تفسير رؤيا يوحنا رسالة يوحنا الثانية
السلوك في الحق
“تتميز هذه الرسالة بروح المحبة المسيحية الذي يرفرف فوق كلماتها. فلم تأت الرسالة بجديد مما قبلها؛ ومن بين الثلاثة عشر آية الأولى نرى أن هناك على الأقل ثمانية منها قد تكرر في الرسالة الأولى إما باستخدام نفس الكلمات أو المعنى.” آدم كلارك (Adam Clarke)
أولاً. التحية الإفتتاحية
أ ) الآيات (١-٢): إِلَى كِيرِيَّةَ (السَّيِّدَةِ) الْمُخْتَارَةِ، وَإِلَى أَوْلاَدِهَا.
١اَلشَّيْخُ، إِلَى كِيرِيَّةَ الْمُخْتَارَةِ، وَإِلَى أَوْلاَدِهَا الَّذِينَ أَنَا أُحِبُّهُمْ بِالْحَقِّ، وَلَسْتُ أَنَا فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا جَمِيعُ الَّذِينَ قَدْ عَرَفُوا الْحَقَّ. ٢مِنْ أَجْلِ الْحَقِّ الَّذِي يَثْبُتُ فِينَا وَسَيَكُونُ مَعَنَا إِلَى الأَبَدِ.
- اَلشَّيْخُ: عّرف كاتب الرسالة عن نفسه باَلشَّيْخُ مفترضاً أن قرائه الأوائل كانوا يعرفونه جيداً. فمنذ العصور الأولى أدرك المؤمنون أن كاتب هذه الرسالة هو الرسول يوحنا.
- “يوحنا الرسول الذي أصبح الآن متقدماً بالسن، من المفترض أن يكون في التسعين من العمر، وبناءً عليه يستخدم مصطلح شيخ ليس كلقب وظيفي بل ليبين عمره. لا بد أنه كان أكبر الرسل والوحيد الذي قد مات ميتة طبيعية.” كلارك (Clarke)
- إِلَى كِيرِيَّةَ الْمُخْتَارَةِ، وَإِلَى أَوْلاَدِهَا: ربما كانت هذه سيدة مؤمنة أراد يوحنا أن يشجعها بهذه الرسالة ويقدم لها النصح. أو ربما استخدم هذا المصطلح كرمز لمخاطبة شعب كنيسة ما.
- “ربما تشير العبارة لمجموعة ما وليس لشخص ما – ولا تشير إلى الكنيسة ككل بل إلى كنيسة محلية يرعاها شيخ، وأولادها هم أعضاء الكنيسة. ” ستوت (Stott)
- “يظهر أنها كانت مشهورة، وأن تقواها ومرتبتها الاجتماعية جعلاها بارزة ومؤثرة في دعم مصالح المؤمنين. ” بوله (Poole)
- ربما لم يذكر يوحنا اسمه أو اسم كِيرِيَّةَ (السيدة) الْمُخْتَارَةِ أو أَوْلاَدِهَا لأنه كتب رسالته في زمن الاضطهاد. فلم يرغب يوحنا في توريط أي شخص بكتابة اسمه في رسالة مكتوبة في حال تم اعتراضها من قبل السلطات، فقد يعني ذلك موت هؤلاء الأشخاص.
- الَّذِينَ أَنَا أُحِبُّهُمْ بِالْحَقِّ، وَلَسْتُ أَنَا فَقَطْ: مهما كانت تلك السيدة الْمُخْتَارَةِ فإنها كانت محبوبة من قبل جَمِيعُ الَّذِينَ قَدْ عَرَفُوا الْحَقَّ. فإن كنا نعرف ونحب الحق فسوف نحب كل الذين يعرفون الحق ويحبونه – الْحَقِّ الَّذِي يَثْبُتُ فِينَا يحيا أيضاً في الذين يعرفون الحق.
- نرى أن يوحنا ركز على فكرة الحق، كما كان يفعل في كل كتاباته. فقد استخدم كلمة الحق حوالي سبعة وثلاثون مرة في كتاباته في العهد الجديد.
- يبين هذا أن ما يربط المؤمنين معاً ليس التوافق الاجتماعي أو السياسي أو العرقي. فالذي يربطنا معاً هو الْحَقَّ المشترك. ولهذا السبب الحق هو أمر في غاية الأهمية بالنسبة للمؤمنين.
- سَيَكُونُ مَعَنَا إِلَى الأَبَدِ: الحق لا يتغير أبداً. فالحق يبقى حقيقياً إِلَى الأَبَدِ، وسنحظى به في الأبدية. ويعتقد كثيرون اليوم أن الحق يتغير من عصر إلى عصر ومن جيل إلى جيل، لكن الكتاب المقدس يعرف أن الحق سَيَكُونُ مَعَنَا إِلَى الأَبَدِ.
ب) الآية (٣): تحية يوحنا لقرائه.
٣تَكُونُ مَعَكُمْ نِعْمَةٌ وَرَحْمَةٌ وَسَلاَمٌ مِنَ اللهِ الآبِ وَمِنَ الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، ابْنِ الآبِ بِالْحَقِّ وَالْمَحَبَّةِ.
- نِعْمَةٌ وَرَحْمَةٌ وَسَلاَمٌ: يقدم يوحنا نسخة موسعة من التحية المعروفة في رسائل العهد الجديد. فلم يتمنى هذا لقرائه فحسب، بل بكل ثقة أنعم عليهم بالقول تَكُونُ مَعَكُمْ … مِنَ اللهِ الآبِ.
- بِالْحَقِّ وَالْمَحَبَّةِ: لم يكن يوحنا يكتب أي آية دون أن يذكر هذين الموضوعين المحببين على قلبه أولاً. فنِعْمَة وَرَحْمَة وَسَلاَم الله أعطوا لنا بِالْحَقِّ وَالْمَحَبَّةِ. وبدون حق الله ومحبته، لا نستطيع أبداً أن نحصل على النعمة والرحمة والسلام.
- “ما أعمق المعنى في الاعداد الثلاثة الأولى من هذه الرسالة وما أجمل تناغمها! فهذه الكلمات تدفع القارئ لقراءتها مراراً وتكراراً. لِتَكُنِ النِّعمَةُ وَالرَّحمَةُ وَالسَّلَامُ لَنَا مِنَ اللهِ الآبِ وَمِنْ يَسُوعَ المَسِيحِ ابْنِ الآبِ، بَيْنَمَا نَحيَا فِي الحَقِّ وَفِي المَحَبَّةِ.” ماير (Meyer)
- ابْنِ الآبِ: “ما زال الرسول يؤمن بحمل المسيح العذراوي المعجزي، الذي ينكره الغنوسيين كلياً؛ العقيدة الاساسية لخلاصنا.”
ثانياً. كيف نسلك
أ ) الآية (٤): فرِح يوحنا لأنه وجدهم سَالِكِينَ فِي الْحَقِّ.
٤فَرِحْتُ جِدًّا لأَنِّي وَجَدْتُ مِنْ أَوْلاَدِكِ بَعْضًا سَالِكِينَ فِي الْحَقِّ، كَمَا أَخَذْنَا وَصِيَّةً مِنَ الآبِ.
- فَرِحْتُ جِدًّا: هذا يعكس قلب الراعي. فالراعي يفرح عندما يرى شعبه يعيشون فِي الْحَقِّ. ومع أن الْحَقِّ ليس هو الشاغل الوحيد بالنسبة للراعي، إلا أنه مصدر قلق كبير؛ لهذا يفرح الراعي ويتعزى عندما يرى الذين يحبهم ويهتم بهم يسلكون فِي الْحَقِّ.
- “قد يكون الأولاد المذكورين هنا إما أن يكونوا أولادها الحقيقيين أو أعضاء الكنيسة اللذين تحت رعايتها أو بعض من هذا وذاك.” كلارك (Clarke)
- لأَنِّي وَجَدْتُ مِنْ أَوْلاَدِكِ بَعْضًا سَالِكِينَ فِي الْحَقِّ: فرح يوحنا لأنه عندما يسلك شعب الله في الحق فإنهم أيضاً يثبتون في الله. ونرى نفس الفكرة في يوحنا الأولى ٢٤:٢ “أَمَّا أَنْتُمْ فَمَا سَمِعْتُمُوهُ مِنَ الْبَدْءِ فَلْيَثْبُتْ إِذًا فِيكُمْ. إِنْ ثَبَتَ فِيكُمْ مَا سَمِعْتُمُوهُ مِنَ الْبَدْءِ، فَأَنْتُمْ أَيْضًا تَثْبُتُونَ فِي الابْنِ وَفِي الآبِ.” فالحق بحد ذاته مهم للغاية، ولكن سلوكنا في الحق مهم أيضاً لأنه يظهر أننا نسير مع الله.
- كتب تراب (Trapp) تعليقاً على فكرة سَالِكِينَ فِي الْحَقِّ وقال: “الأمر لا يتعلق باتخاذ خطوة أو خطوتين أو بتفادي الأخطاء، لكن الاصرار على السير في الحق دون التأرجح يميناً أو شمالاً.”
ب) الآية (٥): وصية أن يحب بعضنا بعضاً.
٥وَالآنَ أَطْلُبُ مِنْكِ يَا كِيرِيَّةُ، لاَ كَأَنِّي أَكْتُبُ إِلَيْكِ وَصِيَّةً جَدِيدَةً، بَلِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَنَا مِنَ الْبَدْءِ: أَنْ يُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا.
- وَالآنَ أَطْلُبُ مِنْكِ يَا كِيرِيَّةُ (أيتها السيدة): لم يتردد يوحنا أو يسمح لكبريائه أن يمنعه من أن يطلب هذا الطلب الهام – خاصة عندما يتعلق الامر بموضوع جوهري وهام في الحياة المسيحية مثل وصية: أَنْ يُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا.
- لاَ كَأَنِّي أَكْتُبُ إِلَيْكِ وَصِيَّةً جَدِيدَةً: كان يوحنا يعلم أن هذا ليس جديداً على قرائه (فقد كرر هذه الفكرة مراراً في رسالته الأولى وفي إنجيله). ولكن لأنها مسألة مهمة وضرورية، كان عليه أن يكررها ويستخدمها كتذكير.
- أَنْ يُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا: تقاس نزاهة حياتنا الروحية بمحبتنا بعضنا لبعض (كما جاء في يوحنا ٣٥:١٣ ويوحنا الأولى ٢٠:٤-٢١).
ج ) الآية (٦): اظهار محبة الله.
٦وَهذِهِ هِيَ الْمَحَبَّةُ: أَنْ نَسْلُكَ بِحَسَبِ وَصَايَاهُ. هذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ: كَمَا سَمِعْتُمْ مِنَ الْبَدْءِ أَنْ تَسْلُكُوا فِيهَا.
- وَهذِهِ هِيَ الْمَحَبَّةُ: أَنْ نَسْلُكَ بِحَسَبِ وَصَايَاهُ: إن احببنا الله، فسوف نطيع وصاياه. ولا نفعل هذا لاننا نعتقد أن وصاياه ثقيلة، لكن لاننا نرى أنها الأفضل لنا. فوصايا الله هي إرشاد وعطية لنا.
- أَنْ نَسْلُكَ بِحَسَبِ وَصَايَاهُ: المحبة الحقيقية تسلك هكذا. وربما حذر يوحنا من هؤلاء الذين يعتقدون أن أهم شيء في الحياة المسيحية هو محبة مزيفة تنبع من قلب غير خاضع.
- “ربما لا تستطيع أن تميز ما بين المحبة والشعور بالحب. إنهما امران مختلفان. فقد نحب دون وعي مباشر للحب أو دون تقدير لقوته وشغفه. وإليكم الحل لمعظم أسئلتنا: إنهم يحبوا من يطيعوا.” ماير (Meyer)
د ) الآيات (٧-٩): تحذير من وجود وخطر معلمين مضللين.
٧لأَنَّهُ قَدْ دَخَلَ إِلَى الْعَالَمِ مُضِلُّونَ كَثِيرُونَ، لاَ يَعْتَرِفُونَ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ آتِيًا فِي الْجَسَدِ. هذَا هُوَ الْمُضِلُّ، وَالضِّدُّ لِلْمَسِيحِ. ٨انْظُرُوا إِلَى أَنْفُسِكُمْ لِئَلاَّ نُضَيِّعَ مَا عَمِلْنَاهُ، بَلْ نَنَالَ أَجْرًا تَامًّا. ٩كُلُّ مَنْ تَعَدَّى وَلَمْ يَثْبُتْ فِي تَعْلِيمِ الْمَسِيحِ فَلَيْسَ لَهُ اللهُ. وَمَنْ يَثْبُتْ فِي تَعْلِيمِ الْمَسِيحِ فَهذَا لَهُ الآبُ وَالابْنُ جَمِيعًا.
- قَدْ دَخَلَ إِلَى الْعَالَمِ مُضِلُّونَ كَثِيرُونَ: أدرك يوحنا أن المعلمين الكذبة كانوا يشكلون خطراً على الكنيسة في أيامه.
- “المشكلة الفورية في (يوحنا الثانية) هي المعلمين المتجولين أو المرسلين. فوفقاً للاخلاق المسيحية كان كل ضيف يلقى حسن الضيافة من المؤمنين في البلدة التي يمروا بها. ” بويس (Boice)
- هذَا هُوَ الْمُضِلُّ: كان يوحنا يفكر في الخطر الذي كان يهدد عصره، خطر أولئك الذين كانوا يعتقدون أن يسوع، كونه الله، لا يمكن أن يكون له اتصال حقيقي بالعالم المادي، بل اتصال ظاهري.
- لمقاومة هذا الفكر، أعلن يوحنا هذه الرسالة الواضحة البسيطة: علينا أن نعترف أنَّ يَسُوعَ المَسِيحَ قَدْ أتَى إلَى الأرْضِ فِي الجَسَدِ. وهذا يعني أن يسوع أتى كإنسان حقيقي في مجيئه الأول، ويعني أيضاً أنه سياتي ثانية كإنسان حقيقي – بجسد ممجد، إضافة الى ألوهيته الأبدية.
- هذَا هُوَ الْمُضِلُّ، وَالضِّدُّ لِلْمَسِيحِ: ضد هذه الفكرة الخاطئة عن يسوع، أصر يوحنا أن الذين لاَ يَعْتَرِفُونَ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ آتِيًا فِي الْجَسَدِ هم المضلون ولهم روح ضد المسيح.
- حذرنا يوحنا من الذين هم ضد المسيح في رسالته الأولى (يوحنا الأولى ١٨:٢-٢٣، ٣:٤). فهم ليسوا ضد يسوع فحسب، بل يقدمون بديل عن ’المسيح.‘
- في نهاية الأيام ستحقق هذه الروح غايتها أخيراً في شخص يدعى ’ضد المسيح‘ الذي سيقود الإنسانية في تمرد ضد الله.
- كُلُّ مَنْ تَعَدَّى وَلَمْ يَثْبُتْ فِي تَعْلِيمِ الْمَسِيحِ فَلَيْسَ لَهُ اللهُ: لا يوجد شيء شريف أو صادق أو شجاع أو بديع في يسوع المزيف. وإنكار يسوع الحقيقي، يعني دائماً رفض الآب والابن معاً. فيوحنا هنا يرسم خطاً حرجاً للحق فوق كل بدعة التعدي.
- علينا، في يومنا هذا، أن نتعامل مع الإنكار الحديث ليسوع الحقيقي بنفس الشغف الذي اظهره يوحنا في يومه. واليوم، بوجود الانكار المبني على العلم ليسوع وإنكار السجل التاريخي للاناجيل، من المهم أكثر من قبل أن نعرف ونحب ونخدم يسوع الحقيقي وفقاً للكتاب المقدس.
- “أن تقول لا لطريقة الله باظهار نفسه، هو أن تقول لا لله نفسه، لانه لا يظهر نفسه للإنسان الا بشروطه الخاصة. ” مارشال (Marshall)
- تَعَدَّى: كلمة تَعَدَّى تحمل فكرة “تخطي الحدود.” فلا يمكننا أن نؤمن بعقائد بعيدة عن أو تتخطى تعاليم يسوع أو تتخطى حقيقته وما فعله لأجلنا. وكل من يعلم عقائد لم يعلنها الله في كلمته عن يسوع يعتبر مُتعدي.
- “يوجد تقدم حقيقي في الحياة المسيحية وهو تقدم مبني على معرفة عميقة بالمسيح التاريخي الكتابي. وأي تقدم مبني على أسس أخرى قد يدعى تقدماً لكنه يترك الله خارجاً وهكذا فهو ليس تقدماً على الاطلاق.” بويس (Boice)
- “عندما نضيف على تعاليم المسيح أو نأتي بوحي أو إعلان جديد، فهذا علامة مؤكدة على أننا نقدم ’تعليم متقدم‘ أي تعليم بعيد كل البعد عن الوحي الكتابي.” مارشال (Marshall)
- انْظُرُوا إِلَى أَنْفُسِكُمْ لِئَلاَّ نُضَيِّعَ مَا عَمِلْنَاهُ: الابتعاد عن يسوع الحقيقي يعني أننا قد نخسر كل ما فعله الرسل والقديسين لأجلنا. وهذا يظهر لنا أنه لا يكفي أن نبدأ بشكل صحيح بل ان ننهي بالايمان كي نَنَالَ أَجْرًا تَامًّا.
هـ) الآيات (١٠-١١): تعليمات عن كيفية التعامل مع المعلمين الكذبة.
١٠إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَأْتِيكُمْ، وَلاَ يَجِيءُ بِهذَا التَّعْلِيمِ، فَلاَ تَقْبَلُوهُ فِي الْبَيْتِ، وَلاَ تَقُولُوا لَهُ سَلاَمٌ. ١١لأَنَّ مَنْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ يَشْتَرِكُ فِي أَعْمَالِهِ الشِّرِّيرَةِ.
- إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَأْتِيكُمْ، وَلاَ يَجِيءُ بِهذَا التَّعْلِيمِ: اذا اتانا أحد ناكراً التعاليم الصحيحة عن يسوع ومروجاً لتعاليم خاطئة، يقول يوحنا أنه ينبغي علينا ألا نستضيفه أو نساعده. وإن فعلنا ذلك، فهذا يعني أننا نشترك معه فِي أَعْمَالِهِ الشِّرِّيرَةِ.
- “تعني هذه الكلمات وفقاً للإستخدام القديم ما يلي: ’أن لا يكون لك شركة روحية معه ولا تتصرف معه بطريقة تدفع الآخرين على الاعتقاد بأنك تعتبره أخاً.” كلارك (Clarke)
- “لنفترض أن المعلم الضيف إدعى أنه مُرسل أو نبيّ لكنه علّم تعاليم مضلة. صحيح أن حسن الضيافة أمر واجب علينا، ولكن إن فعلنا ذلك فإننا نشترك في نشر تعاليمه المضلة. فهل سوف تستقبله في هذه الحالة أم لا؟” بويس (Boice)
- لأَنَّ مَنْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ: لا يشير يوحنا هنا إلى التحية العادية المعروفة اليوم. ففي تلك الحضارة، كانت التحية تعني أن تستضيفه وتقدم له المساعدة. ولكن حفاظاً على المؤمن الضعيف أو الغير متمرس فمن الأفضل ألا يُسَلِّمُ حتى على الذين يروجون يسوع المزيف (بمعنى الكلام معه) (كالمورمون وشهود يهوه).
- تبدو هذه الكلمات قاسية، لكن يوحنا لم يفقد محبته للناس. ولكن علينا أن نأخذ بعين الاعتبار ما يلي:
- لا يتكلم يوحنا عن كل الاخطاء، بل عن خطأ التنكر كمؤمن حقيقي.
- لا يتكلم يوحنا عن كل المتنكرين كمؤمنين حقيقيين، بل الذين يعلّمون مثل هذه التعاليم المزيفة.
- لا يتكلم يوحنا عن كل المعلمين الذين يخطئون، بل الذين يخطئون بتعليم الحقائق الاساسية ويروّجونها.
- هذا لا يعني أن لا تكون لنا أي علاقة بالأشخاص العالقين بشباك الهرطقات. وكما أشار يوحنا، ينبغي علينا أن نميّز بين الذين يعلّمون التعليم التي تنكر المسيح (الذين يأتوا بتعاليم مزيفة) وبين الذين يؤمنوا بالعقائد المزيفة فقط ولكنهم لا ينشروها.
- تبدو هذه الكلمات قاسية، لكن يوحنا لم يفقد محبته للناس. ولكن علينا أن نأخذ بعين الاعتبار ما يلي:
- فَلاَ تَقْبَلُوهُ فِي الْبَيْتِ، وَلاَ تَقُولُوا لَهُ سَلاَمٌ: ربما المقصود ’فِي الْبَيْتِ‘ هو المكان الذي يجتمع به المؤمنين للعبادة (الكنيسة)، فلا ينبغي على المؤمنين أن يقبلوا المهرطقين في الكنيسة.
- “وبناءً عليه، لم يمنع يوحنا حسن الضيافة الشخصي بقدر رفضه للترحيب الرسمي في الكنيسة، فمثل هذا الترحيب سيعطي فرصة للمعلّم المضل أن ينشر ضلاله.” ستوت (Stott)
- “نرى هنا كيف تعاملت الكنيسة الأولى مع المعلّمين الكذبة. فلم تكن هناك شركة معهم، ولم يقدموا لهم أي مساعدة كمعلمين، ولكنهم لم يضطهدوهم.” كلارك (Clarke)
- يَشْتَرِكُ فِي أَعْمَالِهِ الشِّرِّيرَةِ: تتحدد شخصياتنا بالأمور التي نرفضها بقدر الأمور التي نقبلها. ووفقاً لهذا، نجد أن بعض البشر منفتحي العقل لدرجة الغباء. وأنه من الحكمة أن نكون منفتحي الذهن في كثير من الأمور، لكن ليس في الامور السامة. فيمكنك أن تقبل كل الأمور الجيدة وتوافق عليها، ولكن ينبغي أن ترفض أيضاً كل ما هو مضل وشرير. فنحن نحتاج إلى أن نصبح بارعين في رفض ما يجب رفضه.
- “ادّعى هؤلاء أنهم قادة يتمتعون بفكر وبتعليم متقدم. فقد ادعى المعلمون الغنوستيون في ذلك الوقت أن إنجيل يسوع التاريخي كان جيداً لغير المتعلمين، أما هم فيملكون معرفة أعمق. مثل هؤلاء لا تستضيفوهم.” مورغان (Morgan)
- ظهور التحرر اللاهوتي في نهاية القرن التاسع عشر أنشأ جيلاً من المؤمنين الرعاة والقادة واللاهوتيين الذين أنكروا الكثير من التعاليم المسيحية الاساسية. وعلى الرغم من أنها كانت حركة واسعة ومتنوعة، إلا أن معتنقيها آمنوا أن على المسيحية ان تعيد تقييم مبادئها لتتماشى مع العلم والفلسفة والتفكير المعاصر. فرفضوا فكرة أن تكون العقيدة صحيحة لمجرد أن الكتاب المقدس علم بذلك؛ وقالوا أنه ينبغي إثبات صحة أي عقيدة بالعقل والتجربة. كما آمنوا أن الكتاب المقدس ليس هو كلمة الله الموحى بها من إله حقيقي، بل قام بكتابته أشخاص كانوا مقيدين بجهل وخرافات أيامهم. فلم تكن أهمية الكتاب المقدس ورسالته في حقيقته التاريخية أو الحرفية، ولكن في رسالته الروحية المتغيرة.
ثالثاً. الخاتمة
أ ) الآية (١٢): يتوقع يوحنا زيارة في المستقبل القريب.
١٢إِذْ كَانَ لِي كَثِيرٌ لأَكْتُبَ إِلَيْكُمْ، لَمْ أُرِدْ أَنْ يَكُونَ بِوَرَق وَحِبْرٍ، لأَنِّي أَرْجُو أَنْ آتِيَ إِلَيْكُمْ وَأَتَكَلَّمَ فَمًا لِفَمٍ، لِكَيْ يَكُونَ فَرَحُنَا كَامِلاً.
- لأَنِّي أَرْجُو أَنْ آتِيَ إِلَيْكُمْ وَأَتَكَلَّمَ فَمًا لِفَمٍ: علينا أن نتعاطف مع تفضيل يوحنا لمقابلتهم وجهاً لوجه أكثر من كتابة الرسائل – مع أننا ممتنون لهذه الرسالة.
ب) الآية (١٣): الخاتمة.
١٣يُسَلِّمُ عَلَيْكِ أَوْلاَدُ أُخْتِكِ الْمُخْتَارَةِ. آمِينَ.
- أَوْلاَدُ أُخْتِكِ الْمُخْتَارَةِ: أن يخبرنا أن السيدة المختارة (رسالة يوحنا الثانية ١) لها أخت مختارة وأن لكلتيهما أَوْلاَدُ، لا يؤكد بوضوح لمن كتب يوحنا رسالته. وربما كل ما يمكننا أن نفهمه هو أن يوحنا استخدم هذا اللقب (سيدة مختارة) كرمز للكنيسة، لكنه لم يحدد هويتها بالضبط وكان الهدف أن يظهر لنا أن لها أخت وأولاد. وعلى أغلب الظن أن (السيدة المختارة) هي كنيسة معيّنة ولها اخت مختارة – أي كنائس شقيقة أخرى قام يوحنا بنقل تحياتهم إليها.
- أَوْلاَدُ أُخْتِكِ الْمُخْتَارَةِ: الإشارة إلى الأخت المختارة وأولادها تذكرنا أنه بالرغم من حرصنا ضد المعلّمين المضلّين، إلا أن التابعين الحقيقيين ليسوع هم أكثر من مجموعة ما. وإن سمحنا لرغبتنا في الدفاع عن الحق أن تجعلنا غير محبين وغير متسامحين، يكون الشيطان قد ربح معركة كبيرة.