ لَهُ مِنَ ٱلْجَمِيعِ وَمِنَ ٱلْحَقِّ نَفْسِهِ، وَنَحْنُ أَيْضًا نَشْهَدُ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ شَهَادَتَنَا هِيَ صَادِقَةٌ.
- دِيمِتْرِيُوسُ مَشْهُودٌ لَهُ مِنَ ٱلْجَمِيعِ: زكّى يوحنّا هذا الرجل لغايُس. وربما كان هو الشخص الذي حمل الرسالة من يوحنّا إلى غايُس، وأراد يوحنّا إخبار غايُس بأنَّ ديميتريوس يستحق الضيافة المسيحية.
- دِيمِتْرِيُوسُ مَشْهُودٌ لَهُ مِنَ ٱلْجَمِيعِ وَمِنَ ٱلْحَقِّ نَفْسِهِ: كان ديمتريوس أمينًا للحقّ إلى درجة أنّ الحقّ شهد في صفّه.
ثالثاً. الخاتمة
أ ) الآيات (١٣-١٤أ): يشرح يوحنّا سبب قِصَر هذه الرسالة لغايُس
١٣وَكَانَ لِي كَثِيرٌ لأَكْتُبَهُ، لكِنَّنِي لَسْتُ أُرِيدُ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكَ بِحِبْرٍ وَقَلَمٍ. ١٤وَلكِنَّنِي أَرْجُو أَنْ أَرَاكَ عَنْ قَرِيبٍ فَنَتَكَلَّمَ فَمًا لِفَمٍ….
- وَكَانَ لِي كَثِيرٌ لِأَكْتُبَهُ: يمكننا أن نتفهّم تفضيل يوحنّا للتواصل الشخصي وجهًا لوجه بدلًا من كتابة الرسائل. ومع ذلك، نشعر بالامتنان لأن يوحنا اضطر إلى الكتابة، لنحصل نحن على سجِلّ برسالة يوحنا الثالثة هذه.
ب) الآية (١٤ب): بركات ختامية
١٤… سَلَامٌ لَكَ. يُسَلِّمُ عَلَيْكَ ٱلْأَحِبَّاءُ. سَلِّمْ عَلَى ٱلْأَحِبَّاءِ بِأَسْمَائِهِمْ.
- يُسَلِّمُ عَلَيْكَ ٱلْأَحِبَّاءُ: إضافةً إلى دعوته بالسلام على غايُس، ذكّره يوحنا (وإيانا) بالأواصر المشتركة بين المؤمنين – فحتى لو كانت تفصلهم مسافات شاسعة، هم لا يزالون أحباء في يسوع، وهكذا ينبغي أن يحيّوا بعضهم بعضًا.
- سَلَامٌ لَكَ: كتبت هذه الرسالة لحل خلاف وصراع؛ ومع ذلك يُنهي يوحنا الرسالة كما يليق بالتعبير عن رغبته وتوقعه للسلام. فنحن كمؤمنين يمكننا، بل وينبغي لنا، أن نتمتّع بشعور داخلي بالسلام حتى وسط الأوقات الصعبة. فعند المؤمنين الموارد اللازمة في يسوع المسيح ليتمتعوا بالسلام حتى في الاضطرابات.