إنجيل متى – الإصحاح ٢٤
خطاب يسوع على جبل الزيتون
أولًا. دمار الهيكل والآثار المترتبة عليه
أ ) الآيات (١-٢): يسوع يتنبأ بدمار الهيكل.
١ثُمَّ خَرَجَ يَسُوعُ وَمَضَى مِنَ الْهَيْكَلِ، فَتَقَدَّمَ تَلاَمِيذُهُ لِكَيْ يُرُوهُ أَبْنِيَةَ الْهَيْكَلِ. ٢فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «أَمَا تَنْظُرُونَ جَمِيعَ هذِهِ؟ اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لاَ يُتْرَكُ ههُنَا حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ لاَ يُنْقَضُ!».
- ثُمَّ خَرَجَ يَسُوعُ وَمَضَى مِنَ الْهَيْكَلِ: لن يجادل يسوع القادة الدينيين ثانية، ولن يأتي ثانية إلى الهيكل في خدمته الأرضية. لهذا نرى التأكيد هنا: خَرَجَ … وَمَضَى.
- خَرَجَ يَسُوعُ وَمَضَى: “هناك تأكيد على الفكرة وراء الفعل هنا. فقد كان ذاهبًا بعيدًا، مثل الشخص الذي لا ينوي العودة.” بروس (Bruce)
- “لقد جاؤوا إلى سيدهم وذهنهم مشغول، وحاولوا تغيير أفكاره القاتمة والمتشائمة بدعوته إلى إلقاء نظرة على الهيكل المقدس.” بروس (Bruce)
- فَتَقَدَّمَ تَلاَمِيذُهُ لِكَيْ يُرُوهُ أَبْنِيَةَ الْهَيْكَلِ: بعد تدمير هيكل سليمان، قام كل من زربابل وعزرا ببناء هذا الهيكل (عزرا ١٥:٦). وقام هيرودس الكبير (الذي كان يحكم عندما ولد يسوع) بتوسيعه وتحسينه بشكل كبير. فكان هذا الهيكل مركز الحياة اليهودية منذ ما يقرب من ألف عام، لدرجة أنه كان من المعتاد أن يُقْسَم بالهيكل (متى ١٦:٢٣)، ويمكن اعتبار التحدث ضد الهيكل تجديفًا (عمال الرسل ١٣:٦).
- يخبرنا يوسيفوس اليهودي (في كتابه بعنوان: ’آثار اليهود‘) أن هيرودس جعل ثمانية آلاف رجلًا يعملون طوال ثمانية أعوام كاملة في هذا الهيكل؛ ومن شدة روعته وفخامته، فاق هيكل سليمان.” تراب (Trapp)
- بعدما انتهى هيرودس من العمل، كان الهيكل ضخمًا جدًا: حوالي ٥٠٠ أو متر طولًا و٤٠٠ متر عرضًا. وقد بدأت خطة هيرودس لإعادة البناء في عام ١٩ قبل الميلاد، وانتهى البناء عام ٦٣م، واستغرق بناءه أكثر من ٨٠ عامًا. وتم الانتهاء من الهيكل قبل سبع سنوات فقط من تدميره.
- الهيكل الثاني لم يكن كبيرًا فحسب، بل جميلًا أيضًا. قال المؤرخ اليهودي يوسيفوس إن المعبد كان مغطى بلوحات ذهبية، وعندما كانت أشعة الشمس تشرق عليه، كان من العسير النظر إليه. وفي الأماكن التي لم يكن فيها ذهبًا، كانت هناك كتل رخامية ذات اللون الأبيض النقي لدرجة أنه عن بُعد كان الغرباء يعتقدون أن الثلج تساقط على الهيكل.
- أَمَا تَنْظُرُونَ جَمِيعَ هذِهِ؟: أراد التلاميذ أن ينظر يسوع إلى الأبنية الجميلة؛ ولكن يسوع طلب منهم أن يلتفتوا وينظروا إلى جَمِيعَ هذِهِ.
- “إن استخدامه لكلمة ’هذه‘ وليس الأبنية، يشير إلى عدم اكتراثه بالروعة التي أعجب بها التلاميذ.” بروس (Bruce)
- إِنَّهُ لاَ يُتْرَكُ ههُنَا حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ: بعد مرور حوالي ٤٠ عامًا على هذه الكلمات، حدثت ثورة يهودية واسعة النطاق ضد الرومانيين في فلسطين، وحققوا نجاحات كثيرة في البداية. ولكن في نهاية المطاف سحق الجنود الرومانيون المتمردينَ. وفي عام ٧٠م دمرت أورشليم بالكامل، بما في ذلك الهيكل – تمامًا كما قال المسيح.
- “يُقال إن تيطُس أراد أن يحفظ الهيكل، كأحد عجائب الدنيا، من أن يُحرق، لكنه لم يستطع؛ فغضب جنوده أدى إلى هذا العمل الذي كان وفقًا لإرادة الله بلا شك.” تراب (Trapp)
- يقال أنه أثناء سقوط أورشليم، هرب آخر الناجين من اليهود إلى الهيكل، لأنه كان أقوى مبنى وأكثرها أمنًا في المدينة. فأحاط الجنود الرومانيون به، وأشعل جندي مخمور النار التي سرعان ما غمرت المبنى بأكمله. فانصهر الذهب ودخل في الشقوق بين الجدران الحجرية للهيكل، ولاستعادته، أمر القائد الروماني بتفكيك الهيكل حجرًا حجرًا. فكان الدمار كاملًا لدرجة أنهم اليوم يواجهون صعوبة حقيقية في معرفة مكان وجود الهيكل.
- “قال يوسيفوس أن الحجارة كانت بيضاء وقوية؛ خمسون قدمًا طولًا وأربعة وعشرون قدمًا عرضًا وستة عشر قدمًا سماكةً (كتاب ’آثار اليهود‘).” كلارك (Clarke)
- لاَ يُنْقَضُ: تحققت هذه النبوءة حرفيًا. إذ كان هناك هيكلًا حقيقيًا، ولكنه دمر بالكامل. وإن الإيفاء الحرفي لهذه النبوءة يحدد طبيعة باقي النبوءات في الإصحاح، إذ يجب أن نتوقع تحقيق حرفي لها أيضًا.
- “قد نلاحظ أيضًا أن الله لا يقدر أبدًا الأماكن الرائعة للصلاة عندما تصبح أوكارًا للصوص.” بوله (Poole)
ب) الآية (٣): نبوءة يسوع تثير سؤالين.
٣وَفِيمَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ، تَقَدَّمَ إِلَيْهِ التَّلاَمِيذُ عَلَى انْفِرَادٍ قَائِلِينَ: «قُلْ لَنَا مَتَى يَكُونُ هذَا؟ وَمَا هِيَ عَلاَمَةُ مَجِيئِكَ وَانْقِضَاءِ الدَّهْرِ؟»
- وَفِيمَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ: بعد خروجه من الهيكل، سأل التلاميذ يسوع أسئلة عن تنبؤه الجريء فيما يتعلق بخراب الهيكل.
- كان الوقت مناسبًا جدًا لمثل هذا النقاش. فقد رفض القادة الدينيون يسوع، وقريبًا جدًا سيسلمونه إلى الرومان من أجل صلبه. فقد عرف يسوع المصير المرير الذي كان ينتظره في أورشليم، فأراد أن يمنح تلاميذه الرجاء والثقة اللذين سيتم اختبارهم قريبًا.
- مَتَى يَكُونُ هذَا؟: قال يسوع إن الهيكل سيُدمر بالكامل. فكان من المنطقي أن يسأل التلاميذ عن موعد حدوث ذلك. وسوف يجيب يسوع عن هذا السؤال، ولكن فقط في سياق الإجابة عن السؤالين التاليين.
- وَمَا هِيَ عَلاَمَةُ مَجِيئِكَ وَانْقِضَاءِ الدَّهْرِ؟: “ربما اعتقد التلاميذ أنهم طرحوا سؤالًا واحدًا فقط. فبالنسبة للتلاميذ، كان دمار الهيكل وانْقِضَاءِ الدَّهْرِ أمران ربما متصلين. ولكن في الحقيقة، هم طرحوا سؤالين (يقول البعض ثلاثة)، وسوف يتم الإجابة على هذا السؤال الثاني في بقية الإصحاح.
- لم يقم التلاميذ بتنظيم وجدولة أسئلتهم. فعلى الأغلب قدموها كطلب واحد، على افتراض أن كل هذه الأشياء ستحدث في وقت واحد. لهذا السبب كانت إجابة يسوع موجهة أساسًا لتصحيح هذا الفهم الخاطئ.” مورجان (Morgan)
- وربما طُرِح السؤال الثاني أثناء تذكُرهم للأحداث المحيطة بتدمير الهيكل الأول: فلقد تم تدمير هيكل سليمان بنفس الوقت الذي أدين فيه شعب إسرائيل ونفْيّ.
- وَمَا هِيَ عَلاَمَةُ مَجِيئِكَ وَانْقِضَاءِ الدَّهْرِ؟: بينما يجيب يسوع على السؤال الثاني المهم، سوف يقدم الكثير من التعليقات والتنبؤات المحددة حول أخر الأيام. وقد كانت هذه التنبؤات مصدر خلاف كبير بين المؤمنين الذين حاولوا فهمها. فلماذا إذًا لم يقل يسوع ذلك بوضوح حتى لا يسيء أحد فهمه؟
- أحد الأسباب التي تجعل النبوءة تبدو غامضة أو غير دقيقة هو أن الله يريد أن يكون لكل عصر أسباب تجعله مستعدًا لعودة يسوع. فلا ينبغي لنا أن نفكر في عودة يسوع كحدث بعيد، ولكن أمرًا نسير بمحاذاته منذ يوم الخمسين.
- يشير آخرون إلى أن قصد الله هو الحفاظ على المستقبل غامضًا إلى حد ما وغائمًا لإرباك الشيطان، مثلما كانت قيامة المسيح غامضة في العهد القديم.
- على الرغم من أن بعض التفسيرات النبوية مختلفة، إلا أننا على يقين من ذلك: إنه سيأتي ثانية، ويجب أن نكون مستعدين.
ثانيًا. تدفق التاريخ حتى عودة يسوع
أ ) الآيات (٤-٨): يصف يسوع ظروف العالم العامة خلال الفترة بين صعوده والوقت الذي يسبق مجيئه الثاني مباشرة.
٤فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «انْظُرُوا! لاَ يُضِلَّكُمْ أَحَدٌ. ٥فَإِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ بِاسْمِي قَائِلِينَ: أَنَا هُوَ الْمَسِيحُ! وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ. ٦وَسَوْفَ تَسْمَعُونَ بِحُرُوب وَأَخْبَارِ حُرُوبٍ. اُنْظُرُوا، لاَ تَرْتَاعُوا. لأَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ تَكُونَ هذِهِ كُلُّهَا، وَلكِنْ لَيْسَ الْمُنْتَهَى بَعْدُ. ٧لأَنَّهُ تَقُومُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ، وَتَكُونُ مَجَاعَاتٌ وَأَوْبِئَةٌ وَزَلاَزِلُ فِي أَمَاكِنَ. ٨وَلكِنَّ هذِهِ كُلَّهَا مُبْتَدَأُ الأَوْجَاعِ.
- انْظُرُوا! لاَ يُضِلَّكُمْ أَحَدٌ: منذ البداية، حذَّر يسوع التلاميذ من أن الكثيرين سيخدعون وهم يتوقعون عودته. فكانت هناك أوقات في تاريخ الكنيسة تكهن فيها البعض وصدقهم البعض وكانت النتيجة خيبة أمل كبيرة وإحباط وتعثُر.
- ومن الأمثلة البارزة على تلك التكهنات في عام ١٨٤٦ مع ويليام ميلر (William Miller) في الولايات المتحدة، فبسبب تفسيراته التكهنية وحساباته ومنشوراته، كان هناك مئات الآلاف في الولايات المتحدة الذين كانوا مقتنعين بأن يسوع سيعود في عام ١٨٤٦. وعندما لم يعد يسوع، كانت هناك خيبة أمل كبيرة، وترك كثيرين الإيمان، وظهرت بعض الهرطقات جراء حُمى التكهنات.
- لاَ تَرْتَاعُوا. لأَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ تَكُونَ هذِهِ كُلُّهَا، وَلكِنْ لَيْسَ الْمُنْتَهَى بَعْدُ: نوع الأمور التي يذكرها يسوع في هذا القسم ليست هي الأشياء التي تشير إلى علامات محددة على النهاية. فمن المؤكد أن أمورًا مثل المُسحاء الكذبة وقيام أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ، ومَجَاعَاتٌ وَأَوْبِئَةٌ وَزَلاَزِلُ قد ميزت تاريخ الإنسان منذ زمن صعود يسوع، لكنها لم تكن علامات محددة على النهاية. ففي الواقع، قال يسوع: “ستحدث الكوارث، لكن هذه لن تشير إلى النهاية.”
- في خضم أي حرب كبيرة أو أي مجاعة كبيرة أو أي زلزال كبير، من الطبيعي الاعتقاد بأن العالم يقترب من نهايته. ولكن يسوع قال إن هناك علامة أكثر تحديدًا تشير إلى عودته، وهو يصف ذلك لاحقًا.
- “أحد الأهداف الواضحة لهذا الإصحاح هو منع الحماسة المبكرة حول المجيء الثاني.” فرانس (France)
- وَلكِنَّ هذِهِ كُلَّهَا مُبْتَدَأُ الأَوْجَاعِ: على الرغم من أن أيًا من هذه الأحداث ليست علامة محددة على النهاية، فهي تعتبر، مجتمعة، علامةً. فعندما وصف يسوع هذه المصائب بأنها مُبْتَدَأُ الأَوْجَاعِ، دعاها حرفيًا بدايةَ آلام المخاض. وكما هو الحال مع آلام المخاض، يجب أن نتوقع أن الأشياء المذكورة: الحروب والمجاعات والزلازل وما إلى ذلك، ستصبح أكثر تكرارًا وأكثر كثافة قبل عودة يسوع، دون أن يكون أي منها علامة محددة على النهاية.
- “مُبْتَدَأُ: قد يعتقد عديمي الخبرة أن تراكم هذه الأهوال هي النهاية، ومن هنا جاءت الملاحظة لمنع الذعر.” بروس (Bruce)
ب) الآيات (٩-١٤): يصف يسوع ما يجب أن يتوقعه تلاميذه خلال الفترة بين صعوده والمجيء الثاني.
٩حِينَئِذٍ يُسَلِّمُونَكُمْ إِلَى ضِيق وَيَقْتُلُونَكُمْ، وَتَكُونُونَ مُبْغَضِينَ مِنْ جَمِيعِ الأُمَمِ لأَجْلِ اسْمِي. ١٠وَحِينَئِذٍ يَعْثُرُ كَثِيرُونَ وَيُسَلِّمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيُبْغِضُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. ١١وَيَقُومُ أَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ كَثِيرُونَ وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ. ١٢وَلِكَثْرَةِ الإِثْمِ تَبْرُدُ مَحَبَّةُ الْكَثِيرِينَ. ١٣وَلكِنِ الَّذِي يَصْبِرُ إِلَى الْمُنْتَهَى فَهذَا يَخْلُصُ. ١٤وَيُكْرَزُ بِبِشَارَةِ الْمَلَكُوتِ هذِهِ فِي كُلِّ الْمَسْكُونَةِ شَهَادَةً لِجَمِيعِ الأُمَمِ. ثُمَّ يَأْتِي الْمُنْتَهَى.
- حِينَئِذٍ يُسَلِّمُونَكُمْ إِلَى ضِيق وَيَقْتُلُونَكُمْ: في الفترة ما بين صعود يسوع إلى السماء وقبل أن يأتي مرة أخرى، يجب أن يتوقع تلاميذه أن يتعرضوا للاضطهاد. وقد يجعل هذا أتباعه يعتقدون أن النهاية قريبة، ولكن هذا أيضًا ليس علامة محددة على عودته.
- “بدلًا من ذلك، حِينَئِذٍ يُسَلِّمُونَكُمْ إِلَى ضِيق وَيَقْتُلُونَكُمْ. فمن خلال هذه الصورة المجازية الصعبة، تم تجسيد الألم والضيق هنا. فسوف يسلمون إلى يد الضيق، لكي يتم مضايقتهم بجميع أساليب التعذيب المبتكرة.” كلارك (Clarke)
- وَيُسَلِّمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا: “الاضطهاد سيكشف عن الخونة داخل الكنيسة وكذلك الأعداء خارجها.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَيَقُومُ أَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ كَثِيرُونَ وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ: في فترة ما بين صعود يسوع إلى السماء وقبل مجيئه ثانية، سيرى تلاميذ يسوع العديد من الأنبياء الكذبة وسيروا نجاحهم. ولكن هذه ليست علامات محددة على عودته.
- وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ: “للأسف سيقبل هؤلاء المعلمون أي تلاميذ! إنه لأمر محزن كثيرًا أن يكونوا قادرين على أن يضلوا ’الكثيرين.‘ ومع ذلك، عندما يحدث ذلك، دعونا نتذكر أن الملك قال إنه سيكون كذلك.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَلِكَثْرَةِ الإِثْمِ تَبْرُدُ مَحَبَّةُ الْكَثِيرِينَ: في الفترة في فترة ما بين صعود يسوع إلى السماء وقبل مجيئه ثانية، يجب على تلاميذه أن يتوقعوا أن يزداد المجتمع سوءًا. ولكن هذا أيضًا ليس علامة محددة على عودته.
- “وَلِكَثْرَةِ الإِثْمِ تَبْرُدُ مَحَبَّةُ الْكَثِيرِينَ، هذا الارتباط بين ’الإثم‘ و’ضعف المحبة‘ جدير بالاهتمام. فمحبة معظم البشر هي حرفيًا ’حال محبة الكثيرين.‘” فرانس (France)
- “هنا شيء علينا أن نخشاه: ’لأن الإثم سيكون كثيرًا‘ – وهذا أسوأ من الأوبئة؛ ’فإن محبة الكثيرين ستذوب كالشمع.‘ وهذا أسوأ من الاضطهاد. وكما أن المياه خارج السفينة لا يمكنها أن تؤذيها حتى تدخل السفينة نفسها، هكذا لا يمكن أن يؤدي الاضطهاد الخارجي إلى إلحاق ضرر حقيقي بكنيسة الله، ولكن عندما يدخل الأذى إلى الكنيسة، وتذوب محبة شعب الله، فعندئذٍ يكون القارب في ضائقة مُضنية.” سبيرجن (Spurgeon)
- “إن صار القلب باردًا، يصبح كل شيء نفعله باردًا أيضًا. فعندما تضعف أو تبرد محبتنا، يبرد وعظُنا أيضًا! فضوء القمر يخلو من حرارة. صحيحٌ أن شكله جميل كالرخام، لكنه باردٌ كالصقيع. وأي نوع من التسبيح البارد سيكون لنا – نملك موسيقى جميلة، مصنوعة من أروع الآلات، ولكن من دون روح. وأمّا التسبيح بالروح، حتى لو كان بسيطًا، فإنه يسعد قلب الله. يا لَصلاتنا الرديئة. هل نسمي هذه صلاة؟ ويا لَعطائنا الشحيح! فعندما يكون القلب باردًا، لن تجد اليد شيئًا في المحفظة؛ فعندما تبرد محبتنا، تهلك كنيسة المسيح ويهلك الفقراء المؤمنون ويهلك الضالون، لأننا نذخر لأنفسنا، ونعيش لكي نصبح أغنياءً. فهل سيسير أي شيء كما يجب عندما تبرد محبتنا؟” سبيرجن (Spurgeon)
- وَيُكْرَزُ بِبِشَارَةِ الْمَلَكُوتِ هذِهِ فِي كُلِّ الْمَسْكُونَةِ شَهَادَةً لِجَمِيعِ الأُمَمِ. ثُمَّ يَأْتِي الْمُنْتَهَى: وعد يسوع أيضًا أنه قبل النهاية، سيصل الإنجيل إلى العالم كله. فالاضطهاد والأنبياء الكذبة والانحدار العام للمجتمع لن يمنع انتشار الإنجيل.
- “يدعي البعض أن هذا قد تم بالفعل، وبالتالي فإن نهاية الزمان قريبة بالضرورة. وهذا الاستنتاج مفتوح للشك الخطير. فكل شيء يعتمد على معنى كلمة ’شَهَادَةً.‘” مورجان (Morgan)
- على الكنيسة أن تأخذ هذا بجدية كواجبها. ومع ذلك، أكد الله أن ذلك سيحدث: “ثُمَّ رَأَيْتُ مَلاَكًا آخَرَ طَائِرًا فِي وَسَطِ السَّمَاءِ مَعَهُ بِشَارَةٌ أَبَدِيَّةٌ، لِيُبَشِّرَ السَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْضِ وَكُلَّ أُمَّةٍ وَقَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ، قَائِلًا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «خَافُوا اللهَ وَأَعْطُوهُ مَجْدًا، لأَنَّهُ قَدْ جَاءَتْ سَاعَةُ دَيْنُونَتِهِ». (رؤيا يوحنا ٦:١٤-٧)
ثالثًا. يسوع يصف علامة مجيئه ونهاية الزمان
أ ) الآية (١٥): العلامة: رِجْسَةَ الْخَرَابِ، التي تحدث عنها دانيال.
١٥«فَمَتَى نَظَرْتُمْ «رِجْسَةَ الْخَرَابِ» الَّتِي قَالَ عَنْهَا دَانِيآلُ النَّبِيُّ قَائِمَةً فِي الْمَكَانِ الْمُقَدَّسِ – لِيَفْهَمِ الْقَارِئُ.
- فَمَتَى نَظَرْتُمْ «رِجْسَةَ الْخَرَابِ»: في الأساس، تتحدث رجسة الخراب عن تدنيس الهيكل اليهودي، وإنشاء صورة الوثنية في الْمَكَانِ الْمُقَدَّسِ نفسه، والتي ستؤدي حتمًا إلى قضاء الله. إنها ’رِجْسَةَ‘ التي تجلب الخراب.
- في المفردات اليهودية في ذلك الوقت، كانت كلمة ’رِجْسَةَ‘ شكل خاص من عبادة الأصنام. وقد وصف يسوع شكلًا صارخًا من عبادة الأصنام، ستكون قَائِمَةً فِي الْمَكَانِ الْمُقَدَّسِ، وتأتي بالدمار الكبير (الْخَرَابِ).
- “إن رجسة الخراب هي تفسير يوناني حرفي لكلمة ’فحشاء،‘ وهو مصطلح في العهد القديم يفيد إهانة الإله الحقيقي.” فرانس (France)
- قَائِمَةً فِي الْمَكَانِ الْمُقَدَّسِ: هذا يعني أن رجسة الخراب ستحدث في الهيكل اليهودي. وهذا هو المعنى البسيط الوحيد لعبارة الْمَكَانِ الْمُقَدَّسِ. ويعتقد البعض أن هذا قد حدث في الهيكل اليهودي السابق، قبل تدميره في عام ٧٠ ميلاديًا. ويعتقد آخرون، بشكل أكثر ملاءمة، أنه سيحدث في الْمَكَانِ الْمُقَدَّسِ أي الهيكل الذي سيُعاد بناؤه.
- لقرون، لم يكن هناك سوى عدد قليل من اليهود في اليهودية وأورشليم. وكان وجودهم في المنطقة محددًا ومستمرًا ولكنه صغير. فلم يكن من المتصور أن هذا الوجود اليهودي الضعيف يمكن أن يعيد بناء الهيكل. لذلك كان تحقيق هذه النبوءة مستبعدًا إلى حد كبير حتى تم تجميع إسرائيل مرة أخرى كأمة في عام ١٩٤٨. إن استعادة الأمة لم يشهدها العالم منذ حوالي ٢٠٠٠ عام هو حدث رائع في تحقيق النبوءة وتحقيقها في المستقبل.
- أولئك الذين يعتقدون أن أحداث (متى ٢٤) قد تحققت كلها أو معظمها في عام ٧٠م، واجهوا صعوبة هنا. فلا يوجد دليل جيد على الإطلاق على أن الجيوش الرومانية براياتهم دنسوا الْمَكَانِ الْمُقَدَّسِ أي الهيكل. وبدلًا من ذلك، تم تدمير الهيكل قبل دخول الرومان.
- لذلك، غالبًا ما يعيد أولئك الذين يتبعون هذا النهج التفسيري تعريف ’الْمَكَانِ الْمُقَدَّسِ‘ كما يفعل بروس (Bruce): “يفكر المرء بشكل طبيعي في الهيكل أو المدينة المقدسة وضواحيها، ولكن ’المكان المقدس‘ في الأسلوب النبوي قد يعني الأرض المقدسة.”
- “المعنى الطبيعي لتعبير ’الْمَكَانِ الْمُقَدَّسِ‘ هو الهيكل. ولكن بحلول الوقت الذي قام فيه الرومانيون بتدنيس الهيكل في عام ٧٠ ميلاديًا، كان قد فات الأوان على أي شخص في المدينة للفرار.” كارسون (Carson)
- الَّتِي قَالَ عَنْهَا دَانِيآلُ النَّبِيُّ: إن ذكر «رِجْسَةَ الْخَرَابِ» مأخوذ من سفر دانيال: “وَتَقُومُ مِنْهُ أَذْرُعٌ وَتُنَجِّسُ الْمَقْدِسَ الْحَصِينَ وَتَنْزِعُ الْمُحْرَقَةَ الدَّائِمَةَ وَتَجْعَلُ الرِّجْسَ الْمُخَرِّبَ.” (دانيال ٣١:١١). ويصف هذا تدنيسًا كاملًا للهيكل، وقد حدث هذا التدنيس زمن أنطيوخس أبيڤانيوس في الفترة ما بين العهد القديم والعهد الجديد.
- يشرح بولس مدى تحقيق ذلك مستقبلًا في تسالونيكي الأولى ٣:٢-٤) “لاَ يَخْدَعَنَّكُمْ أَحَدٌ عَلَى طَرِيقَةٍ مَا، لأَنَّهُ لاَ يَأْتِي إِنْ لَمْ يَأْتِ الاِرْتِدَادُ أَوَّلًا، وَيُسْتَعْلَنَ إِنْسَانُ الْخَطِيَّةِ، ابْنُ الْهَلاَكِ، الْمُقَاوِمُ وَالْمُرْتَفِعُ عَلَى كُلِّ مَا يُدْعَى إِلَهًا أَوْ مَعْبُودًا، حَتَّى إِنَّهُ يَجْلِسُ فِي هَيْكَلِ اللهِ كَإِلَهٍ مُظْهِرًا نَفْسَهُ أَنَّهُ إِلَهٌ.”
- “النقاش نفسه هو بلا شك مصدر لرسالات تسالونيكي. قد نقول أن يسوع نفسه يحدد نمط علم الأخرويات للكنيسة.” كارسون (Carson)
- يقدم سفر دانيال ١١:١٢ نظرة ثاقبة إضافية: “وَمِنْ وَقْتِ إِزَالَةِ الْمُحْرَقَةِ الدَّائِمَةِ وَإِقَامَةِ رِجْسِ الْمُخَرَّبِ أَلْفٌ وَمِئَتَانِ وَتِسْعُونَ يَوْمًا. (حتى النهاية). عند تظهر هذه العلامة، قد يتم تحديد النهاية؛ ستكون هناك ثلاث سنوات ونصف تقريبًا حتى انتهاء كل الأشياء.
- عبر القرون، فإن أكثر الطرق التفسيرية شيوعًا للتنبؤات التي قدمها يسوع في هذا الإصحاح هي رؤيتها جميعًا (أو معظمها) قد تحققت في الدمار الكبير الذي حدث في أورشليم واليهودية في ٧٠م. وهذا النهج جذاب من بعض النواحي، خاصة في أنه يجعل كلمات يسوع في إنجيل متى ٣٤:٢٤ سهلة الفهم. ومع ذلك، فإن النهج الذي يرى أن هذا الإصحاح قد تحقق بالكامل أو معظمه في عام ٧٠م هو غير كافٍ تمامًا في تحقيقه المفترض لرجسة الخراب. ففي هذا النهج، يُفهم دائمًا أن «رِجْسَةَ الْخَرَابِ» هي الجيوش الرومانية أو الرايات التي حملوها.
- ومع ذلك، عندما نفهم أهمية هذا الحدث وما يقال حول رجسة الخراب، يجب أن نعطيه الأولوية، حتى لو كان هذا أصعب من التفسير السهل للآية في متى ٣٤:٢٤. رجسة الخراب هي:
- العلامة الحاسمة لنهاية الأيام المذكورة في إنجيل متى ٢٤.
- تحذير للفرار المذكور في إنجيل متى ٢٤.
- العلامة على اكتمال كل الأشياء في سفر دانيال ٢٧:٩.
- العلامة التي مثلها أنطيوخس أبيڤانيوس مسبقًا في سفر دانيال ٣١:١١.
- العلامة الدقيقة والمحددة للأيام الأخيرة في سفر دانيال ١١:١٢.
- إعلان عن إنسان الخطية في رسالة تسالونيكي الثانية ٣:٢-٤.
- صورة الوحش في سفر رؤيا يوحنا ١٤:١٣-١٥.
- إذا أخذنا هذه المقاطع في أكثر معانيها وضوحًا، فإن «رِجْسَةَ الْخَرَابِ» لا يمكن أن تكون الجيوش الرومانية أو الرايات التي ساروا تحتها؛ ولا يمكن أن تكون الحكومات الشمولية أو أي تخمين آخر. إذ لا بدّ أن تكون «رِجْسَةُ الْخَرَابِ» صورة ما للمسيح الدجال توضع في هيكل حقيقي، وهذه هي العلامة الحاسمة للأيام الأخيرة. ويعني هذا بشكل عام أن نبوءات يسوع في إنجيل متى ٢٤ لم تتحقق بعد، أو على الأقل أن دمار أورشليم عام ٧٠م كان تحقيقًا جزئيًا، تمامًا كما حدث عند تدنيس الهيكل بقيادة أنطيوخس أبيفانيوس الذي كان يُعَد «رِجْسَةَ الْخَرَابِ» المُطلقة.
- لِيَفْهَمِ الْقَارِئُ: هنا يسوع (بافتراض أنه قال هذه الكلمات، ولم يُضِفْها البشير متى) وجهنا مرة أخرى إلى أهم نقطة، وهي «رِجْسَةَ الْخَرَابِ». فكان الأمر كما لو أن يسوع قال “لا تفوَّت هذا. إذا كنت لا تفهم هذا، فلن تفهم أشياء كثيرة أخرى.” وهذا هو بالضبط خطأ الكثيرين الذين، بحسن نية، يسيئون فهم المعنى الواضح المتمثل في «رِجْسَةَ الْخَرَابِ». لِيَفْهَمِ الْقَارِئُ!
ب) الآيات (١٦-٢٠): يسوع يُنذر بما ينبغي القيام به عندما تظهر رجسة الخراب: اهرب في الحال.
١٦فَحِينَئِذٍ لِيَهْرُب الَّذِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ إِلَى الْجِبَالِ، ١٧وَالَّذِي عَلَى السَّطْحِ فَلاَ يَنْزِلْ لِيَأْخُذَ مِنْ بَيْتِهِ شَيْئًا، ١٨وَالَّذِي فِي الْحَقْلِ فَلاَ يَرْجعْ إِلَى وَرَائِهِ لِيَأْخُذَ ثِيَابَهُ. ١٩وَوَيْلٌ لِلْحَبَالَى وَالْمُرْضِعَاتِ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ! ٢٠وَصَلُّوا لِكَيْ لاَ يَكُونَ هَرَبُكُمْ فِي شِتَاءٍ وَلاَ فِي سَبْتٍ.
- فَحِينَئِذٍ لِيَهْرُبِ الَّذِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ: هذه تحذيرات موجهة تحديدًا إلى الإسرائيليين. الْيَهُودِيَّةِ، الَّذِي عَلَى السَّطْحِ، والسَبْت، كلها تنم عن البيئة اليهودية.
- “حتى اللاجئ سيكون صعب عليه أن ينجو دون عوائق إضافية.” فرانس (France)
- في ضوء السياق الأوسع في هذا الإصحاح، يجب أن تُفهم كلمات يسوع هذه على أنها تطبيق أساسي لأولئك الذين يرون رجسة الخراب في الأيام الأخيرة، خلال الضيقة العظيمة، أي الأحداث التي لم تحدث بعد.
- ومع ذلك، ليس هناك شك في أن الكارثة التي وقعت على اليهودية، وخاصة أورشليم في عام ٧٠م، كانت صورة للأحداث المستقبلية أو تحقيق جزئي للأيام الأخيرة. ولهذا السبب، فر جميع المسيحيين تقريبًا من أورشليم واليهودية في السنوات التي سبقت عام ٧٠م، عندما وصلت الجيوش الرومانية إلى المنطقة لإخماد التمرد اليهودي في مقاطعة فلسطين الرومانية.
- “تشير إحدى التقاليد الجيدة إلى أن المسيحيين تركوا المدينة، ربما في عام ٦٨ ميلاديًا، وسط الحصار.” كارسون (Carson)
- “يقول يوسابيوس وإبيفانيوس: في هذا المنعطف، بعد أن رفع سيستيوس جالوس الحصار، وكان فيسباسيان يقترب مع جيشه، كل الذين آمنوا بالمسيح قد غادروا أورشليم وهربوا إلى بيلا، وأماكن أخرى ما وراء نهر الأردن؛ وهكذا نجوا جميعًا بإعجوبة من الخراب العام لبلدهم، ولم يلق أي منهم حتفهم.” كلارك (Clarke)
- للأسف لم يكن هذا ما فعله الشعب اليهودي. “كانت نصيحة يسوع أنه عندما يأتي ذلك اليوم، عليهم أن يهربوا إلى الجبال. ولكن الناس لم يفعلوا ذلك، بل حشروا أنفسهم في داخل المدينة ووراء أسوارها، بل أن كثيرين جاؤوا من خارج المدينة إلى داخلها، وهذا التصرف الأحمق ضاعف من المأساة لأنه جعل المجاعة قاسية مئات الأضعاف.” باركلي (Barclay)
- فَحِينَئِذٍ لِيَهْرُبِ الَّذِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ: هذا لأنه عند ظهور رجسة الخراب، سيتم حدوث الخراب أولًا في اليهودية، ولأن الكنيسة لن تكون موجودة في هذا الوقت، إذ سوف تكون بالفعل قد خُطفت لملاقاة يسوع في الهواء (تسالونيكي الأولى ١٦:٤-١٧).
- لأن يسوع أخبر تلاميذه عن رجسة الخراب (التي سيُحدثها المسيح الدجال في منتصف الضيقة العظيمة)، ولأنه حذرهم من هذا الدمار القادم في الضيقة العظيمة، يعتقد بعض المؤمنين أن جميع المؤمنين سيخوضون الضيقة العظيمة. فهذا بالنسبة لهم، يبدو واضحًا، إذ لماذا قال يسوع هذه الأشياء لتلاميذه إذا كان تلاميذه لن يختبروها؟
- الجواب بسيط: نعلم من هذا المقطع والمقاطع الأخرى أن الله سيأخذ كنيسته قبل غضب الضيقة العظيمة، للقاء يسوع في الهواء (تسالونيكي الأولى ١٦:٤-١٧). ومع ذلك، تعتبر هذه المعلومات ذات قيمة لأتباع يسوع حتى يتمكنوا من فهم خطته للمستقبل. بالإضافة إلى ذلك، تعتبر هذه المعلومات ذات قيمة خاصة لأولئك الذين سيصبحون تلاميذه في الضيقة العظيمة بعد رحيل الكنيسة.
- من الجيد أن نتذكر أن التلاميذ الذين سمعوا يسوع يقول هذه الكلمات لم يروا أيًا منها. ومع ذلك كان لا يزال جيدًا بالنسبة لهم السماع عنها. وحتى لو لن يخوض المؤمنون الضيقة العظيمة، من الجيد لهم، ولأولئك الذين سيصبحون مؤمنين في الضيقة العظيمة، أن يعرفوا ماذا سيحدث خلال ذلك الوقت. فقد تكلم يسوع إلى جميع الأزمنة هنا.
ج) الآيات (٢١-٢٨): ما يأتي بعد رجسة الخراب: ضِيقٌ عَظِيمٌ.
٢١لأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ ضِيقٌ عَظِيمٌ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ مُنْذُ ابْتِدَاءِ الْعَالَمِ إِلَى الآنَ وَلَنْ يَكُونَ. ٢٢وَلَوْ لَمْ تُقَصَّرْ تِلْكَ الأَيَّامُ لَمْ يَخْلُصْ جَسَدٌ. وَلكِنْ لأَجْلِ الْمُخْتَارِينَ تُقَصَّرُ تِلْكَ الأَيَّامُ. ٢٣حِينَئِذٍ إِنْ قَالَ لَكُمْ أَحَدٌ: هُوَذَا الْمَسِيحُ هُنَا! أَوْ: هُنَاكَ! فَلاَ تُصَدِّقُوا. ٢٤لأَنَّهُ سَيَقُومُ مُسَحَاءُ كَذَبَةٌ وَأَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ وَيُعْطُونَ آيَاتٍ عَظِيمَةً وَعَجَائِبَ، حَتَّى يُضِلُّوا لَوْ أَمْكَنَ الْمُخْتَارِينَ أَيْضًا. ٢٥هَا أَنَا قَدْ سَبَقْتُ وَأَخْبَرْتُكُمْ. ٢٦فَإِنْ قَالُوا لَكُمْ: هَا هُوَ فِي الْبَرِّيَّةِ! فَلاَ تَخْرُجُوا. هَا هُوَ فِي الْمَخَادِعِ! فَلاَ تُصَدِّقُوا. ٢٧لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْبَرْقَ يَخْرُجُ مِنَ الْمَشَارِقِ وَيَظْهَرُ إِلَى الْمَغَارِبِ، هكَذَا يَكُونُ أَيْضًا مَجِيءُ ابْنِ الإِنْسَانِ. ٢٨لأَنَّهُ حَيْثُمَا تَكُنِ الْجُثَّةُ، فَهُنَاكَ تَجْتَمِعُ النُّسُورُ.
- ضِيقٌ عَظِيمٌ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ مُنْذُ ابْتِدَاءِ الْعَالَمِ: قال يسوع أن هذا سيكون أكثر الأوقات فظاعة في التاريخ. فعندما نفكر في الحروب الفظيعة والأوبئة والمجاعات والإبادة الجماعية التي شهدها التاريخ، فإن هذا البيان يعتبر منطقي. فعندما يسكب الله غضبه على عالم يرفض الله، سيكون ذلك ضِيقٌ عَظِيمٌ حقًا.
- أولئك الذين يعتقدون أن أحداث متى ٢٤ قد تحققت كلها أو معظمها في عام ٧٠م وأن ما حل في أورشليم في ذلك الوقت يعتبر من أسوأ الكوارث في التاريخ، هم في موقف لا يحسدون عليه. إذ لا يمكننا الدفاع عن هذا تاريخيًا. وبقدر ما كانت كارثة ٧٠م سيئة، كانت هناك حروب ومآسي لاحقة أسوأ. مما يذكرنا بأن: ضِيقٌ عَظِيمٌ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ مُنْذُ ابْتِدَاءِ الْعَالَمِ، لم يحدث بعد.
- هُوَذَا الْمَسِيحُ: لا ينبغي أن يُخدع أحد عن طبيعة مجيء يسوع. فلن يكون سريًا أو خفيًا، ولكن بصراحة مثل البرق الذي يومض في السماء. ولكن في خضم مثل هذه الضيقة، سيكون هناك رغبة في البحث عن مُسحاء كاذبين (سَيَقُومُ مُسَحَاءُ كَذَبَةٌ وَأَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ).
- لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْبَرْقَ يَخْرُجُ مِنَ الْمَشَارِقِ وَيَظْهَرُ إِلَى الْمَغَارِبِ هَكَذَا يَكُونُ أَيْضًا مَجِيءُ ابْنِ الإِنْسَانِ: “سيكون مجيء المسيح مفاجئًا ومذهلًا ومرئيًا عالميًا ومرعبًا للأشرار.” سبيرجن (Spurgeon)
- مَجِيءُ ابْنِ الإِنْسَانِ: إن كلمة ’باروسيا‘ (Parousia) أو ’مجيء،‘ تستخدم فقط في هذا الفصل في الأناجيل (الآيات ٣، ٢٧، ٣٧، ٣٩)، على الرغم من أنه في الرسائل، تستخدم عدة مرات لتشير إلى مجيء يسوع في مجده. ومعناها الحرفي هو ’حضور‘ (كما في كورنثوس الثانية ١٠:١٠)، وكانت تستخدم لتشير إلى الزيارات الرسمية من قبل شخصيات رفيعة المستوى، وزيارات رؤساء الدول، وكذلك للزيارات الإلهية، وبالتالي، تمَ استخدامها لتشير إلى الزيارة ’النهائية‘ والأخيرة للمسيح.” فرانس (France)
- لأَنَّهُ حَيْثُمَا تَكُنِ الْجُثَّةُ فَهُنَاكَ تَجْتَمِعُ النُّسُورُ: هذه عبارة صعبة الفهم. ربما كانت صورة مجازية، تعني: “عندما تكون الدينونة جاهزة، سيأتي بالتأكيد.”
د ) الآيات (٢٩-٣١): ما بعد الضيقة العظيمة: مجيء يسوع المسيح.
٢٩«وَلِلْوَقْتِ بَعْدَ ضِيقِ تِلْكَ الأَيَّامِ تُظْلِمُ الشَّمْسُ، وَالْقَمَرُ لاَ يُعْطِي ضَوْءَهُ، وَالنُّجُومُ تَسْقُطُ مِنَ السَّمَاءِ، وَقُوَّاتُ السَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ. ٣٠وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلاَمَةُ ابْنِ الإِنْسَانِ فِي السَّمَاءِ. وَحِينَئِذٍ تَنُوحُ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ، وَيُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِيًا عَلَى سَحَاب السَّمَاءِ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ. ٣١فَيُرْسِلُ مَلاَئِكَتَهُ بِبُوق عَظِيمِ الصَّوْتِ، فَيَجْمَعُونَ مُخْتَارِيهِ مِنَ الأَرْبَعِ الرِّيَاحِ، مِنْ أَقْصَاءِ السَّمَاوَاتِ إِلَى أَقْصَائِهَا.
- تُظْلِمُ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لاَ يُعْطِي ضَوْءَهُ: تصف المقاطع النبوية عدة اضطرابات كونية تسبق وتحيط بالمجيء المجيد ليسوع (يوئيل ١٠:٢؛ رؤيا يوحنا ١٢:٦-١٤؛ إشعياء ٤:٣٤).
- وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلاَمَةُ ابْنِ الإِنْسَانِ فِي السَّمَاءِ: من الصعب أن نقول بالضبط ما هي هذه العلامة. ويبدو أنها تسبق عودته كما هو موضح في سفر رؤيا يوحنا ١١:١٩. وربما ترتبط هذه العلامة بطريقة ما بالاضطرابات الكونية المذهلة التي تسبق هذا الحدث العظيم.
- اعتقد البعض، في ضوء رؤية الإمبراطور الروماني قسطنطين، أن عَلاَمَةُ ابْنِ الإِنْسَانِ ستكون صليبًا في السماء. ولكنها على الأرجح، طريقة بسيطة لوصف المجيء المادي والمرئي ليسوع من السماء إلى الأرض.
- “يشير آخرون إلى أن كلمة ’سيميون‘ (semeion) هي تفسير الترجمة السبعينية المقابل لكلمة ’عمود‘ أو ’راية‘ المشار إليها في العهد القديم كإشارة لتجمُع شعب الله.” فرانس (France)
- يعلق باركلي (Barclay) على كلمة ’سيميون‘ (semeion) قائلًا: “إنها الكلمة المعتادة لوصف وصول الوالي إلى مقاطعته أو وصول الملك إلى محل سلطانه. فمعناها المجيء بسلطان وقوة.”
- وَيُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِيًا عَلَى سَحَابِ السَّمَاءِ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ: هذا هو تحقيق النهاية، المشار إليه بعلامة رجسة الخراب. بما أن هذا لم يحدث بعد، فرجسة الخراب أيضًا لم تحدث بعد.
- مرة أخرى، أولئك الذين يزعمون أن كل أحداث متى ٢٤ أو معظمها قد تحققت في استيلاء الرومانيين على أورشليم واليهودية في عام ٧٠م، هم في موقف لا يُحسدون عليه. فغالبًا ما يزعمون أن يسوع قد حقق عبارة آتِيًا عَلَى سَحَابِ السَّمَاءِ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ من خلال الدينونة التي وقعت على الشعب اليهودي في عام ٧٠ م.
- حتى بعض الذين يعتقدون أن معظم أحداث متى ٢٤ قد تحققت في خراب أورشليم، يدركون أن هذا أبعد ما يكون عن الحد. “من العرض السابق، يبدو أن مجيء ابن الإنسان لا يتم تحديده بالقضاء الذي تم على أورشليم.” بروس (Bruce)
هـ ) الآيات (٣٢-٣٥): يسوع يتحدث أكثر عن توقيت هذه الأحداث.
٣٢فَمِنْ شَجَرَةِ التِّينِ تَعَلَّمُوا الْمَثَلَ: مَتَى صَارَ غُصْنُهَا رَخْصًا وَأَخْرَجَتْ أَوْرَاقَهَا، تَعْلَمُونَ أَنَّ الصَّيْفَ قَرِيبٌ. ٣٣هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا، مَتَى رَأَيْتُمْ هذَا كُلَّهُ فَاعْلَمُوا أَنَّهُ قَرِيبٌ عَلَى الأَبْوَابِ. ٣٤اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ يَمْضِي هذَا الْجِيلُ حَتَّى يَكُونَ هذَا كُلُّهُ. ٣٥اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَنِ وَلكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ.
- فَمِنْ شَجَرَةِ التِّينِ تَعَلَّمُوا الْمَثَلَ: لدى شَجَرَةِ التِّينِ نمط منتظم. تظهر الأوراق، ثم يتبع الصيف. وعندما ترى الأوراق، تعرف أن الصيف قريب.
- كانت شجرة التين شجرة فاكهة شائعة في إسرائيل. وقد ذكرت عدة مرات في العهد القديم، خاصةً باعتبارها وصفًا لوفرة الأرض. وفي بعض الأحيان يتم استخدام التين أو أشجار التين كرموز أو صور. وفي مقاطع مثل إرميا ١:٢٤-١٠، و هوشع ١٠:٩ تم استخدام التين أو أشجار التين كرمز لإسرائيل.
- ومع ذلك، فإن معظم إشارات العهد القديم إلى شَجَرَةِ التِّينِ تستخدمها ببساطة كمثال على البركة الزراعية. ويبدو أن إشارة يسوع هنا ليست على مدى إثمار شجرة التين، ولكن على الطريقة التي تتبع بها شجرة التين دورات نمو موثوقة تتعلق بالفصول. وهذا واضح بشكل خاص عند مقارنة هذا المقطع مع إنجيل لوقا ٢٩:٢١-٣١ “وَقَالَ لَهُمْ مَثَلًا: اُنْظُرُوا إِلَى شَجَرَةِ التِّينِ وَكُلِّ الأَشْجَارِ. مَتَى أَفْرَخَتْ تَنْظُرُونَ وَتَعْلَمُونَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَنَّ الصَّيْفَ قَدْ قَرُبَ. هَكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا مَتَى رَأَيْتُمْ هَذِهِ الأَشْيَاءَ صَائِرَةً فَاعْلَمُوا أَنَّ مَلَكُوتَ اللهِ قَرِيبٌ.”
- هَكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا مَتَى رَأَيْتُمْ هَذَا كُلَّهُ فَاعْلَمُوا أَنَّهُ قَرِيبٌ عَلَى الأَبْوَابِ: أكد يسوع أنه عندما تظهر هذه العلامات كما تنبأ (رجسة الخراب، تليها الضيقة العظيمة، تليها علامات في السماء)، فإن عودته إلى الأرض ستتبع. فعندما تبرز براعم شجرة التين، تكون النتيجة معروفة: الصيف يقترب والفاكهة قادمة. وبنفس الطريقة، عندما تُرى هذه العلامات، فإن مجيء يسوع في مجده مع كنيسته إلى هذا العالم سوف يتبع تلك العلامات حتمًا.
- حقًا، كان الأمر كما تنبأ دانيال في سفر دانيال ١١:١٢. ستأتي النهاية بعد ١٢٩٠ يومًا من رجسة الخراب. ويسوع يؤكد هنا أن معاناة الضيقة العظيمة لن تستمر إلى ما لا نهاية؛ سيكون لها نهاية.
- حتى هذه النقطة، أعطى يسوع مخططًا مهمًا لأحداث النهاية.
- ستأتي الكوارث والاضطهادات، لكن تلك بحد ذاتها ليست علامة نهاية الأيام.
- ستأتي العلامة المحورية: رجسة الخراب.
- عندما تظهر رجسة الخراب، هناك تحذيرات لإسرائيل للفرار بعد الرجسة.
- في أعقاب رجسة الخراب تأتي الضيقة العظيمة والاضطرابات الكونية.
- في الذروة، سيعود يسوع المسيح إلى الأرض في مجده.
- اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ يَمْضِي هَذَا الْجِيلُ حَتَّى يَكُونَ هَذَا كُلُّهُ. اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَنِ وَلَكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ: إن هذا التصريح من يسوع كان من أحد الأسباب الرئيسية التي جعلت الكثيرين يقولون أن أحداث هذا الفصل، أو معظمها في ٧٠م، قد تحقق فعلًا بعد حوالي ٤٠ سنة. ومع ذلك، وكما قيل سابقًا، فإن التأكيد على هذا هو امتداد التفسير الأكثر طبيعية لرجسة الخراب، وشدة الضيقة العظيمة، والعلامات الكونية، ومجيء ابن الإنسان. من الأفضل أن تترك هذه المقاطع لمعناها الطبيعي وأن تضع هذا الوعد في ذلك السياق.
- لا يمكن أن يكون الْجِيلُ الذي قصده يسوع هو جيل التلاميذ، لأنهم لم يروا يسوع يعود في مجده كما هو موضح في إنجيل متى ٣٠:٢٤. إنه بلا شك الجيل الذي يرى هذه العلامات. فلن تكون هذه الأحداث وعودة يسوع في جدول زمني مدته ١٠٠٠ عام، ولكن هذه الأحداث ستحدث على التوالي.
- لقد تم اقتراح أن الكلمة ’الْجِيل‘ يمكن ترجمتها أيضًا ’العِرق،‘ وهو وعد بأن الجنس اليهودي لن ينتهي وسيبقى حتى النهاية. سيكون هذا وعدًا قيمًا، لكن بعض المفسرين (مثل فرانس France) يزعمون أن هذه ترجمة خاطئة بشكل محرج. ومع ذلك، كتب آخرون، مثل آدم كلارك (Adam Clarke)، الذي آمن بقوة بأن أحداث هذا الفصل تقريبًا قد تحققت جميعًا في عام ٧٠م: “إنها تعني العِرق؛ بمعنى أن اليهود لن يتوقفوا عن أن يكونوا شعبًا متميزًا، حتى يتم الوفاء بجميع مشورات الله بالنسبة لهم وللأمم.”
رابعًا. المزيد عن مجيئه، ولكن من زاوية مختلفة
أ ) الآية (٣٦): قال يسوع إن يوم وساعة عودته لا يعرفها البشر، بل لا يعرفها الملائكة.
٣٦وَأَمَّا ذَلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ وَلاَ مَلاَئِكَةُ السَّمَاوَاتِ إِلاَّ أَبِي وَحْدَهُ.
- وَأَمَّا ذَلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ: هنا، يشير يسوع إلى السؤال الأصلي في متى ٣:٢٤ (مَا هِيَ عَلاَمَةُ مَجِيئِكَ؟). وكانت إجابته غير متوقعة إلى حد ما، إذ قال: وَأَمَّا ذَلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ.
- للتشديد على هذه الفكرة، أعلن يسوع أن هذه المعرفة كانت مخصصة لأبيه فقط (إِلاَّ أَبِي وَحْدَهُ). فإذا كان يسوع نفسه، على الأقل خلال خدمته الأرضية، لم يكن يعرف ذَلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ، فهذا يؤكد على حماقة أي شخص يقدم تنبؤات معينة فيما يتعلق بالجدول الزمني للنبوة.
- فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ: بناءً على ما أخبرنا به عن رجسة الخراب، ربما كنا نتوقع أن يكون اليوم والساعة معروفيْن. فبعد كل شيء، حدد دانيال يوم عودة يسوع على أنه ١٢٩٠ يومًا بالضبط بعد رجسة الخراب (دانيال ١١:١٢).
- هذه معضلة. كيف يمكن أن يكون يوم مجيء يسوع مجهولًا تمامًا، وفي الوقت نفسه يُعرف اليوم بناءً على ما جاء في سفر دانيال ١١:١٢؟
ب) الآيات (٣٧-٣٩): قال يسوع إن حالة العالم يوم مجيئه ستكون كما كانت أيام نوح.
٣٧وَكَمَا كَانَتْ أَيَّامُ نُوحٍ كَذلِكَ يَكُونُ أَيْضًا مَجِيءُ ابْنِ الإِنْسَانِ. ٣٨لأَنَّهُ كَمَا كَانُوا فِي الأَيَّامِ الَّتِي قَبْلَ الطُّوفَانِ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَتَزَوَّجُونَ وَيُزَوِّجُونَ، إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ نُوحٌ الْفُلْكَ، ٣٩وَلَمْ يَعْلَمُوا حَتَّى جَاءَ الطُّوفَانُ وَأَخَذَ الْجَمِيعَ، كَذلِكَ يَكُونُ أَيْضًا مَجِيءُ ابْنِ الإِنْسَانِ.
- وَكَمَا كَانَتْ أَيَّامُ نُوحٍ: شرح يسوع ما قصده بأيام نوح. إنه يعني الحياة التي تتمحور حول الأشياء الطبيعية: يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَتَزَوَّجُونَ وَيُزَوِّجُونَ. بمعنى آخر، ستكون الحياة كالمعتاد. شريرة ربما، ولكننها معتادة.
- يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَتَزَوَّجُونَ وَيُزَوِّجُونَ: يلاحظ بروس (Bruce) أن “البعض يربط هذه الكلمات بمعنى شرير، فمثلًا كلمة: [يَأْكُلُونَ]، تشير إلى الشراهة لأنها غالبًا ما تُستخدم مع الحيوانات، على الرغم من أنها تستخدم مع البشر أيضًا… وجملة: [وَيَتَزَوَّجُونَ وَيُزَوِّجُونَ]، يشير بشكل مُلطَّف أو مخفف إلى الانحرافات الجنسية على كلا الجانبين.” ومع ذلك، فقد توصل إلى الاستنتاج التالي: “يبدو أن الفكرة هي أن كل الأشياء سارت على النحو المعتاد، وكأن شيئًا لن يحدث.”
- يجب أن نتذكر أيضًا أن أيام نوح تميزت أيضًا بالعنف وسكنى الأرواح الشريرة (تكوين ١:٦-٥).
- وَلَمْ يَعْلَمُوا حَتَّى جَاءَ الطُّوفَانُ وَأَخَذَ الْجَمِيعَ: لقد تم تحذير الناس في أيام نوح، وجاءت الدينونة في النهاية. ولكن بالنسبة لأولئك الذين تجاهلوا التحذيرات، جاءت الدينونة فجأة وبشكل غير متوقع.
- “فكرة أن مجيء ابن الإنسان سيأتي في وقت غير معروف لا يمكن أن تكون صحيحًا إلا إذا كانت الحياة تسير كالعادة، تمامًا كما في الأيام التي سبقت الفيضان.” كارسون (Carson)
- في هذا، هناك معضلة. كيف يمكن أن يأتي يسوع إلى عالم يعيش حياته بشكل طبيعي، وعالم يعاني من أسوأ الكوارث التي لم تشهدها الأرض على الإطلاق؟
ج ) الآيات (٤٠-٤٤): يسوع يحذر تلاميذه لكي يكونوا مستعدين لمجيئه غير المتوقع.
٤٠حِينَئِذٍ يَكُونُ اثْنَانِ فِي الْحَقْلِ، يُؤْخَذُ الْوَاحِدُ وَيُتْرَكُ الآخَرُ. ٤١اِثْنَتَانِ تَطْحَنَانِ عَلَى الرَّحَى، تُؤْخَذُ الْوَاحِدَةُ وَتُتْرَكُ الأُخْرَى. ٤٢«اِسْهَرُوا إِذًا لأَنَّكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ فِي أَيَّةِ سَاعَةٍ يَأْتِي رَبُّكُمْ. ٤٣وَاعْلَمُوا هذَا: أَنَّهُ لَوْ عَرَفَ رَبُّ الْبَيْتِ فِي أَيِّ هَزِيعٍ يَأْتِي السَّارِقُ، لَسَهِرَ وَلَمْ يَدَعْ بَيْتَهُ يُنْقَبُ. ٤٤لِذلِكَ كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا مُسْتَعِدِّينَ، لأَنَّهُ فِي سَاعَةٍ لاَ تَظُنُّونَ يَأْتِي ابْنُ الإِنْسَانِ.
- حِينَئِذٍ يَكُونُ اثْنَانِ فِي الْحَقْلِ: يُؤْخَذُ الْوَاحِدُ وَيُتْرَكُ الآخَرُ: أشار يسوع هنا إلى حالات اختفاء غريبة يوم مجيء ابن الإنسان (كما هو موضح أيضًا في تسالونيكي الأولى ١٦:٤-١٧).
- اِسْهَرُوا إِذًا لأَنَّكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ فِي أَيَّةِ سَاعَةٍ يَأْتِي رَبُّكُمْ: بما أن يوم وساعة هذا اليوم غير معروفين، يجب أن يكون أتباع يسوع متيقظين لمجيئه.
- هنا نرى مرة أخرى معضلة المجيء الثاني.
- هل هو في ساعة غير متوقعة أم أنه متوقع إيجابيًا؟
- هل هو أثناء العمل كالمعتاد أو كارثة في جميع أنحاء العالم؟
- هل ملاقاته في الهواء (تسالونيكي الأولى ١٦:٤-١٧) أم هل سيأتي مع القديسين (زكريا ٥:١٤)؟
- يصف ويليام باركلي (William Barclay) أحد جوانب الصعوبة هنا: “هذا الجزء مكون من قسمين، ويبدو كإنما يناقض أحدهما الآخر. فالقسم الأول (الآيات ٣٢-٣٥) يبدو كأنه يبين أنه كما يستطيع المرء أن يعرف قرب حلول الصيف من العلامات والظواهر الطبيعية، هكذا يمكن له أن يعرف قرب المجيء الثاني للمسيح من علامات في أحداث العالم. والقسم الثاني (الآيات ٣٦-٤١) يتحدث بتأكيد أنه لا يستطيع أحد أن يعرف موعد المجيء الثاني، لا الملائكة، ولا يسوع نفسه، بل الله وحده هو الذي يعرف، لأنه سيأتي فجأة كما يحدث المطر المفاجئ بعد سماء صافية.”
- يتم حل المعضلة من خلال رؤية أن هناك بالفعل مجيئان للمسيح. المجيء الأول في الهواء، لاختطاف الكنيسة. والمجيء الثاني هو للعالم، يأتي مع الكنيسة، والمعروفة باسم المجيء الثاني ليسوع. فغالبًا ما يتم حل “التناقضات” في إنجيل متى ٢٤ (والكثير من بقية النبوة) من خلال رؤية وجود إشارات فعلية إلى مجيئين اثنين ليسوع.
- هنا نرى مرة أخرى معضلة المجيء الثاني.
- لِذَلِكَ كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا مُسْتَعِدِّينَ لأَنَّهُ فِي سَاعَةٍ لاَ تَظُنُّونَ يَأْتِي ابْنُ الإِنْسَانِ: يجب ألا نتجنب التشديد هنا. يجب أن نكون مستعدين، لأن مجيئه لنا سيكون دون سابق إنذار. ويقدم يسوع هنا بعض الأمثال لشرح هذه النقطة.
- “يخبرنا سويتونيوس أنه كان جزءًا من سياسة يوليوس قيصر ألا يعرّف جنوده مطلقًا بأي وقت محدد للتقهقر أو الهجوم، حتى يجعلهم على أهبة الاستعداد وقتما شاء.” تراب (Trapp)
خامسًا. مثل العبدين (الخادمين)
أ ) الآيات (٤٥-٤٧): العبد الأمين.
٤٥فَمَنْ هُوَ الْعَبْدُ الأَمِينُ الْحَكِيمُ الَّذِي أَقَامَهُ سَيِّدُهُ عَلَى خَدَمِهِ لِيُعْطِيَهُمُ الطَّعَامَ فِي حِينِهِ؟ ٤٦طُوبَى لِذلِكَ الْعَبْدِ الَّذِي إِذَا جَاءَ سَيِّدُهُ يَجِدُهُ يَفْعَلُ هكَذَا! ٤٧اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يُقِيمُهُ عَلَى جَمِيعِ أَمْوَالِهِ.
- طُوبَى لِذَلِكَ الْعَبْدِ الَّذِي إِذَا جَاءَ سَيِّدُهُ يَجِدُهُ يَفْعَلُ هَكَذَا: أخبرنا يسوع أنه يجب علينا أن نستمر في الاجتهاد قبل مجيئه. وعلينا أن نكون مثل الْعَبْدُ الأَمِينُ الْحَكِيم الذي يهتم بأعمال سيده أثناء غياب السيد.
- اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ يُقِيمُهُ عَلَى جَمِيعِ أَمْوَالِهِ: وعد يسوع أيضًا أننا سنكافأ على اجتهادنا. فالخادم يخدم السيدَ، لكن السيد يعرف كيف يعتني به ويكافئه.
ب) الآيات (٤٨-٥١): العبد الشرير.
٤٨وَلكِنْ إِنْ قَالَ ذلِكَ الْعَبْدُ الرَّدِيُّ فِي قَلْبِهِ: سَيِّدِي يُبْطِئُ قُدُومَهُ. ٤٩فَيَبْتَدِئُ يَضْرِبُ الْعَبِيدَ رُفَقَاءَهُ وَيَأْكُلُ وَيَشْرَبُ مَعَ السُّكَارَى. ٥٠يَأْتِي سَيِّدُ ذلِكَ الْعَبْدِ فِي يَوْمٍ لاَ يَنْتَظِرُهُ وَفِي سَاعَةٍ لاَ يَعْرِفُهَا، ٥١فَيُقَطِّعُهُ وَيَجْعَلُ نَصِيبَهُ مَعَ الْمُرَائِينَ. هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ.
- وَلَكِنْ إِنْ قَالَ ذَلِكَ الْعَبْدُ الرَّدِيُّ فِي قَلْبِهِ: سَيِّدِي يُبْطِئُ قُدُومَهُ: يحذرنا يسوع من الموقف الذي يقول: ’سَيِّدِي يُبْطِئُ قُدُومَهُ.‘ إذ يجب أن نعيش في ترقب دائم لعودة يسوع، وهذا يعني أن نكون حرصين على عملنا لأجله.
- ليست أخطر كذبة للشيطان: “لا يوجد إله” أو “لا يوجد جحيم، ” بل أخطر كذبة للشيطان هي: “ليس هناك عجلة من أمرنا.” فليس بسيطًا أن نقول: “لن يأت يسوع اليوم أو لعدة سنوات،” لأن النبوة تتطلب عكس ذلك، فعلينا بالحري أن نكون مستعدين للعودة الوشيكة ليسوع المسيح.
- فَيَبْتَدِئُ يَضْرِبُ الْعَبِيدَ رُفَقَاءَهُ وَيَأْكُلُ وَيَشْرَبُ مَعَ السُّكَارَى: العبد الشرير، الذي لم يكن مستعدًا لعودة السيد، أخطأ بثلاث طرق على الأقل.
- لم يكن معنيًا بالعمل الذي تركه السيد له.
- ضرب وأساء معاملة الْعَبِيدَ رُفَقَاءَهُ.
- أعطى نفسه لملذات العالم بدلًا من خدمة سيده.
- هذا التشديد المستمر على أهمية استعداد المؤمن هو تحدٍ كبير لمؤمنين اليوم. ويمكننا القول أن العديد من المؤمنين لن يفعلوا ما فعله العبد الرديء في قلبه. وعلى كل قارئ أن يعجب جدًا بإلحاح نداء يسوع هنا.
- فَيُقَطِّعُهُ وَيَجْعَلُ نَصِيبَهُ مَعَ الْمُرَائِينَ: لقد تمت مكافأة العبد الأمين الحكيم، وكذلك العبد الشرير. فقد تمت مكافأته على شره، وسيكون نَصِيبَهُ الذي يستحقه مَعَ الْمُرَائِينَ.
- فَيُقَطِّعُهُ: “المعنى المحتمل هو: سوف يتم قطع ذلك العبد الشرير إلى قسمين (إذا جاز التعبير) بسوط، أي سحقه بلا رحمة. إنها كلمة قوية تم اختيارها للتعبير عن غضب السيد.” بروس (Bruce)