إنجيل مرقس – الإصحاح ٨
من هو يسوع؟
أولاً. إشباع الأربعة الآلاف
أ ) الآيات (١-٤): أتاح يسوع الفرصة للتلاميذ لكي يظهروا إيمانهم.
١فِي تِلْكَ الأَيَّامِ إِذْ كَانَ الْجَمْعُ كَثِيرًا جِدًّا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَا يَأْكُلُونَ، دَعَا يَسُوعُ تَلاَمِيذَهُ وَقَالَ لَهُمْ: ٢«إِنِّي أُشْفِقُ عَلَى الْجَمْعِ، لأَنَّ الآنَ لَهُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ يَمْكُثُونَ مَعِي وَلَيْسَ لَهُمْ مَا يَأْكُلُونَ. ٣وَإِنْ صَرَفْتُهُمْ إِلَى بُيُوتِهِمْ صَائِمِينَ يُخَوِّرُونَ فِي الطَّرِيقِ، لأَنَّ قَوْمًا مِنْهُمْ جَاءُوا مِنْ بَعِيدٍ». ٤فَأَجَابَهُ تَلاَمِيذُهُ: «مِنْ أَيْنَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُشْبِعَ هؤُلاَءِ خُبْزًا هُنَا فِي الْبَرِّيَّةِ؟»
- إِنِّي أُشْفِقُ عَلَى الْجَمْعِ: كان الوضع مماثلاً لمعجزة إشباع الخمسة آلاف. نرى الْجَمْعُ الكبير جائعاً، ونرى حنان يسوع. عرض يسوع المعضلة على التلاميذ وقال: ما الحل؟
- مِنْ أَيْنَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُشْبِعَ هؤُلاَءِ خُبْزًا هُنَا فِي الْبَرِّيَّةِ؟: قد نتخيل أن يسوع تمنى لو قال له أحد التلاميذ: “لقد فعلت هذا من قبل يا يسوع. وبإمكانك أن تصنع نفس المعجزة ثانية.” كان يأمل يسوع أن ينظروا لأمانته السابقة كوعد منه لتلبية احتياجاتهم الحالية.
ب) الآيات (٥-١٠): يسوع والتلاميذ يُطعمان الْجَمْعَ
٥فَسَأَلَهُمْ: «كَمْ عِنْدَكُمْ مِنَ الْخُبْزِ؟» فَقَالُوا: «سَبْعَةٌ». ٦فَأَمَرَ الْجَمْعَ أَنْ يَتَّكِئُوا عَلَى الأَرْضِ، وَأَخَذَ السَّبْعَ خُبْزَاتٍ وَشَكَرَ وَكَسَرَ وَأَعْطَى تَلاَمِيذَهُ لِيُقَدِّمُوا، فَقَدَّمُوا إِلَى الْجَمْعِ. ٧وَكَانَ مَعَهُمْ قَلِيلٌ مِنْ صِغَارِ السَّمَكِ، فَبَارَكَ وَقَالَ أَنْ يُقَدِّمُوا هذِهِ أَيْضًا. ٨فَأَكَلُوا وَشَبِعُوا. ثُمَّ رَفَعُوا فَضَلاَتِ الْكِسَرِ: سَبْعَةَ سِلاَل. ٩وَكَانَ الآكِلُونَ نَحْوَ أَرْبَعَةِ آلاَفٍ. ثُمَّ صَرَفَهُمْ. ١٠وَلِلْوَقْتِ دَخَلَ السَّفِينَةَ مَعَ تَلاَمِيذِهِ وَجَاءَ إِلَى نَوَاحِي دَلْمَانُوثَةَ.
- «كَمْ عِنْدَكُمْ مِنَ الْخُبْزِ؟»: هذه المرة، طلب منهم يسوع أن يتخلوا عن طعامهم. في المعجزة السابقة، استخدموا طعام الصبي، ولكن هذه المرة طلب يسوع من التلاميذ أن يقدموا مما عندهم.
- فَأَمَرَ الْجَمْعَ أَنْ يَتَّكِئُوا عَلَى الأَرْضِ: “أرادهم يسوع أن يتمتعوا بوجبة كاملة جيدة، ولهذا أمرهم أن يجلسوا على الأرض ليطعمهم حتى الشبع.” تراب (Trapp)
- وَكَسَرَ وَأَعْطَى تَلاَمِيذَهُ لِيُقَدِّمُوا: فعل يسوع ما يبدع في صنعه: معجزة رائعة. وترك للتلاميذ أن يفعلوا ما يبدعوا في صنعه: توزيع الخبز.
- وَكَانَ مَعَهُمْ قَلِيلٌ مِنْ صِغَارِ السَّمَكِ: يبدو أن التلاميذ خبئوا السمك عن يسوع إلى أن رأوه يضاعف الخبز. فقد أرادوا التأكد قبل أن يسلموا ليسوع كل شيء.
- “لماذا لم يذكروا السمك من قبل؟ هل السبب هو شك التلاميذ الذين كانوا ينتظرون رؤية كيف سيتضاعف الخبز أولاً؟ ويبدو، أن الرب بَارَكَ السمك وقدمه تماماً كما فعل مع الخبز.” أيرونسايد (Ironside)
- فَأَكَلُوا وَشَبِعُوا. ثُمَّ رَفَعُوا فَضَلاَتِ الْكِسَرِ: سَبْعَةَ سِلاَل: في نهاية الوجبة، جمعوا كمية أكبر من الخبز الذي كان معهم. كان هذا تدبير معجزي. أظهرت الفضلات: سَبْعَةَ سِلاَل بأن الله أعطى بوفرة.
- يقول بعض المفسرين والأكاديميين أن هذه المعجزة لم تحدث أبداً. ويقولون أن هذه رواية أخرى لمعجزة إشباع الخمسة آلاف. وحجتهم الرئيسية هي: “كيف يمكن أن ينسى التلاميذ بهذه السرعة معجزة يسوع السابقة؟” ومع ذلك، حتى المؤمنين الناضجين الذين اختبروا سلطان يسوع وتدبيره، يشكون. فما حدث لم يكن مفاجئاً على الإطلاق.
ثانياً. خميرة الفريسيين
أ ) الآيات (١١-١٢): الفريسيين يطالبون آية (معجزة) من السماء
١١فَخَرَجَ الْفَرِّيسِيُّونَ وَابْتَدَأُوا يُحَاوِرُونَهُ طَالِبِينَ مِنْهُ آيَةً مِنَ السَّمَاءِ، لِكَيْ يُجَرِّبُوهُ. ١٢فَتَنَهَّدَ بِرُوحِهِ وَقَالَ: «لِمَاذَا يَطْلُبُ هذَا الْجِيلُ آيَةً؟ اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَنْ يُعْطَى هذَا الْجِيلُ آيَةً!»
- طَالِبِينَ مِنْهُ آيَةً مِنَ السَّمَاءِ: كان الفريسيون يفكرون بمعجزة تختلف تماماً عما فعله يسوع من قبل. كانوا يريدون معجزة مثيرة تشبه النار التي أنزلها إيليا من السماء (ملوك الأول ١٨).
- لِكَيْ يُجَرِّبُوهُ: لم تكن هذه مواجهة ودية بالتأكيد. ويمكن ترجمة كلمة يجربوه إلى يَمْتَحِنُوهُ. فقد طلب الفريسيين آية من السماء ليمتحنوه تماماً كما فعل الشيطان في البرية.
- فَتَنَهَّدَ بِرُوحِهِ: شعر يسوع بالحزن من هجومهم وعدم إيمانهم، وكان متعجباً من عدم ايمان وجرأة القادة الدينيين. “كان التنهد سببه روحي: تنهد من عداءهم العنيد، ومن عدم إيمانهم، ومن هلاكهم القادم.” بروس (Bruce)
- غطرسة الفريسيين وكبرياءهم نحو يسوع كان السبب الذي جعل يسوع يتنهد بهذه الطريقة. فقد قالوا بالأساس: “لقد فعلت الكثير من المعجزات الصغيرة. وآن الأوان لكي تقدم لنا عرضاً أكبر وأقوى.”
- لَنْ يُعْطَى هذَا الْجِيلُ آيَةً!: رفض يسوع أن يعطيهم آية (معجزة) لأن القصد من صنع المعجزات لم يكن لإقناع غير المؤمنين، بل لإظهار قوة الله ورحمته. فالذين يؤمنون بأهمية المعجزات لأنها تساعد الناس على الإيمان يفترضون أنهم يعرفون أكثر من يسوع. لكن يسوع أدان الجيل الذي يطلب آية.
ب) الآيات (١٣-١٥): حذر يسوع من خَمِيرَةِ الفِرِّيسِيِّينَ وَخَمِيرَةِ هِيرُودُسَ
١٣ثُمَّ تَرَكَهُمْ وَدَخَلَ أَيْضًا السَّفِينَةَ وَمَضَى إِلَى الْعَبْرِ. ١٤وَنَسُوا أَنْ يَأْخُذُوا خُبْزًا، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ فِي السَّفِينَةِ إِلاَّ رَغِيفٌ وَاحِدٌ. ١٥وَأَوْصَاهُمْ قَائِلاً: «انْظُرُوا! وَتَحَرَّزُوا مِنْ خَمِيرِ الْفَرِّيسِيِّينَ وَخَمِيرِ هِيرُودُسَ»
- وَتَحَرَّزُوا مِنْ خَمِيرِ الْفَرِّيسِيِّينَ: الخميرة هنا ليست الخميرة نفسها، بل قطعة من العجين المختمر سابقاً، فإذ كانوا في تلك الأيام يأخذون قطعة من العجين المختمر ويضعونها في العجين الجديد لتخمره. فعمل الخميرة كان يعتبر رمزاً لعمل الخطية والكبرياء. فالقليل يمكن أن يفسد كمية كبيرة.
- كان اليهود أحياناً يستخدمون كلمة ’الخميرة‘ كما نستخدم نحن تعبير: ’الخطية الأصلية‘ أو ’طبيعة الإنسان الشريرة.‘” باركلي (Barclay)
- وَتَحَرَّزُوا: قال يسوع في الأساس: “احذروا من طريقة التفكير الشريرة التي يرى بها الفريسيون وهيرودس ملكوت المسيح، فقريباً جداً سأكشف حقيقة الملكوت لكم.” فالملكوت بالنسبة لهيرودس والفريسيين كان يمثل القوة والسلطان. فهيرودس كان يراه كقوة سياسية، وبالنسبة للفريسيين كان يمثل مصدراً للسلطة الروحية، ومع ذلك فكليهما كان يدرك أهمية ورُقي فكرة الملكوت.
ج) الآيات (١٦-٢١): تساءل يسوع عن افتقار التلاميذ إلى الفهم
١٦فَفَكَّرُوا قَائِلِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «لَيْسَ عِنْدَنَا خُبْزٌ». ١٧فَعَلِمَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «لِمَاذَا تُفَكِّرُونَ أَنْ لَيْسَ عِنْدَكُمْ خُبْزٌ؟ أَلاَ تَشْعُرُونَ بَعْدُ وَلاَ تَفْهَمُونَ؟ أَحَتَّى الآنَ قُلُوبُكُمْ غَلِيظَةٌ؟ ١٨أَلَكُمْ أَعْيُنٌ وَلاَ تُبْصِرُونَ، وَلَكُمْ آذَانٌ وَلاَ تَسْمَعُونَ، وَلاَ تَذْكُرُونَ؟ ١٩حِينَ كَسَّرْتُ الأَرْغِفَةَ الْخَمْسَةَ لِلْخَمْسَةِ الآلاَفِ، كَمْ قُفَّةً مَمْلُوَّةً كِسَرًا رَفَعْتُمْ؟» قَالُوا لَهُ: «اثْنَتَيْ عَشْرَةَ». ٢٠«وَحِينَ السَّبْعَةِ لِلأَرْبَعَةِ الآلاَفِ، كَمْ سَلَّ كِسَرٍ مَمْلُوًّا رَفَعْتُمْ؟» قَالُوا: «سَبْعَةً». ٢١فَقَالَ لَهُمْ: «كَيْفَ لاَ تَفْهَمُونَ؟»
- «لَيْسَ عِنْدَنَا خُبْزٌ»: لم يربط التلاميذ كلام يسوع عن خميرة هيرودس وخميرة الفريسيين على أنه فكرة روحية. فكل ما كان يشغل بالهم هو الخبز الذي سيدخل معدتهم وليس الذي سيدخل أرواحهم.
- أَلاَ تَشْعُرُونَ بَعْدُ وَلاَ تَفْهَمُونَ؟: وبخ يسوع تلاميذه لعدم فهمهم كلامه. ونفهم من هذا أنه كان بإمكانهم أن ذلك لو أنهم سعوا بجدية لأن يفهموا ما قال.
- وَلاَ تَذْكُرُونَ؟: كان عليهم أن يفهموا بناءاً على الأعمال التي صنعها يسوع. يمكننا دائماً أن نتمسك بإمانة الله في الماضي كوعد مستمر لمحبته ورعايته.
- هذه واحدة من المواقف التي كنا نتمنى فيها أن نسمع بأي نبرة قال يسوع هذه الكلمات. هل كان غاضباً أم قلقاً أم محبطاً؟ ونحن نعلم أنه حتى لو وبخهم يسوع، فإنه فعل ذلك بكل محبة.
د ) الآيات (٢٢-٢٦): شفاء الأعمى
٢٢وَجَاءَ إِلَى بَيْتِ صَيْدَا، فَقَدَّمُوا إِلَيْهِ أَعْمَى وَطَلَبُوا إِلَيْهِ أَنْ يَلْمِسَهُ، ٢٣فَأَخَذَ بِيَدِ الأَعْمَى وَأَخْرَجَهُ إِلَى خَارِجِ الْقَرْيَةِ، وَتَفَلَ فِي عَيْنَيْهِ، وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ وَسَأَلَهُ: هَلْ أَبْصَرَ شَيْئًا؟ ٢٤فَتَطَلَّعَ وَقَالَ: «أُبْصِرُ النَّاسَ كَأَشْجَارٍ يَمْشُونَ». ٢٥ثُمَّ وَضَعَ يَدَيْهِ أَيْضًا عَلَى عَيْنَيْهِ، وَجَعَلَهُ يَتَطَلَّعُ. فَعَادَ صَحِيحًا وَأَبْصَرَ كُلَّ إِنْسَانٍ جَلِيًّا. ٢٦فَأَرْسَلَهُ إِلَى بَيْتِهِ قَائِلاً: «لاَ تَدْخُلِ الْقَرْيَةَ، وَلاَ تَقُلْ لأَحَدٍ فِي الْقَرْيَةِ».
- وَتَفَلَ فِي عَيْنَيْهِ، وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ: كان لآدم كلارك (Adam Clarke) وجهة نظر مثيرة حول هذا الأمر: “من المرجح أن يسوع فعل هذا ليفصل الجفنين عن بعضهما، ففي بعض الحالات تكون الأجفان ملتصقة. فاستعادة البصر تتطلب معجزة، وهذا حدث في اللحظة التي وضع يسوع فيها يديه عليه؛ أما فصل الجفنين فلم يتطلب معجزة، بل استخدم يسوع الوسائل الطبيعة لذلك: تَفَلَ فِي عَيْنَيْهِ.
- وَضَعَ يَدَيْهِ أَيْضًا عَلَى عَيْنَيْهِ: هذا هو الشفاء الوحيد الذي حصل بالتدريج في خدمة يسوع. وهذا مثال آخر على تنوع طرق الشفاء التي استخدمها يسوع.
- ربما اختار يسوع هذه الطريقة وفي هذا الوقت بالذات ليوضح للتلاميذ ويظهر لهم أن عماهم الروحي – كما رأينا في المقطع السابق – سيشفى ولكن بالتدريج.
ثالثاً. يسوع يكشف عن إرساليته
أ ) الآيات (٢٧-٣٠): بطرس يعترف أن يسوع هو المسيح
٢٧ثُمَّ خَرَجَ يَسُوعُ وَتَلامِيذُهُ إِلَى قُرَى قَيْصَرِيَّةِ فِيلُبُّسَ. وَفِي الطَّرِيقِ سَأَلَ تَلاَمِيذَهُ قِائِلاً لَهُمْ: «مَنْ يَقُولُ النَّاسُ إِنِّي أَنَا؟» ٢٨فَأَجَابُوا: «يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ. وَآخَرُونَ: إِيلِيَّا. وَآخَرُونَ: وَاحِدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ». ٢٩فَقَالَ لَهُمْ: «وَأَنْتُمْ، مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟» فَأَجَابَ بُطْرُسُ وَقَالَ لَهُ: «أَنْتَ الْمَسِيحُ!» ٣٠فَانْتَهَرَهُمْ كَيْ لاَ يَقُولُوا لأَحَدٍ عَنْهُ.
- «مَنْ يَقُولُ النَّاسُ إِنِّي أَنَا؟»: لم يسأل يسوع هذا السؤال لأنه لم يكن يعرف من يكون أو لأنه كان يهتم برأي الآخرين. لكنه طرح هذا السؤال كمقدمة لسؤالٍ آخر أكثر أهمية.
- «يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ. وَآخَرُونَ: إِيلِيَّا. وَآخَرُونَ: وَاحِدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ»: الذين ظنوا أنه يوحنا المعمدان لم يعرفوا الكثير عن يسوع، ولم يعلموا أن يسوع ويوحنا خدما في نفس الفترة. ولكن كل من يوحنا وإِيلِيَّا كانا شخصين إصلاحيين ووطنيين تصديا للفساد في أيامهما.
- ربما اعتقاد الناس بأن يسوع هو يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ أو إِيلِيَّا أعطاهم الأمل بأن المسيح سيأتي ليخلصهم من السلطة الفاسدة التي تحكم إسرائيل.
- «وَأَنْتُمْ، مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟»: كان من الجيد أن يعرف التلاميذ كيف يفكر الآخرين في يسوع. ولكن كان على يسوع أن يسألهم كأفراد عن رأيهم به.
- «أَنْتَ الْمَسِيحُ!»: عرف بطرس أن رأي الناس عن يسوع – مع أنه إيجابي – لم يكن دقيقاً. فيسوع أعظم بكثير من يوحنا المعمدان أو إيليا أو نبي أو أي مصلح وطني أو صانع معجزات. يسوع هو الْمَسِيح.
- “كان بطرس محقاً تماماً حينما قال أن يسوع هو المسيح، ولكن قد يساء فهم ما قاله بسهولة. فمعظم الناس في زمن يسوع كانوا يتوقعون أن يأتي المسيح كمخلص سياسي ووطني. “في نهاية فترة العهد القديم، كان لكلمة ’الْمَمْسُوح‘ معنى خاص، فهي تشير إلى الملك الكامل الممسوح من الله ليخلص شعبه ويؤسس ملكوت البر.” وييزل (Wessel)
ب) الآيات (٣١-٣٢أ): يسوع يكشف عن إرساليته بوضح: فقد جاء ليموت ثم يقوم ثانية
٣١وَابْتَدَأَ يُعَلِّمُهُمْ أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَلَّمَ كَثِيرًا، وَيُرْفَضَ مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلَ، وَبَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ يَقُومُ. ٣٢وَقَالَ الْقَوْلَ عَلاَنِيَةً.
- أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَلَّمَ كَثِيرًا: هذه هي المهمة الأساسية للمسيح وقد تنبأت عنه مقاطع كثيرة في الكتاب المقدس مثل إشعياء ٣:٥٣-١٢. إذ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَلَّمَ كَثِيراً ثم يموت وَبَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ يَقُومُ.
- كان يَنْبَغِي على يسوع أن يتألم ويموت بسبب حقيقتين: خطية الإنسان ومحبة الله. بينما كان موته المثال الصارخ لخطية الإنسان ضد الله، إلا أنه كان أيضاً التعبير الأسمى لمحبة الله نحو الإنسان.
- وَقَالَ الْقَوْلَ عَلاَنِيَةً: كانت هذه صدمة لأي شخص توقع أو تأمل أن يأتي المسيح كمصلح وطني أو سياسي. ويبدو الأمر كما لو أن مرشحاً للرئاسة الأمريكية أعلن في نهاية حملته أنه سيذهب إلى واشنطن ليتم رفضه وإعدامه.
- “مسيحٌ متألم…! لا يُعقل! كان المسيحُ رمزاً للقوة وليس الضعف.” وييزل (Wessel)
- “اعتقد بعض الناس أن المسيا (المسيح) سيأتي من نسل داود ولكن الأغلبية كانت تتمسك بالقول إنه رجل جبار سيأتي من السماء ليغير العالم وفي النهاية يخلص شعب الله… سيكون المسيا (المسيح) أعظم فاتح مخرب في التاريخ إذ سيبدد أعداءه إلى الأبد.” باركلي (Barclay)
ج) الآيات (٣٢ب-٣٣): بطرس ينتهر يسوع؛ يسوع ينتهر بطرس
فَأَخَذَهُ بُطْرُسُ إِلَيْهِ وَابْتَدَأَ يَنْتَهِرُهُ. ٣٣فَالْتَفَتَ وَأَبْصَرَ تَلاَمِيذَهُ، فَانْتَهَرَ بُطْرُسَ قَائِلاً: «اذْهَبْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ! لأَنَّكَ لاَ تَهْتَمُّ بِمَا للهِ لكِنْ بِمَا لِلنَّاسِ».
- فَأَخَذَهُ بُطْرُسُ إِلَيْهِ وَابْتَدَأَ يَنْتَهِرُهُ: كانت نية بطرس صالحة، فقد قال هذا بدافع محبته ليسوع، لكن الواقع أنه كان أداة بيد الشيطان دون أن يعلم. فليس من الضروري أن يمتلكك الشيطان لكي يستخدمك، فعلينا أن نكون متيقظين دائماً خشيةً من أن يستخدمنا دون أن ندري.
- تقدم لنا الآيات في إنجيل متى ١٧:١٦-١٩ فكرة أوضح عن هذه الفقرة. فنقرأ هناك أنه بعدما أعلن بطرس عن إيمانه، كما هو مسجل في إنجيل مرقس ٢٩:٨ (أَنْتَ الْمَسِيحُ!)، أجَابَه يسوع وقال: “طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، لكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ.” واستمر يسوع في مدح بطرس بعدما قال تلك الكلمات. فليس من الصعب أن نفهم لماذا فعل بطرس ما يلي:
- اعترف بطرس بأن يسوع هو المسيا (المسيح).
- مدح يسوع بطرس وأخبره أن الله أعلن له ذلك.
- أخبرهم يسوع عن آلامه الوشيكة وموته وقيامته.
- شعر بطرس أن هذا لم يكن صحيحاً لأنه آمن بأنه سمع صوت الله.
- بطرس ينتهر يسوع.
- يمكننا أن نستنتج، بما أن بطرس انتهر يسوع بهذه الجرأة، فهذا يعني أنه كان واثقاً أن كلام الله له كان صحيحاً وأن يسوع كان على خطأ. وهنا تكمن المشكلة، فبطرس كان واثقاً تماماً بقدرته على سماع صوت الله.
- ما قاله بطرس لا ينسجم أبداً مع الكلمة المقدسة.
- ما قاله بطرس يناقض تماماً السلطة الروحية الأعلى منه.
- تقدم لنا الآيات في إنجيل متى ١٧:١٦-١٩ فكرة أوضح عن هذه الفقرة. فنقرأ هناك أنه بعدما أعلن بطرس عن إيمانه، كما هو مسجل في إنجيل مرقس ٢٩:٨ (أَنْتَ الْمَسِيحُ!)، أجَابَه يسوع وقال: “طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، لكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ.” واستمر يسوع في مدح بطرس بعدما قال تلك الكلمات. فليس من الصعب أن نفهم لماذا فعل بطرس ما يلي:
- اذْهَبْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ!: كان هذا توبيخاً قاسياً من يسوع، ولكنه توبيخ في محله. قعلى الرغم من أن بطرس لعب دور المرسل من الله قبل لحظات، إلا أنه يتكلم الآن كمرسل من الشَيْطَان. فقد عرف يسوع أن هناك غاية شيطانية غرضها ردعه عن الصليب، ولكن يسوع لن يسمح بذلك.
- نحن واثقون أن بطرس لم يكن مدركاً أنه كان يتكلم عن الشيطان، تماماً كما حصل قبل دقائق عندما لم يدرك أنه كان يتكلم عن الله. فكثيراً ما يكون أسهل بالنسبة لنا أن تكون أداة في يد الله أو الشيطان مما نريد أن نصدق.
- لأَنَّكَ لاَ تَهْتَمُّ بِمَا للهِ لكِنْ بِمَا لِلنَّاسِ: أظهر يسوع كيف توصل بطرس إلى هذه الطريقة من التفكير. فهو لم يختار عن قصد رفض الله وقبول الشيطان؛ بل ببساطة اهتم بِمَا لِلنَّاسِ بدلاً من الاهتمام بِمَا للهِ، وقام الشيطان باستغلال الموقف.
- يُعد بطرس مثالاً حياً لنا لنرى كيف يمكن لقلب مُخلص يقترن بأفكار الإنسان أن يؤدي غالباً إلى كارثة.
- كان توبيخ بطرس ليسوع برهاناً على الخميرة المذكورة في مرقس ١٥:٨. ولأن بطرس اهتم فقط بِمَا لِلنَّاسِ، رأى المسيا (المسيح) كمن يملك القوة والسلطان وليس كخادم متألم. لهذا وبخ بطرس يسوع لأنه لم يستطع التعامل مع مسيح متألم.
د ) الآية (٣٤): في ضوء إرساليته، حذر يسوع الذين يرغبون في اتباعه
٣٤وَدَعَا الْجَمْعَ مَعَ تَلاَمِيذِهِ وَقَالَ لَهُمْ: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي».
- فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ: من السيء كفاية أن يسمع التلاميذ أن يسوع سوف يتألم ويرفض ويموت على الصليب. وها هو الآن يخبرهم أنه لا بُدَّ أن يفعلوا مثله.
- يُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ: عرف الجميع ماذا كان يعني يسوع عندما قال هذا، فالصليب كان أداة للموت المؤكد، وأنه لا يوجد للصليب غرض آخر.
- لم يكن الصليب تعبيراً عن طقوس دينية، ولا شأن له بالتقاليد والمشاعر الروحية. فقد كان معروفاً عن الصليب في تلك الأيام أنه وسيلة لقتل الناس. ولكننا في القرون التي تلت المسيح، قمنا بتجميل صورة الصليب وأعطيناه طابعاً دينياً. وبالتالي لن نفهم كلامه عن الصليب، ولكننا سنفهم إن قال: “اختاروا طريق الموت يومياً واتبعوني؟” فحمل الصليب لم يكن رحلة باتجاهين، بل باتجاه واحد.
- “لا يشير حمل الصليب إلى شيء مثير في الحياة، بل يشمل السير في طريق الصلب. فالصليب يعبر عن شخص تمت إدانته بالفعل، ومطالب بأن يحمل صليبه على الطريق الذي يؤدي إلى مكان الإعدام، تماماً كما كان مطلوباً من يسوع أن يفعل.” وييزل (Wessel)
- “قال لوثر: ’على كل مؤمن أن يحمل الصليب بكل معنى الكلمة، وأن يفعل أكثر من هؤلاء الرهبان الذين يصنعون لأنفسهم صلبان خشبية ويحملونها على ظهورهم باستمرار، ويجعلون العالم يسخر منهم.‘” تراب (Trapp)
- لقد وضع يسوع إنكار الذات (فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ) وحمل الصليب (وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ) على نفس المستوى، فكلاهما يعبر عن نفس الفكرة. فالصليب لم يكن لتعظيم النفس أو تأكيدها، والشخص الذي يحمل الصليب يعلم تماماً أنه لن يستطيع أن يخلص نفسه.
- “إنكار النفس لا يعني التفاني. فنحن نفني أنفسنا أحياناً، بتخلينا عن أشياء أو أنشطة، من أجل تحقيق غاية ما في الحياة. ولكننا ننكر ذواتنا عندما نسلمها بالكامل للمسيح ونخضع لإرادته.” ويرزبي (Wiersbe)
- إنكار الذات يعني أن تعيش للآخرين لا لنفسك. وقد كان يسوع من أروع الأمثلة على ذلك، وعلينا أن نحتذي به ونتبع خطواته (وَيَتْبَعْنِي). فأبسط معنى لتبعية المسيح هو: كما حمل المسيح الصليب وسار في درب الصليب نحو الموت، هكذا على أتباعه أن يفعلوا.
هـ) الآيات (٣٥:٨-١:٩): لماذا علينا أن نحمل الصليب ونتبع يسوع
٣٥فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا، وَمَنْ يُهْلِكُ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِي وَمِنْ أَجْلِ الإِنْجِيلِ فَهُوَ يُخَلِّصُهَا. ٣٦لأَنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبِحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟ ٣٧أَوْ مَاذَا يُعْطِي الإِنْسَانُ فِدَاءً عَنْ نَفْسِهِ؟ ٣٨لأَنَّ مَنِ اسْتَحَى بِي وَبِكَلاَمِي فِي هذَا الْجِيلِ الْفَاسِقِ الْخَاطِئِ، فَإِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ يَسْتَحِي بِهِ مَتَى جَاءَ بِمَجْدِ أَبِيهِ مَعَ الْمَلاَئِكَةِ الْقِدِّيسِينَ». ١وَقَالَ لَهُمُ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مِنَ الْقِيَامِ ههُنَا قَوْمًا لاَ يَذُوقُونَ الْمَوْتَ حَتَّى يَرَوْا مَلَكُوتَ اللهِ قَدْ أَتَى بِقُوَّةٍ».
- وَمَنْ يُهْلِكُ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِي وَمِنْ أَجْلِ الإِنْجِيلِ فَهُوَ يُخَلِّصُهَا: علينا أن نتبع يسوع بهذه الطريقة لأنها الطريقة الوحيدة التي سننال بها الحياة. صحيح أن جملة: “لن تنال الحياة حتى تسير في درب الصليب” تبدو غريبة، ولكنها توضح الفكرة. فلن تتمتع بحياة القيامة (النصرة) إن لم تموت أولاً.
- أنت لا تخسر البذرة حينما تزرعها، رغم أنها دفنت وتبدو ميتة. فأنت في الواقع تساعد البذرة على أن تحقق الهدف الذي وجدت لأجله.
- مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبِحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟: إن تجنب السير في درب الصليب مع المسيح يعني أننا قد نربح الْعَالَمَ كُلَّهُ، وأننا في النهاية سنخسر كل شيء.
- كانت لدى يسوع الفرصة ليربح العالم إن سَجَدْ للشيطان (لوقا ٥:٤-٨)، لكنه بالمقابل وجد الحياة والنصرة في الطاعة.
- من المثير للدهشة أن الأشخاص الذين عاشوا بهذه الطريقة سعداء فعلاً. فتسليم الحياة بالكامل إلى يسوع والعيش لمساعدة الآخرين لا يسلب الحياة بل يضيف إليها.
- أَنَّ مَنِ اسْتَحَى بِي وَبِكَلاَمِي فِي هذَا الْجِيلِ الْفَاسِقِ الْخَاطِئِ، فَإِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ يَسْتَحِي بِهِ: ليس من السهل أن نسير درب الصليب مع يسوع. فهذا يعني أننا سنربط أنفسنا بشخص محتقر ومُدان. ولكن كُلَّ مَنْ يَخْجَلُ بابن الإنسان، سَيَخْجَلُ بِهِ ابْنُ الإنْسَانِ.
- “إن أتى يسوع المسيح إلى العالم كشخص يتمتع بالغنى والشهرة والكرامة الدنيوية، سيحظى بعدد كبير من المؤيدين، ولكن معظمهم سيكون من المنافقين.” كلارك (Clarke)
- سيأتي يسوع ثانية بِمَجْدِ أَبِيهِ، فإن تمردنا على العالم والجسد والشيطان، فسوف نتشارك معه في المجد.
- يعتقد الكثيرين أن اتباع يسوع يعني الامتثال للنظام السائد. ولكن يسوع يدعونا في الواقع إلى التمرد ضد النظام القائم. فنحن مدعوون للتمرد ضد هيمنة الجسد وتقليد العالم والإنسان. فيسوع يدعم ثورة العبيد، أي ثورة من كان عبداً للخطية وللشيطان وللعالم.
- إِنَّ مِنَ الْقِيَامِ ههُنَا قَوْمًا لاَ يَذُوقُونَ الْمَوْتَ حَتَّى يَرَوْا مَلَكُوتَ اللهِ قَدْ أَتَى بِقُوَّةٍ: لا يعني السير مع يسوع أن تكون الحياة مليئة بالموت والألم، بل تعني أيضاً حياة مليئة بقوة ومجد ملكوت الله. فقد وعد يسوع بعض من تلاميذه بلمحات عن تلك القوة والمجد.
- “إن الكشف عن مجد يسوع في حضور هؤلاء الثلاثة يتوافق مع الوعد بأن البعض سيختبرون هذا الأمر.” لاين (Lane)