رسالة أفسس – الإصحاح ٤
العيش لمجد الله
أوَّلًا. دعوة للوحدة بين شعب الله
أ ) الآية (١): أساس كل نُصح.
١فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ، أَنَا ٱلْأَسِيرَ فِي ٱلرَّبِّ: أَنْ تَسْلُكُوا كَمَا يَحِقُّ لِلدَّعْوَةِ ٱلَّتِي دُعِيتُمْ بِهَا.
- فَأَطْلُبُ (فِي ضَوْءِ هَذَا أَطْلُبُ): أفرد بولس ثلاثة إصحاحات لتوضيح كل ما فعله الله لنا، مجّانًا بنعمته، بكل تفصيل. وهو الآن يوجّه إليهم دعوة بأن يعيشوا بصورة لائقة، ولكن فقط بعد شرح ما فعله الله من أجلنا.
- أَنْ تَسْلُكُوا كَمَا يَحِقُّ لِلدَّعْوَةِ ٱلَّتِي دُعِيتُمْ بِهَا: عندما نفهم حقًّا مقدار ما فعله الله من أجلنا، نودّ بطبيعة الحال أن نخدمه ونطيعه بدافع الشعور بالشكر.
- فهمنا لحقيقتنا هو أساس هذا السلوك اللائق. “ينصح لوثر (Luther) الناس بالرد على جميع إغراءات الشيطان بهذا القول الوحيد: أنا مؤمن.” تراب (Trapp)
- والفكرة واضحة. نحن لا نسلك كما يليق لعَلَّ الله يحبنا، ولكننا نسلك كما يليق لأنَّه يحبنا بالفعل. فهو سلوك دافعه الشعور بالشكر، لا الرغبة في كسب الاستحقاق.
- “كل مؤمن هو بكر لله، وأعلى من ملوك الأرض، مزمور ٢٧:٨٩. لذلك يجب عليه أن يتصرّف وفقًا لذلك، فلا يجلب العار على دمه السامي.” تراب (Trapp)
ب) الآيات (٢-٣): طبيعة السلوك اللائق.
٢بِكُلِّ تَوَاضُعٍ، وَوَدَاعَةٍ، وَبِطُولِ أَنَاةٍ، مُحْتَمِلِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فِي الْمَحَبَّةِ. ٣مُجْتَهِدِينَ أَنْ تَحْفَظُوا وَحْدَانِيَّةَ الرُّوحِ بِرِبَاطِ السَّلاَمِ.
- بِكُلِّ تَوَاضُعٍ وَوَدَاعَةٍ: يتّصف السلوك اللائق أمام الله بالتواضع والوداعة، لا بالرغبة الشديدة في الدفاع عن حقوقنا ودعم أجندتنا الخاصّة.
- قبل المسيحيّة، كانت كلمة تَوَاضُعٍ ترتبط دائمًا بمعانٍ سلبية، والوضع لا يزال كذلك في عقول الكثيرين. ولكنَّه فضيلة مسيحيّة جليلة (فيلبّي ١:٢-١٠). وهذا يعني أننا يمكن أن نكون سعداء وراضين حتّى عندما لا نكون مسيطرين والأمور لا تسير وفق هوانا.
- وَبِطُولِ أَنَاةٍ، مُحْتَمِلِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا: نحن بحاجة إلى ذلك، كي لا تعمل الأخطاء الحتمية التي تحدث في عائلة الله ضد قصد الله المتمثل في جمع كل شيء في يسوع – الأمر الذي يتّضح بواسطة عمله الحاليّ في الكنيسة.
- عرّف يوحنا فم الذهب طُولَ الأَنَاةٍ بأنها الروح القادرة على الانتقام، ولكنها لا تفعل ذلك أبدًا. إنَّها سمة من سمات القلب الغفور الكريم.
- مُجْتَهِدِينَ أَنْ تَحْفَظُوا وَحْدَانِيَّةَ ٱلرُّوحِ بِرِبَاطِ ٱلسَّلَامِ: هذا الموقف المتواضع والمتسامح بعضهم تجاه البعض يحقّق وَحْدَانِيَّة ٱلرُّوحِ.
- دورنا هو أن نجتهد للحفاظ على هذه الوحدة، لا أن نخلقها. فالله لا يأمرنا أبدًا بخلق الوحدة بين المؤمنين، فهو قد خلقها بروحه؛ إنَّما واجبنا التعرف عليها والحفاظ عليه.
- هذه الوحدة، ليست بالضرورة وحدة هيكلية أو طائفية. إذ يتّضح ذلك في الشركة السريعة الممكنة بين المؤمنين من شتّى الأجناس والقوميات واللغات والطبقات الاقتصادية.
- نستطيع أن نفهم وَحْدَانِيَّةَ ٱلرُّوحِ هذه بفهم ما هو ليس وحدة. ففي عظة حول هذا النص، أشار تشارلز سبيرجن (Charles Spurgeon) إلى بعض الأشياء التي لا يقولها النص.
- إنَّه لا يقول: ’مجتهدين أن تحفظوا وحدة الشر أو وحدة الخرافات أو وحدة الاستبداد الروحيّ.‘
- إنَّه لا يقول: ’مجتهدين أن تحفظوا الرتب الكنسيّة الخاصّة بكم من أجل المركزية.‘
- إنَّه لا يقول: ’مجتهدين أن تحفظوا تطابق الروح.‘
- قد تعمل الوحدة الهيكلية أحيانًا ضد وَحْدَانِيَّة ٱلرُّوحِ الحقيقيّة. ورُبَّما نرى قصد الله في منع الوحدة الهيكلية للكنيسة في الوقت الحاليّ، وذلك للحيلولة دون تحقّق الجهود المضلَّلة للكنيسة (مثل طموحات السلطة السياسية). “ليس من المرغوب فيه أن تذوب جميع الكنائس بعضها في البعض وتصبح واحدة؛ ذلك أنَّ الاندماج الكامل لجميع الكنائس في شركة كنسية واحدة يؤدّي حتمًا إلى إنتاج شكل آخر من أشكال البابويّة، لأنَّ التاريخ يعلّمنا أن الهيئات الكنسية الكبيرة تزداد فسادًا بطبيعة الحال. والشركات الروحيّة الضخمة هي في مجملها حصون للاستبداد ومعاقل لانتهاك الحقوق. وسرعان ما تتحطّم.” سبيرجن (Spurgeon)
- “إنَّ شركة الكنيسة التي اتّحد فيها المؤمنون اليهود والأمم، لم تكن مُجرَّد تسجيل أسماء في سجل العضوية؛ إنَّما كانت تشتمل على اتّحادهم بالمسيح بالإيمان، وبالتالي اتّحادهم بعضهم مع البعض كأعضاء في جسده.” بروس (Bruce)
- نحن واثقون من أنَّ هذه الوحدة موجودة في يسوع المسيح بروح الله. “نريد وحدانيّة في الحقّ الإلهيّ بروح الله، فدعونا نسعى إلى ذلك، ودعونا نعيش بالقرب من المسيح، لأنَّ هذه هي أفضل وسيلة لتقوية الوحدانيّة. فالانقسامات في الكنائس لا تبدأ أبدًا بأولئك الممتلئين بالمحبّة للمخلِّص.” سبيرجن (Spurgeon)
ج) الآيات (٤-٦): وصف وحدانيّة الكنيسة.
٤جَسَدٌ وَاحِدٌ، وَرُوحٌ وَاحِدٌ، كَمَا دُعِيتُمْ أَيْضًا فِي رَجَاءِ دَعْوَتِكُمُ الْوَاحِدِ. ٥رَبٌّ وَاحِدٌ، إِيمَانٌ وَاحِدٌ، مَعْمُودِيَّةٌ وَاحِدَةٌ، ٦إِلهٌ وَآبٌ وَاحِدٌ لِلْكُلِّ، الَّذِي عَلَى الْكُلِّ وَبِالْكُلِّ وَفِي كُلِّكُمْ.
- جَسَدٌ وَاحِدٌ، وَرُوحٌ وَاحِدٌ: نحن نتمتّع بالوحدانيّة بفضل ما نشترك فيه. ففي يسوع، نحن مشتركون في جسد واحد وروح واحد ورجاء دعوتنا الواحد ورب واحد وإيمان واحد ومعمودية واحدة وآب واحد. وكل مجال من هذه المجالات المشتركة أعظم من أي اختلاف محتمل.
- مَعْمُودِيَّةٌ وَاحِدَةٌ: يعتقد البعض أنَّ بولس لَمَّا ذكر مَعْمُودِيَّة وَاحِدَة أبطل فكرة معمودية الروح القُدُس كاختبار لاحق. ولكنَّ بولس تكلم هنا عن معمودية الماء فقط، التي هي الرمز المرئي لعمل الله المشترك في كل مؤمن، وبالتالي أساس الوحدانيّة. فلا توجد معموديتان منفصلتنا، واحدة لليهود وأخرى للأُمم.
- يتناول متى ١١:٣ و أعمال الرسل ٥:١، ١٦:١١ بوضوح مفهوم معمودية الروح القُدُس. وقد تُعتَبر هذه خبرة أولية (وأحيانًا مثيرة جدًّا) يتمتّع فيها الشخص بملء الروح القُدُس، وهو ملء يريده الله أنْ يستمر طوال حياة المؤمن.
ثانيًا. عمل الله في تحقيق الوحدانيّة: بواسطة المواهب القيادة الروحيّة في الكنيسة
أ ) الآيات (٧-١٠): منح المواهب الروحيّة للكنيسة.
٧وَلكِنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا أُعْطِيَتِ النِّعْمَةُ حَسَبَ قِيَاسِ هِبَةِ الْمَسِيحِ. ٨لِذلِكَ يَقُولُ: «إِذْ صَعِدَ إِلَى الْعَلاَءِ سَبَى سَبْيًا وَأَعْطَى النَّاسَ عَطَايَا». ٩وَأَمَّا أَنَّهُ «صَعِدَ»، فَمَا هُوَ إِلاَّ إِنَّهُ نَزَلَ أَيْضًا أَوَّلاً إِلَى أَقْسَامِ الأَرْضِ السُّفْلَى. ١٠اَلَّذِي نَزَلَ هُوَ الَّذِي صَعِدَ أَيْضًا فَوْقَ جَمِيعِ السَّمَاوَاتِ، لِكَيْ يَمْلأَ الْكُلَّ.
- أُعْطِيَتِ ٱلنِّعْمَةُ: نحن جميعا ننال ٱلنِّعْمَة بالمقياس الذي يشاؤه المسيح (حَسَبَ قِيَاسِ هِبَةِ الْمَسِيحِ). وهذا هو الأساس لتوزيع الله للمواهب الروحيّة وسط كنيسته: ٱلنِّعْمَة، أي عطية الله المجانية غير المستحقّة. فلا أحد يستحقّ المواهب الروحيّة أو قادر على كسبها.
- إِذْ صَعِدَ إِلَى ٱلْعَلَاءِ: هذا العطاء حدث (كما هو موصوف نبويًّا في مزمور ١٨:٦٨) عندما صَعِدَ يسوع إلى السماء. وكان هذا دليلًا على انتصاره على كل عدو (سَبَى سَبْيًا).
- كتب بروس (Bruce) عن الصورة المستوحاة من مزمور ٦٨ التالي: “يمكن للإنسان أن يتصوّر قائدًا عسكريًا يعود إلى أورشليم على رأس أتباعه، بعد إيقاع الهزيمة بجيش الأعداء وأخذ العديد من الأسرى.”
- كما قال يسوع: «إِنَّهُ خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِقَ، لِأَنَّهُ إِنْ لَمْ أَنْطَلِقْ لَا يَأْتِيكُمُ ٱلْمُعَزِّي، وَلَكِنْ إِنْ ذَهَبْتُ أُرْسِلُهُ إِلَيْكُمْ» (يوحنا ٧:١٦).
- إِذْ صَعِدَ إِلَى ٱلْعَلَاءِ سَبَى سَبْيًا وَأَعْطَى ٱلنَّاسَ عَطَايَا: لم يقتبس بولس المقطع كما جاء في مزمور ٦٨. إما أنَّه غيّره بإلهام الروح القُدُس أو تأثّر بإحدى الترجمات القديمة (وتسمى الترجوم) التي تقتبس المزمور بهذه الطريقة.
- يقول مزمور ١٨:٦٨ «صَعِدْتَ إِلَى ٱلْعَلَاءِ. سَبَيْتَ سَبْيًا. قَبِلْتَ عَطَايَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ.» فهناك بالتأكيد مساحة كافية في اللغة العبرية الأصليّة تسمح بقراءة بولس، رغم أنَّها غير عادية.
- “يكفي بالنسبة إليّ أنَّ الرسول، بإلهام من الله، طبّق الآية بهذه الطريقة. فبصرف النظر عمّا قصده داود، وبصرف النظر عن أي حدث وصفه، فإننا نرى بوضوح أنَّ المعنى الذي يستخدمه الرسول هو معنى روح الله.” كلارك (Clark)
- وَأَمَّا أَنَّهُ «صَعِدَ»، فَمَا هُوَ: بيّن بولس بهذه الكلمات أنَّ كلمة صَعِدَ في مزمور ١٨:٦٨ تشير إلى قيامة يسوع، وتتحدّث أوّلًا عن قيامته من أَقْسَامِ ٱلْأَرْضِ ٱلسُّفْلَى، وثانيًا عن صعوده فَوْقَ جَمِيعِ ٱلسَّمَاوَاتِ.
- يعتقد البعض أنَّ عبارة ’أَقْسَامِ ٱلْأَرْضِ ٱلسُّفْلَى‘ تشير إلى كرازة يسوع للأرواح في السجن الموصوفة في بطرس الأولى ١٩:٣ ٦:٤. ورغم صحّة هذا الجانب من خدمة يسوع في الهاوية بعد عمله على الصليب (كما تنبأ إشعياء ١:٦١-٢ و لوقا ١٨:٤)، لم يُشِر بولس هنا إلى ذلك بالضرورة.
ب) الآيات (١١-١٢): مناصب القيادة الروحيّة في الكنيسة والقصد منها.
١١وَهُوَ أَعْطَى الْبَعْضَ أَنْ يَكُونُوا رُسُلاً، وَالْبَعْضَ أَنْبِيَاءَ، وَالْبَعْضَ مُبَشِّرِينَ، وَالْبَعْضَ رُعَاةً وَمُعَلِّمِينَ، ١٢لأَجْلِ تَكْمِيلِ الْقِدِّيسِينَ لِعَمَلِ الْخِدْمَةِ، لِبُنْيَانِ جَسَدِ الْمَسِيحِ.
- وَهُوَ: المقصود أنَّ يسوع أسّس هذه المناصب. وهي من عمل يسوع وتعيينه، لا من البشر. ورغم أنَّ المُدَّعين قد يطالبون بها، إلاَّ أنَّ المناصب نفسها مؤسَّسة إلهيّة وليست اختراعًا بشريًّا.
- أَعْطَى ٱلْبَعْضَ أَنْ يَكُونُوا رُسُلًا، وَٱلْبَعْضَ أَنْبِيَاءَ، وَٱلْبَعْضَ مُبَشِّرِينَ، وَٱلْبَعْضَ رُعَاةً وَمُعَلِّمِينَ: وصف بولس أربعة مناصب (وليس خمسة، كما هو الحال فيما يُدعى خطأً بـ ’الخدمة الخماسيّة‘ الشائعة الآن).
- رُسُل، هم سفراء خصوصيّون يقومون بعمل الله، ولكن ليس بنفس المعنى السلطويّ لرسل القرن الأوَّل. فقد استُخدِم هؤلاء الرسل في القرن الأول لتوفير الأساس (المحفوظ في العهد الجديد) كما هو واضح في أفسس ٢٠:٢.
- أَنْبِيَاء، الذين يتكلمون بكلام من الله في توافق تامّ مع أساس العهدين القديم والجديد. إنَّهم يتحدّثون في بعض الأحيان بالمعنى النبوي، لكنهم ليس بالضرورة كذلك، وهم دائمًا يخضعون لتمييز وحكم قيادة الكنيسة (كورنثوس الأولى ٢٩:١٤). وكما هو الحال مع الرسل، لا يتكلم الأنبياء المعاصرون بنفس السلطة التي نطق بها أنبياء القرن الأول بكلمة الله الأساسيّة (أفسس ٢٠:٢).
- مُبَشِّرونَ، موهوبون بطريقة محدَّدة للتبشير ببشرى الخلاص بيسوع المسيح.
- الرعاة والمعلّمون (أو المعلّمون الرعاة؛ يصف الأصل اليونانيّ بوضوح منصبًا واحدًا له لقبان وصفيان)، وهم من يرعون رعيّة الله أساسًا (وإن لم يكن حصريًا) بواسطة تعليم كلمة الله. “التعليم جزء أساسيّ من الخدمة الرعوية. لذلك من المناسب ضم المصطلحين، الرعاة والمعلّمين، للدلالة على رتبة خدميّة واحدة.” بروس (Bruce)
- هذه المواهب تُعطَى بحسب مشيئة يسوع وتعمل بواسطة الروح القُدُس (كورنثوس الأولى ١١:١٢). فأهمّيّة ’عمل جميع المناصب الأربعة معًا‘ في أي هيئة كنسية تتوقّف على يسوع الذي يعيّن المناصب. ومهمة قيادة الكنيسة المسؤولة عدم عرقلة أو منع مثل هذه الخدمة، مهمتها ليس أن تخلق هذه الخدمات.
- لِأَجْلِ تَكْمِيلِ ٱلْقِدِّيسِينَ: القصد من هذه المواهب القيادية واضح أيضًا. وهو أن يكون ٱلْقِدِّيسِينَ (شعب الله) مجهَّزين لِعَمَلِ ٱلْخِدْمَةِ، بحيث يتم بناء (توسيع وتقوية) جَسَدِ ٱلْمَسِيحِ.
- تحمل كلمة تَكْمِيلِ [أي تجهيز] أيضًا فكرة ’تصحيح.‘ فقد استُخدِمت هذه الكلمة اليونانيّة القديمة لوصف جبر العظام المكسورة أو إصلاح الشباك. فتعمل هذه الخدمات معًا لإنتاج مؤمنين أقوياء وصحيين روحيًا.
- شعب الله يقوم بـعَمَلِ ٱلْخِدْمَةِ الحقيقيّ. ويتحمّل القادة في الكنيسة المسؤوليّة الأولى عن طريق تجهيز الشعب للخدمة وتوجيه خدمتهم حسب قيادة الله.
- “إن القصد الأساسيّ للكنيسة ليس هداية الخطاة إلى المسيحيّة، ولكن إكمال (إنضاج) القِدّيسين للخدمة وبنيان الجسد.” سميث (Smith)
ج) الآيات (١٣-١٦): الهدف المنشود من عمل الله من خلال قيادة الكنيسة والقِدّيسين المجهَّزين.
١٣إِلَى أَنْ نَنْتَهِيَ جَمِيعُنَا إِلَى وَحْدَانِيَّةِ الإِيمَانِ وَمَعْرِفَةِ ابْنِ اللهِ. إِلَى إِنْسَانٍ كَامِل. إِلَى قِيَاسِ قَامَةِ مِلْءِ الْمَسِيحِ. ١٤كَيْ لاَ نَكُونَ فِي مَا بَعْدُ أَطْفَالاً مُضْطَرِبِينَ وَمَحْمُولِينَ بِكُلِّ رِيحِ تَعْلِيمٍ، بِحِيلَةِ النَّاسِ، بِمَكْرٍ إِلَى مَكِيدَةِ الضَّلاَلِ. ١٥بَلْ صَادِقِينَ فِي الْمَحَبَّةِ، نَنْمُو فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَى ذَاكَ الَّذِي هُوَ الرَّأْسُ: الْمَسِيحُ، ١٦الَّذِي مِنْهُ كُلُّ الْجَسَدِ مُرَكَّبًا مَعًا، وَمُقْتَرِنًا بِمُؤَازَرَةِ كُلِّ مَفْصِل، حَسَبَ عَمَل، عَلَى قِيَاسِ كُلِّ جُزْءٍ، يُحَصِّلُ نُمُوَّ الْجَسَدِ لِبُنْيَانِهِ فِي الْمَحَبَّةِ.
- إِلَى أَنْ نَنْتَهِيَ جَمِيعُنَا إِلَى وَحْدَانِيَّةِ ٱلْإِيمَانِ: هذا هو الهدف الأوَّل من عمل الله بواسطة المناصب المعطاة والقِدّيسين المجهَّزين. وهذا يتفق مع كلٍّ من قصد الله النهائيّ (أفسس ١٠:١) وسرّ الله المُعلَن عن طريق بولس (أفسس ٦:٣).
- مرَّة أخرى، بواسطة التصريح بوضوح بأن هذه وَحْدَانِيَّة إِيمَانِ، لم يأمر بولس بوحدة هيكلية أو تنظيمية، بل بوحدة روحيّة تدور حول الإيمان المشترك.
- وَمَعْرِفَةِ ٱبْنِ ٱللهِ: عندما تعمل المناصب المعطاة بصورة صحيحة ويكون القِدّيسون مجهّزين بصورة صحيحة، يزداد النضج المسيحيّ وتنمو العلاقة الحميمية مع الله.
- إِلَى إِنْسَانٍ كَامِلٍ. إِلَى قِيَاسِ قَامَةِ مِلْءِ ٱلْمَسِيحِ: المناصب المعطاة والقِدّيسون المجهّزون يساعدون القِدّيسين على النضج، وفقًا لـقِيَاسِ يسوع نفسه. فبمرور السنين، لا ينبغي لنا أن نشيخ في يسوع فحسب، بل ننضج فيه أيضًا، كأفراد وكجسد.
- كَيْ لَا نَكُونَ فِي مَا بَعْدُ أَطْفَالًا مُضْطَرِبِينَ وَمَحْمُولِينَ بِكُلِّ رِيحِ تَعْلِيمٍ: تؤدّي المناصب المُعطاة والقِدّيسون المجهّزون إلى الاستقرار، حيث يترسّخون بقوّة على أساس الرسل والأنبياء (أفسس ٢٠:٢).
- أولئك الذين لا ينضجون بهذه الطريقة هم أهداف للمحتالين، الذين يزداد تأثيرهم على وجه التحديد لأنهم يعملون بِحِيلَة ومَكْرٍ ليدبّروا مَكِيدَةِ ٱلضَّلَالِ (يكمنون للإيقاع بالسذَّج). وهم مثل ألغام أرضية يستطيع الناضجون تفاديها.
- الكلمة اليونانيّة القديمة مُضْطَرِبِينَ هي نفس الكلمة المستخدمة لوصف بحر الجليل العاصف في لوقا ٢٤:٨ (تموُّج الماء). وقد نقدّر الحركة خطأ على أنَّها نمو؛ إلاَّ أنَّ الحركة فقط هي اضطراب هنا وهناك، أمَّا الله فيريدنا أن نَنْمُو فِي كُلِّ شَيْءٍ.
- بِحِيلَةِ ٱلنَّاسِ: “تشير الكلمات إلى الفنون المستخدمة من قبل المقامرين، الذين يستخدمون نردًا زائفًا من شأنه أن يُظهِر نفس الرقم دومًا، وهو رقم لا يساعد من يلعبون معهم على الفوز.” كلارك (Clarke). فالجري وراء البدع الروحيّة لا ينتج عنه سوى الخسارة دائمًا.
- صَادِقِينَ فِي ٱلْمَحَبَّةِ: ليس المقصود كيفيّة تعاملنا بعضنا مع البعض في عائلة الله فقط، ولكن كيفيّة تعامل القادة والقِدّيسين مع المحتالين أيضًا. إذ يجب أن نعاملهم فِي ٱلْمَحَبَّةِ، دون أنْ نتزحزح عن الصدق.
- نَنْمُو فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَى ذَاكَ ٱلَّذِي هُوَ ٱلرَّأْسُ: طريقة أخرى لوصف النضج هي بأن ننمو في يسوع، أي الرأس. وهذا يحدّد اتجاه النضج مرَّة أخرى. فنحن لا ننمو ’مستقلّين‘ عن يسوع، بل ننمو فيه.
- “الكنيسة المتّحدة في حدّ ذاتها فقط، ولكنها ليست متّحدة مع المسيح، ليست كنيسة حيّة على الإطلاق. وقد تحصل على وحدة الأرض المتجمدة بسبب الصقيع التي يتّحد فيها الرجال والنساء بالأرستقراطية الجامدة، ولكنها ليست وحدة الحياة.” سبيرجن (Spurgeon)
- كتب آدم كلارك (Adam Clark) عن الآية ’نَنْمُو… إِلَى ذَاكَ‘ ما يلي: “هذا استمرار للاستعارة المستوحاة من أعضاء جسم الإنسان التي تتلقّى التغذية على قدم المساواة فتنمو، كلٌّ بما يتناسب مع باقي الأجزاء الأخرى، ومع الجسم بشكل عام.”
- حَسَبَ عَمَلٍ، عَلَى قِيَاسِ كُلِّ جُزْءٍ (أي: وَفْقاً لِمِقْدَارِ الْعَمَلِ الْمُخَصَّصِ لِكُلِّ جُزْءٍ): إنَّ دليل النضج – أي أنَّ القادة والقِدّيسين يقومون جميعهم بعملهم – هو هذا الـعَمَل الفعّال. والمقصود أنَّ كل جزء ومفصل يوفّر ما يقدر عليه في جهد منسَّق. وعندما يحدث هذا، فإنه يؤدّي بطبيعة الحال إلى نُمُوّ ٱلْجَسَدِ (في الحجم والقوّة على السواء)، ولكن خصوصًا النمو لبنيان نفسه فِي ٱلْمَحَبَّةِ.
- بعض الناس يعتقدون أنَّ الكنيسة هرم، يتربّع القس على قمته. وينظر آخرون إلى الكنيسة باعتبارها حافلة يقودها القس، فيأخذ ركابه السلبيين إلى حيث يجب عليهم الذهاب. أمَّا الله فيريد منا أن نرى الكنيسة كجسد، حيث يقوم كل جزء بـالْعَمَلِ الْمُخَصَّصِ له.
ثالثًا. خلع الإنسان العتيق، وارتداء الإنسان الجديد
أ ) الآيات (١٧-١٩): شخصيّة الإنسان العتيق.
١٧فَأَقُولُ هذَا وَأَشْهَدُ فِي الرَّبِّ: أَنْ لاَ تَسْلُكُوا فِي مَا بَعْدُ كَمَا يَسْلُكُ سَائِرُ الأُمَمِ أَيْضًا بِبُطْلِ ذِهْنِهِمْ، ١٨إِذْ هُمْ مُظْلِمُو الْفِكْرِ، وَمُتَجَنِّبُونَ عَنْ حَيَاةِ اللهِ لِسَبَبِ الْجَهْلِ الَّذِي فِيهِمْ بِسَبَبِ غِلاَظَةِ قُلُوبِهِمْ. ١٩اَلَّذِينَ إِذْ هُمْ قَدْ فَقَدُوا الْحِسَّ أَسْلَمُوا نُفُوسَهُمْ لِلدَّعَارَةِ لِيَعْمَلُوا كُلَّ نَجَاسَةٍ فِي الطَّمَعِ.
- فَأَقُولُ: حرف (الفاء) لا يربط بين الامتيازات الروحيّة المجيدة الواردة في أفسس ١ إلى ٣ فقط، ولكن أيضًا بالدعوة العليا إلى جسد موحَّد وناضج كما جاء في أفسس ١:٤-٦. وبسبب هذه الدعوة العليا، يجب أن نسلك (نعيش) بطريقة مختلفة عن العالم الذي حولنا.
- هناك ميل مستمر بين المؤمنين أنْ يبيّنوا للعالم أنهم ليسوا مختلفين عنه حقًّا. وعادة ما يكون ذلك محاولة مضللة لكسب ’احترام‘ العالم أو موافقته. ولكن يجب مقاومة هذا بأي ثمن، لأنَّ الهدف في حدّ ذاته غير مرغوب فيه وغير قابل للتحقيق.
- يمكن تفسير هذا التنازل بمحادثة بين لاهوتي ليبرالي وأستاذ مسيحي. قال الليبرالي: ’سأدعوك عالِمًا إذا دعوتني مسيحيًّا.‘ هذا تبادل غير مفيد.
- أَنْ لَا تَسْلُكُوا فِي مَا بَعْدُ كَمَا يَسْلُكُ سَائِرُ ٱلْأُمَمِ أَيْضًا: يتّسم سلوك الأُمَم بـبُطْلِ ذِهْنِهِمْ. فذهنهم في النهاية عديم الجدوى لأنَّه مظلم – ولأنهم مُتَجَنِّبُونَ (مبتعدون) عَنْ حَيَاةِ ٱللهِ.
- هذا لا يعني أنَّ الإنسان، في تمرده على الله، عاجز عن الإنجازات الفكرية العظيمة. وبدلًا من ذلك، نقول إنَّ كل هذه الإنجازات تقصر عن الحكمة الحقيقيّة، لأنَّ مخافة الربّ هي بداية الحكمة (أمثال ١٠:٩).
- بُطْل: “ليست الفكرة أنَّ العقول غير المجدَّدة فارغة. بل هي مليئة بالباطل الذي لا يؤدّي إلى شيء.” فون (Vaughan)
- نحن المؤمنين نملك طريقة ومكانًا مناسبًا للسلوك. ويبدو كما لو أنَّ يسوع قد حوّلنا ووضعنا في الاتجاه الصحيح، والآن علينا أن نسلك ونتقدّم في هذا الاتجاه.
- بِسَبَبِ غِلَاظَةِ قُلُوبِهِمْ: إنَّ جَهْل الإنسان وعدم فهمه هو في الأساس مشكلة في القلب. وهو لا يظهر في إنكار الله بغباء فقط، ولكن في إخفاقات الإنسان الأخلاقيّة أيضًا (الدَّعَارَةِ والـنَجَاسَة وٱلطَّمَع).
- ٱلْأُمَم الذين يتحدّث بولس عنهم إمّا كانوا ملحدين أو يؤمنون بآلهة كانت هي نفسها عديمة الأخلاق. لذلك فبإنكارهم لله الحقيقيّ، أنكروا أي معيار أخلاقيّ يجب عليهم الالتزام به.
- تحمل عبارة فَقَدُوا ٱلْحِسَّ فكرة أنَّ بشرة الإنسان تقسّت ولم تعد حساسة للألم. وهذه هي النتيجة المنطقية لـغِلَاظَةِ قُلُوبِهِمْ. والـغِلَاظَة هي تصلّب، حيث كانت هذه الكلمة اليونانيّة القديمة “تُستخدَم طبيًا للدلالة على الخشونة المتشكلة عند كسر عظم وإعادة تجبيره. فمثل هذه الخشونة تكون أغلظ من العظم نفسه.” وود (Wood)
- الدَّعَارَةِ خطيّة تتباهى بنفسها، فتتخلص من كل ضبط للنفس ولا تشعر بالخجل أو الخوف؛ أمَّا الـنَجَاسَة فهي كلمة واسعة، تدلّ في الغالب على الانحلال الجنسيّ.
- باركلي (Barclay) بخصوص الكلمة اليونانيّة أسيلغيا (aselgeia) المُترجمة بـالدَّعَارَةِ: ’السمة المميّزة للأسيلغيا هي أنَّ الإنسان الرديء يحاول عادةً إخفاء خطيته؛ لكن الذي يعاني من الأسيلغيا في روحه لا تهمّه الصدمة التي يتلقّاها الرأي العام طالما أنَّه يشبع رغباته.”
ب) الآيات (٢٠-٢٤): ارتداء الإنسان الجديد.
٢٠وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَمْ تَتَعَلَّمُوا الْمَسِيحَ هكَذَا، ٢١إِنْ كُنْتُمْ قَدْ سَمِعْتُمُوهُ وَعُلِّمْتُمْ فِيهِ كَمَا هُوَ حَقٌّ فِي يَسُوعَ، ٢٢أَنْ تَخْلَعُوا مِنْ جِهَةِ التَّصَرُّفِ السَّابِقِ الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ الْفَاسِدَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ الْغُرُورِ، ٢٣وَتَتَجَدَّدُوا بِرُوحِ ذِهْنِكُمْ، ٢٤وَتَلْبَسُوا الإِنْسَانَ الْجَدِيدَ الْمَخْلُوقَ بِحَسَبِ اللهِ فِي الْبِرِّ وَقَدَاسَةِ الْحَقِّ.
- تَخْلَعُوا… ٱلْإِنْسَانَ ٱلْعَتِيقَ… وَتَلْبَسُوا ٱلْإِنْسَانَ ٱلْجَدِيدَ: يحمل هذا نفس فكرة خلع أو ارتداء مجموعة من الملابس. والفكرة هي ’تبديل‘ ٱلتَّصَرُّفِ بآخر مختلف عنه.
- فكّر في سجين أُفرِج عنه من السجن، لكنَّه لا يزال يرتدي ملابس السجن ويتصرّف كأنه سجين وليس كإنسان حرّ. أوَّل شيء تقوله لهذا الشخص هو أنَّه يجب عليه ارتداء ملابس جديدة.
- وكما أنَّ ارتداء ملابس مختلفة يغيّر طريقة تفكيرك ورؤيتك لنفسك، هكذا يكون ارتداء تصرّف مختلف إذ أنه يبدأ في تغيير مواقفك الداخلية. والمقصود أنَّه يجب علينا ألَّا ننتظر لنشعر بأننا إنسان جديد قبل أن نلبس ٱلْإِنْسَانَ ٱلْجَدِيدَ.
- يقول بولس ما معناه أنَّ المؤمن يجب عليه إلقاء الماضي وراءه. فيسوع لا يضاف إلى حياتنا القديمة؛ إنَّما تموت الحياة القديمة ويصبح هو حياتنا الجديدة.
- لَمْ تَتَعَلَّمُوا ٱلْمَسِيحَ هَكَذَا: إنَّ تكرار هذه الفكرة يدلّ على أنَّ ارتداء الإنسان الجديد ينطوي على جانب قوي من التعلّم والتعليم. إِنْ كُنْتُمْ قَدْ سَمِعْتُمُوهُ وَعُلِّمْتُمْ فِيهِ كَمَا هُوَ حَقٌّ فِي يَسُوعَ… وَتَتَجَدَّدُوا بِرُوحِ ذِهْنِكُمْ.
- يجب أن تتجاوز حياتنا المسيحيّة المعرفة العقلية، ولكنها يجب – دون شكّ – أن تشمل المعرفة العقلية، فتؤثّر هذه على طريقة تفكيرنا بالكامل. وهذا ليس بمعنى معرفة الحقائق فقط، ولكن القدرة على تثبيت أذهاننا على الأمور الصحيحة. وهذا أمر جوهريّ للحياة المسيحيّة إلى درجة أنَّه يمكن وصف النمو المسيحيّ بأنه تجديد للذهن (رومية ٢:١٢).
- قد تَعَلَّم أهل أفسس ٱلْمَسِيحَ. فهم لم يسمعوا بيسوع فقط، ولكن تعلموه أيضًا. المقصود أنَّ معرفة يسوع الدائمة والحيوية تمنعنا من هذا السلوك الخاطئ الذي يتحدّث عنه بولس. فمُجرَّد معرفة يسوع لا تكفي لإبقائنا طاهرين.
- “لذلك، إن كنت تريد أن تعرف الربّ يسوع المسيح، يجب أن تعيش معه. أوّلًا، يجب عليه أن يتحدّث هو إليك، وبعد ذلك يجب عليك الثبات فيه. ويجب أن يكون رفيقك المختار في ساعات الصباح، وصاحبك طوال النهار، ومعه تنهي ليلتك أيضًا. وعندما تستيقظ في الليل، عليك أن تقول: «اسْتَيْقَظْت وَأَنَا بَعْدُ مَعَكَ».” سبيرجن (Spurgeon)
- وَتَلْبَسُوا ٱلْإِنْسَانَ ٱلْجَدِيدَ ٱلْمَخْلُوقَ بِحَسَبِ ٱللهِ فِي ٱلْبِرِّ وَقَدَاسَةِ ٱلْحَقِّ: الإنسان الجديد هو الخليقة الجديدة (كورنثوس الثانية ١٧:٥) المخلوقة فينا عندما آمنا. إنَّه الشخص المخلوق وفقًا لصورة يسوع المسيح وهو بالسليقة بارّ ومقدَّس. وهو على النقيض من الإنسان العتيق الموروث من آدم والذي يتمرّد على الله بالسليقة.
ج) الآيات (٢٥-٣٢): تصرُّفات الإنسان الجديد.
٢٥لِذلِكَ اطْرَحُوا عَنْكُمُ الْكَذِبَ، وَتَكَلَّمُوا بِالصِّدْقِ كُلُّ وَاحِدٍ مَعَ قَرِيبِهِ، لأَنَّنَا بَعْضَنَا أَعْضَاءُ الْبَعْضِ. ٢٦اِغْضَبُوا وَلاَ تُخْطِئُوا. لاَ تَغْرُبِ الشَّمْسُ عَلَى غَيْظِكُمْ، ٢٧وَلاَ تُعْطُوا إِبْلِيسَ مَكَانًا. ٢٨لاَ يَسْرِقِ السَّارِقُ فِي مَا بَعْدُ، بَلْ بِالْحَرِيِّ يَتْعَبُ عَامِلاً الصَّالِحَ بِيَدَيْهِ، لِيَكُونَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ مَنْ لَهُ احْتِيَاجٌ. ٢٩لاَ تَخْرُجْ كَلِمَةٌ رَدِيَّةٌ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ، بَلْ كُلُّ مَا كَانَ صَالِحًا لِلْبُنْيَانِ، حَسَبَ الْحَاجَةِ، كَيْ يُعْطِيَ نِعْمَةً لِلسَّامِعِينَ. ٣٠وَلاَ تُحْزِنُوا رُوحَ اللهِ الْقُدُّوسَ الَّذِي بِهِ خُتِمْتُمْ لِيَوْمِ الْفِدَاءِ. ٣١لِيُرْفَعْ مِنْ بَيْنِكُمْ كُلُّ مَرَارَةٍ وَسَخَطٍ وَغَضَبٍ وَصِيَاحٍ وَتَجْدِيفٍ مَعَ كُلِّ خُبْثٍ. ٣٢وَكُونُوا لُطَفَاءَ بَعْضُكُمْ نَحْوَ بَعْضٍ، شَفُوقِينَ مُتَسَامِحِينَ كَمَا سَامَحَكُمُ اللهُ أَيْضًا فِي الْمَسِيحِ.
- لِذَلِكَ ٱطْرَحُوا عَنْكُمُ ٱلْكَذِبَ: الإنسان الجديد يقول الحقّ. والدافع وراء ذلك هو أننا بَعْضنَا أَعْضَاءُ ٱلْبَعْضِ، وبالتالي لا يوجد مكان للكذب.
- لا يمكن للجسم أن يعمل بصورة صحيحة إلَّا إذا أخبر نفسه بالحقيقة. فإذا لمستْ يدك شيئًا ساخنًا ولكنها أخبرت مخّك بأن الشيء بارد، فإنَّ يدك ستحترق بشدّة. لهذا السبب فإنَّ قول الحقّ مهمّ للغاية، لِأَنَّنَا بَعْضَنَا أَعْضَاءُ ٱلْبَعْضِ.
- اِغْضَبُوا وَلَا تُخْطِئُوا: قد يغضب الإنسان الجديد، لكنَّه لا يخطئ. فالإنسان الجديد يعرف كيف يتخلّى عن غضبه، وبالتالي لا يعطي إِبْلِيسَ فرصة.
- “المُقترَح هنا أننا نمنع تحول الغضب إلى خطيّة إذا وُضِعنا له حدّ زمنيّ صارم: «لَا تَغْرُبِ ٱلشَّمْسُ عَلَى غَيْظِكُمْ.»” بروس (Bruce)
- عمل الشيطان هو اتّهام أهل بيت الله وتقسيمهم وزرع الفتنة بينهم. فعندما نُضمِر الغيظ في قلوبنا، نقوم بعمل الشيطان بالنيابة عنه.
- لَا يَسْرِقِ ٱلسَّارِقُ فِي مَا بَعْدُ: الإنسان الجديد لَا يَسْرِقِ، لكنَّه يعمل بِيَدَيْهِ. وهو يفعل ذلك، ليس تلبيةً لاحتياجاته الخاصّة فقط، ولكن أيضًا لِيَكُونَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ مَنْ لَهُ ٱحْتِيَاجٌ.
- بَلْ بِٱلْحَرِيِّ يَتْعَبُ: المعنى الحرفيّ لـيَتْعَب هو ’أن يُجهِد نفسه إلى حدّ الإنهاك.‘ وهذا هو نوع القلب العامل الذي يأمر به الله أولئك الذين اعتادوا على السرقة. وفكرة بولس هي أننا يجب أن نعمل حتّى نتمكن من العطاء. فيتحوّل الغرض من الكسب إلى عطاء.
- لَا تَخْرُجْ كَلِمَةٌ رَدِيَّةٌ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ: فالإنسان الجديد يعرف كيف يراقب لسانه، ولا يتحدّث إلاَّ بـمَا كَانَ صَالِحًا لِلْبُنْيَانِ، ويرغب في أنْ يُعْطِي نِعْمَةً لجميع الذين يسمعونه.
- كَلِمَةٌ رَدِيَّةٌ: “ليس الكلام البذيء فقط، بل أيضًا النميمة وتشويه السمعة.” بروس (Bruce)
- وَلَا تُحْزِنُوا رُوحَ ٱللهِ ٱلْقُدُّوسَ: إنَّ الإنسان الجديد لا يُحزِن الروح القُدُس، علمًا بأنَّه هو خِتْمُنا، بمعنى هويتنا وحمايتنا.
- هناك العديد من الطرق لإحزان الروح القُدُس. مثلا إذا أهملنا القداسة أحزنّا الروح القُدُس. وإذا فكّرنا في الماديّات فقط أحزنّا الروح القُدُس. فالروح يمجّد يسوع (يوحنا ٢٦:١٥)؛ وإذا أخفقنا في تمجيد يسوع، سنحزن الروح القدس.
- “أعتقد أنني أرى روح الله حزينًا الآن، عندما تجلس لقراءة رواية بينما يظلّ كتابك المُقَدَّس غير مقروء… ثم تقول: ’ليس عندك وقت للصلاة‘ لكنَّ الروح يراك نشطًا جدًّا في الدنيويّات، وعندك عدة ساعات فائضة للاسترخاء والتسلية. إنه يحزن لأنَّه يرى أنك تحب الدنيويّات أكثر منه.” سبيرجن (Spurgeon)
- ليس حزن الروح القُدُس تافهًا ومفرط الحساسية في طبيعته. “إنه يحزن منا أساسًا لمصلحتنا، لأنَّه يعلم مقدار البؤس الذي ستكلّفه الخطيّة لنا. إنَّه يقرأ أحزاننا في خطايانا… ويحزن علينا لأنَّه يرى مقدار التأديب التي نجلبه على أنفسنا، ومقدار الشركة التي نخسرها.” سبيرجن (Spurgeon)
- لِيُرْفَعْ مِنْ بَيْنِكُمْ كُلُّ مَرَارَةٍ وَسَخَطٍ وَغَضَبٍ وَصِيَاحٍ وَتَجْدِيفٍ: فالإنسان الجديد يتحكّم في عواطفه (مَرَارَةٍ وَسَخَطٍ وَغَضَبٍ وما إلى ذلك). وعندما تظهر مثل هذه الأشياء، يقدر أنْ يتعامل معها بطريقة تمجّد لله.
- عرّف أرسطو الـمَرَارَة بأنها ’الروح المستاءة التي ترفض المصالحة.‘
- السَخَط هو الانفجار اللحظي. والغضب هو حالة مزاجية ثابتة. ينبغي رفع (أي إبعاد) كل منهما.
- وَكُونُوا لُطَفَاءَ بَعْضُكُمْ نَحْوَ بَعْضٍ، شَفُوقِينَ، مُتَسَامِحِينَ: يسعى الإنسان الجديد إلى معاملة الآخرين بنفس اللطف والشفقة والتسامُح الذي عامله الله به. فإذا عاملنا الآخرين كما يعاملنا الله، نتمّم كل ما أوصانا بولس أن نفعله في هذا الإصحاح.
- كَمَا سَامَحَكُمُ ٱللهُ أَيْضًا فِي ٱلْمَسِيحِ: إنَّ مسامحتنا للآخرين تستمدّ كيانها من مسامحة يسوع لنا. فمتى فكّرنا في الطريقة المذهلة التي يغفر لنا بها الله، أحسسنا بالخجل إذا منعنا الغفران عمَّن ظلمنا.
- الله يُمسِك غضبه إلى فترة طويلة حتّى يغفر. ويطيل أناته علينا طويلاً رغم أننا نغيظه بشدّة.
- الله يمدّ يده إلى الأشرار لجذبهم إلى نفسه، ويحاول مصالحتهم.
- الله يأخذ دائمًا الخطوة الأولى نحو الغفران، محاولًا المصالحة رغم أنَّ الطرف المذنب لا يهتم بالغفران.
- الله يغفر خطايانا مع علمه بأننا سوف نخطئ مرَّة أخرى، غالبًا بنفس الطريقة تمامًا.
- غفران الله كامل ومجيد إلى درجة أنَّه منح التبنّي لمن سبق وأساؤوا إليه.
- الله، في غفرانه، تحمّل كل عقوبة الذنب الذي اقترفناه ضدّه. فرغم براءته تحمّل الذنب.
- الله يستمر في بسط يده إلى الإنسان من أجل المصالحة حتّى عندما يرفضه الإنسان مرارًا وتكرارًا.
- الله لا يحتاج إلى فترة اختبار كي نحصل على غفرانه.
- غفران الله يوفّر إصلاحًا وكرامة كاملين. فهو يحب، ويتبنّى، ويُكرِم، ويعاشر أولئك الذين سبق وأساؤوا إليه.
- الله يضع ثقته فينا ويدعونا إلى العمل معه كشركاء في العمل عندما يغفر لنا.
- تقول ترجمة الملك جيمس الأقدم هنا: كَمَا سَامَحَكُمُ ٱللهُ أَيْضًا مِنْ أَجْلِ ٱلْمَسِيحِ. وهذا يضمن لنا الغفران، لأنه من أجل المسيح. “لقد غفر الله لك من أجل المسيح. استوعِب هذه الحقيقة الكبرى وتمسّك بها، حتّى وإن هاج عليك كل شياطين الجحيم. أطبق عليها كما بيد من حديد. أمسِكها كما تُمسِك بالحياة: «لقد سامحني الله من أجل المسيح» – ليقل كل واحد منا ذلك. فلن نشعر بالحلاوة الإلهيّة وقوّة النص إلَّا إذا طبّقناه علينا شخصيًّا بالروح القُدُس.” سبيرجن (Spurgeon)
- “إذا وجد أي شخص مؤمن صعوبة هنا في الغفران، فسأقدّم له ثلاث كلمات تساعده مساعدة رائعة. قد سبق وقلتها ولكني أكـرّرها الآن مرة أخرى، مصلّيًا أنْ تشعروا بحلاوتها: «من أجل المسيح.» ألَا تستطيع أن تغفر للمسيء على هذه الأساس؟”سبيرجن (Spurgeon)
- نحن لا ينبغي أنْ نسامح لأنَّ يسوع سوف يسامحنا. بل نسامح لأنَّه سامحنا. “المُشار إليه هنا هي الحقيقة التاريخية المتمثّلة في محو المسيح الخطيّة مرَّة وإلى الأبد بتضحيته بنفسه.” موول (Moule)