تفسير رسالة يوحنا الأولى – الإصحاح ١
الشركة مع الله
يفهم معظم الناس أن الأشياء المهمة في الحياة ليست أشياء مادية على الإطلاق، بل العلاقات التي نمتلكها. فقد وضع الله رغبة في العلاقات في كل واحد منّا، وهي رغبة قُصد لها أن تُشبَع من خلالِ أشخاص آخرين. ولكن أهم من ذلك كله أن تُشبَع بعلاقة بالله شخصيًا. ويخبرنا يوحنا في هذه الرسالة الرائعة عن الحقيقة حول العلاقات، وهو يبيّن لنا كيف نمتلك علاقات حقيقية في هذا الزمن وفي الأبدية.
أولًا. غرض الرسالة: أن تأتي بك إلى علاقة بالله
أ ) الآيات (١-٢): يبدأ يوحنا الرسالة بمركز العلاقة، وهو يسوع المسيح.
١اَلَّذِي كَانَ مِنَ الْبَدْءِ، الَّذِي سَمِعْنَاهُ، الَّذِي رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا، الَّذِي شَاهَدْنَاهُ، وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا، مِنْ جِهَةِ كَلِمَةِ الْحَيَاةِ. ٢فَإِنَّ الْحَيَاةَ أُظْهِرَتْ، وَقَدْ رَأَيْنَا وَنَشْهَدُ وَنُخْبِرُكُمْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ الآبِ وَأُظْهِرَتْ لَنَا.
- اَلَّذِي كَانَ مِنَ الْبَدْءِ: ليس الْبَدْءِ الذي يتكلم يوحنا عنه بدء هذا العالم أو بدء الخليقة. إنه بدء تكوين ١:١، ذاك البدء الموجود قبل وجودِ أي شيء، عندما لم يكن موجودًا إلا الله نفسه فقط.
- بدء تكوين ١:١ بسيط: “فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ.” والبدء في يوحنا ١:١ عميق: “فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ.” ويُرجعنا يوحنا إلى هذا الزمن في الأزلِ لكي نلتقي ذاك اَلَّذِي كَانَ مِنَ الْبَدْءِ.
- إن الموضوع الذي كتب عنه يوحنا، سواء أكان شيئًا أم شخصًا، كان أزليًا، ولهذا لا بدّ أن يكون الله نفسه، لأن الموضوع كان موجودًا قبل كلّ شيء وكان مصدر كلّ شيء آخر وأساسه.
- ٱلَّذِي سَمِعْنَاهُ، ٱلَّذِي رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا، ٱلَّذِي شَاهَدْنَاهُ، وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا: يشير هذا إلى أن هذا الكائنَ الأزلي – اَلَّذِي كَانَ مِنَ الْبَدْءِ – جاء إلى الأرض، وقد اختبره يوحنا (من بين كثيرين) شخصيًا.
- “نحن لا ننقل إليكم أقاويل أو أي شيء من التقليد أو أي شيء من التكهن. إذ لدينا ملء اليقين حول ما نكتب عنه ونكرز به.” كلارك (Clarke). إن الفكرة هنا أن هذا الكائن الأزلي الذي يتحدث عنه يوحنا قد سَمِعْنَاهُ بالآذان، ورَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا حرفيًا، وتفحّصناه (شَاهَدْنَاهُ)، وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا. لا بدّ أنه كانت لهذه التعابير تضمينات هائلة بالنسبة للقراء.
- كانت التضمينات هائلة لأنها قالت إن هذا الإله الأزليَّ صارَ قابلًا للوصول إليه بأبسط طريقة، بطريقة يمكن لأي شخص أن يتواصل معه. ويمكن أن يُعرَف هذا الإله الأزلي لأنه أعلن نفسه.
- كانت التضمينات هائلة لأنها برهنت أن كلمات يوحنا حملت وزن شهادة العيان. فلم يتحدث عن خرافة أو أسطورة أو حكاية صيغت بذكاء. لقد تفحَّص ذاك الأزليّ، فكان يعرف ما كان يتكلم عنه.
- كانت التضمينات هائلة لأنها فضحت تعاليم خطرة بدأت تزحف داخل الكنيسة تُعرَف بالأغنوسية. وكان فرع من الأغنوسية يقولُ إنه رغم أن يسوعَ هو الله، إلا أنه لم يكن إنسانًا حقيقيًّا بالفعل، بل كان شبحًا ذا جسم صوَريّ غير حقيقي. غير أن يوحنا أعلن: “لقد سمعتُه! رأيتُه! تفحّصْتُهّ! لمستُه”!
- كَلِمَةِ الْحَيَاةِ: عرَّف يوحنا هذا الكائن الأزلي الذي كان معه ومع آخرين (لاحظ الاستخدام المتكرر لضمير المتكلم الجمع بدلًا من المتكلم المفرد: “سمعناه… رأيناه… شاهدناه.” بدلًا من “سمعتُه… رأيتُه… شاهدته.”) بصفتِه كَلِمَةِ الْحَيَاةِ. وهذا هو اللوجوس نفسه الذي تحدثَ يوحنا عنه في يوحنا ١:١.
- كانت فكرة اللوجوس – الكَلِمَةِ – مهمة ليوحنا وللعالَمَين اليوناني واليهودي في زمن يوحنا. إذ كان اليهود يشيرون إلى الله بصفته الكلمة لأنهم عرفوا أن الله أعلن نفسَه بشكل كامل في كلمتِه. وبالنسبة لليونانيين، سبق أن تحدّث فلاسفتهم لقرون حول اللوجوس كأساس التنظيم والذكاء في الكون، والعلّة النهائية التي تتحكم في كل شيء.
- فكأنّ يوحنا كان يقول للجميع: “إنّ هذا اللوجوس الذي كنتم تتكلمون وتكتبون عنه على مدى قرون… لقد سمعته ورأيته وتفحّصته ولمسته. فدعوني أخبركم عنه.”
- فَإِنَّ الْحَيَاةَ أُظْهِرَتْ: تعني كلمة ’أُظْهِرَتْ‘ أنها جُعلت حقيقية فعليًا وماديًا. فقد قدّم يوحنا شهادته بوقار وإخلاص كشاهد عيان (وَقَدْ رَأَيْنَا وَنَشْهَدُ وَنُخْبِرُكُمْ) معلنًا أن هذه هي الحقيقة. فلم تكن هذه خرافة أو حكاية من حكايات “كان يا ما كان،” بل حقيقية، ويخبرنا عنها كشاهد عيان.
- ٱلْحَيَاةِ ٱلْأَبَدِيَّةِ ٱلَّتِي كَانَتْ عِنْدَ ٱلْآبِ: عندما يدعو يوحنا يسوع ٱلْحَيَاةِ ٱلْأَبَدِيَّةِ، فإنه يتذكر كلمات يسوع (يوحنا ٢٦:٥؛ ٤٨:٦؛ ٢٥:١١). وهو يكرر أيضًا الفكرة التي عبّر عنها في أولى كلماته في هذه الرسالة، أي أن يسوع نفسه أزلي، وهو لهذا الله.
- يمكننا أن نقول إن البشر أبديون (خالدون)، لكننا نقول ذلك مع الفهم أننا أبديون بالمعنى المستقبلي – فلن نهلك أبدًا، وسنكون خالدين (يوحنا ٢٩:٥). ولكن لا يمكن أن يكون البشر أزليين. فإذا قلنا هذا من منظور الماضي، فإننا نقول إننا مساوون لله أو لكلمة الله.
- يعلن ميخا ٢:٥ أيضًا وجود يسوع الأزلي. “أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمِ أَفْرَاتَةَ، وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي بَيْنَ أُلُوفِ يَهُوذَا، فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي ٱلَّذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطًا عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ ٱلْقَدِيمِ، مُنْذُ أَيَّامِ ٱلْأَزَلِ.” ويعني تعبير “منذ أيام الأزل” هنا “ما وراء نقطة التلاشي.”
- ٱلَّتِي كَانَتْ عِنْدَ ٱلْآبِ: يشير هذا إلى العلاقة الأزلية بين الآب والابن. إذ كانت هنالك علاقة أزلية من المحبة والشركة بينهما، وقد أشار يسوع إليها في يوحنا ٢٤:١٧ “لأَنَّكَ أَحْبَبْتَنِي قَبْلَ إِنْشَاءِ الْعَالَمِ.”
- توصف هذه العلاقة الأزلية بوضوح في الكتاب المقدس. ولكن يمكننا أن نفهمها من منطق بسيط. فإن كان الله محبة (يوحنا الأولى ٨:٤)، والله أزليًّا (ميخا ٢:٥)، فإننا نفهم أن المحبة في معزل أمر لا معنى لها. إذ تحتاج المحبة إلى موضوع لها. وبما أنه كان هنالك زمن قبل خلق أي شيء، كان هنالك زمن كانت فيه المحبة الوحيدة في الكون بين أعضاء الثالوث: الآب والابن والروح القدس.
- كانَتْ عِنْدَ الآبِ: تشير كلمة ’عِنْدَ‘ إلى أن هذا الكائن الأزلي، وهو الذي نفسه الحياة الأبدية، متميز عن الآب. ويبني يوحنا فهم العهد الجديد للثالوث – أنه يوجد إله واحد كثلاثة أقانيم متساوين، وكلهم واحد، غير أنهم متميزون في أقنوميتهم.
- يربط الكتاب المقدس أسماء الآب والابن والروح القدس بطريقة لا يمكنُ تصوُّرها بالنسبة لأشخاص آخرين. فنحن نقرأ: “فَٱذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ ٱلْأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِٱسْمِ ٱلْآبِ وَٱلِٱبْنِ وَٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ.” (متى ١٩:٢٨). لكنه لا يمكننا أن نقول أبدًا: “فَٱذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ ٱلْأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِٱسْمِ ٱلْآبِ وَٱلِٱبْنِ وميخائيل رئيسِ الملائكة.”
- نحن نقرأ في كورنثوس الثانية ١٤:١٣ “نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، وَمَحَبَّةُ ٱللهِ، وَشَرِكَةُ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ مَعَ جَمِيعِكُمْ.” غير أنه لا يمكننا أن نقول أبدًأ: “نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، وَمَحَبَّةُ الرسولِ بولسَ، وَشَرِكَةُ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ مَعَ جَمِيعِكُمْ.”
- نحن نقرأ في رسالة بطرس الأولى ٢:١ “ٱلْمُخْتَارِينَ بِمُقْتَضَى عِلْمِ ٱللهِ ٱلْآبِ ٱلسَّابِقِ، فِي تَقْدِيسِ ٱلرُّوحِ لِلطَّاعَةِ، وَرَشِّ دَمِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ.” غير أنه لا يمكننا أن نقول أبدًا: “ٱلْمُخْتَارِينَ بِمُقْتَضَى عِلْمِ ٱللهِ ٱلْآبِ ٱلسَّابِقِ، فِي تَقْدِيسِ ٱلرُّوحِ لِلطَّاعَةِ، وَرَشِّ دَمِ الرسول بولس.”
ب) الآية (٣): دعوة إلى العلاقة
٣الَّذِي رَأَيْنَاهُ وَسَمِعْنَاهُ نُخْبِرُكُمْ بِهِ، لِكَيْ يَكُونَ لَكُمْ أَيْضًا شَرِكَةٌ مَعَنَا. وَأَمَّا شَرِكَتُنَا نَحْنُ فَهِيَ مَعَ الآبِ وَمَعَ ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ.
- لِكَيْ يَكُونَ لَكُمْ أَيْضًا شَرِكَةٌ مَعَنَا. وَأَمَّا شَرِكَتُنَا نَحْنُ فَهِيَ مَعَ ٱلْآبِ وَمَعَ ٱبْنِهِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ: إن قصد يوحنا من وراء إعلانه عن كلمة الله الموجود أزليًا والحاضر ماديًا (فعليًا)، والذي هو الله مع أنه أقنوم متميز عن الآب، هو أن يُدخل قرُّاءه في علاقة مع شعب الله ومع الله نفسه.
- يمكنك أن تتمتع بهذه العلاقة رغم أنك لا تفهم كل التفاصيل الدقيقة للثالوث الأقدس. ويمكنك أن تستخدم عينيك مع أنك لا تعرف كل تفصيل لكيفية عمل جهازك البصري. ويمكنك أن تعرف الله وتؤمن به كما أعلن عن نفسه رغم أنك لا تفهم كل شيء عن شخصه أو طبيعته.
- شَرِكَة: الشركة هي من أهم الأفكار في رسالة يوحنا هذه، وهي الكلمة اليونانية القديمة كوينونيا (koinonia) وهي تدل على المشاركة والتواصل والرابط المشترك والحياة المشتركة. وهي تتحدث عن علاقة حية نابضة مشارِكة مُحِبة بشخص آخر.
- “هذا أحد أعظم التصريحات في العهد الجديد. ولعل من الأمان أن نقول إن مصدر عظمته هو غنى الكلمة اليونانية التي يتمّ توكيدها، أي الشركة.” مورغان (Morgan)
- “الكلمة اليونانية كوينونيا (koinonia) مشتقة من كلمة كوينوس (koinos) التي تعني حرفيًا ’شائع‘ بمعنى أنه يشارَك مع الجميع.” (مورغان). واستخدامها في أعمال الرسل ٤٤:٢ مفيد جدًا: “وَجَمِيعُ ٱلَّذِينَ آمَنُوا كَانُوا مَعًا، وَكَانَ عِنْدَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مُشْتَرَكًا.” وكلمة ’شائع‘ أو ’مشترك‘ في اليونانية القديمة هي كوينونيا.
- “إن الذين يمتلكون شركة بعضهم مع بعض هم الذين يشتركون في الموارد نفسها، وهم ملتزمون بنفس المسؤوليات. وتصبح هذه الفكرة مذهلة عندما تطبّق على العلاقة التي تحملها النفوس للآب وابنه يسوع المسيح… إذ عند الآب وابنه يسوع وكل المؤمنين كل شيء مشترك. وموارد كل شخص في هذه العلاقة تحت تصرف الآخرين. فهذه هي نعمة الله وابنه.” (مورغان)
- شَرِكَتُنَا… مَعَ ٱلْآبِ وَمَعَ ٱبْنِهِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ: تعني هذه العبارة البسيطة الجريئة أن المرء يستطيع أن يتمتع بعلاقة بالله. ويمكن لمثل هذه الفكرة أن تفاجئ كثيرين من قرّاء يوحنا، ويفترض أن تصعقنا نحن. فكانت العقلية اليونانية تثمّن العلاقة لكنها قصَرتها على البشر. فكانت فكرة علاقة حميمة بالله فكرة ثورية.
- بدأ يسوع نفس نوع هذه الثورة بين اليهود عندما دعا الناس إلى مخاطبة الله بصفته أبًا (متى ٩:٦). ويمكننا أن نمتلك علاقة حية نابضة بالله الآب ويسوع المسيح. فهو لا يمكن أن يكون مخلصنا فحسب، بل أيضًا صديقنا وأقرب أحبائنا.
- وفي واقع الأمر، فإن هذا الأمر ليس جذابًا لكثيرين. ويعود السبب في ذلك أحيانًا إلى أنهم لا يعرفون هوية الله، والدعوة إلى علاقة شخصية بالله جذابة نفس جاذبية إخبار تلميذ في الصف الثامن أنه يستطيع أن يمتلك علاقة شخصية بمساعد المدير. ولكن عندما نعرف عظمة الله وصلاحه ومجده، تتولد لدينا رغبة في أن تكون لدينا علاقة به.
- يتحوّل أشخاص آخرون عن هذه العلاقة بالله لأنهم يحسون بأنهم بعيدون جدًّا عنه. فهم يريدون علاقة بالله، لكنهم يحسون بأنهم غير مؤهلين وبعيدون جدًّا. وهم محتاجون إلى أن يعرفوا ما فعله الله من أجلهم لجعل هذا النوع من العلاقة ممكنًا.
- وَأَمَّا شَرِكَتُنَا نَحْنُ فَهِيَ مَعَ ٱلْآبِ وَمَعَ ٱبْنِهِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ: هذا النوع من العلاقة أمر ممكن فقط لأن يسوع هو ما يقول عنه يوحنا في رسالته الأولى ١:١-٢. إذا دعاك أحد إلى إقامة علاقة شخصية بنابليون أو الإسكندر الكبير أو أبراهام لنكولن أو حتى موسى أو الرسول بولس، فستعتقد أنه أحمق. إذ لا يستطيع المرءُ أن يمتلك حتى علاقة روحية أصيلة مع شخص ميت. ولكن يمكننا أن نقيم علاقة بالله الأزلي الذي أصبح إنسانًا.
- لا تتضمن كلمة الشركة فكرة العلاقة فحسب، بل أيضًا فكرة مشاركة حياة. وعندما تكون لدينا شركة مع يسوع، سنصبح أكثر شبهًا به.
- لم تكن لدى التلاميذ هذه العلاقة الوثيقة بيسوع عندما عاش بينهم على الأرض. فكما قال يسوع لفيلبس في نهاية خدمته على الأرض: “أَنَا مَعَكُمْ زَمَانًا هَذِهِ مُدَّتُهُ وَلَمْ تَعْرِفْنِي يَا فِيلُبُّسُ!” لم تنشأ علاقتهم الحقيقية بالاقتراب المادي إلى يسوع المادي، بل بعمل الروح القدس بعد اكتمال عمل يسوع على الصليب. ولهذا يمكننا أن ندخل في نفس العلاقة بالله التي دخلها التلاميذ.
- وَأَمَّا شَرِكَتُنَا نَحْنُ فَهِيَ مَعَ ٱلْآبِ وَمَعَ ٱبْنِهِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ: يمكننا أن نتمتع في علاقة حياة مشتركة مَعَ ٱلْآبِ وَمَعَ ٱبْنِهِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ. فكأنّ الآب والابن يتفقان معًا على أن يسمحا لنا بالدخول في علاقة محبة وشركة.
- فكرة الحياة المشتركة جوهرية في أهميتها. وهي لا تعني أنه عندما يدخل يسوع حياتنا يساعدنا على أن نفعل الأشياء نفسها، بل تعني ببساطة أن نفعلها بطريقة أفضل من قبل. ونحن لا نضيف يسوع إلى حياتنا، بل ندخل في علاقة حياة مشتركة معه، فنشاركه حياتنا معه، وهو يشارك حياته معنا.
- لِكَيْ يَكُونَ لَكُمْ أَيْضًا شَرِكَةٌ مَعَنَا: ربما نظن أنه أمر غريب أن يوحنا يضع في اعتباره أولًا الشركة مع شعب الله، لكن هذه في الغالب هي الكيفية التي نختبر بها علاقة بالله. فالأشخاص يلتقون الله من خلال علاقاتهم بشعب الله.
- “عندما تكون شركتك في أعذب حالاتها، تتولد لديك رغبة قوية في أن يكون لدى الآخرين شركة معك. وبالفعلِ، عندما تكون لديك شركة مع الآب ويسوع المسيح، فإنك تتمنى بإخلاص أن يشارك كل المؤمنين بالمسيح في العالم كله البركة معك.” سبيرجن (Spurgeon)
- مَعَ ٱلْآبِ وَمَعَ ٱبْنِهِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ: هنا أخيرًا يسمي يوحنا ذاك الموجود أزليًا والحاضر ماديًا، كلمة الحياة، الإله الحق، (مع كونه متميزًا عن الآب). إنه الله الابن الذي اسمه يسوع، والذي هو المسيح (المسيّا).
ج) الآية (٤): نتيجة العلاقة
٤وَنَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هَذَا لِكَيْ يَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلًا.
- لِكَيْ يَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلًا: نتيجة الشركة هي ملء الفرح. وهذا الفرح هو إحساس دائم بالتفاؤل والبهجة المبني على الله، على عكس السعادة التي هي إحساس بالتفاؤل والبهجة المبني على الظروف.
- من الواضح أن يوحنا يردد صدى فكرة طرحها يسوع أمام تلاميذه في الليلة السابقة لصلبه. فقد أراد لهم أن يتمتعوا بملء الفرح رغم معرفتهم بأن الصليب كان أمامهم مباشرة.
- “كَلَّمْتُكُمْ بِهَذَا لِكَيْ يَثْبُتَ فَرَحِي فِيكُمْ وَيُكْمَلَ فَرَحُكُمْ.” (يوحنا ١١:١٥)
- “إِلَى ٱلْآنَ لَمْ تَطْلُبُوا شَيْئًا بِٱسْمِي. اُطْلُبُوا تَأْخُذُوا، لِيَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلًا.” (يوحنا ٢٤:١٦)
- “أَمَّا ٱلْآنَ فَإِنِّي آتِي إِلَيْكَ. وَأَتَكَلَّمُ بِهَذَا فِي ٱلْعَالَمِ لِيَكُونَ لَهُمْ فَرَحِي كَامِلًا فِيهِمْ.” (يوحنا ١٣:١٧)
- من الواضح أن يوحنا يردد صدى فكرة طرحها يسوع أمام تلاميذه في الليلة السابقة لصلبه. فقد أراد لهم أن يتمتعوا بملء الفرح رغم معرفتهم بأن الصليب كان أمامهم مباشرة.
- لِكَيْ يَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلًا: من المؤكد أن ملء الفرح أمر ممكن للمؤمن بالمسيح، لكنه ليس أمرًا مؤكدًا على الإطلاق. فقد كتب يوحنا برغبة في أن يختبر المؤمنون ملء الفرح. ولو كان هذا الأمر محتمًّا أو سهل المنال جدًّا، لما كتب يوحنا هذا.
- الفرح المسيحي مهم، وهو يتعرض لهجمات على جبهات كثيرة. إذ يمكن للظروف الخارجية والأمزجة (الحالات النفسية) والعواطف والخطية كلها أن تنزع فرحك. غير أن فرح المؤمن غير موجود في أشياء هذا العالم مهما كانت جيدة. فعندما كتب يوحنا عن هذه الأشياء، فقد كتب عن علاقة الشركة والمحبة هذه التي نتشارك فيها مع الله الآب والابن يسوع المسيح.
- هنالك مؤمنون كثيرون جدًّا سلبيون في فقدانهم للفرح. وينبغي أن يدركوا أنها خسارة عظيمة، ويفعلوا كل ما بوسعهم للاقتراب إلى الله ويطالبوا مرة أخرى بملء الفرح. “فإذا فقدَ أيٌّ منكم فرح الرب، فإني أصلي ألا يعتقد أن خسارته قليلة.” سبيرجن (Spurgeon)
د ) ملاحظات حول هذا القسم الأول من هذه الرسالة، وهو جملة واحدة طويلة في المخطوطات الأصلية.
- بدأ يوحنا بالبدء – الله الأزلي الذي كان موجودًا قبل كل شيء.
- أخبرنا يوحنا أن الله أُظهِر جسميًا، وأنه مع آخرين يمكنهم أن يشهدوا على هذا كشهود عيان.
- أخبرنا أن الله هو كلمة الحياة، اللوجوس.
- أخبرنا أن هذا الإله متميز عن الله الآب.
- أخبرنا أنه يمكننا أن نحصل على شركة مع هذ الإله، وأننا غالبًا ما ندخل في هذه الشركة مع الله من خلال شركة شعبه.
- أخبرنا أن هذا الإله الموجود أزليًا، كلمة الله، والذي كان موجودًا مع التلاميذ وآخرين بجسده (وحاضر ومتاح للشركة) هو الله الابن، واسمه يسوع المسيح.
- أخبرنا أن الشركة مع يسوع تؤدي إلى حياة تعاش في ملء الفرح.
- يمكننا القول إن يوحنا أعطانا في هذه الآيات الأربع ما يكفينا لحياة مسيحية كاملة. فلا عجب أن أحد المفسرين قال: “لاحظوا نغمة العجب في لغة الرسول. إنه يجاهد في البحث عن تعابير مضيفًا تعريفًا إلى تعريف.”
ثانيًا. رسالة يوحنا من الله: التعامل مع الخطية والمحافظة على العلاقة
أ ) الآية (٥): الخطية وطبيعة الله.
٥وَهَذَا هُوَ ٱلْخَبَرُ ٱلَّذِي سَمِعْنَاهُ مِنْهُ وَنُخْبِرُكُمْ بِهِ: إِنَّ ٱللهَ نُورٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمَةٌ ٱلْبَتَّة.
- وَهَذَا هُوَ ٱلْخَبَرُ (الرسالة): يدل هذا التصريح على امتلاك سلطة. فيوحنا لا يختلق هذه الأمور. فليست هذه آراءه الشخصية أو أفكاره الخاصة عن الله. فهذه رسالة الله عن نفسه (ٱلَّذِي سَمِعْنَاهُ مِنْهُ) والتي يعلنها يوحنا الآن لنا (وَنُخْبِرُكُمْ بِهِ).
- ما يخبرنا يوحنا عن الله هو ما أخبرنا الله عن نفسه. فلا يمكننا أن نكون واثقين بآرائنا وأفكارنا الخاصة عن الله ما لم تكن مؤسسة بشكل أصيل على ما قاله الله عن نفسه.
- إِنَّ ٱللهَ نُورٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمَةٌ ٱلْبَتَّة: يتوجب علينا أن نبدأ فهمنا لله هنا. فيوحنا يعلن هذا الأمر بناءً على فهم بسيط أن الله نُور. والنور حسب تعريفه لَيْسَ فِيهِ ظُلْمَةٌ ٱلْبَتَّة. ولكي تكون هنالك ظلمة، يتوجب أن يكون هنالك غياب للنور.
- هنالك تعريف جيد لله: “الله هو الروح اللانهائية والأزلية وغير القابلة للتغيير، والكائن الذي فيه كل شيء يبدأ ويستمر وينتهي.” وهنالك طريقة أخرى للقول إن الله كامل، وهو القول إِنَّ ٱللهَ نُورٌ.
- “النور أنقى كل ما خلقه الله والأكثر عمقًا والأكثر فائدة والأكثر انتشارًا، ولهذا فإنه رمز ملائم لنقاوة طبيعة الله وكمالها وصلاحها.” كلارك (Clarke)
- “هنالك بقع في الشمس، مساحات كبيرة من السواد في قرصها المشع. لكن توجد في الله نقاوة لا يشوبها أي شيء.” ماكلارين (Maclaren)
- ٱللهَ نُورٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمَةٌ ٱلْبَتَّة: ولهذا إن كان هنالك عيب في شركتنا مع الله، فإنه خطؤنا وليس خطأ الله، لأنه لا توجد فيه خطية أو ظُلْمَةٌ ٱلْبَتَّة.
- إن أيّ نهج للعلاقة بالله يفترض أو حتى يلمّح إلى أن الله يمكن أن يكون على خطأ وأنه ربما يحتاج إلى غفراننا جميعًا، نهج تجديفيّ في أصله، وهو يناقض بشكل مباشر ما يصرح به يوحنا هنا بوضوح.
ب) الآية (٦): خلو الله من الخطية وعلاقتنا به.
٦إِنْ قُلْنَا: إِنَّ لَنَا شَرِكَةً مَعَهُ وَسَلَكْنَا فِي ٱلظُّلْمَةِ، نَكْذِبُ وَلَسْنَا نَعْمَلُ ٱلْحَقَّ.
- إنْ قُلْنَا: إِنَّ لَنَا شَرِكَةً مَعَه: يتعامل يوحنا أولًا مع ادعاء زائف للشركة. وبناءً على ذلك، فإننا نفهم أنه أمر ممكن لبعضهم أن يزعموا وجود علاقة بالله غير موجودة. ويمكننا أن نقول أيضًا إنه أمر ممكن لشخص أن يظن أنه يمتلك علاقة بالله لا يمتلكها.
- هنالك مؤمنون كثيرون لا يعون حالتهم الحقيقية. يعرفون أنهم مخلّصون وأنهم اختبروا التجديد وتابوا في نقطة ما من حياتهم، غير أنهم لا يعيشون في علاقة حقيقية مع الله.
- وَسَلَكْنَا فِي ٱلظُّلْمَةِ: يتحدث يوحنا عن السلوك (المسير) في الظلمة، مشيرًا إلى نمط أو أسلوب من الحياة. فهو لا يتحدث عن سقطة بين الحين والآخر، بل عن أسلوب حياة من الظلمة.
- نَكْذِبُ وَلَسْنَا نَعْمَلُ ٱلْحَقَّ: لا توجد ظلمة البتة في الله (يوحنا الأولى ٥:١). ولهذا إذا ادعى أحد أنه في شركة مع الله (علاقة تواصل متبادلة واهتمام ومشاركة)، غير أنه يسلك في الظلمة، فإن هذا الادعاء غير صادق.
- القضية هنا هي الشركة، لا الخلاص. فالمؤمن الذي يسلك في الظلمة مؤقتًّا ما زال مخلّصًا، لكنه ليس في شركة مع الله.
- إن كان يوحنا يقول، ’هذه كذبة‘ فإن هذا يعني أنه يتحدث من منظور أشياء صادقة أو أشياء هي أكاذيب. فيوحنا يرى الأمور بوضوح أكبر مما يراه عصرنا المتطور المعقّد الذي لا يريد أن يرى أي شيء أسود أو أبيض، لكن كل شيء بلون رمادي. غالبًا ما يفكر العالم الحديث من منظور ’حقيقتي أنا‘ بالمعنى الفردي. ولكن ركز يوحنا هنا على فكرة حقيقة الله، الحقيقة المطلقة.
ج ) الآية (٧): بركة السلوك في النور.
٧وَلَكِنْ إِنْ سَلَكْنَا فِي ٱلنُّورِ كَمَا هُوَ فِي ٱلنُّورِ، فَلَنَا شَرِكَةٌ بَعْضِنَا مَعَ بَعْضٍ، وَدَمُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ٱبْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ.
- وَلَكِنْ إِنْ سَلَكْنَا فِي ٱلنُّورِ: يعني هذا أن نسلك بشكل عام في حياة الطاعة من دون مراعاة خطية معروفة أو مقاومة تبكيت الروح القدس على أمر ما.
- تعني رسالة يوحنا هنا أن السلوك في النور أمر ممكن. ونحن نعرف في هذا الجانب من الأبدية أن الكمال الخالي من الخطية أمر غير ممكن. غير أننا نستطيع أن نسلك في النور، ولهذا فإن يوحنا يعني الطاعة الكاملة.
- توصف الحياة المسيحية بصفتها ’سلوكًا‘ أي سَيْرًا. ويوحي هذا بالنشاط. فالحياة المسيحية تتغذى على التأمل، لكنها تظهر نفسها في العمل. ويوحي السلوك أو السَّيْرَ بالعمل والاستمرار والتقدم. وبما أن الله نشِط وفي حالة مسير (عمل)، فستكون أنت أيَضًا نشطًا وفي حالة مسير إذا كنت في شركة معه.
- كَمَا هُوَ فِي ٱلنُّورِ: بما أن الله نور (يوحنا الأولى ٥:١)، فعندما نسلك في النور، فإننا نسلك حيث هو، فنحن معه في شركة بشكل طبيعي.
- فَلَنَا شَرِكَةٌ بَعْضِنَا مَعَ بَعْضٍ: كنا نتوقع من يوحنا أن يقول: “فلنا شركة مع الله” وهذا أمر صحيح، لكن هذه الفكرة متضمنة بالفعل في فكرة السلوك معًا مع الله في النور. يريد يوحنا من الإخوة المؤمنين الذين يسلكون في النور أن يتمتعوا بشركة بعضهم مع بعض.
- يؤدي هذا إلى فكرة مهمة: إذا لم يكن لدينا شركة بعضنا مع بعض، فإن طرفًا أو كلا الطرفين لا يسلكان في النور. فإنه من الطبيعي لمؤمنَين هما في علاقة سليمة مع الله أن يكونا في علاقة سليمة أحدهما مع الآخر أيضًا.
- وَدَمُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ٱبْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ: عندما نسلك في النور، فإننا نتمتع أيضًا بتطهير يسوع المستمر. وهذه إشارة أخرى إلى أن يوحنا لا يعني الكمال الخالي من الخطية بعبارته ’سَلَكْنَا فِي ٱلنُّورِ،‘ وإلا لما كانت هنالك خطية للتطهر منها بهذا المعنى المستمر.
- نحن نحتاج إلى تطهير مستمر، لأن الكتاب المقدس يقول إننا نخطئ ونقصّر عن عمل ما يمجدُ الله باستمرار (رومية ٢٣:٣). فرغم أن المؤمنين قد تطهروا بمعنى عام مهم، إلا أن “أقدامنا” ما زالت تحتاج إلى تطهير (يوحنا ١٠:١٣).
- يستخدم يوحنا كلمة “يطهّر” في عبارة “يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ” في صيغة المضارع، لا في صيغة المستقبل. ولهذا نستطيع أن نفعل أكثر من مجرد أن نأمل في أن نتطهر ذات يوم. فبفضل ما فعله يسوع على الصليب، يمكنني أن أتطهر اليوم.
- “لاحظوا مرة أخرى أنه لا يوجد في هذه الآية أي تلميح إلى أية عواطف أو مشاعر أو مكاسب أو تعاون مع الدم في نزع الخطية. فقد أخذ يسوع خطايا شعبه، وقد عوقب على تلك الخطايا كما لو أنه كان خاطئًا. ولهذا نُزعت الخطية منا. لكن الخطية لا تُنزع بأي نوع أو شكل أو صيغة بمكاسب أو إنجازات أو عواطف أو مشاعر أو خبرات.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَدَمُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ: هذا التطهير المستمر هو لنا بدم يَسُوعَ. ولا يعني هذا قطرات دمه الفعلية أو جزيئات دمه الفعلي، بل موته الفعلي مكاننا، وغضب الآب الله الفعلي الذي احتمله بدلًا منا. فقد دفع دَمُ يَسُوعَ جزاء كل خطايانا ماضيًا وحاضرًا ومستقبلًا.
- لا يتعامل عمل يسوع على الصليب مع ذنب الخطية التي يمكن أن ترسلنا إلى الجحيم فحسب، بل يتعامل أيضًا مع لطخة الخطية التي تعوق علاقتنا المستمرة بالله. فنحن نحتاج أن نأتي إلى الله كثيرًا بتضرع بسيط: “طهِّرني بدم يسوع.” لا لأننا لم نتطهر من قبل، بل لأننا نحتاج إلى أن نتطهر باستمرار لنتمتع بعلاقتنا المستمرة به.
- “’الدم‘ أكثر تحديدًا من ’الموت،‘ لأن ’الدم‘ يدل على الذبيحة، وهو دائمًا الدم المسفوك.” لينسكي (Lenski)
- “لاحظوا أنه لا توجد هنا أية إشارة إلى طقوس وشعائر واحتفالات. فهو لا يبدأ بالقول: “وماء المعمودية، مع دم يسوع المسيح ابنه يطهرنا.” ولا توجد أية كلمة حول رش الماء على الأطفال الرّضّع أو تغطيس المؤمنين. لا شيء من ذلك. إنه الدم، والدم وحده من دون أية نقطة من ماء المعمودية. ولا يذكر هنا كلمة واحدة هنا عن الأسرار أو الفرائض – فلا يوجد إقحام لما يدعوه بعضهم ’الأفخارستيا المباركة‘ ولا يوجد شيء عن تناول الخبز أو شرب الخمر. إنه الدم، ولا شيء غير الدم.” سبيرجن (Spurgeon)
- “هل سلوكي في النور هو الذي ينزع خطاياي؟ لا، أبدًأ. فأنا خاطئ في النور كما أنا في الظلمة، لو كان ممكنًا لي أن أكون في النور من دونِ أن أُغسَل من خطاياي. حسنًا، لكن لدينا شركة مع الله. ألا ينزع غياب الشركة مع الله الخطايا؟ لا تسيئوا فهمي، أيها الأحباء – فلا يمكن لإنسان أن يتمتع بالشركة مع الله ما لم تُنزع خطاياه. لكن شركته مع الله وسلوكه في النور لا ينزع خطاياه على الإطلاق. فعملية إزالة الخطية كلها هي هنا. ’وَدَمُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ٱبْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ.‘” سبيرجن (Spurgeon)
- مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ: يمكننا أن نتطهر بدم يسوع مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ، الخطية التي ورثناها عن آدم والخطية التي ارتكبناها كأطفال والخطايا التي ارتكبناها ونحن ننمو؛ خطايا ضد الأب والأم وخطايا ضد الأخ والأخت وخطايا ضد أزواجنا أو زوجاتنا وخطايا ضد أبنائنا وخطايا ضد موظفينا وأصحاب العمل وخطايا ضد أصدقائنا وأعدائنا… الكذب والسرقة والغش والشتائم والمخدرات والمُسكرات والانحلال الأخلاقي والقتل هي خطايا تثقل كاهلنا ليل نهار، خطايا لم نكن حتى نعرف أننا ارتكبناها. ويمكن أن تُطهَّر كُلِّ خَطِيَّةٍ بدم المسيح.
- الخطية عائقة للشركة. ودم المسيح الذي نقبله بالإيمان كثمن لخطايانا، يحل مشكلة الخطية ويفتح الطريق أمام الشركة مع الله.
- لا يمكنك أن تأتي إلى شركة مع الله من خلال تكهُّنك الفلسفي، ولا يمكنك أن تأتي إلى شركة مع الله من خلال التعليم الذهني.
- لا يمكنك أن تأتي إلى شركة مع الله من خلال المخدرات أو التسلية.
- لا يمكنك أن تأتي إلى شركة مع الله من خلال البحث العلمي.
- لا يمكنك أن تأتي إلى شركة مع الله إلا بالتعامل مع خطاياك من خلال دم يسوع المسيح.
- يمكننا أن نقول إن الخطية التي لا يمكنك التطهر منها بدم يسوع المسيح هي الرفض المستمر لدمه كثمن لخطاياك.
- الخطية عائقة للشركة. ودم المسيح الذي نقبله بالإيمان كثمن لخطايانا، يحل مشكلة الخطية ويفتح الطريق أمام الشركة مع الله.
د ) الآيات (٨-١٠): وجود الخطية، والاعتراف بالخطية، والتطهر من الخطية
٨إِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ لَيْسَ لَنَا خَطِيَّةٌ نُضِلُّ أَنْفُسَنَا وَلَيْسَ الْحَقُّ فِينَا. ٩إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ. ١٠إِنْ قُلْنَا: إِنَّنَا لَمْ نُخْطِئْ نَجْعَلْهُ كَاذِبًا، وَكَلِمَتُهُ لَيْسَتْ فِينَا.
- إِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ لَيْسَ لَنَا خَطِيَّةٌ: قدّم يوحنا فكرتي السلوك في النور والتطهُّر من الخطية، لكنه لم يعتقد ولو للحظة واحدة أن المؤمن بالمسيح يمكن أن يكون كاملًا بلا خطية.
- الاعتقاد بمثل هذا خداع للنفس، وقول هذا إنما هو كَذِبٌ – وَلَيْسَ ٱلْحَقُّ فِينَا.
- “يكشف قلبنا المخادع دهاء شيطانيًا تقريبًا في الخداع الذاتي… فإذا قلت إنه ليس لديك خطية، فقد حققتَ نجاحًا مخيفًا. فأنت وضعت عينيك جانبًا وشوهتَ فكرك الخاص.” سبيرجن (Spurgeon)
- هنالك أشخاص كثيرون اليوم يعتقدون أنهم كاملون بلا خطية، رغم أن كثيرين يعتقدون فعلًا أنهم خطاة. وسيقول كثيرون: “أنا أرتكب أخطاء،” أو “أنا لست كاملًا،” أو “ما أنا إلا بشر.” لكنهم في العادة يقولون مثل هذه الأشياء ليبرروا ما يفعلونه أو ليدافعوا عن أنفسهم. وهذا أمر مختلف عن معرفتنا واعترافنا بحقيقة “أنا خاطئ”.
- يضعنا القول بأنه ليس فينا خطية في مكان خطر، لأن نعمة الله ورحمته تقدَّمان للخطاة، لا “للذين يرتكبون أخطاء” أو للذين يقولون “ما أنا إلا بشر” أو “ليس من هو كامل.” وعلينا أن ندرك أن النصر والغفران يأتيان من القول: “أنا خاطئ – بل أنا خاطئ كبير – لكنْ لديّ مخلّص يطهّرني من كل خطية.”
- إِنِ ٱعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا: رغم أن الخطية موجودة، فلا يلزم أن تبقى عائقًا أمام علاقتنا بالله. إذ يمكننا أن نجد تطهيرًا كاملًا (مِنْ كُلِّ إِثْمٍ) عندما نعترف بخطايانا.
- يعني الاعتراف “أن تقول الشيء نفسه.” فعندما نعترف بخطيتنا، فإننا مستعدون لأن نقول بإيمان نفس الشيء حول خطيتنا الذي يقوله الله حولها. وتوضح قصة يسوع حول الفريسي والعشار اللذين صلّيا هذه الحقيقة. إذ تبجّح الفريسي حول مدى برّه، بينما اعترف العشار قائلًا: “اللهمّ ارحمني، أنا الخاطئ.” (لوقا ١٠:١٨-١٤). فالذي اعترف بخطاياه هو الذي وافق الله حول مدى شرّه.
- تأتي كلمة “اعترفنا” في صيغة المضارع في الأصل اليوناني. والمعنى هنا هو أنه ينبغي لنا أن نواصل الاعتراف بخطايانا، بدلًا من الإشارة إليها على أنها اعتراف للخطايا يحدث لمرة واحدة وحيدة عند التجديد.
- لست مضطرًا إلى الذهاب إلى جلسة اعتراف للاعتراف بخطاياك. فعندما تعتمد، فإنك تعترف بخطاياك قائلًا إنك محتاج إلى عمل الصليب لنزع خطيتك، لكن، بطبيعة الحال، ينبغي أن نعترف بخطايانا بأكثر طريقة مباشرةً: بالاعتراف لله بأن ما فعلناه خطية وبطلب الغفران الإلهي بناءً على ما فعله يسوع على الصليب من أجلنا.
- لا تُغفر خطايانا بناءً على اعترافنا. فلو كان هذا واقع الحال – إذا كان الغفران على خطية لا يحصل إلا حيث يوجد اعتراف – فسندان جميعًا، لأنه من المحال أن نقدر أن نعترف بكل خطية نرتكبها. فنحن نحصل على غفران لأن عقابنا وُضِع على يسوع. ونحن مطهَّرون بدمه.
- غير أن الاعتراف يظل أمرًا حيويًا للمحافظة على علاقتنا بالله. وهذا هو السياق الذي يتحدث فيه يوحنا. فعندما يبكّتنا الله على خطية تعوق شركتنا معه، يتوجب علينا أن نعترف بها لننال الغفران والتطهير لكي تستمر علاقتنا بالله من دون إعاقة.
- يتوجب أن يكون الاعتراف شخصيًا. فإذا قلت: “يا الله، إن كنا قد ارتكبنا أية أخطاء، سامحنا”، فليس هذا اعترافًا، لأنك غير مقتنع بأنك أخطأت (إنْ). وليس هذا اعترافًا شخصيًا، حيث تتكلم بلغة الجماعة (كنا… ارتكبنا). وليس اعترافًا محدَّدًا (أية أخطاء). وليس اعترافًا صادقًا عندما تقول إنّ خطاياك “أخطاء.”
- فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا: فبفضل عمل يسوع، فإن برّ الله هو صديقنا، ضامنًا أنه سيُغفر لنا، لأن يسوع دفع ثمن جزاء خطيتنا. فالله أَمِينٌ وَعَادِلٌ لكي يغفر لنا في ضوء ما فعله يسوع.
- “يعني النصّ ما يلي: تعامل مع الله بصدق، وسيتعامل الله معك بصدق. فلا تتظاهر أمامه بأي شيء. بل ابسط نفسك عاريةً أمامه، ودعه يرَها كما هي. وعندئذٍ سيكون أمينًا وعادلًا وسيغفر لك ويطهّرك من كل إثم.” سبيرجن (Spurgeon)
- “لا ينبغي للوعد في يوحنا الأولى ٩:١ أن يشجعنا على الدخول في الخطية، قائلين: “سأباشر ارتكاب الخطايا لأن الله سيغفر لي.” بل يفترض أن يشجعنا على الخروج من الخطية، عالمين أن الله لا يمكن أن يكون أمينًا وعادلًا كي يغفر لنا خطايانا إلا لأن الغضب الذي استحققناه انصبَّ على الخطية. وبما أن كل خطية تحمل معها مقدارًا من الغضب، فإن هنالك معنى تضيف بموجبه كل خطية نرتكبها إلى عذاب يسوع على الصليب.
- لا يوجد دليل أكثر يقينيةً على أن شخصًا ما خارج دائرة الشركة مع الله من تفكيره في ارتكاب خطية مع الفكرة، “يمكنني أن أطلب الغفران لاحقًا.” فبما أن الله نور ولا ظلمة فيه البتة، يمكننا أن نتأكد من أن هذا الشخص الذي يرتكب خطية مع هذه الفكرة ليس في شركة مع الله.
- إِنْ قُلْنَا: إِنَّنَا لَمْ نُخْطِئْ: إذا أنكرنا وجود الخطية، فإننا نخدع أنفسنا وننكر كلمة الله. غير أن الخطية موجودة دائمًا، وكذلك علاجها. ولهذا لا يجب أن تكون الخطية عائقًا لعلاقتنا به.
- ترتبط فكرة أن كَلِمَتُهُ لَيْسَتْ فِينَا بفكرة أن يسوع هو كلمة الحياة (يوحنا الأولى ١:١). فإذا رفضنا أن نرى الخطية التي فينا، فإن هذا يبيّن أن يسوع ليس فينا.
- “لم يُطرد أحد من ملكوت الله بسبب اعترافه بمدى سوئه، لكن كثيرين لا يدخلون ملكوت الله بسبب صلاحهم المفترض.” تراب (Trapp)