إنجيل مرقس – الإصحاح ١٦
قام المسيح
أولاً. شهادة على القيامة
أ ) الآيات (١-٦): النساء يجدن القبر فارغاً ورسولاً مميزاً
١وَبَعْدَمَا مَضَى السَّبْتُ، اشْتَرَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ وَسَالُومَةُ، حَنُوطًا لِيَأْتِينَ وَيَدْهَنَّهُ. ٢وَبَاكِرًا جِدًّا فِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ أَتَيْنَ إِلَى الْقَبْرِ إِذْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ. ٣وَكُنَّ يَقُلْنَ فِيمَا بَيْنَهُنَّ: «مَنْ يُدَحْرِجُ لَنَا الْحَجَرَ عَنْ بَابِ الْقَبْرِ؟» ٤فَتَطَلَّعْنَ وَرَأَيْنَ أَنَّ الْحَجَرَ قَدْ دُحْرِجَ! لأَنَّهُ كَانَ عَظِيمًا جِدًّا. ٥وَلَمَّا دَخَلْنَ الْقَبْرَ رَأَيْنَ شَابًّا جَالِسًا عَنِ الْيَمِينِ لاَبِسًا حُلَّةً بَيْضَاءَ، فَانْدَهَشْنَ. ٦فَقَالَ لَهُنَّ: «لاَ تَنْدَهِشْنَ! أَنْتُنَّ تَطْلُبْنَ يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ الْمَصْلُوبَ. قَدْ قَامَ! لَيْسَ هُوَ ههُنَا. هُوَذَا الْمَوْضِعُ الَّذِي وَضَعُوهُ فِيهِ.
- وَبَعْدَمَا مَضَى السَّبْتُ: أقرب وقت تمكنت فيه النساء من الذهاب إلى القبر لتكفين جسد يسوع بالشكل الصحيح كان صباح يوم الأحد. انتهى السبت في بداية مساء السبت، لكن الشمس لم تكن قد أشرقت بعد للذهاب إلى القبر لتكفينه. الفترة بين غروب الشمس يوم الجمعة حتى شروق الشمس يوم الأحد كانت مظلمة وفارغة ويائسة بالنسبة للتلاميذ.
- مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ وَسَالُومَةُ: أثبتت هؤلاء النساء أنهن تابعات مخلصات ليسوع، وكن أول من أعلن عن قيامته.
- حَنُوطًا (طُيُوباً عِطْرِيَّةً): “تحنيط الجسد لم يكن عرفاً يهودياً، بل كان يدهن بالأطياب لتخفيف رائحة العفن.” لاين (Lane)
- «مَنْ يُدَحْرِجُ لَنَا الْحَجَرَ عَنْ بَابِ الْقَبْرِ؟»: لم يتوقعن أن يجدن القبر فارغ. جئن يتسائلن كيف سيدحرجن الحجر عن باب القبر، مما يدل على أن القيامة لم تكن حتى في مخيلتهم. فالتلاميذ لم يتوقعوا القيامة.
- يذكرنا متى ٦٥:٢٧-٦٦ أنه كان هناك جنود حول القبر. وهذا يوضح أنه كان من المستحيل على النساء أن يدحرجن الحجر (لسن أقوياء كفاية) أو أن يفعل التلاميذ ذلك (حتى وإن تحلوا بالشجاعة الكافية، فإنهم لن يتمكنوا من التغلب على الجنود المسلحين). ونحن نعلم أيضاً أنه لا أحد آخر كان يريد أن يدحرج الحجر. ولكن يضيف متى ٢:٢٨ أن الملاك هو من دحرج الحجر.
- لم يُدحرج الحجر ليتمكن يسوع من الخروج. فقد أخبرنا يوحنا ١٩:٢٠ أن يسوع في جسد القيامة تمكن من المرور عبر الحواجز. ولكن ُدحرج الحجر كي يتمكن الناس من النظر إلى داخل القبر ويقتنعوا أن يسوع المسيح قام من الموت.
- شَابًّا جَالِسًا عَنِ الْيَمِينِ لاَبِسًا حُلَّةً بَيْضَاءَ: رأت النساء ملاكاً في شكل إنسان أخبرهن عن يسوع المقام وأراهم القبر الفارغ.
- يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ الْمَصْلُوبَ. قَدْ قَامَ!: قارن الملاك بين يسوع الذي كان مصلوباً (الْمَصْلُوبَ) والذي قَامَ الآن. كان يسوع مصلوباً (يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ الْمَصْلُوبَ) بلا شك، مما يعني أنه مات حقاً. والآن قَدْ قَامَ – لم يعد إحياؤه فحسب بل قام.
- يوجد العديد من الأمثلة في الكتاب المقدس عن أشخاص تم إحيائهم، مثل ابن الأرملة أيام إيليا (ملوك الأول ١٧:١٧-٢٤) ولعازر (يوحنا ٣٨:١١-٤٤). كل منهم عاد من الموت، لكنه لم يقم بعد الموت التام. وكل منهم عاد في ذات الجسد الذي مات فيه ليموت ثانية في النهاية. فالقيامة لا تعني أن يعيش المرء ثانية بل أن يعيش ثانية في جسد جديد أساسه الجسد القديم الذي يتناسب تماماً للحياة الأبدية. فيسوع لم يكن أول من بعث للحياة من جديد، بل أول من قام من الأموت.
- وينبغي أن نقول أن يسوع قَدْ قَامَ وهو حي الآن وقد صعد إلى السماء وجلس على العرش ليحكم، وهو لا يزال الإنسان الكامل والله الكامل.
- يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ الْمَصْلُوبَ: لم يكن هذا لقباً رفيعاً ليسوع. فمدينة الناصرة لم تكن مدينة يفتخر بها، ولقب المصلوب يعني العار وليس الكرامة. ومع ذلك لم يخجل يسوع أن يطلق عليه اسم ’النَّاصِرِيَّ‘ و’الْمَصْلُوبَ.‘ “أصبح هذا الوصف الوضيع تاج المجد على رأس كل من بولس والآخرين الذين نظروا إلى المسيح المصلوب والمقام والمخلص والرب.” روبرتسون (Robertson)
- هُوَذَا الْمَوْضِعُ الَّذِي وَضَعُوهُ فِيهِ: لا يوجد أي وصف عن القيامة نفسها، لكن تم تسجيل بعض التفاصيل عن اكتشاف القيامة. فمثلاً هنا، اكتشفت النساء اللواتي كن يعتزمن تكفين جسد يسوع بالصورة اللائقة أن الحجر قد دحرج عن باب القبر وأن جسد يسوع لم يكن في الداخل.
- هؤلاء النساء كن ممتنات فيما بعد لأن الملاك أخبرهن أن ينظرن الْمَوْضِعُ الَّذِي وَضَعُوهُ فِيهِ. كان ينبغي أن تكون شهادة الملاك كافية، ومع ذلك عندما رأوا القبر فارغاً، آمنوا بالقيامة بصورة أقوى من شهادة الملاك: “شاهد عيان واحد أفضل بكثير من عشرين شخص سمعوا عن القيامة؛ فالناس سوف تصدقك إن رأيت بعينيك أكثر إن سمعت بأذنيك.” سبيرجن (Spurgeon)
- عندما نرى أن الْمَوْضِعُ الَّذِي وَضَعُوهُ فِيهِ فارغ الآن، نعلم أن الآب لم يتخل عن يسوع.
- عندما نرى أن الْمَوْضِعُ الَّذِي وَضَعُوهُ فِيهِ فارغ الآن، نعلم أن الموت قد هُزم.
- عندما نرى أن الْمَوْضِعُ الَّذِي وَضَعُوهُ فِيهِ فارغ الآن، نعلم أن صديقنا في المسيح حي أيضاً.
- هؤلاء النساء كن ممتنات فيما بعد لأن الملاك أخبرهن أن ينظرن الْمَوْضِعُ الَّذِي وَضَعُوهُ فِيهِ. كان ينبغي أن تكون شهادة الملاك كافية، ومع ذلك عندما رأوا القبر فارغاً، آمنوا بالقيامة بصورة أقوى من شهادة الملاك: “شاهد عيان واحد أفضل بكثير من عشرين شخص سمعوا عن القيامة؛ فالناس سوف تصدقك إن رأيت بعينيك أكثر إن سمعت بأذنيك.” سبيرجن (Spurgeon)
- قَدْ قَامَ!: قيامة يسوع مسألة تاريخية. إذ لا يمكننا أن نفهم معنى القيامة إلا من خلال الكتاب المقدس. لذا، من الضروري جداً أن نتأمل بمعنى القبر الفارغ وقيامته.
- تعني القيامة أن يسوع المسيح “تَعَيَّنَ ابْنَ اللهِ بِقُوَّةٍ مِنْ جِهَةِ رُوحِ الْقَدَاسَةِ، بِالْقِيَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ” (رومية ٤:١).
- تعني القيامة أننا سنقوم أيضاً: “لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا نُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ مَاتَ وَقَامَ، فَكَذلِكَ الرَّاقِدُونَ بِيَسُوعَ، سَيُحْضِرُهُمُ اللهُ أَيْضًا مَعَهُ” (تسالونيكي الأولى ١٤:٤).
- تعني القيامة أن لدى الله خطة أبدية لأجسادنا. “لم يُعلم يسوع أبداً أن أجسادنا شريرة كما كان يعلّم مذهب الغنوصية. فقد آمن أفلاطون أن الطريقة الوحيدة للتخلص من الخطية هي التخلص من الجسد. لكن يسوع اهتم بالجسد وأعلن أن الله يغذي الجسد تماماً كالروح، وأن الجسد مقدس كالروح، لأن الروح يسكن الجسد.” مورغان (Morgan)
- تعني القيامة أن خدمة يسوع مستمرة: “فَمِنْ ثَمَّ يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَ أَيْضًا إِلَى التَّمَامِ الَّذِينَ يَتَقَدَّمُونَ بِهِ إِلَى اللهِ، إِذْ هُوَ حَيٌّ فِي كُلِّ حِينٍ لِيَشْفَعَ فِيهِمْ” (عبرانيين ٢٥:٧).
- تعني القيامة أن المسيحية وإلهها مميزان وفريدان ومختلفان تماماً عن باقي ديانات العالم.
- تثبت القيامة أنه بالرغم من أن يسوع بدا وكأنه مات على الصليب مثل مجرم، إلا أنه مات بلا خطية، مدفوعاً بمحبته لنا، باذلاً نفسه ليحمل ذنب خطايانا. فموت يسوع على الصليب كان الثمن والقيامة كانت الصك الذي يُظهر أن الثمن دفع بالكامل وكان مقبولاً في نظر الله الآب.
ب) الآيات (٧-٨): أعطى الملاك رسالة للنساء
٧لكِنِ اذْهَبْنَ وَقُلْنَ لِتَلاَمِيذِهِ وَلِبُطْرُسَ: إِنَّهُ يَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ. هُنَاكَ تَرَوْنَهُ كَمَا قَالَ لَكُمْ». ٨فَخَرَجْنَ سَرِيعًا وَهَرَبْنَ مِنَ الْقَبْرِ، لأَنَّ الرِّعْدَةَ وَالْحَيْرَةَ أَخَذَتَاهُنَّ. وَلَمْ يَقُلْنَ لأَحَدٍ شَيْئًا لأَنَّهُنَّ كُنَّ خَائِفَاتٍ.
- اذْهَبْنَ وَقُلْنَ: تلقت النساء رسالة من يسوع من خلال الملاك وكان عليهن تسليمها. ويمكننا القول أن الرسالة كانت كدعوة، لأنه من خلالها دُعي التلاميذ للقاء يسوع.
- يبين هذا أن دعوات يسوع ملآنة نعمة. فقد خذل التلاميذ يسوع تماماً، وكان لديه كل الحق في أن ينسى أمرهم، ولكن نعمته الغنية قدمت هذه الدعوة الكريمة لهم.
- يبين هذا لنا أن يسوع يتمم وعوده دائماً. فقد قال أنه سيقابلهم في الجليل وهذا ما فعل تماماً (يوحنا ١:٢١ هو مجرد مثل واحد).
- يبين هذا أن دعوة يسوع لنا تعني أنه يريد الكشف عن ذاته لنا. كانت الرسالة: “إِنَّهُ يَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ. هُنَاكَ تَرَوْنَهُ” فالهدف الرئيسي هو رؤيته، ليتمكن يسوع من الكشف عن ذاته لشعبه.
- يبين هذا أنه عندما يدعونا يسوع فإنه يذكرنا دائماً بوعوده. أضاف الملاك للدعوة: “كَمَا قَالَ لَكُمْ.” فيسوع يفي بوعوده دائماً، وكل ما قال يفعل.
- لِتَلاَمِيذِهِ وَلِبُطْرُسَ: نستغرب أن يسوع أراد رؤية هؤلاء الرجال الذين خذلوه بشدة، ومع ذلك ذكر بُطْرُسَ بالتحديد. يقول البعض أنه ميز بُطْرُسَ لأنه كان منفصلاً عن بقية التلاميذ بمعنى أنه لم يعد معهم. ولكن الأمر لم يكن كذلك. لقد ميز يسوع بُطْرُسَ لأن لديه رجاء خاص وغفران خاص وخلاص خاص للشخص الذي أنكره بأسوأ شكل ممكن.
- “إن كنت قد أسأت إلى سيدك أكثر من الآخرين، فأنت بالذات مدعو بشكل خاص لكي تأتي إليه الآن. لقد أحزنته كثيراً، وشعرت بالحزن لأنك فعلت ذلك به. لكنك تبت بعدما ابتعدت عنه، وهو الآن يتمم غفرانك بدعوته لك لتتبعه.” سبيرجن (Spurgeon)
- لأَنَّ الرِّعْدَةَ وَالْحَيْرَةَ أَخَذَتَاهُنَّ: “خرجت النساء من القبر وهربن سريعاً وهن يشعرن بالذهول والدهشة – الكلمة اليونانية هنا هي: “الشعور بالنشوة” أي أن يتملكك الخوف ويدفعك للهرب.” مورغان (Morgan)
- وَلَمْ يَقُلْنَ لأَحَدٍ شَيْئًا: لا يعني هذا أنهم لم يتكلمن عن القيامة لأننا نعلم أنهن فعلن ذلك (مرقس ١١:١٦ ولوقا ٩:٢٤). بل يعني أنهن لم يتكلمن فيما بينهن بعدما تركن القبر الفارغ، ولم يحاولن فهم ما حدث أو حاولن التوفيق بين روايتهن لما حدث، بل ذهبن ببساطة ليخبرن التلاميذ بما طلبه الملاك.
ثانياً. مقدمة لمرقس ٩:١٦-٢٠: هل تنتمي هذه الآيات إلى الكتاب المقدس؟
أ ) هذا الجزء الأخير من إنجيل مرقس نجده في نسخ عديدة في ذيل الصفحة، مما يعني أن هذا النص ليس جزءاً من المخطوطات اليونانية الأولى لإنجيل مرقس. وهذا يزعج بعض المؤمنين من يتساءلون عن مصداقية كلمة الله وإن كان هذا الجزء ينتمي إلى الكتاب المقدس.
ب) الاعتراضات بشأن إدراج مرقس ٩:١٦-٢٠ إلى كتبنا المقدسة.
- لا تحتوي أقدم مخطوطتين يونانيتين حاليتين (مؤرختين من ٣٢٥ و٣٤٠ ميلادية) على هذا الجزء، كما لا نجده في أي مخطوطة أخرى من المائة مخطوطة المترجمة إلى لغات أخرى. وقامت بعض المخطوطات القديمة بوضع إشارة على الآيات في مرقس ٩:١٦-٢٠ لتبين أن هذه الآيات أضيفت إلى النص الأصلي.
- وفقاً لكتابات أوسابيوس (الذي توفي في ٣٣٩) وجيروم (الذي توفي عام ٤١٩) فإن هذه الآيات غير موجودة في كل المخطوطات اليونانية تقريباً.
- في عدد قليل من المخطوطات الأخرى نجد نهايتين مختلفتين – واحدة أقصر، وأخرى فيها بعض الإضافات.
- ثلث المفردات الموجودة في هذه الآيات تقريباً تختلف تماماً عن بقية إنجيل مرقس، ونرى قواعد نحوية غريبة عند الانتقال من الآية ٨ إلى الآية ٩.
- معظم المفسرين المعاصرين يرفضون اعتبار هذه الآيات أصلية.
ج ) الجدل حول إدراج مرقس ٩:١٦-٢٠ إلى كتبنا المقدسة.
- عدد كبير من الكُتاب المسيحيين الأوائل يشيرون إلى هذا المقطع في كتاباتهم، مما يظهر معرفتهم بهذا المقطع من إنجيل مرقس وقبلوه كنص أصلي.
- اشار بابيس (Papias) إلى مرقس ١٦:١٨ في كتاباته. وكان هذا حوالي ١٠٠م.
- اقتبس القديس جاستن في أول دفاع له من مرقس ٢٠:١٦ (١٥١م).
- اقتبس ايرونيوس في كتاباته ضد الهرطقات من مرقس ١٣:١٦ وعلق عليها (١٨٠م).
- اقتبس هيبولوتس في كتابه عن المواهب الروحية بعنوان ’Peri Charismaton‘ من مرقس ١٨:١٦-١٩. كما استخدم مرقس ١٩:١٦ في عظته عن هرطقة نويتوس. كتب هذا بينما كان مطراناً في بورتوس (١٩٠-٢٢٧م).
- اقتبس فيسينتوس، مطران طيباري (Thibari)، من آيتين في مجمع قرطاجة السابع الذي تحت رعاية المطران قبريانوس القرطاجي (٢٥٦م). واستخدم أوغسطينوس، بعد قرن ونصف، في رده نفس الكلمات.
- احتوت الأبوكريفا: ’أعمال بيلاطس أو الإنجيل حسب نيقوديموس‘ على مرقس ١٥:١٦-١٨ (يُعتقد أنها كتب حوالي ٢٠٠م).
- تشير الدساتير الرسولية بوضوح إلى مرقس ١٥:١٦ في مكانين وتقتبس مرقس ١٦:١٦ صراحة (يُفترض أنها كتبت في مكان ما في أواخر القرن الثالث أو أوائل القرن الرابع).
- الغالبية العظمى من المخطوطات القديمة تشمل هذه الفقرة.
د ) أفكار حول مشكلة إدراج أو عدم إدراج هذا المقطع.
- من المستبعد جداً أن ينتهي إنجيل مرقس هكذا ببساطة بخوف النساء في الآية ٨ وبعدم وجود أي دليل ملموس على قيامة يسوع، القبر الفارغ فقط. ومن الممكن أن تكون النهاية الأصلية لإنجيل مرقس قد فقدت في زمن سابق.
- كتب روبرتسون (T. Robertson) الباحث الشهير في التاريخ اليوناني: “يصعب علينا أن نصدق أن مرقس أنهى إنجيله بالآية ٨ ما لم يتم مقاطعته، أو ربما تمزقت آخر ورقة أو رقاقة في لفة البردي.”
- لكن الأهم من ذلك هو أن أقدم شهادة لدينا في الوقت الحاضر من كتّاب أمثال إيريناوس وآخرين تؤكد على أن المسيحيين الأوائل قبلوا مرقس ٩:١٦-٢٠ كنص أصلي.
ثالثاً. ظهورات الرب المُقام
أ ) الآيات (٩-١١): يسوع يَظْهَرُ لمريم المجدلية
٩وَبَعْدَمَا قَامَ بَاكِرًا فِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ ظَهَرَ أَوَّلاً لِمَرْيَمَ الْمَجْدَلِيَّةِ، الَّتِي كَانَ قَدْ أَخْرَجَ مِنْهَا سَبْعَةَ شَيَاطِينَ. ١٠فَذَهَبَتْ هذِهِ وَأَخْبَرَتِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ وَهُمْ يَنُوحُونَ وَيَبْكُونَ. ١١فَلَمَّا سَمِعَ أُولئِكَ أَنَّهُ حَيٌّ، وَقَدْ نَظَرَتْهُ، لَمْ يُصَدِّقُوا.
- ظَهَرَ أَوَّلاً لِمَرْيَمَ الْمَجْدَلِيَّةِ: تفاصيل لقاء مريم المثير مع يسوع (التي اعتقدت أولاً أنه البستاني) نجدها بالكامل في يوحنا ١١:٢٠-١٨.
- فَلَمَّا سَمِعَ أُولئِكَ أَنَّهُ حَيٌّ: أرسلها يسوع لتخبر التلاميذ الآخرين أنه قام من الاموات. وفي تلك الأيام، لم تكن شهادة المرأة موثوقة. ومع ذلك، وثق يسوع بها، أما التلاميذ فلم يفعلوا (لَمْ يُصَدِّقُوا).
ب) الآيات (١٢-١٣): يسوع يَظْهَرُ لتلميذين على طريق عمواس
١٢وَبَعْدَ ذلِكَ ظَهَرَ بِهَيْئَةٍ أُخْرَى لاثْنَيْنِ مِنْهُمْ، وَهُمَا يَمْشِيَانِ مُنْطَلِقَيْنِ إِلَى الْبَرِّيَّةِ. ١٣وَذَهَبَ هذَانِ وَأَخْبَرَا الْبَاقِينَ، فَلَمْ يُصَدِّقُوا وَلاَ هذَيْنِ.
- ظَهَرَ بِهَيْئَةٍ أُخْرَى لاثْنَيْنِ مِنْهُمْ، وَهُمَا يَمْشِيَانِ: قدم لوقا ١٣:٢٤-٢٧ وصفاً تفصيلياً لهذا اللقاء الرائع مع يسوع المقام.
- فَلَمْ يُصَدِّقُوا وَلاَ هذَيْنِ: لم يقبل التلاميذ شهادة النساء، لكنهم لم يقبلوا شهادة هذين الرجلين أيضاً. أي أنهم لم يصدقوا الطرفين في الحالتين.
ج) الآيات (١٤-١٨): المأمورية العظمى للتلاميذ الأحد عشر ولكل أتباع يسوع المسيح
١٤أَخِيرًا ظَهَرَ لِلأَحَدَ عَشَرَ وَهُمْ مُتَّكِئُونَ، وَوَبَّخَ عَدَمَ إِيمَانِهِمْ وَقَسَاوَةَ قُلُوبِهِمْ، لأَنَّهُمْ لَمْ يُصَدِّقُوا الَّذِينَ نَظَرُوهُ قَدْ قَامَ. ١٥وَقَالَ لَهُمُ: «اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا. ١٦مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ. ١٧وَهذِهِ الآيَاتُ تَتْبَعُ الْمُؤْمِنِينَ: يُخْرِجُونَ الشَّيَاطِينَ بِاسْمِي، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ جَدِيدَةٍ. ١٨يَحْمِلُونَ حَيَّاتٍ، وَإِنْ شَرِبُوا شَيْئًا مُمِيتًا لاَ يَضُرُّهُمْ، وَيَضَعُونَ أَيْدِيَهُمْ عَلَى الْمَرْضَى فَيَبْرَأُونَ».
- وَوَبَّخَ عَدَمَ إِيمَانِهِمْ وَقَسَاوَةَ قُلُوبِهِمْ: كان بإمكانهم أن يفعلوا أفضل من ذلك. ورغم أنهم لم يفهموا، إلا أنهم لم يستطيعوا الهروب من المسؤولية.
- “خطية عدم الإيمان خطية رهيبة (bloody sin)، العبرانيين ٢٦:١٠؛ خطية ثقيلة، يوحنا ١٩:٣؛ خطية بغيضة لا يصفح عنها، وتحبس الإنسان في زنزانة مظلمة مغلقة، تؤدي به إلى دمار لا مفر منه، غلاطية ٢٣:٣.” تراب (Trapp)
- اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا: هذه وصية وليست اقتراحاً. “الاهتمام بالإرساليات ليس مادة اختيارية في مدرسة النعمة الإلهية، بل هي مادة ينبغي على كل تلميذ أن يتخصص بها.” أيرونسايد (Ironside)
- فكرة الذهاب إلى العالم برسالة الإيمان (اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ) لم تكن جزءاً من التفكير اليهودي أيام يسوع، ولم تكن جزءاً من التفكير الأممي أيضاً. كانت فكرة ثورية في حينها.
- لم يطع التلاميذ هذه الوصية على الفور بل بقوا في أورشليم لعدة سنوات إلى أن تعرضوا للاضطهاد، عندها ذهبوا إلى العالم وكرزوا بالإنجيل، وهكذا انتشرت الرسالة واستمرت في الانتشار.
- “قسيس يعمل في الجيش قال مرة لدوق ويلينغتون: ’هل تعتقد أن هناك منفعة من أخذ الإنجيل لقبائل الهند؟ هل سيقبلونه يوماً؟‘ كان رد الدوق الوحيد كالتالي: ’ما هي الأوامر التي كلفت بها؟‘ فبالنسبة لهذا الجندي الرائع، مهمة أي جندي منضبط هي تلقي الأوامر واطاعتها فقط؛ وقصد بهذا أن على كل جندي للصليب أن يطيع أوامر المسيح، قائده العظيم، دون أي نقاش.” سبيرجن (Spurgeon)
- مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ: هذا وعد بالخلاص وتحذير في آن واحد. فيسوع لم يقل: مَنْ لَمْ يعتمد يُدَنْ بل مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ.
- “عدم وضع يسوع لكلمة ’المعمودية‘ مع ’عدم الإيمان‘ يظهر أن المعمودية ليست أمراً أساسياً للخلاص. فالدينونة تأتي على من لا يؤمن وليس على من لا يعتمد. مما يعني أن أساس الخلاص هو الإيمان، وأن المعمودية هي مجرد صورة للحياة الجديدة وليست الوسيلة لتحقيقها.” روبرتسون (Robertson)
- وفي الوقت ذاته، ثمة خطأ فادح في اعتبار أن المعمودية أمر ’غير أساسي.‘ قد لا تكون المعمودية ضرورية للخلاص، لكنها ضرورية جداً لبرهان الطاعة. فقد أوصى يسوع كل مؤمن أن يعتمد، وهذا ما ينبغي أن يفعله. وهكذا تصبح المعمودية ضرورية لأن يسوع أوصى بها.
- وَهذِهِ الآيَاتُ تَتْبَعُ الْمُؤْمِنِينَ: وعد يسوع تلاميذه بالسلطة الإلهية والحماية.
- علينا أن نفهم هذا الوعد في إطار المخاطر التي تنطوي عليها الكرازة لكل العالم، مثلما حدث مع بولس حينما نجا من لدغة الأفعى في جزيرة مَالْطَة (>أعمال الرسل ١:٢٨-٦). فلم يقصد يسوع أن علينا أن نشرب السم أو نواجه الثعابين لنفحص أو نقيس إيماننا.
د ) الآيات (١٩-٢٠): صعود يسوع؛ التلاميذ العاملين
١٩ثُمَّ إِنَّ الرَّبَّ بَعْدَمَا كَلَّمَهُمُ ارْتَفَعَ إِلَى السَّمَاءِ، وَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ اللهِ. ٢٠وَأَمَّا هُمْ فَخَرَجُوا وَكَرَزُوا فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَالرَّبُّ يَعْمَلُ مَعَهُمْ وَيُثَبِّتُ الْكَلاَمَ بِالآيَاتِ التَّابِعَةِ. آمِينَ.
- ارْتَفَعَ إِلَى السَّمَاءِ: كان من الضروري أن يترك يسوع هذه الأرض جسدياً ويصعد إلى السماء، لكي نعتمد على قوة وخدمة الروح القدس، وليس على وجوده في الجسد هنا وفي منطقة جغرافية محددة.
- مضى يسوع ليعد لنا مكاناً (يوحنا ٣:١٤)؛ وليَشْفَعُ فِينَا (رومية ٣٤:٨)؛ ولكي يعطي النَّاسَ عَطَايَا (أفسس ٨:٤).
- وَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ اللهِ: “جلس يسوع عن يمين الله من أجل التمييز بينه وبين الملائكة الذين يعملون كخدام.” بوله (Poole)
- وَأَمَّا هُمْ فَخَرَجُوا وَكَرَزُوا فِي كُلِّ مَكَانٍ: مما يعني أنهم لم يبقوا معاً ليباركوا ويشجعوا بعضهم البعض، بل خَرَجُوا. فمن الضروري جداً أن يجتمع أولاد الله معاً ولكن بهدف الاستعداد والتأهيل للخروج وبركة العالم المسكين التائه.
- “لا تشعروا أن كل ما في الحياة الجديدة هي أن تأتوا وتسمعوا العظات، كلا فهذه هي البداية فقط. اذهبوا وانشروا البركة في كل مكان ممكن؛ ففي اللحظة التي تجدوا فيها النور وتدركوا ظلمة العالم، أركضوا بشعلتكم المتقدة وأعطوا النور لشخص آخر.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَالرَّبُّ يَعْمَلُ مَعَهُمْ وَيُثَبِّتُ الْكَلاَمَ بِالآيَاتِ التَّابِعَةِ: عندما نخرج للعمل في حقل الرب، يعمل معنا يسوع. وعندما فعل التلاميذ ما أوصاهم يسوع به، فعل هو ما لا يستطيع غيره أن يفعل: ثبّت خدمتهم بِالآيَاتِ التَّابِعَةِ.
- يا له من أسلوب رائع للخدمة. فالوعظ يأتي أولاً ثم الآيَاتِ. فالغاية من الآيات هي أن تتبع المؤمنين وليس العكس، أي أن يسعى المؤمنون وراء الآيات (المعجزات).
- الآية الأخيرة مستمرة حتى يومنا هذا. فلا يزال أتباع يسوع يكرزون في كل مكان، والرَّبُّ يَعْمَلُ مَعَهُمْ، وَيُثَبِّت كلامه بِالآيَاتِ التَّابِعَةِ. آمين!