رسالة كولوسي – الإصحاح ٣
خلع … ارتداء
أولاً. خلع الانسان العتيق
أ ) الآيات (١-٤): الأسس التي بنى عليها بولس توجيهاته العملية
١فَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ قُمْتُمْ مَعَ الْمَسِيحِ فَاطْلُبُوا مَا فَوْقُ، حَيْثُ الْمَسِيحُ جَالِسٌ عَنْ يَمِينِ اللهِ. ٢اهْتَمُّوا بِمَا فَوْقُ لاَ بِمَا عَلَى الأَرْضِ، ٣لأَنَّكُمْ قَدْ مُتُّمْ وَحَيَاتُكُمْ مُسْتَتِرَةٌ مَعَ الْمَسِيحِ فِي اللهِ. ٤مَتَى أُظْهِرَ الْمَسِيحُ حَيَاتُنَا، فَحِينَئِذٍ تُظْهَرُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا مَعَهُ فِي الْمَجْدِ.
- فَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ قُمْتُمْ مَعَ الْمَسِيحِ: يبدأ بولس هنا مقطع يركز فيه على الحياة المسيحية العملية، موضحاً أن الحياة المسيحية العملية مبنية على أساس الحق اللاهوتي. فحقيقة معرفتنا أن يسوع قام من بين الأموات، يجعل إتحادنا معه حقيقة أيضاً. ولأننا قمنا مَعَ الْمَسِيحِ نستطيع أن نطلب مَا فَوْقُ.
- قدمت فكرة أننا قمنا مَعَ الْمَسِيحِ في كولوسي ١٢:٢ من قبل، إذ يستخدم بولس المعمودية كشرح توضيحي لهذه الحقيقة الروحية. والآن، بعد أن قمنا مَعَ الْمَسِيحِ، علينا أن نسلك بطريقة معينة.
- الآيات المفتاحية في الأصحاح ٣ مرتبطة بالآيات في نهاية الأصحاح ٢. فالرسول بولس يُذكر أهل كولوسي في نهاية الأصحاح الثاني أن التقييد بالناموس لن يقيد رغبات الجسد، وأن العلاج الوحيد لكبحها هو اختبار إتحادنا مع المسيح.” فون (Vaughan)
- لأننا قمنا مَعَ الْمَسِيحِ، علينا أن نتصرف كما فعل يسوع بعد القيامة.
- بعد قيامته، غادر يسوع القبر. وهكذا ينبغي نحن أيضاً أن نفعل – علينا ألا نبقى هناك بعد.
- بعد قيامته، قضى يسوع وقته بصحبة التلاميذ وفي خدمتهم. وهكذا ينبغي نحن أيضاً أن نفعل – علينا أن نتمتع بالشركة مع إخوتنا وأن نخدم بعضنا البعض.
- بعد قيامته، عاش يسوع بسلطان وعمل المستحيلات. وهكذا ينبغي نحن أيضاً أن نفعل – بقوة وبمساعدة الروح القدس.
- بعد قيامته، تطلع يسوع الى السماء، عالماً أنه سيصعد قريباً إلى هناك. وهكذا ينبغي نحن أيضاً أن نفعل – مدركين أن موطننا هو في السماء.
- أضاف بولس عبارة: جَالِسٌ عَنْ يَمِينِ اللهِ للتشديد على الأمر أكثر. “هذه العبارة، المقتبسة من مزمور ١١٠، ركزت بالتحديد على سيادة ومُلك يسوع الحالي. فالوصية التي تدعونا بأن نطلب ما فوق هي دعوة للتأمل بدور المسيح الحالي وحقيقة أنه الآن مُتوجٌ كربٍّ على العالم.” رايت (Wright)
- اهْتَمُّوا بِمَا فَوْقُ: أفضل طريقة ليحيا المؤمن حياته المسيحية على الأرض هي أن يركز تفكيره على الأمور السماوية. فعندما يدرك المؤمن أن حياته مُسْتَتِرَةٌ مَعَ الْمَسِيحِ فِي اللهِ، وبما أن يسوع مُتوجٌ في السماء، تصبح أفكاره وقلبه مرتبطة بالسماء أيضاً.
- “على المؤمن أن يطلب ما فوق. فكلمة ’يطلب‘ توضح الطموح والرغبة والعاطفة… فلكي نطلب الأمور السماوية، علينا أن نركز تفكيرنا عليها.” مورغان (Morgan)
- “أحب الأمور السماوية وادرسها واجعل قلبك ينشغل بها. والآن، بما أنك صرت خليقة جديدة، عش بحسب الأمور السماوية كما فعلت سابقاً بحسب الأمور الأرضية.” كلارك (Clarke)
- “ليست كل الأمور الأرضية شريرة، لكن البعض منها شرير. ولكن حتى الأمور غير الضارة منها تصبح ضارة إذا حلت مكان الأمور السماوية.” فون (Vaughan)
- مَتَى أُظْهِرَ الْمَسِيحُ حَيَاتُنَا، فَحِينَئِذٍ تُظْهَرُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا مَعَهُ فِي الْمَجْدِ: الوعد بعودة المسيح ليس أننا سنرى مجده فحسب، بل سنظهر أَيْضًا مَعَهُ فِي الْمَجْدِ. هذا هو إعلان ابن الله المذكور في رومية ١٩:٨.
- الْمَسِيحُ حَيَاتُنَا: في مكان آخر، يكتب بولس: ’لِيَ الْحَيَاةَ هِيَ الْمَسِيحُ‘ (فيلبي٢١:١). ويُظهر هنا أن هذه الفكرة ليست فقط للرسل، ولكن لجميع المؤمنين – الْمَسِيحُ حَيَاتُنَا. فيقال أحياناً: ’الموسيقى حياته‘ أو ’الرياضة حياته‘ أو ’العمل حياته‘ ولكن بالنسبة للمؤمنين يجب أن يُقال: ’ يسوع حياته.‘
- في ذلك اليوم، سيرى الجميع المؤمنين على حقيقتهم وليس كما كانوا في هذا العالم. “بولس، السجين، الذي كان بالنسبة للرومان يهودي غريب الأطوار، وكان اسوأ من أممي خائن بالنسبة لليهود، سيراه العالم كالرسول بولس، خادم الملك. والكولوسيين، الذين كانوا وثنيين عديمي الفائدة من مدينة في العالم الثالث، سوف نراهم في مجدٍ إذا ظهر الآن كانوا سيعبدون.” رايت (Wright)
ب) الآيات (٥-٧): أميتوا الأشياء التي هي ضد الله وجزء من هذا العالم.
٥فَأَمِيتُوا أَعْضَاءَكُمُ الَّتِي عَلَى الأَرْضِ: الزِّنَا، النَّجَاسَةَ، الْهَوَى، الشَّهْوَةَ الرَّدِيَّةَ، الطَّمَعَ الَّذِي هُوَ عِبَادَةُ الأَوْثَانِ، ٦الأُمُورَ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا يَأْتِي غَضَبُ اللهِ عَلَى أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ، ٧الَّذِينَ بَيْنَهُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا سَلَكْتُمْ قَبْلاً، حِينَ كُنْتُمْ تَعِيشُونَ فِيهَا.
- فَأَمِيتُوا أَعْضَاءَكُمُ: لذلك تُشير إلى إتحادنا مع المسيح المُقام والمُتوج بحسب
كولوسي١:٣-٤. ولأننا نفهم هذا الحق، نستطيع ان نُميت الأشياء التي في حياتنا والتي تُخالف هويتنا في المسيح.- الفعل nekrosate، يعني حرفياً ’جعل الشيء ميتاً‘ قويٌّ جداً. ويشير الى أننا لا نستطيع ببساطة أن نقمع أو نسيطر على أفعال الشر والمواقف، بل علينا أن نقضي تماماً على أسلوب حياتنا العتيقة.” فون (Vaughan)
- نحن نُميت تعني أن ننكر هذه الأمور ونعتبرها ميتة بالنسبة لنا ونحن أموات بالنسبة لها. “إشباع أي شهوة جسدية يعني إمدادها بالطعام والتغذية لكي تزدهر وتكون فعالة.” كلارك (Clarke)
- ثمة أهمية في تدوين وتسمية هذه الخطايا كما فعل بولس هنا في هذا المقطع. “من السهل على المؤمن أن ينجرف وراء خطية لا يعرفها بالاسم من أن يرتكب خطية يعرفها الجميع.” رايت (Wright)
- الزِّنَا، النَّجَاسَةَ، الْهَوَى والشَّهْوَةَ الرَّدِيَّةَ: كل واحدة من هذه المصطلحات تشير الى الخطية الجنسية. أمَّا الطَّمَعَ، فيعني الجشع أو الرغبة في الحصول على المزيد، لا يقل عن خطية الزِّنَا. ولأنه يستحيل على الرب يسوع أن يسير في أي من هذه الخطايا، فنحن أيضاً لن نسير فيها إن كنا متحدين معه.
- الزِّنَا: “تشير الكلمة المترجمة هنا الى العلاقة الجنسية خارج نطاق الزواج؛ ففي العالم القديم، كما الحال في عالمنا الحديث أيضاً، تعني الكلمة ممارسة الجنس مع بائعة هوى بشكل مستمر.” رايت (Wright)
- النَّجَاسَة: “معناها أوسع من الزنا وأشمل. والنجاسة تشمل الجنس، لكنها تستخدم لتشير إلى أشكال مختلفة من القذارة الأدبية.” بروس (Bruce)
- يذكر مورغان (Morgan) ثلاث طرق للدلالة على أن الطَّمَعَ مُدمّرٌ للغاية:
- “أولاً، هو عبادة أوثان، ويحدث عندما تستحوذ الممتلكات على تفكير الإنسان بدلاً من السعي وراء علاقة حقيقية مع الله.”
- “إنه أيضاً خطية موجهة ضد الآخرين. فلكي تشبع رغباتك، لا بد أن تظلم وتسيء لمن هم حولك.”
- “أخيراً، الطمع مدمرٌ للنفس، لأن هذه المفاهيم والأفعال الخاطئة دائماً ما تنعكس سلباً على النفس وتؤدي الى خرابها.”
- ثم يُضيف مورغان (Morgan): “ومع كل هذا، هل سبق وأدبت الكنيسة عضواً لعلة الطمع؟”
- “كل إنسان تقي يبحث عن سعادته في الله، أما الطماع فيبحث عن سعادته في أمواله التي هي أساساً من الله؛ فيصبح طمعه كعبادة الأوثان.” كلارك (Clarke)
- الأُمُورَ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا (بِسَبَبِ هَذِهِ الأُمُورِ): الخطايا التي ذُكرت سابقاً هي جزء من الطريقة التي يعيش بها العالم وليس الطريقة التي يعيشها بها المسيح. لذا يواجه كل مؤمن هذا السؤال: “مع من سوف اتّحد، مع العالم أم مع المسيح؟”
- يَأْتِي غَضَبُ اللهِ عَلَى أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ: هذه الخطايا هي دعوة لنزول غَضَب اللهِ. ولأن العالم يهوى الخطية، لا يأتون بتواضع الى المسيح. وبينما يستمرون باقترافها، تُضاف هذه الخطايا الى دينونتهم. ورغم أن خطية واحدة منها كفيلة بإرسال أي إنسان إلى الجحيم (يعقوب ١٠:٢)، لكن هناك مستويات أعظم للدينونة (متى ١٤:٢٣).
- إلى حد ما يَأْتِي غَضَبُ اللهِ بينما يسمح للإنسان بالاستمرار في فعل الشر – والنتيجة: تدمير الذات (كما في رومية ٢٤:١-٣٢).
- الَّذِينَ بَيْنَهُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا سَلَكْتُمْ قَبْلاً، حِينَ كُنْتُمْ تَعِيشُونَ فِيهَا: قد تعكس هذه الخطايا حالة العالم الذي عصى وتمرد على الله، ولكنها في صيغة الماضي بالنسبة للمؤمنين.
- وبعبارة أبسط، لا ينبغي على المؤمنين أن يعيشوا كأَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ. فالمؤمن الحقيقي لن يرتاح أبداً بحياة مليئة بالخطية والعصيان.
- قال بولس أن المؤمنين سلكوا قبلاً في هذه الخطايا. ولهذا من المحتمل – للأسف طبعاً – أن تظهر مثل هذه الخطايا أحياناً في حياة المؤمن ولكنها يجب ألا تكون أسلوب حياته.
ج ) الآيات (٨-٩): إزالة آثار عالمية أخرى
٨وَأَمَّا الآنَ فَاطْرَحُوا عَنْكُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا الْكُلَّ: الْغَضَبَ، السَّخَطَ، الْخُبْثَ، التَّجْدِيفَ، الْكَلاَمَ الْقَبِيحَ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ. ٩لاَ تَكْذِبُوا بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ، إِذْ خَلَعْتُمُ الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ مَعَ أَعْمَالِهِ.
- وَأَمَّا الآنَ فَاطْرَحُوا عَنْكُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا الْكُلَّ: الخطايا الأخرى التي يدوّنها بولس (الْغَضَبَ، السَّخَطَ… إلخ.) تُسمى بالخطايا الصغيرة من قِبل الكثيرين لدرجة أن المؤمنون ينظرون اليها كأقل خطورة. ولكن يضع بولس التحدي أمامنا لنطرح عنا كل مخلفات الإنسان العتيق.
- “اطرحوا عنكم كل العادات القديمة، تماماً مثلما تفعل عندما تتخلى عن بدلة مهترئة لم تعد تناسبك.” بروس (Bruce)
- الْغَضَبَ، السَّخَطَ، الْخُبْثَ، التَّجْدِيفَ، الْكَلاَمَ الْقَبِيحَ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ، لاَ تَكْذِبُوا: نرتكب هذه الخطايا بواسطة الكلام. فعندما يدعو بولس المؤمن إلى مستوى أعمق من الطاعة، يطلب منه أن يلجم لسانه (كما في رسالة يعقوب ٢٦:١ و١:٣-٩).
- بالرغم من ذلك، من الممكن أن نكذب على بعضنا البعض دون استخدام الكلام. “من السهل علينا تحريف الحق؛ ويحدث هذا إما بتغيير في نبرة الصوت أو بنظرة؛ وهناك صمت قد يكون أكثر تشويهاً للحق من الكلمات نفسها.” باركلي (Barcley)
- إِذْ خَلَعْتُمُ الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ مَعَ أَعْمَالِهِ: من السهل علينا أن نرى كيف تتعارض الخطايا الكبيرة المذكورة في كولوسي٥:٣ مع طبيعة المسيح. ولكن الخطايا “الأقل” تتعارض أيضاً مع طبيعته، لذلك يقول: اطْرَحُوا عنكم هذه الخطايا أيضاً.
- في هذا المقطع (كولوسي٥:٣-٩) أظهر بولس أولويتين مهمتين في الحياة المسيحية: الأخلاق الجنسية مرتبطة بموقف القلب الصحيح تجاه الأمور المادية، وببساطة التعامل مع الآخرين بكل محبة. ولأنه من السهل على المجتمع المسيحي أن يضحي بأولوية على حساب الأخرى، أكد بولس (بوحيِ الروح القدس) على أهمية الأمرين في الحياة المسيحية.
- إِذْ خَلَعْتُمُ الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ مَعَ أَعْمَالِهِ تعني أن القديسين في يسوع المسيح هم أشخاص مختلفون تماماً عن العالم. وبالتالي، “عندما تتقد الشهوة بداخلنا أو نشعر بالغضب، علينا أن نتعامل معهما وكأنهما دخلاء أجنبيين وأن نطلب منهما مغادرة المنزل ونمنعهما من إصدار الأوامر.” رايت (Wright)
ثانياً. البسوا الإنسان الجديد
أ ) الآيات (١٠-١١): بينما نخلع الإنسان العتيق، علينا أن نلبس الإنسان الجديد.
١٠وَلَبِسْتُمُ الْجَدِيدَ الَّذِي يَتَجَدَّدُ لِلْمَعْرِفَةِ حَسَبَ صُورَةِ خَالِقِهِ، ١١حَيْثُ لَيْسَ يُونَانِيٌّ وَيَهُودِيٌّ، خِتَانٌ وَغُرْلَةٌ، بَرْبَرِيٌّ سِكِّيثِيٌّ، عَبْدٌ حُرٌّ، بَلِ الْمَسِيحُ الْكُلُّ وَفِي الْكُلِّ.
- لَبِسْتُمُ الْجَدِيدَ: كان هذه العبارة تستخدم لتبديل الملاس. ويمكننا تقريباً أن نتصور إنسان يخلع العتيق ويلبس الْجَدِيدَ في المسيح.
- الَّذِي يَتَجَدَّدُ لِلْمَعْرِفَةِ: لأن الإنسان الجديد يَتَجَدَّدُ في معرفته لله، فهو يشعر بجوع مستمر لمعرفة ما يقوله الله في كلمته.
- حَسَبَ صُورَةِ خَالِقِهِ: يُشير بولس بشكل واضح إلى الآية في سفر التكوين ٢٧:١، التي تقول أن الله خلق آدم على صورته. وبما أن آدم الأول الذي يشار إليه الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ إذاً علينا أن نخلعه ونطرحه بعيداً عنا لأننا الآن مخلوقين على صُورَةِ آدم الثاني، أي يسوع المسيح.
- حَيْثُ لَيْسَ يُونَانِيٌّ وَيَهُودِيٌّ، خِتَانٌ وَغُرْلَةٌ، بَرْبَرِيٌّ سِكِّيثِيٌّ، عَبْدٌ حُرٌّ: الإنسان الجديد هو جزءٌ من عائلة لا تفرق بين يهودي أو يوناني، بين مختون وغير مختون، بين بربري وسكيثي، أو بين عبدٍ أو حر، فما يَهُمُّ هو المسيح، لأن الْمَسِيحُ الْكُلُّ وَفِي الْكُلِّ في هذه العائلة الجديدة.
- عمل هذه الخليقة الجديدة لا يتعامل فقط مع الإنسان العتيق ويعطينا الجديد الذي بحسب يسوع المسيح؛ لكنه أيضاً يكسر الحواجز التي تفصل الناس في المجتمع. فلا يهم في الخليقة الجديدة إن كنت يوناني أو يهودي أو مُختتن أو غير مُختتن أو سكيثي أو عبد أو حر. فهذه الحواجز قد هدمت.
- “يُضيف بولس هنا السكيثي الى البربريٌ كمثال متطرف.” بييك (Peake)
- كانت هذه الحواجز موجودة في العالم الروماني القديم؛ ولكن قوة الله من خلال إنجيل يسوع المسيح هدمها كلها. ولا سيما الحواجز القوية التي كانت تفصل العبد عن الحر، لكن المسيحية غيرت ذلك.
- “أظهر العبيد في زمن الاضطهاد قدرتهم على مواجهة التجارب والألم من أجل إيمانهم بكل شجاعة كالرومان الأحرار. فمثلاً، تعرضت كل من بلاندينا (Blandina) الجارية ووصيفتها إلى الاضطهاد العنيف الذي واجه الكنيسة في وادي رون عام ١٧٧ ب.م، ولكن شجاعة تلك الجارية أثار إعجاب الأعداء قبل الأصدقاء حتى أنهم شبهوها بالرياضية النبيلة التي تتسابق في معركة الشهداء من أجل المسيح.” بروس (Bruce)
- “في حلبة كارثيج في العام ٢٠٢ ب.م تأثر المشاهدين كثيراً عندما وقفت المسؤولة الرومانية بيربيتشوا (Perpetua) بجانب أمتْها فيليسيتاس (Felicitas) لمواجهة الموت معاً بسبب إيمانهن المشترك.” بروس (Bruce)
ب) الآيات (١٢-١٧): حياة الإنسان الجديد
١٢فَالْبَسُوا كَمُخْتَارِي اللهِ الْقِدِّيسِينَ الْمَحْبُوبِينَ أَحْشَاءَ رَأْفَاتٍ، وَلُطْفًا، وَتَوَاضُعًا، وَوَدَاعَةً، وَطُولَ أَنَاةٍ، ١٣مُحْتَمِلِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَمُسَامِحِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا إِنْ كَانَ لأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ شَكْوَى. كَمَا غَفَرَ لَكُمُ الْمَسِيحُ هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا. ١٤وَعَلَى جَمِيعِ هذِهِ الْبَسُوا الْمَحَبَّةَ الَّتِي هِيَ رِبَاطُ الْكَمَالِ. ١٥وَلْيَمْلِكْ فِي قُلُوبِكُمْ سَلاَمُ اللهِ الَّذِي إِلَيْهِ دُعِيتُمْ فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ، وَكُونُوا شَاكِرِينَ. ١٦لِتَسْكُنْ فِيكُمْ كَلِمَةُ الْمَسِيحِ بِغِنىً، وَأَنْتُمْ بِكُلِّ حِكْمَةٍ مُعَلِّمُونَ وَمُنْذِرُونَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، بِمَزَامِيرَ وَتَسَابِيحَ وَأَغَانِيَّ رُوحِيَّةٍ، بِنِعْمَةٍ، مُتَرَنِّمِينَ فِي قُلُوبِكُمْ لِلرَّبِّ. ١٧وَكُلُّ مَا عَمِلْتُمْ بِقَوْل أَوْ فِعْل، فَاعْمَلُوا الْكُلَّ بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ، شَاكِرِينَ اللهَ وَالآبَ بِهِ.
- فَالْبَسُوا كَمُخْتَارِي اللهِ: الإنسان الجديد هو من اختيار الله. وهذا يعني أن الله قد اختار المؤمن ليكون شيئاً مهماً في خطته. فكلمة “مُخْتَارِي اللهِ” تُخيف البعض، لكن يجب أن تُؤخذ كعزاء وكمصير علينا تحقيقه على حد سواء.
- الْبَسُوا أَحْشَاءَ رَأْفَاتٍ، وَلُطْفًا، وَتَوَاضُعًا: كل هذه الصفات تعبر عن نفسها في العلاقات. إذ يمكننا قياس مدى عمق حياتنا الروحية من خلال علاقاتنا مع الآخرين وكيف نتعامل معهم.
- “من المهم ملاحظة أن كل واحدة من هذه البركات المكتوبة هنا لها علاقة وثيقة بعلاقتنا مع أخينا الإنسان. فلا يوجد ذِكر لفضائل مثل الكفاءة أو الذكاء أو حتى الاجتهاد أو المثابرة – هذا لا يعني أن هذه الأشياء غير مهمة، ولكن أعظم الفضائل الأساسية في حياة المؤمن هي تلك التي تحكم علاقاته الإنسانية.” باركلي (Barcley)
- أَحْشَاءَ رَأْفَاتٍ: يتأثر الشيء الرقيق والحساس باللمس. “يريدهم الرسول بولس أن يشعروا بمعاناة الآخرين؛ وكالملابس التي يرتدونها بشكل طبيعي، هكذا ينبغي أن تكون قلوبهم مليئة بالشفقة والحنان نحو الأشخاص المتألمين.” كلارك (Clarke)
- لُطْفًا: “شبه الكتبة القدماء كلمة chrestotes (اللطف) بالرجل الذي يخشى على بضاعة جاره وكأنها له…. وكانت الكلمة تُستخدم أيضاً لتشير إلى النبيذ المعتق الذي يخسر حدته مع الوقت. وهي نفس الكلمة التي استخدمها يسوع حين قال: “نِيرِي هَيِّنٌ” (متى٣٠:١١).” باركلي (Barcley)
- يمكننا القول أن التواضع (الذي لم يكن يُحسب فضيلة أيام اليونانيين القدماء) هو “الأب” لكل من الوداعة والصبر. فتُظهر الوداعة كيف سيؤثر التواضع على تصرفاتي مع الآخرين؛ فلن أسيطر أو أتلاعب أو أُجبر الآخرين على تحقيق غاياتي حتى إن كنتُ أمتلك القوّة والصلاحية. ويُظهر الصبر كيف للتواضع أن يؤثر على ردود افعالي نحو الآخرين؛ فلن أفقد صبري ولن أكون فظّاً أو أمتعض من ضعفات وخطايا الآخرين.
- مُسَامِحِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا إِنْ كَانَ لأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ شَكْوَى. كَمَا غَفَرَ لَكُمُ الْمَسِيحُ هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا: مطلوب منا أن نسامح بعضنا البعض، كما سامحنا المسيح وعلى مثاله. وفهمنا لحقيقة أن يسوع غفر لنا سيجعلنا نغفر للآخرين بصورة أفضل.
- نحن نعكس عدم إمتناننا لغفران المسيح حينما لا نغفر للآخرين خصوصاً عندما نقارن الدين الهائل الذي غفره المسيح لنا بدين الآخرين لنا، (كما تكلم يسوع في متى ٢١:١٨-٣٥). “يُستخدم الغفران الذي قبلوه ليعزز واجب غفران الآخرين.” بييك (Peake)
- عندما يفكّر الإنسان كيف غَفَرَ له الْمَسِيح لا يستطيع إلا أن يغفر أكثر:
- يحجز الله غضبه لوقت طويل عندما نُخطيء إليه. إنه يتحملنا كثيراً، حتى عندما نخطيء اليه بعنفٍ.
- يتواصل الله مع البشر الخطاة ليقدم لهم الغفران؛ لا يتصالح الإنسان عادة مع المسيء إليه إن كان شخصاً سيئاً.
- يبادر الله بالخطوة الأولى نحونا؛ لا يتصالح الإنسان عادة مع المسيء إليه إلا إذا طلب المغفرة وقام بالخطوة الأولى.
- يغفر لنا الله مع علمه أننا سنخطيء ثانية؛ لا يتصالح الإنسان عادة مع المسيء إليه دون أن يعد بجدية عدم تكرار الإساءة.
- غفران الله كامل ورائع لدرجة أنه يمنح التبني للذين أساؤوا إليه سابقاً؛ تتغير عادة نظرة الإنسان نحو من المسيئين إليه حتى بعد المصالحة.
- حمل الله كل العقاب خطايانا؛ لن يسامح الإنسان من أخطأ إليه إلا عندما يوافق على تحمل كل عواقب أفعاله.
- يستمر الله في التواصل مع الإنسان رغم رفضه المستمر له؛ لن يستمر الإنسان عادة بطلب المصالحة إن تم رفضها مرة.
- لا يشترط الله وجود فترة اختبارية قبل الغفران؛ لن يغفر الإنسان عادة للمسيئين إليه إلا بعد مرور فترة للاختبار.
- يقدم غفران الله استرداد كامل وكرامة؛ يشعر الإنسان عادة بأنه ينبغي أن يحصل على ثناء الآخرين لمجرد أنه تحمل إهانة من اساؤوا إليه.
- يضع الله ثقته فينا حالما يمنحنا الغفران ويدعونا للعمل معه كشركاء؛ لا يثق الإنسان عادة بمن اخطأ اليه مرة.
- “لنفترض أن شخصاً ما قد أساء إلى أحدكم بشكل كبير، وبعدها سأل الغفران منكم، هل تعتقدون أنكم ستقولون له: ’حسناً، سأغفر لك، ولكني لن انسى الإساءة أبداً؟‘ آه يا اصدقائي الأعزاء، هذا النوع من الغفران هو غفران أعرج وليس له قيمة كبيرة.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَعَلَى جَمِيعِ هذِهِ الْبَسُوا الْمَحَبَّةَ الَّتِي هِيَ رِبَاطُ الْكَمَالِ: المحبة هي ملخص لكل ما وصف في هذا المقطع. فالمحبة تحقق ما يريده الله في العلاقات بشكل كامل وتام.
- وَعَلَى جَمِيعِ هذِهِ الْبَسُوا الْمَحَبَّةَ: “أو فوق الكل، وكما يغطي الرداء الخارجي كل الملابس، لندع المحبة أو الخير يغطي ويشمل كل شيء… هكذا المحبة لتكون كالرداء الخارجي الذي يغطي كل الإنسان.” كلارك (Clarke)
- “جميع الفضائل المذكورة في الآيات ١٢، ١٣ ما هي إلا تعبير عن المحبة؛ لكن المحبة هي أعظم منها كلها مجتمعة.” فون (Vaughan)
- تصبح الفضائل الأخرى التي نسعى وراءها بدون المحبة، مشوشة وغير متوازنة.” رايت (Wright)
- وَلْيَمْلِكْ فِي قُلُوبِكُمْ سَلاَمُ اللهِ الَّذِي إِلَيْهِ دُعِيتُمْ فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ: قاعدة سَلاَمُ اللهِ تعني أن السلام يجب أن يميز شعب الله، وهذا السلام هو المقياس الذي من خلاله نميز مشيئة الله.
- “استخدم بولس كلمة، لْيَمْلِكْ. وتعني في اليونانية فصل النزاع أو الحاكم. فعندما نقف أمام مفترق طرق ولا تعرف أين تذهب، وترى أنك إن سلك هذا الطريق سيتزعزع سلامك، بينما ستحافظ عليه إن سلك الطريق الأخرى، حينئذٍ اختر الطريق الذي ستحافظ فيه على سلامك وعلى سلام الآخرين. أترك الحكم لسلام الله.” ماير (Meyer)
- “ليحكم فيكم سلام الله ويقرر ويحفظ قلوبكم تماماً كما يفعل الحكم أو القاضي في مسابقات الألمبياد… فعندما يخسر إنسان ما سلامه، يشعر وكأنه خسر شيئاً لصالح الشر وأنه أحزن روح الله.” كلارك (Clarke)
- يرى رايت (Wright) كلمة سلام في إطار المجتمع: “السلام هنا ليس هو السلام الداخلي، بل سلام الذهن الشخصي الذي يصاحب الثقة في محبة الله، لكنه سلام يميز المجتمع، الجسد بأكمله.”
- لِتَسْكُنْ فِيكُمْ كَلِمَةُ الْمَسِيحِ بِغِنىً، وَأَنْتُمْ بِكُلِّ حِكْمَةٍ مُعَلِّمُونَ وَمُنْذِرُونَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، بِمَزَامِيرَ وَتَسَابِيحَ وَأَغَانِيَّ رُوحِيَّةٍ: يعيش الإنسان الجديد بحسب كلمة الله والشركة مع المؤمنين.
- تسكن فيكم: “نرى أنه يشير هنا إلى الشكينة، أو رمز الحضور الإلهي، الذي سكن خيمة الإجتماع وسكن الهيكل الأول.” كلارك (Clarke)
- بِمَزَامِيرَ وَتَسَابِيحَ وَأَغَانِيَّ رُوحِيَّةٍ: هذا التنوع يقترح بأن الله يستمتع بالعبادة المُبدعة والعفوية النابعة من القلب. والتركيز هو على التنوع أكثر من الأصناف الصارمة. “لا نرى فرق واضح بين هذه التعابير الثلاثة.” كلارك (Clarke)
- “عندما تسكن كلمة المسيح في المؤمن بغنى تمتلئ الكنيسة والبيوت بالأغاني الروحية.” بييك (Peake)
- فَاعْمَلُوا الْكُلَّ بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ: يعيش الإنسان الجديد كل حياته للمسيح. فيسعى فقط لعمل الأشياء التي يمكنه أن يعملها باسْمِ الرَّبِّ يَسُوع، ويصبر بينما يعملها عالماً أنه يعملها باسْمِ الرَّبِّ يَسُوع.
ج ) الآيات (١٨-١٩): الإنسان الجديد والزواج
١٨أَيَّتُهَا النِّسَاءُ، اخْضَعْنَ لِرِجَالِكُنَّ كَمَا يَلِيقُ فِي الرَّبِّ. ١٩أَيُّهَا الرِّجَالُ، أَحِبُّوا نِسَاءَكُمْ، وَلاَ تَكُونُوا قُسَاةً عَلَيْهِنَّ.
- أَيَّتُهَا النِّسَاءُ، اخْضَعْنَ: الكلمة اليونانية القديمة المُترجمة اخْضَعْنَ هي كلمة مُستعارة من العسكرية، وتعني حرفياً “أقل رتبةً.” فهي تشير إلى الطريقة التي ينظم فيها الجيش، فهناك مستويات مختلفة من الرتب والجنرالات والروّاد والنقباء والرقباء والجنود. وكل فرد مُلتزمٌ باحترام من هو أعلى رتبةً منه.
- قد يكون الجندي أكثر ذكاءاً وأكثر موهبة وأفضل كإنسان من الجنرال. ومع ذلك، لا يزال اقل رتبةً من الجنرال. فهو لا يخضع للجنرال كشخص أكثر من خضوعه له كرتبة عسكرية. وبنفس الطريقة، لا تخضع المرأة لزوجها لأنه يستحق ذلك، بل هي تخضع له لأنه زوجها.
- فكرة الخضوع لا علاقة لها بكون الشخص أذكى أو أفضل أو أكثر موهبة، بل لها علاقة بترتيب الله. ” كل من خدم في الجيش يعلم أن الرتبة لا شأن لها بالقيمة والقدرة بل بالترتيب والسلطة.” ويرزبي (Wersbie)
- “مساواة الرجل والمرأة أمام الرب، والتي كتب عنها بولس في رسالته الى غلاطية ٢٨:٣، أمر لم يتغير: ولكن لا يعني ذلك تطابق الأدوار أو الوظيفة.” رايت (Wright)
- يعني الخضوع أنك جزءاً من فريق. فإن كانت العائلة فريقاً، فالزوج هو القائد وللزوجة دورها ومكانتها بما يتعلق بالقائد، وللأولاد مكانتهم فيما يخص القائد والزوجة.
- “شكل الفعل (hypotassesthe، الصوت الوسط) يُظهر أن الخضوع يجب أن يكون طوعاً. فلا يجب أن يكون خضوع المرأة للرجل بالإكراه؛ بل على الزوجة المحبة أن تخضع لأنها حريصة أن يكون لبيتها (كما في أي مؤسسة أخرى) رأسٌ تعتز به.” فون (Vaughan)
- أَيَّتُهَا النِّسَاءُ، اخْضَعْنَ لِرِجَالِكُنَّ: هذا تعريف لمحيط خضوع النساء لِرِجَالِهن. فالكتاب المقدس لا يُوصي ولا يقترح خضوع المرأة للرجل بشكل عام. إنها وصية تصلح فقط في محيط الكنيسة والبيت. والله لا يوصي بأن يكون الرجال هم أصحاب السلطة الوحيدين في السياسية أو الأعمال أو التعليم وما إلى ذلك.
- كَمَا يَلِيقُ فِي الرَّبِّ: هذه عبارة بالغة الأهمية لأنها تغير كل مفهومنا حول هذا المقطع. فقد كان هناك تفسيرين رئيسيين “خاطئين” لهذه العبارة، كل منهما يفضل طرف ما.
- يقول التفسير الذي يفضل الزوج أن جملة كَمَا يَلِيقُ فِي الرَّبِّ تعني أن على الزوجة أن تخضع لزوجها كما لو كان هو الله نفسه. ويعني هذا ما يلي: “كما يخضع المؤمن لله في كل شيء دون أي نقاش، هكذا ينبغي على الزوجة أن تخضع لزوجها.” وهذا الرأي يعتقد أن جملة كَمَا يَلِيقُ فِي الرَّبِّ تُعرّف حجم الخضوع. ولكن هذا الفكر خطأ. ببساطة نقول أنه لا يوجد آية في الكتاب المقدس تقول أن الخضوع يجب أن يكون هكذا. فهناك حدود للخضوع الذي يتوقعه صاحب العمل منك، وهناك حدود للخضوع الذي تتوقعه الحكومة منك، وهناك حدود للخضوع الذي يتوقعه الأهل من أولادهم. لا تُعلم كلمة الله في أي مكان، عن الخضوع الكامل دون استثناءات إلا لله وحده. وانتهاك هذا الحق هو كعبادة الأوثان.
- يقول التفسير الذي يفضل الزوجة أن جملة كَمَا يَلِيقُ فِي الرَّبِّ تعني “أنا سأخضع له طالما أنه يفعل ما يريده الرب.” وعندها يكون واجب الزوجة لتقرر ما يريده الرب. وهذا الرأي يعتقد أن جملة كَمَا يَلِيقُ فِي الرَّبِّ تُعرّف حدود الخضوع. وهذا تفسير غير صحيح أيضاً. صحيحٌ أن هناك حدود لخضوع الزوجة، لكن عندما تتعامل الزوجة مع الآية كَمَا يَلِيقُ فِي الرَّبِّ بهذه الطريقة، ستنحرف سريعاً عن الطريق، فتقول: “سأخضع لزوجي عندما أتفق معه. وسأخضع له عندما يتخذ القرارات الصحيحة وينفذها بالطريقة الصحيحة. ولكن عندما يتخذ قرار خاطئ، لن يُصبح في الرب، لذا لا يجب أن أخضع له، فالأمر أصبح لا يليق الآن.” ببساطة نقول، هذا ليس خضوعاً أبداً. الكل يخضع للكل إن كانوا على توافق، باستثناء أولئك الذين يحبون الخصام والجدال. فغياب الاتفاق هو الإمتحان الحقيقي للخضوع.
- كَمَا يَلِيقُ فِي الرَّبِّ لا تُعرف حجم أو حدود خضوع الزوجة، بل تُعرّف الدافع وراء خضوع الزوجة، وتعني: ” أَيَّتُهَا النِّسَاءُ، اخْضَعْنَ لِرِجَالِكُنَّ لأن هذا جزءٌ من واجبكن نحو الرب، ولأنه تعبيرٌ عن خضوعكن للرب.” إنهن يخضعن ببساطة لأنه هذا يَلِيقُ فِي الرَّبِّ. وهذا الخضوع يُكرم كلمة الرب وترتيبه للسلطة. إنه جزءٌ من واجبهن المسيحي ودورهم كتلاميذ.
- “تشير عبارة في الرب إلى أن خضوع الزوجة مناسب ليس فقط بحسب الترتيب الطبيعي ولكن أيضاً بحسب الترتيب الكنسي. وهذا رُفِعَ الأمر إلى مستويات أعلى.” فون (Vaughan)
- وبناءً عليه تعني جملة كَمَا يَلِيقُ فِي الرَّبِّ كالتالي:
- بالنسبة للزوجات، فإن الخضوع لأزواجهن هو جزءٌ من حياتهن المسيحية.
- عندما لا تطيع الزوجة هذه الكلمات: اخْضَعْنَ لِرِجَالِكُنَّ كَمَا يَلِيقُ فِي الرَّبِّ، هي لا تفشل فقط عن أن تكون زوجة، لكنها تفشل على أن تكون تلميذة ليسوع المسيح.
- هذا يعني أن الخضوع لن يكون سهلاً لأنه لا يتماشى مع مملكة “ذاتي” أو “شخصيتي.” ولكن ليس مُتوقع للزوجات أن يخضعن لأنهن من “النوع الخاضع” بل لأن هذا يَلِيقُ فِي الرَّبِّ.
- لا علاقة لهذا بقدرات زوجك أو مواهبه أو ذكاءه، بل له علاقة بإكرام الرب يسوع المسيح.
- لا علاقة لهذا إن كان زوجك على “حق” في موضوع معين أم لا، بل له علاقة بكون يسوع هو الذي على حق.
- هذا يعني أن على المرأة ان تهتم كثيراً في كيفية اختيار زوجها. تذكروا، أيتها السيدات: هذا ما يطلبه الله منك في الزواج. وهذا ما يتوقعه منك. فبدلاً من البحث عن رجل جذاب وبدلاً من البحث عن رجل مُقتدر وبدلاً من البحث عن رجل رومانسي، الأجدر بك أولاً أن تبحثي عن رجل تستطيعين أن تحترميه.
- كما هو الحال في كل علاقة بشرية، الوصية للخضوع ليست حتمية. فهناك استثناءات لوصية خضوع الزوجة لزوجها.
- عندما يطلب الزوج من الزوجة ان تُخطئ، يجب عليها أن لا تخضع.
- عندما يكون الزوج فاقد الأهلية طبياً أو مجنون أو تحت تأثير أدوية قد تغير من طريقة تفكيره، عندها ممكن للزوجة أن لا تخضع.
- عندما يكون الزوج عنيفاً ويشكل خطراً على حياتها، تستطيع الزوجة أن لا تخضع.
- عندما يكسر الزوج رباط الزواج باقترافه خطية الزنى، لا تحتاج الزوجة للخضوع الى زوجها كونه في علاقة خارج الزواج.
- “عندما يسأل شخص يتبع فلسفة الرواقية لما عليه أن يتصرف بطريقة معينة، لن يكون هناك أدنى شك بأن معلمه سيخبره بأن عليه أن يتصرف بهذه الطريقة لأن ذلك ينسجم مع الطبيعة. وعندما يسأل شخص مؤمن نفس السؤال، حتماً سيقال له أن هذا التصرف يليق وينسجم مع الرب؛ فعلى أعضاء جسد المسيح أن يعيشوا هكذا من أجل خاطر المسيح.” بروس (Bruce).
- أَيُّهَا الرِّجَالُ، أَحِبُّوا نِسَاءَكُمْ: كلمات بولس للأزواج تصون وتحمي كلماته للزوجات. صحيح أن على الزوجات أن يخضعن لرجالهن، ولكن هذا لا يعطي الرجال الحق في التصرف كمُستبدين. بدلاً من ذلك، على الرجل أن يحب زوجته، والكلمة اليونانية القديمة المترجمة يحب هنا هي اغابي agape.
- بشكل ملحوظ، هذا يضع إلتزاماً على الأزواج. ففي العالم القديم – تحت حكم العادات اليهودية واليونانية والرومانية، كانت كل الامتيازات والسلطة تنتمي للزوج عندما يتعلق الأمر بالزوجة، وللآباء عندما يتعلق الأمر بالأولاد، وللسادة عندما يتعلق الأمر بالعبيد. فلم يكن هناك أي سلطة أو امتياز للزوجة أو الأولاد أو العبيد.
- “لا علاقة للكلمة agapao بالمودة أو العلاقة العاطفية؛ بل تعني بالأحرى المحبة المضحية والاهتمام والرعاية بالطرف الثاني فوق النفس.” فون (Vaughan)
- ما نريد أن نقوله بالتحديد هو أن تعريف الكلمة agape لا يعني “محبة الله” لأنه مكتوب أن الناس أحبوا agape الخطية والعالم (يوحنا ١٩:٣، يوحنا الأولى ١٥:٢). ولكن ممكن تعريفها على أنها المحبة المُضحية. فلا شأن للكلمة بالعواطف، بل بإنكار الذات لأجل الآخرين.
- إنها محبة ثابتة لا تتغير.
- إنها محبة مضحية تعطي دون مقابل أو أية توقعات.
- إنها محبة عظيمة يمكن تقديمها لشخص غير قابل للحب أو غير مقبول.
- إنها محبة لا تتوقف حتى وإن تم رفضها.
- إنها محبة (Agape) تعطي وتحب لأنها تريد ذلك؛ لا تطلب أو تتوقع بالمقابل. إنها تعطي لأنها تحب، ولا تحب لكي تأخذ.
- نستطيع أن نقرأ هذا المقطع ونعتقد أن قصد بولس كان: “أيها الأزواج كونوا لطفاء نحو زوجاتكم” أو “أيها الأزواج كونوا رقيقين مع زوجاتكم.” لا يوجد شك أن هذا سيكون تطور كبير في بعض من الحالات الزوجية. ولكن ليس هذا ما قصده بولس. ما يعنيه فعلاً هو: “أيها الزوج، مارسْ إنكار النفس لأجل زوجتك باستمرار.”
- بالطبع، هذه هي المحبة (agape) التي قدمها يسوع لأولاده وهذا هي تماماً المحبة التي على الأزواج أن يقدموها لزوجاتهم. (أفسس٢٥:٥).
- وَلاَ تَكُونُوا قُسَاةً عَلَيْهِنَّ: ربما أعطت الزوجات سبباً لأزواجهن ليكونوا قساةً عليهنَّ. فيقول بولس: “أيها الزوج، هذا غير مهم.” فربما يشعر الزوج بأنه مُبرّرٌ تماماً في قسوته أو موقفه وفعله الغير محب تجاه زوجته، لكنه غير مبرّر مهما كان تصرُّف الزوجة تجاه زوجها.
- Agape تُحب حتى لو كان هناك نقائص واضحة وساطعة، حتى وإن كان المُستقبل غير جدير بالحب.
د ) الآيات (٢٠-٢١): الإنسان الجديد وعلاقة الأب بأولاده
٢٠أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، أَطِيعُوا وَالِدِيكُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ لأَنَّ هذَا مَرْضِيٌّ فِي الرَّبِّ. ٢١أَيُّهَا الآبَاءُ، لاَ تُغِيظُوا أَوْلاَدَكُمْ لِئَلاَّ يَفْشَلُوا.
- أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، أَطِيعُوا وَالِدِيكُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ: يتكلم بولس هنا عن الأولاد الذين هم تحت السن القانوني ويعيشون مع والديهم. لهؤلاء، ليس عليهم أن يُكرموا آباءهم وأمهاتهم فحسب (كما في أفسس٢:٦)، ولكن أيضاً أن يطيعوهم فِي كُلِّ شَيْءٍ.
- عندما يكبر الولد ويخرج من دائرة أبويه، يتحرر من إلتزامه بالطاعة، لكن إلتزامه بأن يُكرم أباه وأمه يبقى كما هو.
- لأَنَّ هذَا مَرْضِيٌّ فِي الرَّبِّ: هذا هو أحد أهم الأسباب لطاعة الطفل لأبويه. فعندما يحترم الطفل سلطة أبويه، إنه يحترم ترتيب الله في جوانب أخرى من الحياة.
- فكرة ترتيب السلطة والخضوع لترتيب السلطة مهمة جداً لله وجزء من وجوده الأزلي. فأول أقنوم في الثالوث الأقدس اسمه الآب؛ والأقنوم الثاني في الثالوث الأقدس هو الابن. وفي جوهر هذه العلاقة هناك خضوع.
- فالله الآب يمارس سلطانه على الابن، والله الابن يخضع لسلطان الآب – وهذا موجود في طبيعة ووجود الله! وفشلنا في الخضوع لسلطان الكلمة، ليس فقط سيء وخاطئ – بل خطية ضد طبيعة الله. تذكّر سفر صموئيل الأول ٢٣:١٥ “لأَنَّ التَّمَرُّدَ كَخَطِيَّةِ الْعِرَافَةِ.”
- أَيُّهَا الآبَاءُ، لاَ تُغِيظُوا أَوْلاَدَكُمْ: مسؤولية الأولاد هي أن يطيعوا والديهم، أما مسؤولية الأبوين- مكتوبة هنا الآباء – هي أن لا يغيظوا أولادهم. قد يغيظ الأبوين أولادهم بأن يكونوا قساةً أو متطلبين أو مُتحكمين أو غير متسامحين أو مجرد غاضبين. ويمكن التعبير عن هذه القسوة من خلال الكلمات أو الأفعال أو من خلال التواصل الغير شفوي.
- في أغلب المشاكل التربوية، يلوم الأهل الأولاد. فهذا سهل لأن المشكلة تظهر بصورة أوضح عندما يسيء الطفل التصرف. ولكن يذكّرنا بولس بحكمة أن التصرف السيء قد يكون بسبب إغاظة الأهل. ولكن هذا لا يبرر التصرف السيء للطفل، لكن ربما يفسر جزءٌ من السبب. والكتاب المقدس يأمر الأهل أن يفعلوا كل ما بإستطاعتهم حتى لا يغيظوا أولادهم.
- تُغِيظُوا: “يحدث هذا بسبب الأوامر الصارمة والبحث المستمر عن الأخطاء والتدخل المستمر دون سبب.” بييك (Peake)
- “يُنصح الأهل، خاصة الآباء، ألا يغيظوا أولادهم بطلب أمور غير منطقية تؤدي في النهاية إلى أن يخسر الأولاد شخصياتهم معتقدين أنهم لن يستطيعوا إرضاء أهاليهم مهما فعلوا.” بروس (Bruce)
- “كلمة ’الآبَاءُ‘ قد تُشير إلى الأهل من الجنسين، ولكنها ربما تلفت الإنتباه إلى أهمية دور الأب في تنشئة الأولاد وفقاً للترتيب الإلهي.” رايت (Wright)
- لِئَلاَّ يَفْشَلُوا: الأولاد الذين يكبرون مع أهل يغيظونهم سيشعرون بالفشل طيلة حياتهم. ولأنهم لم يشعروا بمحبة ودعم والديهم كما ينبغي، ولأن والديهم كانوا ضدهم باستمرار، سيصدقون في النهاية أن العالم كله ضدهم أيضاً. وهذا يُذكرنا بأهمية التحلي بالنعمة أثناء تربيتنا لأولادنا. فربما نحتاج أن نكون كرماء ولطفاء وغفورين وصبورين نحو أولادنا كما فعل الله معنا.
هـ ) الآيات (٢٢:٣-١:٤): الإنسان الجديد وعلاقة السيد والعبد.
٢٢أَيُّهَا الْعَبِيدُ، أَطِيعُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ سَادَتَكُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ، لاَ بِخِدْمَةِ الْعَيْنِ كَمَنْ يُرْضِي النَّاسَ، بَلْ بِبَسَاطَةِ الْقَلْبِ، خَائِفِينَ الرَّبَّ. ٢٣وَكُلُّ مَا فَعَلْتُمْ، فَاعْمَلُوا مِنَ الْقَلْبِ، كَمَا لِلرَّبِّ لَيْسَ لِلنَّاسِ، ٢٤عَالِمِينَ أَنَّكُمْ مِنَ الرَّبِّ سَتَأْخُذُونَ جَزَاءَ الْمِيرَاثِ، لأَنَّكُمْ تَخْدِمُونَ الرَّبَّ الْمَسِيحَ. ٢٥وَأَمَّا الظَّالِمُ فَسَينَالُ مَا ظَلَمَ بِهِ، وَلَيْسَ مُحَابَاةٌ.
١أَيُّهَا السَّادَةُ، قَدِّمُوا لِلْعَبِيدِ الْعَدْلَ وَالْمُسَاوَاةَ، عَالِمِينَ أَنَّ لَكُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا سَيِّدًا فِي السَّمَاوَاتِ.
- أَطِيعُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ سَادَتَكُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ: المؤمن الذي ارتدى الإنسان الجديد سيظهر خضوعه المناسب لسيده. وكلمة سيده في السياق المعاصر تعني مديره أو المسؤول عنه.
- هذه دائرة أخرى لترتيبات الله فيما يختص بالسلطة. فدور الموظف المؤمن وفقاً لمشيئة الله هو طاعة المسؤولين والخضوع لهم.
- “نلاحظ هنا أن هذا الفصل أطول بكثير من الإصحاحين السابقين؛ وربما يعود السبب في ذلك لحديث بولس المطول الذي أجراه مع العبد الهارب أُنِسِيمُسَ الذي أرجعه لاحقاً الى سيده فِلِيمُون.” باركلي (Barcley)
- “نصف السكان في شوارع مدن روما العظيمة كانوا من العبيد. وهذه كانت حالة أغلبية السكان حتى من كانوا من أصحاب المهن مثل المعلمين والأطباء، بالإضافة إلى الخدام والحرفيين.” فون (Vaughan)
- لاَ بِخِدْمَةِ الْعَيْنِ كَمَنْ يُرْضِي النَّاسَ، بَلْ بِبَسَاطَةِ الْقَلْبِ، خَائِفِينَ الرَّبَّ: نشعر دائماً أن علينا أن نعمل بجهد أكبر لكي نرضي الناس فقط. ولكن يريد الله من كل عامل أو موظف أن يرى أنه في النهاية يعمل من أجل الرب، وبالتالي أن يعمل كل شيء مِنَ الْقَلْبِ، كَمَا لِلرَّبِّ لَيْسَ لِلنَّاسِ. والله يعِدْ بمكافأة هؤلاء الذين يعملون وهذا الفكر في قلوبهم.
- المؤمن الغير صادق والكسول أو الذي لا يُعتمد عليه سيواجه توبيخاً أسوء بكثير من توبيخ مديره الأرضي. فمديره السماوي حتماً سيوبخه أيضاً.
- “والأكثر خطورة هم أولئك الذين يظهرون ولائهم الشديد لأصحاب العمل مقابل أجر مُتفَق عليه على حساب أمور أخرى. ولكن العبيد المؤمنين – أو الموظفين المؤمنين اليوم – يملكون دافع أسمى لأمانتهم ولأدائهم لواجبهم بضمير صالح؛ فهم فوق الكل عبيد للمسيح، ودافعهم الأول والأخير هو إرضاء الله.” بروس (Bruce)
- جَزَاءَ الْمِيرَاثِ: “كلمة ’الميراث‘ تشير هنا إلى الميراث السماوي القادم. وهنا تكمن المفارقة، لأن العبد، وفقاً للقوانين الأرضية، لا يمكنه أن يرث أي ممتلكات.” رايت (Wright)
- لأَنَّكُمْ تَخْدِمُونَ الرَّبَّ الْمَسِيحَ: “يمكننا إعادة صياغة هذه العبارة الفريدة (لم يكتب بولس في أي مكان آخر الكلمتين ’الرب المسيح‘ دون أن يستخدم الاسم ’يسوع‘ معهما) كالتالي: ’فاخدموا السيد الحقيقي – المسيح!‘” رايت (Wright)
- وَأَمَّا الظَّالِمُ فَسَينَالُ مَا ظَلَمَ بِهِ: عندما لا يقوم عامل مؤمن بأداء وظيفته كما يجب، عليه ألا يتوقع أي تساهل من رئيسه، خصوصاً إن كان رئيسه مؤمناً. فكونك مؤمناً يحملك مسؤولية أكبر وليس أقل.
- “من المحتمل أن يخدع خادم غير أمين سيده بطرق متنوعة دون أن يُكتشف؛ لكن ليتذكّر الكل ما قيل هنا: أمَّا الَّذِي يَعْمَلُ الشَّرَّ فَسَيَنَالُ جَزَاءَ شَرِّهِ بِلَا تَحَيُّزٍ؛ الله يراه، وسيعاقبه لأنه خرق الأمانة والثقة.” كلارك (Clarke)
- فَسَينَالُ مَا ظَلَمَ بِهِ… وَلَيْسَ مُحَابَاةٌ: بالنسبة للعبيد المؤمنين في العصور الأولى وللعمال المؤمنين في العصر الحالي، لا توجد ضمانة بأن يعاملوا بعدل على هذه الأرض. وكلمة ’مُحَابَاة‘ هنا قد تعني أحياناً مكافئة العمال السيئين ومعاقبة العمال الأمناء أو يُتركوا دون مكافأة أو تقدير. فيؤكد بولس للطرفين أن هناك عقاب ومكافأة نهائية، وستكون بِلَا تَحَيُّزٍ.
- في أفسس ٩:٦ يخاطب بولس السادة وينذرهم قائلاً: لَيْسَ عِنْدَ الله مُحَابَاةٌ. وهنا، يحذر العبيد قائلاً: لَيْسَ عِنْدَ الله مُحَابَاةٌ. “في رسالة أفسس، يقول بولس أن على السادة ألا يعتقدوا أن الله يتأثر بالمراكز الاجتماعية؛ وفي هذا المقطع من كولوسي، يقول بولس أن على العبيد ألا يتصرفوا بلا ضمير فقط لأن الناس يتعاملون معهم كممتلكات.” فون (Vaughan)
- أَيُّهَا السَّادَةُ، قَدِّمُوا لِلْعَبِيدِ الْعَدْلَ وَالْمُسَاوَاةَ: المؤمن الذي ارتدى الإنسان الجديد سيتصرف بعدل وبمساواة مع موظفيه. إنه لأمر سيء أن يسيء المدير معاملة موظفيه، ولكن الأسوء إن كان المدير مؤمناً.
- الْعَدْلَ وَالْمُسَاوَاةَ: هذه الوصية أقوى بكثير من الوصية التي تطلب من السادة أن يعاملوا العبيد بلطف أو دماثة. فالإنسان عادة يستطيع أن يكون لطيفاً وطيباً مع الحيوانات الأليفة ولكنه يجد صعوبة في أن يتصرف بعدل وبمساواة مع أخيه الإنسان. ولهذا السبب يطلب بولس من السادة أن يتصرفوا بطريقة تخالف تماماً نظام العبودية الذي كان سائداً في ذلك الوقت.
- عبر تاريخ المسيحية، استخدم البعض هذه المقاطع التي يتكلم فيها بولس للعبيد وسادتهم ليبرروا أو ليسوّقوا العبودية. وآخرون اخذوا يلومون هذه المقاطع زاعمين أنها تؤيد العبودية. ولكن لا يستطيع أحد لوم المسيحية على ممارسة العبودية لأنها كانت تمارس في كل أرجاء العالم قبل ظهور المسيحية أو حتى اليهودية. والواقع هو أن أكثر من دافع عن إنهاء العبودية هم المسيحيين وليس الديانات الكبرى وبالتأكيد ليس العلمانية.
- دون أن يحتج علانية ضد العبودية، يبدو أن بولس قد أدرك أنه لو استطاع تأسيس فكرة بأن العبيد متساون في جسد المسيح وأنهم أشخاص عاديين لديهم مسؤوليات وحقوق (وأنه ينبغي معاملتهم بعدل وبمساواة) سينهار نظام العبودية في الامبراطورية الرومانية بمرور الوقت – وهذا ما حدث فعلاً.