سفر الجامعة – الإصحاح ٧
محاولة إيجاد طريق أفضل
أولًا. النظر إلى الحياة في الظروف الحسنة والظروف الرديئة
أ ) الآيات (١-٤): ما هو أفضل في الحياة والموت.
١اَلصِّيتُ خَيْرٌ مِنَ الدُّهْنِ الطَّيِّبِ، وَيَوْمُ الْمَمَاتِ خَيْرٌ مِنْ يَوْمِ الْوِلاَدَةِ. ٢اَلذَّهَابُ إِلَى بَيْتِ النَّوْحِ خَيْرٌ مِنَ الذَّهَابِ إِلَى بَيْتِ الْوَلِيمَةِ، لأَنَّ ذَاكَ نِهَايَةُ كُلِّ إِنْسَانٍ، وَالْحَيُّ يَضَعُهُ فِي قَلْبِهِ. ٣اَلْحُزْنُ خَيْرٌ مِنَ الضَّحِكِ، لأَنَّهُ بِكَآبَةِ الْوَجْهِ يُصْلَحُ الْقَلْبُ. ٤قَلْبُ الْحُكَمَاءِ فِي بَيْتِ النَّوْحِ، وَقَلْبُ الْجُهَّالِ فِي بَيْتِ الْفَرَحِ.
١. اَلصِّيتُ خَيْرٌ مِنَ الدُّهْنِ الطَّيِّبِ، وَيَوْمُ الْمَمَاتِ خَيْرٌ مِنْ يَوْمِ الْوِلاَدَةِ: في نهاية سفر الجامعة الإصحاح ٦، كان الواعظ في حالة حزن ومزاج محبط بعد أن فكَّر بتفاهة الحياة في عالم لا أبدية له ولا محاسبية في ما بعد هذا العالم. وقد استمرّ في هذه النبرة بربط حقّ واضح (اَلصِّيتُ خَيْرٌ مِنَ الدُّهْنِ الطَّيِّبِ) بعبارة مفاجئة ومحيّرة (يَوْمُ الْمَمَاتِ خَيْرٌ مِنْ يَوْمِ الْوِلاَدَةِ).
• يأتي هذا من الإحساس العميق المتألم بالتفاهة التي يعاني الواعظ منها. جعله هذا يشعر أن يَوْمُ الْمَمَاتِ أفضل من الحياة.
• “ليس في النصف الأول من الآية ١ ما يهيّئنا للنصف الثاني منها… فبدلًا من التأمُّل والمحاورة، يقصفنا بأمثالٍ ذات تأثيرٍ قويٍّ بزوايا متنوّعة في الهجوم.” كيدنر (Kidner)
• حتى يَوْمِ الْوِلاَدَةِ يومٌ مشؤوم، بالرغم من كل الآمال والإمكانيات الكامنة في ولادة طفل. يأتي الأطفال إلى العالم وهم ينطقون بالصوت البشري – صرخة. “قبل أن يتكلَّم أي طفل، يتنبأ بدموعه عن أحزانه الآتية.” تراب (Trapp)
• بحسب منظور العهد الجديد، صارت لدينا مشاعر مختلطة بشأن الاندفاعات العاطفية عند الواعظ، ’يَوْمُ الْمَمَاتِ خَيْرٌ مِنْ يَوْمِ الْوِلاَدَةِ.‘ فمن ناحية، يَوْمُ الْمَمَاتِ يومٌ مجيد بالنسبة للمؤمن، حيث تنتهي حربنا، وينتهي حزننا، وينتهي عدم يقيننا، ويصير كلُّ شيءٍ جديدًا. ومن ناحية أخرى، نفرح بالمعنى الذي أعطاه الله لنا مع هذه الحياة على الأرض. ونتّفق مع الرسول بولس في ما قاله في فيلبي ١: ٢٣ ’فَإِنِّي مَحْصُورٌ مِنْ الاثْنَيْنِ: لِيَ اشْتِهَاءٌ أَنْ أَنْطَلِقَ وَأَكُونَ مَعَ الْمَسِيحِ، ذَاكَ أَفْضَلُ جِدًّا.‘
• “الموت هو نهاية حالة الموت. ففي يوم موت المؤمن تنتهي حالة الموت إلى الأبد. القديسون الذين مع الله لن يموتوا ثانيةً أبدًا. الحياة صراع، جهاد، ولكنّ الموت هو نهاية النزاع: إنّه راحة وانتصار.” سبيرجن (Spurgeon)
• “ولهذا كان الآباء القدماء يدعون تلك الأيام التي تألَّم فيها الشهداء أيّام ميلادهم، لأنّهم بدأوا يحيون فعلًا.” تراب (Trapp)
• “فكّروا بالأمر روحيًا، ويا إخوتي الأعزاء، ما هو الصيت الحسن؟ الصيت الحسن اسم يُكتَب في سفر حياة الخروف، وهو أفضل من أزكى طيب.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. اَلذَّهَابُ إِلَى بَيْتِ النَّوْحِ خَيْرٌ مِنَ الذَّهَابِ إِلَى بَيْتِ الْوَلِيمَةِ: عرف سليمان ميلنا إلى تجاهُل الموت أو استبعاد الموت من تفكيرنا. ولكن من الأفضل مواجهة حقيقة الموت، وبَيْتِ النَّوْحِ مكانٌ ممتاز للتفكير بهذا الأمر – الْحَيُّ يَضَعُهُ فِي قَلْبِهِ.
• يبدو أن الواعظ رفض رجاءه السابق بأن يجد معنى للحياة في المتعة والإنجازات والحكمة. والآن، لا يجد رجاءً إلا بالموت، وينبغي للإنسان ألا يتجاهل الموت. ولذا إِحْصَاءَ أَيَّامِنَا هكَذَا عَلِّمْنَا فَنُؤْتَى قَلْبَ حِكْمَةٍ. (مزمور ٩٠: ١٢)
• “كان بعض الرهبان الكاثوليك القدماء يقرأون كتبهم المُقدَّسة على ضوء شمعة مُثبَّتة بجمجمةٍ. قد يكون النور الآتي من رأس الموت نورًا مريعًا، ولكنّه مفيد جدًا.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. اَلْحُزْنُ خَيْرٌ مِنَ الضَّحِكِ: يسير الواعظ بعكس كل بديهة، إذ مَن منّا يقول هذا؟ ولكنّه مُصمِّم على أن ينتزع كل أوهامنا وأمنياتنا بشأن طبيعة الحياة في منظور تَحْتَ الشَّمْسِ الذي ينطلق منه.
• نرفض منظور سليمان العام، ولذا نؤمن أنّ اَلْحُزْنُ ليس دائمًا خَيْرٌ مِنَ الضَّحِكِ. لا نرفض اَلْحُزن لأنّنا نُفضل وهمًا أو أمنيةً، بل نفعل هذا بسبب ثقتنا بإله سنقدِّم له حسابًا في الأبدية، وقد وعد بأن يكافئ الخير ويعاقب الشر هناك. ومع هذا، فإنّه غالبًا ما تكون الحكمة بَيْتِ النَّوْحِ أكثر من بَيْتِ الْوَلِيمَةِ.
ب) الآيات (٥-٩): الأفضل في الحكمة والجهل.
٥سَمْعُ الانْتِهَارِ مِنَ الْحَكِيمِ خَيْرٌ لِلإِنْسَانِ مِنْ سَمْعِ غِنَاءِ الْجُهَّالِ، ٦لأَنَّهُ كَصَوْتِ الشَّوْكِ تَحْتَ الْقِدْرِ هكَذَا ضَحِكُ الْجُهَّالِ. هذَا أَيْضًا بَاطِلٌ. ٧لأَنَّ الظُّلْمَ يُحَمِّقُ الْحَكِيمَ، وَالْعَطِيَّةَ تُفْسِدُ الْقَلْبَ. ٨نِهَايَةُ أَمْرٍ خَيْرٌ مِنْ بَدَايَتِهِ. طُولُ الرُّوحِ خَيْرٌ مِنْ تَكَبُّرِ الرُّوحِ. ٩لاَ تُسْرِعْ بِرُوحِكَ إِلَى الْغَضَبِ، لأَنَّ الْغَضَبَ يَسْتَقِرُّ فِي حِضْنِ الْجُهَّالِ.
١. سَمْعُ الانْتِهَارِ مِنَ الْحَكِيمِ خَيْرٌ لِلإِنْسَانِ مِنْ سَمْعِ غِنَاءِ الْجُهَّالِ: يستمرّ الواعظ في فكرته السابقة بأن الإنسان يجد الحكمة في الضيق والألم لا في الراحة والرفاهية. ليس ضَحِكُ الْجُهَّالِ سوى صوت مؤقّت، بحيث لا يترك وراءه شيئًا له قيمة.
• “لاحظ موفيت (Moffatt) ثمة جناس لغوي في العبرية في جملة ’كصوت الشوك (سيريم-sirim) تحتَ القدر (سير-sir)،‘ ولهذا تأثير على السامع. كان الشوك وقودًا سريع الاشتعال وسهل الإخماد في العالم القديم.” إيتون (Eaton)
• “يعملون ضجّة كبيرة، ولهيبًا عظيمًا، وينطفئون في لحظاتٍ قليلة. هكذا في الحقيقة هي أفراح الحياة: إنّها ضاجّة ولامعة وعابرة.” كلارك (Clarke)
• “كما يُشبَّه ضحكهم بالشوك، وهو تشبيه مناسب، لأنّه يخنق الحركات الجيّدة، ويخدش الضمير، ويخفي آفات الشهوات الوضيعة والقذرة.” تراب (Trapp)
٢. لأَنَّ الظُّلْمَ يُحَمِّقُ الْحَكِيمَ، وَالْعَطِيَّةَ تُفْسِدُ الْقَلْبَ: بالرغم من امتداح سليمان للدور التعليمي الذي تلعبه الظروف الصعبة، فَهِم أيضًا أن للألم حدودًا. فيمكن له أن يدمِّر ويفسِد الْقَلْبَ، أي عقل ومنطق الحكيم.
٣. لاَ تُسْرِعْ بِرُوحِكَ إِلَى الْغَضَبِ: بعد مثلين امتدح فيهما الصبر، يحذِّرنا الواعظ من عدم الصبر الذي يؤدِّي إلى الغضب. يمكن لعيش الحياة في منظور تَحْتَ الشَّمْسِ أن يُفقِد الإنسان صبره وبعد ذلك يجعله غاضبًا، والْغَضَبَ يَسْتَقِرُّ فِي حِضْنِ الْجُهَّالِ.
ج) الآيات (١٠-١٢): الحكمة تعطي منظورًا وموقفًا بشأن الحياة.
١٠لاَ تَقُلْ: «لِمَاذَا كَانَتِ الأَيَّامُ الأُولَى خَيْرًا مِنْ هذِهِ؟» لأَنَّهُ لَيْسَ عَنْ حِكْمَةٍ تَسْأَلُ عَنْ هذَا. ١١اَلْحِكْمَةُ صَالِحَةٌ مِثْلُ الْمِيرَاثِ، بَلْ أَفْضَلُ لِنَاظِرِي الشَّمْسِ. ١٢لأَنَّ الَّذِي فِي ظِلِّ الْحِكْمَةِ هُوَ فِي ظِلِّ الْفِضَّةِ، وَفَضْلُ الْمَعْرِفَةِ هُوَ إِنَّ الْحِكْمَةَ تُحْيِي أَصْحَابَهَا.
١. لاَ تَقُلْ: «لِمَاذَا كَانَتِ الأَيَّامُ الأُولَى خَيْرًا مِنْ هذِهِ؟»: فَهِم سُليمان ميلنا إلى إعطاء الماضي صيغة رومانسية وتفكيرنا بأنَّ الماضي أفضل من الوقت الحالي. وقد حذَّر بشأن هذا الأمر، عارفًا أن مبدأ تفاهة الحياة تَحْتَ الشَّمْسِ ليس ظاهرةً جديدة.
• “ثاقب البصر قوهيلت آخِر من يتأثَّر بهذه الضبابية المحيطة بالماضي، فقد أعلن أنّ كل العصور متشابهة. مَا كَانَ فَهُوَ مَا يَكُونُ… فَلَيْسَ تَحْتَ الشَّمْسِ جَدِيدٌ (جامعة ١: ٩).” كيدنر (Kidner)
• “حتى المسيحيون يُبالِغون في تقدير فترة الكنيسة الأولى أو فترة الإصلاح أو فترات النهضة. مُؤكَّد أن الحكماء يتعلَّمون من الماضي، ولكنّهم يعيشون في الحاضر بما فيه من فُرَص.” رايت (Wright)
• “في الأيّام الماضي، كان البشر أشرارًا كما هو الآن، وكان الدين يُعتبَر موضة قديمة: الله هو هو الآن كما كان في الماضي، وهو عادل ورحيم ومستعدّ لتقديم العون دائمًا، وليس في عصرنا فَسَاد يمثِّل عذرًا لجرائمنا وحماقاتنا ولامبالاتنا.” كلارك (Clarke)
٢. اَلْحِكْمَةُ صَالِحَةٌ مِثْلُ الْمِيرَاثِ، بَلْ أَفْضَلُ لِنَاظِرِي الشَّمْسِ: بحسب نقطة انطلاق الواعظ، فإن أفضل نوعٍ من الحياة هو ذلك المصحوب بالحكمة والمال (الْمِيرَاث). هذه اَلْحِكْمَةُ – تُدعى أيضًا فَضْلُ الْمَعْرِفَةِ، تعطي الحياة التي يمكن نوالها في عالم تَحْتَ الشَّمْسِ.
د ) الآيات (١٣-١٤): الحكمة تضع الله في اعتبارها.
١٣اُنْظُرْ عَمَلَ اللهِ: لأَنَّهُ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى تَقْوِيمِ مَا قَدْ عَوَّجَهُ؟ ١٤فِي يَوْمِ الْخَيْرِ كُنْ بِخَيْرٍ، وَفِي يَوْمِ الشَّرِّ اعْتَبِرْ. إِنَّ اللهَ جَعَلَ هذَا مَعَ ذَاكَ، لِكَيْلاَ يَجِدَ الإِنْسَانُ شَيْئًا بَعْدَهُ.
١. اُنْظُرْ عَمَلَ اللهِ: لأَنَّهُ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى تَقْوِيمِ مَا قَدْ عَوَّجَهُ؟: فَهْم المكان الذي للإنسان بالنسبة لله مهمٌّ في القبول الهادئ للحياة تَحْتَ الشَّمْسِ. من منظور الواعظ، لهذا الأمر شيءٌ من الحسّ بالقَدَريّة.
• “لا وقوف أمام أسدٍ، ولا رفع شراع أمام عاصفة، ولا خصومة مع الله.” تراب (Trapp)
٢. فِي يَوْمِ الْخَيْرِ كُنْ بِخَيْرٍ، وَفِي يَوْمِ الشَّرِّ اعْتَبِرْ: يعطينا سليمان نصيحة بشأن الكيفية التي ننظر بها إلى الخير والشّرّ في الحياة: “خُذْ ما تعطيه الحياة لك، وعِش الواقع بأفضل صورة ممكنة.”
٣. إِنَّ اللهَ جَعَلَ هذَا مَعَ ذَاكَ، لِكَيْلاَ يَجِدَ الإِنْسَانُ شَيْئًا بَعْدَهُ: ينجرف الواعظ مرّة أخرى نحو اليأس. فتفكيره بسيطرة الله على كل شيءٍ يقوده إلى الإيمان بأنّ النظام موضوع بطريقة تجعلنا لا نعرف شيئًا عمّا سيحدث بعدنا – لِكَيْلاَ يَجِدَ الإِنْسَانُ شَيْئًا بَعْدَهُ.
ثانيًا. عَيْش حياة أفضل تَحْتَ الشَّمْسِ
أ ) الآيات (١٥-١٨): أخطار في الطريق.
١٥قَدْ رَأَيْتُ الْكُلَّ فِي أَيَّامِ بُطْلِي: قَدْ يَكُونُ بَارٌّ يَبِيدُ فِي بِرِّهِ، وَقَدْ يَكُونُ شِرِّيرٌ يَطُولُ فِي شَرِّهِ. ١٦لاَ تَكُنْ بَارًّا كَثِيرًا، وَلاَ تَكُنْ حَكِيمًا بِزِيَادَةٍ. لِمَاذَا تَخْرِبُ نَفْسَكَ؟ ١٧لاَ تَكُنْ شِرِّيرًا كَثِيرًا، وَلاَ تَكُنْ جَاهِلًا. لِمَاذَا تَمُوتُ فِي غَيْرِ وَقْتِكَ؟ ١٨حَسَنٌ أَنْ تَتَمَسَّكَ بِهذَا، وَأَيْضًا أَنْ لاَ تَرْخِيَ يَدَكَ عَنْ ذَاكَ، لأَنَّ مُتَّقِيَ اللهِ يَخْرُجُ مِنْهُمَا كِلَيْهِمَا.
١. قَدْ رَأَيْتُ الْكُلَّ فِي أَيَّامِ بُطْلِي: اشتكى سُليمان من أنّه في حياته التافهة الباطلة رأى الصالحين يتألّمون (قَدْ يَكُونُ بَارٌّ يَبِيدُ فِي بِرِّهِ) والأشرار ينجحون ويزدهرون (قَدْ يَكُونُ شِرِّيرٌ يَطُولُ فِي شَرِّهِ). ويعبِّر سليمان بحزن عن هذا: ليس هذا عدلًا.
• “أول إنسان مات، مات لأجل الدِين. يا لتبكير دخول الاستشهاد إلى العالم!” تراب (Trapp)
٢. لاَ تَكُنْ بَارًّا كَثِيرًا، وَلاَ تَكُنْ حَكِيمًا بِزِيَادَةٍ… لاَ تَكُنْ شِرِّيرًا كَثِيرًا، وَلاَ تَكُنْ جَاهِلًا: في ضوء التفاهة الواضحة للحياة، أوصى سليمان هنا بنهجٍ متوازن في الحياة. كُنْ بَارًّا، ولكن لا تبالغ في ذلك. كُن حَكِيمًا، ولكن لا تبالغ في ذلك. كُن شِرِّيرًا، ولكن لا تبالغ في ذلك. كُنْ جَاهِلًا، ولكن لا تبالغ في ذلك.
• “ليس للبرّ نتيجةٌ إيجابية دائمًا، وللشرّ نتيجة إيجابية في بعض الأحيان. ولذا، فإنه ينبغي أن تكون الأخلاق أمرًا يتمّ التفكير به ويُستهدَف.” مورجان (Morgan)
• هذا نهج شائع في الحياة، وأقصد هنا التفكير بأن كلّ شيءٍ يكون جيّدًا عند الاعتدال به. يُوجَد شيءٌ من الحق في هذا، ولكنّه لا يعطينا تعريف الحياة الحكيمة أو الصالحة. علينا أن نتذكَّر أن يسوع وبولس (وكثيرين آخرين أيضًا) لم يكونوا يُعتبَرون معتدلين أو متوازنين في زمنهم. فقد جعلهم فهمهم للأبدية والمحاسبية، بنظر كثيرين، غير متّزنين.
ب) الآيات (١٩-٢٢): الاحتياج إلى الحكمة.
١٩اَلْحِكْمَةُ تُقَوِّي الْحَكِيمَ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ مُسَلِّطِينَ، الَّذِينَ هُمْ فِي الْمَدِينَةِ. ٢٠لأَنَّهُ لاَ إِنْسَانٌ صِدِّيقٌ فِي الأَرْضِ يَعْمَلُ صَلاَحًا وَلاَ يُخْطِئُ. ٢١أَيْضًا لاَ تَضَعْ قَلْبَكَ عَلَى كُلِّ الْكَلاَمِ الَّذِي يُقَالُ، لِئَلاَّ تَسْمَعَ عَبْدَكَ يَسِبُّكَ. ٢٢لأَنَّ قَلْبَكَ أَيْضًا يَعْلَمُ أَنَّكَ أَنْتَ كَذلِكَ مِرَارًا كَثِيرَةً سَبَبْتَ آخَرِينَ.
١. اَلْحِكْمَةُ تُقَوِّي الْحَكِيمَ: الحكيم، حتى في إطار ومنظور تَحْتَ الشَّمْسِ، سيرى قيمة اَلْحِكْمَة ويقدِّرها، إذ سيرى أنّها تمنح قوّة أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ مُسَلِّطِينَ، الَّذِينَ هُمْ فِي الْمَدِينَةِ.
٢. لأَنَّهُ لاَ إِنْسَانٌ صِدِّيقٌ فِي الأَرْضِ يَعْمَلُ صَلاَحًا وَلاَ يُخْطِئُ: يفهم الشخص الحكيم حقيقة طبيعة الإنسان الخاطئة والفاسدة، حقيقة طبيعته الخاطئة الفاسدة.
٣. أَيْضًا لاَ تَضَعْ قَلْبَكَ عَلَى كُلِّ الْكَلاَمِ الَّذِي يُقَالُ… أَنْتَ كَذلِكَ مِرَارًا كَثِيرَةً سَبَبْتَ آخَرِينَ: عرف الواعظ بحكمة أننا نميل للتعامل مع ما يقوله الآخرون عنا بجدّية زائدة. كثيرًا ما يتكلّم الناس بأشياء غير مدروسة ولا يشعرون بها حقًا. ونحنُ أيضًا نتكلّم بأشياء عن الآخرين لا نريدهم أن يضعوها في قلوبهم.
• خصَّص تشارلز سبيرجن (Charles Spurgeon) في كتابه “محاضرات لطلابي” (Lectures to My Students) فصلًا لهذه الآية، أعطاه العنوان ’العين العمياء والأذن الصمّاء.‘ وقد أعطى في ذلك الفصل نصيحة حكيمة للرعاة والخدّام بأنّ عليهم في بعض الأحيان (إن لم يكن غالبًا) أن يتجاهلوا الكلمات والأفعال غير اللطيفة وغير المقصودة التي يقولها ويفعلها الآخرون. ونحنُ أيضًا لن نرغب بأن يُحكَم علينا بأسوأ ظروفنا وأوقاتنا، ولذا علينا ألا نحكم على الآخرين بهذا.
• “ينبغي أن تجعلنا حقيقة أن نتكلّم بالسوء عن الآخرين أقل انفتاحًا للشعور بالإساءة بشأن ما يُقال عنّا، وأن نكون مستعدّين لتوقُّع التعليقات غير اللطيفة وغير السارة.” ديين (Deane)
ج) الآيات (٢٣-٢٥): الإحباط في السعي للحصول على الحكمة.
٢٣كُلُّ هذَا امْتَحَنْتُهُ بِالْحِكْمَةِ. قُلْتُ: «أَكُونُ حَكِيمًا». أَمَّا هِيَ فَبَعِيدَةٌ عَنِّي. ٢٤بَعِيدٌ مَا كَانَ بَعِيدًا، وَالْعَمِيقُ الْعَمِيقُ مَنْ يَجِدُهُ؟ ٢٥دُرْتُ أَنَا وَقَلْبِي لأَعْلَمَ وَلأَبْحَثَ وَلأَطْلُبَ حِكْمَةً وَعَقْلًا، وَلأَعْرِفَ الشَّرَّ أَنَّهُ جَهَالَةٌ، وَالْحَمَاقَةَ أَنَّهَا جُنُونٌ.
١. كُلُّ هذَا امْتَحَنْتُهُ بِالْحِكْمَةِ. قُلْتُ: «أَكُونُ حَكِيمًا». أَمَّا هِيَ فَبَعِيدَةٌ عَنِّي: بإعطاء الواعظ نصحًا حكيمًا بشأن عيش الحياة بحكمة، فهِم بأن رغبته بأن يكون حكيمًا لم تتحقَّق دائمًا بالحكمة الحقيقية.
• “الاعتراف الصادق بالفشل في إيجاد الحكمة – في رؤيتها وهي تتراجع مع كل خطوة يأخذها الإنسان، واكتشاف أنّ لا شيءٍ ممّا يحيط بنا يصل إلى عُمق الأشياء – هذا، إن لم يكن بداية الحكمة، فإنّه طريق جيّد يقود إلى هذه البداية.” كيدنر (Kidner)
٢. دُرْتُ أَنَا وَقَلْبِي لأَعْلَمَ وَلأَبْحَثَ وَلأَطْلُبَ حِكْمَةً وَعَقْلًا: بأخذ منظور تَحْتَ الشَّمْسِ في الاعتبار يمكن لحياة الواعظ الباطلة أن تصير ذات معنى بتحصيله الحكمة.
د ) الآيات (٢٦-٢٩): ببحث الواعظ عن الحكمة، يرى شرّ الإنسان.
٢٦فَوَجَدْتُ أَمَرَّ مِنَ الْمَوْتِ: الْمَرْأَةَ الَّتِي هِيَ شِبَاكٌ، وَقَلْبُهَا أَشْرَاكٌ، وَيَدَاهَا قُيُودٌ. الصَّالِحُ قُدَّامَ اللهِ يَنْجُو مِنْهَا. أَمَّا الْخَاطِئُ فَيُؤْخَذُ بِهَا. ٢٧اُنْظُرْ. هذَا وَجَدْتُهُ، قَالَ الْجَامِعَةُ: وَاحِدَةً فَوَاحِدَةً لأَجِدَ النَّتِيجَةَ ٢٨الَّتِي لَمْ تَزَلْ نَفْسِي تَطْلُبُهَا فَلَمْ أَجِدْهَا. رَجُلًا وَاحِدًا بَيْنَ أَلْفٍ وَجَدْتُ، أَمَّا امْرَأَةً فَبَيْنَ كُلِّ أُولئِكَ لَمْ أَجِدْ! ٢٩اُنْظُرْ. هذَا وَجَدْتُ فَقَطْ: أَنَّ اللهَ صَنَعَ الإِنْسَانَ مُسْتَقِيمًا، أَمَّا هُمْ فَطَلَبُوا اخْتِرَاعَاتٍ كَثِيرَةً.
١. فَوَجَدْتُ أَمَرَّ مِنَ الْمَوْتِ: الْمَرْأَةَ الَّتِي هِيَ شِبَاكٌ، وَقَلْبُهَا أَشْرَاكٌ، وَيَدَاهَا قُيُودٌ: في بحث سُليمان المستمرّ غير المُشبع عن الحكمة فَهِم أنّه يمكن أن تكون المرأة خطَرًا وفخًّا. وكان ضروريًا ألا يُسمَح بحدوث هذا، الصَّالِحُ قُدَّامَ اللهِ يَنْجُو (يَهَرُّب) مِنْهَا.
• أَمَّا الْخَاطِئُ فَيُؤْخَذُ بِهَا: “’بِهَا،‘ أي بالفخ، الذي هو المرأة نفسها” ديين (Deane). “المرأة الخليعة، التي تخزي جنسها، يدعوها موسى كلبًا (تثنية ٢٣: ١٨).” تراب (Trapp)
• معرفة أن سليمان كتب هذه الكلمات تجعلنا نتمنّى لو أننا نعرف أكثر عن الوقت الذي كتب فيه سليمان هذه الكلمات، أي الفترة التي فيها كتبها في حياته. نعرف من ١ ملوك ١١: ٤ وَكَانَ فِي زَمَانِ شَيْخُوخَةِ سُلَيْمَانَ أَنَّ نِسَاءَهُ أَمَلْنَ قَلْبَهُ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى، وَلَمْ يَكُنْ قَلْبُهُ كَامِلًا مَعَ الرَّبِّ إِلهِهِ كَقَلْبِ دَاوُدَ أَبِيهِ. مُؤكَّد أن سُليمان نفسه وقع في هذه الشِبَاك والأَشْرَاك والقُيُود.
• الذين يظنون أن سفر الجامعة تصريح بتوبة سليمان ودليل على أنّه عاد بقلبه إلى الرب إلهه، يرون أن هذه القسم طريقة يقول فيها سليمان: “فهمتُ خطأي وقد رجعتُ عنه.” والذين هم غير متأكّدين من توبة سليمان يُعيدون سفر الجامعة إلى فترة سابقة من حياته.
• بصورة عامّة هذا سؤال جذّاب، وليس له (في ذهن الكاتب) إجابة مُحدَّدة: هل كان سُليمان إنسان سرّ الله بهروبه ونجاته من هذا الشرَك، أم كان الخاطئ الذي أُخِذ بها؟‘
٢. رَجُلًا وَاحِدًا بَيْنَ أَلْفٍ وَجَدْتُ، أَمَّا امْرَأَةً فَبَيْنَ كُلِّ أُولئِكَ لَمْ أَجِدْ: استطاع سليمان أن يجد رجلًا وسط أَلْفٍ لديه حكمة، لكنّه لم يجد امْرَأَةً واحدة. هذا يشير إلى اختيار سليمان للرفقاء من الإناث لا إلى الحكمة النسبية عند الرجال والنساء.
• “يمكن لبحث سُليمان غير المُجدي عن امرأة يمكن الوثوق بها أن يُخبِرنا بالكثير عنه وعن نهجه، مثلما يُخبِرنا عن معارفه ورفقائه.” كيدنر (Kidner)
• “إذ كانت لديه هذه الصورة عن المرأة في المجالس والبيوت الشرقية، رفض إعطاءها مكانتها المناسبة، واحتقرها، ولم يعلِّمها، وسحقّ كل عواطفها الطبيعية أو لم يعمل على تطويرها، وكانت ألعوبة سيّدها يُلقي بها جانبًا في أية لحظة يشاء. ولذا ليس مفاجئًا أن انطباع وموقف قوهيلت من جنس الإناث سلبيًا وغير استحساني.” ديين (Deane)
• “وَجَد أن النساء المملوكات لم يكنَّ أفضل رفقة للرجل. كم كان سيكون وضعه أفضل بزوجة صالحة واحدة، مثل تلك التي يتكلم عنها في جامعة ٩: ٩ وأمثال ٣١!” رايت (Wright)
٣. اُنْظُرْ. هذَا وَجَدْتُ فَقَطْ: أَنَّ اللهَ صَنَعَ الإِنْسَانَ مُسْتَقِيمًا، أَمَّا هُمْ فَطَلَبُوا اخْتِرَاعَاتٍ كَثِيرَةً: فهِم سُليمان أن الله خلق الإنسان من دون خطية، ولكنّ الإنسان، منذُ زمن آدم، طلب اخْتِرَاعَاتٍ كَثِيرَةً في الخطية والتمرُّد على الله.
• لا أفهم أن جملة سليمان ’اللهَ صَنَعَ الإِنْسَانَ مُسْتَقِيمًا‘ تشير إلى كل إنسان بصورة فردية، لكنّني أرى أنها تشير إلى الإنسان كما خُلِق في الأصل، أي إلى آدم وحواء في جنّة عدن. “لم يُخلَق خاطئًا ولا محايدًا، بل مستقيمًا، وهي كلمة تشير إلى حالة القلب الذي يميل إلى الأمانة والطاعة.” إيتون (Eaton)
• “حيث أن ’بَاطِلٌ‘ لم تكن الكلمة الأولى بشأن عالمنا، فلا ينبغي أن تكون الأخيرة.” كيدنر (Kidner)