تفسير عبرانيين – الإصحاح ١
المخلص الأعظم
أولاً. يسوع، المخلص الأعظم
أ ) الآيات (١-٢أ): جاء يسوع بإعلان أعظم وأسمى من إعلانات أنبياء العهد القديم.
١اَللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيمًا، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُق كَثِيرَةٍ، ٢كَلَّمَنَا فِي هذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ…
- اَللهُ: تبدأ رسالة العبرانيين دون إشارة لاسم الكاتب، لكنها تبدأ باسم اَللهُ فقط. ورغم أن الكاتب البشري لهذه الرسالة لا زال مجهولاً، لكن الوحي الإلهي بالروح القدس في هذه الرسالة واضح جداً.
- الإشارة الأقدم التي نجدها عن كاتب رسالة العبرانيين كانت من إكليمندس الإسكندري الذي ذكر أن بولس كتب هذه الرسالة باللغة العبرية وترجمها لوقا إلى اليونانية (مدونة التاريخ ٦.١٤.٢، يوسابيوس القيصري). ويميل معظم معلمي وشرّاح الكتاب المقدس أيضاً إلى الاعتقاد بأن بولس كتب الرسالة دون ذكر اسمه مفترضاً أن قارئي الرسالة كانوا يعرفونه، وهذا ما يمكننا ملاحظته في بعض الأجزاء مثل عبرانيين ١٨:١٣-١٩ و٢٣:١٣-٢٤.
- رغم هذا، مفسرون كثيرون أيضاً يستبعدون كتابة بولس لهذه الرسالة. وقد قال دودز (Dods) مقتبساً من فيرار (Farrar): “يقتبس الكاتب بطريقة مختلفة عن طريقة بولس ويكتب بأسلوب مختلف عن أسلوب بولس، ويبني حججه واستنتاجاته وفقرات نصوصه بطريقة مختلفة أيضاً. فأسلوب الكاتب أسلوب شخص يفكر ويكتب باليونانية، أما بولس فكان يكتب باليونانية ويفكر بالسريانية.”
- وينقل بروس (F.F. Bruce) لنا رأي كالفن (Calvin) في هذه النقطة قائلاً: “إن أسلوب الكتابة والتعليم في الرسالة بيبيّن بشكل كافٍ أن بولس ليس هو الكاتب، كما أن الكاتب نفسه يعترف في الأصحاح الثاني (عبرانيين ٣:٢) أنه كان أحد تلاميذ الرسل، وهو ما يخالف تماماً الطريقة التي كان بولس يتكلم بها عن نفسه.”
- أما المفسر ترتليانوس (Tertullian) الذي عاش في القرن الثالث فقد ذكر أن برنابا هو من كتب رسالة العبرانيين، لكنه لم يقدم دليلاً يؤيد ادعاءه عدا عن أن برنابا كان من سبط لاوي وكان ممن يشجعون ويدعمون الرسل (أعمال الرسل ٣٦:٤).
- أما مارتن لوثر (Martin Luther) فكان يعتقد أن أبُلوس هو من كتب رسالة العبرانيين لأن سفر أعمال الرسل يخبرنا أن أبولوس كان فصيحاً مقتدراً في أسفار العهد القديم (أعمال الرسل ٢٤:١٨).
- أما أدولف هارناك (Adolf Harnack) فكان يعتقد أن أن بريسكلا (مع زوجها أكيلا) قد كتبت رسالة العبرانيين وأبقت هويتها مجهولة كونها امرأة. لكننا نرى أن الكاتب يشير إلى نفسه بضمير المذكر في عبرانيين ٣٢:١١ مما يدحض فكرة أن امرأة كتبت الرسالة.
- بغض النظر عن هوية كاتب رسالة العبرانيين، فهناك مؤشرات على أن الرسالة قد كتبت في وقت مبكر من فترة العهد الجديد نحو عام ٦٧ إلى ٦٩ بعد الميلاد. فالإشارة إلى تيموثاوس في عبرانيين ٢٣:١٣ تؤيد هذه الفكرة. ويدعم هذا أيضاً عدم الإشارة إلى أي نوع من الاضطهاد (عبرانيين ٤:١٢). وأخيراً ، فإن عدم وجود أي إشارة إلى تدمير الهيكل يؤكد كتابة الرسالة قبل عام ٧٠ بعد الميلاد عندما تم تدمير الهيكل وأورشليم. وبما أن كاتب العبرانيين شدد على انقضاء فروض العهد القديم فسيكون من غير المحتمل أن يتجاهل أمراً كتدمير الهيكل إن كان هذا قد حدث بالفعل قبل كتابة الرسالة.
- اَللهُ: هكذا تبدأ الرسالة، دون أي محاولة لإثبات وجود الله، فالكتاب يفترض أننا نؤمن بوجود الله ونعلم بعض صفاته مما نستخلصه من الطبيعة حولنا (مزمور ١:١٩-٤ ورومية ٢٠:١). فالكاتب إذاً يؤكد أن الله موجود بالفعل وأنه سبق وتكلم إلى البشر.
- “ليس علينا أن نفسّر الألوهية لكن علينا أن نحترمها ونجلّها وأن نقبل حقيقة إعلان المسيح، الله الابن، بالإيمان رغم صعوبة فهمها منطقياً.” سبيرجن (Spurgeon).
- بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيمًا، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُق كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا: الإعلان الذي قدمه الله للبشر في السابق عن طريق الأنبياء وصلنا بِأَنْوَاعٍ وَطُرُق كَثِيرَةٍ، فأحياناً كان الإعلان من خلال الأمثال أو السرد التاريخي أو الإعلانات النبوية أو الظهورات الإلهية أو المزامير أو سفر الأمثال وغيره.
- تكلم الله بأساليب مختلفة في العهد القديم.
- لكن الفكرة المهمة هنا هي أن الأَنْبِيَاءِ كلموا الآبَاءَ بطرق كثيرة، وليس أن الله كلم الأنبياء بطرق مختلفة، رغم أن هذا صحيح أيضاً.
- إن استخدمنا طيف الضوء كوسيلة إيضاح هنا، فيمكننا أن نقول إن الله تكلم بكل ألوان الطيف في العهد القديم، لكن المسيح كان ’المنشور‘ الذي جمع كل أطياف الضوء وركزها في شعاع واحد.
- هذا الاستشهاد بالعهد القديم سيتكرر كثيراً في رسالة العبرانيين، التي تستند كثيراً إلى نصوص العهد القديم. ففي الرسالة ٢٩ استشهاداً و ٥٣ إشارة للعهد القديم، ليصبح المجموع ٨٢ مرجعاً. ومن الجدير بالذكر أنه ليس هناك إشارة واحدة إلى أي من أسفار الأبوكريفا.
- فِي هذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ: هذا إشارة إلى زمن المسيا، التي قد تكون فترة طويلة لكنها الفترة الأَخِيرَةِ.
- كَلَّمَنَا: هذه هي الإشارة الأولى للقراء الذي لا تحدد هويتهم، لكن سياق النص يدلنا على أن النص المكتوب عبارة عن رسالة أو عظة أو مقالة كتبت للمؤمنين من أصل يهودي في القرن الأول الميلادي.
- تختلف رسالة العبرانيين عن أسفار العهد الجديد الأخرى. فهي تبدأ كمقال، ثم تتحول إلى عظة، وتنتهي كرسالة.
- من الواضح أن رسالة العبرانيين كتبت لمؤمنين من خلفية يهودية، لكنها كتبت أيضاً بمنطق يوناني يتناول ويحلل يسوع المسيح كحقيقة مطلقة. وهذا التحليل يبدو أن غرضه كان وصف طبيعة يسوع المخلص لعقول الفلاسفة اليونانيين.
- رسالة العبرانيين في الأساس رسالة تحاول تشجيع المؤمنين المحبطين على الاستمرار بقوة في مسيرتهم مع يسوع من خلال تفسير سمو طبيعته وشخصه وما فعله من أجلنا.
- كَلَّمَنَا فِي ابْنِهِ: إذاً ليس الحال أن يسوع قد أتى لنا برسالة من الآب، لكنه هو ذاته رسالة الآب. فالحقيقة هي أن يسوع أعظم جداً من مجرد أن يكون أفضل الأنبياء أو آخرهم. فقد كشف في ذاته ما لم يمكن لنبي آخر أن يكشفه.
- إعلان يسوع كان إعلاناً فريداً لأنه لم يكن عبارة عن كلام الله الموحى به إلى كاتب أو نبي، لكن شخص الله ذاته كان يحمل الرسالة. فشخصية بولس أو بطرس أو يوحنا واضحة في كتاباتهم، لكن في إعلان يسوع المسيح نرى شخصية الله ذاته.
- رسالة العبرانيين (في معظمها) لا تقدم لنا يسوع متحدثاً عن نفسه. إذ تشعر أن الابن صامت في رسالة العبرانيين بينما الآب يتحدث لنا عن حقيقة الابن. “إن لم يستطع البشر أن يتعلموا عن الله من الابن، فلن يقنعهم أي من الأنبياء.” غوثري (Guthrie)
ب) الآيات (٢ب-٣): وصف سباعي الأوجه للابن صاحب المجد.
٢… الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثًا لِكُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي بِهِ أَيْضًا عَمِلَ الْعَالَمِينَ، ٣الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ، بَعْدَ مَا صَنَعَ بِنَفْسِهِ تَطْهِيرًا لِخَطَايَانَا، جَلَسَ فِي يَمِينِ الْعَظَمَةِ فِي الأَعَالِي.
- وَارِثًا لِكُلِّ شَيْءٍ: تبدأ هذا الكلمات جزءاً رائعاً في وصف يسوع المسيح: وَارِثًا لِكُلِّ شَيْءٍ. أي ما معناه أن يسوع هو الأبرز والأول، ويرتبط هذا بالإشارة إلى يسوع كبكر كل خليقة (كولوسي ١٥:١).
- عَمِلَ الْعَالَمِينَ: الكلمة اليونانية التي تُرجمت إلى الْعَالَمِين هي (aion) والتي منها نستمد الكلمة الإنجليزية (eons) التي تعني ’الدهور.‘ وهذا يعني أن يسوع لم يخلق العالم المادي فقط لكن الدهور والتاريخ كلها خليقة ابن الله.
- وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ: فيسوع إذاً هو بَهَاءُ مَجْدِ الآب. والكلمة اليونانية التي تعني بَهَاء هي (apaugasma) وتعني الإشراق أو الوهج الصادر عن مصدر للضوء.
- وبهذا المعنى، يسوع هو ’شعاع‘ مجد الله، فنحن لم نرَ الشمس، لكننا نحس بأشعتها، ونحن كذلك لم نرَ الله الآب لكننا نراه من خلال ’شعاع‘ ابن الله.
- استخدم الفيلسوف اليوناني فيلو (Philo) الكلمة اليونانية (apaugasma) لوصف ’لوجوس‘ أو العقل المفكر الذي أوجد الكون. وكاتب العبرانيين يصف يسوع المسيح بكلمات يفهمها يهود القرن الأول الميلادي ومن يفهمون الفلسفة اليونانية.
- وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ: أي أنه الصورة التي تمثل الأصل، فيسوع يمثل ويصوّر لنا الله بكل دقة.
- وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ: معنى كلمة “حَامِلٌ” هنا هو: أن يحافظ على الشيء. والتعبير هنا لا يحمل معنى سلبي وكأنه عبء كما كانت تصور الأساطير (أطلس وهو يحمل كوكب الأرض على ظهره) لكنها تعني العناية المستمرة.
- في خدمته على الأرض، برهن يسوع بشكل مستمر على قوة كلمته. فقد كان بكلمة واحدة يشفي ويغفر ويخرج الشياطين ويهدئ غضب الطبيعة. وهنا نرى أن في كلمته السلطان والقوة ليسيطر ويحمل كُلَّ الأَشْيَاءِ.
- “صيغة الفعل المستخدمة هنا تشير إلى الطبيعة المستمرة لعمل المسيح في العالم (كولوسي ١٧:١).” جريفيث توماس (Griffith Thomas)
- بَعْدَ مَا صَنَعَ بِنَفْسِهِ تَطْهِيرًا لِخَطَايَانَا: مما سبق نستخلص أن ذات ابن الله يكمن فيها قوة عظمى وحكمة. ولكننا الآن نعلم أيضاً أن محبته العظيمة خلصتنا من ذنب وعار خَطَايَانَا. وقد فعل هذا بِنَفْسِهِ، مبيناً أنه لم يمكن لأحد أن يفعل ذلك من أجلنا كما أنه لا يمكننا أن نفعل ذلك لأنفسنا.
- جَلَسَ فِي يَمِينِ الْعَظَمَةِ فِي الأَعَالِي: تنم هذه المكانة عن الجلال والشرف والمجد وكذلك إنجاز عمله. فمكانة يسوع هذه وضعته فوق كل الخليقة.
ج ) الآية (٤): ولهذا يسوع أَعْظَمَ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ.
٤صَائِرًا أَعْظَمَ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ بِمِقْدَارِ مَا وَرِثَ اسْمًا أَفْضَلَ مِنْهُمْ.
- صَائِرًا أَعْظَمَ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ: هذا الوصف ليسوع في الآيات السابقة يشدد على تفوق مكانته على أي من الملائكة. ولكن تخبرنا هذه الآية هنا أن يسوع صَار أَعْظَمَ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ. ويمكننا القول أنه منذ الأزل أعظم من الملائكة لكنه صار أعظم أيضاً من الملائكة.
- تعني كلمة ’صَائِرًا‘أن يسوع أصبح كاملاً أو أن عمله اكتمل (كمخلصنا) من خلال آلامه (عبرانيين ١٠:٢) – وهو أمر لم يفعله أي ملاك على الإطلاق.
- ربط جريفيث توماس (Griffith Thomas) بين أوصاف يسوع الواردة في هذه الآيات الأولى التي تجلت في عبرانيين ٤:١ كالتالي:
- المسيح الوارث.
- المسيح الخالق.
- المسيح الكاشف.
- المسيح المعين.
- المسيح المخلص.
- المسيح المتسيد.
- المسيح المتعالي.
- اسْمًا أَفْضَلَ مِنْهُمْ: مكانة يسوع السامية تظهر هنا من خلال تميز اسمه، وهو ليس مجرد لقب، لكنه وصف لطبيعته وشخصيته. فهناك العديد من الأسباب التي تدعونا لفهم سمو مكانة يسوع والتي تضعه في مرتبة أعلى بكثير من أي كائن ملائكي.
- غالباً ما نفهم الأمور بشكل أفضل عند مقارنتها بأمور أخرى.
- رغم أن العهد القديم وصل إلى موسى عن طريق الملائكة، وصلنا العهد الجديد بوسيلة أفضل هي المسيح. ولربما كان يهود القرن الأول الميلادي يظنون أن رسالة الإنجيل وصلتنا بواسطة بشر هم الرسل، لكن الإنجيل وصلنا في الحقيقية بواسطة يسوع، الذي هو أعظم من الملائكة.
- ظهرت بدعة خطيرة أيام الكنيسة الأولى هي عبادة الملائكة (كولوسي ١٨:٢، غلاطية ٨:١)، لذلك يؤكد كاتب رسالة العبرانيين هنا أن يسوع أعظم من أي خليقة ملائكية.
- كان هناك أيضاً هرطقة تقول بأن يسوع ذاته هو ملاك أيضاً، وهي فكرة تنتقص من مجده وعظمته.
- فهمنا لكون يسوع أعظم من الملائكة يساعدنا في فهم كونه أعظم من أي شيء أو شخص آخر في حياتنا.
- لهذا، فإن الغرض من رسالة العبرانيين يشابه الغرض الذي حققه وجود يسوع في حادثة التجلي المذكورة في الأناجيل والتي نسمع فيها الآب يقول: “هذا هو ابني الحبيب. له اسمعوا!” (مرقس ٧:٩).
ثانياً. إثبات الكتاب المقدس لسمو مكانة يسوع على الملائكة
أ ) الآية (٥): يسوع يسمو على الملائكة لأنه ابن الله، كما هو واضح في مزمور ٧:٢ وصموئيل الثاني ١٤:٧.
٥لأَنَّهُ لِمَنْ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ قَالَ قَطُّ: «أَنْتَ ابْنِي أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ»؟ وَأَيْضًا: «أَنَا أَكُونُ لَهُ أَبًا وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ابْنًا»؟
- لأَنَّهُ لِمَنْ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ قَالَ قَطُّ: أثبت كاتب العبرانيين أن يسوع يسمو على أي كائن ملائكي لأن الله الآب يخبر الله الابن بما لا يخبر الملائكة به.
- “كان اليهود يبجلون الملائكة بسبب دورهم أو مكانتهم في توصيل الشريعة (أعمال الرسل ٥٣:٧؛ غلاطية ١٩:٣)، وكان من الضروري أن يتعلم المؤمنون اليهود من خلال هذه المقارنة شيئاً عن السمو اللامحدود لربنا على ملائكة السماء الذين كان لهم مكانة خاصة سامية لدى اليهود.” توماس (Thomas)
- يمكن للأشياء الصغيرة أن تأخذ مكانًا أكبر مما تستحق وأكثر من الأشياء الأكبر والأكثر أهمية.
- لِمَنْ … قَالَ قَطُّ: من الواضح أن كاتب العبرانيين صدق أن الله قد تكلم من خلال من كتبوا العهد القديم.
- أَنْتَ ابْنِي: نرى في مزمور ٧:٢ أن الله الآب دعا يسوع ’ابْنِي‘ – وهو الاسم ’الأفضل‘ بحسب عبرانيين ٤:١. وهذا يدل على أن يسوع أعظم من الملائكة لأنه لم يسبق أن نال أي ملاك هذا الاسم العظيم.
- على الرغم من أن الملائكة مجتمعين قد يطلق عليهم صفة ’أبناء الله‘ (كما هو الحال في أيوب ٦:١)، إلا أنه لم ينل أي ملاك هذه الصفة بشكل فردي.
- أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ: الله الآب يتكلم هنا أيضًا مع الله الابن ويصفه بأنه مولود. وكلمة ’وَلَدْتُكَ‘ الأصلية المستخدمة هنا تفيد تماثل الجوهر والطبيعة الأساسية للآب والابن وأن الآب والابن يشتركان في كينونة واحدة.
- أَنَا أَكُونُ لَهُ أَبًا وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ابْنًا: وهذا الاقتباس من صموئيل الثاني ١٤:٧ هو مثال آخر على تواصل الله الآب مع الله الابن بشكل لم يُتح لأي ملاك.
- هذه العبارة مثال جيد على نبوءة العهد القديم التي تحققت بطريقتين. فبشكل آني ومباشر تحقق الوعد الذي في صموئيل الثاني ١٤:٧ في سليمان ابن داود. وفي المستقبل البعيد تحققت النبوة بشكل تام في ابن داود، يسوع المسيح.
ب) الآيات (٦-٧): يسوع يسمو مكانة على الملائكة لأن الملائكة تعبد وتخدم يسوع، الذي هو إلههم، كما هو واضح في سفر التثنية ٤٣:٣٢ (في مخطوطات النسخة السبعينية ومخطوطات البحر الميت) وفي مزمور ٤:١٠٤.
٦وَأَيْضًا مَتَى أَدْخَلَ الْبِكْرَ إِلَى الْعَالَمِ يَقُولُ: «وَلْتَسْجُدْ لَهُ كُلُّ مَلاَئِكَةِ اللهِ». ٧وَعَنِ الْمَلاَئِكَةِ يَقُولُ: «الصَّانِعُ مَلاَئِكَتَهُ رِيَاحًا وَخُدَّامَهُ لَهِيبَ نَارٍ».
- مَتَى أَدْخَلَ الْبِكْرَ: استخدم الكاتب هذه الكلمة كفكرة وليشدد على أن يسوع هو البكر. ولأن البكر كان يحظى بالمركز الأول وبالإكرام وبمعاملة تفضيلية في كل شيء، فلقب ’الْبِكْرَ‘ يشير إلى تمتع الشخص بأعلى منصب وتكريم.
- كثيرون ممن لم يكونوا أبكاراً في العهد القديم منحوا لقب ’البكر.‘ وداود كان أحدهم (مزمور ٢٧:٨٩) وكذلك أفرايم (إرميا ٩:٣١).
- وفقاً للمعلم اليهودي بيكاي (Bechai) (المقتبس في لايتفوت Lightfoot) كان المعلمون الأوائل يسمون ’يهوه‘ ذاته ببكر الخليقة، وهذا كان مجرد لقب وليس وصفاً لذات الله.
- استخدم معلمو اليهود لقب ’الْبِكْرَ‘ للإشارة للمسيّا على وجه التحديد. فقد كتب أحد المعلمين القدامى قائلاً: “قال الله: كما جعلت يعقوب بكراً (خروج ٢٢:٤) فهكذا أجعل المسيّا الملك بكراً أيضاً (مزمور ٢٨:٨٩).” (المعلم ناثان (Nathan)، شيموث رابا (Shemoth Rabba)، مقتبس في لايتفوت Lightfoot)
- وَلْتَسْجُدْ لَهُ كُلُّ مَلاَئِكَةِ اللهِ: نرى في سفر التثنية ٤٣:٣٢ أن يسوع هو الأسمى لأن الملائكة تعبده. كما أن رؤيا يوحنا ٥ تقدم لنا لمحة عن عبادة الملائكة ليسوع.
- الصَّانِعُ مَلاَئِكَتَهُ رِيَاحًا وَخُدَّامَهُ لَهِيبَ نَار:يوضح مزمور ٤:١٠٤ لنا أن يسوع المسيح يتسيد على الملائكة. فهم مَلاَئِكَتَهُ وخُدَّامَهُ. فالملائكة تخضع وتنتمي إلى يسوع، وهو ليس منها.
ج ) الآيات (٨-١٢): يسوع يسمو على الملائكة لآن الآب نفسه، وليس الملائكة، يخاطبه باسم ’الله‘ (يهوه) كما نرى في مزمور ٦:٤٥-٧ و ٢٥:١٠٢-٢٧ في المخطوطة السبعينية.
٨وَأَمَّا عَنْ الابْنِ: «كُرْسِيُّكَ يَا أَللهُ إِلَى دَهْرِ الدُّهُورِ. قَضِيبُ اسْتِقَامَةٍ قَضِيبُ مُلْكِكَ. ٩أَحْبَبْتَ الْبِرَّ وَأَبْغَضْتَ الإِثْمَ. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ مَسَحَكَ اللهُ إِلهُكَ بِزَيْتِ الابْتِهَاجِ أَكْثَرَ مِنْ شُرَكَائِكَ». ١٠وَ«أَنْتَ يَارَبُّ فِي الْبَدْءِ أَسَّسْتَ الأَرْضَ، وَالسَّمَاوَاتُ هِيَ عَمَلُ يَدَيْكَ. ١١هِيَ تَبِيدُ وَلكِنْ أَنْتَ تَبْقَى، وَكُلُّهَا كَثَوْبٍ تَبْلَى،١٢وَكَرِدَاءٍ تَطْوِيهَا فَتَتَغَيَّرُ. وَلكِنْ أَنْتَ أَنْتَ، وَسِنُوكَ لَنْ تَفْنَى».
- وَأَمَّا عَنْ الابْنِ: مرة أخرى، يؤكد لنا النص أن الله الآب يكلم الله الابن بأمور لا يشرك بها الملائكة.
- كُرْسِيُّكَ يَا أَللهُ: يخبرنا مزمور ٦:٤٥-٧ بوضوح أن الله الآب يدعو الابن باسم ’اللهُ.‘ فحين خاطب أول أقانيم الثالوث الأقنوم الثاني، دعاه اللهُ. وهذا دليل فريد وقوي على ألوهية يسوع.
- قد يقول البعض أن شخصيات عديدة قد أشير إليها بكلمة ’إله‘ في الكتاب المقدس مثل الشيطان (كورنثوس الثانية ٤:٤) والقضاة (مزمور ١:٨٢ و ٦). ولكن هؤلاء كان سياق الحديث يشير إلى أنهم آلهة مزيفة اغتصبت تلك المكانة. فإن لم يكن يسوع هو الإله الحقيقي، فهو إله مزيف، تماماً مثل الشيطان أو مثل القضاة الأشرار في مزمور ٨٢.
- لكن يسوع هو الإله الحقيقي الحي كما أشار إليه الله الآب هنا، وكما أشار إليه يوحنا في إنجيله ١:١، وتوما في يوحنا ٢٨:٢٠، وبولس في تيطس ١٣:٢ و٤:٣.
- مِنْ أَجْلِ ذلِكَ مَسَحَكَ اللهُ إِلهُكَ: هذا المقطع يُظهر حواراً لافتًا بين أقانيم الثالوث. فتعبير ’اللهُ إِلهُكَ‘ يشير إلى الآب ورتبته تجاه الأقنوم الثاني في الثالوث. فضمير ’أنت‘ يشير إلى الابن، وكلمة ’مَسَحَكَ‘ يفهم منها خدمة ودور الروح القدس، الأقنوم الثالث في الثالوث.
- أَنْتَ يَا رَبُّ فِي الْبَدْءِ: ترينا الآيات في مزمور ٢٥:١٠٢-٢٧ على أن الابن لا يشار له بلقب ’الله‘ أو ’الإله‘ فقط لكن بلقب ’رَبُّ‘ (يهوه) أيضاً. فهنا يتم وصف الابن بالسمات والألقاب التي تخص الله فقط.
- أَنْتَ يَا رَبُّ فِي الْبَدْءِ أَسَّسْتَ الأَرْضَ: هذا يدل على أن يسوع المسيح، الأقنوم الثاني في الثالوث، هو الخالق فعلاً. ونرى أن يهوه هو الخالق في (إشعياء ١٢:٤٥ و إشعياء ١٨:٤٥).
- هِيَ تَبِيدُ وَلكِنْ أَنْتَ تَبْقَى: هذا يدل على أن يسوع المسيح الأقنوم الثاني في الثالوث يحيا بذاته كما يقول المزمور ٢٥:١٠٢-٢٧ في وصف الإله يهوه.
- وَكَرِدَاءٍ تَطْوِيهَا فَتَتَغَيَّرُ: هذا يدل على أن يسوع المسيح الأقنوم الثاني في الثالوث هو المتسيد والمتسلط على كل الخليقة والتاريخ كما يقول المزمور ٢٥:١٠٢-٢٧ في وصف الإله يهوه.
- وَلكِنْ أَنْتَ أَنْتَ: وهذا يدل على أن يسوع المسيح الأقنوم الثاني في الثالوث ثابت، لا يتغير، وإلى الأبد (وَسِنُوكَ لَنْ تَفْنَى). ومزمور ٢٥:١٠٢-٢٧ يقول هذا عن الإله يهوه، وكاتب العبرانيين يشير إلى أن الوصف ذاته ينطبق على يسوع كذلك.
د ) الآيات (١٣-١٤): يسوع يسمو مرتبة عن الملائكة لأنه جلس بعد أن أكمل عمله، بينما تعمل الملائكة باستمرار، كما نرى في مزمور ١:١١٠.
١٣ثُمَّ لِمَنْ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ قَالَ قَطُّ: «اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ»؟ ١٤أَلَيْسَ جَمِيعُهُمْ أَرْوَاحًا خَادِمَةً مُرْسَلَةً لِلْخِدْمَةِ لأَجْلِ الْعَتِيدِينَ أَنْ يَرِثُوا الْخَلاَصَ!
- ثمَّ لِمَنْ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ قَالَ قَطُّ: للمرة السابعة في هذا الأصحاح يستشهد كاتب العبرانيين بنصوص العهد القديم العبرية ليبرهن على أن يسوع ’المسيّا‘ أسمى بكثير من أي كائن ملائكي. فقد اقتبس من مزمور ١:١١٠ ليثبت مرة أخرى أن الله الآب قال ليسوع المسيح ما لم يقله أبدًا أي ملاك.
- اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي: يخبرنا المزمور ١:١١٠ إن المسيح له هذه المكانة والمرتبة في السماء. فكل من له أن يوجد في الحضرة الإلهية لا بد أن يتمتع بكامل الحق في أن يكون هناك. فلا مكان للملائكة حول عرش الله لأنهم منشغلون في تمجيد الله وفي خدمته. ولكن يمكن ليسوع بمشيئة الله الآب الجلوس عن يمين الله الآب.
- ليس من الجيد أن يكون الشخص في كامل ارتياحه في حضرة الجلالة. فهناك قصة عن رجل يدعى ’لير‘ (Lear) تم تعيينه لإعطاء الملكة فيكتوريا دروساً في الفن. وسارت الأمور على ما يرام، وابتدأ ’لير‘ يشعر بالارتياح أثناء وجوده في القصر. فكان يستمتع بالوقوف أمام النار وبالاقتراب من الموقد ليدفئ نفسه، ولكن في كل مرة كان فيها يفعل هذا كان أحد خدم الملكة يدعوه ليرى أو يفعل شيئاً في الجانب الآخر من الغرفة، مما يجعله يتحرك من مكانه. ولم يوضح له أحد سبب هذا في البداية ثم أدرك لاحقاً أن من آداب البروتوكول أن لا يكون في منتهى الراحة خلال وجوده في حضرة الملكة. فيسوع ليس واحداً من الأتباع، لكنه صاحب السيادة على الكل، ولهذا يجلس في حضور الجلالة.
- ثمَّ لِمَنْ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ قَالَ قَطُّ اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي: لا يُسمح للملائكة أن تشعر بالارتياح في محضر الله. فالملائكة تقف أمام عرش الآب، أما الابن فيجلس لأنه ليس من الأتباع، لكنه صاحب السيادة.
- أَلَيْسَ جَمِيعُهُمْ أَرْوَاحًا خَادِمَةً: الملائكة أرواح خادمة وليست أرواحاً حاكمة. فوظيفتها الخدمة وليس الحكم أو السلطان. فالملائكة مثل الآلة التي لا تتوقف عن العمل، إذ يواصلون العمل بينما يأخذ الابن قسطاً من الراحة لأنه الابن.
- وُصف يسوع أيضًا بلقب الخادم، لكن كان هذا جزءاً من تواضعه الاختياري، وليس من طبيعته الأصلية. أما الملائكة فطيبعتها هي الخدمة.
- مُرْسَلَةً لِلْخِدْمَةِ لأَجْلِ الْعَتِيدِينَ أَنْ يَرِثُوا الْخَلاَصَ: الملائكة مكلفة بخدمة الله، لكن الله يستخدم خدامه هؤلاء في خدمة عبيده المخلّصين أيضاً. وهذا يدل على محبة الله الكبيرة لنا وعلى رغبته في مشاركتنا بما لديه.
- “من الجدير بالملاحظة بشكل خاص عند مقارنة عبرانيين ٢:١ و١٤:١ أن الموضوع الرئيس للرسالة وهو وصف المسيح والمؤمنين بالوارثين.” توماس (Thomas)