إنجيل متى – الإصحاح ١٥
يسوع يوبخ الفريسيين والكتبة أمام الأمم
أولًا. يسوع يدين التدين الزائف
أ ) الآيات (١-٢): قادة أورشليم يسألون يسوع.
١حِينَئِذٍ جَاءَ إِلَى يَسُوعَ كَتَبَةٌ وَفَرِّيسِيُّونَ الَّذِينَ مِنْ أُورُشَلِيمَ قَائِلِينَ: ٢«لِمَاذَا يَتَعَدَّى تَلاَمِيذُكَ تَقْلِيدَ الشُّيُوخِ، فَإِنَّهُمْ لاَ يَغْسِلُونَ أَيْدِيَهُمْ حِينَمَا يَأْكُلُونَ خُبْزًا؟»
- حِينَئِذٍ جَاءَ إِلَى يَسُوعَ كَتَبَةٌ وَفَرِّيسِيُّونَ: حتى هذه المرحلة، كانت معظم خدمة يسوع في منطقة الجليل. وكان الجليل شمال يهوذا، حيث تقع أورشليم. وهؤلاء الكتبة والفريسيون كانوا وفدًا رسميًا من أورشليم، وقد جاءوا لبحث وتقييم كلام وعمل هذا الإنسان يسوع.
- “إنهم متحيرون حقًا؛ وبعد وقت قصير جدًا سيكونون غاضبين ومصدومين حقًا.” باركلي (Barclay)
- لِمَاذَا يَتَعَدَّى تَلاَمِيذُكَ تَقْلِيدَ الشُّيُوخِ؟: لقد كانت هذه الغَسَلات الطقسية من تَقْلِيدَ الشُّيُوخ، وليس من الكتب المقدسة. وهذا ما يقوله القادة الدينيون عندما يشيرون إلى تَقْلِيدَ الشُّيُوخِ وليس إلى وصية الله.
- “إن كبار السن هنا ليسوا الحكام الحاليين للشعب، بل هم الحكام القدامى للسلطة الدينية، وكلما كانوا أكثر أقدمية، كلما كانوا أكثر تبجيلًا.” بروس (Bruce)
- فَإِنَّهُمْ لاَ يَغْسِلُونَ أَيْدِيَهُمْ حِينَمَا يَأْكُلُونَ خُبْزًا: إن المسألة المعنية لا علاقة لها بالنظافة الشخصية الجيدة. فقد شعر المسؤولون الدينيون بالإهانة لأن التلاميذ لم يلاحظوا الطقوس الجامدة والموسعة للتغَسُل قبل تناول الوجبات.
- لقد أخذ العديد من اليهود القدامى تَقْلِيدَ الشُّيُوخِ هذا على مَحمل الجد. “يقول المعلم اليهودي جوزي، إن الذي يُخطئ بعدم غسل يديه قبل تناول الطعام، يخطئ بالقدر ذاته مثل الذي يضطجع مع مومس.” بوله (Poole)
- “إلى أي درجة كانت هذه التقاليد مفعلة بواسطة اليهود؛ إن الأمثلة التالية ستثبت ذلك: ’إن كلمات الكتبة جميلة بما يتجاوز كلمات الناموس: لأن كلمات الناموس ثقيلة وخفيفة، لكن كلمات الكتبة هي كلها ثقيلة.‘” (Hierus. Berac. fol. 3) كلارك (Clarke)
ب) الآية (٣): يسوع يجيب بسؤال واضعًا تقاليد الإنسان في مقابل إرادة الله.
٣فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: «وَأَنْتُمْ أَيْضًا، لِمَاذَا تَتَعَدَّوْنَ وَصِيَّةَ اللهِ بِسَبَب تَقْلِيدِكُمْ؟
- لِمَاذَا تَتَعَدَّوْنَ وَصِيَّةَ اللهِ: عندما أتُهِمَ التلاميذُ بفعل الخطية، أجاب يسوع بتوجيه الاتهام. كان يسوع قويًا في جوابه لأن هؤلاء القادة كانوا مهتمين للغاية بهذه التفاهات الطقسية. فعندما أعلنوا أن الناس نجسين بسبب تقاليدهم، فهم بذلك قد منعوا الناس من الوصول إلى الله.
- كان هذا ردًا قويًا من يسوع. ففي نهاية المطاف، أصبحت هذه النزاعات مع القادة الدينيين السبب الظاهري وراء تسليم يسوع للرومانيين ليصلب.
- بِسَبَب تَقْلِيدِكُمْ: كرر يسوع ما ذكره الكتبة والفريسيون: أن هذا الاتهام كان يستند إلى التقاليد. فقد طالب القادة الدينيون بهذه الغَسَلات الاحتفالية بناءًا على التقاليد وليس على الكتب المقدسة.
ج) الآيات (٤-٦): مثال على كيف أهانت تقاليدهم الله: عدم مساعدة الأهل بموارد قيل أنها تخُص لله.
٤فَإِنَّ اللهَ أَوْصَى قَائِلًا: أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ، وَمَنْ يَشْتِمْ أَبًا أَوْ أُمًّا فَلْيَمُتْ مَوْتًا. ٥وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَقُولُونَ: مَنْ قَالَ لأَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ: قُرْبَانٌ هُوَ الَّذِي تَنْتَفِعُ بِهِ مِنِّي. فَلاَ يُكْرِمُ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ. ٦فَقَدْ أَبْطَلْتُمْ وَصِيَّةَ اللهِ بِسَبَب تَقْلِيدِكُمْ!
- أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ: إن أمر الله الواضح يفيد بأن الجميع يجب أن يقدموا الإكرام للأب والأم، حتى أنه يفرض عقوبة على العصيان الشديد لهذا الأمر. فعندما نكون بالغين ونترك منزل آبائنا، لم يعد علينا أن نطيع أبينا وأمنا. ومع ذلك، لا نزال مطالبين بإكرامهم؛ فهذه الوصية ثابتة.
- قُرْبَانٌ هُوَ الَّذِي تَنْتَفِعُ بِهِ مِنِّي: كان لدى بعض اليهود في زمن يسوع وسيلة للالتفاف على الأمر لإكرام الأب والأم. فإذا أعلنوا أن جميع ممتلكاتهم أو مدخراتهم هي عطية لله، وكانت مكرسة له بشكل خاص، فيمكنهم عندئذ أن يقولوا إن مواردهم غير متوفرة لمساعدة آبائهم.
- “يبدو أن هذا الإعلان المريح ترك العقار تحت تصرف الشخص الذي تعهد، ولكنه حرم والديه من أي حق في ذلك.” فرانس (France)
- “أخبرنا مخلصنا هنا أيضًا، أن الوصية الخامسة تلزم الأبناء على إغاثة آبائهم عند الضرورة، وهذا هو معنى مصطلح ’أَكْرِم‘ في نصوص أخرى من الكتب المقدسة.” بوله (Poole)
- فَقَدْ أَبْطَلْتُمْ وَصِيَّةَ اللهِ بِسَبَب تَقْلِيدِكُمْ: من خلال هذه الخدعة يمكن للمرء أن يعصي تمامًا أمر إكرام والده أو والدته، ويفعل ذلك بتدين فائق.
د ) الآيات (٧-٩): يسوع يدين تقليدهم الأجوف بأنه نفاق.
٧يَا مُرَاؤُونَ! حَسَنًا تَنَبَّأَ عَنْكُمْ إِشَعْيَاءُ قَائِلًا: ٨يَقْتَرِبُ إِلَيَّ هذَا الشَّعْبُ بِفَمِهِ، وَيُكْرِمُني بِشَفَتَيْهِ، وَأَمَّا قَلْبُهُ فَمُبْتَعِدٌ عَنِّي بَعِيدًا. ٩وَبَاطِلًا يَعْبُدُونَني وَهُمْ يُعَلِّمُونَ تَعَالِيمَ هِيَ وَصَايَا النَّاسِ».
- يُكْرِمُني بِشَفَتَيْهِ، وَأَمَّا قَلْبُهُ فَمُبْتَعِدٌ عَنِّي بَعِيدًا: كان هذا صحيحًا بالنسبة للقادة الدينيين الذين واجههم يسوع، واستشهد بالنص الكتابي من إشعياء لفعل ذلك. ومع ذلك قد ينطبق ذلك علينا أيضًا. فيمكننا أن نظهر أننا نقترب من الله، في حين أن قلبنا بعيد عنه. ومن السهل أن تروقك فكرة الاقتراب من الله دون فعل ذلك من القلب حقًا.
- يهتم الله بما في أعماق قلبك. وأما نحن فنهتم أكثر بالصورة الخارجية فقط. وعلى المؤمن أن يهتم بأن تكون علاقته مع الله ليست مجرد صورة خارجية.
- يُعَلِّمُونَ تَعَالِيمَ هِيَ وَصَايَا النَّاسِ: إن الاستشهاد بقول إشعياء يصف بدقة المشكلة الحقيقية التي لهؤلاء القادة الدينيين. فلقد رفعوا تقليد الإنسان إلى مستوى مساوٍ لكلمة الله الموحى بها.
- لم يقل يسوع “كل التقاليد سيئة” ولم يقل أيضًا “كل التقاليد جيدة.” بل قارن التقاليد بكلمة الله، ووضعها في أولوية أقل بكثير مما قاله الله.
هـ ) الآيات (١٠-١١): يسوع يتحدث إلى الجموع عن التدين الزائف.
١٠ثُمَّ دَعَا الْجَمْعَ وَقَالَ لَهُمُ: «اسْمَعُوا وَافْهَمُوا. ١١لَيْسَ مَا يَدْخُلُ الْفَمَ يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ، بَلْ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْفَمِ هذَا يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ».
- ثُمَّ دَعَا الْجَمْعَ: بعد تعامله مع القادة الدينيين، عَلَّم يسوع الآن عامة الناس عن التقوى الأصيلة.
- لَيْسَ مَا يَدْخُلُ الْفَمَ يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ، بَلْ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْفَمِ هذَا يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ: صرَّح يسوع بمبدأ أساسي. الأكل ’بأيدي غير نظيفة‘ أو أي شيء آخر نضعه فى جوفنا لا يفسد؛ بدلًا من ذلك، ما يَخْرُجُ هو ما ينجس ويكشف ما إذا كانت قلوبنا غير نظيفة (نجسة).
- هذا لا يعني أنه توجد أمور دنسة يمكننا أن نتعاطاها. فقد يكون أحد الأمثلة على ذلك هو المواد الإباحية. ولكن في هذا السياق المحدد، تحدث يسوع عن النظافة الطقسية فيما يتعلق بالطعام، وتوقع أنه بموجب العهد الجديد سيتم الإعلان عن أن كل طعام هو مُباح (أعمال الرسل ١٥:١٠).
- “إن المبادئ التي حددتها كلمات يسوع في إنجيل متى ١١:١٥ و١٧-٢٠، جعلت التخلي النهائي عن القوانين المتعلقة بالطعام في العهد القديم، أمرًا لا مفر منه من قِبل الكنيسة.” فرانس (France)
و ) الآيات (١٢-١٤): يسوع يحذر تلاميذه من أن ما هو من الله ومن الحق، سيدوم ويكون راسخًا.
١٢حِينَئِذٍ تَقَدَّمَ تَلاَمِيذُهُ وَقَالُوا لَهُ: «أَتَعْلَمُ أَنَّ الْفَرِّيسِيِّينَ لَمَّا سَمِعُوا الْقَوْلَ نَفَرُوا؟» ١٣فَأَجَابَ وَقَالَ: «كُلُّ غَرْسٍ لَمْ يَغْرِسْهُ أَبِي السَّمَاوِيُّ يُقْلَعُ.١٤اُتْرُكُوهُمْ. هُمْ عُمْيَانٌ قَادَةُ عُمْيَانٍ. وَإِنْ كَانَ أَعْمَى يَقُودُ أَعْمَى يَسْقُطَانِ كِلاَهُمَا فِي حُفْرَةٍ».
- أَتَعْلَمُ أَنَّ الْفَرِّيسِيِّينَ لَمَّا سَمِعُوا الْقَوْلَ نَفَرُوا؟: هذا مشهد مضحك. لقد أتى التلاميذ إلى يسوع قائلين شيئًا كهذا: “يسوع، هل تعلم أنك أسأت إلى هؤلاء الناس؟” بالطبع كان يسوع يعلم أنه أساء إليهم! كان ينوي الإساءة إليهم وإلى الطريقة التي يُجلّون بها تقاليد الناس للغاية هكذا.
- كُلُّ غَرْسٍ لَمْ يَغْرِسْهُ أَبِي السَّمَاوِيُّ يُقْلَعُ: وهذا ينطبق مباشرة على القادة الدينيين وكل من مثلهم؛ فلن تثبت وصاياهم التي من الناس، لأنها ليست متأصلة في الله أو في الحق.
- “لم تكن هناك حاجة لأن يقوم التلاميذ بمقاومة الفريسيين، لأن الفريسيين سيتم اقتلاعهم وفق الترتيب الطبيعي للأشياء من خلال العواقب الحتمية لسلوكهم.” سبيرجن (Spurgeon)
- ومع ذلك، يجب أن يجعلنا هذا المبدأ نفحص أنفسنا لنعرف ما إذا كنا نقلد الفريسيين في وصايا التقاليد أم لا. “هنا، إذًا، نجد اختبارًا لكل تعاليم الإنسان بغض النظر عن حسن نيتها، فإن كانت لا تستند إلى كلمة الله وتتأصل فيها، أو إذا ابتعدت بدرجة كبيرة عن القصد الحقيقي لتلك الكلمة، فيجب اقتلاع تلك التعاليم. ومن خلال هذا الاختبار، نحتاج دائمًا لامتحان تقاليدنا وأعرافنا وعاداتنا وقواعدنا ولوائحنا.” مورجان (Morgan)
- اُتْرُكُوهُمْ: لم ينظم يسوع لجنة تُدعى “لجنة مناهضة الكتبة والفريسيين.” فقد كان يعلم أن جهودهم ستفشل تحت وطأة تقيدها بحَرْفية الشرعية.
- هُمْ عُمْيَانٌ قَادَةُ عُمْيَانٍ… يَسْقُطَانِ كِلاَهُمَا فِي حُفْرَةٍ: نشعر أن يسوع قال هذا بأسى وربما بحزن أكبر على من يُقادوا بواسطة العُميان، أكثر من حزنه على القَادَةُ العُمْيَانٍ الذين يقودون عُميان مثلهم.
- “على الرغم من أن الفريسيين ومعلمي الناموس كانت لديهم اللفائف المقدسة وكانوا يقومون بتفسيرها في المجامع، إلا أن هذا لا يعني أنهم قد فهموا تلك النصوص حقًا. فالفريسيون لم يتبعوا يسوع؛ لذلك لم يفهموا ولم يتبعوا الكتب المقدسة.” كارسون (Carson)
- “أنا أشفق على هؤلاء الناس المساكين، فحين يقود العُميان عميانًا، فإنهم جميعًا يقعون في حفرة. فالخدمة الجهولة وغير المخلصة هي أكبر طاعون يمكن لله إرساله بين شعب ما.” بوله (Poole)
- في كلمات يسوع هذه، نرى ذنب أولئك العُمْيَانٌ قَادَةُ عُمْيَانٍ. ونرى أيضًا مسؤولية التابعين، الذين عليهم التأكد من أن قادتهم ليسوا عُميانًا.
ز ) الآيات (١٥-٢٠): حالة القلب هي ما يفسد الإنسان حقًا.
١٥فَأَّجَابَ بُطْرُسُ وَقَالَ لَهُ: «فَسِّرْ لَنَا هذَا الْمَثَلَ». ١٦فَقَالَ يَسُوعُ: «هَلْ أَنْتُمْ أَيْضًا حَتَّى الآنَ غَيْرُ فَاهِمِينَ؟ ١٧أَلاَ تَفْهَمُونَ بَعْدُ أَنَّ كُلَّ مَا يَدْخُلُ الْفَمَ يَمْضِي إِلَى الْجَوْفِ وَيَنْدَفِعُ إِلَى الْمَخْرَجِ؟ ١٨وَأَمَّا مَا يَخْرُجُ مِنَ الْفَمِ فَمِنَ الْقَلْب يَصْدُرُ، وَذَاكَ يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ، ١٩لأَنْ مِنَ الْقَلْب تَخْرُجُ أَفْكَارٌ شِرِّيرَةٌ: قَتْلٌ، زِنىً، فِسْقٌ، سِرْقَةٌ، شَهَادَةُ زُورٍ، تَجْدِيفٌ.٢٠هذِهِ هِيَ الَّتِي تُنَجِّسُ الإِنْسَانَ. وَأَمَّا الأَكْلُ بِأَيْدٍ غَيْرِ مَغْسُولَةٍ فَلاَ يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ».
- فَسِّرْ لَنَا هذَا الْمَثَلَ: في إنجيل متى ١٢:١٥-١٤ لم يتكلم يسوع فعلًا بأمثال (باستثناء التوضيح الموجز عن عُمْيَانٌ قَادَةُ عُمْيَانٍ). ومع ذلك، لأن التلاميذ لم يفهموه، طلبوا تفسيرًا (هَلْ أَنْتُمْ أَيْضًا حَتَّى الآنَ غَيْرُ فَاهِمِينَ؟).
- وَأَمَّا مَا يَخْرُجُ مِنَ الْفَمِ فَمِنَ الْقَلْب يَصْدُرُ، وَذَاكَ يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ: قام يسوع بإسهاب شرح النقطة التي طرحها أولًا في متى ١١:١٥. فنحن نتدنس من الداخل إلى الخارج وليس من الخارج، وهذا ينطبق بشكل خاص على الأمور الطقسية مثل الأطعمة.
- قال يسوع بكل جرأة أن هذه الأمور الشريرة تأتي من طبيعتنا الشريرة. إنها ليست حوادث عابرة أو مجرد “أخطاء” بل إنها تكشف عن مدى فساد طبيعتنا الساقطة. “القلب هو مصدر الشخصية الحقيقية للإنسان، ومن ثَّمَّ فهو مصدر نقاءه أو نجاسته. إنه ليس مجرد مقر العاطفة، بل هو الشخص الحقيقي، وليس فقط كما يظهر من الخارج.” فرانس (France)
- “’جرائم القتل‘ لا تبدأ مع الخناجر، بل مع خُبث الروح. ’الزنا‘ و’الفسِق‘ تغمر القلب أولًا قبل أن يتصرف الجسد. إن القلب هو القفص حيث تطير منه هذه الطيور النجسة.” سبيرجن (Spurgeon )
- بصراحة، يجب أن يهتم كثير من الناس، الذين يقلقون بشأن العادات الخارجية (ما يأكلونه وما يشربونه وأمور أخرى من هذا القبيل)، بالكلمات التي تخرج من أفواههم. فإنهم يسيؤون إلى الله وشعبه بشكل أكبر بكلامهم وليس بما يأكلون أو يشربون.
- وَيَنْدَفِعُ إِلَى الْمَخْرَجِ: “كلمة مبتذلة وموضوع مبتذل كان يسوع ليتجنبه بكل سرور، لكنه أجبر نفسه على التحدث عنه من أجل تلاميذه. والفكرة هي هكذا: لا يوجد تدنيس أخلاقي يأتي من الطعام إلى الروح. فالأمر يحدث كالتالي: يمر الطعام على نحو صافٍ جسديًا عبر الأمعاء عبر مكان التفريغ. ولا شك أن يسوع قال هذا ولم يضع أحد هذه الكلام في فمه.” بروس (Bruce)
- وَأَمَّا الأَكْلُ بِأَيْدٍ غَيْرِ مَغْسُولَةٍ فَلاَ يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ: لسوء الحظ، فإن تركيز القادة الدينيين في زمن يسوع، وغالبًا ما يكون في زماننا أيضًا، يكون على هذه الأمور الخارجية فقط، وليس الأمور الداخلية التي تصنع البر الحقيقي.
ثانيًا. يسوع يجيب على طلب الأمم
أ ) الآيات (٢١-٢٢): يسوع يُقابَل بطلب من امرأة أممية.
٢١ثُمَّ خَرَجَ يَسُوعُ مِنْ هُنَاكَ وَانْصَرَفَ إِلَى نَوَاحِي صُورَ وَصَيْدَاءَ. ٢٢وَإِذَا امْرَأَةٌ كَنْعَانِيَّةٌ خَارِجَةٌ مِنْ تِلْكَ التُّخُومِ صَرَخَتْ إِلَيْهِ قَائِلَةً: «ارْحَمْنِي، يَا سَيِّدُ، يَا ابْنَ دَاوُدَ! اِبْنَتِي مَجْنُونَةٌ جِدًّا. ٢٤فَأَجَابَ وَقَالَ:«لَمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ».
- إِلَى نَوَاحِي صُورَ وَصَيْدَاءَ: كانت مدينتا صور صيداء مدينتَي أمميتين، على بعد حوالي ٥٠ ميلًا (٨٠ كم). ذهب يسوع كل هذه المسافة لتلبية حاجة هذه المرأة الأممية. وهذا يدل على محبة رائعة وغير متوقعة من يسوع إلى هذه المرأة الكَنْعَانِيَّةٌ.
- “يشير استخدام البشير متى للمصطلح القديم ’كنعانية‘ إلى أنه لا يستطيع أن ينسى أسلاف هذه المرأة: ها هي امرأة من أعداء إسرائيل القدامى تأتي إلى المسيا اليهودي ليمنحها بركة.” كارسون (Carson)
- كان من غير المحتمل أن يذهب يسوع إِلَى نَوَاحِي صُورَ وَصَيْدَاءَ. “في ذلك الوقت، أو بعد ذلك بوقت قصير، كان يوسيفوس ليكتب: ’إن أهل صيدا هم أكثر مجموعة من الفينيقيين الذين نُكِن لهم الضغينة.‘” باركلي (Barclay)
- “فلنحرث دائمًا حتى نهاية الحقل، ونخدم في زماننا وجيلنا إلى أقصى حدود منطقتنا.” سبيرجن (Spurgeon)
- ارْحَمْنِي، يَا سَيِّدُ، يَا ابْنَ دَاوُدَ! اِبْنَتِي مَجْنُونَةٌ جِدًّا: جاءت هذه المرأة لتتشفع من أجل ابنتها، وقدمت صورة لشفاعة فعالة، فإن احتياجها الكبير علمها كيف تُصلي. وعندما أتت إلى يسوع، فقد جعلت من احتياج ابنتها احتياجها الشخصي.
- ارْحَمْنِي، يَا سَيِّدُ، يَا ابْنَ دَاوُدَ: هذه المرأة الأممية فهمت مَن كان يسوع. فلم يكن الكثير من أبناء وطن يسوع يعرفون حقيقة يسوع، ولكن هذه المرأة الكَنْعَانِيَّةٌ كانت تعرف.
- ربما عرفت هذه المرأة أن يسوع قد شفى الأمميين من قبل (متى ٢٤:٤-٢٥؛ ٥:٨-١٣). ولكن ما جعل هذا اللقاء فريدًا من نوعه هو أن يسوع صنع تلك المعجزات حينما جاء إليه الأمميون في الأراضي اليهودية. أما هنا، فقد أتى يسوع إلى منطقة أممية والتقى بهذه المرأة.
ب) الآيات (٢٣-٢٤): استجابة يسوع المُتحّفِظة لطلب المرأة الأممية.
٢٣فَلَمْ يُجِبْهَا بِكَلِمَةٍ. فَتَقَدَّمَ تَلاَمِيذُهُ وَطَلَبُوا إِلَيْهِ قَائِلِينَ:«اصْرِفْهَا، لأَنَّهَا تَصِيحُ وَرَاءَنَا!» ٢٤فَأَجَابَ وَقَالَ:«لَمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ».
- فَلَمْ يُجِبْهَا بِكَلِمَةٍ: رغم أن الأم الأممية تشفعت لإبنتها، فلم يعطها يسوع ردًا مشجعًا على الفور. ولكن تحَفُظَه أثار استجابة أكثر حيوية وامتلاءًا بالإيمان من جانب المرأة الأممية.
- “كما يقول أوغسطينوس، ’إن الكلمة لم ينطق ببنت شفة،‘ وكان ذلك ليس من طبيعته. فذاك الذي كان مستعدًا دائمًا ليُجيب صرخة الألم، لم يكن لديه أي استجابة لتلك المرأة.” سبيرجن (Spurgeon)
- اصْرِفْهَا، لأَنَّهَا تَصِيحُ وَرَاءَنَا: من المحتمل أن التلاميذ كانوا يقصدون “أصرفها بعيدًا عن طريق منحها ما تريد.” ومن المُحْتَمل أيضًا أنهم كانوا فقط يريدونها أن تذهب بعيدًا، وكانت أسهل طريقة هي أن يسوع يَحُل لها مشكلتها.
- اصْرِفْهَا: “استخدم إنجيل لوقا ٢٩:٢ نفس الفعل ليشير إلى الإطلاق بعد إشباع تَوْقٍ ما.” فرانس (France)
- لَمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ: حدد يسوع تركيز مهمته أمام تلاميذه الغاضبين وأمام المرأة الأممية. وأوضح أنه لم يتم إرساله إلى الأمميين مثلها.
- من العدل أن نتساءل عما إذا كان يسوع يعني بالخِرَافِ الضَّالَّةِ بين بيت إسرائيل، أم أنه يعني أن إسرائيل ككل كانت خرافًا ضالة. ويبدو أن تعليمات يسوع لتلاميذه في إنجيل متى ٦:١٠ (بَلِ اذْهَبُوا بِالْحَرِيِّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ) تعني ضمنًا أن إسرائيل ككل كانت خرافًا ضالة.
ج ) الآيات (٢٥-٢٧): الاستغاثة المُثابرة من جانب المرأة بيسوع.
٢٥فَأَتَتْ وَسَجَدَتْ لَهُ قَائِلَةً:«يَا سَيِّدُ، أَعِنِّي!» ٢٦فَأَجَابَ وَقَالَ: «لَيْسَ حَسَنًا أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَب». ٢٧فَقَالَتْ: «نَعَمْ، يَا سَيِّدُ! وَالْكِلاَبُ أَيْضًا تَأْكُلُ مِنَ الْفُتَاتِ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ أَرْبَابِهَا!». ٢٨حِينَئِذٍ أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهَا: «يَا امْرَأَةُ، عَظِيمٌ إِيمَانُكِ! لِيَكُنْ لَكِ كَمَا تُرِيدِينَ». فَشُفِيَتِ ابْنَتُهَا مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ.
- فَأَتَتْ وَسَجَدَتْ لَهُ قَائِلَةً: «يَا سَيِّدُ، أَعِنِّي: لقد ردت على رفض يسوع بتفانٍ متزايدٍ حتى فازت بتحقيق طلبها. وفي قيامها بذلك، واصلت المرأة الأممية إظهار ما يفعله المتشفع المتفاني.
- “لم تستطع حل مشاكل مصير عِرقها، ولا الأمور المتعلقة بإرسالية الرب؛ لكنها استطاعت أن تصلي. فإذا كان، كراعي، لا يستطيع أن يجمعها، لكنه يستطيع، بصفته الرب، أن يساعدها.” سبيرجن (Spurgeon)
- “أنا أشجعك يا من تسعى إلى ربح الآخرين إلى أن تحذو حذوها. لاحظ أنها لم تصلِ قائلة: ’يا رب، ارحم ابنتي.‘ لكنها قالت: ’يا رب، ارحمني.‘” سبيرجن (Spurgeon)
- “إنني أثني على هذه الصلاة لأنها صلاة مفيدة. ويمكنك ممارستها عندما تكون في عجلة من أمرك، ويمكنك ممارستها عندما تكون في نوبة خوف، ويمكنك ممارستها عندما لا يكون لديك وقت للركوع على ركبتيك. ويمكنك ممارستها على المنبر إذا كنت ستعظ، ويمكنك ممارستها عندما تهُم بفتح متجرك، ويمكنك ممارستها عندما تصحو. إنها صلاة مفيدة لدرجة أنني بالكاد أعرف أي موقف لا تستطيع أن تصليها فيه: ’ارْحَمْنِي، يَا سَيِّدُ.‘” سبيرجن (Spurgeon)
- لَيْسَ حَسَنًا أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَب: استمر يسوع في قول الأشياء المُثبطة للمرأة، لكن هذا لم يكن قاسيًا كما قد يبدو لأول وهلة. فعندما دعاها يسوع بأنها واحدة من الكلاب الصغيرة، استخدم كلمة “صغيرة” كوسيلة لتخفيف قسوة وصف المرأة بالكلاب. وهذا خفف من قسوة الكلام الذي كان يطلقه اليهود على الأمم، فقد دعوهم بالكلاب بالمعنى الأكثر انتقاصًا.
- نحن في جهل كبير حينما لا نسمع نبرة يسوع الحقيقة أثناء حديثه مع تلك المرأة. فنحن نعتقد أن لهجته لم تكن قاسية، بل بالحري نحن نعتقد في أن لهجته كانت خلابة في تأثيرها لاستثارة إيمانٍ أكبر في المرأة. ومن الممكن التحدُث بكلمات قاسية لو كان بطريقة مرحة أو فاتِنة.
- “إن كلمة [الكلاب] قاسية، ولكنها تحوي شيئًا من الغموض. فإن كلمة [الكلاب] لا تقارِن الأمم بالكلاب التي في الشارع، ولكن بالكلاب المنزلية التي تنتمي للعائلة، والتي لها نصيبها، ولكن ليس لها نصيب الأبناء.” بروس (Bruce)
- نَعَمْ، يَا سَيِّدُ! وَالْكِلاَبُ أَيْضًا تَأْكُلُ مِنَ الْفُتَاتِ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ أَرْبَابِهَا: استجابت المرأة بإيمان عظيم. اعترفت بتدني مكانتها، ولم تناقش المسألة عندما وصفها يسوع بأنها إحدى الكلاب الصغيرة. فلم تطلب أن يُنظر إليها كابنة؛ ولكن فقط أن تكون مُبارَكَة كإحدى الكلاب.
- كان الأمر كما لو أنها قالت: “يسوع، أنا أفهم أن تركيز خدمتك هو على اليهود، فإن لديهم مكانة خاصة في خطة الله للخلاص. ومع ذلك، فأنا أفهم أيضًا أن خدمتك تمتد إلى ما هو أبعد من الشعب اليهودي، وأريد أن أكون جزءًا من هذه البركة الممتدة.”
- كان لردها معنى خاص في ضوء الرفض المُتزايد ليسوع من قِبَل القادة اليهود. فكان الأمر كما لو كانت المرأة تقول: “أنا لا أطلب الجزء الذي يخص الأبناء، فقط الفتات الذي لا يريدونه.” ففي سياق إنجيل متى، كان هناك المزيد والمزيد من الأمور لم تبتغيها القيادة الدينية اليهودية.
- كانت هذه الكلمة مملوءة بالإيمان: أَيْضًا. فقد قبلت وصف يسوع لطبيعة خدمته وطلبت الرحمة رغم ذلك – أو ربما بسبب ذلك. “لم تستسلم على الرغم من أنه صدها لثلاث مرات. وقالت كما قال يعقوب: ’لاَ أُطْلِقُكَ إِنْ لَمْ تُبَارِكْنِي.‘ وكما كان يعقوب أمير الله، فهي أيضًا كانت أميرة لله، وحصلت على مشتهى قلبها.” بوله (Poole)
- “صديقي العزيز، ربما همس أحدهم في أذنك قائلًا: ’لنفترض أنك لست من المنتَخَبين.‘ حسنًا، كان هذا ما قصده يسوع في حديثه معها. ولكن لاحظ أن هذه المرأة لم تقاوم هذه الحقيقة على الإطلاق، فهي لا تُثِرْ أيَ سؤال حول هذا الموضوع؛ بل تجاهلت ما قاله بحكمة، وواصلت الصلاة قائلة: ’ساعدني، يَا سَيِّدُ! ارْحَمْنِي، يَا سَيِّدُ!‘ لذا، أنا أدعوك صديقي العزيز، أن تفعل الشيء نفسه.” سبيرجن (Spurgeon)
د ) الآية (٢٨): يسوع يكافئ الإيمان العظيم الذي للمرأة الأممية.
٢٨حِينَئِذٍ أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهَا: «يَا امْرَأَةُ، عَظِيمٌ إِيمَانُكِ! لِيَكُنْ لَكِ كَمَا تُرِيدِينَ». فَشُفِيَتِ ابْنَتُهَا مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ.
- حِينَئِذٍ أَجَابَ يَسُوعُ: أخيرًا، ستتلقى المرأة كلمة مشجعة من يسوع.
- يَا امْرَأَةُ، عَظِيمٌ إِيمَانُكِ!: لم يقل يسوع هذا أبدًا لشخص آخر. لقد أثنى على الإيمان العظيم الذي للقائد الروماني الذي طلب من يسوع أن يشفي عبده (متى ١٠:٨)، لكنه قد تحدث للحشد، وليس إلى قائد المئة مباشرة. أما هذه المرأة الوثنية فقد سمعت من يسوع مباشرة.
- إلى حد كبير، الشخصان الوحيدان اللذان تلقيا هذا المدح من يسوع هما هاذان الأمميان. هذا يبين لنا الآتي:
- يمكن العثور على إيمان عظيم في أماكن غير متوقعة، ليس فقط بين الأمميون، ولكن من قائد المئة وامرأة!
- يقاس الإيمان العظيم في بعض الأحيان بنقائصه. إيمانهما كان عظيمًا لأنه لم يتغذى من قِبل المؤسسات اليهودية.
- الإيمان غالبًا ما يكون أكبر عندما يتم التعبير عنه نيابة عن حاجة شخص آخر.
- عَظِيمٌ إِيمَانُكِ: “لم يتلقَ أحد آخر المدحَ من يسوع.” فرانس (France)
- إلى حد كبير، الشخصان الوحيدان اللذان تلقيا هذا المدح من يسوع هما هاذان الأمميان. هذا يبين لنا الآتي:
- يَا امْرَأَةُ، عَظِيمٌ إِيمَانُكِ! لِيَكُنْ لَكِ كَمَا تُرِيدِينَ: إيمانها كان عظيمًا بما يكفي لتحقيق مطلبها الذي أرادته من يسوع.
- إيمانها كان عظيمًا، حتى مقارنة بفضائلها الأخرى. كانت متواضعة وصبورة ومثابرة، وكانت تهتم بطفلتها. ولكن يسوع لم يمدح أيًا من هذه الأمور الجيدة، ولكن فقط إيمانها.
- إيمانها كان عظيمًا لأنه لم يكن محتمَلًا. لم يكن أحد يتوقع أن أممي قد يثق بيسوع هكذا.
- إيمانها كان عظيمًا لأنها كانت تعبُد يسوع حتى قبل أن تحصل على استجابة منه.
- إيمانها كان عظيمًا لأنه تم امتحانه بشدة. فمن الصعب التفكير في امتحان أكبر من طفلة يمتلكها شيطانٌ؛ لكن إيمانها أمتُحِن أيضًا من خلال اللامبالاة الظاهرية أو تحَفُظ يسوع.
- إيمانها كان عظيمًا لأنه فَطِنٌ. لقد حوَّلت كلمة يسوع، وجعلت، ما قد يكون بمثابة إهانة، بابًا مفتوحًا للإيمان.
- إيمانها كان عظيمًا لأنه يتعلق بالحاجة الماثلة أمامها. فالكثير من الناس يؤمنون بكل شيء ما عدا تلك الأشياء الموجودة أمامهم مباشرة.
- إيمانها كان عظيمًا لأنه لم يستسلم. لم تتوقف حتى حصلت على ما تحتاجه من يسوع.
- يمكنك القول أن إيمانها كَسَبَ يسوع. لم يشفي ابنتها فحسب، بل فعل ذلك على الفور، وهو أمر لم تطلبه حتى.
- لا نقرأ أي شيء آخر فعله يسوع خلال هذا الوقت في صور وصيداء. ويبدو أن قصده الإلهي الوحيد كان تلبيةُ حاجة هذه المرأة المؤمنة وابنتها المنكوبة.
ثالثًا. إطعام الأربعة آلاف
أ ) الآيات (٢٩-٣١): يسوع يشفي الجموع.
٢٩ثُمَّ انْتَقَلَ يَسُوعُ مِنْ هُنَاكَ وَجَاءَ إِلَى جَانِب بَحْرِ الْجَلِيلِ، وَصَعِدَ إِلَى الْجَبَلِ وَجَلَسَ هُنَاكَ. ٣٠فَجَاءَ إِلَيْهِ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ، مَعَهُمْ عُرْجٌ وَعُمْيٌ وَخُرْسٌ وَشُل وَآخَرُونَ كَثِيرُونَ، وَطَرَحُوهُمْ عِنْدَ قَدَمَيْ يَسُوعَ. فَشَفَاهُمْ ٣١حَتَّى تَعَجَّبَ الْجُمُوعُ إِذْ رَأَوْا الْخُرْسَ يَتَكَلَّمُونَ، وَالشُّلَّ يَصِحُّونَ، وَالْعُرْجَ يَمْشُونَ، وَالْعُمْيَ يُبْصِرُونَ. وَمَجَّدُوا إِلهَ إِسْرَائِيلَ.
- فَجَاءَ إِلَيْهِ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ: رغم أن يسوع انسحب لفترة وجيزة من بين الجموع، إلا أنه لم يفعل ذلك بشكل دائم. كان لا يزال لديه عمل للقيام به بين جُمُوع كَثِيرَة.
- يعتقد معظم المفسرين أن هذا يمثل فترة فريدة من نوعها في خدمة يسوع، عندما قام بالشفاء والخدمة في منطقة الجليل التي كانت مليئة بالأمميين. وبربط هذا بشكل خاص مع إنجيل مرقس ٣١:٧-٣٧، نرى أن هذا قد حدث على الجانب الشرقي من بحر الجليل، وهي المنطقة المعروفة باسم العشر المُدُن. وكذلك، فإن بُعد المكان (في البرية، متى ٣٣:١٥) يتلاءم أكثر مع الجانب الشرقي.
- “هؤلاء الناس كانوا على الأرجح أمميين أو شبه أمميين، وقد تجمعوا من العشر المُدُن (مرقس ٣١:٧).” مورجان (Morgan)
- عندما شفى يسوع وأطعم هذه المجموعة المختلطة أو الغالب عليها الأمم، أظهر أن الأمم كانوا في الواقع يحصلون على أكثر من مجرد فتات قليل من المائدة.
- وَطَرَحُوهُمْ عِنْدَ قَدَمَيْ يَسُوعَ. فَشَفَاهُمْ: في هذه الحادثة، لم نقرأ شيئًا عن أي إيمان الذين شفوا، باستثناء أنهم جاؤوا إلى يسوع طلبًا للمساعدة.
- “تم تصنيف من تم إحضارهم على أنهم ’مشوهون (kullous)‘ والتي عادة تُترجم إلى ’أعْرَج‘ بسبب التهاب المفاصل. ولكن في إنجيل متى ٨:١٨ يبدو أنه يعني “أجْدَع.” ويؤيد جروتيوس (Grotius) هذا المعنى، ويوضح أنه من بين أعمال المسيح في الشفاء كانت استعادة الأطراف المفقودة، على الرغم من أننا لا نقرأ عن مثل هذا في أي موضع آخر.” بروس (Bruce)
- وَمَجَّدُوا إِلهَ إِسْرَائِيلَ: حتى في أمر يحتمل أن يعزز به نفسه كشافٍ، لفت يسوع دائمًا الانتباه إلى الله الآب، إِلهَ إِسْرَائِيل. وهذا الجمهور، على الأرجح كانت غالبيته من الأمم، تعلم أن يمدح إِلهَ إِسْرَائِيل.
- “يشير التعبير إلى أنه كان حشد من الأمميين، ويبدو أنه يشير إلى أن يسوع المبشر كان على الجانب الشرقي، في أرض الأمم.” بروس (Bruce)
ب) الآيات (٣٢-٣٩): إطعام الأربعة آلاف.
٣٢وَأَمَّا يَسُوعُ فَدَعَا تَلاَمِيذَهُ وَقَالَ: «إِنِّي أُشْفِقُ عَلَى الْجَمْعِ، لأَنَّ الآنَ لَهُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ يَمْكُثُونَ مَعِي وَلَيْسَ لَهُمْ مَا يَأْكُلُونَ. وَلَسْتُ أُرِيدُ أَنْ أَصْرِفَهُمْ صَائِمِينَ لِئَلاَّ يُخَوِّرُوا فِي الطَّرِيقِ» ٣٣فَقَالَ لَهُ تَلاَمِيذُهُ: «مِنْ أَيْنَ لَنَا فِي الْبَرِّيَّةِ خُبْزٌ بِهذَا الْمِقْدَارِ، حَتَّى يُشْبِعَ جَمْعًا هذَا عَدَدُهُ؟» ٣٤فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «كَمْ عِنْدَكُمْ مِنَ الْخُبْزِ؟» فَقَالُوا: «سَبْعَةٌ وَقَلِيلٌ مِنْ صِغَارِ السَّمَكِ». ٣٥فَأَمَرَ الْجُمُوعَ أَنْ يَتَّكِئُوا عَلَى الأَرْضِ، ٣٦وَأَخَذَ السَّبْعَ خُبْزَاتٍ وَالسَّمَكَ، وَشَكَرَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَى تَلاَمِيذَهُ، وَالتَّلاَمِيذُ أَعْطَوُا الْجَمْعَ. ٣٧فَأَكَلَ الْجَمِيعُ وَشَبِعُوا. ثُمَّ رَفَعُوا مَا فَضَلَ مِنَ الْكِسَرِ سَبْعَةَ سِلاَل مَمْلُوءَةٍ، ٣٨وَالآكِلُونَ كَانُوا أَرْبَعَةَ آلاَفِ رَجُل مَا عَدَا النِّسَاءَ وَالأَوْلاَدَ. ٣٩ثُمَّ صَرَفَ الْجُمُوعَ وَصَعِدَ إِلَى السَّفِينَةِ وَجَاءَ إِلَى تُخُومِ مَجْدَلَ.
- وَلَسْتُ أُرِيدُ أَنْ أَصْرِفَهُمْ صَائِمِينَ لِئَلاَّ يُخَوِّرُوا فِي الطَّرِيقِ: تتبع هذه المعجزة نفس النمط الأساسي لإطعام الخمسة آلاف، إلا أنها تكشف أن التلاميذ كانوا بطيئين عمومًا في الإيمان كما نحن (مِنْ أَيْنَ لَنَا فِي الْبَرِّيَّةِ خُبْزٌ بِهذَا الْمِقْدَارِ، حَتَّى يُشْبِعَ جَمْعًا هذَا عَدَدُهُ؟).
- ربما لم يكن التلاميذ يتوقعون من يسوع أن يستخدم قوته المسيانية عندما كان الحشد من الأمم.” فرانس (France)
- من المهم أن نُدرك أن هذا ليس مجرد إعادة سرد لمعجزة إطعام الخمسة آلاف السابقة. فهناك اختلافات كثيرة تميز المعجزة عن سابقتها:
- أعداد مختلفة من الناس الآكلين.
- مواقع مختلفة (على الشواطئ الغربية والشرقية لبحر الجليل).
- مواسم مختلفة من السنة، يشار إليها دون ذكر العُشب في المعجزة السابقة.
- إمدادات مختلفة من المواد الغذائية.
- عدد مختلف من السِلال التي تحتوي على بقايا الطعام، وحتى تم استخدام كلمة مختلفة للإشارة إلى “السِلال” في المعجزة الأخرى.
- فترة مختلفة من انتظار الناس (متى ٣٢:١٥).
- وَالتَّلاَمِيذُ أَعْطَوُا الْجَمْعَ: لقد فعل يسوع ما يستطيع أن يفعله فقط (المعجزة الإلهية)، لكنه ترك للتلاميذ ما يمكنهم فعله (توزيع الطعام).
- فَأَكَلَ الْجَمِيعُ وَشَبِعُوا. ثُمَّ رَفَعُوا مَا فَضَلَ مِنَ الْكِسَرِ سَبْعَةَ سِلاَل مَمْلُوءَةٍ: بعدما أكلوا، جمعوا أكثر، وليس أقل. تظهر السَبْعَةَ السِلاَل المَمْلُوءَةٍ أن الله قدَّم من سخائه.
- مَمْلُوءَةٍ: “الكلمة اليونانية هنا، في دلالة مناسبة لها، تستخدم للإشارة إلى تسمين الماشية.” تراب (Trapp)
- وَالآكِلُونَ كَانُوا أَرْبَعَةَ آلاَفِ رَجُل: “ليست هذه رغبة لتضخيم الرقم لجعل العجائب أكبر.” سبيرجن (Spurgeon)
- كانت الطريقة التي أطعم بها المسيا اليهودَ والأمم بأعجوبة، صورةً عامة لمأدُبة مسيانية عظيمة. وكان هذا متوقعًا بشكل كبير بين اليهود في زمن يسوع، لكنهم شعروا بالإهانة من فكرة حضور الأمم أيضًا.