إنجيل مرقس – الإصحاح ١٤
الخيانة والاعتقال والمحاكمة
أولاً. الاستعداد للصلب
أ ) الآيات (١-٢): عزم الرؤساء على قتل يسوع
١وَكَانَ الْفِصْحُ وَأَيَّامُ الْفَطِيرِ بَعْدَ يَوْمَيْنِ. وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ يَطْلُبُونَ كَيْفَ يُمْسِكُونَهُ بِمَكْرٍ وَيَقْتُلُونَهُ، ٢وَلكِنَّهُمْ قَالُوا: «لَيْسَ فِي الْعِيدِ، لِئَلاَّ يَكُونَ شَغَبٌ فِي الشَّعْبِ».
- وَكَانَ الْفِصْحُ … بَعْدَ يَوْمَيْنِ: كان التوقيت مهماً للغاية، ففي فترة الْفِصْحُ لا تزداد التوقعات بمجيء المسيا فحسب، بل تكتظ مدينة أورشليم أيضاً بالذين يتوقعون مجيء المسيا. ولأن الفصح كان تذكاراً للوقت الذي أرسل الله فيه مخلصاً عظيماً حررهم من الطغيان الأجنبي، وكان أيضاً الوقت الذي يرتفع فيه الإحساس بالقومية وتزداد التوقعات بمجيء المسيا. ولهذا كان الرومان على أهبة الاستعداد دائماً لمواجهة أي تمرد.
- كانوا يقومون بكل التحضيرات الممكنة للفصح. فقبل شهر من موعد العيد، كانوا يشرحون معنى الفصح في كل المجامع والمدارس اليهودية حتى يستعد الجميع. ومع تدفق الحجاج إلى أورشليم، كانوا يبيضون القبور التي على جانبي الطريق كي لا يحتك بها الحجاج عن طريق الخطأ ويدنسوا أنفسهم.
- كان على كل يهودي يسكن على بعد ٢٤ كيلومتر من أورشليم أن يُعيد الفصح فيها. وكان آخرون من مسافات بعيدة، بما في ذلك الجليل، يأتون إلى أورشليم أيضاً. وكثيرين ممن سمعوا ورأوا يسوع في منطقة الجليل كانوا هناك، وكان لديهم احترام كبير ليسوع وتوقعات أكبر بشأنه.
- كان عيدا الْفِصْحُ وَأَيَّامُ الْفَطِيرِ يتعاقبان. “اعتاد الناس دمج العيدين معاً لأغراض عملية، إذ كانت الاحتفالات تستمر لمدة سبعة أيام ويطلق عليها اسم ’عيد الفصح.‘” لاين (Lane)
- يَطْلُبُونَ كَيْفَ يُمْسِكُونَهُ بِمَكْرٍ: أظهر رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ عندما خططوا لقتل رجل بريء، أنهم لم يخافوا الله بل كانوا يخافون الناس (لِئَلاَّ يَكُونَ شَغَبٌ فِي الشَّعْبِ). فلم يخاف هؤلاء القادة من قتل ابن الله؛ ما كان يشغلهم هو كيف يقتلوه بأفضل الطرق من الناحية السياسية.
- لَيْسَ فِي الْعِيدِ: لم يرغب القادة الدينين بقتل يسوع في العيد، لكن انتهى الأمر بقتله في ذلك الوقت على أية حال. وهذا يبين بوضوح أن يسوع هو صاحب السلطان، ورغم أن القادة تصرفوا مدفوعين بالشر، إلا أن تصرفاتهم حققت النبوة وتممت خطة يسوع.
- يبدو من إنجيل يوحنا ٥٧:١١ أن القادة الدينيين أرادوا القبض على يسوع أثناء العيد. فعندما رأوا أن شعبية يسوع بدأت تزداد يوم دخوله الانتصاري لأورشليم وسلطانه الذي أظهره بوضوح في الهيكل، غيروا رأيهم وقرروا القيام بذلك بعد العيد. ولكن تغيرت خطتهم ثانية عندما تطوع يهوذا بتسليمه بهدوء وهو منعزل.
ب) الآية (٣): إمرأة تسكب الطِيبِ على يسوع
٣وَفِيمَا هُوَ فِي بَيْتِ عَنْيَا فِي بَيْتِ سِمْعَانَ الأَبْرَصِ، وَهُوَ مُتَّكِئٌ، جَاءَتِ امْرَأَةٌ مَعَهَا قَارُورَةُ طِيبِ نَارِدِينٍ خَالِصٍ كَثِيرِ الثَّمَنِ. فَكَسَرَتِ الْقَارُورَةَ وَسَكَبَتْهُ عَلَى رَأْسِهِ.
- جَاءَتِ امْرَأَةٌ: يخبرنا إنجيل يوحنا (يوحنا ١:١٢-٨) أن هذه المرأة كانت مَرْيَم التي من بَيْتِ عَنْيَا، أخت مرثا ولعازر.
- تختلف هذه الحادثة عن تلك التي سكبت فيها امرأة خاطئة الطيب على قدمي يسوع. فتلك الحادثة كانت معبرة للغاية، لأن إحساس المرأة الخاطئة بالتقدير والامتنان لسيدها الذي محا خطاياها بالكامل قد غمرها. ولكن يبدو هنا أن مريم صبت كل اهتمامها على يسوع وحده، لا على خطيتها التي غفرت. فمن الرائع أن نحب يسوع من أجل كل صنيعه معنا؛ ولكن الأعظم أن نحب يسوع ببساطة لأنه هو يسوع بكل جلاله وروعته.
- قَارُورَةُ طِيبِ نَارِدِينٍ خَالِصٍ كَثِيرِ الثَّمَنِ: كان هذا عرضاً رائعاً ومُسرفاً عن التفاني للرب. وكثيراً ما كان الناس يستثمرون في العطور والزيوت بسبب حجمها وسهولة نقلها وبيعها.
- لاحظ بليني (Pliny) الشيخ، في أوائل القرن الأول، ما يلي: “’كانت أفضل الأطياب تُحفظ عادة في قارورة.‘ فتحديد قيمة الطيب وبأنه نَارِدِينٍ خَالِصٍ يقترح أنه كان إرث عائلي توارثته الأجيال، من الأم إلى الابنة.” لاين (Lane)
- فَكَسَرَتِ الْقَارُورَةَ وَسَكَبَتْهُ عَلَى رَأْسِهِ: كان حجم الْقَارُورَةَ صغير جداً ولها عنق رفيع، ولكي تحصل على ما بداخلها عليك أن تكسر عنق القارورة. وتشير كلمات مرقس أنها سكبت كل ما في القارورة على رأس يسوع.
- جرت العادة أن يدهن المُضيف رأس الضيف بالزيت عند دخوله إلى البيت. ولكن هذه المرأة هنا، تجاوزت كل العادات. فلم تدهن رأس يسوع بنقطة من الطيب بل سكبت كل ما في القارورة على رأسه.
- ما فعلته مريم كان رائعاً ويتسم بالفطنة. فقد دخل يسوع إلى أورشليم كملك، أفلا ينبغي مسح الملوك؟ وقد فهمت مريم هذا جيداً، لكن التلاميذ لم يفهموا للأسف.
- فعلت مريم هذا دون أن تنطق بكلمة. ويمكننا أن نستنتج أن شقيقتها مرثا هي من كانت كثيرة الكلام، أما مريم فكانت تعمل بصمت. فلم تعلن ما الذي كانت ستفعله، ولم تصف ما كانت تفعله، ولم تشرح ما فعلته بعدما انتهت. بل فعلت ما فعلت بكل بساطة ودون ضجة.
- “إن استطعنا أن نفعل أكثر مما نتكلم، قد يعود هذا بالبركة علينا، وربما على الآخرين أيضاً. فدعونا نخدم الرب ونعمل بصمت وفي الخفاء؛ وعلى الرغم من أننا نفضل لفت إنتباه الآخرين، إلا أنه من الأفضل أن نتجنبه.” سبيرجن (Spurgeon)
- عندما انتهت مريم، لم تنظر إلى التلاميذ أو تسألهم عن رأيهم بما فعلت. “لا تعتمد على رأي الإنسان بل ارتقِ فوقه، فلماذا تهتم برأي زملائك في الخدمة؟ فسيدك هو الوحيد الذي عليك أن تهتم برأيه. وإن قمت بشيء جيد، افعله ثانية. أتعرف قصة الرجل الذي جاء إلى القبطان وقال: ’سيدي، أخذنا مسدساً من العدو.‘ فقال له: ’اذهب وخذ مسدساً آخر.‘ فهذه أفضل نصيحة يمكنني تقديمها لصديق سعيد بنجاحه. فما زال هناك الكثير الذي لم يتحقق بعد، ولا وقت لدينا لنضيعه على ما تم فعله.” سبيرجن (Spurgeon)
ج) الآيات (٤-٩): ردة الفعل على ما فعلته المرأة
٤وَكَانَ قَوْمٌ مُغْتَاظِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ، فَقَالُوا: «لِمَاذَا كَانَ تَلَفُ الطِّيبِ هذَا؟ ٥لأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُبَاعَ هذَا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثِمِئَةِ دِينَارٍ وَيُعْطَى لِلْفُقَرَاءِ». وَكَانُوا يُؤَنِّبُونَهَا. ٦أَمَّا يَسُوعُ فَقَالَ: «اتْرُكُوهَا! لِمَاذَا تُزْعِجُونَهَا؟ قَدْ عَمِلَتْ بِي عَمَلاً حَسَنًا! ٧لأَنَّ الْفُقَرَاءَ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ، وَمَتَى أَرَدْتُمْ تَقْدِرُونَ أَنْ تَعْمَلُوا بِهِمْ خَيْرًا. وَأَمَّا أَنَا فَلَسْتُ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ. ٨عَمِلَتْ مَا عِنْدَهَا. قَدْ سَبَقَتْ وَدَهَنَتْ بِالطِّيبِ جَسَدِي لِلتَّكْفِينِ. ٩اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: حَيْثُمَا يُكْرَزْ بِهذَا الإِنْجِيلِ فِي كُلِّ الْعَالَمِ، يُخْبَرْ أَيْضًا بِمَا فَعَلَتْهُ هذِهِ، تَذْكَارًا لَهَا».
- وَكَانَ قَوْمٌ مُغْتَاظِينَ: يخبرنا يوحنا في ١:١٢-٨ أن يهوذا بالتحديد كان مغتاظاً بشأن هذا التبذير. ولكن اغتياظه كان أنانياً. وتخبرنا الآية فييوحنا ٦:١٢ “قَالَ هذَا لَيْسَ لأَنَّهُ كَانَ يُبَالِي بِالْفُقَرَاءِ، بَلْ لأَنَّهُ كَانَ سَارِقًا، وَكَانَ الصُّنْدُوقُ عِنْدَهُ، وَكَانَ يَحْمِلُ مَا يُلْقَى فِيهِ.”
- وَكَانُوا يُؤَنِّبُونَهَا: من السهل علينا أن نؤنب أو نوبخ من يعبرون عن محبتهم للمسيح بصورة أفضل منا. فالمتعصبين بالنسبة لنا هم الأكثر إخلاصاً للمسيح منا.
- ربما يهوذا كان أول من وبخها وانتقدها، لكنه لم يكن الوحيد. فقد وضح مرقس أنهم جميعاً كَانُوا يُؤَنِّبُونَهَا. فجميعهم رأوا أن الطيب الذي انسكب على رأس يسوع كان قد تَلَفٌ. وربما بدأت مريم بالتساؤل عما إذا كان ما فعلته صحيحاً.
- “من المثير للإنتباه أن الكلمة في مرقس ٤:١٤ ترجمت ’تَلَفُ‘ (أو أُهدِرَ) بينما في يوحنا ١٢:١٧ ترجمت ’ابْنُ الْهَلاَكِ‘ مشيراً إلى يهوذا! فقد انتقد يهوذا مريم لأنها أهدرت أو بددت المال، لكنه لم يهتم بأنه بدد حياته بأكملها.” ويرزبي (Wiersbe)
- لأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُبَاعَ هذَا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثِمِئَةِ دِينَارٍ: يبدو أن هذه القارورة بالتحديد كانت تساوي أكثر من أجر عامل لسنة كاملة. “سأشعر دائماً بالإمتنان ليهوذا لأنه حدد ثمن القارورة. ومع أنه فعل ذلك لتأنيبها وتوبيخها، إلا أننا لن نهتم بالرقم الذي وضعه، بل سيزداد احترامنا لها كلما زاد من سعر الخسارة التي سيضعها. فمن المستحيل لي ولك أن نعرف ثمنها لولا حسابات يهوذا.” سبيرجن (Spurgeon)
- اتْرُكُوهَا! لِمَاذَا تُزْعِجُونَهَا؟ قَدْ عَمِلَتْ بِي عَمَلاً حَسَنًا!: اعتقد التلاميذ إن ما فعلته مريم كان إسرافاً، أما يسوع فقبل عملها وقال أنه كان عَمَلاً حَسَنًا. فقد فهمت مريم بمحبتها وتكريسها ليسوع، ما لم يفهمه التلاميذ؛ فهمت أن يسوع كان على وشك أن يموت، وقصدت بهذه الهدية أن تُعد جسده لِلتَّكْفِينِ.
- قَدْ عَمِلَتْ بِي عَمَلاً حَسَنًا!: “في اللغة اليونانية كلمتان تصفان الحسن: الأولى أجاثوس agathos ومعناها الجيد أخلاقياً، والكلمة الثانية كالوس kalos ومعناها الشيء الجميل وليس الجيد فقط. فقد يكون الشيء أجاثوس، ومع ذلك قد يكون قاسياً وصارماً وغير جذاب. ولكن الشيء الذي هو كالوس هو شيء فاتن وجميل وفيه نوع من الجاذبية.” باركلي (Barclay)
- قدم يسوع أكبر إطراء لمريم: عَمِلَتْ مَا عِنْدَهَا. فالله لا يتوقع منا أن نفعل فوق ما نستطيع؛ ولكن احذر من أن يكون مقياسك منخفض جداً وتعتقد أن عدم القيام بأي شيء هو كل ما تستطيع أن تقدمه. “ليس هناك إطراء أفضل من هذا. فلا يستطيع أي منا أن يفعل ما يستحقه يسوع مهما كان عظيماً، لكن من الجيد أن يفعل كل منا ما يستطيع كما للرب وليس للناس.” أيرونسايد (Ironside)
- قَدْ سَبَقَتْ وَدَهَنَتْ بِالطِّيبِ جَسَدِي لِلتَّكْفِينِ: كان تصرف مريم أكثر من رائع لأنها خططت له (قَدْ سَبَقَتْ). فلم يكن تصرفها عفوياً ووقتياً. بل سبقت مريم وخططت له.
- يبدو أن مريم سمعت وآمنت بتعاليم يسوع، في حين لم يفعل التلاميذ. فقد آمنت مريم بكلام يسوع عندما قال أن ابن الإنسان ينبغي أن يُسلم إلى أيدي الخطاة ويهان ويجلد ويصلب، لهذا السبب قالت: “إن كان حبيبي يسوع سيتعرض للسخرية والتعذيب هكذا، فدعوني أقدم له التكريم اللائق.”
- يبدو أن التلاميذ لم يرغبوا في التفكير بموت يسوع. فعندما سمع بطرس بالأمر، حاول أن يغير رأي يسوع. لكن تفاني مريم كان مختلفاً تماماً، وبدلاً من النقاش معه أو إنكار حقيقة موته، حولته إلى وقت خاص للعبادة.
- “ما يعطي الإنسان حياة هو المخلص المصلوب. فعندما تقترب من المسيح وتذكر عمله يومياً، ستفعل أموراً عظيمة. فدعونا نذبح الخطية، لأن المسيح قد ذبح، ودعونا ندفن كل كبرياء، لأن المسيح قد دُفِن، ودعونا نقوم في جدة الحياة، لأن المسيح قد قام، ودعونا نتحد مع ربنا المصلوب ونعيش لتحقيق هدفه الأسمى، أي أن نعيش ونحيا معه، وحينئد تصبح كل تصرفاتنا جميلة ورائعة.” سبيرجن (Spurgeon)
- حَيْثُمَا يُكْرَزْ بِهذَا الإِنْجِيلِ فِي كُلِّ الْعَالَمِ: عرف يسوع أنه سيموت قريباً، لكنه لم يُظهر أي تردد ولم تتزعزع ثقته أبداً. وعرف أيضاً أنه سيقوم من الأموات وأنه سوف يكرز بِهذَا الإِنْجِيلِ فِي كُلِّ الْعَالَم.
- تَذْكَارًا لَهَا: لم تسعَ هذه المرأة إلى الشهرة والسلطة كما فعل التلاميذ، لكن ذكراها سيدوم إلى الأبد. وربحها لهذا الأمر كان ببساطة لأنها أحبت يسوع وخدمته.
- هناك ميل طبيعي بداخلنا حينما نسمع هذه القصة لأن نقول: ’وأنا أحب يسوع أيضاً، فماذا عليَّ أن أفعل لأظهر محبتي له!‘ ولكن جزءاً مما جعل محبة مريم مميزة للغاية هو حقيقة أنها جاءت بفكرة جديدة لتعبر فيها عن محبتها ليسوع. فإن كان هناك وصية تأمرنا بأن نفعل هذا كتعبير عن محبتنا ليسوع، لما كان ما قدمته مريم مميزاً وثميناً. “بكى أحدهم يوماً وقال: ’أخبرني ماذا أفعل ليسوع؟‘ كلا يا أخي، لن أخبرك ماذا تفعل. فأفضل ما في الأمر كله يكمن في قدرتك على عمل شيء ما تعبر فيه روحك عن محبتك الشديدة له.” سبيرجن (Spurgeon)
د ) الآيات (١٠-١١): يهوذا يوافق على خيانة يسوع، مغيراً بذلك خطط القادة اليهود.
١٠ثُمَّ إِنَّ يَهُوذَا الإِسْخَرْيُوطِيَّ، وَاحِدًا مِنَ الاثْنَيْ عَشَرَ، مَضَى إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ لِيُسَلِّمَهُ إِلَيْهِمْ. ١١وَلَمَّا سَمِعُوا فَرِحُوا، وَوَعَدُوهُ أَنْ يُعْطُوهُ فِضَّةً. وَكَانَ يَطْلُبُ كَيْفَ يُسَلِّمُهُ فِي فُرْصَةٍ مُوافِقَةٍ.
- ثُمَّ إِنَّ يَهُوذَا الإِسْخَرْيُوطِيَّ، وَاحِدًا مِنَ الاثْنَيْ عَشَرَ: تكهن الكثيرين بالدافع وراء تصرف يهوذا. فقال البعض: ربما مشاعره جرحت عندما وبخه يسوع لانتقاده مريم بعدما سكبت الطيب على رأس يسوع، أو ربما كان دافعه الجشع. وظن البعض أن يهوذا أراد إجبار يسوع على إظهار مجده المسياوي أمام الجميع.
- يوضح لنا متى ١٥:٢٦ أن يهوذا تفاوض مع القادة اليهود على حياة يسوع، إذ سألهم: «مَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ تُعْطُوني وَأَنَا أُسَلِّمُهُ إِلَيْكُمْ؟». قطعاً كان دافع يهوذا الأساسي الجشع.
- أياً كان دافع يهوذا، فقد كان دافعه هو لم يجبره أحد. فقد استخدم الله عمل الشيطان الذي استغل قابلية يهوذا على فعل الشر. فقد سمح الله بحدوث هذه الأمور، لكنه لم يأمر يهوذا بفعل الخطية.
- وَلَمَّا سَمِعُوا فَرِحُوا: أراد القادة اليهود قتل يسوع منذ وقت طويل (مرقس ٦:٣). والآن صار معهم حليف قوي – تلميذ يسوع المستعد لخيانته.
ثانياً. العشاء الأخير مع التلاميذ
أ ) الآيات (١٢-١٦): الاستعداد للفصح، أي الاحتفال بذكرى خلاص الشعب
١٢وَفِي الْيَوْمِ الأَوَّلِ مِنَ الْفَطِيرِ. حِينَ كَانُوا يَذْبَحُونَ الْفِصْحَ، قَالَ لَهُ تَلاَمِيذُهُ: «أَيْنَ تُرِيدُ أَنْ نَمْضِيَ وَنُعِدَّ لِتَأْكُلَ الْفِصْحَ؟» ١٣فَأَرْسَلَ اثْنَيْنِ مِنْ تَلاَمِيذِهِ وَقَالَ لَهُمَا: «اذْهَبَا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَيُلاَقِيَكُمَا إِنْسَانٌ حَامِلٌ جَرَّةَ مَاءٍ. اِتْبَعَاهُ. ١٤وَحَيْثُمَا يَدْخُلْ فَقُولاَ لِرَبِّ الْبَيْتِ: إِنَّ الْمُعَلِّمَ يَقُولُ: أَيْنَ الْمَنْزِلُ حَيْثُ آكُلُ الْفِصْحَ مَعَ تَلاَمِيذِي؟ ١٥فَهُوَ يُرِيكُمَا عِلِّيَّةً كَبِيرَةً مَفْرُوشَةً مُعَدَّةً. هُنَاكَ أَعِدَّا لَنَا». ١٦فَخَرَجَ تِلْمِيذَاهُ وَأَتَيَا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَوَجَدَا كَمَا قَالَ لَهُمَا. فَأَعَدَّا الْفِصْحَ.
- إِنْسَانٌ حَامِلٌ جَرَّةَ مَاءٍ: كان هذا مشهداً غريباً. فقد جرت العادة أن تحمل النساء الماء في الجرة، أما الرجال فكانوا يحملون الماء في حافظات مصنوعة من جلد الحيوانات. لهذا كان العلامة: ’إِنْسَانٌ حَامِلٌ جَرَّةَ مَاءٍ‘ علامة مميزة جداً بالنسبة للتلاميذ.
- إِنَّ الْمُعَلِّمَ يَقُولُ: ’أَيْنَ الْمَنْزِلُ‘: كان المشهد يوحي بالسرية، وكان يسوع محقاً في أن يفعل كل هذه الترتيبات بهدوء وبسرية. فلم يرد يسوع أن يسلمه يهوذا قبل أن يقدم لتلاميذه رسالته الأخيرة.
- “حتماً كان ليسوع العديد من التلاميذ غير المعروفين، وحتماً كان بإمكانه الاعتماد عليهم في مثل هذه المواقف لتنفيذ أوامره دون نقاش.” كولي (Cole)
- فَأَعَدَّا الْفِصْحَ: يبدو أن هناك بعض الفروقات بين الأناجيل الإزائية الثلاثة (متى ومرقس ولوقا) وبين يوحنا حول عيد الفصح. فتخبرنا الأنجيل الثلاثة أن يسوع صلب في اليوم التالي للفصح وأنهم أكلوا وجبة الفصح في اليوم السابق. أما يوحنا فيخبرنا أن يسوع قد صلب يوم عيد الفصح، كونه خروف الفصح (يوحنا ٢٨:١٨ و١٤:١٩).
- “قد يكون التفسير الأفضل هو أنه كان هناك تقاويم مختلفة. فيسوع صلب في اليوم الذي تذبح فيه الذبائح وفقاً للتقويم الرسمي؛ لكنه تناول وجبة الفصح مع تلاميذه في الليلة السابقة، وفقاً للتقويم غير الرسمي.” موريس (Morris)
- لم يذكر أي إنجيل كلمة ’الخروف‘ في وجبة الفصح، ويعتقد البعض أن التلاميذ لم يتمكنوا من الحصول على خروف الفصح قبل الموعد الرسمي للعيد. وربما أراد يسوع لهذا أن يحدث للتأكيد على أنه هو خروج الفصح.
ب) الآيات (١٧-٢١): يسوع يقدم ليهوذا فرصة للتوبة
١٧وَلَمَّا كَانَ الْمَسَاءُ جَاءَ مَعَ الاثْنَيْ عَشَرَ. ١٨وَفِيمَا هُمْ مُتَّكِئُونَ يَأْكُلُونَ، قَالَ يَسُوعُ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ وَاحِدًا مِنْكُمْ يُسَلِّمُنِي. اَلآكِلُ مَعِي!» ١٩فَابْتَدَأُوا يَحْزَنُونَ، وَيَقُولُونَ لَهُ وَاحِدًا فَوَاحِدًا: «هَلْ أَنَا؟» وَآخَرُ: «هَلْ أَنَا؟» ٢٠فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: «هُوَ وَاحِدٌ مِنَ الاثْنَيْ عَشَرَ، الَّذِي يَغْمِسُ مَعِي فِي الصَّحْفَةِ. ٢١إِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ مَاضٍ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنْهُ، وَلكِنْ وَيْلٌ لِذلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي بِهِ يُسَلَّمُ ابْنُ الإِنْسَانِ. كَانَ خَيْرًا لِذلِكَ الرَّجُلِ لَوْ لَمْ يُولَدْ!».
- وَفِيمَا هُمْ مُتَّكِئُونَ: أمر الله الشعب في الفصح الأول أن يأكلوا وهم واقفون ومستعدون لمغادرة مصر (سفر الخروج ١١:١٢). ومنذ أن وصل الشعب إلى أرض الميعاد، صار بإمكانهم الآن الجلوس أو الإتكاء، لأنهم وصلوا أخيراً واستقروا في الأرض التي أعطاهم إياها الله.
- إِنَّ وَاحِدًا مِنْكُمْ يُسَلِّمُنِي. اَلآكِلُ مَعِي!: تفاجأ التلاميذ عدة مرات من كلام يسوع، لكن ما قاله هنا كان بالتأكيد أكثرها غرابة. فلم يشك أي منهم بيهوذا، وفكرة أن هناك من سيسلمه ويتسبب في مقتله بدت سخيفة للغاية.
- هُوَ وَاحِدٌ مِنَ الاثْنَيْ عَشَرَ، الَّذِي يَغْمِسُ مَعِي: لم يكن هناك ما يحدد أن يهوذا هو الخائن بجملة ’الَّذِي يَغْمِسُ مَعِي‘ (رغم أنه كان يجلس على كرسي الشرف وله حصة خاصة من الوجبة). ولأن كل التلاميذ أكلوا معه من نفس الطبق، إذاً كل ما فعلته الجملة هي أنها حددت أن الخائن كان صديقاً.
- كانت خيانة الشخص في ثقافة الشرق الأوسط بعد تناول وجبة معه، تعتبر من أسوأ أنواع الخيانة.
- وَلكِنْ وَيْلٌ لِذلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي بِهِ يُسَلَّمُ ابْنُ الإِنْسَانِ: كانوا محقين من وصفوا يهوذا بأنه أشقى الخطاة عبر التاريخ. ورغم أن أفعاله كانت تحقيقاً للنبوة (إِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ مَاضٍ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنْهُ)، إلا أن دينونته كانت بسبب دافعه الشرير. فلن يتمكن يهوذا أبداً من تبرير نفسه أمام الله يوم الدينونة بالقول: “كنت أحقق النبوة.”
- نرى في تحذير يسوع محبة شديدة نحو يهوذا. فقد كانت هذه آخر فرصة له للرجوع عن الشر. والأمر الرائع الذي يجب تذكره دائماً هو أن يسوع أحب كل من مريم ويهوذا بنفس المقدار، رغم أننا نفضل أن نفكر بأنه أحب مريم وكره يهوذا، لكن الأمر لم يكن هذا بتاتاً. فإن لم نرى محبة يسوع نحو يهوذا، المحبة التي رفضها يهوذا بالتأكيد، سيفوتنا معنى القصة بأكملها.
ج) الآيات (٢٢-٢٥): العشاء الأخير
٢٢وَفِيمَا هُمْ يَأْكُلُونَ، أَخَذَ يَسُوعُ خُبْزًا وَبَارَكَ وَكَسَّرَ، وَأَعْطَاهُمْ وَقَالَ: «خُذُوا كُلُوا، هذَا هُوَ جَسَدِي». ٢٣ثُمَّ أَخَذَ الْكَأْسَ وَشَكَرَ وَأَعْطَاهُمْ، فَشَرِبُوا مِنْهَا كُلُّهُمْ. ٢٤وَقَالَ لَهُمْ: «هذَا هُوَ دَمِي الَّذِي لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ، الَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ. ٢٥اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي لاَ أَشْرَبُ بَعْدُ مِنْ نِتَاجِ الْكَرْمَةِ إِلَى ذلِكَ الْيَوْمِ حِينَمَا أَشْرَبُهُ جَدِيدًا فِي مَلَكُوتِ اللهِ».
- أَخَذَ يَسُوعُ خُبْزًا وَبَارَكَ وَكَسَّرَ: عندما كان الخبز يوضع على طاولة عشاء الفصح، كان صاحب المنزل يقول: “هذا هو خبز المحنة التي أكلها آباؤنا في أرض مصر. فليأتي الجائع ويأكل؛ وليأتي المحتاج ويأكل من وجبة الفصح.”
- كل ما يؤكل في وجبة عيد الفصح كان له معنى رمزي. فالأعشاب المرة تذكرهم بمرارة العبودية؛ والماء المملح يذكرهم بالدموع التي سكبوها تحت العبودية في مصر. أما الوجبة الرئيسية – لحم الخروف الذي ذبح خصيصاً لتلك العائلة – لم تكن مرتبطة بمعاناتهم في مصر، بل هي الذبيحة التي حملت خطاياهم وجعلت ملاك الموت يعتبر عن بيوتهم.
- «خُذُوا كُلُوا، هذَا هُوَ جَسَدِي… هذَا هُوَ دَمِي الَّذِي لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ»: لم يقدم يسوع التفسير المعروف لكل واحد من الأطعمة، بل فسرها مطبقاً إياها على نفسه، فلم يعد التركيز على معاناة الشعب في مصر، بل على الآلام التي سيحملها يسوع على الصليب بدلاً عن خطاياهم.
- هذَا هُوَ دَمِي: قد تناقش المؤمنون لعدة قرون طبيعة هذا الخبز والكأس في هذا العشاء.
- آمنت الكنيسة الكاثوليكية بعقيدة الاستحالة (التحول)، التي تقول أن الخبز والنبيذ يتحولان إلى جسد ودم يسوع الحقيقي.
- آمن مارتن لوثر بعقيدة الحلولية (الحلول)، التي تقول أن العناصر (الخبز ونبيذ) لا تتحول إلى جسد ودم المسيح بل تبقى خبزاً ونبيذاً، ولكن إن تناولناها بالإيمان تصبح جسد ودم يسوع الحقيقي. ورغم أن لوثر رفض عقيدة التحول التي آمنت بها الكنيسة الكاثوليكية، إلا أنه لم يختلف عنهم كثيراً.
- علّم جون كالفن أن حضور يسوع في العناصر (الخبز والنبيذ) كان حقيقيا بالمعنى الروحي وليس الجسدي. كما علّم زوينغلي أن الخبز والنبيذ هي مجرد رموز تمثل جسد يسوع ودمه.
- أما الكتاب المقدس فيعلم أن الخبز والكأس ليسا مجرد رموز، بل صورة حية للاشتراك والدخول في عهد جديد مع يسوع.
- خُذُوا كُلُوا: لا يمكننا أن نشغل أنفسنا بإكتشاف المعنى وراء الخبز والكأس وننسى أن نفعل ما طلب يسوع منا أن نفعل بهما: خُذُوا كُلُوا.
- تعني كلمة ’خُذُوا‘ أنه لن يتمّ إرغامك على أخذ الشيء، فأنت من يجب أن تقبله عن طيب خاطر. وتعني كلمة ’كُلُوا‘ أن الأكل شيء ضروري بالنسبة لك. فبدون الأكل والشرب ستهلك، وبدون يسوع ستهلك أيضاً. وتعني الكلمة أيضاً أنه علينا أن نؤمن بيسوع من أعماقنا.
- هذَا هُوَ دَمِي الَّذِي لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ، الَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ: بعيداً عن كل الجدل حول ما هي العناصر وما معناها حقاً، كان الإعلان بأن يسوع جاء بعَهْد جديد.
- لا يمكن لأي إنسان أن يصنع عهداً جديداً بين الله والإنسان، لكن يسوع يستطيع لأنه الله الإنسان، ويملك السلطان لتأسيس عهد جديد مختوم بالدم، تماماً كالعهد القديم الذي كان مختوماً بالدم (سفر الخروج ٨:٢٤).
- يركز هذا العهد على التغيير الداخلي الذي يطهرنا من كل خطية: لأَنِّي أَصْفَحُ عَنْ إِثْمِهِمْ، وَلاَ أَذْكُرُ خَطِيَّتَهُمْ بَعْدُ (سفر إرميا ٣٤:٣١). وهذا التغيير يضع كلمة الله ومشيئته فينا: جْعَلُ شَرِيعَتِي فِي دَاخِلِهِمْ وَأَكْتُبُهَا عَلَى قُلُوبِهِمْ (سفر إرميا ٣٣:٣١). ومحور هذا العهد هو العلاقة الحية الوطيدة مع الله: وَأَكُونُ لَهُمْ إِلهًا وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْبًا (سفر إرميا ٣٣:٣١).
- إِلَى ذلِكَ الْيَوْمِ حِينَمَا أَشْرَبُهُ جَدِيدًا فِي مَلَكُوتِ اللهِ: لم يحتفل يسوع بعد بالفصح في السماء. فهو لا يزال ينتظر مجيء أولاده ليحتفل معهم في العشاء العظيم، أي عَشَاءِ عُرْسِ الْخَرُوفِ (سفر رؤيا يوحنا ٩:١٩). وهذا ما يتوق يسوع إليه فِي مَلَكُوتِ اللهِ.
د ) الآيات (٢٦-٣١): يسوع يتنبأ بهروب التلاميذ وبإنكار بطرس
٢٦ثُمَّ سَبَّحُوا وَخَرَجُوا إِلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ. ٢٧وَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «إِنَّ كُلَّكُمْ تَشُكُّونَ فِيَّ فِي هذِهِ اللَّيْلَةِ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنِّي أَضْرِبُ الرَّاعِيَ فَتَتَبَدَّدُ الْخِرَافُ. ٢٨وَلكِنْ بَعْدَ قِيَامِي أَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ». ٢٩فَقَالَ لَهُ بُطْرُسُ: «وَإِنْ شَكَّ الْجَمِيعُ فَأَنَا لاَ أَشُكُّ!» ٣٠فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ الْيَوْمَ فِي هذِهِ اللَّيْلَةِ، قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ الدِّيكُ مَرَّتَيْنِ، تُنْكِرُنِي ثَلاَثَ مَرَّاتٍ». ٣١فَقَالَ بِأَكْثَرِ تَشْدِيدٍ: «وَلَوِ اضْطُرِرْتُ أَنْ أَمُوتَ مَعَكَ لاَ أُنْكِرُكَ!». وَهكَذَا قَالَ أَيْضًا الْجَمِيعُ.
- ثُمَّ سَبَّحُوا: لا نفكر غالباً بيسوع وهو يسبح، لكنه فعل. رفع صوته وعظم وسبح الله الآب. وقد نقضي وقت طويل نتساءل فيه كيف كان صوته، لكننا نعرف بالتأكيد أنه لم يسبح بصوته فقط، بل رفع صوته بالكامل لله. وهذا يذكرنا بأنه يريدنا أن نسبحه بأغانينا.
- ومن اللافت للنظر أن يسوع استطاع التسبيح ليلة قبل الصلب. هل تستطيع أن تسبح أنت في مثل هذه الظروف؟ هل ستسمح بأن يكون يسوع هو قائد تسبيحك؟ “ماذا؟ هل يصلح أن يبقى المؤمن صامتاً بينما يسبح الآخرين سيده؟ كلا؛ عليه أن يسبح معهم. فالشيطان يحاول إسكات أولاد الله، لكنه لا يستطيع، لأنه ليس للرب أولاداً بُكم في عائلته. فجميعهم يستطيع الكلام والصراخ حتى إن لم يتمكنوا من التسبيح، واعتقد أن هناك أوقات يستطيع فيها الجميع التسبيح، هذا صحيح ومطلوب، كما يقول الكتاب: ’وَيَتَرَنَّمُ لِسَانُ الأَخْرَسِ.‘ وبلا شك، إن كان أحد أفراد عائلة الله صامتاً عندما يقود يسوع الترنيم، فلا بد أن يبدأ التسبيح باسم يسوع.” سبيرجن (Spurgeon)
- هذا يعني أنه يجدر بنا أن نرفع التسبيح لله أبينا، كما فعل يسوع، لأن هذا يُسره، فعندما نحب شخصاً ما، كل ما نرغب في فعله هو إرضاءه، فلا يهم حقاً إن كان هذا يسعدنا أم لا.
- “التسبيح هو تعبير عن المشاعر؟ وجميعنا يعلم قوة وقيمة المشاعر. فالمشاعر الشريرة تعطل عمل رب الحياة والمجد في قلب الشخص، أما المشاعر الصادقة فتساعد على خلاص نفوس القتلة.” مورغان (Morgan)
- سَبَّحُوا: من الرائع أن يسوع سبح في تلك الليلة، ولكن ماذا قال؟ كانت وجبة الفصح تنتهي دائماً بترنيم ثلاثة مزاميز عرفت باسم هليل، هي المزامير ١١٦-١١٨. وبلا شك شجعت كلمات هذه المزامير يسوع عندما رفعها في الليلة السابقة لصلبه.
- “عندما ذهب يسوع إلى جثسيماني، كان يرنم المزمور ١١٨. فهذا المزمور يصف كيف سيقود الله المسيا من الآلام إلى المجد.” لاين (Lane)
- وَخَرَجُوا إِلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ: “نرى في يوحنا الأصحاح ١٤-١٧ الوقت الذي صرفه يسوع في العلية يتكلم ويصلي معهم. وربما تركوا المكان بعد يوحنا الأصحاح ٣١:١٤.” روبرتسون (Robertson)
- “عرف ربنا أن وقته قد حان وأنه سيُسلم إلى أيدي أعدائه قريباً. ولكي لا يسبب أية مشاكل لصاحب المنزل الذي كانوا فيه أو للمدينة، رغم أنها كانت نحو منتصف الليل، ترك المدينة.” أيرونسايد (Ironside)
- كُلَّكُمْ تَشُكُّونَ فِيَّ فِي هذِهِ اللَّيْلَةِ: لم يقل يسوع هذا لإدانة التلاميذ، ولكن ليظهر لهم أنه صاحب السلطان على كل الأحداث وبأن نبوة الكتاب حول آلام ومعاناة المسيح ينبغي أن تتحقق.
- لم تكن تلك المرة الأولى التي أخبر يسوع بها بطرس والتلاميذ عن تركهم إياه. ومن الدراسة الدقيقة للأناجيل، سنجد أن يسوع حذرهم أولاً وهم في العلية، والآن ها هو يحذرهم ثانية في بستان جثسيماني.
- وَلكِنْ بَعْدَ قِيَامِي: يبين هذا أن يسوع كان يتطلع إلى ما بعد الصليب، وكانت عيناه مثبتة على السُّرُورِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَهُ (عبرانيين ٢:١٢).
- «وَإِنْ شَكَّ الْجَمِيعُ فَأَنَا لاَ أَشُكُّ!»: نتساءل كيف تمكن بطرس من قول هذا. فللأسف، لم يعرف بطرس شيئاً عن الواقع الروحي أو المعركة الروحية التي رآها يسوع بكل وضوح. وكل ما ركز بطرس عليه هو مشاعره حينها، وفي تلك اللحظة شعر بالشجاعة.
- “أحياناً يكون من السهل علينا أن نتحمل الكثير من أجل المسيح عن تحمل الأشياء البسيطة. فقد يفضل البعض الموت على أن يشهدوا عن المسيح لجيرانهم.” ماكلارين (Maclaren)
- «الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ الْيَوْمَ فِي هذِهِ اللَّيْلَةِ، قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ الدِّيكُ مَرَّتَيْنِ، تُنْكِرُنِي ثَلاَثَ مَرَّاتٍ»: رغم إعلان بطرس الجريء بأنه لن يشك ابداً، إلا أنه سقط في ما اعتقد أنها نقاط قوته: الشجاعة والجرأة. فمن خلال هذا التحذير أعطى يسوع الفرصة لبطرس أن ينتبه ويفكر في ضعفه.
- للأسف، لم يستغل بطرس هذه الفرصة: فَقَالَ بِأَكْثَرِ تَشْدِيدٍ: «وَلَوِ اضْطُرِرْتُ أَنْ أَمُوتَ مَعَكَ لاَ أُنْكِرُكَ!» لقد عرف يسوع بطرس جيداً ربما أفضل من نفسه، ورغم ثقة بطرس الشديدة في نفسه، إلا أنه كان على وشك السقوط.
- فَقَالَ بِأَكْثَرِ تَشْدِيدٍ: “لا نجد هذا الوصف القوي إلا في مرقس الذي على الأغلب كان يصف بدقة حال بطرس حين تفوه بهذه الكلمات.” روبرتسون (Robertson)
- اعتمد باقي التلاميذ على قوتهم أيضاً ولم يعتمدوا على الرب في هذه الساعة الحرجة: وَهكَذَا قَالَ أَيْضًا الْجَمِيعُ. ولقد حذّرنا الرسول بولس من السقوط حيث نعتقد أننا أقوياء: ِإذًا مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ قَائِمٌ، فَلْيَنْظُرْ أَنْ لاَ يَسْقُطَ (كورنثوس الأولى ١٢:١٠). وعندما نظن أننا بعيدين جداً عن الخطية، سرعان ما نقع بها.
ثالثاً. صلاة يسوع والاعتقال في جثسيماني
أ ) الآيات (٣٢-٣٦): صلاة يسوع ساعة الألم
٣٢وَجَاءُوا إِلَى ضَيْعَةٍ اسْمُهَا جَثْسَيْمَانِي، فَقَالَ لِتَلاَمِيذِهِ: «اجْلِسُوا ههُنَا حَتَّى أُصَلِّيَ». ٣٣ثُمَّ أَخَذَ مَعَهُ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا، وَابْتَدَأَ يَدْهَشُ وَيَكْتَئِبُ. ٣٤فَقَالَ لَهُمْ: «نَفْسي حَزِينَةٌ جِدًّا حَتَّى الْمَوْتِ! اُمْكُثُوا هُنَا وَاسْهَرُوا». ٣٥ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلاً وَخَرَّ عَلَى الأَرْضِ، وَكَانَ يُصَلِّي لِكَيْ تَعْبُرَ عَنْهُ السَّاعَةُ إِنْ أَمْكَنَ. ٣٦وَقَالَ: «يَا أَبَا الآبُ، كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ لَكَ، فَأَجِزْ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسَ. وَلكِنْ لِيَكُنْ لاَ مَا أُرِيدُ أَنَا، بَلْ مَا تُرِيدُ أَنْتَ».
- جَثْسَيْمَانِي: تقع هذه المنطقة شرق جبل الهيكل في أورشليم، عبر وادي قدرون، أسفل جبل الزيتون، وكانت محاطة بأشجار الزيتون القديمة. فكلمة جَثْسَيْمَانِي تعني ’معصرة الزيتون‘ حيث كانوا يأتون بالزيتون من كل المناطق ويعصرونه هناك للحصول على الزيت. وهذا ما سيحدث تماماً مع ابن الله الذي سيعصر هنا.
- وَابْتَدَأَ يَدْهَشُ وَيَكْتَئِبُ: «نَفْسي حَزِينَةٌ جِدًّا حَتَّى الْمَوْتِ!»: عرف يسوع مشيئة الآب، ومع ذلك تحمل هذا العذاب. فقد مات يسوع ليكفر عن خطايانا وليس كباقي الذبائح. ولم يكن ضحية للظروف، بل وضع حياته طوعاً.
- لم يتأثر يسوع بالعذاب الجسدي بقدر العذاب الروحي على الصليب – لأَنَّهُ جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا (كورنثوس الثانية ٢١:٥). وهذا ما جعل يسوع يَدْهَشُ وَيَكْتَئِب.
- تصف الآيات في سفر العبرانيين ٧:٥-٨ ألم يسوع في جثسيماني: الَّذِي، فِي أَيَّامِ جَسَدِهِ، إِذْ قَدَّمَ بِصُرَاخٍ شَدِيدٍ وَدُمُوعٍ طَلِبَاتٍ وَتَضَرُّعَاتٍ لِلْقَادِرِ أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنَ الْمَوْتِ، وَسُمِعَ لَهُ مِنْ أَجْلِ تَقْوَاهُ، مَعَ كَوْنِهِ ابْنًا تَعَلَّمَ الطَّاعَةَ مِمَّا تَأَلَّمَ بِهِ.
- “تضايقت روحه المقدسة من فظاعة الخطية التي سيحملها على الصليب. فلم يزعجه الموت بل غضب الله الموجه ضد الخطية وحمله لكل آثامنا. فلم يكن هناك تعارض بين مشيئته ومشيئة الله.” أيرونسايد (Ironside)
- يَا أَبَا الآبُ: في هذه اللحظة الأليمة، لم يشعر يسوع أنه كان بعيداً عن الله الآب، بل شعر أنه كان قريباً جداً منه حتى أنه استخدم اسم أَبَا، وهو الاسم المألوف الذي يستخدمه الطفل للأب.
- فَأَجِزْ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسَ: لم يبعد الآب الكأس عن يسوع رداً على صلاته الحارة، بل منحه القوه ليتمكن من أخذ الكأس وشربها.
- كثيراً ما استخدمت الْكَأْسَ في العهد القديم للتعبير عن غضب ودينونة الله (مزمور ٨:٧٥، إشعياء ١٧:٥١، إرميا ١٥:٢٥). ويمكننا القول أن يسوع أصبح وكأنه عدواً لله حكم عليه وأجبر على شرب كأس غضب الآب حتى لا نشربه نحن. وهذا بالتحديد ما سبب ليسوع الألم.
- يخبرنا متى ٢٢:٢٠-٢٣ عن الكأس التي ينبغي أن يشربها أتباع يسوع أيضاً. “على أية حال، من المستحيل أن تكون كأسنا بنفس عمق ومرارة الكأس التي شربها يسوع، ففي الكأس التي شربها بعض المكونات التي من المستحيل أن نجدها في كأسنا. فمرارة الخطية كانت هناك، لكنه حملها بدلاً عن كل من يؤمن به. وغضب الآب كان هناك، لكنه شربه كله، ولم يترك قطرة واحدة لأي ولد من أولاده.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَلكِنْ لِيَكُنْ لاَ مَا أُرِيدُ أَنَا، بَلْ مَا تُرِيدُ أَنْتَ: أخذ يسوع قراره في جثسيماني. لكن هذا لا يعني أنه لم يقرر من قبل أو لم يوافق على ما كان سيحدث، لكنه الآن وصل إلى نقطة فاصلة لاتخاذ القرار. فقد شرب الكأس في الجلجثة، لكنه أخذ قراره النهائي بشرب هذه الكأس في جثسيماني. لقد تغلب يسوع على صراع الصليب في بستان جثسيماني.
- هذا الصراع في بستان جثسيماني، حيث انسحقت روحه، كان له دور هام جداً لتحقيق خطة الله للخلاص. فإن فشل يسوع هنا، فسيفشل على الصليب أيضاً. ونجاحه هنا جعل نصرته على الصليب أمراً ممكناً.
- إِنْ أَمْكَنَ: لم يطلب يسوع الإذن ليسمح بهلاك البشرية في الجحيم، بل كان يسأل الآب: “إن كانت هناك أي طريقة أخرى ممكنة لإنقاذ البشرية بخلاف العذاب الذي ينتظرني على الصليب – فاسمح بها.” ولكن لم يكن هناك طريقة أخرى، لهذا ذهب يسوع إلى الصليب.
- صلاة يسوع هذه قضت على أي طريقة أخرى للخلاص. فإن كان هناك طريقة أخرى، لما كان موته ضرورياً، ولما استجيبت صلاته.
- وَلكِنْ لِيَكُنْ لاَ مَا أُرِيدُ أَنَا، بَلْ مَا تُرِيدُ أَنْتَ: ينتقد البعض أن يرفع المؤمن هذا النوع من الصلاة، ويقولون إنها صلاة تفتقر إلى الإيمان. ولكن الصلاة: ’لِيَكُنْ لاَ مَا أُرِيدُ أَنَا، بَلْ مَا تُرِيدُ أَنْتَ‘ هي صلاة تعبر عن إيمان عميق وثقة كبيرة بالله. فإن كانت مثل هذه الصلاة تهين الله، إذاً فقد أهان يسوع أبيه في هذه اللحظة الحرجة في بستان جثسيماني.
ب) الآيات (٣٧-٤٢): التلاميذ نيام
٣٧ثُمَّ جَاءَ وَوَجَدَهُمْ نِيَامًا، فَقَالَ لِبُطْرُسَ: «يَا سِمْعَانُ، أَنْتَ نَائِمٌ! أَمَا قَدَرْتَ أَنْ تَسْهَرَ سَاعَةً وَاحِدَةً؟ ٣٨اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلاَّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ. أَمَّا الرُّوحُ فَنَشِيطٌ، وَأَمَّا الْجَسَدُ فَضَعِيفٌ». ٣٩وَمَضَى أَيْضًا وَصَلَّى قَائِلاً ذلِكَ الْكَلاَمَ بِعَيْنِهِ. ٤٠ثُمَّ رَجَعَ وَوَجَدَهُمْ أَيْضًا نِيَامًا، إِذْ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ ثَقِيلَةً، فَلَمْ يَعْلَمُوا بِمَاذَا يُجِيبُونَهُ. ٤١ثُمَّ جَاءَ ثَالِثَةً وَقَالَ لَهُمْ: «نَامُوا الآنَ وَاسْتَرِيحُوا! يَكْفِي! قَدْ أَتَتِ السَّاعَةُ! هُوَذَا ابْنُ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي الْخُطَاةِ. ٤٢قُومُوا لِنَذْهَبَ! هُوَذَا الَّذِي يُسَلِّمُنِي قَدِ اقْتَرَبَ!».
- جَاءَ وَوَجَدَهُمْ نِيَامًا: كان يسوع وحده في هذه اللحظة المؤلمة. فالتلاميذ لم يقدموا له أي دعم يذكر. ولكنهم لا يلاموا على هذا، فقد كان المطلوب من يسوع أن يجتاز ألم ورعب الصليب وحده.
- يَا سِمْعَانُ، أَنْتَ نَائِمٌ!: لا يعني هذا أن يسوع كان غاضباً من التلاميذ، بل قال ذلك بكل محبة وكان متفهماً لحالهم، إذ كان يعرفهم أفضل مما عرفوا أنفسهم.
- لا بد أن بطرس تفاجأ حينما دعاه يسوع سِمْعَان. فالذي كان نائماً هو سِمْعَانُ الخليقة القديمة، وليس بُطْرُسَ الخليقة الجديدة.
- اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلاَّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ: عرف يسوع أن بطرس سيفشل؛ ولهذا قال له أن النصرة تأتي من خلال السهر والصلاة. فإن سهر بطرس (جسدياً وروحياً) واتكل على الله، لما أنكر يسوع في الساعة الحرجة.
- لقد وجد يسوع النصرة على الصليب عبر نصرته في الصراع الذي واجهه في جثسيماني. ولكن بطرس فشل – مثلنا تماماً – في التجربة التي كان سيواجهها لاحقاً لأنه لم يسهر ويصلي. فالحرب الروحية غالباً ما ننتصر عليها أو نخسرها قبل أن تأتي الأزمة.
- وَمَضَى أَيْضًا وَصَلَّى قَائِلاً ذلِكَ الْكَلاَمَ بِعَيْنِهِ: كرر يسوع الصلاة في مرقس ٣٤:١٤-٣٦. ويقول البعض أن تكرار الصلاة أمر غير روحي ويعكس ضعف الإيمان، ومع ذلك لا يمكننا أن نتهم يسوع أبداً بأنه كان غير روحي أو لا إيمان له.
- ثُمَّ رَجَعَ وَوَجَدَهُمْ أَيْضًا نِيَامًا… ثُمَّ جَاءَ ثَالِثَةً وَقَالَ لَهُمْ: نَامُوا الآنَ وَاسْتَرِيحُوا! (أمَا زِلْتُمْ نَائِمينَ وَمُسْتَرِيحِينَ؟): صلى يسوع ثلاث مرات، وجاء ثلاث مرات ليرى أن كان تلاميذه سيدعمونه بالصلاة وسيصلوا من أجل أنفسهم لمواجهة التجربة القادمة. لكنهم كانوا نياماً في كل مرة.
- كان سيئاً أن التلاميذ لم يسهروا ويصلوا من أجل أنفسهم، لكن الأسوأ من ذلك أنهم لم يسهروا ويصلوا من أجل المسيح. فعلينا من خلال الصلاة والشركة أن ندعم الآخرين وقت الشدة.
- “طلب منهم يسوع أن ’يناموا الآن‘ وهذا ما فعلوه. لكنه سهر هو ليحرسهم وهم نيام. وقال: ناموا أنتم وأنا سأسهر أحرسكم.” مورغان (Morgan)
- يَكْفِي!: لا ينبغي أن نفكر أن يسوع كان غاضباً أو منزعجاً لأن التلاميذ لم يقدموا له العون. لقد أراد مساعدة التلاميذ وأرادهم أن يصلوا لا لأجله بل لمصلحتهم. فقد كان بإمكان يوسع أن يقف بمفرده ضد تجربة الصليب، لكنهم دون صلاة لن يتمكنوا من الصمود وقت التجربة.
ج ) الآيات (٤٣-٥٢): القبض على يسوع الناصري في بستان جثسيماني
٤٣وَلِلْوَقْتِ فِيمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ أَقْبَلَ يَهُوذَا، وَاحِدٌ مِنَ الاثْنَيْ عَشَرَ، وَمَعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ بِسُيُوفٍ وَعِصِيٍّ مِنْ عِنْدِ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ وَالشُّيُوخِ. ٤٤وَكَانَ مُسَلِّمُهُ قَدْ أَعْطَاهُمْ عَلاَمَةً قَائِلاً: «الَّذِي أُقَبِّلُهُ هُوَ هُوَ. أَمْسِكُوهُ، وَامْضُوا بِهِ بِحِرْصٍ». ٤٥فَجَاءَ لِلْوَقْتِ وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ قَائِلاً: «يَا سَيِّدِي، يَاسَيِّدِي!» وَقَبَّلَهُ. ٤٦فَأَلْقَوْا أَيْدِيَهُمْ عَلَيْهِ وَأَمْسَكُوهُ. ٤٧فَاسْتَلَّ وَاحِدٌ مِنَ الْحَاضِرِينَ السَّيْفَ، وَضَرَبَ عَبْدَ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ فَقَطَعَ أُذْنَهُ. ٤٨فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «كَأَنَّهُ عَلَى لِصٍّ خَرَجْتُمْ بِسُيُوفٍ وَعِصِيٍّ لِتَأْخُذُونِي! ٤٩كُلَّ يَوْمٍ كُنْتُ مَعَكُمْ فِي الْهَيْكَلِ أُعَلِّمُ وَلَمْ تُمْسِكُونِي! وَلكِنْ لِكَيْ تُكْمَلَ الْكُتُبُ». ٥٠فَتَرَكَهُ الْجَمِيعُ وَهَرَبُوا. ٥١وَتَبِعَهُ شَابٌّ لاَبِسًا إِزَارًا عَلَى عُرْيِهِ، فَأَمْسَكَهُ الشُّبَّانُ، ٥٢فَتَرَكَ الإِزَارَ وَهَرَبَ مِنْهُمْ عُرْيَانًا.
- الَّذِي أُقَبِّلُهُ: كان على يهوذا أن يفعل شيئاً ما ليحدد هوية يسوع إذ يبدو أن مظهره كان عادياً للغاية. وقد اختار يهوذا أن يُعرِّف يسوع بقبلة. وكانت قبلته مزيفة وخالية من أية عواطف، ولم يكتفي بهذا بل أضاف: «يَا سَيِّدِي، يَاسَيِّدِي!»
- فَاسْتَلَّ وَاحِدٌ مِنَ الْحَاضِرِينَ السَّيْفَ، وَضَرَبَ عَبْدَ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ: حدد يوحنا في ١٠:١٨ هذا الشخص غير المسمى على أنه بطرس. وكان بطرس هنا مثالاً رائعاً لشخص استخدم قوة هذا العالم التي لا يمكنها إلا قطع الأذنين، لكنه عندما استخدم كلمة الله، اخترق القلوب لمجد الله (أعمال الرسل ٣٧:٢).
- “عندما تستخدم الكنيسة السيف، فإنها عادة تظهر عدم مهارتها في استخدامه، وغالباً ما تضرب الشخص الخطأ.” ماكلارين (Maclaren)
- يخبرنا إنجيل لوقا أن يسوع عالج الضرر الذي أحدثه بطرس (لوقا ٥١:٢٢)، ولم تكن تلك المرة الأولى التي يفعل ذلك. “إن لم يشفِ يسوع ملخس، لكانوا قد اعتقلوا بطرس أيضاً، وربما سيكون هناك ٤ صلبان في الجلجثة.” باركلي (Barclay)
- وَلكِنْ لِكَيْ تُكْمَلَ الْكُتُبُ: تعجب يسوع أنهم أرسلوا جيشاً لاعتقاله. ومع ذلك، كان هو القائد؛ وكان بإمكانه بكلمة أن يدمر جميع الذين جاؤوا لإعتقاله. ولكن يسوع لم يقاوم لكي يتم المكتوب.
- فَتَرَكَهُ الْجَمِيعُ وَهَرَبُوا: في هذه المرحلة، هرب كل التلاميذ خوفاً على حياتهم. ولكن تبعه عدد قليل من التلاميذ (بطرس ويوحنا على الأقل) ليراقبوا عن قرب ماذا سيحدث. فلم يقف أياً منهم بقرب يسوع ويقول: “أنا مستعد أن أقدم نفسي بدلاً عن هذا الرجل. أنا سأتحمل كل العقوبة عنه.” ولكن كل هذا كان ليتم ما قاله يسوع: ’كُلَّكُمْ تَشُكُّونَ فِيَّ‘ (مرقس ٢٧:١٤).
- وَتَبِعَهُ شَابٌّ … فَتَرَكَ الإِزَارَ وَهَرَبَ مِنْهُمْ عُرْيَانًا: كل تلاميذ يسوع تركوه حتى الشباب منهم، فهذا وسط الفوضى هرب منهم عرياناً. ومنذ الأيام الأولى للكنيسة، افترض المفسرون أن هذا الشاب هو مرقس نفسه. وكانت تلك طريقته المتواضعة في القول: “كنت هناك.”
- يفترض الكثيرون أن العلية، حيث تناول يسوع العشاء الأخير مع التلاميذ قبل ساعات قليلة، كانت تملكها عائلة مرقس. ويخبرنا سفر أعمال الرسل ١٢:١٢ أن التلاميذ كانوا يجتمعون عادة في منزل والدة مرقس. فربما ذهب الجيش الذي قاده يهوذا أولاً إلى منزل مرقس، لأنه آخر مكان رأى فيه يهوذا يسوع. وعندما لم يجدوه هناك، كان من السهل على يهوذا أن يفترض أنهم ذهبوا إلى بستان جثسيماني، لأن يسوع اعتاد الذهاب هناك (لوقا ٣٩:٢٢). وعندما توجه يهوذا والمجموعة إلى جثسيماني، يمكننا أن نتخيل أن الشاب مرقس ارتدى سرواله بسرعة وسبق يهوذا وعصابته إلى جثسيماني ليحذر يسوع.
- “يفترض أن يسوع والتلاميذ تناولوا وجبة الفصح في منزل مرقس ابن مريم (أعمال الرسل ١٢:١٢)، هو نفسه من تبع يسوع والتلاميذ إلى البستان.” روبرتسون (Robertson)
- “وكأن مرقس المتواضع يقول: ’صديق بطرس، بينما كان الروح القدس يحثني على أن اعترف بخطيتي وأن أكتبها هنا، وأجبرني أن أكتب عن نفسي أولاً لأني كنت سأركض عارياً لأنقذ ربي وسيدي؛ ولكن من النظرة الأولى لهذه الفرقة القوية، ومن أول بريق للسيوف، هربت بعيداً خوفاً من أن أعامل بقسوة أيضاً.” سبيرجن (Spurgeon)
رابعاً. المحاكمة أمام السنهدريم
أ ) لم يسجل مرقس المحاكمة الأولى أمام حَنَّان، وهو صاحب السلطة الحقيقية على رئيس الكهنة (سجل في يوحنا ١٢:١٨-١٣ و ١٩-٢٣)، ولم يسجل المحاكمة الثانية ليسوع أمام السنهدريم، المحاكمة الرسمية التي جرت في النهار سجلها لوقا ٦٦:٢٢-٧١.
- هناك تشابه بين المحاكمات لأنها تضمنت نفس الأشخاص. وكانت هناك في الواقع ثلاث مراحل من محاكمة يسوع أمام السلطات اليهودية وثلاث مراحل من محاكمته أمام السلطات الرومانية، ولا ينبغي الخلط بينها.
- عند إلقاء القبض عليه، أُخذ يسوع أولاً إلى حَنَّان، ثم إلى محكمة ليلية غير شرعية أمام السنهدريم (وسيقوم مرقس بوصفها لاحقاً)، ثم إلى محاكمة رسمية في النهار أمام السنهدريم، ثم أخذوا يسوع إلى بيلاطس الذي أرسله إلى هيرودس، الذي أرسله إلى بيلاطس، ومن هناك ذهب إلى الصليب.
ب) الآيات (٥٣-٥٩): تهمة يسوع أمام السنهدريم
٥٣فَمَضَوْا بِيَسُوعَ إِلَى رَئِيسِ الْكَهَنَةِ، فَاجْتَمَعَ مَعَهُ جَمِيعُ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخُ وَالْكَتَبَةُ. ٥٤وَكَانَ بُطْرُسُ قَدْ تَبِعَهُ مِنْ بَعِيدٍ إِلَى دَاخِلِ دَارِ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ، وَكَانَ جَالِسًا بَيْنَ الْخُدَّامِ يَسْتَدْفِئُ عِنْدَ النَّارِ. ٥٥وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْمَجْمَعُ كُلُّهُ يَطْلُبُونَ شَهَادَةً عَلَى يَسُوعَ لِيَقْتُلُوهُ، فَلَمْ يَجِدُوا. ٥٦لأَنَّ كَثِيرِينَ شَهِدُوا عَلَيْهِ زُورًا، وَلَمْ تَتَّفِقْ شَهَادَاتُهُمْ. ٥٧ثُمَّ قَامَ قَوْمٌ وَشَهِدُوا عَلَيْهِ زُورًا قَائِلِينَ: ٥٨«نَحْنُ سَمِعْنَاهُ يَقُولُ: إِنِّي أَنْقُضُ هذَا الْهَيْكَلَ الْمَصْنُوعَ بِالأَيَادِي، وَفِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَبْنِي آخَرَ غَيْرَ مَصْنُوعٍ بِأَيَادٍ». ٥٩وَلاَ بِهذَا كَانَتْ شَهَادَتُهُمْ تَتَّفِقُ.
- فَمَضَوْا بِيَسُوعَ إِلَى رَئِيسِ الْكَهَنَةِ: كانت محاكمة يسوع غير قانونية وفقاً للقانون اليهودي. فقد كان هناك عدة قوانين لحماية حقوق المتهمين، ولكن الذين أرادوا قتل يسوع تجاهلوها كلها.
- نَحْنُ سَمِعْنَاهُ يَقُولُ: ’إِنِّي أَنْقُضُ هذَا الْهَيْكَلَ‘: قال يسوع بكل وضوح، كما نرى في يوحنا ١٩:٢، أنه كان يتكلم عن هيكل جسده. فيسوع لم يقل ما قاله متهموه الكاذبون – هذَا الْهَيْكَلَ الْمَصْنُوعَ بِالأَيَادِي. وبشكل أساسي، اتهموا يسوع بأنه إرهابي يريد تدمير الهيكل.
- “كانت التهمة خطيرة للغاية، ففي العالم اليوناني كانت تهمة تدمير أو تدنيس أماكن العبادة تعتبر جريمة كبرى عقوبتها الإعدام.” لاين (Lane)
- علق مورغان (Morgan) على اتهامهم وقال: “هذه الكذبة فيها شي من الشر، لأنها كذبة فيها جزء من الحقيقة. ونتذكر هنا كلمات تينيسون (Tennyson): “الكذبة التي كلها كذب، يمكن مواجهتها ومحاربتها مباشرة، ولكن الكذبة التي فيها جزء من الحقيقة، من الصعب محاربتها.”
- وَلاَ بِهذَا كَانَتْ شَهَادَتُهُمْ تَتَّفِقُ: رغم أنها كانت تهمة كاذبة، إلا أن متهمي يسوع لم يتمكنوا من إعداد قضية جيدة ضده. وظل الشهود الزور يعارضون بعضهم البعض.
- “الاتفاق على كذبة أصعب بكثير من قول الحقيقة ببساطة.” كولي (Cole)
ج ) الآيات (٦٠-٦٢): شهادة يسوع في محاكمته
٦٠فَقَامَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ فِي الْوَسْطِ وَسَأَلَ يَسُوعَ قِائِلاً: «أَمَا تُجِيبُ بِشَيْءٍ؟ مَاذَا يَشْهَدُ بِهِ هؤُلاَءِ عَلَيْكَ؟» ٦١أَمَّا هُوَ فَكَانَ سَاكِتًا وَلَمْ يُجِبْ بِشَيْءٍ. فَسَأَلَهُ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ أَيْضًا وَقَالَ لَهُ: «أَأَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ الْمُبَارَكِ؟» ٦٢فَقَالَ يَسُوعُ: «أَنَا هُوَ. وَسَوْفَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِسًا عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ، وَآتِيًا فِي سَحَابِ السَّمَاءِ».
- فَقَامَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ فِي الْوَسْطِ وَسَأَلَ يَسُوعَ: “وقف رئيس الكهنة في الوسط ليضفي على القضية الطابع الرسمي وذلك للتعويض عن صخب عدم وجود أدلة.” روبرتسون (Robinson)
- “فكرة أن رئيس الكهنة قام من كرسيه ووقف في الوسط أمام المجلس تظهر أنه كان غاضباً.” بروس (Bruce)
- “حتى تلك اللحظة، أثبت كل ما حدث أن يسوع كان بريئاً. فلو توفرت الأدلة الكافية ضده لما احتاج رئيس الكهنة أن يستجوبه بهذه الطريقة. فحتى تلك النقطة، كانت المحاكمة فاشلة وباطلة، ولأن رئيس الكهنة كان يعرف ذلك جيداً شعر بالغضب الشديد، وهذا جعله يضغط على المتهم في محاولة منه لاستخلاص أي تصريحات يمكن استخدامها ضده وينفي الحاجة إلى شهود وليحسم المسألة.” سبيرجن (Spurgeon)
- أَمَّا هُوَ فَكَانَ سَاكِتًا وَلَمْ يُجِبْ بِشَيْءٍ: كان بإمكان يسوع أن يقدم دفاعاً رائعاً عن نفسه هنا، وأن يستدعي ما يكفي من الأشخاص ليشهودا عن ألوهيته وسلطانه وصفاته. فالأشخاص الذين علمهم وشفاهم والميت الذي اقامه والأعمى الذي أبصر، وحتى الشياطين أنفسهم كلهم سوف يشهدون عن ألوهيته. أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ، وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ (إشعياء ٧:٥٣).
- أَنَا هُوَ. وَسَوْفَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِسًا عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ: عندما طالبوا يسوع بأن يعترف بجريمته تحت القسم، قال بوضوح: “أنتم تدينونني الآن، ولكني أنا من سيدينكم في النهاية.” كان على هذه الكلمات أن تخيف أي قاضٍ حكيم ولكنها لم تؤثر على متهميه بتاتاً.
- نرى هنا وكأن يسوع هو الخاسر في هذه المحاكمة، لكنه في الواقع كان هو الغالب. فقد أظهر سلوكه في المحاكمة براءته وكان جزءاً من خطة الفداء التي ينبغي أن نستقبلها كعطية الله.
- يمكننا القول أن يسوع لم يكن هو الذي يُحاكم بل القادة الدينيون. ويبدو أنهم يفوزون، لكنهم في الواقع كانوا الخاسرين الحقيقيين. فالحقيقة هي أننا جميعاً سوف نقف أمام المسيح ونعطي حساباً يوماً عما فعلناه به.
د ) الآيات (٦٣-٦٥): السنهدريم يدين يسوع
٦٣فَمَزَّقَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ ثِيَابَهُ وَقَالَ: «مَا حَاجَتُنَا بَعْدُ إِلَى شُهُودٍ؟ ٦٤قَدْ سَمِعْتُمُ التَّجَادِيفَ! مَا رَأْيُكُمْ؟» فَالْجَمِيعُ حَكَمُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ مُسْتَوْجِبُ الْمَوْتِ. ٦٥فَابْتَدَأَ قَوْمٌ يَبْصُقُونَ عَلَيْهِ، وَيُغَطُّونَ وَجْهَهُ وَيَلْكُمُونَهُ وَيَقُولُونَ لَهُ: «تَنَبَّأْ». وَكَانَ الْخُدَّامُ يَلْطِمُونَهُ.
- فَمَزَّقَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ ثِيَابَهُ… قَدْ سَمِعْتُمُ التَّجَادِيفَ!: كانت ردة فعلهم الأولى هي البر الذاتي، ثم تحول الأمر إلى رعب مبالغ به، ثم إلى الإساءة والوحشية (فَابْتَدَأَ قَوْمٌ يَبْصُقُونَ عَلَيْهِ… وَيَلْكُمُونَهُ).
- وَكَانَ الْخُدَّامُ يَلْطِمُونَهُ: على الرغم من فظاعة الحكم الذي أصدره القادة الدينيين ضد يسوع، إلا أننا نعلم أن سببه كان الحسد والخوف من يسوع. ولكن استمتاع هؤلاء الْخُدَّامُ بتعذيب يسوع، لم يكن له مبرر. تصرفوا هكذا بسبب ما سمعوه من الآخرون (القادة الدينيين) عن يسوع.
- “اندهشي ايتها السموات وكوني مرتعبة. ورغم أن وجهه نور الكون، وشخصه مجد السماء، إلا أنه ’ابْتَدَأَ قَوْمٌ يَبْصُقُونَ عَلَيْهِ.‘ واآسفاه، كيف يعامل إلهي بهذه الطريقة المهينة.” سبيرجن (Spurgeon)
- فَابْتَدَأَ قَوْمٌ يَبْصُقُونَ عَلَيْهِ، وَيُغَطُّونَ وَجْهَهُ وَيَلْكُمُونَهُ: ادراكنا لما تحمله يسوع من آلام وذل يجعلنا نتجاوب بثلاث طرق.
- علينا أن نتحمل الألم والإذلال بشجاعة من أجل يسوع. ” فما هي درجة استعدادنا لسماع السخرية والتشهير من الآخرين من أجل يسوع. فلا تستغرب أو تغضب إن سخر الناس منك. فمن أنت يا سيدي العزيز؟ من أنت؟ من تكون إن قورنت بالمسيح؟ فإن بصقوا عليه، فلماذا لا يبصقون عليك أيضاً؟ وإن ضربوه، فلماذا لا يضربونك أيضاً؟ هل من المعقول أن يحتمل سيدك كل هذه القسوة وأنت لا؟ وأن يأكل المرارة وأنت تأكل العسل؟ كيف لك أيها الجندي أن تطلب معاملة أفضل من قائدك؟” سبيرجن (Spurgeon)
- علينا أن نواظب على تسبيح وتعظيم يسوع. “كم نحن جادين، بعد ذلك، على تعظيم وتمجيد ربنا العزيز؟ إن كان الإنسان متلهفاً على إذلاله، دعونا نعمل بجهد أكبر بكثير كي نمجده ونعظمه. هل هناك ما يمكننا عمله اليوم يعطي المجد له؟ دعونا نسعى لهذا. هل يمكننا أن نضحي بشيء من أجله؟ هل يمكننا القيام بأية مهمة صعبة لغاية تمجيده؟ دعونا ألا نتوانى أو نتكاسل، بل نفعل ذلك بكل عزيمتنا. وكونوا خلاقين في ابتكار طرق لتمجيده، كما كان خصومه خلاقين في إيجاد طرق لإذلاله.” سبيرجن (Spurgeon)
- علينا أن نقبل عمل يسوع الكامل لخلاصنا بكل ثقة. “أنا متيقن أن الابن المبارك الذي عانى من كل هذا قادر على أن يمنحنا الخلاص. فالآلام التي مر بها، لا بد أنها كانت كافية لتغطي وتكفر عن كل آثامنا. المجد لله، فالبصق على وجهه يعني أني سأحظى بوجه مشرقٍ وصافٍ، وتلك التهم الباطلة على شخصه لا تعني الدينونة بالنسبة لي.” سبيرجن (Spurgeon)
هـ) الآيات (٦٦-٧٢): إنكار بطرس
٦٦وَبَيْنَمَا كَانَ بُطْرُسُ فِي الدَّارِ أَسْفَلَ جَاءَتْ إِحْدَى جَوَارِي رَئِيسِ الْكَهَنَةِ. ٦٧فَلَمَّا رَأَتْ بُطْرُسَ يَسْتَدْفِئُ، نَظَرَتْ إِلَيْهِ وَقَالَتْ: «وَأَنْتَ كُنْتَ مَعَ يَسُوعَ النَّاصِرِيِّ!» ٦٨فَأَنْكَرَ قَائِلاً: «لَسْتُ أَدْرِي وَلاَ أَفْهَمُ مَا تَقُولِينَ!» وَخَرَجَ خَارِجًا إِلَى الدِّهْلِيزِ، فَصَاحَ الدِّيكُ. ٦٩فَرَأَتْهُ الْجَارِيَةُ أَيْضًا وَابْتَدَأَتْ تَقُولُ لِلْحَاضِرِينَ: «إِنَّ هذَا مِنْهُمْ!» ٧٠فَأَنْكَرَ أَيْضًا. وَبَعْدَ قَلِيل أَيْضًا قَالَ الْحَاضِرُونَ لِبُطْرُسَ: «حَقًّا أَنْتَ مِنْهُمْ، لأَنَّكَ جَلِيلِيٌّ أَيْضًا وَلُغَتُكَ تُشْبِهُ لُغَتَهُمْ!». ٧١فَابْتَدَأَ يَلْعَنُ وَيَحْلِفُ: «إِنِّي لاَ أَعْرِفُ هذَا الرَّجُلَ الَّذِي تَقُولُونَ عَنْهُ!» ٧٢وَصَاحَ الدِّيكُ ثَانِيَةً، فَتَذَكَّرَ بُطْرُسُ الْقَوْلَ الَّذِي قَالَهُ لَهُ يَسُوعُ: «إِنَّكَ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ الدِّيكُ مَرَّتَيْنِ، تُنْكِرُنِي ثَلاَثَ مَرَّاتٍ». فَلَمَّا تَفَكَّرَ بِهِ بَكَى.
- وَبَيْنَمَا كَانَ بُطْرُسُ فِي الدَّارِ أَسْفَلَ: ختم مرقس قصة إنكار بطرس في مرقس ٦٦:١٤-٧٢، لكنه كتبها وكأنه يسترجع الماضي. فهذا لم يحدث بينما كان يسوع يتعرض للضرب، لكن أثناء المحاكمة.
- كانت مشكلة بطرس الأولى أنه قَدْ تَبِعَهُ مِنْ بَعِيدٍ (مرقس ٥٤:١٤). فعندما نبعد أنفسنا عن يسوع، يصبح من الصعب الدفاع عنه في الأوقات الحرجة.
- كانت مشكلته الثانية أنه كَانَ جَالِسًا بَيْنَ الْخُدَّامِ يَسْتَدْفِئُ عِنْدَ النَّارِ (مرقس ٥٤:١٤). وجد يسوع راحته في صحبة غير المؤمنين وتخلى عن شركته مع التلاميذ الهاربين. أراد بطرس أن يندمج مع الناس أكثر من أن يكون تابعاً ليسوع.
- الُخدام في مرقس ٦٥:١٤ الذين ضربوا يسوع هم نفس الخدام المذكورين في مرقس ٥٤:١٤، فقد استخدمت نفس الكلمة اليونانية لكلتا المجموعتين. جلس بطرس واشترك مع نفس الرجال الذين ضربوا يسوع، وفعلوا ذلك لمجرد أن شخصاً آخر قال لهم إن يسوع كان رجلاً شريراً.
- «لَسْتُ أَدْرِي وَلاَ أَفْهَمُ مَا تَقُولِينَ!»: استجوب رجل مسؤول عدائي يسوع، أما بطرس فلم يواجه مثل هذا النوع من الاستجواب، كل ما حدث معه أن إِحْدَى جَوَارِي رَئِيسِ الْكَهَنَةِ سألته إن كانت مع يسوع، وكانت تلك كافيه لتجعله ينكر يسوع. “فتاة بسيطة جعلت هذا البطل يصرخ.” تراب (Trapp)
- لَسْتُ أَدْرِي وَلاَ أَفْهَمُ: “أنكر بطرس التهمة مستخدماً النموذج المتبع في الناموس للإنكار القانوني والرسمي.” لاين (Lane)
- “نبت كل هذا الشر من خوف الإنسان. كم شخص أنكر المسيح وحقه منذ ذلك الحين لنفس السبب!” كلارك (Clarke)
- معتقداً أن هذا سيساعده بفصل نفسه عن يسوع، ابتدأ بطرس يَلْعَنُ وَيَحْلِفُ. وعندما نسمع مثل هذا النوع من الكلام، نفترض أن الشخص ليس من أتباع يسوع المسيح.
- فَلَمَّا تَفَكَّرَ بِهِ بَكَى: تذكر بطرس أخيراً الْقَوْلَ الَّذِي قَالَهُ لَهُ يَسُوعُ، لكنه تذكر ذلك بعد فوات الأوان – كان ذلك بعد أن ارتكب الخطية. ثم كل ما استطاع بطرس أن يفعله هو أن يبكي بمرارة ولكنه سيرجع للإيمان.
- “لم يكن صياح الديك هو الذي بكت بطرس، بل لأنه تذكر كلمات المسيح.” ويرزبي (Wiersbe)
- هناك تناقض كبير بين يهوذا وبطرس. كلاهما أنكر يسوع بطريقة أو بأخرى، لكن أحدهما رجع للإيمان والآخر لم يفعل. كان رجوع بطرس هاماً بالنسبة ليسوع؛ فبعد قيامته، تقابل يسوع مع بطرس بصورة شخصية (لوقا ٣٤:٢٤) واسترد إيمانه بصورة علنية (يوحنا ٢١). وانتهى حال يهوذا بالارتداد عن المسيح، أما بطرس فقد عانى من ضعف روحي وانحدر مؤقتاً عن المستوى الروحي الذي كان فيه قبلاً.